الدرس الثاني

فضيلة الشيخ أ.د. سليمان بن عبدالعزيز العيوني

إحصائية السلسلة

5471 22
الدرس الثاني

قطر الندى

{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهلًا ومرحبًا بكم أعزائي المشاهدين في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات برنامجكم "البناء العلمي".

في هذه الحلقة نستكمل وإيَّاكم ما بدأناه في شرح "قطر النَّدى وبل الصَّدى" مع فضيلة الشيخ/ أ. د سليمان بن عبد العزيز العيوني. عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة. أهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ}.

أهلًا وسهلًا، وحيَّاكم الله وبيَّاكم في هذا الدرس -الدرس الثاني- من دروس شرح "قطر الندى وبل الصدى" لابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، وهذا الدرس تابعٌ لبرنامج "البناء العلني" من المرحلة الثالثة - المستوى الرابع، ونحن نبثُّ هذا الدرس من مدينة الرياض، في سنة ألف وأربعمائة وثنتين وأربعين.

{في الحلقة الماضية توقفنا عند ذكر الاسم المبني على الضَّم، عند قول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وكَـ "قبلُ و بعدُ" وأخواتِهما في لزوم الضَّمِّ إذا حُذِفَ المضافُ إليه ونُوِيَ معناهُ، وكَـ "مَنْ وكَمْ" في لزوم السُّكون وهو أصل البناء)}.

بعدَ أن ذكر ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أنَّ الكلمة على ثلاثة أنواع -اسم وفعل وحرف- بدأ بالاسم، فذكر العلامات المميزة وشرحناها، ثم ذكر بعد ذلك انقسام الاسم إلى مبنيٍّ ومعرب، وذكر تعريف المعرب والمبني، ثم ذكر بعدَ ذلك علامَ يُبنَى الاسم المبني، وذكر أنه بحسب ذلك على أربعة أنواع:

الأول: المبني على الكسر.

الثاني: المبني على الفتح.

وشرحناهما في الدرس الماضي.

الثالث: المبني على الضم.

والرابع: المبني على السكون.

وسنبدأ هذا الدرس -إن شاء الله- بالكلام على شرحهما.

الاسم المبني على الضم مثَّل له ابن هشام بمثال واحد متفقٍ عليه، وهو: الظروف المقطوعة عن الإضافة، كــ "قبلُ وبعدُ"، فهما ظرفانِ، يعني: اسمان يدلَّان على زمانٍ أو مكانٍ.

والمراد بالظروف المقطوعة: أنَّ أسماء الزمان يجوز أن تحذف المضاف إليه بعدهما، وسيأتي في باب الإضافة بالتفصيل أنَّ هناكَ أسماءً تلزم الإضافة، يعني: لا تفارق الإضافة؛ إلَّا أن بعضها يجوز لك أن تصرِّح بالمضاف إليه بعدها، ويجوزُ أن تقطعه -يعني: تحذف المضاف إليه- بعدهما، ومن ذلك "قبلُ، وبعدُ".

فيجوز أن تقول مثلًا: "جئتُ قبلَ زيد"، فتصرِّح بالمضاف إليه. أو "جئتُ بعدَ الظهر". أو: "جئتُ قبلكَ". أو "جئتُ من قبلكَ".

ويجوز أن تحذف المضاف إليه -طبعًا إذا كان معلومًا- فإذا قيل: مَن الذي أتى أولًا أنت أم زيد؟ فتقول: "أنا جئتُ قبلُ"، يعني: قبل زيد.

فهذا هو المراد بالظروف المقطوعة.

وتفصيل الكلام على إعرابها أن نقول:

 الظروف المقطوعة لها حالتان:

الأولى: أن يصرح بالمضاف إليه بعدهما، فهي مُعربة اتفاقًا، يعني: خاضعة للإعراب، وهي حينئذٍ إما أن تقع ظرفًا فتُنصَب، أو تُسبَق بـ "مِن" فتُجر، تقول: "جئتُ قبلَ زيدٍ، ومن قبلِهِ"، و"جئتُ بعدَ العصرِ ومِن بعدِهِ".

الثانية: أن لا تُصرِّح بالمضاف إليه بعدهما، يعني: لا تذكره، فيجوز لك في هذه الحالة ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: بناؤهما على الضم. تقول: "جئتُ قبلُ وجئتُ من قبلُ، وجئتُ بعدُ، وجئتُ من بعدُ"، وهذا هو الأكثر والأفصح حينئذٍ، كقوله تعالى: ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ [الروم: 4].

الوجه الثاني: أن تُعرب وتنوِّن. تقول: "جئتُ قبلًا، ثم عدتُّ بعدًا، وجئتُ من قبلٍ، ثم عدتُّ من بعدٍ"، وفي قراءة: ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلٍ وَمِنْ بَعْدٍ.

ومن ذلك أيضًا قول الشاعر:

فساغ ليَ الشَّراب وكنتُ قبلًا ... أكاد أغص بالماء الفراتِ

الوجه الثالث: أن تعرب لكن بلا تنوينٍ، فتقول: "جئتُ قبلَ يا محمد، ثم عدتُّ من بعدِ يا محمد".

فهذه ثلاثة أوجه، وهذا هو المسموع عن العرب، وقال النحويون في تعليلها: إذا حذفتَ لفظ المضاف إليه -يعني إذا لم تصرِّح بالمضاف إليه- بعدهما؛ فإنَّك إذا أعربتَ ونوَّنتَ "جئتُ قبلًا، ومن قبلٍ"، فمعنى ذلك: أنَّك حذفت المضاف إليه، ولم تُراعِ لا لفظه ولا معناه، كأنه غير موجود أصلًا، فلهذا عادت الكلمة إلى الإعراب والتنوين.

وأما إذا أعربتَ ولم تُنوَّن: فأنت حذفتَ لفظ المضاف إليه ولكن نويتَ لفظه -يعني كأنَّه موجود- فتقول: "جئتُ قبلَ يا محمد" كأنَّكَ قلتَ: "جئتُ قبلَ زيدٍ يا محمد".

وأمَّا إذا بنيت على الضم: فكأنَّكَ حذفتَ لفظ المضاف إليه ونويتَ معناه دون لفظه، فلهذا بنينا على الضَّم، وهذا هو قول ابن هشام (إذا حُذِفَ المضافُ إليه ونُوِيَ معناهُ).

وأمَّا النوع الرابع: فهو الاسم المبني على السكون، ومثَّل له ابن هشام بمثالين متفق عليهما:

الأول: "مَنْ".

والثاني: "كمْ".

فــ "مَنْ" لها أوجه في اللغة، تأتي اسم استفهام "مَنْ أبوكَ؟"، وتأتي اسم شرط "مَنْ يجتهد ينجح"، وتأتي اسمًا موصولًا بمعنى الذي "أحبُّ مَنْ تُحبه"، يعني: الذي تحبه.

وهي في كل ذلك: اسمٌ مبنيٌّ على السكون.

فإن قيل: ألا يجوز أن نضبط "مَنْ" في كلام ابن هشام بكسر الميم "مِنْ"؟

نقول: هذا لا يجوز؛ لأنَّنا إذا كسرنا الميم "مِن" صارت حرف جر، وابن هشام إنَّما يُمثِّل للأسماء المبنيَّة، و"مِن" حرف، فلا تصلح مثالًا.

والاسم الثاني هو: "كَمْ"، وتأتي على نوعين:

- استفهامية "كمْ مالُكَ؟"، فيُراد بها الاستفهام وتطلب الجواب.

- خبرية "كَمْ مرَّةٍ نهيتُك عن ذلك"، وهي تدل على التَّكثير ولا تحتاج إلى جواب.

و"كمْ" فيهما: اسمٌ مبنيٌّ على السكون.

وهناك أسماء مبنية على السكون كثيرة، كــ "الذي، متى"، وغير ذلك.

السؤال الثالث:

من الأسماء المبنية على السكون (كَمْ)، وهي إمَّا استفهامية، (كَمْ مَالُكَ؟) وتتطلب الجواب، وإمَّا خبرية، (كَمْ مرَّةٍ نهيتُك عن ذلك)، وهي تدل على التَّكثير ولا تحتاج إلى جواب.

ثم قال ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في ختام الكلام على الأسماء المبنية: (وهو أصل البناء)، يعني: أنَّ البناء على السكون هو الأصل، كما قال ابن مالك -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في الألفية:

......................... *** وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أنْ يُسَكَّنَا

ولحظ بعضهم على كلام ابن مالك ملحظًا، فقال: الأحسن أن يقول: "مبني" ولا يقول: "الأصل فيه البناء" كما قال محمد بن محمد الغزِّي في شرحه المنظوم للألفية، وقد طُبع الآن فيه عشرة آلاف بيت، يأتي بكلام ابن هشام في داخل كلامه، ويجعل الكلامَيْن كأنهما كلام واحد لقوَّة نظمه، فقال:

وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أنْ يُسَكَّنَا *** لَوْ قالَ مَبْنيٌّ لَكَانَ أَحَسَنَا

فَلَيسَ كُلُّ مُستَحِقِّ أمرِ ** يَكُونُ مَوصُوفٌ بِذَاكَ الأمْرِ

يعني: أنَّ ابن مالك ذكر حق الحرف، وهو أن يكون مبنيًّا على السكون، والأصل قد يطَّرد وقد لا يطَّرد. فلو قال "مبنيٌّ" لكان أفضل.

ماذا نستفيد من معرفة الأصل؟

الأصل في المبني أن يُسكَّن، فهل كل الأسماء المبنية مبنية على السكون؟

لا، لكن الأصل فيها أن تكون مبنية على السكون، ونستفيد عندما نعرف هذا الأصل: أنَّك إذا أردت أن تسأل لا تسأل عن الشيء الذي جاء على أصله، وإنما تسأل عن الأشياء التي خرجت عن هذا الأصل لماذا خرجت عن هذا الأصل، وهذا في كل الأمور، فلو أنَّ إنسانًا أتى يمشي على قدميه، ما نسأل لماذا جاء يمشي على قدمين، لأن هذا هو الأصل في الإنسان، لكن لو جاء يزحف مثلًا؛ فتسأل: ما باله؟ لأنه خرج عن الأصل.

وهكذا يُمكن أن نسأل عن الأسماء المبنية على الفتح أو الضم أو الكسر؛ لماذا بُنيَت؟ وهم يفصِّلون الجواب في ذلك.

فهذا بقيَّة الكلام على الدرس الماضي؛ لنبدأ الكلام على الدرس الجديد -بإذن الله تعالى.

{قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وأما الفعلُ فثلاثةُ أقسام:

ماضٍ: ويُعْرَف بتاءِ التأنيث الساكنةِ).

الآن انتقل ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- إلى النوع الثاني من أنواع الكلمة، وهو الفعل، فذكر في البداية أنَّ الفعل على ثلاثة أقسام.

ونقول: معرفة أقسام الفعل الثلاثة والتفريق بينها يدخل في الضرورة الأولى، يعني لا يكفي أن تعرف أنَّ الكلمة فعل، بل لابد أن تعرف هل هي فعل ماضٍ أم مضارع أم أمر؛ لأن الفعل الماضي له أحكام وإعراب، والمضارع كذلك، والأمر كذلك، وأحكامها وإعرابها يختلف، فلابدَّ أن تعرف نوع الفعل.

بدأ ابن هشام بذكر أنواع الفعل نوعًا نوعًا، وبدأ بالنوع الأول: الفعل الماضي، ثم سيذكر الفعل المضارع، ثم الأمر، وسيذكر في كل نوع من هذه الأنواع العلامة التي تميزه، وحكمها من حيث الإعراب والبناء.

بدأ بالماضي، فذكر علامته المميزة، قال: (ويُعْرَف بتاءِ التأنيث الساكنةِ)، وهذا شُرِحَ في شرح المبتدئين.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وبناؤه على الفتح كضربَ، إلا مع واوِ الجماعة فيُضَمُّ كـ "ضربُوا"، والضميرِ المرفوعِ المتحركِ فيُسَكَّنُ كـ "ضربْتُ")}.

ابن هشام ذكر هنا أن الفعل الماضي يُبنَى على ثلاثة أشياء:

- يُبنى على الفتح.

- ويُبنى على الضم.

- ويُبنى على السكون.

الأصل أن يُبنَى على الفتح إذا لم يتَّصل به شيء، كــ "ضربِ، وانطلقِ، واستخرجَ، ودحرجَ".

ويُبنَى على الضم إذا اتَّصلت به واو الجماعة، كــ "ذهبُوا، وضربُوا".

ويُبنى على السكون إذا اتَّصل به ضميرٌ مرفوعٌ متحرِّك، يعني الضمائر التي نجمعها في قولنا "ناتن" فـ "نا": هي "نا" المتكلمين. والتاء: تاء المتكلم. والنون: نون النسوة. فهذه ثلاثة ضمائر كلها متَّصلة، وكلها متحركة الأوَّل، وتسمَّى ضمائر الرفع المتصلة المتحركة، وشرحُ ذلك بالتفصيل يأتي في باب الضمير، وسبق شرح جزء كبير منه في شرح المبتدئين.

وهذه الضمائر الثلاثة تتميَّز بأن أولها متحرك، فإذا اتَّصلت بالفعل الماضي فإنها تجعل آخر الماضي ساكنًا، كـ "ذهبَ - ذهبْتُ - والنسوة: ذهبْنَ - ونحن ذهبْنَا"، فالفعل الماضي معها ساكنُ الآخر.

إذًا؛ الفعل الماضي -على ما قرأنا الآن- يُبنَى على الفتح، وعلى الضم، وعلى السكون.

وبعد أن عرفنا ذلك نقول: إنَّ الصواب في ذلك: أنَّ الفعل الماضي مبني على الفتح دائمًا، إمَّا:

- على الفتح الظاهر، إذا لم يمنع من ظهوره مانع، كـ "ذهبَ، ودحرجَ، وانطلقَ، واستخرجَ".

- أو على الفتح المقدَّر إذا منع من ظهور الفتح مانع، وذلك في ثلاثة مواضع:

* الموضع الأول: إذا كان الماضي معتل الآخر بالألف، كـ "دعا، سعى، رمى"، فنقول في هذه الأفعال: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدَّر، منع من ظهوره التعذُّر؛ لأن الحركات يتعذر -يعني يستحيل- ظهورها على الألف.

* الموضع الثاني: إذا اتَّصلت به واو الجماعة، كـ "ذهبُوا" فالأصل "ذهبَ" مبني على الفتح، ثم دخلت واو الجماعة فضُمَّ ما قبلها لمناسبة الواو، فالضَّمة التي في "ذهبُوا" ليست ضمَّة بناء، وإنَّما هي ضمَّة مناسبةٍ، فلا نخلط بينَ الأمرين.

* الموضع الثالث: إذا اتَّصل بالفعل الماضي ضميرٌ من ضمائر "ناتن" يعني: ضمائر الرفع المتصلة المتحركة، فيُبنَى على فتحٍ مقدَّر؛ لأنَّ هذه الضمائر ستسكِّن آخر الفعل، فهذا السكون يمنع الفتح من الظهور، وهذا السكون في آخر الفعل ليس حركةَ بناءٍ، وإنما حركةٌ مجلوبةٌ للتَّخلُّص من الثِّقل الذي حدثَ بسبب كثرة الحركات "ذَهَـبَ" فيها ثلاث حركات، ثم يتَّصل بها ضمير متحرك فصار أربع حركات، فثقل ذلك على العرب، فسكَّنوا آخر الفعل، فخفَّ عليهم ذلك.

وابن هشام نفسه -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- قال بهذا القول في كتبه العلمية كـ "أوضح المسالك"، ولكنه هنا -كما ترون أخذ بهذا المذهب التعليمي.

إذًا؛ القول بأن الفعل الماضي مبني على الفتح دائمًا هو القول الصحيح، أما القول بأن الفعل الماضي مبني على حركة آخره فهذا قول تعليمي.

ومما يضعفه أيضًا: أن الفعل الماضي المعتل الآخر بالألف كـ "دعا وسعى" لا أحد يقول إنه مبني على السكون، وإنما هو مبني على الفتح المقدر عند الجميع، ولو كان الفعل الماضي بني على حركة آخره لقيل: إنه مبني على السكون.

وهنا ملحظ في كلام ابن هشام في قوله: (والضَّمير المرفوع)، فهذا من تساهل ابن هشام، والنحويون قد يتساهلون إذا كان الأمر واضحًا، فمن المعلوم أنَّ الضَّمائر مبنيَّة، والمبني إنَّما يُقال عن إعرابه إذا كان حكمه الرفع: في محل رفع، ولا يُقال: مرفوع.

وابن هشام هنا تساهل فقال: (مرفوع)، فلو أراد المصلح العلمي لقال: "الضَّميرُ الذي في محل رفع".

ثم ذكر ابن هشام شيئًا من الأفعال التي اختلفوا في نوعها.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (ومنه "نِعم وبِئس وعسى وليس" في الأصح)}.

ذكر ابن هشام أربع كلمات، ونصَّ على هذه الكلمات لوجود الخلاف في نوعها، ولهذا قال: (على الأصح)، وهذا يدل على أنَّ فيها خلافًا، وهذا الخلاف بين النَّحويين؛ لأنَّه قال: (على الأصح)، أما لو كان الخلاف بين العرب لقال: "هذه أفعال ماضية على لغة الحجازيين..، أو لغة التميميين...، أو كذا"، فهذه اللغات ليس فيها صحيح وأصح، وإنما فيها فصيح وأفصح، وكثير وأقل.

و"نعم، وبئس" معروف أنهما فعلا المدح والذَّم، في الأسلوب المطَّرد، تقول: "نعم الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو"، فـ "نعم، وبئس" اللذان في أسلوب المدح والذَّم فيهما خلاف بين النَّحويين:

- فهناك قول يُنسَب لبعض النحويين أنهما اسمان، فقالوا: جاء في كلام العرب دخول حرف الجر عليهما، كما في قوله: "والله ما هي بنِعمَ الولد، أو: نِعمَ السير على بئسَ العير"، فدخول حروف الجر عليها يدل على أنها أسماء.

- والصحيح أنهما فعلان ماضيان، لقبولهما العلامة المميزة للفعل الماضي، وهي تاء التأنيث الساكنة، تقول: "زيدٌ نعم الرجل، وهندٌ نعمت المرأة"، وفي الأثر: "نعمت البدعة"؛ فدلَّ ذلك على أنهما فعلان ماضيان.

إلَّا أنهما فعلان ماضيان جامدان، ليس لهما مضارع ولا أمر، والجمود قد يكون في الأفعال.

والكلمتان الأخريان "ليس، وعسى"، أيضًا فيهما خلاف:

القول الأول لبعض النحويين: إنهما حرفان. فـ "ليس" حرف نفي مثل: "لا"، و"عسى" حرف ترجٍّ مثل: "لعلَّ"؛ لأنَّ هذه المعاني إنما يُعبَّر عنها بالحروف كما رأينا.

وأيضًا لو كانت أفعالًا لتصرَّفت إلى ماضي ومضارع وأمر، و"ليس، وعسى" ليس لهما مضارع ولا أمر.

القول الثاني: أنهما فعلان ماضيانِ لقبولهما العلامة المميزة، فيقبلان تاء المتكلم "لستُ مسافرًا، عسيتُ أن أذهبَ"، وتاء التأنيث "محمد ليس - هند ليست، ومحمد عسى - هند عَسَت"؛ فهما فعلان ماضيان إلَّا أنَّهما جامدان، فالعرب جعلتهما جامدين على صورة الماضي، ولم تجعل لهما مضارعًا ولا أمرًا.

ننتقل الآن إلى النوع الثاني من الأفعال: وهو الفعل الأمر.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وأمرٌ: ويُعرف بدلالته على الطلب مع قبوله ياءَ المخاطَـبَـةِ)}.

بدأ بالكلام على الأمر، فذكر علامته المميِّزة وهي أنه يدل على الطلب مع قبوله ياء المخاطبة، وهذه العلامة شُرِحَت من قبل، فلا نشرحها مرة أخرى.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وبناؤه على السكون كـ "اضربْ"، إلا المعتلَّ فعلى حذفِ آخِرِه كـ "اُغْزُ واخْشَ وارْمِ"، ونحوُ "قُومَا وَقُومُوا وقُومي" فَعَلَى حذف النون)}.

تكلَّم هنا على بنائه، فذكرَ أنه كله مبني، وليس فيه معرب، ويُبنَى على واحد من ثلاثة أشياء:

- إما أن يُبنَى على حذف حرف العلَّة: إذا كان في آخر مضارعه حرف علَّة، كالأمر من "يدعو -ادعُ" ومن "يرمي - ارمِ"، ومن "يخشى - اخشَ".

- وإمَّا أن يُبنَى على حذف النون: إذا كان في آخر مضارعه نون زائدة، كالأمر من "يذهبون - اذهبوا" ومن "يذهبان - اذهبا" ومن "اذهبين - اذهبي".

- إما أن يُبنَى على السكون: وهذا هو الأصل فيه، وهو سوى ما سبق، كالأمر من "يذهب - اذهب" ومن "يدحرج - دَحْرِج" ومن "ينطلق - انطَلِق"، ومن "يستخرج - استَخْرِج".

وهذه نتيجة للضَّابط في بناء فعل الأمر، يقولون: إن فعل الأمر يُبنَى على ما يُجزَم به مضارعه، فربطنا الأمر بالمضارع، وقلنا قبل قليل: يُبنَى على حذف النون إذا كان في مضارعه نون، ويُبنَى على حذف حرف العلَّة إذا كان في مضارعه حرف علَّة.

لماذا يربط النحويون الأمر بالمضارع؟ ولماذا لم يربطوه مثلًا بالمصدر؟

لأنَّ أصل الأفعال الثلاثة عندهم: الماضي، ومن الماضي يؤخذ المضارع، ومن المضارع يؤخذ الأمر.

وعندما ندرس الصرف: نتكلم على الأبنية -يعني أبنية الماضي- ثم نقول: ويُصاغ المضارع من الماضي بزيادة حرف المضارعة، ثم يُصاغ الأمر من المضارع بحذف حرف المضارعة، فالأمر ما هو إلا فعلٌ مضارع محذوف منه حرف المضارعة، فالأمر من "يُدَحْرِج" هو بحذف الياء "دَحْرِجْ"، والأمر من "يَتعلَمْ - تَعلَّم" ومن "يَقِفْ - قِفْ"؛ إلَّا إذا كان فعل الأمر مبدوءً بسكون بعد حذف حرف المضارعة فنجلب همزة وصل للتَّمكُّن بالسَّاكن ففي "يَذْهَبْ - اذْهَب" و"ينْطَلِقْ - انْطَلِق"، وهكذا.

فلهذا صار الأمر في كل إعرابه متعلقًا ومرتبطًا بالمضارع، فلو قال قائل "اذهبوا" فعل أمر مبني على حذف النون، وهي النون التي في المضارع "يذهبون" فإذا أتيت بالأمر منه فالأصل أن يبقى كما هو مع حذف الياء فقط فنقول "اذهبون"، ثم حُذفت النون لكي يُبنى الأمر على حذفها، وهكذا يُقال في المبني على حذف حرف العلَّة.

يبقى الكلام على فعل الأمر المتَّصل بنون التوكيد، كفعل الأمر من "يَذهبنَّ"، فالأمر من "لا تلعبنَّ، ولا تذهبنَّ" هو "العبنَّ، اذهبنَّ"، وهنا فيه خلاف:

- بعضهم قال: مبني على الفتح، للضَّابط: أنَّ الأمر يُبنَى على ما يُجزَم به مضارعه، والمضارع إذا كان متَّصلًا بنون التوكيد فإنَّه يُبنَى على الفتح بناءً "لا تعلبنَّ، ولا تذهبنَّ".

- وقيل: مبني على السكون، لأنَّ أصله "اذهبْ"، ثم دخلت عليه نون التوكيد، وهي مبدوءة بساكن، فالتقا الساكنان، فحُذف آخر الفعل للتخلص من التقاء الساكنين.

والقول الأول هو الأوفق لمتابعة الضَّابط السابق.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (ومنه "هَلُمَّ" في لغة تميم، و "هاتِ وتعالَ" في الأصح)}.

ذكر ثلاث كلمات مختلف فيها:

الكلمة الأولى: الخلاف فيها بين العرب، لهذا قال: (في لغة تميم).

والكلمة الثانية والثالثة: الخلاف فيهما بين النَّحويين.

نبدأ بالكلمة الأولى، وهي كلمة "هلمَّ":

- فالحجازيون يُلزمونها حالةً واحدةً، ولعلَّكم لاحظتم أنَّ الحجازيين يميلون إلى ضبط اللغة أكثر، فيلزمونها حالة واحدة ولا يصلون بها الضمائر، فيقولون مع المفرد "هلمَّ يا محمد" وكذلك مع المفردة "هلمَّ يا هند"، ومع المثنى "هلمَّ يا زيدان، وهلمَّ يا هندان"، وكذلك مع جمع الذكور "هلمَّ يا رجال"، ومع جمع الإناث "هلمَّ يا هندات".

ولهذا قال النحويون: إنَّ "هلمَّ" على لغة الحجازيين اسم فعل أمر، لأنَّ اسم الفعل هو الذي لا تتصل به الضَّمائر، كقولك "صهْ يا محمد، وصهْ يا هند، وصهْ يا رجال، وصهْ يا هندات".

- وأما عند بني تميم -بقية العرب- فهم يصلون الضَّمائر بهذه الكلمة، فيقولن في المفرد "هلمَّ يا محمد"، ومع المفردة "هلمِّي يا هند"، ومع المثنى "هلمَّا يا محمدان"، ومع الجمع "هلموا يا محمدون، وهلمُمْنَ يا نساء"؛ فعلى ذلك تكون هذه الكلمة عند التميميين فعل أمر، لأنها قبلت العلامة المميزة لفعل الأمر.

والقرآن الكريم جاء في أكثره على لغة قريش، ولغة قريش على لغة الحجازيين، ولهذا قال سبحانه وتعالى: ﴿وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ﴾ [الأحزاب: 18]، وأمَّا على لغة التميميين "هلمُّوا إلينا".

والكلمة الثانية والثالثة المختلف فيهما "تعالَ وهات".

القول الأول: أنهما اسما فعل أمر، لأنهما لو كانا فعلين لكانا متصرِّفين كالأفعال، وهذان ليس لهما ماضٍ ولا مضارع.

القول الثاني -وهو قول الجمهور والمحققين وهو الصحيح: أنهما فعلا أمرٍ لقبولهما العلامة المميزة: تقول مع المذكر "هاتِ يا محمد" ومع الأنثى "هاتي يا هند".

ولكنهما جامدان على صيغة الأمر، وليس لهما ماضٍ ولا مضارع، قال تعالى: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ [البقرة: 111]، ﴿قُلْ تَعَالَوْا﴾ [الأنعام: 151]، ﴿فَتَعَالَيْنَ﴾ [الأحزاب: 28].

{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (ومضارعٌ: ويعرف بِلَمْ، وافتتاحُهُ بحرفٍ مِنْ "نَأَيْتُ"، نحوُ "نَقُومُ وَأَقُومُ وَيَقُومُ وتَقُومُ").

النوع الثالث من أنواع الفعل: الفعل المضارع.

العلامة التي تميزه عن أخويه وكذلك عن عمَّيه -الاسم الحرف: قبول "لمْ" وهذا شُرِحَ في شرح المبتدئين.

ثم قال ابن هشام: (وافتتاحُهُ) فهل الأصح أن نقول (وافتتاحُهُ) أو (وافتتاحِهِ)؟

قال: (ومضارعٌ: ويعرف بِلَمْ، وافتتاحِهِ بحرفٍ)، فـهل الواو: عاطفة، عطفت "افتتاحه" على "لمْ"؟ أم أنَّها قوله (وافتتاحه) جملة استئنافيَّة -جملة جديدة؟

الثاني هو الصَّحيح، والأول خطأ، فلهذا من ضبط "وافتتاحِهِ" بالجر فهو خطأ، والصحيح "وافتتاحُهُ"، لأنَّ افتتاح الفعل المضارع بحرف من أحرف المضارعة ليس علامة مميزة له لكي نعطفها على العلامة المميِّزة، وإنَّما هو واقع لُغوي فقط، فواقع الفعل المضارع أنَّه كذلك، فهو يُريد أن يُبيِّنُ حكمًا من أحكام الفعل المضارع، فقال: إنَّ الفعل المضارع من واقعه وصفته أنَّه لابدَّ أن يبدأ بحرفٍ من أحرف المضارعة، وهي المجموعة في قولك "نَأَيْتُ" النون، والهمزة، والياء، والتاء، وتُجمَع في "نَأْتِ" و"أَنَيْتُ".

وكوْن صيغة المضارع لابدَّ أن تبدأ بحرفٍ من أحرف المضارعة؛ فهل هذا الحكم نحوي أم صرفي؟

الجواب: حكم صرفي؛ لأنَّ الأحكام التي تتعلق بالبنيَّة هذا صرف، وأمَّا النَّحوي فيتعلَّق بالترتيب، فهذا حكم صرفي، لكن ابن هشام ذكره لمناسبته وفائدته.

نأخذ أحرف المضارعة حرفًا حرفًا:

الحرف الأول: الهمــزة.

والهمزة تُستعمل في المضارع مع المتكلِّم مطلقًا، يعني مذكرًا أو مؤنَّثًا، فالمذكر يقول "أذهَبُ" وهندٌ تقول: "أَذهَبُ"، فالهمزة للمتكلِّم مطلقًا، مذكرًا كان أو مؤنَّثًا.

الحرف الثاني: النُّون.

وهو للمتكلِّمين مطلقًا، مذكرين كانوا أو مؤنَّثين، فالرجال يقولون "نذهب" والنساء يقلنَ "نذهب".

إذًا؛ الهمزة والنون كلاهما للتَّكلُّم، إلَّا أنَّ الهمزة للمتكلِّم، والنون للمتكلِّمين.

أمَّا المتكلِّمَان والمتكلِّمتان فيدخلون في الجمع، فالزَّيدان يقولان "نذهب" والهندان تقولان "نذهب".

الحرف الثالث: اليـــاء. وتكون للغيبَة مطلقًا سوى الغائبة والغائبتين.

لم يقل: "الغائب" وإنما قال: "الغَيْبَة" ليشمل: الغائب، والغائبَيْن، والغَائبِين، والغائبة، والغائبتَين، والغائبات؛ يعني: يشمل: المذكر، والمؤنث، والمفرد والمثنى والجمع، ثم استثنى فقال (سوى الغائبة والغائبَتَين)، فيبقى: الغائب مطلقًا، وكذلك الغائبات، فلهذا نقول "هو يذهب، والمحمدان يذهبان"، والاسم الظاهر حكمه حكم الغائب، فإذا قلت "محمد يذهب" يعني: هو، فالفاعل سيكون ضمير غيبة. وتقول "المحمدان يذهبان، وهم يذهبون، والمحمدون يذهبون".

وفي الغائبات تقول: "النساء يذهب، هنَّ يذهبن"، لكن الغائبة تقول: "هند تذهب، هي تذهب"، وكذلك في الغائبتين "الهندان تذهبان"، أيضًا بالتاء؛ فلهذا استثنيناه.

الحرف الرابع: التــاء. وهي للخطاب مطلقًا، وللغائبة والغائبتين.

معنى قولنا: "للخطاب مطلقًا": يشمل المذكر والمؤنث، والمفرد والمثنى والجمع. فيشمل: المخاطَب والمخاطَبَيْن والمخاطبِين، والمخاطَبَة والمخاطَبتَيْن والمخاطبات؛ فكلها بالتاء، تقول: "أنتَ تذْهبْ، وأنتما تذْهبان، وأنتم تذهبون، وأنتِ تذهبين، وأنتما تذهبان، وأنتنَّ تذْهبنَ"؛ فالخطاب كله بالتَّـاء.

وأيضًا تقول في الغائبة: "هي تذهب، وهند تذهب، وهما تذْهبَا، والهندان تذْهبان"، كما في قوله تعالى: ﴿وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ﴾ [القصص: 23].

إذًا؛ الخلاصة:

- أنَّ الهمزة للمتكلِّم مطلقًا.

- والنون: للمتكلِّمِينَ مطلقًا.

- والياء: للغيبة مطلقًا، سوى الغائبة والغائبتَين.

- والتَّاء: للخطاب مطلقًا، مع الغائبة والغائبَتَيْن.

{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (ويُضَمُّ أولُه إن كان ماضِيهِ رُباعياً كـ "يُدحرجُ ويُكرِم"، ويُفْتَحُ في غيره كـ "يَضربُ ويَجتمع ويَستخرجُ")}.

هذا الحكم حكم بِيَة، فالنحو إنما يدرس تركيب الكلمات وحركة الحرف الأخير فقط، لكن حركات الحروف الدَّاخليَّة -ما سوى الحرف الأخير- فهذه بِنيَة، والكلام هنا على حركة حرف المضارع -يعني الحرف الأول- فهذه بنية، فهذا حكمٌ صرفيٌّ، ولكن ذكره ابن هشام للمناسبة.

والخلاصة هنا: أنَّ حرف المضارعَة مفتوح، إلَّا في الرُّباعي فإنَّه يُضم.

والفعل -كما يُدرَس في الصرف: إمَّا ثُلاثي أو رباعي أو خماسي أو سداسي، دون النَّظر إلى تجرد وزيادة.

وكل المضارعات تكون بفتح حرف المضارَعة، إلَّا الرُّباعي، ومعنى ذلك أنَّ الثُّلاثي حرف المضارعة فيه مفتوح، مثل: "يَذهب". والخماسي مفتوح، مثل: "يَنطلق". والسداسي مفتوح، مثل: "يَستَخرِج".

أمَّا والرباعي فهو مضموم، وهو ما كان أربعة أحرف دون النَّظر إلى زيادة وتجرد، فمضارع "دَحْرَجَ - يُدَحرِجْ"، أَكْرِمَ - يُكْرِم".

{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيُسَكَّنُ آخِرُه مع نونِ النِّسوة نحو "يتربصْنَ، وإلا أن يعفوْنَ"، ويُفْتَحُ مع نون التَّوكيد المباشِرَةِ لفظاً وَتَقْديراً نحو "لَيُنْبَذَنَّ"، ويُعرَبُ فيه ما سوى ذلك نحوُ "يقومُ زيدٌ، ولا تَتَّبِعَانِّ، لَتُبْلَوُنَّ، فإمَّا ترَيِنَّ، وَلَا يَصُدُّنَّكَ")}.

المضارع بعضه معرَب وبعضه مبني، فذكر ابن هشام أنَّه يُبنَى في حالتين، فقال: (وَيُسَكَّنُ)، ثم قال: (ويُفْتَحُ)، والتَّسكين والفتح مصطلحان من مصلحات البناء، فقوله: (وَيُسَكَّنُ) يعني يُبنَى على السُّكون، وقوله: (ويُفْتَحُ) يعني يُبنَى على الفتح، ولو اراد الإعراب لقال "يُجر، يُنصَب"، فهذا التزام بالمصطلح.

والفعل المضارع إمَّا أن يُبنى على السكون، وإما أن يُبنى على الفتح:

- يُبنى على السكون: إذا اتصلت به نون النسوة، مثل "يتربَصنَ، إلَّا أن يعفونَ".

- ويُبنى على الفتح: إذا اتَّصلت به نون التَّوكيد، بشرط أن تكون مباشرة لفظًا وتقديرًا، مثل: "لَيُنبَذَنَّ".

المثال الأول: "يتَرَبصنَّ" الفعل المضارع "يتربَّص" ثم اتَّصلت به نون النسوة المفتوحة -وتدل على جماعة الإناث عاقلة أو غير عاقلة- فبُنيَ على السُّكون.

المثال الثاني: "إلَّا أن يعفُونَ"، فنون النسوة هنا تعود إلى المُطلَّقات المذكورة في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ [البقرة: 237].

والفعل قبل دخول نون النسوة "يعفو" مثل "يدعو، يذهب"، فإذا وصلنا نون النسوة بـ "يذهبْ - يَذْهبْنَ"، وإذا وصلنا نون النسوة بــ "يعفو - يعفونَ"، فنون النسوة مفتوحة والواو ساكنة.

إذًا؛ الفعل "يعفونَ" الذي في الآية هو الفعل "يعفو" مثل "يدعو"، واتصلت بها نون النسوة، ووزنه "يَعْفُو - يَفْعُلْ" و "يَعْفُونَ - يَفْعُلْنَ" مثل "يذهبْنَ - يَفْعَلْنَ". فالعفل "يعفو" بُنيَ على السكون لاتِّصاله بنون النسوة.

لو أخذنا الفعل "يعفو" ووصلنا بواو الجماعة "الرجال يَعْفُونَ"، والفعل "يذهب - الرِّجال يَذْهبُونَ"، فالفعل "يعفُو" مختوم بواو ساكنة، ثم دخلت واو الجماعة وهي ساكنة؛ فالتقا ساكنان فوجبَ حذف الساكن الأول، ثم نصل "يعفوون"، ثم نحذف واو الفعل "يعفون" فيكون الوزن حينئذٍ هو "يَفْعُونَ"، ونحذف اللام التي تُقابل واو الفعل.

والمثال الثالث للفعل المضارع المبني هو "لَيُنبَذَنَّ"، فالفعل "يُنبَذْ" واتَّصلت به نون التَّوكيد.

ثم تكلَّم ابن هشام عن الفعل المضارع المعرَب، فقال: (ويُعرَبُ فيه ما سوى ذلك)، يعني إذا لم تتصل به نون النسوة ولا نون التوكيد فهو مُعرَب، وزاد ابن هشام شرطًا في نون التوكيد، وهي أن تكون مُباشِرَة لفظًا وتقديرًا، وهذه الزيادة تحتاج غلى شرح، وكذلك الأمثلة التي ذكرها ابن هشام للمعرب "يقومُ زيدٌ، ولا تَتَّبِعَانِّ، لَتُبْلَوُنَّ، فإمَّا ترَيِنَّ، وَلَا يَصُدُّنَّكَ".

نون التوكيد المباشِرَة: يعني أنَّها لا يُوجَد فاصل بينها وبين الفعل، مثل "يذهب" صِلْ بها نون التوكيد "يَذْهَبنَّ"، ما فيه أي فاصل بين آخر الفعل والنون.

أما لو وُجد فاصل فلا تكون مباشرة، فلا يكون الفعل مبنيًّا؛ بل يبقى على أصله وهو الإعراب، مثل "يذهب" ثم صِلْه بألف الاثنين "يذهبَانِ"، ثم أَدْخِلْ "لا" النَّاهية "لا تذهبَا"، وستحذف النون لأنه مجذوم بحذف النون، ثمَّ أكِّده بنون التوكيد: "لا تَذْهبَانِّ"، ونون التوكيد مفتوحة إلَّا مع المثنى فتُكسَر، فهذه نون التوكيد، الفعل آخره الباء، وبينهما ألف التَّثنية؛ فهنا فاصل بين آخر الفعل ونون التوكيد، فيبقى الفعل هنا على إعرابه ولا يُبنَى، لأنَّ نون التوكيد ليست مباشرة.

وسنزيدُ ذلك -إن شاء الله- شرحًا، ونتكلَّم على هذه الأمثلة مثالًا مثالًا في بداية الدرس القادم -بإذن الله تعالى- فإلى ذلكم الحين أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركته.

{شكر الله لكم فضيلة الشيخ ما قدمتم، سائلين الله أن يجعله في موازين حسناتكم.

وفي ختام هذه الحلقة نشكر لكم أعزائي المشاهدين طيب المتابعة على أمل أن نلقاكم في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات برنامجكم "البناء العلمي"، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

 

 

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك