الدرس العشرون

معالي الشيخ د. سعد بن ناصر الشثري

إحصائية السلسلة

3606 24
الدرس العشرون

المحرر في الحديث (3)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
أرحبُ بكُم إخواني وأخواتي المُشَاهدين الأَعِزَّاء في حَلقةٍ جَديدةٍ مِن حَلقاتِ البناء العلميِّ، وأُرحبُ بمعالي الشَّيخ الدكتور/ سعد بن ناصر الشثري، فأهلًا وسهلًا بكم معالي الشيخ}.
حيَّاكَ الله، وأهلًا وسهلًا، أرحبُ بِكَ، وأرحبُ بإخواني وأحبَّتي ممَّن يُشاهدون لقاءاتنا ودروسنا، وأسألُ الله -جلَّ وعَلا- أن يرزقهم علمًا نافعًا، وعملًا صالحًا، ونيَّةً خالصة.
{نبدأ في هذا الدَّرس -بإذن الله- من باب "المساقاة والإجارة" من كتاب "المحرر" لابن عبد الهادي.
قال المؤلف -رحمه الله: (بَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْإِجَارَةِ
عَنِ ابْن عُمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَلَ أَهلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَو زَرْعٍ .
وَعَنْهُ: أَنَّ عُمَرَ بنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارى مِنْ أَرْضِ الحِجَازِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَـمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا، وَكَانَتِ الأَرْضُ حِيْنَ ظَهَرَ عَلَيْها للهِ وَلِرَسُولِهِ وَللمُسْلِمينَ، فَأَرَادَ إِخْرَاجَ اليَهُودَ مِنْها، فَسَأَلَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَن يُقِرَّهُم بِهَا عَلَى أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا وَلَهُم نِصْفُ الثَّمَر؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَ» فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلاهُم عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وأَرِيحَاءَ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِمَا، وَلمسْلمٍ: عَنْ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ دَفَعَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وأَرْضَهَا عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِم، وَلِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَطْرُ ثَمَرِهَا.
وَعَنْ حَنْظَلَةَ بنِ قَيسٍ الْأنْصَارِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ رَافِعَ بنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُون عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الماذِيَانَاتِ وأَقْبالِ الجَدَاوِلِ، وَأَشْيَاءَ مِنَ الزَّرْعِ، فَيَهْلِكُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَهْلِكُ هَذَا، فَلمْ يَكُنْ للنَّاسِ كِرَاءٌ إِلَّا هَذَا فَلذَلِكَ زُجِرَ عَنْهُ، فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
وَعَنْ ثَابِتِ بنِ الضَّحَّاكِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهَى عَنِ الْمُزَارَعَةِ، وَأَمَرَ بِالـمُؤَاجَرَةِ، وَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهَ».
وَعَنْ رَافعِ بنِ خَدِيجٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الحَجَّامِ خَبِيثٌ». رَوَاهَا مُسْلمٌ)
}.
نحمدُ الله -جَلَّ وَعَلا- في أوائل هذا اللقاء، وأُصلِّي وأُسلِّم على نبيِّه الكريم.
قول المؤلف: (الْمُسَاقَاةِ)، المراد بها: أن يُسلِّمَ مالكُ الأرض، الذي يملكُ شَجَرًا على تلك الأرض مِنَ النَّخيل وغيرها من الأشجار إلى عاملٍ فيعمَلُ عليها.
والمُغَارَسَة، أن يُسلِّم مالك الأرض أرضه لشخصٍ؛ فيقوم بغرسِ الأشجار فيها من نخيل أو غيره.
وأمَّا المُزَارَعَة: فهو أن يُسلِّمَه أرضًا من أجلِ أن يَزْرَعَهَا بأنواع الزُّروع، كالبُرِّ والشَّعير، ونحو ذلك.
وهذه العقود الثَّلاثة على أنواع:
• النوع الأول: أن يدفع مالك الأرض مالًا للعامل، فهذا عَقد إجارة.
• النوع الثاني: أن يتَّفقا على أن يكون ثمرة جُزءٍ مُعيَّن من الأرض لأحدهما، والآخر له البقيَّة، فهذا قد نهى النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنه.
• النوع الثالث: أن يُسلِّمَه الأرض على أن يعمل فيها، وتكون الثَّمرة -أو الحبوب- فيها مَقسومة بينهما على نِسبةٍ يَرتضونها، فهذه الصُّورة وقع اختلاف فيها بين أهل العلم.
إذن هو إمَّا أن يُسلِّمَ له الأرض على أن يعمل فيها بأجرة، فهذا عقد إجارة جائز.
وإمَّا أن يُسلِّمَ له الأرض على أنَّ له ثمرة جزء معيَّن من الأرض، فهذا ممنوع منه.
وإمَّا أن يكون له جزء مُشاع من كامل الثَّمرة، كما لو قال: ازرع الأرض أو ساقي الأرض ولك ربعُ الخارج منها، بدون تحديد جزء معيَّن من الأرض، فهذا وقع اختلاف فيه -كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وأورد المؤلف في هذا حديث ابن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- (أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَلَ أَهلَ خَيْبَرَ)، أي: عاقد أهل خيبر على أن يعملوا في النَّخيل.
قال: (بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَ)، أي: بشطرِ ما يخرج من الأرض، أو من الشَّجر، أو من الحبوب.
قال: (مِنْ ثَمَرٍ أَو زَرْعٍ).
قوله: (مِنْ ثَمَرٍ) هذا مُساقاة، وفي قوله: (أَو زَرْعٍ) هذا عقد مُزارعة.
أمَّا بالنِّسبة لعقد المساقاة فجماهير أهل العلم يُجيزونه بنسبةٍ مُشاعة من الثَّمر.
وأمَّا بالنِّسبة للمُزارعة فإنَّ عقد المزارعة إذا كان على جزء مُشاع من الحبوب فهذا قد منعه طائفة من أهل العلم، وهو رأي الجمهور. وفي مذهب الإمام أحمد جوازه.
وهناك مَن قال: إنَّه يجوز في المزارعة أن تكون تبعًا، ولا يجوز أن تكون على جهةِ الاستقلال، وكان ممَّا استدلوا به هذا الخبر، قال: (بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ)، هذا مُساقاة (أَو زَرْعٍ)؟، هذا مُزارعة.
فالشَّافعي قال: يجوز في المزارعة أن تكون تبعًا؛ لأنَّها في الخبر هنا أصبحت تبعًا.
وقال أحمد: يجوز أن تكون مُزارعة على جهة الاستقلال.
فقالوا: إنَّ هذا الدليل يدلُّ على الجواز، والحديث متَّفق عليه.
ثُمَّ أورد المؤلف من حديث ابن عمر عن أبيه عمر: (أَنَّ عُمَرَ بنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارى)، تعرفون أنَّ اليهود كانوا في المدينة، فأجلالهم النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى خيبر، فلمَّا جاء عمر أجلى اليهود والنَّصارى مِنْ أَرْضِ الحِجَازِ، واستدلَّ على ذلك وقال: (وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَـمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا، وَكَانَتِ الأَرْضُ حِيْنَ ظَهَرَ عَلَيْها للهِ وَلِرَسُولِهِ وَللمُسْلِمينَ)، يعني: أنَّهم لم يكونوا يملكون الأرض.
قوله: (فَأَرَادَ إِخْرَاجَ اليَهُودَ مِنْه)؛ لأنَّهم لا يملكونها.
قال: (فَسَأَلَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، أي: طلبوا منه (أَن يُقِرَّهُم بِهَ)، أي: يُبقيهم في ذلك المكان، بشرط أن يقوموا بأداء أعمالها كاملة، ويكون لهم نصف الثَّمر، وللنَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نصف ثمرتها، فهذا عَقد مُساقاة، وفيه أيضًا عقد مُزارعة.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نُقِرُّكُمْ»، أي: نُثبتكم ونُجيز لكم البَقاء في الأرض.
قوله: «عَلَى ذَلِكَ»، أي: على أن تأخذوا نصف ثمرتها مقابل أن تؤدوا العمل في مُساقاته وزراعتها.
وقوله: «نُقِرُّكُمْ»، يعني: بهذا العقد «عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَ»، يعني: أيَّ وقتِ نريد إخراجكم تخرجون.
واستُدِلَّ بهذا على جواز تعليق العقد المؤقَّت على المشيئة كما قال بذلك طائفة خلافًا للجماهير.
قال: (فَقَرُّوا بِهَ)، أي: اُبقوا في خيبر.
قال: (حَتَّى أَجْلاهُم عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وأَرِيحَاءَ)؛ لأنَّ خيبر من جزيرة العرب.
وفي لفظٍ أنَّ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَفَعَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وأَرْضَهَا عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِم)، يعني: البَذْرَ وآلة الحراثة والسَّقي ونحو ذلك تكون من أموال العامر.
قال: (وَلِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَطْرُ ثَمَرِهَ)، هكذا كان اتِّفاقهم، وفيه دلالة على أنَّه يجوز أن تكون البذور في عَقد المُساقاة من قِبَل العَامِل، كما هو فِعل النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثُمَّ أورد المؤلف من حديث حَنْظَلَةَ بنِ قَيسٍ الْأنْصَارِيِّ قَالَ: (سَأَلْتُ رَافِعَ بنَ خَدِيجٍ)، وكان من عُلماء الصَّحابة
قال: (عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؟)، هذا عَقد إجارة.
فَقَالَ: (لَا بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُون عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الماذِيَانَاتِ)، أي: على ما نبت في أطراف النَّهرِ.
قال: (وأَقْبالِ الجَدَاوِلِ)، يعني: المكان الصغير الذي يُقبل فيه النَّهر أو الماء.
قال: (وَأَشْيَاءَ مِنَ الزَّرْعِ)، يعني: أماكن محدَّدة للزرع، الشَّمالي أو الجنوبي...، فربما هلك مِلك الأوَّل وبقيَ مِلك الثاني، هلكَ مِلك صاحب الأرض وبقيَ مِلك العامل، أو العكس.
قال: (فَيَهْلِكُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَهْلِكُ هَذَا، فَلمْ يَكُنْ للنَّاسِ كِرَاءٌ إِلَّا هَذَ)، يعني: لم يكن لهم في الزمان الأول كراء إلا هذا.
قال: (فَلذَلِكَ زُجِرَ عَنْهُ)، زَجَرَ عنه النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنَّه قد يهلك مِلك أحدهما دون الآخر.
قال: (فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ)، أي: إذا دفع له الأرض على أن يقوم بأخذ ثمرتها ونحو ذلك؛ فهذا شيء مَعلوم مَضمون، وبالتَّالي لا بأس به.
ثُمَّ أورد من حديث ثَابِتِ بنِ الضَّحَّاكِ: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهَى عَنِ الْمُزَارَعَةِ)، والْمُزَارَعَةِ: عقد بتسليم أرض المالك إلى عامل يقوم بزراعتها.
قال: (وَأَمَرَ بِالـمُؤَاجَرَةِ، وَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهَ»)، إن كان عقد أجرة فهذا واضح المعالم، أنبتت أم لم تُنبت، أمَّا إن كان مُزارعة فالمزارعة على ثلاثة أنواع:
• النوع الأول: بثمنٍ معيَّنٍ معلوم، يقول: ازرع أرضي ولك مبلغ كذا، فهذا عقد إجارة وهو جائز ولا حرج فيه.
• النوع الثاني: أن يُؤاجره على ثمرة جزءٍ من الأرض مُعيَّن، كما لو قال: النِّصف الشَّمالي ثمرته لك، والنِّصف الجنوبي ثمرته لي، فهذا زَجَرَ عنه النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما فيه من الجهالة والغرر.
قال: (فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ)، يعني: إذا كان كراء الأرض على شيءٍ مَعروف القيمة ومضمون؛ فحينئذٍ لا بأس به.
قال: (وَأَمَرَ بِالـمُؤَاجَرَةِ)، يَستأجر الأرض ليزرعها ونحو ذلك. وَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهَ»
{(وَعَنْ رَافعِ بنِ خَدِيجٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الحَجَّامِ خَبِيثٌ». رَوَاهَا مُسْلمٌ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ، وَلَو كَانَ حَرَامًا لمْ يُعْطِهِ .
وَعَنْهُ: أَنَّ نَفَرَاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرُّوا بِمَاءٍ فِيْهِم لَدِيغٌ -أَو سَلِيمٌ- فَعَرَضَ لَهُم رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الـمَاءِ فَقَالَ: هَل فِيكُم مِنْ رَاقٍ؟ فَإِنَّ فِي الماءِ رَجُلاً لَدِيغَاً -أَو سَلِيمَاً- فَانْطَلقَ رَجُلٌ مِنْهُم، فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الكِتابِ عَلَى شَاءٍ فَبَرَأَ فجَاءَ بالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللهِ أَجْرَاً؟ حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللهِ أَجْرَاً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُم عَلَيْهِ أَجْرَاً: كِتَابُ اللهِ».
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ثَلَاثَةٌ أَنا خَصْمُهُم يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرَّاً فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيْرَاً فَاسْتَوفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ».
وَعَنْهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: نهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ كَسْبِ الْإِمَاءِ. رَوَاهَا البُخَارِيُّ)
}.
أورد المؤلف هنا عددًا من الأحاديث المتعلقة ببعض المِهَن وأخذِ الأجرة عليها.
فمن ذلك: أخذ الأجرة على الكلب، فقد أورد المؤلف من حديث رَافعِ بنِ خَدِيجٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ»، ولذا رأى طوائف من أهل العلم أنَّ بيع الكلب حَرام، وهو مَذهب الجماهير، وبعضهم استثنى من ذلك الكلب المعلَّم الذي يُراد للصيد، كما هو مذهب مالك.
قال: «وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيث»، المراد بالبغي: المرأة الزَّانية. ومهرها: هو ما يُعطى لها من أجل الزِّنا بِها.
قوله: «خَبِيث»؛ لأنَّه مالٌ محرَّمٌ لا يجوز.
وسمَّاه مَهرًا مُجاراة للنَّاس في التَّسمية، وإِلَّا فهو مال سُحتٍ خبيث.
قال: «وَكَسْبُ الحَجَّامِ خَبِيثٌ»، أي: ما يُعطاه الحجَّام من المال نظير حجامته فهو خبيث، قيل في سبب ذلك أشياء مُتعدِّدة، ولكن هذا دليل على أنَّ مهنة الحجامة ليس مَرغوبًا فيها، وإن كانت جائزة بدلالة ما ورد في حديث ابن عباس أنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (احْتَجَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ)، قالوا: (وَلَو كَانَ حَرَامًا لمْ يُعْطِهِ).
وفي هذا دلالة امتهان مِهنة الحجامة وجواز أخذ الأجرة عليها.
ثُمَّ أورد المؤلف من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: (أَنَّ نَفَرَاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرُّوا بِمَاءٍ)، أي: ببئر فيه ماء.
قال: (فِيْهِم لَدِيغٌ -أَو سَلِيمٌ)، العرب تُطلق على اللديغ لفظة "سليم" من باب التَّفاؤل.
قال: (فَعَرَضَ لَهُم رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الـمَاءِ)، أي: أوقفهم يسألهم، وعرفوا أنَّه من أهل الماء من هيئته وثيابه.
فَقَالَ: (هَل فِيكُم مِنْ رَاقٍ؟)، أي: هل تعرفون الرُّقية؟ وهل فيكم رجل يستعملُ الرُّقية لإزالة المرض؟.
قال: (فَإِنَّ فِي الماءِ رَجُلاً لَدِيغَ)، أي: لدغته عَقرب أو حيَّة، وبعض العَرب يُسميه "سليمًا" من باب التَّفاؤل.
قال: (فَانْطَلقَ رَجُلٌ مِنْهُم)، رجلٌ من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ذلك الرُّجل اللديغ، فبدأ يقرأ بفاتحة الكتاب -سورة الفاتحة- ولكنَّه اشترط عليهم أن يدفعوا له شياهً، وذلك أنَّ هؤلاء النَّفر لم يقوموا بضيافتهم، وبالتَّالي احتاجوا إلى أن يأخذوا مِنهم أجرة.
قال: (فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الكِتابِ عَلَى شَاءٍ فَبَرَ)، أي: أعطوه الشِّياة التي طلبوها، وفي هذا دلالة على جواز أخذ الأجرة على الرُّقية، وأنَّه لا حرج فيه.
قال: (فجَاءَ بالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ)، ذهب وقرأ على المريض لأنَّه لديغ، فبرأ، فأعطوه شاة من شياههم أو مجموعة شياه، فكأنَّهم تحرَّجوا من هذا.
قالوا: أنت الآن أخذت هذه الأجرة على القراءة بكتاب الله -سُبْحَانَه وَتَعَالَى- فانت أخذت على كتاب الله أجرًا، وبقي معهم هذا الجدال حتى وصلوا إلى المدينة، فذهبوا للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: يا رسول الله، هذا الرجل قرأ فأخذ على كتاب الله أجرًا، فقال النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُم عَلَيْهِ أَجْرَاً: كِتَابُ اللهِ». فيه دلالة على جواز أخذ الجُعل على القِ راءة على المريض، وأنَّه لا حرج في ذلك، كما قال أكثر أهل العلم خلافًا للإمام أحمد وجماعة.
ثُمَّ أورد من حديث أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ثَلَاثَةٌ أَنا خَصْمُهُم يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ»، أي: أعطى أمانًا أو عَهدًا أو عَقدًا بالله -عَزَّ وَجَلَّ- ثُمَّ غَدَرَ فلم يُتمِّم العقد.
والثَّاني: «وَرَجُلٌ بَاعَ حُرَّاً فَأَكَلَ ثَمَنَهُ»، باع حُرًّا فقام بأخذِ ثمنه فأكله.
والثَّالث: «وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيْرَاً فَاسْتَوفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ»، أي: استوفى منه العمل، ولم يُعطه أَجره.
ففي هذا الحديث عدم جواز العمل بمثل هذه الأعمال، ومنها: أكل ثمن الأحرار، وعدم إعطاء الأجير حقَّه في الأجرة.
ثُمَّ روى البُخاري أيضًا من حديثه -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: (نهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ كَسْبِ الْإِمَاءِ).
المراد بكسب الإماء:
 قال طائفة: المراد ما يُعطى لها مِن أُجرةٍ على الزِّنا.
وذلك أنَّ الإماء لا يجوز وطؤها إلا بعقدِ نكاح أو عقد شراء، وهذا الخبر ليس على ظاهره، فإنَّ المرأة من الإماء قد تعمل من أجل أن تتمكَّن من الصَّدقة، ولذا قال جماهير أهل العلم: إنَّ المراد بذلك هو كسب الزِّنا.
 وقال آخرون: إنَّ المراد به أن يقوم بجعل هذه المرأة تعمل بأي عمل وبالتَّالي تُخالط الآخرين، ومن ثَمَّ قد يحصل فساد بسبب مخالطة المرأة.

{قال -رحمه الله: (بَابُ الْعَارِيَّةِ والوَدِيْعَةِ
عَنْ صَفْوَانَ بنِ يَعْلَى بنِ أُميَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذا أَتَتْكَ رُسُلِي فَأَعْطِهِم ثَلَاثِينَ دِرْعَاً وَثَلَاثِينَ مِغْفَر» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ، أَو عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ؟ قَالَ: «بَلْ عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ». رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ -وَهَذَا لَفْظُهُ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَقَدْ أُعِلَّ.
وَعَنِ الْحسنِ، عَنْ سَمُرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ». رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ.
وَفِي لفْظِ بَعْضِهِم، قَالَ قَتَادَةَ: ثُمَّ نَسِيَ الْـحَسَنُ فَقَالَ: هُوَ أَمِيْنُكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ -وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَالْحَاكِمُ -وَقَالَ: «عَلَى شَرْطِ مُسْلمٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ))
}.
قوله هنا: (بَابُ الْعَارِيَّةِ).
المراد بالعَاريَّة: إعطاء المتاع لمن ينتفع به فيردَّه. إذن الردُّ هنا لِعَين المال، وليس لمالٍ آخر، وفيه استعمال الْعَارِيَّة، وهو يُخالف القَرض؛ لأنَّه يردُّ بدلَه، ولكن هنا يُرد عَين الْعَارِيَّة.
أما الوديعة: فهي حفظ المال بدون أن يستعمل ذلك المال في شيءٍ.
أوردَ المؤلف حديث صَفْوَانَ بنِ يَعْلَى بنِ أُميَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: (قَالَ لي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذا أَتَتْكَ رُسُلِي فَأَعْطِهِم ثَلَاثِينَ دِرْعَاً وَثَلَاثِينَ مِغْفَر»)، هذه العطيَّة عطيَّة مُؤقَّتة.
يبقى عندنا سؤال، وهو: لو تَلِفَت هذه الأدرع أو المغافر، فماذا يفعل؟ هل يجب على المستعير الضَّمان أو لا يجب عليه الضَّمان؟
ولذا سأل الصَّحابة النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: (يَا رَسُولَ اللهِ، أَعَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ)، بحيث يردها لنا ولو حصل فيها شيء من التَّلف فإنَّه يضمنه (أَو عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ؟)، يعني: يقومون بإرجاع ما بقي من المال، وما تلف فعلى تلفه؟
فقال النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ».
وهذا الخبر قد وقع فيه الاختلاف، فكثيرٌ من أهل العِلم يذكرون أنَّه مُرسَل وليس مُتصلًا إلى النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد ورد فيه اضطرابٌ وجهالة، ولذلك رأى جماهير أهل العلم أنَّ هذا الخبر لم يثبت عن النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إذن الخلاف هُنا في الْعَارِيَّة، لو أَتْلَفَ الْعَارِيَّة بتعدٍّ أو بتفريطٍ في الحفظ؛ فإنَّ المستعير يجب عليه ضمانه بالاتفاق، ولكن لو تلفت بالاستعمال المعتاد، فإذا قال مثلًا: أعطني آلاتك نَصُبُّ بها الشَّاي لضوفينا -فهذه عارية- فلمَّا جاء يَصبُّ تكسَّرت الآلات بلا تَفريطٍ ولا تَعتدٍّ؛ فحينئذٍ هل يجب عليه الضَّمان؟
هذا من مواطن الخلاف، وهذا الحديث عليه المعوَّل في هذا الباب.
قال: «إِذا أَتَتْكَ رُسُلِي فَأَعْطِهِم ثَلَاثِينَ دِرْعَاً وَثَلَاثِينَ مِغْفَر»، هذه من أنواع السلاح.
قوله: (يَا رَسُولَ اللهِ، أَعَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ)، لو تلفت بدون تفريطٍ ولا تعتدٍّ هل أضمَن؟
قوله: (أَو عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ؟)، أي: مطلوب أن تؤدَّى، وبالتَّالي المرء مُستأمنٌ عليها، ومن ثَمَّ لو تلفت نظرنا؛ فإن كانت بتفريطٍ أو تعدٍّ وجب الضَّمان، وإِلَّا لم يجب الضَّمانُ بذلك.
وقد ذكر المؤلف أنَّ هذا الخبر قد رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَقَدْ أُعِلَّ، وذلك أنَّ بعض رواته رواه مرسلاً بدونِ ذكرِ الصَّحابي.
ثُمَّ أورد المؤلف من حديث الْحسنِ، عَنْ سَمُرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ورواية الحسن عن سمُرة كثير من أهل العلم رأى أنَّه لم يسمع منه إلا حديثًا أو حديثين.
قال: (عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ»)، هذا الحديث يدل على وُجوب ردِّ الودائع، ورد السِّلَع، وظاهره أنَّه مَن أتلفَ مال غيره وجبَ عليه أن يضمنه، لقوله: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ»، تؤديه بنفسه أو تؤديه بمثله.
وتقدَّم معنا أنَّ هذا الخبر تُكلِّمَ في إسناده؛ لأنَّ الحسن لم يسمع مِن سَمُرَة إِلَّا أحاديث، وليس هذا منها.
هل يضمن المستعير؟
بحثُ هذه المسألة إذا لم يكن هناك تفريطٍ ولا تعدٍّ، فإذا كان هناك تفريطٍ أو تعدٍّ وجبَ عليه الضَّمان باتِّفاقٍ، أمَّا إذا استعملها استعمالًا مُعتادًا فتلفت؛ فحينئذٍ ما الحكم؟ هل يجب الضَّمان أو لا يجب؟
قال الشَّافعي وأحمد: يجب عليه الضَّمان.
وقال الإمام أبو حنيفة: لا يجب عليه الضَّمان.
واستدلَّ الشَّافعي وأحمد بحديث الباب «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ»، وممَّا تأخذُ الْعَارِيَّة، فيجب عليه ردُّها وضمانها متى تلفت.
ثُمَّ أورد المؤلف من حديث أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ»، في هذا وجوب ردّ الْعَارِيَّة، وظاهره أنَّها لو تلفت بالاستعمال المُعتاد، وقد تقدَّم البحث والخلاف في هذه المسألة.
أسأل الله -جل وعلا- أن يُوفقنا وإيَّاكم لكل خيرٍ، وأن يجعلنا وإيَّاكم مِنَ الهُداةِ المهتدين. هذا والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

{وفي الختام نشكُركم معالي الشَّيخ على ما تقدِّمونه، أسألُ اللهَ أن يجعلَ ذلكَ في مَوازينِ حسناتِكم.
هذه تحيَّةٌ عَطِرَةٌ مِن فريقِ البرنامج، ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر، إلى أن نلقاكُم في حلقةٍ قادمةٍ، إلى ذلكم الحين نَستودعكم الله الذي لا تَضيع ودائعه، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك