الدرس التاسع عشر

فضيلة الشيخ أ.د. سليمان بن عبدالعزيز العيوني

إحصائية السلسلة

5596 22
الدرس التاسع عشر

قطر الندى

{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهلًا ومرحبًا بكم أعزائي المشاهدين والمشاهدات في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات برنامجكم "البناء العلمي".

في هذه الحلقة نستكمل وإيَّاكم شرح "قطر النَّدى وبلِّ الصَّدى" لابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ-، وسيكون ضيفنا فضيلة الشيخ/ أ. د سليمان بن عبد العزيز العيوني، عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. أهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ}.

أهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم وبإخوتي وأخواتي المشاهدين والمشاهدات.

{سنشرع -بإذن الله- في هذا الدرس في باب ما يعمل عمل فعله، قال ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ: (والمصدرُ كـ "ضَرْبٍ، وإكرامٍ")}.

بسم الله الرحمن الرحيم.

اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد؛ فحيَّاكم الله في الدرس التاسع عشر من دروس شرح "قطر النَّدى وبلِّ الصَّدى" لشيخنا ابن هشام -عليه رحمة الله-، ونحن في سنة ثنتين وأربعين وأربعمائة وألف، وهذا الدرس يُبثُّ من مدينة الرياض في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة.

في الدرس الأخير كنا قد وصلنا إلى الأسماء العاملة عمل فعلها، وكما قال ابن هشام: هي (سبعة).

شرحنا الأول، وهو: اسم الفعل.

والآن نتكلم على الاسم الثاني من الأسماء العاملة عمل فعلها وهو: المصــدر.

قال شيخنا ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ: (والمصدرُ كـ "ضَرْبٍ، وإكرامٍ").

إذا أردنا أن نعرِّف المصدر تعريفًا تعليميًّا سهلًا، نقول: هو التصريف الثالث للفعل، فأيُّ فعلٍ نصرفه ثلاث تصريفات، فالأول: الفعل الماضي. والثاني: المضارع: والثالث: المصدر. نقول: "ضرب، يضرب، ضربًا - شرب، يشرب، شربًا - جلسَ يجلسُ، جلوسًا - ذهبَ يذهب، ذهابًا).

واستخراج المصدر من الأمور التي ما زالت السليقةُ العربيَّة تأتي به غالبًا على الصَّواب، فنقول: "خرجَ، يخرجُ، خروجًا - أخرجَ، يُخرجُ، إخراجًا - تخرَّج، يتخرَّجُ، تخرُّجًا - استخرجَ، يستخرج، استخراجًا".

وإذا أردنا التعريف العلمي للمصدر، فنقول: هو الاسم الدَّالُّ على مجرَّد الحدث.

وذلك أن الأسماء إما أن تدل على الحدث -وهو الفعل- وشيءٍ آخر، أو تدل على الحدث فقط -وهو الفعل.

فالذي يدل على الحدث وزمانه يُسمَّى في النحو: الفعل.

والذي يدل على الحدث وصاحبه، يسمى في النحو: الوصف، كاسم الفاعل واسم المفعول.

والذي يدل على الحدث وآلته -الزمان أو المكان: اسم الآلة.

والذي يدل على الحدث فقط دون دلالة على شيءٍ آخر، لا زمانه ولا صاحبه؛ فهذا هو: المصدر. كقولنا: "جلوسٌ" يدل على الجلوس فقط، لكن ما في دلالة على زمانه أو مكانه، ولم يدل على مَن فعله أو مَن وقعَ عليه، فقولك: "جالسٌ" يدل على مَن فعل الجلوس، فدلَّ على الجلوس ومَن فعله، وكذلك "جلسَ" يدل على أن الجلوس في الماضي، فدلَّ على الجلوس وزمانه.

إذًا؛ المصدر: هو ما دلَّ على مجرَّد الحدث دون دلالة أخرى.

وابن هشام ضرب مثالين:

الأول: "ضرب" وهو مصدر ثلاثي.

الثاني: "إكرام" وهو مصدر رباعي، أو ثلاثي مزيد بحرف.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (إِنْ حَلَّ مَحَلَّهُ فعلٌ مع أَنْ أو ما)}.

الكلام الآن في الأسماء العاملة عمل فعلها، ومنها المصدر، فالمصدر اسم، والأصل في الأسماء أنها معمولة، فيقع عليها الرفع والنصب والجر، وليست عاملة، فلا تعمل في غيرها الرفع أو النصب أو الجر، إلَّا هذه الأسماء التي عملت عمل فعلها.

وكذلك اسمٌ آخر: وهو الاسم إذا وقع مضافًا، فإنه عند الجمهور هو الذي يجر المضاف إليه.

ولهذا فإنَّ الكلام هنا ليس في تعريف المصدر، وإنما في عمل المصدر عمل فعله،

 فالمصدر قد يعمل عمل فعله، فإن كان لازمًا يرفعُ فاعلًا، وإن كان متعديًا يرفع فاعلًا وينصبُ مفعولًا به، لكن عمله مشروطٌ بشرط، وهو أن يحلَّ محله فعلٌ، إمَّا مع الحرف المصدري "أنْ" أو مع الحرف المصدري "مَا"؛ فإن استطعتَ أن تحذف المصدر وتضع مكانه فعله مع "أنْ" أو "مَا" فإن هذا المصدر يعمل.

كقولنا: "يسرني إكرامُكَ زيدًا"، فـ "إكرامُك" مصدر، وأصل الجملة "يسرني أن تُكرمَ زيدًا"، فهنا جاءت "أنْ" مع الفعل، ونسمي المصدر حينئذٍ: المصدر المؤوَّل، وهو المنسبك المكوَّن من حرف مصدريٍّ وصلته، وفي هذه الجملة المصدر مكوَّن من "أنْ" وصلته.

فـ "أنْ تُكرم" هي بمنزلة "إكرام"؛ فلهذا تجد أنَّ "إكرام" يعمل مثل: "أنْ تُكرم".

فكما تقول: "يسرني أنْ تكرمَ زيدًا" فـ "تُكرم" له فاعل مستتر وهو "أنتَ"، و "زيدًا" هو المفعول به المنصوب؛ حتى لو قلبتَ المصدر المؤوَّل إلى مصدر صريح فإنه يعمل عمله، فتقول: "يسرني إكرامكَ زيدًا"، فـ "زيدًا" أيضًا مفعولٌ به منصوب بالمصدر؛ لأنَّ المصدر عمِلَ عَمَلَ فعله، وفاعل المصدر حينئذٍ الكاف في: "إكرامكَ"، فأضفنا المصدر إلى الفاعل.

وكأن تقول: "أداؤك الصلاةَ واجبٌ"، يعني: "أنْ تؤديَ الصلاةَ"، فـ "أنْ" مع الفعل وقعت موقع المصدر.

وتقول: "اجتهادُكَ في دروسكَ خيرٌ من الكسلِ"، يعني: "أنْ تجتهد في دروسك خيرٌ من أنْ تكسل"، فالمصدر المؤوَّل هنا وقعَ موقع المصدر الصريح.

لماذا قال ("أنْ" أو "ما")؟

الجواب: لأنَّ "ما" تقع موقع المصدر، سواءٌ كان فعله الماضي أو المضارع أو الحال، إلَّا أن استعمالها في المصدريَّة قليل، وأما "أنْ" فلا تكون إلا في الماضي أو الاستقبال، ولا تكون في الحال، ولكن استعمالها في المصدرية أكثر.

فإذا قلتَ: "أعجبني شرحكَ الدرسَ"، فالفعل "أعجبني" في الماضي، ويكون التقدير "أعجبني أن تشرحَ الدرسَ".

وتقول: "يعجبني شرحكَ الدرسَ"، يعني: "يعجبني أنْ تشرحَ الدرسَ" إذا كان في المستقبل، أما إذا قلتَ لي ذلك وأنا أشرح الآن؛ فحينئذٍ نقدِّر بـ "ما"، فتقول: "يعجبني ما تشرحُ الدرسَ"، من ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة: 251]، فـ "دفع" مصدر، والمعنى: "لولا أنْ يدفع اللهُ"، فعمل المصدر الصريح؛ لأنه يحل محله المصدر المؤوَّل.

وبعد أن ذكر ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- الشروط الوجوديَّة لإعمال المصدر؛ الآن سيذكر الشروط العدميَّة لإعمال المصدر.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ولم يكن مصغّرًا، ولا مُضْمَرًا، ولا مَنْعوتًا قبلَ العملِ، ولا محذوفًا ولا مفصولًا من المعمولِ، ولا مؤخرًا عنه)}.

هذه هي الشروط العدميَّة، وهي الشروط التي يجب أن لا توجد في المصدر لكي يعمل عمل الفعل، وهي وإن كانت شروطًا كثيرة لكنها تعود إلى أمرين:

الأمر الأول: تعود إلى أنَّ وجودها يجعل المصدر بعيدًا عن الفعل، والمطلوب أن يكون المصدر قريب الشبه بالفعل لكي يعمل، فهذه وجودها يُبعد المصدر عن شبه الفعل، فلهذا لا يعمل حينئذٍ عمله، ومنه هذه الشروط:

الشرط الأول: كونه مصغرًا.

التصغير من خصائص الأسماء، والفعل لا يُصغَّر، فإذا صغَّرتَ الاسم أبعدته عن الفعل؛ فلهذا لا يعمل عمله.

فإذا قلتَ: "يعجبني ضربك زيدًا" فالمصدر هنا يعمل، لكن لو قلتَ: "يعجبني ضُرَيْبُكَ زيد" فالمصدر هنا لا يعمل، ولا يصح أن تنصب "زيد".

الشرط الثاني: كونه مضمرًا -أي: كونه ضميرًا- وهذا أيضًا من خصائص الأسماء، تقول: "ضربُكَ زيدًا شديد وعمرًوا ضعيف"، والتقدير: "ضربكَ زيدًا شديد وهو عمرو ضعيف"، فالذي نصب "عمرًوا" الضمير "هو" المستتر.

الشرط الثالث: كونه محدودًا بعدد، فـ "ضربةٌ" لا تعمل.

الشرط الرابع: كونه منعوتًا قبل العمل، ما تقول: "ضربُك الشديدُ زيدًا يعجبني"!

الأمر الثاني: أن عمل المصدر ضعيف، لأننا قلنا: إن الأصل في الأسماء أنها لا تعمل، والمصدر إنما عمل حملًا له على فعله، فعمله ضعيف لأنه بالحمل والتشبيه، ومنه هذه الشروط:

الشرط الخامس: كونه محذوفًا.

الشرط السادس: كونه مفصولًا عن معموله؛ لأنه عاملٌ ضعيف.

الشرط السابع: كونه مؤخرًا، أي أنَّ معموله لا يتقدَّم عليه.

إذًا؛ هذه الشروط إما أن تعود إلى أنها أشياء تبعد المصدر عن شبه الفعل، أو أن المصدر عاملٌ ضعيف.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وإعمالُه مضافًا أكثرُ نحو ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ﴾ وقولِ الشاعر: "ألا إن ظُلْمَ نفسِهِ المرءُ بَيِّنٌ"، ومُنَوَّنًا أَقْيَسُ نحو ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا﴾، وبِـ "أَلْ" شاذٌّ نحو "عجَبْتُ من الرزقِ المسيءَ إلَهُهُ" "وكيف التَّوَقِّيْ ظَهْرَ ما أنت راكبُه")}.

يقول: المصادر العاملة عمل فعلها على ثلاثة استعمالات:

الأول: أن يكون هذا المصدر مُضافًا، يعني: يضيفه إلى ما بعده، فالأكثر حينئذٍ أن يُضاف إلى فاعله، وينصب المفعول به، تقول: "يعجبني شرحَ الأستاذِ الدرسَ، يعجبني إكرامَكَ أباك"، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ﴾، يعني: أنْ يدفع اللهُ الناسَ؛ فأضفنا المصدر إلى الفاعل "الله" ونصبنا المفعول به "الناس".

وقد يجوز العكس، أي: نضيفه إلى المفعول به ونرفع الفاعل بالمصدر، فتقول: "يعجبني شرحُ الدرسِ الأستاذُ"، فـ "الدرس" هو المفعول به؛ لأنه هو المشروح، فأضفنا الشرح -وهو المصدر- إلى المفعول به، ثم رفعنا الفاعل "يعجبني شرحُ الدرسِ الأستاذُ"، وهذا جائز ولكنه قليل.

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]، فـ "حِج" مصدر بمعنى: "أنْ يحُج" فالمصدر مؤوَّل بـ "أنْ" والفعل، فنقول في الكلام: "لله على الناس أنْ يحجَّ البيتَ مَن استطاع إليه سبيلًا"، وإعراب "منْ" فاعل، و"البيت" مفعول به، ثم قال: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ أضاف المصدر إلى المفعول به، وبقي الفاعل على حاله. وفي الآية إعرابٌ آخر أيضًا قوي.

ومن ذلك قول الشاعر:

ألا إن ظُلْمَ نفسِهِ المرءُ بَيِّنٌ ... إذا لم يصنها عن هوى يغلب العقل

يعني: "ألا إنَّ أنْ يظلمَ المرءُ نفسَه" فـ "المرء" فاعل. و "نفسَه" مفعول به؛ فلما قلبَ "أنْ يظلمَ" إلى مصدر "ظُلم" أضافه إلى المفعول، فقال: "ظُلمَ نفسهِ المرءُ".

وهذه هي الحالة الأولى للمصدر العامل وهو أن يعمل مضافًا، وهذا الأكثر فيه.

الثاني: أن يُنوَّن المصدر العامل، فإعماله حينئذٍ هو الأقوى في القياس، وإن كان المصدر المضاف هو الأكثر في الاستعمال، كقولك "يعجبني شرحٌ الأستاذُ الدرسَ" فتنوِّن "شرحٌ"، وحينئذٍ ترفع الفاعل "الأستاذُ" وتنصب المفعول به "الدرسَ" وما فيه إضافة.

ومثل قولك: "يعجبني إكرامٌ محمدٌ الجارَ"، يعني: أن يُكرم محمدٌ الجارَ.

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا﴾ [البلد: 14]، يعني: "أو إطعامٌ يتيمًا"، فنصب "يتيمًا" بـالمصدر "إطعامٌ" المنوَّن.

الثالث: أن يكون المصدر العامل معرَّفًا بـ "أل"، فإعماله شاذ -أي قليل- وسنأتي بشواهد في ذلك:

منه وقل الشاعر:

عَجِبْتُ مِنَ الرِّزْقِ المُسِيءَ إِلهُهُ ... وَمِنْ تَرْكِ بَعْضِ الصَّالِحِينَ فَقِيرَا

فلضيق عقل الشاعر عجبَ من ذلك، مع أن الله -جَلَّ وَعَلَا- يفعل ما يشاء بحكمةٍ بالغة لا يعلمها كثيرٌ من الناس.

فالمصدر هو "الرزق" والمعنى: عجبتُ منْ أنْ يرزقَ المسيءَ إلهُهُ"، فـ "المسيء" مفعول به، و"إلهه" فاعل؛ ثم قلبَ المصدر المؤوَّل غلى مصدر صحيح "رزق"؛ فقال: "عجبتُ من رزقِ المسيءِ إلهُهُ"؛ وهذا جائز، ولكن الشاعر أتى بـ "أل" فقال: "عجبتُ من الرزقِ المسيء إلهه"؛ فصار إعماله حينئذٍ شاذًّا.

ومن ذلك قول الشاعر: "وكَيْفَ التَّوَقَّى ظَهْرَ ما أنتَ رَاكِبُهُ".

يعني: "كيفَ أنْ تتوقَّى ظهرَ" ثم قلبَ المصدر المؤوَّل إلى صريحٍ، فقال: "وكيفَ التَّوَقَّى ظَهْرَ ما أنتَ رَاكِبُهُ".

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (واسمُ الفاعلِ كـ "ضاربٍ ومُكْرِمٍ")}.

الاسم الثالث من الأسماء العاملة عمل فعلها: اسم الفاعل.

قلنا قبل قليل عندما تكلمنا على علاقة الفعل بالاسم: إن الكلمة إذا دلَّت على الحدث وصاحب الحدث فهو وصفٌ.

المراد بالوصف: الاسم الدال على حدثٍ وصاحبه.

وصاحبه قد يكون فاعله: فهذا اسم الفاعل، كـ "ضاربٍ" يدل على الضرب ومَن فعله، و "شاربٍ" يدل على الشرب ومَن فعله، و"منطلق" يدل على الانطلاق ومَن فعله، و "مستخرجٍ" يدل على الاستخراج ومَن فعله.

وإن شئت قلتَ في التعريف العلمي لاسم الفاعل: هو الاسم الدال على حدثٍ وفاعله.

واسم الفاعل له صياغة قياسيَّة تُدرَس في الصرف:

- الثلاثي على وزن "فاعل": "ضرب ضارب"، "شرب - شارب".

- الرباعي "أكرم - مكرم".

- الخماسي: "انطلق - منطلق".

واسم الفاعل من غير الثلاثي: أن تأتي بالمضارع، ثم تقلب حرف المضارعة ميمًا مضمومة وتكسر ما قبل الآخر.

وهناك ضابط لفظي يسهل علينا الأمر، وهو أن تقول: "فعل فهو فاعل"، مثل: "جلس فهو جالس، شرب فهو شارب، انطلق فهو منطلق، استخرج فهو مستخرج".

هل اسم الفاعل يعمل هذا العمل مطلقًا أم في المسألة تفصيل؟

قال ابن هشام: هناك شروط.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فإن كان بـ "أل" عَمِلَ مطلقًا، أو مجردًا فبشرطينِ: كونُه حالًا أو استقبالًا، واعتمادُه على نفيٍ أو استفهامٍ أو مُخْـبَرٍ عنه أو موصوفٍ)}.

اسم الفاعل له عند العمل حالتان:

الحالة الأولى: أن يكون بـ "أل"، مثل: "القائم، الجالس، المنطلق"، وهذا يعمل عمل فعله بلا شرطٍ، تقول: "جاءَ المكرمُ زيدًا" يعني: الذي يُكرمُ زيدًا، وتقول: "جاءَ الشرابُ العصيرَ"، يعني: الذي يشربُ العصيرَ.

الحالة الثانية: أن يكونَ منوَّنًا، مثل: "جالسٌ، قائمٌ، منطلقٌ".

وهذا لا يعمل إلا بشرطين:

الشرط الأول: كونه في الحال أو في الاستقبال، يعني: زمانه إما في زمان التكلُّم أو الاستقبال، وهذا يُخرج ما كان زمانه الماضي من اسم الفاعل، فهذا لا يعمل عمل الفعل.

وهذا يعني أنَّ اسم الفاعل لابد أن يكون بمعنى الفعل المضارع، فلهذا إذا استطعتَ أن تحذف الفعل المضارع وتضع فعله المضارع فإنَّه يعمل، أما إذا كان مكانه الفعل الماضي فإنه لا يعمل.

الشرط الثاني: كونه معتمدًا، أي: يُسبَق بشيء، مثل: النفي، أو الاستفهام، أو مخبَر عنه كالمبتدأ أو ما أصله مبتدأ، أو موصوف.

مثال ذلك:

قولك: "ما قارئٌ زيدٌ كتابًا"، يعني: ما يقرأُ زيدًا كتابًا. فـ "قارئٌ" اسم فاعل يعمل عمل "يقرأ"، و "زيدٌ" فاعل. و "كتابًا" مفعول به؛ فالذي رفع الفاعل ونصب المفعول به هو اسم الفاعل؛ لأنه عَمِلَ عَمَلَ فعله، فهو بمعنى الفعل المضارع ومعتمدٌ.

وقولك: "هل قارئٌ أحدٌ كتابًا"، هنا اعتمد على استفهام.

وقولك: "زيدٌ قارئٌ كتابًا"، هنا اعتمد على مبتدأ.

بقي أمرٌ مهمٌ جدًّا في إعمال اسم الفاعل وهو: أن عمله جائزٌ لا واجبٌ.

ومعنى ذلك: أنه يجوز أن نعمله، ويجوز أن نضيفَه، ويجوز أن نقويه باللام.

فهذه ثلاثة أوجه جائزة:

الأول: تقول: "زيدٌ شاربٌ العصيرَ"، فـ "شاربٌ" بمعنى "يشرب"؛ فإذا كان يشرب الآن أو سيشرب فاسم الفاعل يعمل.

الثاني: إذا كان شرب وانتهى؛ فاسم الفاعل لا يعمل، وليس فيه إلا الإضافة، فتقول: "زيدٌ شاربُ العصيرِ"، فلو قلنا: مَن الذي شرب العصير؟ تقول: "زيدٌ شاربُ العصيرِ".

الثالث: أن تقوي باللام، فتقول: "زيدٌ شاربٌ للعصيرِ".

وهذه الأوجه الثلاثة جائزة في كل اسم الفاعل العامل.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (و "باسطٌ ذراعَيْه" على حكاية الحالِ، خلافًا للكِسَائِيِّ، و "خَبِـيرٌ بَنُو لَهَبٍ" على التقديمِ والتأخيرِ، وتقديرُه "خبيرٌ" كـ "ظهيرٍ" خلافًا للأَخْفَشِ)}.

ذكر ابن هشام هنا تنبهين يعتمدان على خلافين في الشرطين المذكورين في إعمال اسم الفاعل منونًا، فقلنا قبل قليل في إعمال اسم الفاعل المنون إنه لا يعمل غلا بشرطين:

الشرط الأول: أن لا يكون بمعنى الماضي.

الشرط الثاني: أن يكون معتمدًا.

أما الشرط الأول -وهو أن لا يكون اسم الفاعل بمعنى الماضي- فهو قول الجمهور، والكسائي -رَحِمَهُ اللهُ- إمام أهل الكوفة أجاز إعمال اسم الفاعل وإن كان في زمان الماضي، وقوله ضعيف.

واستدل بهذه الآية الكريمة في سورة الكهف: ﴿بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ﴾، فـ "باسطٌ" كما رأينا هنا نوِّنَ وعملَ ولم يُضَف، فلو أُضيفَ لَمَا نُوِّنَ ولقال "باسطُ ذراعيهِ"؛ فلمَّا نوَّنَ نصبَ المفعول به فقال: "باسطٌ ذراعيه".

هل بسط الكلبُ ذراعيه في الماضي أم أنه يبسطهما الآن وفي المستقبل؟

قال الكسائي: هذه قصة وقعت في الماضي؛ فدلَّ على إهمال اسم الفاعل في الماضي.

والجمهور قالوا: هذه حكايةُ حال، وهذا هو القول الصحيح، ويجوز دائمًا في الكلام أن تحكيَ أمرًا حدث في الماضي بصيغة المضارع، كأن تقول مثلًا: "ذهبتُ إلى زيدٍ يوم الخميس الماضي، فأقول له كذا...، ويقول لي كذا..." فتذكر الذي حدث في الماضي بصيغة المضارع، فهذا يُسمَّى حكايةُ حالٍ.

والدليل على ذلك في الآية نفسها، قال -سبحانه وتعالى: ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾ [الكهف: 18]، فـ "نقلِّبُ" فعل مضارع، فهنا حكى ما حدث في الماضي بصيغة المضارع، ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ﴾ [الكهف: 18]، فـ "باسطٌ" مثل "نُقلِّب"؛ والمعنى: نُقلِّبُهم وكلبهم يبسطُ ذراعيهِ؛ فبما أن اسم الفاعل يُقدَّر بالمضارع فحينئذٍ يعمل.

أما الشرط الثاني -وهو أن يكون متعمدًا- فخالف فيه الكوفيون والأخفش، فلا يشترطون الاعتماد، ويُجيزون أن يعمل اسم الفاعل ولو لم يعتمد، فيجوز عندهم أن تقول "قارئٌ زيدٌ الكتابَ" مع أنَّ "قارئٌ" ما اعتمدَ على شيءٍ، وعند الجمهور هذا الأسلوب غير جائز.

ودليل الأخفش والكوفيين:

قول الشاعر:

خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ، فَلا تَكُ مُلْغِيًا ... مَقالةَ لِهْبيٍّ، إِذا الطَّيْرُ مَرَّتِ

يعني: يُخبِرُ بنو لهبٍ. أو: يَخبُرُ بنو لهبٍ

فـ "خبيرٌ" لم تعتمد على شيءٍ، ومع ذلك عملت، فرفعت "بنو" على أنه فاعل.

والجمهور قالوا: ليس الأمر كذلك؛ بل "خبيرٌ" خبر مقدَّم، و"بنو لِهبٍ" مبتدأ مؤخَّر.

والمعنى: بنو لهبٍ خبيرٌ.

فإن قيل: إن "بنو لهب" جمع، فكيف أخبرنا عنهم بـ "خبير" المفرد؟

قال ابن هشام: لأن "خبير" كـ "ظهير"، أي: في قوله تعالى: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ [التحريم: 4]، فأفردَ "ظهير" مع أن "الملائكة" جمع؛ لأنَّ الاسم الذي على وزن "فعيل" قد يُفرَد مع الجمع، كهذه الآية وهذا البيت.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (والمثالُ، وهو ما حُوِّلَ للمبالغة من فاعلٍ إلى "فَعَّالٍ" أو "فَعُولٍ" أو "مِفْعَالٍ" بِكَثْرةٍ، أو "فَعِيلٍ" أو "فَعِلٍ" بقِلَّة، نحو "أما العسل فأنا شَرَّابٌ")}.

المراد بـ (المثال): هي صيغ المبالغة، وتسميته بـ "المثال" هو استعمال نادر، ما كان ينبغي لابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- أن يستعمله في كتاب المتوسطين، ولكن كأنه أراد أن يُخبرهم بهذه المعلومة.

وصيغ المبالغة خمسٌ كما ذكر ابن هشام، وهي، "فعَّالٌ، فعولٌ، مفعالٌ، وفعيلٌ، وفَعِلْ".

إلا أن الثلاثة الأولى "فعَّالٌ، فعولٌ، مفعالٌ" استعمالها كثير:

- فعَّالٌ: كـ "ضرَّاب، شرَّاب".

- فعول: كـ "شكور، صبور".

- مفعال: كـ "مِنْحَار، مِعْطَار"، يعني: كثير التَّعطُّر والنَّحر.

وأما "فعيلٌ، وفَعِلْ" فاستعمالهما قليل في المبالغة:

- فعيل: كـ "سميع، عليم".

- فَعِلْ: كـ "حَذِرْ، مَلِكْ".

من الشواهد على ذلك قول العرب: "أمَّا العسَلَ فأنا شرَّابٌ" فـ "العسلَ" هنا منصوب؛ لأنه مفعولٌ به مقدَّم لـ "شرَّاب"، والمعنى: أنا شرابٌ العسلَ. أي: أنا أشرب العسلَ؛ ثم حوَّلوا الفعل إلى صيغة مبالغة، فقالوا: "شرَّاب".

فإن قلتَ: ما الفرق بين اسم الفاعل وصيغ المبالغة؟

قال ابن هشام: هي أسماء فاعلين، ولكن حُوِّلت من صيغة أسماء الفاعلين التي ذكرنا قبل قليل صيغتها القياسيَّة إلى هذه الأوزان الخمسة، للدلالة على المبالغة.

والمراد بالمبالغة: أنَّ الفاعل يفعل هذا الفعل بكثرة، فصيغ المبالغة تدل على أنَّ الفاعل يفعل هذا الفعل بكثرة، وأما اسم الفاعل فيدل على مطلق عمل الفعلِ الفعلَ؛ فقد يكون عمله قليلًا أو كثيرًا، فهو يعمله مطلقًا من دون تقييد بكثرة أو قلَّة.

وشرط إعمال صيغ المبالغة مفهوم من قولنا: إنَّ صيغ المبالغة هي أسماء فاعلين، لكن حُوِّلت الصيغة فقط؛ إذًا هي تعمل مثل اسم الفاعل بحالتيها:

- إن كانت بـ "أل" عملت مطلقًا.

- إن كانت منوَّنة عملت بالشرطين السابقين.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (واسمُ الْمَفْعُول، كـ "مَضْرُوبٍ ومُكْرَمٍ")}.

الاسم الخامس: هو اسم المفعول.

واسم المفعول على اسمه، فهو اسمٌ للمفعول الذي وقعَ عليه الفعل، فتأخذ له اسمًا من هذا الفعل الذي وقع عليه.

مثال: إذا رفعتُ القلمَ؛ فعندما تأخذ له اسمًا من فعله وهو "الرفع" فتقول: "مرفوعٌ"، وتأخذ للفاعل اسمًا من الفعل فتقول: "رافع".

صيغة اسم المفعول: له صيغة قياسيَّة تُذكَر في الصرف، وخلاصتها:

- أنه على وزن "مفعول" من الثلاثي، كـ "ضُرِبَ فهو مضرب، وشُرِبَ فهو مشروب".

- ومن غير الثلاثي: على صيغة المضارع، مع قلبِ حرفِ المضارعة ميمًا مضمومة، وفتح ما قبل الآخر، فنقول: "أُكرِمَ فهو مُكرَم، استُخرِجَ فهو مُستَخرَج".

ومن ذلك نفهم أن اسم الفاعل وكذلك كل الأوصاف الباقية كصيغ المبالغة وصيغ المشبهة واسم التفضيل؛ كلها تُؤخَذ من الفعل المبني للمعلوم، "ضربَ فهو ضارب، وضرَّاب".

وأما اسم المفعول فهو يُؤخَذ من الفعل المبني للمجهول "ضُرِبَ فهو مضروبٌ".

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ويعمل عمل فعلِه، وهو كاسم الفاعل)}.

هو كاسم الفاعل في شرط العمل:

- إن كان بـ "أل": عمل مطلقًا، تقول "جاءَ المَضروبُ أبوه"، يعني: الذي ضُربَ أبوه.

- وإن كان منوَّنًا عمل بالشرطين السابقين:

* تقول: "جاءَ مضروبٌ أبوه"، لأنه معتمد.

* وتقول: "يجيء مضروبٌ أبوهُ" يعني الذي يُضرَب أو سيُضرب.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (والصِّفة المشبَّهة باسم الفاعل الْمُتَعَدِّي لواحدٍ، وهي الصِّفة الْمَصُوغَةُ لغير تفضيل لإفادةِ الثبوتِ، كـ "حَسَنٍ وظَرِيفٍ وطاهِرٍ وضامِرٍ")}.

الصِّفة المشبَّهة هي مشبَّهةٌ باسم الفاعل، وهي في الحقيقة اسمُ فاعل؛ لأنها كاسم الفاعل في المعنى، يعني: أنها وصفٌ يدلُّ على حدثٍ وفاعله، فقولك: "ضارب" يعني: مَن فعل الضرب، و"شارب" مَن فعل الشُّرب، وقولك: "جميلٌ" يعني: مَن فعل الجمال، و "شجاعٌ" مَن فعل الشجاعة، و"بطل" مَنْ فعل البطولة؛ فهي اسم فاعل، إلا أنها ليست على صيغة اسم الفاعل.

وعرفها ابن هشام بقوله (هي الصِّفة الْمَصُوغَةُ لغير تفضيل لإفادةِ الثبوتِ).

فقوله: (الصِّفة الْمَصُوغَةُ لغير تفضيل) لإخراج اسم التفضيل الذي على وزن "أفعل".

قوله: (لإفادةِ الثبوتِ)؛ لأن بقيَّة الأوصاف لا تدل على ثبوت الصِّفة في الموصوف.

فقولك: "ضارب" يعني يفعل الضرب حينًا، لكن الضرب ليست صفةً ثابتةً فيه.

وكذلك قولك: "جالس" يعني: يجلس أحيانًا، لكن الجلوس ليس صفة ثابتة فيه.

ونستطع أن نفرق بين الصِّفة المشبَّهة واسم الفاعل من ثلاث نواحي:

الناحية الأولى: من حيث الصياغة:

- اسم الفاعل يؤخذ من: "فَعَلَ" المتعدي واللازم، ومن: "فَعِلَ" المتعدي.

- وأمَّا الصِّفة المشبَّهة فتؤخذ من: "فَعِلَ" اللازم، ومن: "فَعُلَ" مطلقًا، ولا يكون إلا لازمًا.

ومن درس الصرف يعرف أن أبنية الفعل الثلاثي:

- إما "فَعَلَ" متعدي ولازمًا.

- أو "فَعٍلَ" متعدي ولازمًا.

- أو "فَعُلَ" ولا يكون إلَّا لازمًا.

فإذا كانت الصِّفة:

* من "فَعِلَ" متعدي أو لازمًا فهي اسم فاعل.

* وإن كانت من "فَعِلَ" المتعدي فهي اسم فاعل.

* أما إن كان من "فَعِلَ" اللازم أو "فَعُلَ"؛ فهي صفة مشبهة.

وعلى كلِّ حال؛ فالتشابه أكثر ما يكون بين الصِّفة المشبَّهة وصيغ المبالغة في "فَعُول" و"فعيل".

وقد يكون في اسم الفاعل، فإذا قلنا: "طاهر" فهذا اسم فاعل؛ لأنه على وزن "فاعل" أو صفة مشبهة لأن فعله "طَهُرَ"؟

نقول: هو صفة مشبهة؛ لأنه من "طَهُرَ"، وكل ما أُخذ من "فَعُلَ" فهو صفة مشبَّهة. وكذلك قولنا: "ضامر" من "ضَمُرَ" صفة مشبهة.

- أما "ظريف" فهي على وزن "فعيل"؛ فهل هي صيغة مبالغة؟

نقول: "ظريف" فعله "ظَرُفَ"؛ فهو على وزن "فَعُلَ"؛ فهو صفة مشبهة، كـ "شرُف فهو شريف، وكَرُمَ فهو كريم".

- لكن لو قلنا: "سميع" فهو من "سَمِعَ" المتعدي؛ فيكون صيغة مبالغة، وكذلك "عليم".

- أما لو قلنا: "حَسَنْ" فهو على وزن "فَعَلْ" وهذا لا يكون إلا صفة مشبهة، فلا يكون لا صيغة مبالغة ولا اسم فاعل، كـ "حَسَنْ، بَطَلْ" من "حَسُنَ، وبَطُلَ أي: صارَ بطلًا" فهو صفة مشبهة، أما لو قلنا: "بَطَلَ الشيءُ فهو باطلٌ" من البطلان، فهو على وزن "فَعَلَ".

- لو قلنا: "مَلَكْ" على وزن "فَعِلْ" فهو صيغة مبالغة؛ لأن الفعل "مَلَكَ" على وزن "فَعَلَ".

- وقولك: "حَذِر" على وزن "فَعِلْ" صيغة مبالغة.

- أما "زَمِنَ، شَرِسَ" صفة مشبَّهة؛ لأنه من "فَعِلَ" اللازم.

الناحية الثانية: من حيث الإضافة:

- الصِّفة المشبَّهة تضاف لفاعلها.

- اسم الفاعل وصيغ المبالغة تضاف للمفعول به.

تقول: "ضارب زيدٍ" فـ "زيد" مفعول؛ ولا يُمكن أن تضيفه للفاعل.

وتقول: "محمدٌ مستخرجُ الذهبِ"، ما تقول: "مستخرجُ محمدٍ" وتقصد أن "محمد" فاعل؛ وإنما يكون مفعول به.

أما الصِّفة المشبَّهة فهي تضاف للفاعل، تقول: "طاهر القلب" فـ "القلب" هو الفاعل لأنه هو الذي طهُرَ.

وتقول: "طويل الشعر" أي: طالَ شعره.

وتقول: "جميلُ الوجه، حسَنُ الوجه"، أي: حسنَ وجهُهُ.

فلو شككت هل هو اسم فاعل أو صيغة مبالغة أو صفة مشبهة: فأضف؛ فإن أضيف للفاعل فهو صفة مشبهة، وإن أضيفت للمفعول به فهي اسم فاعل أو صيغة مبالغة.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ولا يتقدمها معمولُها، ولا يكون أجنبيًا)}.

هذا شيءٌ من أحكام الصِّفة المشبَّهة، وهذان الحكمان يعودان إلى أن عملها ضعيف جدًّا، لأن عملها ليس بأصيل لأنها اسم، فهي محمولة في العمل على اسم الفاعل، واسم الفاعل عمله ضعيف، لأنه ليس بالأصالة، ولكنه محمول ومشبَّهٌ بالفعل، فهي أضعف من اسم الفاعل في العمل، فلهذا:

- لا يتقدم معمولها عليها، فلو قلت "محمدٌ حسنٌ وجهًا"، فـ "وجهًا" تمييز، ولا يجوز أن تقول "محمدٌ وجهًا حسنٌ" فتقدم المعمول على الصِّفة المشبَّهة.

- ولا يكون أجنبيًّا، وهذا شيء خاص بالصِّفة المشبَّهة، فمعمولها يجب أن يكون سببيًّا، فلابد أن يكون بين معمولها التي عملت فيه وبين الموصوف سبب، فلو قلت: "زيدٌ جميلٌ" ثم أردتَّ أن تُعمل "جميل" بشيء بعدها؛ فلابد أن يكون بين "زيد" الموصوف بالجمال وبين هذا المعمول صلة، كأن تقول: "زيدٌ جميلٌ وجهه" فبين "زيد" و"وجهه" علاقة وهي الضمير، أو تعوض عن الضمير بـ "أل" فتقول: "زيدٌ جملُ الوجهِ"، لأن "أل" تقوم مقام الضمير، ولكن لا تقول: "زيدٌ جميلٌ عمرو" فهذا لا يأتي في الصِّفة المشبَّهة، ولكن يأتي في اسم الفاعل، فتقول: "محمدٌ ضاربٌ أخاه"، فبين "محمد" و"أخاه" سبب وهو الضمير، وتقول: "زيدٌ ضاربٌ عمرًوا"، فمعمول اسم الفاعل قد يكون سببي وغير سببي، لكن الصِّفة المشبَّهة لا يكون معمولها إلا سببيًّا.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ويُرفَع على الفاعِلِيَّةِ أو الإِبْدالِ، ويُنصَبُ على التميِيز أو التشبيه بالمفعولِ به - والثاني يتعيَّن في المعرفة -، ويخفض بالإضافة)}.

العرب توسَّعت في معمول الصِّفة المشبَّهة، فيجوز في قولك: "زيدٌ حسن الوجه" أن ترفع المعمول "الوجه" أو تنصبه أو تجره:

- فإن رفعته تقول: "زيدٌ حسنٌ وجهُهُ"، والرفع إما:

* على أنه فاعل، أي: زيدٌ يحسُنُ وجهُهُ؛ وهذا هو المشهور والمعروف عند النحويين.

* أو على أنه بدل، أي: زيدٌ حسنٌ هو وجهُهُ، فالفعل الضمير المستتر "هو"، و "وجهُهُ" بدل من هذا الفاعل المستتر.

- وإن خفضته تقول: "زيدٌ حسنٌ الوجهِ"، وهذا واضح.

- أو تنصبه فتقول: "زيدٌ حسنٌ الوجهَ".

* فإن كان المعمول معرفة فليس فيه إلا أنه منصوب على التشبيه بالمفعول به.

وعرفنا أن الصِّفة المشبه لا تؤخذ إلا من "فَعِلَ" اللازم، أو "فَعُلَ" وهو لازم؛ فقالوا: إن العرب شبَّهت معمولها بمعمول اسم الفاعل الذي ينصب مفعولًا واحدًا؛ فنصبته، فلهذا قال ابن هشام في الصِّفة المشبَّهة (باسم الفاعل الْمُتَعَدِّي لواحد).

* أما إذا كان معمولها المنصوب نكرة كـ "زيدٌ حسنٌ وجهًا"؛ فيجوز أن نقول إن المعمول منصوب على التشبيه بالمفعول به، أو التمييز.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (واسمُ التفضيل، وهو الصِّفة الدالة على المشاركة والزيادة، كـ "أَكْرَمَ")}.

اسم التفضيل تعريفه سهل وواضح، لأنه مقيَّدٌ بصيغة "أَفْعَل".

وهو: اسمٌ على وزن "أَفْعَل" يدل على أن ما قبله شاركَ ما بعدَه في صفةٍ ما، وزاد عليه فيها، تقول "محمدٌ أقوى من زيدٍ"، معنى ذلك أن محمدًا وزيدًا مشتركان في القوة، إلا أن محمدًا زاد في هذه الصِّفة على زيد؛ فهذا معنى قوله (وهو الصِّفة الدالة على المشاركة)، أي ما قبلها وما بعدها مشتركان في هذه الصِّفة، و(والزيادة) أن ما قبلها زائدٌ في هذه الصِّفة.

ومعنى ذلك أنها لا تكون إلا بين شيئين مشتركين في هذه الصِّفة، فلهذا لا يصح أن تقول "الإسلام أصحُ من المجوسيَّة" لأنهما غير مشتركين أصلًا في الصحَّة، فلهذا قال المتنبي:

ألم ترَ أن السيف ينقص قدره ... إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

لأن السيف والعصا لا يشتركان في المضاة في اللحم، لأن العصا أصلا ما يمضي.

ولهذا كان قوله -سبحانه وتعالى: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾ [القصص: 34] دليل على أن موسى وهارون فصيحان، إلا أن هارون أفصح، ومن استدل بهذه الآية على أن موسى لم يكن فصيحًا فهذا مخالف لظاهر اللغة والمعنى.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ويُستَعمل بِمِنْ ومضافًا لنكرة فَيُفْرَدُ ويُذَكَّرُ، وبـ "أل" فيطابِقُ، ومضافًا لمعْرِفَةٍ فوجهانِ)}.

استعمالات اسم التفضيل أربعة:

الاستعمال الأول: أن يكون مجردًا من "أل" ومن الإضافة، كأن تقول: "محمدٌ أكرم من زيد، وأطول من خالد"، فـ "أطول" و"أكرم" ليس فيها "أل" ولا إضافة؛ فحينئذٍ يلزم اسم التفضيل الإفراد ويلزم التذكير، وتأتي "من" بعده، فتقول: "زيدٌ أطول من عمرو، الزيدان أطول من عمرو، والزيدون أطول من عمرو، وهندٌ أطول من عمرو"، ومنه قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا﴾ [يوسف: 8]، فـ "أحب" مفرد مع أن يوسف وأخاه مثنى، وكذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: 24]، فأتى بالمفرد مع الجمع.

الاستعمال الثاني: أن يُضاف اسم التفضيل إلى نكرة، تقول "أفضلُ رجلٍ، أحسنُ امرأةٍ"؛ فيلزم الإفراد والتذكير كذلك، ويلزم الإضافة إلى مطابقٍ للمفضَّل، تقول "زيدٌ أحسنُ رجلٍ، هندٌ أحسنُ امرأةٍ، الزيدان أحسنُ رجلين، والهندان أحسنُ امرأتين، والزيدون أحسنُ رجالٍ".

الاستعمال الثالث: أن يقترن اسم التفضيل بـ "أل" فيُطابق حينئذٍ ما قبله تذكيرًا وتأنيثًا، وإفرادًا وتثنية وجمعًا، تقول: "محمدٌ الأفضل، هندٌ الفضلى، الزيدان الأفضلان، والهندان الفضليان".

الاستعمال الرابع: أن يُضاف إلى معرفة، تقول: "أفضل الرجال"، ويجوز فيه الوجهان:

* أن يُطابق: "زيدٌ أفضل الرجال، هندٌ أفضل النساء، الزيدون أفضل الرجال".

* أن لا يُطابق: تقول: "هندٌ فضلى النساء، الزيدون أفاضل الرجال".

قال تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾ [البقرة: 96]، فقال: "أحرص" بالإفراد، ويجوز في الكلام "أحارص، حريصي".

وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا﴾ [الأنعام: 123]، "أكابر" بالجمع، ويجوز في الكلام أن تقول: "أكبر مجرميها" بالإفراد.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ولا يَنْصِب المفعولَ مطلقًا، ولا يَرْفَعُ في الغالب ظاهرًا إلا في مسألة الكُحْل)}.

المفعول به لا ينصبه اسم التفضيل أبدًا، فلهذا في قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: 117]، فـ "أعلم" اسم تفضيل، ولكن لم يعمل في "مَنْ يضل عن سبيله"؛ وإنما المراد: إنَّ ربَّك هو أعلم من غيره، يعلمُ مَنْ يضل عن سبيله.

إذًا؛ المفعول به "منْ يضل" منصوب بفعل محذوف دلَّ عليه اسم التفضيل.

وأما الفاعل:

- إن كان مستترًا: رفعه اسم التفضيل باتفاق، كقولك: "زيدٌ أفضلُ من عمرو"، يعني: زيدٌ أفضل هو.

- وإن كان اسمًا ظاهرًا، ففيه لغتان للعرب:

اللغة الأولى: وهي لبعض العرب يرفعون به الظاهر مطلقًا بلا شرط، فيقولون "مررتُ برجلٍ أفضل منه أبوه" كأنهم قالوا: مررتُ برجلٍ يفضل منه أبوه، فـ "أبوه" صارَ فاعلًا لـ "أفضل".

اللغة الثانية: وهي لأكثر العرب، ولا يرفعون به الفاعل الظاهر إلا في مسألة واحدة، ويسميها النحويون مسألة "الكحل".

والمراد بمسألة "الكحل": هو الشيء الواحد الذي يُفضَّل على نفسه باعتبارين.

والمثال العلم في هذه المسألة: قوله: "ما رأيتُ رجلًا أحسنَ في عينه الكحلُ منه في عين زيد"، يعني فضَّلتَ الكحل في عين زيد على الكحل في عين غير زيد؛ ففضلتَ الشيء على نفسه باعتبارين.

فقولك: "أحسن" هو اسم التفضيل، و"الكحل" فاعل لـ "أحسن"؛ لأن المعنى: ما رأيتُ رجلًا يحسنُ الكحلُ في عينه منه في عين زيد.

وبذلك نكون قد انتهينا من الكلام على الأسماء العاملة عمل فعلها.

{شكر الله لكم فضيلة الشيخ ما قدَّمتم، سائلين الله أن يجعله في موازين حسناتكم، والشكر موصولٌ لكم أعزائي المشاهدين على طيب المتابعة، سائلين الله أن نلقاكم في حلقة أخرى من حلقات برنامجكم "البناء العلمي" إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

 

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك