الدرس الرابع

فضيلة الشيخ أ.د. سليمان بن عبدالعزيز العيوني

إحصائية السلسلة

5596 22
الدرس الرابع

قطر الندى

{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهلًا ومرحبًا بكم أعزائي المشاهدين والمشاهدات في حلقةٍ جديدة من حلقات برنامجكم "البناء العلمي".

في هذه الحلقة نستكمل وإيَّاكم شرح "قطر النَّدى وبل الصَّدى" لابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، وسيكون ضيفنا فضيلة الشيخ/ أ. د سليمان بن عبد العزيز العيوني، أهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ}.

حيَّاكم الله وبيَّاكم، وأرحبُ بكم وأرحبُ وبالمشاهدين والمشاهدات.

{في الحلقة الماضية توقفنا عند الأسماء الستة، وشروط إعرابها بالحركات، قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (إلا: الأسماءَ الستة، وهي أبوه وأخوه وحموها وهَنُوه وفوه وذو مال، فتُرْفَع بالواو وتُنْصَب بالألف وتُجَر بالياء. والأفصحُ استعمالُ هَنٍ كَغَدٍ)}.

بسم الله الرحمن الرحيم.

اللهمَّ صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله واصحابه أجمعين، أما بعد:

فحيَّاكم الله وبياكم في الدرس الرابع من دروس شرح "قطر النَّدى وبلِّ الصَّدى" لابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، ونحن في الأكاديمية الإسلاميَّة المفتوحة في سنة ثنتين وأربعين وأربعمائة وألف.

في الدرس الماضي كنا قد توقفنا في الكلام على الأسماء الستَّة، وهي أول أبواب العلامات الفرعيَّة، فعرفنا هذه الأسماء، وعرفنا لماذا يختلف النحويون في عدِّها خمسة أو ستَّة، وعرفنا معاني هذه الأسماء.

بقي أن نتكلم على شروط إعرابها بالحروف، فهذه الكلمات لا تُعرب بالحروف إلا بشروطٍ:

الشرط الأول: أن تكون على هذه الصِّيغة المذكورة مُضافة إلى غير ياء المتكلم، يعني: على صيغة "أب" لا مثنى "أبوان" ولا جمع آباء"، ومثل: "أخ"، لا مثنى "أخوان" ولا جمع "إخوة"، وهكذا..

فإن لم تكن على هذه الصيغة، بل جاءت على صيغة المثنى أو الجمع أو التصغير كــ "أُبي، أُخيْ"؛ فإنَّها تبقى على الأصل، بل إنَّها لا تُعرَب بالحروف، فحكمها قد يتغيَّر، فإذا كانت مثنًى فتُعرَب إعراب المثنَّى، وإذا كانت جمعًا فإنَّها تُعرب بالحركات الأصلية "هؤلاء آباءٌ، ورأيتُ آباءً، وسلَّمتُ على آباءٍ، وهؤلاء إخوةٌ، ورأيتُ أخوةً، وسلَّمتُ على إخوةٍ"، وكذلك في التَّصغير "هؤلاء أُبيٌّ، ورأيتُ أُبيًّا، وسلَّمتُ على أُبيٍّ"، حتى لو أضيفت، فتقول: "هذا أُبيُّكَ، ورأيتُ أُبيَّكَ، وسلَّمتُ على أُبيِّكَ". إذًا؛ لابد أن تكون بهذا اللفظ.

الشرط الثاني: أن تكون مضافة إلى غير ياء المتكلِّم، فإن لم تكن مضافةً فتبقى على الأصل معربةً بالحركات الأصليَّة، فتقول: "هذا أبٌ، ورأيتُ أبًا، وسلَّمتُ على أبٍ، وهذا أخٌ".

أمَّا لو أُضيفت إلى ياء المتكلم، فتكون مثل: الاسم المضاف إلى ياء المتكلِّم يُعرَب بعلامات إعرابٍ مُقدَّرة، فــ "أبي" كــ "صديقي". و"أخي" كـ "كتابي"؛ يُرفع بضمَّة مقدَّر، ويُنصب بفتحةٍ مقدَّرة، ويُجرُّ بكسرةٍ مقدَّرة.

إذًا؛ فهذه الأسماء لابد أن تكون مضافة إلى غير ياء المتكلِّم، كقولك: "هذا أبوكَ، هذا أبو محمدٍ، هذا أبو الأولاد، هذا أبو الأفكارِ"؛ لابدَّ أن يُضاف إمَّا إلى ضمير، وإمَّا إلى اسم ظاهر، فإذا أُضيفت إلى غير ياء المتكلم أُعربَت هذا الإعراب: بالواو رفعًا، وبالألف نصبًا، وبالياء جرًّا.

ننتقل إلى الباب الثاني والثالث من أبواب العلامات الفرعية.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (والمثنى كالزيدان فيرفع بالألف.

- وجمعَ المذكر السالِمَ كالزيدونَ فيرفع بالواو، ويُجَرَّانِ وينصبان بالياء)}.

متن قطر النَّدى مُصاغ بصياغة علميَّة مضغوطة بأسلوب النَّحويين، كهذه الصياغة، اُنظر كيف أدخلَ جمع المذكر السالم مع المثنى فقط لكي لا يُكرر علامة النصب والجر، ليختصر فقط ويضغط، وهذا ربما يجعل الطالب يتعب في فهم عبارة ابن هشام وليس في فهم النحو، بخلاف الأزهريَّة فهي عبارتها سهلة وواضحة؛ لأنها لا تعتمد مثل هذه الصياغة شديدة الاختصار.

ذكر ابن هشام هنا بابين من أبواب العلامات الفرعية، وهما: المثنى وجمع المذكر السالم.

فالمثنى: يُرفع بالألف، ويُنصب ويُجر بالياء.

وجمع المذكر السالم: يُرفَع بالواو ويُنصَب ويُجر بالياء.

وجمع بينهما هنا لأنَّ علامة النصب والجر واحدة، وهي اليــاء.

نلحظ هنا في كلام ابن هشام وفي كلام النحويين عمومًا: أنهم في المثنى وفي جمع المذكر السالم يُقدِّمون الجر على النصب، كما قال ابن هشام هنا: (ويُجَرَّانِ وينصبان) مع أن المشهور عندهم الابتداء بالرفع ثم النصب ثم الجر، وهنا قدَّم الجر على النصب، حتى ابن مالك في الألفية قدَّم الجر على النصب في المثنى وجمع المذكر السالم؛ لأنَّ علامة الجر والنصب هي الياء، تقول: "رأيتُ الزَّيْدَين وسلَّمتُ على الزَّيْدَين، ورأيت الزَّيْدِين، وسلمتُ على الزَّيْدِين"، والياء في الأصل أم الكسرة، فتكون الياء في الأصل علامة للجر في المثنى وجمع المذكر السالم، وأما النصب فيهما فمحمولٌ على الجر، فلهذا يُقدِّمون الجر لأنَّه أصلٌ للنصب، وهذا من الدقَّة، وإلا لو قيل "يُنصبان ويُجران بالياء" فلا خطأ.

ثم سيذكر ابن هشام الملحق بالمثنى والملحق بجمع المذكر السالم.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وكلا وكلتا مع الضمير كالمثنى. وكذا اثنان واثنتان مطلقاً وإن رُكِّبَا)}.

ذكر ابن هشام أن هناك أربع كلمات تُلحق بالمثنى، وهي "كلا، وكلتا، واثنان، واثنتان".

السؤال: ما المراد بالملحق؟

الملحق في النحو: هو ما يأخذ حكم الشيء وليس منه، كالملحق في النسب، فالمُلحق بقبيلة فلان يُنسَب إليهم ولكنه في الحقيقة ليس منهم.

والملحق بالمثنى: هو ما يُعرب إعراب المثنى، فيُرفع بالألف، ويُنصب ويُجر بالياء، ولكنه ليس مثنًى، وذلك أنَّ تعريف المثنى هو: ما دلَّ على اثنين بزيادة ألفٍ نون على مفرده.

مثل: قلمٌ وقلمٌ؛ يكونان قلمين.

فلدينا قلم، ولدينا مثله، فإذا أردتَّ أن تعبر عنهما بكلمة واحدة فأتيت بنفس الكلمة "قلم" وزدتَّ عليها ألف نون "ان".

إذًا؛ المثنى يدل على اثنين بطريقة مُعيَّنة وهي: زيادة الألف والنون في آخره.

وكلمة "زوج" قد يُقال عنها في اللغة: إنها مثنى، ولكن ما يُقال عنها في النحو: إنها مثنى، وإن دلَّت على اثنين، ولكن ليس فيها زيادة الألف والنون.

و"كلا" كقولك: "جاء الطالبان كلاهما"، دلَّت على تثنية، ولكن ليس لها مفرد، وكذلك "كلتا" ليس لها مفرد؛ فليس مفردهما "كل"؛ لأن "كل" للجمع، و"كلا، وكلتا" كلمتان مرتجلتان لهذا المعنى.

وكذلك "اثنان، واثنتان"، يدلان على اثنين، ولكن ما لهما مفرد، فلا نقول: "اثنٌ واثنٌ- صارا: اثنين" مثل "قلمٌ وقلمٌ - صارا: قلمين"! ولكنها أُعربَت إعراب المثنى فصارت ملحقة بالمثنى.

وذكر ابن هشام أن "كلا، وكلتا" يعربان إعراب المثنى ولكن بشرط، وهو: أن يُضافا إلى الضمير.

ويُذكر أن "كلا، وكلتا" من الأسماء التي تلزم الإضافة، يعني: لا تأتي إلا مضاف وما بعدها مضاف إليه، ولا تأتي شيء آخر، وتُضاف إلى الظَّاهر، مثل: "كلا الطالبين"، وتضاف إلى الضمير، مثل: "كلاهما".

وإن أُضيفت إلى الضمير أُعربَت إعراب المثنى، ترفع بالألف، وتُنصب وتُجر بالياء.

تقول "جاء الطالبان كلاهما"، فــ "كلاهما" توكيد معنوي مرفوع بالألف.

وتقول: "رأيتُ الطالبين كليهما"، فـ "كليهما" توكيدٌ منصوب بالياء.

وتقول: "سلمتُ على الطالبين كليهما" فـ "كليهما" توكيد معنوي مجرور بالياء.

أمَّا إذا أُضيفا إلى ما سوى الضَّمير -يعني إلى الظَّاهر- كــ "كلا الطالبين"؛ فحينئذٍ لا يُعربان إعراب المثنى، وإنَّما يُعاملان معاملة الاسم المقصور، "كلا" مثل: "فتى"؛ فيلزمان الألف، ويكون الإعراب على الألف. تقول: "جاء كلا الطالبين، ورأيتُ كلا الطالبين، وسلمتُ على كلا الطالبين"؛ فيُعرَب مثل المقصور، يعني: بعلامات إعرابيَّة أصليَّة مقدَّرة.

أما "اثنان واثنتان"، فيُعربان مُطلقًا بلا شرط.

قال: (وإن رُكِّبا)، يعني: سواء كان

* عددين مفردين، مثل: "جاء اثنان من الرجال"، و "رأيتُ اثنتين من النساء"، و "سلمتُ على اثنين من الرجال".

* أو كان مركبًا من أحد عشر إلى تسعة عشر، تقول: "رأيتُ اثني عشر رجلًا"، و "جاء اثنا عشر رجلًا"، و "سلمتُ على اثني عشر رجلًا" مرفوع بالألف، ومنصوب ومجرور بالياء.

ثم تكلَّم ابن هشام على الملحق بجمع المذكر السالم.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وأُوْلُو وعِشْرُون وأخواتُه، وعالَمونَ، وأَهْلُونَ، ووابِلونَ، وأَرَضُونَ، وسِنُونَ، وبابُه، وبَنُونَ، وعِلِّـيُّونَ، وشِبْهُهُ كالجمعِ)}.

ما إعراب قوله: (كالجمعِ)، خبر للمبتدأ "أولوا"، وما بعده معطوفٌ عليه، وهذه المعطوفات (كالجمعِ)، أي: كجمع المذكر السالم في الإعراب لكنها ملحقة؛ لأنَّ العرب تعربها إعراب جمع المذكر السالم ولكنها ليست جمع مذكر سالمًا.

الكلمة الأولى: "أوْلُوا"، معناها: أصحاب. "أولوا علم" يعني: أصحاب علم.

لماذا كانت ملحقة وليست جمعًا؟

لأنَّ ليس لها مفرد، فليس مفردها "ذو"، لأنَّ كلمة "ذو" كلمة ثانية مبدوءة بالذال، نعم هي بمعنى صاحب، فهي مفردها من حيث المعنى، لكن ليس لها مفرد من حيث اللفظ.

مثال: "جاء أولوا علم"، و "رأيتُ أولي علم"، و "سلمتُ على أولي علم".

الكلمة الثانية: "عشرون"

قال: (وعِشْرُون وأخواتُه)، أي: ألفاظ العقود، يعني: عشرون، ثلاثون، أربعون...، إلى تسعين؛ فألفاظ العقود تعربها العرب كجمع المذكر السالم، تقول: "جاء عشرون رجلًا، ورأيتُ عشرين رجلًا، وسلمتُ على عشرين رجلًا".

لماذا كان ملحقًا وليس جمعًا؟

لأن "عشرون" ليس جمع "عشرة وعشرة وعشرة"، فالجمع يكون لثلاثة أشياء فأكثر فتجمعها، فتأتي بلفظ واحد منها وتزيد عليه واوًا ونونًا أو ياءً ونونًا، "محمد ومحمد ومحمد" نأتي بــ "محمد" واحد فقط ونزيد عليه واوًا نونًا، فتصير "محمدون"، هكذا جمع المذكر السالم، لكن "عشرون" ليس "عشرة وعشرة وعشرة"؛ لأن هذه ثلاثين.

وكذلك "تسعون" ليست "تسعة وتسعة وتسعة"، وهكذا...

الكلمة الثالثة: "عالمون" كما في قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، فالعالمون: كل ما سوى الله -عَزَّ وَجَلَّ.

ما سبب كون لفظ "عالم" ملحقًا بالمذكر؟

جمع المذكر السالم لا يكون جمعًا إلا للعلَم المذكر وصفته فقط، ولكمة "عالَم" ليست علَمًا لعاقل ولا صفة لعاقل، وإنما هذا اسم جنسٍ، كقولهم "عالَم الجن، وعالم الإنس، وعالم الماء، وعالم الحيوان، وعالم النَّمل".

سؤال: هل كلمة "عالَم" مفردٌ لــ "عالَمون"؟

فيه خلاف:

- بعضهم يقول: كلمة "عالَم" مفرد لـ "عالَمون".

- وبعضهم يقول: "عالَمون" جُمعت بالواو والنون لأنها خاصَّة بالعقلاء، فيُراد بها "عالم الإنس وعالم الجن، وعالم الملائكة"، فالعقلاء ثلاثة: الإنس والجن والملائكة. وأما العوالم الأخرى غير العاقلة فتُجمَع على "عوالم" لا على "عالمون".

الكلمة الرابعة: "أهلون"، معناها: أهل.

لماذا كانت ملحقة وليست جمعًا؟

لأنَّ كلمة "أهل" ليست علمًا لمذكر ولا صفة، وإنَّما اسم جنسٍ، فــ "أهل" مثل "ولد، ابن" كما في قوله تعالى: ﴿شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾ [الفتح/11]، فرفعها بالواو. وقوله: ﴿إِلَى أَهْلِيهِمْ﴾ [الفتح/12]، جرَّ بالياء، وهكذا..

الكلمة الخامسة: "وابلون".

الوابل: هو المطر الكثير، والمطر ليس بعاقل، ومع ذلك جُمع بالواو والنون شذوذًا لأنه مسموع.

الكلمة السادسة: "أراضون"، وهي جمع "أرض"، والأرض غير عاقل، فهي ليست علَمًا لعاقل ولا صفة لعاقل، ولا يصح أن يكون جمعًا للفظ المفرد "أرض"؛ لأن الضاد ساكنة، ومع ذلك ألحقوها بجمع المذكر السالم، تقول: "هذه أراضون، ورأيتُ أراضين".

الكلمة السابعة "سِنون، وبابه".

سنون: من السنين، ومعناها واضح وهو السنوات. مفردها: سنة.

لماذا كانت ملحقة؟

لأنَّ السَّنة ليست علمًا لمذكر، وليست صفةً لمذكر، ولفظ المفرد اختلف، فــ "سَنة" بفتح السين، أما "سِنون" بكسر السين.

ما المراد بقوله: (سنون، وبابه)؟

باب سنين: يُراد به الاسم الثلاثي، وحذف الحرف الأخير لأنه حرف علَّة، وعوض عنه بتاء التَّأنيث.

مثل: كلمة "سنة"، وأصلها "سَنَون" مثل: "قلمٌ"، فاللام أصلها واو، والدليل على ذلك أنهم يجمعونها فيقولون: "سنوات، سنوي" فتعود الواو عند التَّصرُّف، ولكن العرب حذفت الواو وعوضت عنها بالتاء.

ومثل "عضة" أصلها "عَضَوُن"، قيل معنى قطعة. وقيل بمعنى: كذب.

ومثل "ثُبة"، وأصلها واو أيضًا.

وكما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾ [الحجر/91]، "عضين" جمع "عضة"، مع أن كلمة "عضة" ليست علمًا لمذكر ولا صفة لمذكر.

وفي قوله: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ﴾ [المعارج/37]، جمع "عِزَة" بمعنى "فِرْقَة".

الكلمة الثامنة: كلمة "بنون"، وهي جمع "ابن"، وهي ليست علمًا لمذكر، ولا صفةً لمذكر، ولكنها اسم جنس، فكان قياسها أن لا تُجمَع هذا الجمع.

الكلمة التاسعة: "عليُّون"، وهذا اسم علَم على منزلة من منازل الجنة -جعلنا الله ووالدينا والمسلمين من أهل الجنة.

فــ "عليون" علَم، ولكن ليس علَم لمذكر عاقل، وإنَّما علَم لغير عاقل، مثل العلامة التي على بعض الحيوانات، وأسماء المدن، فهذه غير عاقلة ولا تجمع بالواو والنون، ولكن العرب جمعوها بالواو والنون كما في قوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ [المطففين/18]، جرها بالياء، وقال: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ﴾ [المطففين/19] رفعها بالواو.

والمراد بقوله (وعِلِّـيُّونَ، وشِبْهُهُ)، أي: المسمَّى بجمع المذكر السالم.

والتَّسمية في اللغة واسعة، فإذا أردتَّ أن تسمي شيئًا وتضع عليه اسمًا خاصًا بعلم له، كأن يكون عندك محلًّا أو عندك ابنًا، أو شركة، أو برنامجًا؛ وتريد أن تضع له اسمًا خاصَّا به، فهذا يُسمَّى علمًا، والأمر واسع:

- فقد تسميه بوصف، مثل أن تسمي الابن "صالح، محمود".

- أو تسميه بمصدر مثل "صلاح، فضل".

- وقد تسميه بفعل، مثل "يزيد، أحمد".

- وقد تسميه بفعل ماضي، أو بفعل أمر.

- أو تسميه بجملة، مثل "شاب قرناها" للمرأة، أو "تأبَّطَ شرًّا" للرجل.

- وقد تسميه بحرف مثل "هيا".

- وقد تسميه بمثنى -وهو واحد- مثل "البحرين، حسنين، محمدين".

- وقد تسمي رجلًا بجمع، مثل: "زيدون"، وهذا الذي يُسمَّى: التَّسمية بجمع المذكر السالم، مثل: "عليين" وهو جمع مذكر سالك في صياغته، فيُلحق بذلك.

ننتقل إلى الباب التالي وهو الباب الرابع من أبواب علامات الإعراب الفرعيَّة.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وأولاتُ وما جُمِعَ بألفٍ وتاء مَزِيدَتَيْنِ وما سُمِّيَ به منهما فينصب بالكسرة، نحو خَلَقَ السَمَاوَاتِ، واصْطَفَى البناتِ)}.

قوله: (وأولاتُ وما جُمِعَ بألفٍ وتاء مَزِيدَتَيْنِ وما سُمِّيَ به منهما)، نصبنا "أولاتٍ"؛ لأنها معطوفة على "الأسماءَ الستَّةَ" منصوبة بالاستثناء.

عرفنا علامات إعراب جمع المؤنَّث السالم من قبل، وأنه يُرفع بالضَّمَّة، ويُنصب ويجر بالكسرة، تقول: "جاءت الهنداتُ، ورأيتُ الهنداتِ، وسلمتُ على الهنداتِ".

وابن هشام هنا ما ذكر إلا علامات النَّصب، فقال: (فينصب بالكسرة)، ولم يذكر علامة الرفع "الضمة" ولا علامة الجر "الكسرة"؛ لأنَّ النصب هي العلامة الفرعيَّة، أمَّا علامة الرفع "الضمة" كــ "جاءت الهنداتُ، وجاءت المدرساتُ" فهي علامة أصليَّة، وكذلك في الجر كــ "سلمتُ على الهنداتِ"، هي علامة أصليَّة، فلم يذكرها، وإنما ذكر العلامة الفرعيَّة فقط، لأنَّ العلامة الأصلية للنصب هي الفتحة، فلمَّا جاءت الكسرة علامةً للنَّصب صارت فرعيَّة.

لماذا عبَّر ابن هشام عن جمع المؤنَّث السالم هنا بقوله: (وما جُمِعَ بألفٍ وتاء مَزِيدَتَيْنِ)، ولم يقل على المشهور: "جمع المؤنث السالم"؟

هذا من التدقيق عند ابن هشام، فهو من المحققين؛ لأنهم يقولون:

- إن جمع المؤنث السالم ليس خاصًّا بالمؤنث كما أن جمع المذكر السالم خاص بالمذكر.

- وأيضًا جمع المؤنث السالم لا يشترط فيه سلامة المفرد، فقد يتغير المفرد، بخلاف جمع المذكر السالم، فمفرده سالم.

* فقد يأتي جمع المؤنث السالم لمذكر كــ "اسطبل - اسطبلات"، و"حمام - حمامات".

* وقد يتغيَّر لفظ مفرده، كـ "حلقة- حلقات"، و"ضربة - ضربات".

ولهذا يقولون: الأفضل أن لا نقول: جمع المؤنث السالم. وإنما نقول: ما جُمِعَ بألفٍ وتاء مَزِيدَتَيْنِ.

ونقول: لا مشاحة في الاصطلاح، فمن قال: "جمع المؤنث السالم"، قال: أريد به المجموع بألف وتاء، وإنما سميته المؤنث السالم؛ لأن الأكثر فيه أنه للمؤنث والأكثر فيه أنه سالم.

لماذا قيَّد ابن هشام الواو والنون بقوله: (مَزِيدَتَيْنِ)؟

الجواب: لأنهما لو لم يكونا كذلك لم يكن من جمع المؤنث السالم.

مثلًا كلمة "بيت" تُجمع على "أبيات"، فهذه الكلمة آخرها ألف وتاء، فالألف زائدة لأنها غير موجودة في "بيت"، لكن التاء أصلية لأنه موجودة في "بيت". إذًا "أبيات" ليس من جمع المؤنث السالم، بل يبقى على الأصل ويُعرب بالحركات الأصلية "هذه أبياتٌ، ورأيتُ أبياتًا، واستمعتُ إلى أبياتٍ". ومثل: "وقت - أوقات"، و"صوت - أصوات"؛ فلابد أن يكون الألف والتاء مزيدتين.

هل لجمع المؤنث السالم ملحقات؟ ذكر ابن هشام للمثنى ملحقات، وذكر لجمع المذكر السالم ملحقات؛ فهل لجمع المؤنث السالم ملحقات؟

الجواب: نعم. وقد ذكر ابن هشام هنا اثنين: "أولات"، وما سُمِّيَ به.

إلَّا أنه هنا خالف طريقته السابقة، أنه يذكر الأصل وما ألحق به، فذكرها كلها على أنها في حكم واحد، وكان ينبغي أن يفعل هنا ما فعل بالمثنى وجمع المذكر السالم.

وكلمة "أولات" ملحقة بجمع المؤنث السالم؛ لأن ليس لها مفرد، نعم هي "ذات" بمعناها، لكن لو جُمِعت "ذات" بالألف والتاء ستكون "ذاتات".

وكذلك ما سُمي بجمع المؤنث السالم، وقلنا: إن التسمية واسعة، وقد يُسمي بجمع مؤنث سالم، فقد تسمي بنتك -وهي واحدة "فرحات، أو عطيات" فما فيه إشكال في ذلك، ومن ذلك "عرفات" وهو مكان واحد، فيُعامل معاملة جمع المؤنث السالم.

أمثلة ابن هشام:

المثال الأول: ﴿خَلَقَ السَمَاوَاتِ﴾، واضح أن "السَّماواتِ" مفعول به لوقوع الخلق عليها، وعلامة نصبها الكسرة.

المثال الثاني: ﴿أصْطَفَى البناتِ﴾، فالفعل "اصطفى" مبدوء بهمزة وصل، وقبله همزة استفهام، فكتبت "أصطفى"، فإذا اجتمعت همزة الاستفهام وهمزة الوصل تسقط همزة الوصل، فالفعل "أصطفى" سؤال وليس خبر، والفاعل مستتر تقديره "هـو"، و"البناتِ" مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وما لا ينصرفُ فيجر بالفتحة نحوَ "بأفضلَ منه"، إلا مع (أَلْ) نحوُ "بالأفضلِ" أو بالإضافة نحوُ "بأفضلِكم")}.

الباب الخامس من علامات الإعراب الفرعيَّة: ما لا ينصرف.

يقولون: "ما لا ينصرف". ويقولون: "الممنوع من الصرف"؛ وكله بمعنى واحد.

ما المراد بالأسماء الممنوعة من الصرف؟

سيأتي لها باب خاص في آخر كتب النحو، وعندنا في قطر الندى سيأتي بابٌ في آخر الكتاب خاص بهذه الأسماء.

واختصارها: أنها اثنا عشر اسمًا منعتها العرب من الصرف، يعني: من التنوين ومن الجر بالكسرة، فلا تُنوَّن، ولا تجر بالكسرة، وإنما تجر بالفتحة، لأنها تتشبَّه بالأفعال، فعاقبتها العربيَّة بعقوبتين:

- حرمتها من زينة الأسماء: التنوين.

- وحرمتها من الجر بالكسرة الخاص بالأسماء.

وهي:

* الاسم المختوم بألف التأنيث.

* والاسم الذي على وزن "مفاعل" و"مفاعيل".

* الوصف الذي على وزن "أفعل".

* الوصف الذي على وصف "فعلان".

* الوصف المعدول.

* العلم الأعجمي.

* العلم المؤنث.

* العلم المركب تركيب مزج.

* العلم المختوم بألف ونون زائدتين.

* العلم الذي على وزن الفعل.

* العلم المختوم بألف إلحاق المقصورة.

* المعرفة المعدولة.

وسيأتي ذكرها بالتفصيل.

مثل: "مساجد".

ومثل: "أفضل" وصف على وزن أفعل.

ومثل "يزيد": اسم على وزن الفعل.

فهذه كلها ممنوعة من الصرف ولا تنوَّن، لا تقول: "هذه مساجدٌ"، وإنما تقول: "هذه مساجدُ يا محمد". لا تقول: "بنيتُ مساجدًا يا محمد"، وإنما تقول: "بنيتُ مساجدَ يا محمد". ولا تقول: "صليتُ في مساجدٍ"، وإنما تقول: "صليتُ في مساجدَ" وتجرها بالفتحة. وهذا شرحناه في شرح المبتدئين.

لماذا ذكر ابن هشام هنا علامة الجر فقط، ولم يذكر علامة الرفع وعلامة النصب فقال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (فيجر بالفتحةِ)؟

لأنَّ علامة الرفع الضمة أصلية، وعلامة النصب الفتحة أصلية، تقول "جاء إبراهيمُ، وهذه مساجدُ، ورأيتُ إبراهيمَ، وبنيتُ مساجدَ"، هذه علامات أصليَّة، لكن العلامة الفرعية هي علامة الجر، تقول: "صلى الله وسلمَ على إبراهيمَ، ورضيَ اللهُ عن عائشةَ، وصليتُ في مساجدَ".

ومثل ابن هشام بقوله (بأفضلَ منه)، فالباء حرف جر، و"أفضلَ" اسم مجرور وعلامة جره الفتحة لأنه ممنوع من الصرف.

قال ابن هشام: (يُجر بالفتحة)، إلا في موضعين فإنه يُجر بالكسرة كبقيَّة الأسماء:

الموضع الأول: إذا اتصلت به (أل)، كقولك: "الأفضل، المساجد".

الموضع الثاني: إذا أُضيف، يعني وقع مضافًا وبعده مضافًا إليه، كقولك: "أفضلكم، مساجد الرياض"، فحينئذٍ يُجر بالكسرة كبقيَّة الأسماء.

تقول: "سلمتُ على أفضلِكم، وصليتُ في مساجدِ الرياض"، وقال تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة/187]، وقال: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين/8] جرَّ بالكسرة "أحكمِ" لأنه وقع مضافًا.

لماذا عاد الممنوع من الصرف في هذين الموضعين -مع (أل) والإضافة- إلى الجر بالكسرة كبقيَّة الأسماء؟

الجواب عن ذلك: هذا من مراعاة اللغة ودقتها.

لماذا منعت هذه الأسماء من الصرف، فمُنعت من التنوين ومن الجر بالكسرة؟

الجواب: لأنها أشبهت الأفعال.

هنا عندما دخلت (أل) عليها وهي من خصائص الأسماء، أو دخلت الإضافة عليها وهي من خصائص الأسماء؛ قوَّى ذلك جانب الاسميَّة فيها فعادت إلى حكم الأسماء فجُرَّت إلى الكسرة.

فهذه خمسة أبواب من أبواب العلامات الفرعية وهي من الأسماء، بقي بابان من الأفعال المضارعة.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (والأمثلةَ الخمسةَ، وهي تَفعلانِ وتَفعلونَ بالياء والتاء فيهما، وتفعلينَ، فترفع بثبوت النون، وتجزم وتنصب بحذفها، نحو "فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا")}.

المراد بالأفعال الخمسة: كل فعل مضارع اتَّصلت به واو الجماعة أو ألف الاثنين أو ياء المخاطبة، فهذه الضمائر الثلاثة المتصلة الساكنة دائمًا تتفق في الأحكام.

والأفعال الخمسة لابد أن تكون:

- أفعال مضارعة، لا ماضيًا كـ "ذهبوا"، ولا أمرًا كـ "اذهبوا".

- اتصلت به واو الجماعة كـ "تذهبون"، أو ألف الاثنين كـ "تذهبان"، أو ياء المخاطبة كـ "تذهبين".

هل هي خمسة أو أكثر؟

الجواب: هي أكثر من خمسة، ولهذا فإن ابن هشام -وهو من المحققين- يفضل أن يسمها "الأمثلة الخمسة" أو "الصيغ الخمسة"، لا يسمها "الأفعال الخمسة"، لأنها ليست كالأسماء الخمس -خمسة أسماء- وإنما هي أمثلة، يعني أوزان وصيغ يأتي عليها ما لا يتناهى من الأفعال.

وبيان ذلك في الجدول التالي:

 

 

الفعل المضارع لابد أن يبدأ بحرف من أحرف المضارعة، وهي: الهمزة، والنون، والياء، والتاء.

مثل: "أذهب، نذهب، تذهب، يذهب".

الفعل المضارع يكون من الأفعال الخمسة إذا اتصلت به واو الجماعة أو ألف الاثنين، أو ياء المخاطبة -كما شرحنا.

أولًا: المضارع المبدوء بهمزة كــ "أذهب": لا يتصل بواو الجماعة، ما تقول: "نحن نذهبون"، ولا يتصل بألف الاثنين "نحن نذهبان"، ولا ياء المخاطبة، فهذا غير موجود.

ثانيًا: المضارع المبدوء بالنون كــ "نذهب": ما تتصل به واو الجماعة، فما تقول: "نذهبون"، ولا ألف الاثنين "نذهبان"، ولا ياء المخاطبة "نذهبين".

ثالثًا: المضارع المبدوء بالياء كـ "يذهب": تتصل به واو الجماعة "يذهبون، وتتصل به ألف الاثنين "يذهبان، ولكن ما تتصل به ياء المخاطبة، ما تقول: "أنتِ يذهبين".

رابعًا: المضارع المبدوء بتاء كـ "تذهب": تتصل به واو الجماعة "أنتم تذهبون"، وتتصل به ألف الاثنين "أنتما تذهبان"، وتتصل به ياء المخاطبة "أنتِ تذهبينَ".

إذًا؛ خرجت لنا خمسُ صيَغ -أو خمسة أبنية- فلهذا سُمِّيَت ـ "الأبنية الخمسة".

ونقول: لا مشاحة في الاصطلاح، من قال: "الأفعال الخمسة" قال: أريد بها كل فعل مضارع...إلخ.

السؤال التالي: كيف كانت ثبوت النون علامة رفع؟ وكيف كان حذفها علامة للنصب والجزم؟

كان ذلك تابعًا لمسألة أخرى سابقة تُدرَس في الصرف، فهم يرون أن الأصل في الأفعال هو الفعل الماضي "ذهب"، ومن الماضي يُؤخذ المضارع بزيادة حرف المضارعة، ومن المضارع يؤخذ الأمر بحذف حرف المضارعة.

نقول: هذا الفعل لم تتصل به واو الجماعة ولا ألف الاثنين ولا ياء المخاطبة.

صِلْ واو الجماعة وألف الاثنين وياء المخاطبة بهذه الأفعال، ماذا سنقول؟

نبدأ بالأصل وهو الماضي: "ذهب - ذهبوا" ما فيه نون، وهذا مبني أصلًا.

ثم نأتي لمضارعه: "الرجال يذهبون" مع أن ماضيه ما فيه نون؛ ولكن العرب جلبت النون لتكون علامة رفع، فمهما رأيت فعلًا من الأفعال الخمسة فيه نون "يذهبون، يجلسون، يذهبان، يؤمنان، يقرءان، تقرئين"؛ تعرف أنه مرفوع، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة/3]، هذه كلها مرفوعة بثبوت النون.

وإذا لم يكن في الأفعال الخمسة نون "يذهبوا، يذهبا، تذهبي"؛ تعرف أنه ليس مرفوعًا، إن سُبق بناصب فهو منصوب، وإن سُبق بجازم فهو مجزوم.

لماذا قدَّم ابن هشام الجزم على النصب؟ لماذا قال (تُجزَم وتُنصَب بحذفها)؟ والمشهور تقديم الرفع، ثم النصب، ثم الجزم؟

الجواب: لأن علامة النصب والجزم حذف النون، وهو يُشبه السكون الذي هو حذف الحركة، لأنَّ كليهما حذف، فكان حذف النون في الأصل علامة للجزم، وأما النصب هنا فمحمولٌ على الجزم، فلهذا قُدِّم الجزم. ولو قيل "يُنصب ويُجزم بحذفها" فلا بأس بذلك.

مثَّل ابن هشام بقوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ [البقرة/24]، "تفعلوا" الأولى مسبوقة بجازم فهو مجزوم بحذف النون، و "نفعلوا" الثانية مسبوقة بناصب فهي منصوبة وعلامة نصبها حذف النون.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (والفعلَ المضارعَ المعتلَّ الآخرِ فيجزم بحذف آخره، نحوَ "لم يغزُ ولم يخشَ ولم يرمِ")}.

الفعل المضارع المعتل الآخر هو: الفعل المضارع المختوم بحرف علَّة.

- مختوم بألف: كـ "يخشى، ويرضى".

- مختوم بواو: كــ "يدعو، ويسمو".

- أو مختوم بياء: كــ "يقضي، ويرمي".

هنا فائدة مهمَّة، وهي: هل الكلمات العربية تختم بحرف علَّة؟

نبدأ بالأفعال:

- الفعل المضارع: يُختم بحرف علَّة، ولكن لا يُختم بواو أو ياء متحركين، فلهذا يُختَم بألف كـ "يخشى"، ويُختم بالواو المدية كـ "يدعو"، ويُختم بالياء المدية كـ "يقضي".

- الفعل الماضي: يُختم بالألف، كــ "دعا"، ولا يُختَم بياء ولا بواو مدَّيتين، ولكن يُختم بياء وواو متحركتين، كــ "رضيَ، وثَرُوَ -إذا صار ثريًّا".

الأسماء:

* قد تُختم بالياء المدية المسبوقة بكسرة، مثل "قاضي، هادي" ويسمى الاسم المنقوص.

* وقد يُختم بواو أو ياء متحركتين، كـ "ظبيٌ، سهوٌ".

* يُختم بياء مديَّة كـ "قاضي".

* ولا يُختَم بواو مديَّة، فإذا وجدتَّ اسمًا مختومًا بواو مديَّة فاعلم أنه ليس اسمًا عربيًّا معربًا، قد يكون مبنيًا مثل: "هوَ" إذا وقف عليها تقول: "هوْ"، أو أعجميًا ليس عربيًّا مثل "قمندو، سمندو، أرسطو، خوفو، طوكيو".

قال ابن هشام: (فيُجزم بحذف آخره)، ذكر هنا علامة الجزم فقط، ولم يذكر علامة الرفع ولا النصب؛ لأنَّ علامة الرفع في المضارع المعتل الآخر أصليَّة وإن كانت مقدَّرة، وعلامة النصب الفتحة، وقد تكون مقدَّرة على الألف وظاهرةً على الواو والياء، فذكر هنا فقط العلامة الفرعيَّة، وهي حذف حرف العلة "الواو والألف والياء".

مثل: "لـمْ يغْزُ"، الفعل "يغزو" في المضارع مختوم بواو، والواو هذه من أصل الفعل، فلما جُزِمَ بنحو "لـمْ" حُذفت الواو علامةً للجزم، فالذي دلنا هنا على أن الفعل مجزوم هو حذف حرف العلة، ونقول في علامة الجزم:

- إما أن نقول: علامة جزمه حذف حرف العلة.

- أو نقول: علامة جزمه حذف الواو.

وكذلك في: "يخشَ" حذفت الألف، وكذلك في: "يرمِ" حذفت الياء.

عندما حذفنا الواو في "يغزُ" أبقينا الضَّمَّة التي كانت على الزاي، والذي عمله العامل هنا أنه حذفَ الواو علامةً للجزم، أما الضمة التي كانت قبلها فبقيت على ما هي عليه، فما نقول: حذفت الواو وضم ما قبلها للدلالة على المحذوف؛ فإن الذي قبلها مضموم من الأصل، وإنما حرف الجزم حذف الواو فقط.

وكذلك في "يرمِي" الميم مكسورة، فعندما حذفنا الياء بقيت الميم مكسورة، وكذلك في "يخشَى" الشين مفتوحة، فلما حذفنا الألف بقيت الشين مفتوحة.

هذا ما يتعلق بعلامات الإعراب الأصليَّة والفرعيَّة، وبعد أن انتهينا منها نريد أن نحصرها، فنحن شتَّتناها بينَ الأبواب، فنريد أن نحصر علامات الرفع، وعلامات النصب، وعلامات الجر، وعلامات الجزم.

علامات الرفع أربع علامات: الضمة، والألف، والواو، وثبوت النون.

مثل:

الرفع بالضمة: "يذهبُ" فعل مضارع مرفوع بالضمة، "معلمٌ"، "معلماتٌ"، "إبراهيمُ".

الرفع بالألف: "معلمان".

الرفع بالواو: "معلمون".

الرفع بالواو: "أخوك".

الرفع بثبوت النون: "يعودون".

فعلامات الرفع لا تخرج عن هذه الأربعة: إما ضمة، وإما ألف، وإما واو، وإما ثبوت النون.

علامات النصب كثيرة، وهي خمسة، لأنَّ النصب أكثر اللغة، يقول الكسائي: "النَّصبُ مَهْيَعُ اللغة" يعني: الطَّريق الأوسع في اللغة.

علامات النصب: الفتحة، والياء، والكسرة، والألف، وحذف النون.

النصب بالفتحة: "إبراهيمَ"، "لن أهينَ معلمًا" فــ "أُهينَ" مضارع منصوب بالفتحة، و "معلمًا" منصوب بالفتحة.

النصب بالياء: "معلمَيْن، معلمِين".

النصب بالكسرة: "معلماتٍ".

النصب بالألف: "أخاك".

النصب بحذف النون: "لن يُهانوا".

علامات الجر ثلاث علامات: الكسرة، والياء، والفتحة.

الجر بالكسرة: سلمتُ على معلمٍ، ومعلماتٍ"

الجر بالياء: "سلمتُ على معلمَيْن ومعلمِين"، "سلمت على أخيك".

الجر بالفتحة: "سلمت على إبراهيمَ".

علامات الجزم ثلاث علامات: السكون الأصلية، حذف حرف العلة، وحذف النون.

الجزم بالسكون: "لـمْ يذهبْ".

الجزم بحذف حرف العلة: "لـمْ أرَ".

الجزم بحذف النون: "لم يعودوا".

نحتم بهذا التمرين: هذه الجملة نُدخل عليها "كان" و "إنَّ" و "ظننتُ"؛ وقد عرفنا عملها من قبل، فـ "كان" ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، و "إنَّ" تنصب المبتدأ وترعف الخبر، و"ظننت" تنصب المبتدأ والخبر، والمراد من هذا التمرين هو تطبيق علامات الإعراب على الوجه الصحيح:

المثال الأول:

"أخوك ذو علم"، رفعنا المبتدأ والخبر بالواو.

أَدخل "كان"، فتصير: "كان أخوك ذا علم"، رفعنا المبتدأ "أخوك"، ونصبنا الخبر "ذا".

أَدخل "إنَّ"، فتصير: "إنَّ أخاكَ ذو علم".

أَدخل "ظننت"، فتصير" ظننتُ أخاك ذا علم".

المثال الثاني:

"الطالبان مجتهدان"، مثنى مرفوع بالألف.

أَدخل "كان"، فتصير: "كان الطالبان مجتهدين".

أدخل "إنَّ"، فتصير: "إنَّ الطالبَيْن مجتهدَان".

أَدخل "ظننت"، فتصير: "ظننتُ الطالبَين مجتهدَيْن".

المثالث الثالث:

"المهندسون بارعون" جمع مذكر سالم مرفوع بالواو.

أَدخل "كان"، فتصير: "كان المهندسونَ بارعين".

أَدخل "إنَّ"، فتصير: "إنَّ المهندسين بارعون".

أَدخل "ظننت"، فتصير: "ظننتُ المهندسين بارعين.

المثال الرابع:

"المعلماتُ مخلصاتٌ"، جمع مؤنث سالم مرفوع المبتدأ والخبر بالضمة، و "المعلماتُ" ما نوِّنَ لوجود (أل)، و "مخلصاتٌ" نُوِّنَ على الأصل.

أدخل "كان، فتصير: "كانت المعلماتُ مخلصاتٍ".

أَدخل "إنَّ"، فتصير: "إنَّ المعلماتِ مخلصاتٌ".

أدخل "ظننت"، فتصير: "ظننتُ المعلماتِ مخلصاتٍ".

المثال الخامس:

"إبراهيمُ غضبانُ"، اسمان ممنوعان من الصرف، فـ "إبراهيم" علم أعجمي، و"غضبان" على وزن "فعلان"؛ فرفعناهما بلا تنوين.

أَدخل "كان، فتصير: "كان إبراهيمُ غضبانَ".

أَدخل "إنَّ"، فتصير: "إنَّ إبراهيمَ غضبانُ".

أدخل "ظننت"، فتصير: "ظننتُ إبراهيمَ غضبانَ".

هذا آخر هذا الدرس، وننتظركم -بإذن الله- في الدرس القادم، فإلى ذلكم الحين نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله بركاته.

{شكر الله لكم فضيلة الشيخ ما أفدتم وقدمتم، والشكر موصول لكم أعزائي المشاهدين على طيب المتابعة، سائلين الله أن نلقاكم في حلقاتٍ قادمة من برنامجكم "البناء العلمي".

إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

 

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك