{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أهلًا ومرحبًا بكم أعزائي المشاهدين والمشاهدات في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات برنامجكم "البناء العلمي".
في هذه الحلقة نستكمل وإيَّاكم شرح "قطر النَّدى وبلِّ الصَّدى" لابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ-، وسيكون ضيفنا فضيلة الشيخ/ أ. د سليمان بن عبد العزيز العيوني، عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة، أهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ}.
أهلًا وسهلًا، وحيَّاكم الله وبيَّاكم.
{في هذه الحلقة نشرع في معرفة أولى المعارف، وهي: الضَّميـــر.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (الضميرُ وهو ما دل على متكلِّمٍ أو مخاطَبٍ أو غائبٍ)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
حيَّاكم الله وبيَّاكم في الدَّرس الثَّامن من دروس شرح "قطر النَّدى وبل الصَّدى" لابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ-، ونحن في سنة ثنتين وأربعين وأربعمائة وألف، وهذا الدرس من الأكاديمية الإسلاميَّة المفتوحة من مدينة الرياض.
في الدرس الماضي كنَّا قد توقَّفنا عند الكلام على تقسيم الاسم إلى: نكرة ومعرفة، وميَّزنا بينهما بالضَّابط وبالتَّعريف، ثم بدأ بالتَّمييز بينهما بالحصر، فذكر ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- أنَّ المعارف ستة، وقلنا: إنَّه أهملَ المعرفة السابعة وهي: المعرَّف بالنِّداء.
وذكر الآن النوع الأول من المعارف وهو: الضمير؛ فقال: (الضميرُ وهو ما دل على متكلِّمٍ أو مخاطَبٍ أو غائبٍ).
الضَّمير: جمعه "ضمائر"، ويُسمى "المضمر" ويُجمع على "مضمرات".
إن أردنا أن نُعرف الضمير فنقول كما قال ابن هشام: "هو ما دلَّ"، يعني: كلُّ اسمٍ دلَّ على مُتكلِّمٍ أو مخاطَبٍ أو غائبٍ، فكل اسم يدل على أنَّ صاحبه هو المتكلم، أو هو المخاطب بهذا الكلام، أو أنه غائب في أثناء الكلام؛ فهذا ضميــر.
لأنَّ الأصل في الأسماء أنها لا تدل على معنًى من هذه المعاني الثلاثة، وأمَّا الضمائر فهي ما دلَّ على متكلِّم أو مخاطَب أو غائب، كقولك: "أنا أحبُّكَ"، فتعرف أنِّي المتكلم، وقول: "أُحبكَ" تعرف أنَّك المخاطب، وقولك: "هو مسافر، أحبُّه"، تعرف أنه غائب.
والأسماء التي ليست بضمائر تسمى: أسماء ظاهرة أو مُظهرة، مثل: "محمدٌ، قائمٌ، جالسٌ، قيام، جلوس، الذي، هذا"، كلها تسمى أسماء ظاهرة أو مظهرة؛ لأنها ليست ضمائر.
وقد أقول لك وأنت جالس أمامي -وأنا اسمي محمد: "محمدٌ يُحبُّك"، فكلمة "محمد" ما دلَّت على أني المتكلم، فقد يكون "محمد" هو المتكلم وقد يكون غائبًا.
وأقول: "محمدٌ مجتهدٌ"، قد يكون "محمد" حاضرًا وأنا أقول هذا الكلام وقد يكون غائبًا؛ فليس له أي علاقة بتكلم ولا خطاب ولا غيبة، فالاسم الذي يدل على أنَّ صاحبه هو المتكلم أو المخاطب أو غائب؛ يُسمَّى ضميرًا، فهذا هو تمييز الضمائر من التعريف.
وتمييزها بالحصر أسهل، فالضمائر خمسة عشر اسمًا من الأسماء، وهي: إما تكلم أو خطاب أو غيبة.
وتنقسم إلى:
- ستة ضمائر منفصلة:
* ضمائر رفع: "أنا، أنت، هو"، وفروعها: (أنا- نحن)، (أنتَ، أنتِ، أنتما، أنتم، أنتن)، (هو، هي، هما، هم، هن).
فهي ضمائر؛ لأنها دلَّت إمَّا على:
متكلم: أنا.
مخاطب: أنتَ
غائب: هو.
والعرب خصُّوها بالرفع؛ لأنها لا تقع إلا مبتدأً أو فاعلًا، فلا يُمكن أن تقع نصبًا كمفعول به، أو جرًّا كمضاف إليه.
وهي منفصلة: لأنها لا تتصل بما قبلها.
* ضمائر نصب: "إيَّاي، إيَّاكَ، إيَّاه"، وفروعها (إيَّاي، إيَّانا)، (إيَّاكَ، إيَّاكِ، إيَّاكما، إيَّاكم، إيَّاكنَّ)، (إيَّاه، إيَّاها، إيَّاهما، إيَّاهم، إيَّاهنَّ).
وابن مالك يقول في الألفيَّة:
.................... *** ........ والتفريع ليس مشكلَ
فهذه ضمائر نصب منفصلة:
ضمائر: لأنها دلَّت على:
متكلِّم: إيَّاي.
غائب: إيَّاه.
مخاطب: إيَّاكَ.
نصب: لأنها لا تقع إلَّا مفعولًا به، فلا يُمكن أن تقع مبتدأً أو خبرًا أو فاعلًا أو مضافًا إليه.
منفصلة: لأنها لا تتصل بما قبلها.
- تسعة ضمائر متصلة: قسمها العرب إلى ثلاثة أقسام بحسب الإعراب:
* خمس ضمائر للرفع: ضمائر "تَوَانِي"، يعني:
تاء المتكلم: ذهبتُ.
واو الجماعة: ذهبوا.
ألف الاثنين: ذهبا.
نون النسوة: ذهبنَ.
ياء المخاطبة: اذهبي.
فهي ضمائر: لأنها تدل على متكلم أو مخاطب أو غائب.
ومرفوعة: لأنها لا تقع إلا فاعلًا أو نائبَ فاعل، أو اسم "كان" وأخواتها.
ومتصلة: لأنها تتصل بما قبلها.
* ثلاث ضمائر للنصب والجر: نختصرها في "هَيْك"
هاء الغائب: مثل: "أحبُّه، كتابه".
ياء المتكلم: "يحبني، كتابي".
كاف الخطاب: "أحبُّكَ، كتابكَ".
وهذه تأتي منصوبة، مثل أن تكون مفعولًا به: "أحبُّكَ، أحبُّه، يُحبُّني".
وتأتي مجرورة: مضاف إليه، مثل: "كتابه، كتابي، كتابك".
ولا تقع مرفوعة أبدًا، فلا تقع فاعلًا أو نائب فاعل، أو اسم "كان" وأخواتها.
* ضمير واحد: للرفع والنصب والجر: وهو "ناء" المتكلمين، وهذا يأتي:
رفعًا: كأن يقع فاعلًا "ذهبنا".
نصبًا: كأن يقع مفعولًا به "محمدٌ أكرمنا".
جرًّا: كأن يقع مضافًا إليه "كتابُنَا".
وهذا التقسيم سبق في شرح المبتدئين، ولهذا لن نتوسَّع فيه.
والآن عرفنا الضمير بالتعريف وبالحصر، ننتقل بعد ذلك مع شيخنا ابن هشام ليتكلم على أقسام الضمير.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وهو إما مُسْتَتِرٌ كالمقدر وجوبًا في نحو "أقومُ" و "تقومُ" أو جوازًا في نحوِ "زيد يقوم"، أو بارزٌ وهو إما متصلٌ كـ "تاء" "قمتُ" وكافِ "أكرمُكَ" وهاءِ "غلامِهِ"، أو منفصلٌ كـ "أنا وأنتَ وإيايَ")}.
ابن هشام -كما نرى- قسَّم الضمير إلى: مستتر وبارز
والمستتر قسَّمه إلى قسمين: المستتر وجوبًا، والمستتر جوازًا.
وأما البارز فقسَّمه إلى قسمين: البارز المتصل، والبارز المنفصل.
الضمير المستتر: هو الضمير الذي لم تضع العرب له حروفًا ملفوظة، وإنما يُفهم من الكلام فهمًا، كالفاعل في: "اذهب"، فالفاعل غير ملفوظ، ولكن العربي يفهم الفاعل، والنحويون يقولون: الفاعل مستتر تقديره: "أنتَ".
ومعنى كلامهم: (تقديره "أنتَ") أنه من باب التقريب، وإلَّا فإن الضمير المستتر فليس له لفظ، فليسَ أنتَ المقدَّر، ولكن من باب التقريب والتفهيم يقولون ذلك.
وقولك: "نحنُ نذهب"، تقديره: "نذهب نحن"، لكنه مُستتر وغير ملفوظ.
وأما البارز: فهو الذي له حروف، إما:
- تتصل بما قبله: كــ "ذهبوا، ذهبتُ".
- أو تنفصل ولا تتصل، كـ "أنا، أنتَ، هو".
ثم إنه -رَحِمَهُ اللهُ- قسَّم الضمير المستتر إلى: المستتر استتارًا واجبًا، والمستتر استتارًا جائزًا، وهذا ممَّا قد لا يفهمه بعض الطلاب مع أنه سهل، فنشرحه كما شرحه المتقدمون، وهذا أفضل من شرح المتأخرين.
والحقيقة أنَّ الوجوب والجواز ليس للضمير، وإنما هو للفعل نفسه، فإنَّ الأفعال في اللغة العربية على قسمين، وإن شئنا التفصيل قلنا: على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الفعل الذي لا يكون فاعله إلَّا ضميرًا مستترًا لا شيئًا آخر، مثل فعل الواحد، فأيُّ فعل واحد كــ "اذهب، اجلس، انطلق، كن"، لا يكون فاعله إلا مستترًا، لا يكون ضميرًا بارزًا ولا اسمًا ظاهرًا. فــ "اذهب" يعني: "أنتَ".
القسم الثاني: هي الأفعال التي لا يكون فاعلها إلا ضميرًا بارزًا، مثل أمر جماعة الذكور "اذهبوا، اجلسوا، اسمعوا"، ففاعل الفعل لا يكون إلا واو الجماعة، فلا يكون ضميرًا مستترًا ولا يكون اسمًا ظاهرًا، فما نقول: "اذهب الرجالُ" على أنَّ "الرجال" فاعل!
القسم الثالث: هي الأفعال التي يحتمل أن يأتي فاعلها ضميرًا مستترًا وضميرًا بارزًا واسمًا ظاهرًا، مثل الفعل الماضي "ذهب":
- فقد يكون الفاعل اسمًا ظاهرًا: ذهبَ محمدٌ.
- وقد يكون ضميرًا مستترًا: محمدٌ ذهب، أي: هو.
- وقد يكون ضميرًا بارزًا: المحمدون ذهبوا
فالنوع الأول: هو الذي يسمونه مستترًا وجوبًا، يعني أن فاعله لا يكون إلا ضميرًا مستترًا.
الأفعال التي لا يكون فاعلها إلا ضميرًا مستترًا، وأشهرها ثلاثة أفعال:
- أمر الواحد: "اذهب، اجلس".
- المضارع المبدوء بهمزة: "أذهبُ، أعبدُ، أجلسُ، أنتبهُ"، الفاعل لا يكون إلا مستترًا تقديره "أنا".
تقول: "أذهب بسرعة"، يعني: أنا. "أُحبُّكَ"، يعني: أحبُّك أنا. ولا يكون الفاعل حينئذٍ لا ضميرًا بارزًا ولا اسمًا ظاهرًا.
- المضارع المبدوء بالنون: مثل: "نذهب، نجلس". تقول: "نذهبُ بسرعة" يعني: نحنُ.
تقول: "يجبُ أن نتساعد"، أي: نتساعد نحن.
وفي الآية: ﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ﴾، أي: نعبدُ نحن.
وفي الآية ﴿لَنْ نَبْرَحَ الأَرْضَ﴾، أي: لن نبرح نحن.
فهذه الأفعال الثلاثة هي أشهر الأفعال التي لا يكون فاعلها إلا ضميرًا مستترًا، وهذا يُشرح في الفاعل، فهذه الأفعال الثلاثة لا تتعب في فاعلها؛ لأن فاعلها لا يكون إلا مستترًا وجوبًا.
ثم إنَّ ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- قسَّم البارز إلى:
ضمير متصل: وهو الذي يتَّصل بما قبله، كــ "واو الجماعة"، لا يُمكن أن يستقيل بنفسه ويقوم بنفسه، فلهذا لا يُمكن أن يكون في أول الكلام، بل لابد أن يكون قبله شيء ويتَّصل، مثل: "ذهب - ذهبوا"، "يذهب - يذهبون"، "اذهب - اذهبوا"، وذكرنا أنَّ الضمائر المتصلة تسعة.
وأما الضمير المنفصل: فهو الذي لا يتصل بما قبله، فلهذا يستقل ويقوم بنفسه، ويُمكن أن يقع في أول الكلام، مثل: "أنا" تقول: "أنا مجتهد، ما نجح إلا أنا وأنت"، ومثل: ﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ﴾.
هذا التقسيم الذي ذكره ابن هشام، وفي هذا التقسيم فيه نظر، لأن التقسيم الأصح عند النحويين هو تقسيم الضمير إلى: متصل ومنفصل، وهذا هو التقسيم الأول. ثم المتصل يُقسِّمونه إلى: مستتر وبارز.
فلهذا تجد كل النحويين يعدون الضمير المستتر كفاعل "اذهب، نذهب" من المتصل، وهذا يأتي في باب الفاعل، فيقولون: الفاعل في "هند تذهب" واجب التأنيث؛ لأنَّ فاعله مؤنث متصل.
ثم انتقل ابن هشام إلى مسألة خاصة في الضمائر، وهي: وصل الضمير وفصله.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ولا فصلَ مع إمكانِ الوصلِ، إلا في نحوِ الهاء من "سَلْنِيهِ" بِمَرْجُوحِيَّةٍ، و "ظنَنْـتُكَهُ" و "كُنْـتَهُ" برجحان)}.
هذه المسألة يسمونها: وصل الضمير وفصله.
عرفنا أن الضمائر إما متصلة أو منفصلة، والحقيقة أن الضمائر المتصلة هي هي الضمائر المنفصلة، والحقيقة أن الضمائر المتصلة والمنفصلة هي هي الأسماء الظاهرة، ولكن الوظيفة تختلف، فأنا اسمي "محمد" وهذا الاسم أستعمله في مواضع معينة، وكذلك "أنا"، فــ "أنا" هو "محمد"، لكن عندما أتكلم أقول "أنا" واسم "محمد" أستعمله في مواضع أخرى.
وعندما تقول لي: "أحبك"، فالكاف هو "محمد"، لكن عندما أكون مخاطبًا، وإذا قلتَ: "أُحبُّهُ" تعنيني أنا؛ فالهاء هو "أنا" عندما أكون غائبًا.
إذًا؛ كل الضمائر والأسماء الظاهرة هي شيء واحد، لكن استعمالها يختلف، فعندما عرفنا أن الضمائر المتصلة هي الضمائر المنفصلة هنا نتكلم؛ فإذا أمكن أن نستعمل متصل ومنفصل؛ فهل نستعمل المتصل أو نستعمل المنفصل؟
يقول لك: لا فصل مع إمكان الوصل، فإذا أمكن أن تأتي بالضمير متَّصلًا فلا يجوز أن تأتي به منفصلًا.
فإذا أردتَّ أن تُسند الذهاب إليك فتقول: "ذهبتُ" ولا يجوز أن تقول: "ذهب أنا" مع أنَّ "أنا" هي "ــتُ"؛ ولكن "ــتُ" عند الاتصال، و"أنا" عند الانفصال، فعندما أمكن الاتصال لم يجُزْ أن تعدل عنه إلى الانفصال.
وتقول: "أُحبُّكَ"، هنا أمكن الاتصال، فلا يجوز أن تقول: "أحبُّ إيَّاكَ".
وهذا معنى قولنا: إن أمكن الاتصال فلا يُعدَل عنه إلى الانفصال، إلا في ضرورة الشعر، وفي هذا يقول ابن مالك في ألفيَّته:
وفي اختيار لا يجيء المنفصل ** إذا تأتَّى أن يجيء المتصل
ثم ذكر ابن هشام أنه يُستثنى من هذه القاعدة ثلاثة أشياء، فقال: (إلا في نحوِ الهاء من "سَلْنِيهِ" بِمَرْجُوحِيَّةٍ، و "ظنَنْـتُكَهُ" و "كُنْـتَهُ" برجحان).
الباب الأول: باب "سَلْنِيهِ".
الباب الثاني: باب "ظنَنْـتُكَهُ"، وهو "ظن" وأخواتها، أفعال العلم الظن والتصيير، كأن نتكلم في الصديق الوفي، ثم نقول: "الصديق الوفي ظنَنْـتُكَهُ"، يعنيك "ظننتُكَ الصَّديقَ"، لكن أتيتُ به على شكل الضمير.
فــ "ظننتُ" هذا الفاعل.
والضمير "ــكُــ" المفعول الأول العائد على المخاطب.
والضمير "ــهُ" عائد إلى "الصديق".
فتصير "ظننتُــكَــهُ" بالوصل، ويجوز الفصل فتقول "ظننتُكَ إيَّاهُ".
الباب الثالث: باب "كُنْـتَهُ"، وهذا معروف، فهو "كان" وأخواتها، فإذا كان اسم "كان" وخبر "كان" ضميرين فيجوز أن تأتي بالضمير الثاني متصلًا، ويجوز أن تأتي به منفصلًا.
مثل ذلك: أن نتكلم عن الصديق الوفي وصفاته، ثم نقول لك: "الصديق الوفي كنتَهُ"، يعني: كنتَ الصَّديقَ، ولكن أتيتُ بضمير "الصديق"، فيجوز أن تقول: "كنتَهُ، أو كنتَ إيَّاه"، فتأتي بالضمير متصلا أو منفصلًا؛ لأن هذا من المواضع الثلاثة المستثناة.
وأما باب "سَلْنِيهِ"، فهو أخو باب "ظننتُ"، فــ "ظننتُ" وأخواتها هي الأفعال التي تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، مثل: "البابُ مفتوحٌ - ظننتُ البابَ مفتوحًا"، ينقلب المبتدأ والخبر إلى مفعول أول وثاني.
وأما باب "سَلْنِيهِ" فهي أفعال الإعطاء والمنح، وهي التي تنصب مفعولين ليس أصلها المبتدأ والخبر.
كقولك: "كسوتُ الفقيرَ ثوبًا"، فإذا حذفتَ "كسوتُ" ما يعود قول: "الفقير ثوب" إلى مبتدأ وخبر.
وقولك: "أعطيتُ محمدًا مالًا"، لو حذفتَ "أعطيتُ"، ما يكون "محمد مالٌ" مبتدأ وخبر.
أمَّا لو تكلمتَ تريد المال فأقول لك: "سَلْنِيهِ".
فــ "سَلْ" فعل أمر.
والضمير "ــنيــ" يعود إلى المتكلم (أنا) وهو المفعول الأول.
والضمير "ـــهِ" يعود إلى المال.
فلك أن تأتي به مُتصلًا "سَلْنِيهِ"، ولك أن تأتي به مُنفصلًا "سلني إيَّاه"، يعني: سلني المال.
إذًا؛ هذه الأبواب الثلاثة مستثناة، يجوز فيها الاتصال، ويجوز فيها الانفصال.
ما الراجح؟
قال ابن هشام (نحوِ الهاء من "سَلْنِيهِ" بِمَرْجُوحِيَّةٍ)، يعني مرجوح، والأرجح "سلني إيَّاه" بالفصل.
قال: (و "ظنَنْـتُكَهُ" و "كُنْـتَهُ" برجحان)، يعني الأرجح ظنَنْـتُكَهُ" و "كُنْـتَهُ"، والفصل مرجوح وهو "ظننتُكَ إيَّاه، وكنتَ إيَّاه".
هذا هو النوع الأول من المعارف وهو الضمير، لينتقل ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- إلى النوع الثاني من المعارف وهو العلم.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ثم العَلَمُ إما شخصيٌّ كـ "زيدٍ" أو جنسيٌّ كـ "أسامةَ"، وإما اسمٌ كما مثلنا أو لقب كـ "زينِ العابدينَ" و "قُفَّةَ" أو كُنْيَةٌ كـ "أبي عمرو" و "أمِّ كلثومٍ")}.
النوع الثاني: العلــــم.
ابن هشام -كما ترون- لم يُعرِّف العَلَم، كأنَّه اكتفى بتعريفه في المبتدئين.
والعلم: هـو اسمٌ يُميِّز المسمى مُطلقًا، أو هو الاسم المختص بمسماه، يعني متى ما ذكرته فُهم مُسمَّاه فقط، بحيثُ لو وُجد شيءٌ آخر يُشبه مسمَّاه في كل شيء لا يُطلق عليه هذا الاسم؛ لأن هذا الاسم خاصٌّ بهذا المسمَّى.
مثل: نحن خمسة إخوة في البيت، منهم اثنان توأم متشابهان في كل شيء، لكن هذا اسمه "محمد"، وهذا اسمه "خالد"، ما تقول: نسميهما "محمد" لأنهما متشابهان! لا، لأنَّ كل واحد له اسم علم به.
مثال: عندما نقول: "أُحد" مباشرة نفهم أنه ذلك الجبل في المدينة، فلو كان هناك جبل في العالم يُشبهه ما نسميه "أُحُد"، لأنَّ الاسم العام الشائع في جنس الجبال "جبل" فهذا يُطلق على كل الجبال، لكن في بعض الجبال لها أهميَّة معيَّنة فأُعطيَت اسمًا خاصًّا بها، كجبل "أُحُد"، ومثل جبل: "رضوى"، ومثل: "أبو قبيس"؛ فهذه أسماء أعلام على هذه الجبال لأنها مهمَّة.
فلهذا يقولون: إنَّ العلم إنَّما يُطلق على الأشياء المهمَّة الثَّمينة التي لها قيمة عند أهلها، ولا يُطلق على كل شيء.
مثال: هذا الكأس لا يستحق أن نجعل له اسمًا خاصًّا به، إنما نكتفي بالاسم النَّكرة الشَّائع "كأس"، فربما غدا ينكسر ويُلقى.
ولأن الناس -رجالًا ونساءً- أكرم ما خلق الله فلهم أسماء خاصة بهم، وكذلك أسماء الله تعالى أعلام عليه، وكذلك أسماء الأنبياء، وأسماء الملائكة، وأسماء المدن كــ "مكة، الرياض"، وأسماء الدول كــ "مصر، العراق"؛ وأسماء الكواكب كــ "زحل، وعطارد"، أسماء الأيام كــ "السبت، الأحد"، أسماء الأشهر كــ "صفر، المحرم"؛ هذه كلها أعلام عليها.
فإذا قلنا: كلمة "حصان"، فهذه ليست علمًا، وإنما هي نكرة، كل فرد من أفراد هذا الجنس يُسمَّى "حصان".
لكن لو نظرنا إلى سباق الخيول نجد أن كل حصان له اسم خاص به؛ لأنها خيولٌ لها مكانة عند أهلها، فجعلوا لها أسماءً كما جعلوا لأولادهم أسماءً.
وكذلك الإبل، فإذا قلنا: "ناقة" فهذه نكرة، ولكن "القصواء" فهذا علم لأنه خاص بناقة مُعيَّنة، ولا نقول: إنه معرف بـ "أل" لأنه اسمٌ خاصٌّ بمسمَّاه.
ثم ذكر ابن هشام -رَحِمَهُ اللهُ- أقسام العلم من حيث تشخُّص مسمَّاه، فقال: (العَلَمُ إما شخصيٌّ كـ "زيدٍ" أو جنسيٌّ كـ "أسامةَ")، الأشهر والأكثر هو العلم الشخصي، كأعلام الناس والمدن.
وأما العلم الجنسي: فهو أنَّ العرب وضعت لبعض الأجناس علمًا، بحيث يُمكن أن تطلق هذا العلم على أب فرد من أفراده، وإذا أطلقته على أي فردٍ من أفراده فإنَّك تعامله معاملة العلم، كــ "أسامة" علم على جنس الأُسود، فأي أسد تراه يُمكن أن تسميه "أسامة" فيكون علمًا عليه، يُعامَل معاملة المعرفة، فتقول: "هذا أسامة القويُّ" لأن "أسامة" معرفة، فيُعرف النعت، لكن لو قلت: "أسد" تقول: "هذا أسدٌ قويٌّ" نكرة، ونعته يكون نكرة.
وكذلك لو قلت: "هذا أسامة غاضبًا"، انتصب الحال منه، والحال لا ينتصب إلا من معرفة.
يقولون في تعريف العلم الجنسي: اسمٌ موضوعٌ للصورة الذهنيَّة التي يتخيَّلها العقل ممثَّلة في فرد من أفراد الجنس.
لا يهمنا هذا التعريف، وإنما الذي يُهمنا أن العلم الجنسي من حيث اللفظُ يُعامل معاملة المعرفة، ويُنعت بالمعرفة كــ "هذا أسامة القوي"، ويأتي منه الحال منتصبًا.
وأما من حيثُ المعنى: فإنَّ معناه معنى النكرة، لأنه يُطلق على أي أسد.
ومن الأجناس التي وضعت العرب لها أعلامًا:
أسامة: علم على جنس الأسود.
الدؤالة: علم على جنس الذئاب.
أم عريط: علم على جنس العقارب.
أبو أيوب، أو أبو صابر: علم على الحمير، فأي حمار تسميه "أبو صابر".
ووضعوا أعلامًا على بعض أجناس المعاني، مثل:
البر: مبرَّة.
الفجور: فجاري.
التسبيح: سبحان.
ثم ذكر التقسيم الثاني للعلم -وهو الأهم- وهو: تقسيمه من حيثُ زمن وضعه، فقسَّمه إلى: اسمٍ، ولقبٍ، وكنيةٍ.
فالعلم الأول للمسمى: هو اسمه.
مثال: أتاكَ ولدٌ، فأي اسم تطلقه على هذا الولد فهو اسمه العلم، كأن تسميه "محمد" فيكون اسمه العلم "محمد"، أو سميته "أبو بكر"، فيكون هذا هو اسمه العلم، أو سميته "الطاهر" فيكون هذا هو اسمه العلم.
أما اللقب والكنية: فإنهما يحدثان بعدَ الاسم العلم، فبعدَ أن يكون الأول هو اسمه العلم، فما يحدث بعد ذلك هو لقبٌ أو كنية.
فإن كان مبدوءًا بــ "أبٍ" أو "أم" ونحوهما؛ فهو كنية:
مبدوء بـ "أب" كــ "أبي بكر".
مبدوء بـ "أم"، كــ "أم كلثوم".
مبدوء بــ "ابن" كــ "ابن تيمية، ابن باز".
مبدوء بــ "أخ" كــ "أخي نورة"، وهذه كنية للملك عبد العزيز.
مبدوء بــ "أخت".
فإن لم يكن مبدوءًا بشيء من ذلك فهو لقب، كقولنا: "هارون الرشيد، عمر الفاروق".
ثم تكلم ابن هشام بعد ذلك على حكم الأعلام إذا توالت.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ويُؤَخَّر اللقبُ عن الاسم تابعًا له مطلقًا، أو مخفوضًا بإضافته إن أُفْرِدَ كـ "سَعِيدِ كُرْزٍ")}.
هذا الحكم يتعلق بالأعلام إذا توالت، فعرفنا قبل قليل أن الاسم العلم واللقب العلم والكنية العلم؛ كلها تكون لواحد.
مثال: إنسان اسمه "محمد" وكنيته "أبو خالد"، ولقبه "الطاهر"؛ فكلها لشخص واحد
مثال: الخليفة الثاني -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- اسمه "عمر"، ولقبه "الفاروق"، وكنيته "أبو حفص". فالثلاثة لواحد.
وقد يكون الإنسان له اسم فقط، وليس له كنية ولا لقب، وقد يكون له اسم وكنية فقط، أو اسم ولقب. المهم؛ لو توالت هذه كلها أو بعضها والمراد بها واحد، كأن تقول: "قال أبو حفص عمر، أو: قال الفاروق أبو حفص، أو: قال عمر الفاروق"؛ فبيَّن ابن هشام هنا حكمين:
الحكم الأول: حكها من حيث الترتيب، ما الذي يُقدَّم منها وما الذي يؤخَّر؟
الحكم الثاني: حكمها من حيثُ الإعراب، كيف نعرب المتأخر منها.
أولًا: ما الذي يُقدَّم من هذه الثلاثة إذا اجتمعت؟ الاسم العلم أو الكنية العلم أو اللقب العلم؟
الكنية ليس لها ترتيب، يُمكن أن تقدمها أو تؤخِّرها، فتأتي مع الاسم، تأتي مع اللقب، متقدمة أو متأخرة؛ تقول "قال أبو حفص عمر، قال عمر أبو حفص، قال الفاروق أبو حفص، قال أبو حفص الفاروق".
والترتيب في أكثر كلام العرب إنما جاء بين الاسم واللقب، قال ابن هشام في الترتيب بينهما: (ويُؤَخَّر اللقبُ عن الاسم)، فيُقدَّم الاسم ويُؤخَّر اللقب، تقول "قال عمر الفاروق، قال هارون الرشيد" بتقديم الاسم على اللقب.
قالوا: إلا إذا كان اللقب أشهر من الاسم، مثلًا "الصديق" لَقَبُه، وكنيته "أبو بكر"، وكثير من المسلمين لا يعرفون أن اسمه "عبد الله"؛ فصار لقبه أشهر من اسمه، فهذا لك أن تقدم اللقب على الاسم أو تؤخره على الاسم ولا إشكال.
أما "الفاروق" و"عمر" ربما كلاهما في قوة واحدة وشهرة واحدة، لطول لخافته وإنجازاته -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم أَجْمَعِين.
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [آل عمران: 45]، الشاهد "المسيح عيسى"، فاسمه "عيسى" ولقبه "المسيح"؛ مع ذلك جاء في الآية اللقب مقدَّمًا على الاسم، لأن لقبه مشهور جدًّا، وكذلك في قوله: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾ [النساء: 157].
إذًا؛ إذا بلغت شهرة اللقب مبلغًا كبيرًا بحيث كان أشهر من الاسم أو في شهرة الاسم جازَ فيه التقديم والتأخير، وإنما وجوب تقديم الاسم وتأخير اللقب إذا كان الاسم أشهر من اللقب.
الحكم الثاني للأعلام إذا توالت: حكمها من حيث الإعراب.
إذا قلتَ: "قالَ عمرُ الفاروق"، فإعرابها يكون كالتالي:
الكلمة الأولى ستخضع للإعراب، فــ "قال" فاعل.
و "عمرُ": مبتدأ.
و "الفاروقُ" كما قال ابن هشام: (تابعًا له مطلقًا)، والتابع يكون إما بدلًا أو عطف بيان، ولا نقول: إنَّ "الفاروق" نعتًا، لأنَّه هنا يُبيِّن صفة من صفاته، وإنما هو اسم من أسمائه مثل: "عمر"، فــ "الفاروق" بدلٌ أو عطف بيان.
وقول ابن هشام (مطلقًا)، يعني في كل الأحوال الاسم واللقب.
قال ابن هشام: (أو مخفوضًا بإضافته إن أُفْرِدَ)، فهناك حالة واحدة فقط لخفض الاسم واللقب والكنية إذا كانا مفردين وغير مقترنين بـ (أل).
مثال: "سَعِيدِ كُرْزٍ"، فــ "سعيد" مفردًا، يعني: ليس مضافًا وليس فيه "أل". و"كرز" مفردًا"، يعني: ليس مضافًا وليس فيه "أل".
ففي هذه الحالة:
- يجوز فيها الاتباع -كما قلنا قبل قليل- فنقول: "قالَ سعيدٌ كرزٌ"، على أنه بدل أو عطف بيان.
- ويجوز فيها الإضافة، تقول: "قال سعيدُ كرزٍ" بالإضافة.
والإضافة هنا أفضل لأنها الأكثر في السماع.
إذًا الخلاصة: أنَّ حكم العلم الثاني أن نجعله تابعًا للأول -وهذا مطلق- فإن كانا العلمان مفردين خاليين من "أل" جازَ مع ذلك وجهٌ آخر وهو الإضافة.
ننتقل بعدَ ذلك إلى النوع الثالث من المعارف وهو: اسـم الإشارة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ثم الإشارةُ. وهي ذَا للمذكر، وذِي وذِهِ وتِي وتِهِ وتَا للمؤنث، وذانِ وتانِ للمثنى بالألف رفعًا وبالياء جَرًّا ونصبًا، وأُوْلاءِ لجمعِهما)}.
النوع الثالث من المعارف هي: أسماء الإشارة.
كما رأينا أن ابن هشام لم يعرف أسماء الإشارة، وكثير من النحويين لا يعرفون اسم الإشارة؛ بل لا تعرَّف أسماء الإشارة إلا في الكتب المتوسعة؛ وذلك استغناءً بالحصر، فهي أسماء محصورة، ولهذا ذكرها ابن هشام، ونكتفي بحصرها عن تعريفها، وهي كأغلب الألفاظ في اللغة العربية تنقسم بحسب القسمة السُّداسيَّة -يعني مفرد ومفردة، مثنى مذكر مثنى مؤنث، وجمع مذكر جمع مؤنث:
فللمفرد المذكر: "ذا"، تقول "ذا رجلٌ، ذا كتاب".
وللمفرد المؤنث "ذي، ذه، تي، ته، تا"، فتقول: "ذِي امرأةٌ، ذِي سيارةٌ، ذِهْ امرأة، تِي امرأة، تِهْ امرأةٌ، تَا امرأةٌ"؛ كل ذلك جائز.
وللمثنى مذكرًا: "ذانِ".
وللمثنى مؤنثًا: "تانِ".
وسبق أنهما يُعربان إعراب المثنى، فلهذا قال ابن هشام: (بالألف رفعًا وبالياء جَرًّا ونصبًا)، وسبق ذلك في باب المعرب والمبني، تقول "جاءَ ذانِ الرجلانِ، جاءت تانِ المرأتانِ، رأيتُ ذينِ الرجلين، رأيتُ تيْنِ المرأتين".
ولجمع الذكور: "أولاء"، تقول: "أولاء رجالٌ".
ولجمع الإناث: "أولاء" أيضًا، فتقول: "أولاء نساء".
إذًا؛ دخل جمع الإناث في جمع الذكور، ويعللون لذلك، ولكن لا يهمنا الآن، فلما خرجت عن القسمة السُّداسيَّة احتاجت إلى تعليل.
هذا ما يتعلق بحصر أسماء الإشارة، وقسمناها على القسمة السداسيَّة.
وهناك أسماء إشارة للمكان ما ذكرها ابن هشام، ونضيفها لكي يتم الحصر، وهما اسمان "هُنَا" اسم إشارة للمكان، و "ثَــمَّ" اسم إشارة للبعيد.
وعرفنا أنها جميعها مبنية إلا المثنى فإنه معرب إعراب المثنى.
نتكلم على دخول التنبيه عليها: فكلها يدخلها التنبيه، فــ "ها" التنبيه هو حرفٌ يتكوَّن من " هــ ا" إلا أنه في أكثر أسماء الإشارة تُحذف ألفه خطًّا، فتقول في:
ذا: هــذا رجلٌ.
ذي: هــذي.
ذه: هـــذه.
ذانِ: هــذان رجلان.
تانِ: هــتانِ امرأتان، ومنه قوله تعالى: ﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ﴾ [القصص: 32].
أولاء: هــؤلاءِ رجالٌ، هــؤلاء نساءٌ.
ومن ذلك قول طرفة في معلقة:
رَأَيْـتُ بَنِـي غَبْرَاءَ لاَ يُنْكِرُونَنِـي ** وَلاَ أَهْـلُ هَذَاكَ الطِّرَافِ المُمَــدَّدِ
الشاهد "هذاك" والكاف للبُعد -كما سيأتي.
ثم ذكر ابن هشام الكلام على اسم الإشارة للبعيد.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (والبعيدُ بالكاف مجردةً من اللام مطلقًا أو مقرونةً بها، إلا في المثنى مطلقًا وفي الجمع في لغة من مدَّهُ وفيما تقدَّمَتْهُ "هَا" التنبيهِ)}.
إذا كان المشار إليه بعيدًا فإنهم يضيفون كاف البعد إلى اسم الإشارة:
فيقولون في الرجل القريب: ذا رجلٌ.
ويقولون في الرجل البعيد: ذاك رجل.
ويقولون في المرأة القريبة: تِي امرأةٌ.
وفي المرأة البعيدة: تيكَ امرأةٌ.
وفي الرجال القريبين: أولاء رجال.
وفي الرجال البعيدين: أولئك رجالٌ.
قال ابن هشام (والبعيدُ بالكاف مجردةً من اللام مطلقًا)، يعني: أنَّ اسم الإشارة "ذا" وأخواته إذا لم تدخل عليها لام البعد فلك أن تُدخل عليها كاف البُعد مطلقًا، مفردةً، أو مثنَّاة، أو مجموعةً، أو مذكر، أو مؤنث، فتقول:
وفي "ذا": ذاك.
وفي "تي": تيك.
وفي "ذانِ": ذانِكَ، ومنه قوله: ﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ﴾.
وفي "تاَنِ": تانِكَ امرأتان.
وفي "أولاءِ": أولئكَ رجالٌ، وأولئكَ نساءٌ.
قوله: (أو مقرونةً بها)، يعني مقرونة باللام، فلكَ أن تُدخل الكاف واللام وكلاهما يدل على البعد، فتقول في "ذا": ذلك.
وهناك ثلاثة مواضع لا تجتمع اللام فيها مع الكاف، فتأتي بالكاف فقط:
الأول: المثنى مطلقًا، وهو "ذان" للقريب، وتقول في البعيد "ذانك"، ولا تجمع معها اللام ولا تقول "ذانلك"!
الثاني: وفي الجمع في لغة من مدَّهُ: لأن اسم الإشارة للجمع "أولاء" فيه لغتان:
المد: أولاء رجال.
القصر: أُوْلَى رجال.
فعلى لغة مَن مَدَّه لا تجعله للبعيد إلا بالكاف فقط، فتقول: أولئك رجالٌ.
أما على لغة القصر فيجوز فيه -كما سيأتي.
الثالث: فيما تقدَّمَتْهُ "هَا" التنبيهِ. فلو قلتَ "هذا" فلا تأتِ باللام والكاف إذا أردتَّ البعد، وإنما تأتي بالكاف فقط فتقول "هذاكَ" كالبيت:
............ ** وَلاَ أَهْـلُ هَذَاكَ الطِّرَافِ...
إذًا؛ في هذه المواضع الثلاثة إذا كانت الإشارة للبعيد فلا تأتي إلا بالكاف، وما سوى ذلك تأتي بالكاف أو تأتي بالكاف واللام:
- ففي "ذا" تقول: "ذلكَ، ذلك"
- وفي "أُوْلَى" المقصور تقول: "أُوْلَى رجال، أولاك رجال، أولالك رجال"، يجوز ذلك ويجوز ذلك.
هذه ثلاثة أسماء من المعارف انتهينا منها، فيبقى لنا من المعارف التي ذكرها اين هشام ثلاثة أيضًا، نرجئ الكلام عليها إلى الدرس القادم -بإذن الله.
{شيخنا أحسن الله إليك: دلالة الكاف على المعنى هل هي نفسها دلالة اللام والكاف على المعنى؟}
هذا سؤالٌ مهم! كثيرٌ من المتأخرين يُقسِّمون المشار إليه إلى ثلاثة أقسام:
القريب: له "ذا"
البعيد: له "ذاك".
المتوسط: له "ذلك".
وهذا التقسيم -في الحقيقة- ليس عليه دليل في اللغة؛ بل التحقيق في ذلك أنَّ المشار إليه إمَّا:
قريبٌ: وهو الخالي من اللام والكاف.
أو بعيدٌ: وهو الذي فيه الكاف، أو الكاف واللام.
وذلك أن دخول الكاف أو الكاف واللام هما لغتنا للعرب، فبعض العرب يدخلون الكاف، وبعض العرب يُدخلون اللام والكاف.
{شكر الله لكم فضيلة الشيخ ما قدمتم، سائلين الله أن يجعله في موازين حسناتكم.
والشكر موصولٌ لكم أعزائي المشاهدين على طيب المتابعة، وإلى حلقة أخرى من حلقات برنامجكم "البناء العلمي"، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.