{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أهلًا ومرحبًا بكم أعزائي المشاهدين في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات برنامجكم "البناء العلمي".
في هذه الحلقة نبدأ وإيَّاكم شرح "قطر النَّدى وبل الصَّدى" لابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ تعالى.
وسيكون ضيفنا في هذه السلسلة فضيلة الشيخ/ أ. د سليمان بن عبد العزيز العيوني. أهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فأرحب بكم، وأرحبُ أيضًا بالإخوة والأخوات المشاهدين والمشاهدات والمتابعين والمتابعات.
وفي أوَّلِ هذا الدَّرس أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعله درسًا نافعًا مُباركًا مُفيدًا، إنَّه على كل شيءٍ قدير.
هذا الدرس -كما ذكر أخونا المقدِّم- في شرح "قطر النَّدى وبلِّ الصَّدى" لابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، وهذا الدرس تابعٌ للأكاديمية الإسلاميَّة المفتوحة في برنامجها "البناء العلمي" في المرحلة الثالثة في المستوى الرابع، ونحن في سنة ثنتين وأربعين وأربعمائة وألف من هجرة الحبيب المصطفى -عليه الصلاة والسلام.
هذا الدرس لأنَّه في كتاب "قطر النَّدى وبلِّ الصَّدى" لابن هشام؛ فسيكون شرحًا للمتوسِّطين في هذا العلم -علم النَّحو- ولهذا سنحرص -إن شاء الله تعالى- على أن يكون شرحًا متوسِّطًا، لا مختصرًا مخلًّا، ولا طويلًا مملًّا، وسأحاول -بإذن الله تعالى- أن يكون الشَّرحُ مُركَّزًا على ما زاده ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- في هذا الكتاب على نحو المبتدئين، فإنَّ الوقت لا يسمحُ بأن نشرح كل هذا الكتاب بالتَّفصيل، فلهذا أنبِّه منذُ البداية على أنَّ هذا الشَّرح إنَّما يُناسب المتوسِّطين في هذا العلم، بمعنى: أنَّ الذي درسَ متنًا للمبتدئين في هذا العلم كالآجرُّوميَّة أو النَّحو الصغير فإنَّه يستطيع بعدَ ذلكَ أن يُتابع معنا في هذا الدرس ويستفيد -بإذن الله تعالى.
وأمَّا المبتدئ في هذا العلم فلا أنصحه بهذا الدَّرس؛ لأنَّه قد يجدُ فيه صعوبةً أو وُعورةً، والسبب في ذلك ليس في الكتاب ولا في هذا العلم، وإنما السبب في أنه أخذ كتابًا لا يُناسبه من حيث المستوى.
{أحسن الله إليكم.
فضيلة الشيخ/ في بداية هذه السلسلة المباركة؛ هلَّا حدثتمونا عن المؤلف ابن هشام وعرفتمونا به؟}.
هذا الدرس -بإذن الله تعالى- إن تيسر الأمر وسمح الوقت سيكون في عناصر:
العنصر الأول: في مقدِّمة لهذا الدرس، نُعَرِّف فيها بالمؤلف وبالكتاب.
العنصر الثاني: سنتكلم على بداية شرح الكتاب، فنتكلم على تعريف الكلمة، وعلى أنواع الكلمة -الاسم والفعل والحرف- وسنتكلم فقط على "الاسم"، ونسأل الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن يسمح وقتُ الدرس بذلك.
أمَّا المؤلف ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فهو عَلمٌ من كبار النَّحويين، ومن المبرِّزين في هذا العلم، وهو: أبو محمد بن عبد الله بن يوسف بن أحمد بن هشام الأنصاري المصري. كان شافعيًّا ثم تحنبلَ في آخر حياته -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
توفي سنة إحدى وستين وسبعمائة، يعني في القرن الثامن -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، ومعلوم أنَّ القرن السابع والثامن من أعظم القرون من الناحية العلمية.
ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- له منزلته ومكانته المعروفة في هذا العلم، فبرع في هذا العلم وبرَّزَ حتى فاق أقرانه، وانتقلت شهرته إلى باقي العالم في ذلك الوقت، حتى قال ابن خلدون قولته المشهورة في ذلك: "ما زلنا ونحن في المغرب نسمع أنَّه خرج في مصر -أو قال: في المشرق- عالم بالعربية يُقال له ابن هشام، أنحا من سيبويه".
وقوله: "أنحا من سيبويه" هذه مُبالغةٌ منه، يُريد أن يُبين مكانة ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
ابن هشام له كتبٌ كثيرة، فمما تميَّز به أنَّه من المعلمين، فبعضهم اكتفى بأنه عالم، ويكتب في العلم ويؤلف كتبًا علميَّة، لكن هناك بعض العلماء مَن مارسَ التعليم، فعلَّم الصغار وعلَّم الكبار المبتدئين، فلهذا له خبرة في ذلك استفادَ منها، فألَّف عدَّة كتب في تعليم النحو لجميع المستويات، فألَّف للمبتدئين "شذور الذهب" وشرحه، وفي الحقيقة أنه أعلى من المبتدئين، فلهذا لم ينتشر، وألف "قطر النَّدى" للمتوسطين، وهو من أنسب كتب النحو للمتوسطين، وقد انتشر، ونحن الآن نشرحه، وألف للكبار في هذا العلم "أوضح المسالك إلى ألفيَّة ابن مالك" وهو شرحٌ لألفية ابن مالك، ولم يشرح هذا الكتاب، وألَّف للمنتهين وللمتخصصين "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب"، وهو أعظم كتبه، بل هو من أعظم كتب النَحو.
ونضيف إليها كتابًا آخر، وهو "الإعراب عن قواعد الإعراب" وهو كأنَّه تلخيص لمغني اللبيب، فيه أشياء تهم الطالب المتوسِّط، فلهذا أنصح به كثيرًا بعد "قطر الندى".
فهذا تعريف بالمؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
{جزاكَ الله خير شيخنا وأحسن الله غليكم.
هلَّا عرفتمونا بالمتن المشروح، كتاب "قطر الندى"، اسمه ومنزلته، والكتب التي خدمته، وترتيب الكتاب؟}.
اسم الكتاب: قطرُ النَّدى وبلُّ الصَّدى.
قطر الندى: يُشبِّهه بقطرات النَّدى في جماله.
وبلُّ الصدى: يعني الذي يبلُّ الصدى، أي: العطش.
وهذا الكتاب بالفعل كتابٌ جميلٌ، وقد كتب الله -عَزَّ وَجَلَّ- له البركة طوال القرون الماضية وما زال، وهو من أشهر المتون في هذا العلم الشريف -علم النحو- ويُختَصر فيُقال: "قطر الندى" أو "القطر".
ألفه -كما قلنا- للمتوسِّطين. والمراد بالمتوسطين: مَن انتهى من دراسة متنٍ صغيرٍ كالآجروميَّة أو نحو الصغير، مع شرحٍ له، ثم أراد بعد ذلك أن يتوسَّع في هذا العلم فانتقل إلى متنٍ مُتوسِّطٍ كهذا الكتاب.
وهناكَ كتبٌ كثيرة جدًّا خدمته، تتجاوز المائة وأكثر، فهناك شروح، وهناك مَن نظمه، وهناك مَن تكلم على شواهده، وهناك مَن اختصره، وله تحقيقاتٌ كثيرة، خاصَّة في هذا الزَّمن.
وأهم شروحه وأشهرها: شرح ابن هشام نفسه -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وعلى شرح ابن هشام حواشٍ كثيرة، أحسنها: حاشية السُّجاعي.
ومن شروحه المشهورة الجيدة: "مُجيبُ الندا" للفاكهي، وعليه حاشية مُهمَّة لياسين الحمصي العليمي.
وللمعاصرين شروح كثيرة على هذا الكتاب، منها: شرح الشيخ عبد الله الفوزان، واسمه "تعجيل الندى"، ولي عليه شروحٌ كثيرة مسموعة، التام منها وأحسنها هو شرحي عليه في جامع منيرة الشبيلي في الرياض، وهو موجود على الشبكة.
مما يهمنا: الكلام على ترتيب هذا الكتاب، فمن المهم جدًّا لطالب العلم قبل أن يدرس كتابًا أن يعرف كيفيَّة ترتيبه، لكي يعرف كيف رتَّب المؤلف هذا العلم في هذا الكتاب، ماذا درس؟ وماذا بقي؟ ولماذا رُتِّبَت الأبواب بهذه الطريقة؟
فنلقي نظرة سريعة على ترتيب الكتاب عند ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
هذا الكتاب كأكثر كتب المتأخرين بعد ابن مالك متأثِّرٌ في ترتيبه بترتيب ابن مالك -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، أي: أنه قدَّم الأحكام الإفراديَّة على الأحكام التَّركيبيَّة.
المراد بالأحكام الإفراديَّة: الأحكام التي تستحقها الكلمة مُطلقًا، يعني: لا تنفك عنها.
والأحكام التركيبيَّة: فهي الأحكام النحويَّة التي لا تكتسبها الكلمة إلا بعد دخولها في جملة.
مثلًا: كون الكلمة اسمًا أو فعلًا أو حرفًا؛ فهذا حكمٌ إفرادي؛ لأنَّ "قلم" اسم، في أي مكان وأي جملة اسم، وهذا الحكم لا ينفك عن هذه الكلمة.
وكذلك: "قلم" نكرة؛ حكم إفرادي.
ولو قلنا: كلمة "قلم" هل هي فاعل أو مفعول به؟ مبتدأ أو خبر؟ فهذا حكم تركيبي، لا يُعرَف هذا الحكم إلَّا بعدَ أن ندخلها في جملة، فلهذا يختلف الحكم باختلاف موقعها في الجملة، قد يكون فاعلًا أو مفعولًا أو مبتدأً أو خبرًا؛ بحسب مكانه وموضعه في الجملة.
- فبدأ ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- بالأحكام الإفراديَّة، فتكلَّم أولًا على أنواع الكلمة بعدَ أن عرَّف الكلمة، يعني: انقسامها إلى اسمٍ وفعلٍ وحرفٍ.
- ثم تكلَّم على الإعراب والبناء، فبيَّن الكلمات المعربَة، والكمات المبنية.
- ثم تكلَّم على إعراب الفعل المضارع، وابن هشام في هذا الكتاب من النحويين الذين قدَّموا الكلام على إعراب الفعل المضارع في أول النحو، وكثيرون يؤخِّرون الكلام على إعراب الفعل المضارع في آخر النحو.
- ثم تكلَّم على النَّكرة والمعرفة، أي: انقسام الاسم إلى نكرة ومعرفة.
هذه الأحكام الإراديَّة، انتهى منها.
ثم انتقل بعد ذلك إلى الكلام على الأحكام التَّركيبيَّة:
- بدأ بالكلام على الجملة الاسميَّة وأحكامها النحوية: المبتدأ والخبر، ونواسخ الابتداء "كان، وإنَّ، وظننتُ، وأخواتها".
- ثم انتقل إلى الجملة الفعليَّة، وأحكامها النَّحوية: الفاعل، ونائب الفاعل.
- ثم ذكر بابا الاشتغال والتَّنازع، وهما من الأبواب التي زادها على نحو المبتدئين، لا يذكرها في نحو المبتدئين.
- ثم تكلَّم على مكمِّلات الجملتين، بدأ بالمكمِّلات المنصوبة، فذكر المفاعيل الخمسة: المفعول به، والمطلق، وله، وفيه، ومعه.
- ثم أكمل المكملات المنصوبات: الحال والتَّمييز، والمستثنى.
- ثم ذكر المكملات المجرورة: الاسم المجرور بالحرف، والاسم المجرور بالإضافة.
- ثم ذكر بابًا لا يُذكر في نحو المبتدئين، وهو: الاسم الذي يعمل عمله فعله، فذكر: اسم الفعل، والمصدر، واسم الفاعل، واسم المفعول، وصيغ المبالغة، والصفة المشبَّهة، واسم التفضيل، فهذه أسماء ولكنها تعمل عمل أفعالها -يعني كالفعل- فترع الفاعل وتنصب المفعول به. وهذا -كما قلنا- ممَّا زاده على نحو المبتدئين.
- ثم ذكر التوابع، إلا أنه جعلها خمسة، وهي: النعت، والتوكيد، وعطف البيان، وعطف النسق، والبدل.
- ثم ذكر في آخر الكتاب بعض الأحكام النحوية الخاصَّة التي يرى أنها مهمَّة للطالب المتوسِّط، فذكر بابًا عن العدد، وبابًا عن الاسم الممنوع من الصرف، وكذلك ذكر بابًا للتعجب، وبابًا للوقف -يعني أحكام الوقف- كيف تقف على آخر الكلمة.
- ثم ختم الكتاب ببعض أحكام الرسم -يعني الإملاء- فذكر كلامًا على همزة الوصل، والأحكام الإملائية.
هذا هو الترتيب التفصيلي لهذا الكتاب الذي سنشرحه -إن شاء الله- متبعين في ذلك ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
{جزاك الله خير فضيلة الشيخ.
هلَّا حدَّثتمونا عن الموازنة بين "قطر الندى" و"الأزهرية" و"ملحة الإعراب"؟}.
هذا السؤال يُسأل كثيرًا، الطلاب إذا انتهوا من نحو المبتدئين، ثم أرادوا أن ينتقلوا إلى نحو المتوسطين؛ بعضهم قد يحار بين هذه المتون، وكلها فيها بركة، ولكن بينها اختلافات، نذكر أهمها:
- الأزهريَّة: هي مُقدِّمةٌ نثريَّة اسمها "المقدمة الأزهرية في علم العربية" للشيخ خالد بن عبد الله الأزهري، توفي سنة خمس وتسعمائة، يعني من أقران السيوطي، وهو فقيه شافعي، ونحوي كبير، له كتب مهمة، أهمها "التصريح بمضمون التوضيح"، وهو شرح لــ "أوضح المسالك"، وله "إعراب الألفية"، وله هذا الكتاب.
- وأما "مُلحةُ الإعراب": فهي منظومة متوسِّطة في أقل من أربعمائة بيتٍ من بحر الرَّجز، للأديب الكبير أبي محمد القاسم بن علي الحريري، المتوفى سنة ست عشرة وخمسمائة، والحريري أشهر كتبه وأعماله "المقامات" وهي قصص خياليَّة صاغها بأسلوبٍ جميلٍ، ولغة أدبيَّة.
ومن كتبه أيضًا: "درَّة الغواص في أوهام الخواص"، الكلمات التي يُخطئ فيها كثير من الناس.
- أما "قطر الندى" لابن هشام: فهو أكثر هذه الكتب مسائل، وأدقها عبارة، إلا أنه أعقدَ في فكِّ العبارة، وهذا يجعله متعِبًا لبعض الطلاب، فبعض الطلاب يُريدون النحو، ولا يهمهم أن يعرفوا عباراتِ النَّحويين ودقَّتها وطريقة فكِّها.
- وأمَّا الأزهريَّة فهي أقل مسائل من "القطر" لكنها أسلس عبارة وأوضح، وأيضًا زادت على "القطر" بعض المسائل المهمَّة، وخاصَّة في آخرها فيما يتعلق بأحكام الجملة وأشباه الجملة، وهما مما أغفله ابن هشام في هذا الكتاب، وإن كان توسَّع فيهما في "الإعراب عن قواعد الإعراب".
- وأما "مُلحة الإعراب" فهي أقل مسائل من هذين الكتابين، لكنها زادت عليهما الاهتمام بذكر بعض الأساليب اللغوية التي تدخل في أبواب النحو، كما أنها منظومة سلسلة جدًّا، لو استمع الإنسانُ إليها مرتين ثلاث ربما حفظ كثيرًا من أبياتها. والكتابان الآخران نثريان -كما هو معلوم.
فهذه موازنة سريعة بين هذه الكتب إجمالًا، يُمكن أن نقول للذي يريد أن يتخصص في النحو أن "قطر الندى" أفضل له، والذي لا يريد أن يتخصص في النحو ويريد النحو فقط؛ فـ "الأزهريَّة" تكفيه في ذلك، والذي يُريد أن يحفظ المنظوم؛ لأنه أسهل عليه فيدرس في "ملحة الإعراب".
{جزاك الله خير.
قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- وغفر له ولشيخنا وللمستمعين: (بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمةُ قولٌ مفردٌ).
لماذا يبدأ النحويون كتبهم بتعريف الكلمة والكلام؟}.
الآن بعد أن انتهينا من المقدمة سنشرع -بإذن الله تعالى- في شرح الكتاب، وابن هشام كغيره من النحويين ابتدأ بتعريف الكلمة فقال: (الكلمةُ قولٌ مفردٌ).
لماذا يبدأ النحويون بتعريف الكلمة والكلام في أول كتبهم؟
الجواب عن ذلك: لأنهم يُريدون أن يُبيِّنوا الموضوع الذي يدرسه هذا العلم، والذي تُطبَّق أحكامه عليه، سندرس النحو، وفيه الرفع والجر والنصب وجزم؛ فهذه تُطبَّق على الكلمة والكلام، ولا تطبق على الأبواب ولا على السيارات، ولا تُطبَّق على الأشخاص المتكلِّمين؛ وإنما تُطبَّق على الكلام؛ فلهذا يُعرِّفونه ليُبيِّنوا موضوع النَّحو.
{ما المراد بــ "القول"؟}.
ابن هشام عرف الكلمة بأنها: قولٌ مفردٌ.
القول: هو اللفظ الدال على معنى.
اللفظ: مأخوذ من اللفظِ، يعني من الرَّمي، لفظتُ بالشَّيء: أي رميته.
واللفظ: هو الحروف التي تخرج من الفم، كأنَّ الفم يلفظها، يعني: يرميها، فلا يُسمَّى الشيءُ قولًا إلَّا إذا كان حروفًا من الفم، فالذي يخرجُ من الفم وليس بحروف كالصُّراخ والضَّحك لا يُسمَّى كلامًا، يعني: أنَّ أحكام النحو لا تُطبَّق عليه، فلا تقول: ارفع الضَّحكة، وانصب الصُّراخ...؛ ما تجري عليها الأحكام النحوية.
فهم يُريدون فقط أن يُحددوا الموضوع الذي ستطبق عليه أحكام النحو.
وأما قوله: (مفرد)، فالمفرد: خلاف المركَّب، فــ "محمد" مفرد، و"ذهب" مفرد"، لكن "ذهب محمد" هذا مركَّب.
فقوله: (مفرد) يُخرج الكلام أو الجُمَل.
وهذا تعريف الكلمة عند النَّحويين، لكن الكلمة لها تعريفات أخرى عند غير النَّحويين، الكلمة عند المتكلمين والمناطقة لها تعريف، والكلمة عند اللغويين -يعني: المعاجم اللغوية وعند العرب في الجاهليَّة- معناها يختلف؛ فالكلمة في اصطلاح اللغويين عند العرب -يعني: المتقدمين- تُطلق على الكلمة المفردة، وتُطلق أيضًا على الكلام كله -الكثير والقليل.
تقول مثلاً: "قلتُ كلمةً" وربما أنَّك نطقتَ بكلمة واحدة، وربما أنَّك نطقتَ بجملةٍ أو بكلام طويلٍ، كما في قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ﴾ [يونس: 33]، وكلمة الله -عَزَّ وَجَلَّ- القرآن الكريم، وليست كلمة واحدة فقط، وكما قال -سبحانه وتعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ [المؤمنون: 100]، مع أنه قال: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ [المؤمنون: 99، 100]، فسمَّى كل ذلك كلمة.
ونقول: "لا إله إلا الله" كلمة التوحيد. ونقول: "ألقى الواعظ كلمةً في المسجد"، وهكذا.
إذًا؛ قول: الكلمة قولٌ مفرد فهذا اصطلاح النحويين، وهو الذي يعنينا، أما إذا أردنا الاستعمال اللغوي فلا إشكال في أنَّ الكلمة قد تُطلق على الكثير وعلى القليل، فيجب أن لا نخلط بين هذه المعاني والاستعمالات.
قال ابن هشام: (وهي اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ). ما دليل هذا الحصر؟}.
بعد أن عرَّف ابن هشام الكلمة؛ الآن ذكر أنواع الكلمة، فذكر أنها على ثلاثة أنواع: إمَّا اسمٌ، أو فعلٌ، أو حرفٌ.
وهكذا يقول كل النحويين ابتداءً من سيبويه -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
دليل هذا الحصر: الاستقراء، يعني أنهم نظروا واستقرأوا وتتبعوا واستقصوا الكلام العربي في القرآن الكريم، وفي كلام العرب شعرًا ونثرًا؛ فوجدوا أنَّ الكلمات لا تخرج عن واحدٍ من هذه الثلاثة، فمن خالف ذلك فعليه بالدليل.
إذًا؛ الدَّليل هنا: الحصر أو التَّبُّع والاستقراء، وهو من الأدلة المعتبرة عقلًا.
{هل يكون إجماع النحويين دليل على هذا أيضًا؟}.
نعم هو إجماع، ولكن ما دليل الإجماع؟
دليل الإجماع هنا: الاستقراء.
هذا التَّقسيم مُهم جدًّا؛ بل هو من أهم مسائل النَّحو، ولهذا نقول: إن انقسام الكلمة إلى اسم وفعل وحرف هو الضرورة الأولى في النحو.
ومعنى كونه ضرورة: يعني لابد منه، سواء طُلب أو لم يُطلب، قبل أي عملية نحويَّة وقبل أي إعراب؛ لابد أن يقوم الإنسان بتحديد نوع الكلمة، هل هي اسم أو فعل أو حرف؛ لأن الاسم له أحكامٌ وإعرابٌ يختلف، وكذلك الفعل، وكذلك الحرف، فإذا أخطأ في معرفة نوع الكلمة فمعنى ذلك أنَّه أخطأ من أول الطريق، يعني: إنسان يُريد أن يذهب من الرياض إلى مكة فبدلَ أن يأخذ طريق مكَّة أخذَ الجهة المقابلة، فهذا سيضيع من أول الطريق، بخلاف الذي يأخذ الطريق ثم يضيع قبل مكة بقليل، فيسأل ثم يعود، فيكون الأمر أسهل.
فهذه الأمور المهمَّة التي تتعلق بمبادئ العلوم لا بدَّ للطالب أن يُركَّز عليها وأن يفهمها فهمًا جيِّدًا.
ولهذا اهتمَّ النَّحويون كثيرًا بالتَّمييز بين أنواع الكلمة -الاسم والفعل والحرف- تبعًا لهذه الأهميَّة.
{كيف يُميز طالب العلم بين هذه الأنواع؟}.
عرفنا أن التَّمييز مُهم ولابد منه، فكيف نُميِّز نوع الكلمة؟ هل هي اسم أو فعل أو حرف؟
هناك طرائق كثيرة:
- نستطيع أن نميز بين الأسماء والأفعال والحروف من طريق التعريف، وهذا يُهام به المناطقة وغيرهم.
- وقد نميز بينها بذكر الأنواع، فنقول: الأسماء كالضمائر والعلم والأسماء الموصولة...، إلى آخره.
- وقد نُميِّز بينها بالعلامات المميزة -أو بالضوابط- وهذا الذي يذكره كثير من النحويين لأنه أسهل، ولأن المراد هنا فقط أن نُميِّز نوع الكلمة ونعرف هل هي اسم أو فعل أو حرف، فيتَّخذون أسهل الطرق الموصلة إلى هذه النتيجة، كما فعل جميع المؤلفين في نحو المبتدئين، وكما فعله ابن هشام أيضًا هنا، فسنرى أنه ميَّز بين الأسماء والأفعال والحروف بالعلامات المميِّزة، فسينتقل الآن إلى الاسم، ويُبيِّن علاماته المميِّزة.
{قال ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (فأما الاسم: فيعرف بـ "أل" كـ "الرجلِ" وبالتنوينِ كـ "رجلٍ" وبالحديثِ عنه كتاءِ "ضربتُ")}.
الآن ذكرَ العلاماتِ المميِّزة التي تُميِّز الاسم عن أخويه -الفعل والحرف- وذكر ثلاث علامات، مع أن العلامات التي تُميِّز الاسم كثيرة جدًّا، أوصلوها إلى أربعين وإلى أكثر من أربعين علامة، لكن لا يهمنا أن نعرف هذه العلامات، نحن نكتفي بالعلامات التي نستطيع بها أن نُميِّز بها أن هذه الكلمة اسم أم لا، فاكتفى ابن هشام هنا بثلاثةٍ منها، وقد أحسنَ في هذا الاختيار:
* فاختار علامة قبل الاسم "أل".
* وعلامة بعد الاسم: وهي التَّنوين.
وهما -كما نرى- علامتان لفظيَّتانِ -منطوقتان.
* الحديث عنه: وهذه علامةٌ معنوية.
العلامة الأولى: "أل"، عرفنا في شرح المبتدئين أنَّ الكلمة إذا قبلت "أل" فإنها اسمٌ.
وكذلك من العلامات التي تأتي قبل الاسم: النداء، كقولك: "الرجل" أو "يا رجل".
وكذلك حروف الجر فإنها أيضًا تأتي قبل الاسم.
العلامة الثانية: التنوين، سواء كان تنوين رفعٍ، أو نصبٍ، أو جر، مثل: "رجلٌ، رجلًا، رجلٍ".
ومما ننبه إليه هنا: أن المراد بالتَّنوين: النون التي تلحق آخر حركةٍ في الاسم.
لو قلنا مثلًا: "باب" عند الرفع نضع ضمة "بابُ"، ثم نأتي بالتنوين "بابٌ"، في الكتابة الإملائية نكتب "بابٌ" بضمتين، الضَّمة الأولى: رمزُ علامة الإعراب، والضمة الثانية رمز التَّنوين الذي هو النون، لو أردنا أن نكتبه سنكتبه هكذا "بابُنْ" كما يُكتب أحيانًا إذا أرادوا بيان ماذا حدث لهذا التنوين.
إذًا؛ من الخطأ أن يُقال: إن التنوين هو الضَّمتان أو الفتحتان أو الكسرتان؛ إنما التنوين هو: المرموز له بالضَّمة الثانية، أو الفتحة الثانية، أو الكسرة الثانية.
وهاتان العلامتان شرحناهما من قبل، فلا نطيل الكلام عليهما.
ما المراد بالعلامة الثالثة في قوله: (وبالحديثِ عنه كتاءِ "ضربتُ")؟
المراد بالحديث عن الاسم: أي الإسناد إليه، فكلُّ كلمةٍ أسندتَّ إليها فهي اسمٌ.
وبيانُ ذلك: أنَّ اللغة العربية كبقيَّة اللغات إنَّما يقوم الإفهام فيها بطريقة الإسناد، يعني أن تُسند شيئًا إلى شيءٍ فيتمُّ الإفهام، فإذا أردتَّ أن تخبرني بنجاح زيد؛ فإما أن تقول: نجحَ زيدٌ. وإما أن تقول: زيدٌ ناجحٌ.
وفي كلتا الجملتين الإسناد واحد، وهو أنَّك أسندتَّ النجاح إلى زيد؛ فالنجاح مسندٌ لأنه هو الذي أسندته، و"زيد" هو المسند إليه، يعني الذي أسندتَّ النجاح إليه.
إذًا؛ كلُّ شيءٍ يُفهِم لابدَّ أن يكون بطريق الإسناد، يعني يتكون من مسنَد ومُسنَد إليه، والمسنَد إليه لا يكون إلَّا اسمًا.
بخلاف المسند، فقد يكون اسمًا، وقد يكون غير اسمٍ، فنحن إذا قلنا مثلًا: "نجحَ محمدٌ" فــ "محمد" مسند إليه "اسم"، لكن "نجح" وهو مسند النجاح جاء بصورة الفعل.
وإذا قلتَ: "محمدٌ ناجحٌ" فــ"محمد" هو المسند إليه "اسم"، و"النَّجاح" عُبِّر عنه هنا باسمٍ.
إذًا؛ المسنَد إليه لا يكون إلَّا اسمًا، بخلاف المسنَد فقد يكون اسمًا، وقد يكون غير اسمٍ.
فإذا فهمنا ذلك، ثم نظرنا بعد ذلك إلى الجملة الفعلية كــ "نجحَ محمدٌ" وجدنا أن المسند هو الفاعل، فكل فاعل مسنَدٌ إليه.
وإذا نظرنا إلى الجملة الاسميَّة كــ "محمدٌ ناجحٌ"، وجدنا أنَّ المسند إليه "محمد" يعني: المبتدأ، فكل مبتدأ مسنَدٌ إليه.
ونقول للطالب الذي لم يفهم إلى الآن المراد بالإسناد أو بالحديث عنه: المراد أنَّ كل كلمةٍ يُمكن أن تجعلها فاعلًا أو مبتدأ فهي اسمٌ؛ لأنَّ الفاعل لا يكون إلا اسمًا، والمبتدأ لا يكون إلا اسمًا، لأنهما مسندٌ إليه.
فهذا ما يتعلق بعلامات الاسم، يعني: بالعلامات التي تُميِّز الاسم عن الفعل والحرف.
{قال ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وهو ضربان:
مُعْرَبٌ: وهو ما يَتَغَير آخرُه بسبب العواملِ الداخلةِ عليه كـ "زيدٍ".
ومَبْنِيٌّ: وهو بخلافه)}.
الكلام هنا على تقسيم الاسم إلى: معرب، ومبني.
وهذا موضوع مُهم جدًّا، يقول ابن هشام: (هو ما يَتَغَير آخرُه بسبب العواملِ الداخلةِ عليه كـ "زيدٍ". ومَبْنِيٌّ: وهو بخلافه)، يعني: أنَّ المبني الذي لا يتغيَّر آخره بتغيُّر العوامل الداخلة عليه.
وهذه قضيَّةٌ مُهمةٌ جدًّا لحظها النحويون منذ بدأوا بدراسة واستنباط القواعد النحوية من كلام العرب، فوجدوا أن الكلمات في اللغة العربية على نوعين من حيث وضوح الإعراب:
* فهناك كلمات إعرابها واضح.
* وهناك كلمات إعرابها غامض.
فانت إذا قلتَ مثلًا: "محمدٌ، محمدًا، محمدٍ"، فإعرابها واضح، منذ أن تسمع أو تقرأ -إن كان الكتاب مشكولًا- "محمدٌ" تعرف أن حكمها الرفع، "محمدًا" حكمها النصب، "محمدٍ" حكمها الجر، فإعرابها واضح سهل لأن لفظها يدلُّ على إعرابها، يعني عليها علامةُ إعراب تدل على حكمها الإعرابي.
وأمَّا كلمة "هؤلاء" ففي كل الكلام "هؤلاءِ" بالكسر، لا يُمكن أن تتغير إلى "هؤلاءُ أو هؤلاءَ".
- فلو كانت رفعًا فهي "هؤلاءِ"، كــ "جاءَ هؤلاءِ".
- ولو كانت نصبًا لقيل: "رأيتُ هؤلاءِ".
- ولو كانت جرًّا لقيل: "سلَّمتُ على هؤلاءِ".
فكلمة "هؤلاء" لفظها ثابت لا يدل على إعرابها؛ لأنها لا تتحمل علامات الإعراب التي تتغير على حسب الإعراب، فتدل على نوع الإعراب الداخل.
إذًا؛ الكلمة إذا كانت معربة، يعني: لفظها يدل على إعرابها لأنَّ عليها علامات إعرابٍ، فإعرابها سهل.
وأمَّا الكلمات المبنية فإعرابها ليس بواضحٍ وليس بسهلٍ؛ لأنَّ لفظها لا يدل على إعرابها، بل لابد من معرفة معنى الجملة وما دخل عليها، لكي نعرف هل هي فاعل فهي مرفوع، هل هي مفعول به فهي منصوب؛ فإعرابها أصعب.
ثم إذا عرفت أن الكلمة معربة أو مبنية؛ فإنك تستطيع أن تأخذ من الكلمات المعربة إعرابها، أما إذا كانت الكلمة مبنية فاحذر ولا تأخذ منها إعرابها، ولا تخدعنَّك، فإذا قيل: "جاء هؤلاءِ" تظن أن حكمها الجر، والذي غرَّكَ في ذلك أنَّك لم تعرف أن الكلمة مبنية، وأن حركتها حركة بناءٍ، وليست حركة إعراب، فلابدَّ من الآن أن تميز بين المعربات والمبنيات، فالمعربات تأخذ إعرابها من لفظها، والمبنيات لا تأخذ إعرابها من لفظها، فالأمر مهم.
ولهذا ميَّز النحويون بين المعربات والمبنيات بطرائق كثيرة؛ لأنه سيترتب عليها اختلاف في الإعراب، وكذلك اختلاف في المعنى، حتى في المصطلحات التي يستعملها النحويون لمعنى المعربات تختلف عن المصطلحات التي يستعملونها مع المبنيات.
ولهذا نقول: إن تعريف المعرب والمبني الذي ذكرناه قبل قليل لا يكفي في التمييز بين المعربات والمبنيات، فهذا هو تعريف الاسم المعرب، وهو: الاسم الذي يتغير آخره بسبب تغيُّر إعرابه كــ "زيدٌ وزيدًا وزيدٍ"، وأما المبني فهو بخلافه، يعني الذي لا يتغيَّر، إمَّا أنَّه ثابت لا يتغيَّر أبدًا كــ "هؤلاءِ"، أو يتغيَّر لكن بسبب غير الإعراب.
فإذا كان الأمر بهذه الأهميَّة، والتعريف لا يكفي في التمييز بين المعربات والمبنيات؛ فهنا لابد من الحصر، لابد أن نحصر المعربات ولابد أن نحصر المبنيات، وهذا سبق الكلام عليه في شرح المبتدئين، وخاصَّة في "النحو الصغير".
وكلام ابن هشام هنا في الأسماء، فابن هشام هنا يُقسم الاسم إلى معربٍ ومبنيٍّ، فلهذا نحن سنقتصر على الكلام على المعرب والمبني من الأسماء؛ فنقول: الأصل في الاسم والأكثر فيه أنه معربٌ، فالأصل فيه أن لفظه يتغير بتغير إعرابه، تقول: "زيدٌ وزيدًا وزيدٍ، وزيدان، وزيدَيْن، وزيدون، وزيدِين"؛ كل هذه مُعربة، وتقول: "أبوك، وأباك، وأبيك، والمسلماتُ، والمسلماتِ"؛ هذه كلها أسماء معربة؛ لأنها تتغيَّر، وتقول: "الرَّجلُ، والطالبُ، وقيامٌ، والقيامُ، والجلوسُ"؛ فهذه كلها أسماء معربة.
وأمَّا الاسم المبني فهو القليل، ولهذا سنحصر القليل -يعني الأسماء المبنية- وقد حصرناها من قبل في عشرة أسماء.
ونقول: إنَّ الأسماء المبنية على نوعين:
* الأسماء المبنية بناء أصليًّا، يعني بناءً ثابتًا دائمًا.
* الأسماء المبنية بناءً طارئًا -عارضًا- قد يزول.
وكلامنا على الأسماء المبنية بناءً أصليًّا، وهي العشرة، أما الأسماء المبنية بناءً طارئًا فهذه إنما تُذكر في مواضعها في النَّحو، كالمنادَى إذا كان مفردًا، ويُراد به معيَّن، كــ "يا محمدُ" مبني على الضَّم، أو "يا محمدان" مبني على الألف، أو "يا محمدون" مبني على الواو، أو كاسم "لا" النافية للجنس عند الجمهور إذا كان مفردًا كــ "لا رجلَ في البيتِ"؛ فهذا بناء طارئ لا نذكره هنا، وإنَّما المراد بالأسماء المبنية هنا في باب المعرب والمبني: المبنية بناءً أصليًّا دائمًا ثابتًا، وهي عشرة:
الأول: الضمائر كلها متصلة ومنفصلة، ضمائر رفع ونصب وجر.
الثاني: الاسم الموصول "الذي" وإخوانه، سوى المثنى.
الثالث: أسماء الإشارة "هذا" وإخوانه، سوى المثنى.
الرابع: أسماء الاستفهام، سوى "أي" كــ "مَن أبوك؟ وماذا تفعل؟ وأينَ تسكن؟".
الخامس: أسماء الشرط، سوى "أي" نحو "مَنْ يجتهد ينجح، مهما تفعل تُجزَ به".
السادس: الأعداد المركبة: من أحد عشر إلى تسعةَ عشر، سوى "اثني عشر" كــ "جاء خمسةَ عشر رجلًا".
السابع: الاسم المختوم بـ "ويه" كــ "سيبويه، عمرويه، خمارويه".
الثامن: أسماء الأفعال كلها، مثل: "صه، وه، أف، آمين".
التاسع: الظروف المركبة: نحو "زرته صباحَ مساءَ، أو: أنت جاري بيتَ بيتَ".
العاشر: بعض الظروف المفردة: مثل "إذا، إذْ، حيثُ، الآنَ، أمسي"، كما سيأتي في بعض مواضعها.
وهذا هو المراد بانقسام الاسم إلى معربٍ ومبنيٍّ، وهذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا؛ لأن كثيرًا من الأحكام ومن المصطلحات يترتَّب عليه؛ فلابد من ضبطه من الآن، وقد حصرنا الأسماء المبنية حصرًا، لابدَّ من حفظها، أو على الأقل أن تكون مستظهرةً للطالب.
{قال ابن هشام: (ومَبْنِيٌّ: وهو بخلافه كـ "هؤلاءِ" في لُزُوم الكسر، وكذلك "حَذَامِ وأَمْسِ" في لغة الحجازيِّينَ، وكَـ "أحدَ عشرَ" وأخواتِه في لزوم الفتح، وكَـ "قبلُ و بعدُ" وأخواتِهما في لزوم الضَّمِّ إذا حُذِفَ المضافُ إليه ونُوِيَ معناهُ، وكَـ "مَنْ وكَمْ" في لزوم السُّكون وهو أصل البناء)}.
ابن هشام هنا تكلَّم على ما يُبنَى عليه الاسم المبني، فبعدَ أن حصرنا الأسماء المبنيَّة وعرفنا أنها عشرة، فعلامَ تُبنى؟
يُمكن أن نُجيب عن ذلك إجابةً مختصرة تكون قاعدة أو ضابطًا عامًّا؛ فنقول: الاسم يُبنى على حركة آخره، فـ "هؤلاءِ" مبني على الكسر، "الذينَ" مبني على الفتح"، "كيفَ" مبني على الفتح، "حيثُ" مبني على الضم.
فإذا طبقنا ذلك سنجد أن الأسماء المبنية بحسب حركة البناء على أربعة أنواع:
النوع الأول: المبني على الكسر.
النوع الثاني: المبني على الفتح.
النوع الثالث: المبني على الضَّم.
النوع الرابع: المبني على السكون.
ذكر ابن هشام في هذا الجزء من كتابه، فبدأ بالكلام على الاسم المبني على الكسر، ومثَّله له بثلاثة أمثلة:
المثال الأول: "هؤلاءِ" وهذا متفَقٌ عليه بينَ العربِ.
المثال الثاني والثالث: "حذامِ، وأمسِ" وهذا مختلفٌ فيهما بين العرب.
وهناك أسماء أخرى مبنية على الكسر، مثل: "هذهِ، أُفٍّ، أنتِ".
ثم ذكر "حذامِ، وأمسِ"، وهما مختَلفٌ فيهما بين العرب، وهذا مما قلناه قبل قليل من الصعوبة والوعورة في كتاب ابن هشام؛ لأنه أراد أن يكونَ مُفيدًا للنحويين، وهذه التفاصيل ينبغي أن لا تُذكر في كتب المتوسطين، وربما تُذكر في بابها، عندما يأتي -مثلا- للمنوع من الصرف أو نحو ذلك، لكن أن تُذكَر للطالب في أول الكلام على الكتاب قبل أن تأتي التفاصيل ويعرف تفاصيلها؛ فهذا فيه شيء مما يجعل الكتاب وعرًا وصعبًا.
وقوله ("حذامِ") يُريد باب "حذامِ"، وهو: العلم المؤنث الذي على وزن "فعالِ"، مثل: "حذامِ، قطامِ، سجاح، نَوَار".
يقول: (فيه خلاف)، أي: خلاف بين العرب وليس بين النحويين:
* فالحجازيون: يبنونه على الكسر، يعني أنهم دائمًا يُلزمونه الكسر، ولا يجعلون له حالاتٍ أخرى، ومن ذلك قول شاعرهم:
فلوْلا الُمزْعِجَاتُ مِنَ اللّيالي ... لما ترك الْقَطاطِيبَ المنَـــــاَمِ
إذا قالَتْ حَذامِ فَصدِّقُوهــــــــا ... فإنَّ القَوْلَ ما قَالَتْ حَذَامِ
فـ "حَذامِ" في الموضعين فاعل، ومع ذلك بُنيَت على الكسر، فنقول: "قالت حذامِ".. "حذامِ" فاعل مبني على الكسر في محل رفع.
فائدة: عندما نقسِّم العرب إلى حجازيين وتميميين:
- فالمراد بالحجازيين: مَن هم غرب جبال السروات.
- والمراد بالتميميين: مَن هم شرق جبال السروات.
* وأمَّا التَّميميُّونَ: أكثرهم يمنعون باب "حَذامِ" من الصرف، والمنع من الصرف -كما عرفنا من قبل- يعني أن الاسم معرب -رفعًا ونصبًا وجرًّا- إلا أنه لا يُنوَّن، ويُجر بالفتحة.
فيقولون مثلًا: "جاءت حذامُ مسرعةً"، ورأيتُ حذامَ مسرعةً، وسلَّمت على حذامَ مسرعةً"، ومن ذلك قول الفرزدق -وهو تميمي- لَمَّا غضب على زوجته وطلقها ثم ندم:
ندمتُ ندامة الكساعي ... لَمَّا غدت مني مطلقة نوارُ
والكسعي له قصة طريفة، لعل الطالب يُراجعها.
وبعض بني تميم يفصلون، فيمنعون باب "حَذامِ" من الصرف إلَّا المختوم بـ "راء" فيبنونه على الكسر، مثل: "نوارِ، وبارِ" فيبنونه على الكسر كالحجازيين، وما سوى ذلك يمنعونه من الصرف، وواضح أن الفرزدق يسير على الكثير في لغة التميميين.
هذا ما يتعلق بــ "حَذامِ".
أما الكلمة الأخرى المبنية على الكسر "أمسِ"، وهي كلمة مشهورة جدًّا، ولهذا أنبِّه الطُّلَّاب أن يهتمُّوا بالكلمات المشهورة والأساليب المشهورة ليعرفوا أحكامها النحويَّة، لكي يُحسنوا استعمالها، وإذا سُئلوا يُحسنوا الإجابة عليها، كأسماء الأشهر، وأسماء الأيام، والأساليب المشهورة التي يستعملها الفقهاء، فيعفرون أحكامها ويتأكدون من صحتها.
فكلمة "أمسِ" كلمة مشهورة جدًا في كلام العرب قديمًا وحديثًا، وكلمة "أمس":
- إما أن تُطلق على الأمس القريب، يعني: اليوم الذي قبل يومك.
- ويُمكن أن تُطلق على الأمس البعيد، يعني: كل الماضي مطلقًا.
فلهذا تحاول العرب أن تفرِّق، فإذا أردتَّ الأمس الذي قبل يوم، تقول: جئتُ أمسِ"، وإذا أردتّ مطلقًا تقول: "جئتُ أمسًا".
تقول مثلًا: "سافرنًا إلى مكة أمسًا" يعني: في الزمان الماضي، أو "زرته أمسًا" يعني: في زمان ماضٍ ما.
أما لو كنتَ زرته في اليوم الذي قبل يومك، تقول: "زرتُه أمسِ".
فبالحركة فرقنا بين المعاني، وهذا من حيث الإجمال.
أما من حيث التفصيل في إعراب هذه الكلمة، فنقول: كلمة "أمس" لها حالتان:
الحالة الأولى: أن تكون بـ "أل": الأمس. أو مضافة: "أمسُكَ، أمسِي، أمسهُم"؛ فهي معربةٌ اتِّفاقًا بين العرب.
نقول مثلًا: "الأمسُ جميلٌ، كانَ الأمسُ، إنَّ الأمسَ، مررتُ بالأمسِ، أمسُكَ جميلٌ، وكانَ أمسُكَ، إنَّ أمسَكَ".
الحالة الثانية: أن لا يكون بــ "أل" ولا مضافًا، فتكون كلمة "أمس" بلا "أل" ولا إضافة؛ فننظر إلى كلمة "أمس" فإن كان المراد بها الأمس مُطلقًا فإنها مُعربة اتِّفاقًا، يعني: إذا كنت لا تريد اليوم الذي قبل يومك وإنما الماضي مطلقًا فهي أيضًا مُعربةٌ مطلقًا، كــ "كنَّا أعزَّةً أمسًا".
وأما إذا أردتَّ بها اليوم الذي قبل يومك؛ فحينئذٍ فيها تفصيل:
* فإن وقعت في الإعراب ظرف زمان: فإنها مبنية على الكسر باتفاق، تقول: "زرته أمسِ، جئتُ أمسِ، وسافرتُ أمسِ".
* فإن لم تقع ظرف زمان، يعني تقع اسمًا من اليوم، تقول: "أمس أحسن من اليوم"، فهذا هو الذي فيه خلاف بين العرب:
- فالحجازيون على قاعدتهم يبنون على الكسر، تقول: "أمسِ أحسنُ من اليوم، ومضى أمسِ، وإنَّ أمسِ، وانتظرتُكَ من أمسِ إلى اليوم".
- وأما التميميون فأكثرهم يمنعه من الصرف، يُعرِب ولا يُنوِّن، تقول: "أمسُ خيرٌ من اليوم، وكان أمسُ، وإنَّ أمسَ، وليت أمسَ".
- وبعضهم يمنعه من الصرف في الرفع فقط، ولكن في النصب والجر يبنيه على الكسر كالحجازيين، فلو قلنا مثلًا "أمس جميل":
فعلى لغة الحجازيين: "أمسِ جميلٌ".
وعلى لغة التميميين -وهو على الأكثر عند التميميين- نعرب بلا تنوين، فنقول: "أمسُ جميلٌ".
مثال: "مضى أمس":
عند الحجازيين: "مضى أمسِ".
عند التميميين: "مضى أمسُ".
مثال: "ليت أمس يعود":
عند الحجازيين: "ليتَ أمسِ يعود".
عند التميميين: "ليتَ أمسَ يعود".
مثال: "أحبُّ أمس وما فيه".
عند الحجازيين: "أحبُّ أمسِ وما فيه".
عند التميميين: "أحبُّ أمسَ وما فيه.
مثال: "انتظرته من أمس إلى اليوم"
عند الحجازيين: "انتظرته من أمسِ".
عند غير الحجازيين: "انتظرته من أمسَ"
والاسم المبني على الفتح مثَّل له ابن هشام بمثال واحدٍ، وهو: الأعداد المركبة من أحد عشر إلى اثنا عشر، إلا أنَّه لم يستثنِ "اثنا عشر"، وكأنه فعلَ ذلك؛ لأنه من المعلوم بالنحو بالضرورة، فلم ينص عليه.
النوع الثالث: الاسم المبني على الضم، ومثَّل له بمثالٍ واحدٍ متفق عليه، وهي الظروف المقطوعة عن الإضافة، وهذا يحتاج إلى شرح، فلعنا نتوقف هنا ونكمل منه -إن شاء الله في الدرس القادم.
{شكر الله لكم فضيلة الشيخ ما قدمتم، سائلين الله أن يجعله في موازين حسناتكم.
وفي ختام هذه الحلقة نشكركم أعزائي المشاهدين على طيب المتابعة، وعلى أمل أن نلقاكم في حلقةٍ أخرى من حلقات برنامجكم البناء العلمي، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.