الدرس الحادي عشر

فضيلة الشيخ أ.د. سليمان بن عبدالعزيز العيوني

إحصائية السلسلة

5471 22
الدرس الحادي عشر

قطر الندى

{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهلًا ومرحبًا بكم أعزائي المشاهدين والمشاهدات في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات برنامجكم "البناء العلمي".

في هذه الحلقة نستكمل وإيَّاكم شرح كتاب "قطر النَّدى وبلِّ الصَّدى" لابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ-، وسيكون ضيفنا فضيلة الشيخ/ أ. د سليمان بن عبد العزيز العيوني، عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة، أهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ}.

أهلًا وسهلًا، ومرحبًا بكم.

{توقفنا في الحلقة الماضية عند الإخبار بالزَّمان عن الذَّات، قال ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ: (ولا يخبر بالزمان عن الذات، والليلةُ والهلالُ متأولٌ)}.

بسم الله الرحمن الرحيم.

اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد؛ فحيَّاكم الله وبيَّاكم في الدرس الحادي عشر من دروس شرح "قطر النَّدى وبلِّ الصَّدى" لابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- ونحن في سنة ثنتين وأربعين وأربعمائة وألف، وهذا الدرس يُبث من الأكاديميَّة الإسلاميَّة المفتوحة من مدينة الرياض.

ما زلنا في باب المبتدأ والخبر، وقد ذكرنا أن ابن هشام ذكر في هذا الباب عشر مسائل، وشرحنا أربعًا منها، والآن نتكلم عن المسألة الخامسة، وهي: الإخبار بالزمان عن الذات.

قال ابن هشام (ولا يُخبَر بالزمان عن الذات).

لماذا نصَّ ابن هشام على هذه المسألة؟

الجواب: لأن في هذه المسألة تفصيلًا، بخلاف ما سواها فإنه جائزٌ بلا تفصيل، فلهذا لم يذكره ابن هشام.

والمراد بالذات في قول ابن هشام (عن الذات)، أي: المحسوس، وهو: ما يُدرَك بإحدى الحواس الخمس -السمع، البصر، الذوق، الشم، اللمس- والذي لا يُدرك بإحدى الحواس الخمس يُسمَّى: "معاني" أي: يُدرَك بالقلب والعقل.

والمحسوسات -أو الذات، ويُقال: جُثَّة- كــ "زيد، جدار، أسد، قلم".

والمعاني مثل: "الصلاح، الخوف" ونحو ذلك.

يقول ابن هشام: إنَّ الذوات مثل: "محمد"، والمعاني مثل: "العلم"؛ هل يُخبر عنهم بالمكان والزمان؟

أمَّا المكان فيُخبَر به ولا إشكال في ذلك، فلهذا لم ينص عليه ابن هشام، تقول: "محمد في البيت، محمد فوق السطح". وكذلك تقول: "العلم عند زيد"، فأخبرت عن "العلم" بمكان، وأنه عند زيد.

فلا إشكال في الإخبار بالمكان، وإنما الإشكال في الإخبار بالزمان، أمَّا المعاني فيُخبر بها عن الزمان ولا إشكال، كقولنا: "السفر يوم الخميس".

وعندما نقول: الإخبار بظرف الزمان أو بظرف المكان، فقد شرحنا من قبل معنى وقوع الظرف خبرًا، وعرفنا أنَّ الخبر في الحقيقة لا يقع ظرفًا، فإن وقع ظرفًا أو جارًا ومجرورًا فإنَّ الخبر في الحقيقة كونٌ عام، ومحذوفه يتعلق به هذا الظرف، ولا حاجة لإعادة ذلك.

أمَّا المعنى كـ "السفر" فلا إشكال في الإخبار عنه بالزمان، كقولك: "السفر يوم الخميس، الزواجُ الليلةَ، الاجتماع غدًا، العيدُ أمس".

وبالنسبة للجثث -الذوات- كــ "محمد، القلم" فلا يُخبر عنها بالزمان، فلا تقول: "محمد اليوم، محمد يوم الخميس، الكتاب غدًا" وذلك لعدم الفائدة.

قال ابن هشام: (أما قولهم: الليلةَ الهلال فمتأوَّل)، يعني: أنه ليس على ظاهره.

وأصل الجملة: "الهلالُ الليلةَ"، يعني: الهلال الذي يخرج في أول الشهر، فأخبر عن الهلال بأنه الليلة.

ومعن أنه متأوَّل: أي أنَّ المعنى: طلوع الهلال الليلة.

فإنهم لم يُريدوا أن يُخبروا عن الهلال بأنه الليلة، وإنما أرادوا الإخبار عن طلوع الهلال، أو ولادة الهلال الليلة. و"الطلوع" هذا معنى، فجاز أن يُخبَر عنه بالزمان ولا إشكال في ذلك.

لكن ما يجوز إذا أردتَّ الحقيقة أن تقول: "محمد اليوم، زيدٌ غدًا، الكتاب أمس"، فهذا لا يجوز، إلَّا إذا أردتَّ هذا التَّأويل، كأن تقول مثلًا: "متى إعادة الكتابين؟" فأقول: "الكتاب الأول يوم السبت، والكتاب الثاني غدًا"؛ فأنا لا أريد أن أخبر عن الكتاب بأنه يوم السبت، وإنما أريد أن أخبر عن إعادة الكتاب.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ويغني عن الخبر مرفوعُ وصفٍ مُعْتَمِدٍ على استفهامٍ، أو نفيٍ، نحو: "أقاطنٌ قومُ سلمى" و "ما مضروبٌ العَمْرَانِ")}.

هذه المسألة عن نوعي المبتدأ.

فالمبتدأ على نوعين:

النوع الأول: هو المبتدأ الذي له خبر. وهذا هو المشهور، فتأتي بمبتدأ كـ "محمد" ثم تُخبر عنه بخبر، تقول: "محمد قائم، محمد مسافر، الكتاب جميل"، ونحو ذلك.

النوع الثاني: هو المبتدأ الذي ليس له خبر، وإنما له مرفوع -يعني: فاعل أو نائب فاعل- سدَّ مسد الخبر.

وهذا النوع الثاني من الخبر هو الذي يحتاج إلى ضبطٍ؛ لأنه منحصرٌ في نوعٍ واحد، وهو ما ذكره ابن هشام في قوله: (وصفٍ مُعْتَمِدٍ على استفهامٍ، أو نفيٍ)، فإذا كان المبتدأ وصفًا معتمدًا على استفهام أو نفيٍ؛ فإنَّ مرفوعه -وهو فاعل أو نائب فاعل- يُغني عن الخبر.

ومعنى قولنا: "وصف"، أنه اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة.

اسم الفاعل مثل: "قائم"، من "قام - يقوم فهو قائم". فكلمة "قائم" وصف، فلو وقعت مبتدأ -اسمًا مجردًا عن العوامل اللفظية- فإنه مرفوعه -وهو فاعل القيام كـ "زيدٌ"- سيغني عن الخبر إذا اعتمد هذا الوصف على استفهام كـ "أقائمٌ" أو على نفي كـ "ما قائمٌ".

فلو قلتَ: "ما قائمٌ زيدٌ" فــ "ما" حرف نفي. و"قائمٌ" مبتدأ؛ لأنه اسمٌ لم يُسبق بعامل لفظي. و"زيدٌ" ليس خبرًا عن القيام، ولكنه فاعل القيام، ولا حاجة للخبر؛ لأن الفاعل -وهو مرفوع المبتدأ سدَّ مسد الخبر؛ لأنَّ المبتدأ وصف معتمد على نفي -أو استفهام.

ولهـذا شرطان:

- أن يكون المبتدأ وصفًا.

- أن يكون معتمدًا على نفيٍ أو استفهام.

وابن هشام مثَّل لذلك بقول الشاعر:

أقاطِنٌ قَوْمُ سَلْمى أمْ نَوَوْا ظَعَنا ... إن يَظْعَنُوا فَعَجِيبٌ عَيْشُ مَنْ قَطَنَا

فقوله: "قاطن": اسم فاعل من "قطَنَ - يقطن - فهو قاطنٌ"، وسُبق باستفهام، فهذا وصف مُعتمِد.

"قوم" فاعل، لأن المعنى: "أيقطنُ قومُ سلمى؟"، والفاعل سدَّ مسد الخبر.

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ﴾ [مريم: 46]، فـ "راغب" اسم فاعل من "رغَبَ - يرغب - فهو راغبٌ"، واعتمد على استفهام.

و"أنتَ" فاعل سدَّ مسد الخبر.

وكذلك قول:

خَلِيلَيَّ ما وافٍ بِعَهْدِي أَنْتُمَا ... إِذَا لَمْ تَكُونَا لِي عَلَى مَنْ أُقَاطِعُ

فـ "وافٍ" اسم فاعل من "وفى - يفي - فهو وافٍ"، واعتمدَ على نفي.

والفاعل: "أنتما"، أي: ما يفي.

{قال ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ: (وقد يتعدد الخبر، نحو: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾)}.

هذه هي المسألة السابعة في هذا الباب، وهي مسألة: تعدد الخبر.

الخبر: هو الذي يُتم فائدة المبتدأ، كقولنا: "محمدٌ مسافرٌ، الكتاب مفيدٌ، البيتُ كبيرٌ". فالخبر هو محط الفائدة؛ لأنه يُكمل فائدة المبتدأ.

وقد يتعدد، أي: يجوز أن يأتي أكثر من خبر.

ومعنى تعدد الخبر: أن تتعدد الأخبار بلا عطف، كأن تقول: "محمد كاتبٌ شاعرٌ"، فأخبرتَ عن "محمد" بخبرين: "كاتبٌ"، "شاعرٌ"، فنقول في الإعراب:

"محمد": مبتدأ.

"كاتبٌ": خبر أول.

"شاعرٌ": خبر ثانٍ.

أمَّا لو عطفتَ فقلتَ: "محمدٌ شاعرٌ وكاتبٌ"، فحينئذٍ نخرج من أسلوب التعدد إلى أسلوب العطف، فندخل في التوابع، وليس هذا من باب التعدد.

والذي يُحدد التعدد هو المعنى، فربما تريد أن تخبر عنه بـ "كاتبٌ" فقط، ولا يشغلك شيءٌ آخر، فتقول: "محمدٌ كاتبٌ"، وقد تخبر عنه بخبرين أو أكثر، كقولك: "محمدٌ كاتبٌ شاعرٌ مفسِّرٌ نحويٌّ محدِّثٌ".

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج: 14 - 16]، فــ "هو" مبتدأ.

وأخبر عن هذا المبتدأ بعدَّة أخبار:

الأول: "الغفور".

الثاني: "الودود".

الثالث: "ذو العرش"، أي: صاحب العرش.

الرابع: "المجيدُ" بالرفع.

الخامس: "فعالٌ لما يُريد".

فأخبر عن هذا المبتدأ بخمسة أخبار.

وفي قراءةٍ أخرى ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ﴾، فحينئذٍ يسقط "المجيد" من الأخبار، لأنه سيكون نعتًا للعرش، فيكون أخبر حينئذٍ بأربعة أخبار.

في هذه المسألة خلاف:

- بعضهم يمنع تعدد الخبر، فيقول: لا يجوز أن يتعدد الخبر، وأما هذا الأسلوب "محمد كاتبٌ شاعرٌ" فهو أسلوبٌ صحيحٌ، فـإما أن يكون:

* "كاتبٌ" خبر أول. و "شاعر" نعتٌ للخبر.

* "شاعر" خبر لمبتدأ محذوف، كأنك قلتَ: "محمدٌ كاتبٌ هو شاعرٌ".

وهكذا يجعلون لكل خبر آخر مبتدأً مقدَّرًا، ولا شكَّ أن هذا تكلف، سواء قدَّرتَ مبتدأ لكل خبر، أو إن جعلته نعتًا، فإن تعدد الخبر يجوز فيه أن تعطف، فتقول "محمدٌ كاتبٌ وشاعرٌ"، وحينئذٍ يكون الكلام من العطف باتفاق.

أما لو حذفتَ الواو فقلت: "محمد كاتبٌ شاعرٌ" فهو نفس المعنى، إلا أن هناك خلاف دقيق بينهما:

= إذا لم تأتِ بالعطف وعدَّدتَّ "محمدٌ شاعرٌ" فإنَّك أردتَّ أن تُخبر عن المبتدأ بهذه الأخبار على التساوي.

= أما إذا أتيتَ بالواو، فأنتَ أردتَّ أن تخبر على محمدٍ بكل خبرٍ على حدة، وليس هناك دليل على تساويه في هذه الأخبار، فقد يكون متميزًا في الشاعريَّة وغير متميِّز في الكتابة، ولكنه يبقى كاتبًا.

{قال ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ: (وقد يتقدمُ، نحو: "في الدار زيدٌ" و "أين زيدٌ")}.

المسألة الثامنة في هذا الباب: تقدُّم الخبر.

الجملة الاسمية -كما عرفنا- في ترتيبها الأصلي: أن يتقدَّم المبتدأ ويتأخَّر الخبر، إلا أن هذا الترتيب ليس بواجب، فقد يتقدَّم الخبر على المبتدأ جوازًا أو وجوبًا.

التَّقدَّم الواجب: يكون عندما يكون هناك موجب للتَّقدُّم، ومثَّل له ابن هشام بـ "أين زيدٌ". فـ "أينَ": خبـر، و "زيدٌ" مبتدأ، والخبر هنا تقدَّم جوبًا؛ لأنه لفظ له الصَّدارة، وعرفنا أنَّ ألفاظ الصدارة كأسماء الاستفهام وأسماء الشرط.

فإن قيل: لماذا جعلنا "أينَ" الخبر، و "زيدٌ" المبتدأ؟

الجواب: لأنه المسنَد إليه.

كيف عرفنا أنه المسند إليه؟

لأن "أين" للسؤال عن المكان.

وهنا قاعدة في إعراب أسماء الاستفهام أشرنا إليها من قبل، ومن أراد أن يتوسَّع فيها فيُمكن أن يُراجع محاضرة لي بعنوان: "الإعراب: أركانه، ومصطلحاته، وبعض ضوابطه".

وخلاصةُ ذلك: أن اسم الاستفهام يُعرب بإعراب ما يُقابله في الجواب.

يعني: تجيب عن السؤال جوابًا كاملًا دون حذفٍ، ثم تعرب اسم الاستفهام بإعراب ما يُقابله في الجواب.

فقولنا: "أينَ زيدٌ؟" سنقول في الجواب الكامل: "زيدٌ في البيت"

فـ "زيدٌ" تقابل "زيدٌ". وهو مبتدأ في الموضعين.

و "في البيت" خبر، ويقابله "أين" لأنه سؤال عن المكان، فيكون خبرًا مقدمًا، إلا أنَّ "أين" قُدِّمَ وجوبًا لأن له الصدارة.

وأمَّا الخبر "في البيت" فيجوز أن يتقدَّم ويجوز أن يتأخر، فتقول: "زيدٌ في البيت" أو "في البيت زيدٌ". وهذا مثال ابن هشام على التَّقدُّم الجائز.

إذًا نقول: إذا كان هناك مُوجبٌ لتقدِّم الخبر كان التَّقدُّم واجبًا، فإن لم يكن هناك موجب فإنَّ التَّقدُّم جائز.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وقد يُحذَف كلٌّ من المبتدأ والخبر نحو: "سلامٌ قومٌ منكرونَ" أَيْ: عليكم أنتم)}.

المسألة التاسعة: حذف المبتدأ والخبر جوازًا.

عندما نقول في شيءٍ: "جائز"؛ فمعنى ذلك أنه داخلٌ في قاعدة الحذف الجائزة التي تقول: "كل معلوم يجوزُ حذفه"، أو "يُحذَفُ كل ما كان معلومًا"، كما قال ابن مالك في ألفيته:

وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ ... كَمَا تَقَولُ: زَيْدٌ بَعْدَ مَنْ عِندَكُمَا

والحذف الجائز في المبتدأ والخبر يكون:

- إما بحذف المبتدأ فقط مع بقاء الخبر.

- أو بحذف الخبر فقط مع بقاء المبتدأ.

- أو بحذف المبتدأ والخبر معًا.

وكل ذلك مشروط بالعلم، فإذا كان أحدهما أو كلاهما معلومًا فالحذف جائز:

- كالعناوين وما في حكمها، كقولهم:

"فصل" أي: "هذا فصلٌ".

"بابُ الصلاة" أي: هذا باب الصلاة.

"كتاب التوحيد"، أي: هذا كتاب التوحيد.

"شركة فلان"، أي: هذه شركةُ فلان.

"مخبز الحي"، أي: هذا مخبز الحي.

"جامعُ فلان"، أي: هذا جامع فلان.

"جامعةُ الإمام"، أي: هذه جامعة الإمام.

- وكذلك في اللوحات التي توضع فوق الأبواب، مثل:

"المكتبة"، أي: هذه المكتبة.

"المدير"، أي: هذه غرفة المدير.

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ﴾ [القارعة10، 11]، أي: وما أدراك ما هي؟ والهاء تُسمى هاء السكت لبيان الفتحة على الياء.

والجواب: هي نارٌ حاميةٌ.

فـ "هي": مبتدأ محذوف.

و"نارٌ": خبر.

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا﴾ [النور: 1]، أي: هذه سورةٌ أنزلناها.

أما حذف الخبر جوازًا كمثال ابن مالك: "مَن عندكما؟"

الجواب الكامل تقول: "عندي زيدٌ".

فـ "زيدٌ": مبتدأ.

و"عندي": خبر لأنه ظرف، والظروف لا تقع مبتدأً، فهو خبر مقدم.

ولو قلنا: "زيدٌ عندي" لجازَ، فيكون من التقديم والتأخير الجائز.

الشاهد أنه يجوز لك في الخبر أن تحذفه، فتقول: "زيدٌ".

وإذا قلنا: "يجوز" يعني أن ذكره جائز، فتقول: "زيدٌ عندي" أو "زيدٌ"؛ لأنَّ السؤال دلَّ عليه.

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا﴾ [الرعد: 35]، فـ "أكلها" مبتدأ"، أخبر عنه بأنه دائم.

ثم قال: "وظلها": الواو حرف عطف. و"ظلها" مبتدأ، والخبر محذوف، يعني: "دائمٌ" أو "كذلك".

وأمَّا حذف المبتدأ والخبر معًا، كأن تقول: "هل محمدٌ مسافرٌ؟" فنقول في الجواب: "نعم"، فهذا حرف، والحرف وحده لا يُقيم جملة، وإنما التقدير "نعم محمدٌ مسافرٌ"، فحذفت المبتدأ والخبر لدلالة السؤال عليه، وبقي الحرف فقط.

وكذلك لو قلت: "ما محمدٌ مسافرٌ" فتقول: "بلى"، يعني: بلى محمدٌ مسافرٌ.

أمَّا قول ابن هشام (وقوله: ﴿سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ [الذاريات: 25]، أي: عليكم أنتم)، فـهي جملتان:

الجملة الأول: "سلام" مبتدأ، خبره محذوف، أي: "سلامٌ عليكم".

أما الجملة الثانية: "قومٌ منكرون"، يعني: "أنتم قومٌ منكرون". حذف المبتدأ.

فلا نقول: إنَّ المبتدأ والخبر محذوفان؛ لأن معنى ذلك أنهما محذوفان من جملة واحدة، وإنما هذا مثال لحذف الخبر جوازًا، ولحذف المبتدأ جوازًا.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ويجب حذفُ الخبر قبلَ جوابَيْ لَوْلا والقسمِ الصريحِ والحالِ الممتنعِ كونُها خبراً، وبعد الواو المصاحبةِ الصريحةِ، نحو ﴿لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ و "لَعَمْرُكَ لأفعلَنّ" "وضَرْبِي زيداً قائماً" و "كلُّ رجل وضَيعَتُهُ")}.

في هذه المسألة تكلم ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- على حذف الخبر وجوبًا، فبعد أن ذكر في المسألة السابقة أن الخبر قد يُحذف جوازًا إذا دلَّ عليه دليل؛ ذكر في هذه المسألة أن الخبر قد يُحذف وجوبًا إذا كان هناك موجب، وذكر هذه الموجبات، وذكر لنا أربعة مواضع يجب فيها حذف الخبر:

الموضع الأول: قبل جواب "لولا" الشرطية، وهذا أسلوب من أساليب العرب، تأتي فيه "لولا" شرطيَّة امتناعيَّةً، كقولنا: "لولا محمدٌ لزُرتك"، تدل على امتناع الزيارة لوجود محمد، فيسمونها "امتناعيَّة" وهي شرطية.

فـ "لولا": حرف الشرط الامتناعي.

"زرتُكَ"، جملة فعلية مكونة من: "زارَ" فعل. والتاء فاعل. والكاف مفعول به. وللام واقعة في جواب "لولا"، وجملة "لزرتك" جواب "لولا".

"محمدٌ": مبتدأ، وخبره: كون عام محذوف وجوبًا، يعني: لولا محمدٌ موجودٌ -أو كائنٌ- لزرتكَ.

فهنا حذف الخبر وجوبًا لوقوع المبتدأ بعدَ "لولا"، أو: لوقوع الخبر قبل جواب "لولا".

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ: 31]، أي: لولا أنتم موجودون.

وقوله: ﴿وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ﴾ [هود: 91]، أي: ولولا رهطك موجود لرجمناكَ.

الموضع الثاني: قبل جواب القسم الصريح.

القسم معروف وله ألفاظ، منها:

- ألفاظ صريحة: لا تستعمل في اللغة إلا في القسَم. مثل: "لعمركَ"، وهو قسم بالحياة.

- ألفاظ غير صريحة: تستعمل في القسَم وفي غير القسَم.

قوله تعالى: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر: 72]، وقولك: "لعمرُك لأجتهدنَّ"، فالقسم هنا حدثَ باسمٍ وهو "العمر" وهو "الحياة"، وهو مبتدأ. والخبر محذوف تقديره "قسَمي، أو: يميني. أو: حلفي"، يُريد أن يقول: "عمرُكَ قسَمي"، واللام لام الابتداء.

وأما الكلام على القسَم بالعَمْرِ فهذا يتكلَّم عليه أهل العقيدة والفقه، ويقولون: إنه مما استُعمل في اللغة حتى صار المراد به التَّوكيد، وخرج عن إرادة القسَم الحقيقي، فيستعمل على هذا المعنى، وقد جاء في بعض الأحاديث.

الموضع الثالث: قبل الحال الممتنع كونها خبرًا.

ويعبرون عن ذلك بقولهم: إذا سدَّت الحال مسد الخبر.

وهذا أسلوب عربي معيَّن. وإذا قلنا: "أسلوب" يعني: أنه أسلوب ثابت ما يتغيَّر، وهذا الأسلوب يأتي فيه المبتدأ:

* مصدرًا، مثل "أكْل، ضرْب، شُرْب، قيام، جلوس، ذهاب".

* ويكون مضافًا إلى الفاعل، مثل: "أكلي، أكل محمدٍ".

* ثم ينصب مفعولًا، مثل: "أكلي الطعامَ"، كما تقول "آكلُ الطعامَ"، ولكن "آكلُ" فعل، فإذا حولتها إلى مصدر صارت "أكلي الطعامَ".

* ثم تأتي بحال من الطعام، فتقول: "أكلي الطعامَ ساخنًا".

فـ "أكلي" اسم مجرد عن العوامل اللفظية فهو مبتدأ ويحتاج إلى خبر.

"الطعام" مفعول به، لأن الأكل وقع عليه.

"ساخنًا" منصوب، ولا يجوز أن يكونَ خبرًا، فهو حال من الطعام.

أما الخبر فهو محذوف وجوبًا؛ لأن الحال سدَّت مسدَّه، وهو مقدَّرٌ بكون عام محذوف، يعني: "أكلي الطعام كائنٌ -أو موجودٌ أو حاصلٌ- حالةَ كون الطعام ساخنًا".

ومن ذلك أن تقول: "أكلي الفواكه طازجة، شربي العصير باردًا، ضربي المخطئ مصرًّا، شربي السويق ملتوتًا، ضربي زيدًا قائمًا".

الموضع الرابع: بعد واو المعيَّة الصريحة، وهذا أيضًا أسلوب، وينبغي على الطالب أن يهتم بهذه الأساليب العربيَّة.

الواو في الأصل هي واو العطف، والعطف قد يدل على المعيَّة وقد لا يدل على المعيَّة، والمعيَّة قد تكون صريحة وقد تكون غير صريحة.

المعية الصريحة: يعني أن ما قبلها وما بعدها دائمة صريحة ولا ينفصلان، فهما شيئان متلازمان، فمنذ أن تذكر الأول مباشرة يأتي في بالك الثاني، فهذه معيَّة صريحة.

كقولك: "كل جندي وسلاحه"، فالجندي وسلاحه متلازمان، فالواو هنا للمعية الصريحة، فالخبر هنا محذوف وجوبًا، تقديره: "متلازمات، مقترنان".

تقول مثلًا: "كل طالب واجتهاده، كل إنسان وعمله، كل شيخ وطريقته، كل بلد وعاداته"، فهنا الخبر محذوف وجوبًا، ما تقول: "كل رجل وعمله مقترنان"، فهنا خالفت كلام العرب، لأن العرب هنا تحذف الخبر وجوبًا.

أما المعية الغير صريحة، فهي وقوع هذه الواو بين شيئين غير متلازمين، قد يأتيان معًا وقد لا يأتيانِ معًا، كـ "جاء محمدٌ وخالدٌ".

هذا ما يتعلق بباب المبتدأ والخبر، وبه ننتهي من الكلام على الصورة الأصلية للجملة الاسمية، لينتقل ابن هشام إلى الكلام على النواسخ التي تدخل على الجملة الاسمية.

{قال ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ: (بابٌ: النواسخ لِحكم المبتدأ والخبر ثلاثةُ أنواع)}.

بعدَ أن ذكر لنا الصورة الأصلية للجملة الاسمية؛ ذكر أن هذه الصورة قد تدخل عليها نواسخ تغيِّر صوتها وحكمها.

وقوله (نواسخ) جمع، مفرده: ناسخ.

والناسخ في النحو: هو فعل أو حرف يدخل على الجملة الاسمية، فيزيل الابتداء الذي كان يتحكَّم بها، ثم يعمل بها بعد ذلك عملًا آخر.

فإذا قلنا: "محمدٌ مسافرٌ"، فالمبتدأ مرفوع بعامل معنويٍّ وهو الابتداء -يعني أنَّ العربي إذا ابتدأ باسمٍ يرفعه.

و "مسافرٌ" خبر مرفوع بالمبتدأ.

النواسخ: أفعال مثل "كان"، أو حروف مثل "إنَّ"؛ تدخل على الجملة الاسميَّة فتزيل الابتداء، وهو العامل الذي كان يرفع المبتدأ والخبر، فقضى على العامل السابق وصار هو الذي يتحكَّم في هذه الجملة الاسميَّة، وسيعمل فيها عملًا جديدًا، فـ "كان" ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، و"إنَّ" تنصب المبتدأ وترفع الخبر. و"ظننت" تنصب المبتدأ والخبر، فلهذا سموها "نواسخ الابتداء".

وهذه النواسخ على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: ما يرفع المبتدأ وينصب الخبر، وهذا يشمل "كان" وأخواتها، و"كاد" وأخواتها، والحروف العاملة عمل "ليس".

النوع الثاني: ما ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، وهذا يشمل "إنَّ" وأخواتها، و "لا" النافية للجنس.

النوع الثالث: ما ينصب المبتدأ والخبر معًا، وهو باب "ظننتُ" وأخواتها.

ننتقل إلى الباب الأول من النواسخ، وهو باب "كان" وأخواتها.

في هذا الباب سيذكر ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- عشر مسائل:

- ألفاظ الباب.

- يُبيِّن عملها.

- يتكلم على توسِّط الخبر.

- يتكلم عن تقدم الخبر.

- يتكلم على مرادفة بعض الألفاظ لـ "صار".

- يتكلم على مجيئها تامة وناقصة.

* يتكلم على بعض خصائص "كان":

- زيادة "كان".

- حذف نون "كان".

- حذف "كان" وحدها.

- حذف "كان" مع اسمها.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (أحدُها "كان وأمسى، وأصبح وأضحى وظل وبات، ومازال، وما فَتِئَ، وما انْفَكَّ، وما بَرِحَ، وما دام)}.

ذكر ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- أن الباب فيه ألفاظ معينة، وذلك بالتَّتبُّع والاستقصاء.

عدد ألفاظها: ثلاثة عشر كلمة، هذه الكلمات أفعال، فلهذا تتصرَّف تصرف الفعل "كان - يكون - كن، أصبح - يصبح - أصبح"؛ فلهذا ستعرب إعراب الفعل، فالماضي منها كالماضي، والمضارع كالمضارع، والأمر كالأمر.

لماذا بدأ ابن هشام بباب "كان" وأخواتها قبل "إنَّ" وأخواتها و"ظننت" وأخواتها؟

الجواب: لأنه أكثر في الاستعمال.

وابن هشام رتَّب هذه الألفاظ ترتيبًا على ثلاث مجموعات، وكان الأفضل لو أنَّه رتبها بحسب الزَّمان، يعني: بدأ بـ "كان"؛ لأنها تدل على الماضي مطلقًا، ثم يبدأ بالصباح "أصبح"، ثم "أضحى"، ثم "ظلَّ"؛ لأنه من الظلال، ثم "أمسى"، ثم "بات" وهو النوم في الليل، فلو فعل ذلك لكان أفضل، والأمر سهل.

المجموعة الأولى: " كان، ظل، بات، أضحى، أصبح، أمسى، صار، ليس" وهذه ثمانية أفعال.

المجموعة الثانية: يسمونها: "ما زال" وأخواتها، وهي "مازال، وما فَتِئَ، وما انْفَكَّ، وما بَرِحَ".

المجموعة الثالثة: فعلٌ واحدٌ وهو "ما دام".

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فيرفَعْنَ المبتدأَ اسماً لهن وينصبْنَ الخبرَ خبراً لهن نحو ﴿وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا﴾)}.

نؤكد على إعراب هذه الأفعال في نفسها، فكيف نعرب "كان، يكون، كُنْ"؟

نقول: بما أنها أفعال فهي تعرب إعراب الأفعال:

فـ "كان" تعرب مثل: "دخلَ وخَرَجَ".

و"يكون" مثل: "يدخلُ ويخرجُ".

و "كُنْ" مثل: "اُدخل، واخرج".

إلَّا أننا نزيد في الإعراب ونقول: ناسخ أو ناقص.

ماذا تعمل في الجملة الاسمية بعدها؟

بعدَ أن تزيل العامل السابق وهو الابتداء؛ تأتي بعمل جديد:

- فالذي كان يُسمَّى مبتدأً ترفعه وتغيِّر اسمه من "المبتدأ" إلى "اسم كان".

- والذي كان خبرًا للمبتدأ تنصبه وتغيِّر اسمه من "خبر المبتدأ" إلى "خبر كان".

كقوله: ﴿وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا﴾:

فهذه "كان" فعل ماضٍ ناقص.

و"ربُّ": اسم "كان" مرفوع وعلامة رفعه الضمَّة، وهو مضاف والكاف مضاف إليه.

و"قديرًا": خبر "كان" منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً﴾ [الحج: 63]:

"تصبح" هو الفعل "أصبح"، ولكنه مضارع، وهو مرفوع لأنه غير مسبوق بناصب ولا بجازم.

"الأرضُ": اسم "تصبح" مرفوع.

"مخضرةً": خبر "تصبح" منصوب.

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾ [النحل: 58].

"ظل": فعل ماضٍ ناسخ.

"وجه": اسم "ظل" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، والهاء مضاف إليه.

"مسودًا" الخبر.

قال تعالى: ﴿يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا﴾ [الفرقان: 64]:

"يبيتون": من الفعل "باتَ" ولكنه جاء على صورة الفعل المضارع، واتصلت به واو الجماعة فصار من الأفعال الخمسة، فيعرب إعراب الأفعال الخمسة، يُرفع بثبوت النون، ويُجذم ويُنصب بحذف النون.

إذًا؛ الفعل "يبيتون": فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون.

واو الجماعة: اسم "يبيت" في محل رفع.

"سجدًّا": الخبر.

وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ [هود: 118]:

"يزال": من الأفعال الخمسة لاتصاله بواو الجماعة، مرفوع بثبوت النون.

الواو: اسم "يزال".

"مختلفين": الخبر.

قال تعالى: ﴿لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ﴾ [طه: 91].

"نبرح":

اسم "نبرح" مستتر، تقديره "نحن"، قولنا إن المضارع المبدوء بالنون لا يكون فاعله إلا ضميرًا مستترًا تقديره "نحن"، فاسم "كان" حكمه حكم الفاعل.

"عاكفين" الخبر.

وفي قوله: ﴿مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ [مريم: 31]:

"دمت" من الفعل "دامَ".

اسمها: تاء المتكلم.

"حيًّا": الخبر.

هل هذه الأفعال تعمل مطلقًا أم بشروط؟

المجموعة الأولى: من "كان" إلى "ليس" تعمل مطلقًا بلا شرط.

المجموعة الثانية: "ما زال" وأخواتها، فتعمل بشرط، وهو أن يتقدَّمها نفيٌ، أو نهي، أو دعاء، مثل:

النفي: ما زالَ، ما فتئ، ما انفك المطرُ نازلًا. كقوله تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾، ﴿لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ﴾.

النهي: لا تَزلْ نائمًا، كأنك تقول "ابقَ نائمًا".

المجموعة الثالثة: "ما دام" وتعمل بشرط وهي: ان تُسبَق بـ "ما" المصدريَّة الظرفيَّة، أي التي ينسبك منها ومما بعدها مصدر، وتدل على الظرف، كقوله تعالى ﴿مَا دُمْتُ حَيًّا﴾، هذه "ما" المصدرية الظرفية، أي: مدَّة دوامي حيًّا.

{قال ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ: (وقد يتوسط الخبرُ نحو "فليسَ سواءً عالمٌ وجهولٌ")}.

تكلم في هذه المسألة على حكم من أحكام هذا الباب، وهو الكلام على توسط خبرها، فقد ذكرنا في باب المبتدأ والخبر أن الخبر يجوز أن يتقدَّم.

وهنا يجوز أن يتوسَّط، فقولك "كان زيدٌ كريمًا" ثلاثة أركان، وهذا هو الترتيب الأصلي، أن يأتي الناسخ، ثم اسمه، ثم خبره.

فمعنى توسط الخبر: أن يأتي بين الناسخ واسمه.

وتقدم الخبر: أن يتقدَّم على الناسخ نفسه.

فقال ابن هشام (وقد يتوسط الخبرُ)، يعني يجوز التوسط، فلك أن تقول "كان زيدٌ كريمًا"، و"كان كريمًا زيدٌ"، فـ "كريمًا" خبر متوسِّط، أو متقدم على الاسم. و"زيدٌ" اسم "كان" متأخر.

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: 47]:

فـ "كان" الفعل الناسخ.

"نصرُ المؤمنين" اسم الناسخ.

"حقًّا": خبر الناسخ.

والمعنى: وكان نصر المؤمنين حقٌّا علينا.

ومن ذلك قول الشاعر:

سَلي إِن جَهِلتِ الناسَ عَنّا وَعَنهُمُ ** فَلَيسَ سَواءً عالِمٌ وَجَهولُ

يعني: ليسَ عالمٌ وجهولٌ سواءً؛ فوسَّط الخبر.

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا﴾ [الكهف: 82]:

فـ "كنزٌ": اسم "كان".

و"تحته" شبه جملة خبر.

والمعنى: كان كنزٌ لهما تحتهما.

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ﴾ [البقرة: 177].

"البرَّ" خبر "ليس" مقدَّم منصوب.

"أنْ تولوا": مؤوَّل؛ يعني: توليتكم، وهو اسم "ليس" مؤخَّر.

المعنى: ليس البرَّ توليتكم

وأما قراءة الجمهور ﴿لَيْسَ الْبِرُّ أَنْ تُوَلُّوا﴾:

"البرُّ": اسم "ليس" وهو في وضعه الأصلي متقدِّم.

"أن تولوا" الخبر.

والمعنى: ليس البرُّ توليتكم.

نقف هنا ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم ابتداءً من المسألة الرابعة -بإذن الله تعالى.

{شكر الله لكم فضيلة الشيخ ما قدَّمتم، سائلين الله أن يجعله في موازين حسناتكم، والشكر موصولٌ لكم أعزائي المشاهدين على طيب المتابعة، إلى أن نلقاكم في حلقة أخرى من حلقات برنامجكم "البناء العلمي" إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

 

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك