بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله بركاته.
أُرَحِب بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأَعِزَّاءِ في حلقةٍ جديدةٍ مِن حلقاتِ
البناء العلمي، وأرحب بمعالي الشيخ الدكتور/ سعد بن ناصر الشثري، فأهلًا وسهلًا بكم
معالي الشيخ}.
الله يبارك فيك، حيَّاك الله، وَحَيَّا الله إخواني المُشاهدين، وأسأل الله -جلَّ
وعَلا- التوفيق لخيري الدُّنيا والآخرة.
{نشرع في هذه الحلقة -بإذن الله- من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما، قال المؤلف:
(وَعَنِ ابْنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ الله -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ ولِلرَّاجِلِ
سَهْمًا. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لفظُ البُخَارِيِّ.
وَفِي لَفظٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- أَسْهَمَ
لِرَجُلٍ وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ.
رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد -وَهَذَا لَفظُهُ)}.
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أفضلِ الأنبياءِ
والمُرسلين.
الأموالُ التي تَرِدُ على المُسلمين على أنواع، منها أموال الغنائم، وهي التي
يأخذها المسلمون مِن العَدو في الحرب، والغنائم يُعطى السَّلَبُ فيها لصاحبه -كما
تقدم- والباقي بعد ذلك يُقسَّم خمسة أقسام:
- خُمُسُه يُعطى لمن ذَكَرَهُم الله -جلَّ وعَلا- في قوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا
غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ
وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الأنفال:41]. فَيُقَسَّم
بينهم خَمْسَةَ أقسام.
-والأربعة الأخماس الباقية تُقسم بين الغانمين، مَن كان من غير أهل الجهاد رُضخَ له
وأُعطي، ومن كان من أهل الجهاد أعطوا الباقي بحيث يُقسم بينهم بحسب أعدادهم، فمثلًا
إِذا كان الجيش ألفًا والغنيمة عشرة آلاف، فتقسم العشرة آلاف على الألف، فيكون لكل
واحدٍ منهم عَشَرَة.
هذا إذا كانوا جميعًا راجِلِين، أمَّا إذا كان بعضهم له فرس يُقاتل عليه، فلا شَكَّ
أنَّ الفَارس أَكثرُ بأسًا مِن غيره، وأَكثرُ نكاية للعدو، ولذلك فإنَّ الفَارس
يُعطى زيادة.
وقد اختلف العلماء فيما يُعطاه الفارس:
فالجمهور يَقولون: يُعطى ثلاثة أسهم، (سهمٌ له، وسهمان لفرسه).
والإمام أبو حنيفة قال: إنما يُعطى سهمين فقط.
وكان من أدلة هذه المسألة حديث ابن عمر هذا، قال: (قَسَمَ رَسُولُ الله -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- يَوْمَ خَيْبَرَ)، وهو يوم فتح خيبر في السَّنَة
السَّابعة للهجرة، والمراد: قَسَمَ الغَنَائِم.
قال: (لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ ولِلرَّاجِلِ سَهْمً)، فقال أبو حنيفة: نَصَّ على
أنَّ للفرس سَهمين، يعني: لها ولصاحبها، وللراجِلِ -الذي يُقاتل على رِجْليه- سهم
واحد.
ولكن الجمهور قالوا: المراد هنا: ثلاثة أسهم، للفرس سهمين، وللفارس سهمٌ ثالث.
واستدلوا بما ورد عند أبي داود وأحمد (أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وِسَلَّمَ- أَسْهَمَ لِرَجُلٍ وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمًا لَهُ
وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ).
{(وَعَنْ أَبي الجُوَيْرِيةِ الْجَرْمِيِّ قَالَ: أَصَبْتُ بِأَرْضِ الرُّومِ
جَرَّةً حَمْرَاءَ فِيهَا دَنَانِيرُ -فِي إِمْرَةِ مُعَاوِيَةَ- وَعَلينا رَجُلٌ
مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ
يُقَال لَهُ : مَعْنُ بنُ يَزِيدَ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَسَمَهَا بَينَ
الْمُسْلِمينَ وَأَعْطَانِي مِثْلَ مَا أَعْطى رَجُلًا مِنْهُم، ثُمَّ قَالَ:
لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- يَقُولُ:
«لَا نَفْلَ إِلَّا بَعْدَ الْخُمُسِ»، لأَعْطَيْتُكَ، ثُمَّ أَخَذَ يَعْرِضُ
عَليَّ مِنْ نَصِيبِهِ فَأَبَيْتُ. رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ
صَحِيحٍ)}.
قول أبي الجويرية هنا -رضي الله عنه: (أَصَبْتُ بِأَرْضِ الرُّومِ)، المراد به
الشَّام هُنا.
قال: (جَرَّةً حَمْرَاءَ)، الجرة: إناء يُصنع من الفخار والطين.
وقوله: (حَمْرَاءَ)، أي: مصبوغة بهذا اللون.
قال: (فِيهَا دَنَانِيرُ)، الدنانير من الذهب، أي: النقود الذهبية، وذلك فِي
إِمْرَةِ مُعَاوِيَةَ، ومعاوية تأمَّر في سَنةِ أربعين إلى سَنَةِ ستين.
قال: (وَعَلينا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وِسَلَّمَ)، أي: كان قائدهم وأميرهم (مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ)، قبيلة من قبائل العرب.
يُقَال لَهُ : مَعْنُ بنُ يَزِيد.
قال: (فَأَتَيْتُهُ بِهَ)، أي: بهذه الجَرَّةً.
قوله: (فَقَسَمَهَا بَينَ الْمُسْلِمينَ)، وفيه أنَّ كل ما يوجد مِن الكنوز
والخزائن في الطريق للغزو له أحكام الغنيمة.
قال: (وَأَعْطَانِي منها مِثْلَ مَا أَعْطى رَجُلًا مِنْهُم)، أي: لم يفضله عليهم
بشيء.
ثُمَّ قَالَ: (لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وِسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَا نَفَلَ»)، يعني: لا عطية زائدة «إِلَّا بَعْدَ
الْخُمُسِ»، فيؤخذ الخمس أولًا، ثُمَّ بعد ذلك تكون الزيادات.
قال: (لأَعْطَيْتُكَ)، ثُمَّ أراد أن يُطَيِّبَ نفسه، قال: (ثُمَّ أَخَذَ يَعْرِضُ
عَليَّ مِنْ نَصِيبِهِ فَأَبَيْتُ)، أي: رفضت أن آخذ ما أعطاني مِن نصيبه.
{(وَعَنِ ابْنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- كَانَ يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنَ السَّرَايَا
لأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً سِوَى قَسْمِ عَامَّةِ الْجَيْشِ. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ، زَادَ
مُسْلمٌ: وَالْخُمْسُ فِي ذَلِك وَاجِبٌ كُلُّهُ)}.
قوله: (كَانَ يُنَفِّلُ)، أي: كان يُعطِينَا زيادةً على مِقْدَار الغَنِيمَة.
قال: (بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنَ السَّرَايَ)؛ لأنَّ الجيش له مُهمة، لكن تكون
هناك مَهام جانبية فيرسل لها سَرية، فينفلهم -أي: يعطيهم نافلة- ثُمَّ يرد باقي
غنيمتهم إلى الغنيمة التي للجيش العام، فهذا فيه دلالة على مشروعية النَّفَل، وهو
إعطاء السَّرايا التي تقوم بهام خاصة شيئًا مِن الغنيمة الناتجة مِن فعلهم.
{(وَعَنْ حَبيبِ بنِ مَسْلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: شَهِدتُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- نَفَّلَ الرُّبعَ فِي البَدْأَةِ، وَالثُّلُثَ
فِي الرَّجْعَةِ. رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد -وَهَذَا لَفظُهُ- وَابْنُ ماجَهْ
وَابْنُ حِبَّانَ، وَتكلَّمَ فِيهِ ابْنُ الْقَطَّانِ)}.
كلام ابن الْقَطَّانِ بسبب أنَّه من رواية زياد بن جَارية عن حبيب بن مَسلمَة،
وزياد بن جارية تُكلم فيه، وقد قال عنه بعض أهل الحديث بأنه مجهول، وإن كان أكثر
أهل الحديث على أنَّه صدوق، قد روى عنه جماعة ووثقه النَّسائي، وبالتَّالي لا
يَصِحُّ تضعيف هذا الخبر.
قال حبيب: (شَهِدتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- نَفَّلَ)، أي:
أَعْطَى زيادةً عَن الغنيمة.
قال: (الرُّبعَ فِي البَدْأَةِ)، أي: وهم ذاهبون إلى لقاء العدو إذا وُكِّلَت سرية
بمهمَّة فإنهم يُعطون ربع غنيمتهم هم، وترد ثلاثة الأرباع الباقية للجيش.
وأمَّا إذا كانوا راجعين، فتعطى السَّرية الثُّلُث.
لماذا فضل؟
لأنه في بداية القتال والذهاب إليه تكون النفوس مُتشوقة للقتال وراغبة فيه، بخلاف
ما إذا كان الأمر عند رجعتها فإنَّ النُّفوس حينئذٍ قد سئمت، وبالتَّالي تطلب أن
تصل قريبًا؛ ولذلك كان يَزيد لهم، فَيُعطِي السَّرايا التي تقوم بمهام خاصة لم
يَقُم بها بقية الجيش فيزيدهم، وَيُعطيهم ثُلُث الحاصل مِن الغنيمة التي أخذوها.
{(وَعَنِ ابْنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: كُنَّا نُصِيْبُ فِي
مَغَازِينَا العَسَلَ وَالْعِنَبَ، فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ)}.
قول ابن عمر: (كُنَّا نُصِيْبُ)، أي: نأخذ ونَجِد (فِي مَغَازِينَا العَسَلَ
وَالْعِنَبَ)، وهذه من أنواع المآكل.
قال: (فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ)، أي: لا نقوم بإخبار مَن يقوم على بيت المال
وعلى الغنيمة به، وذلك لأنهم يُجيزون الأكل مِن أكل العدو في أرض المعركة بدون أن
يُرَدَّ إلى المغانم.
{(وَعَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدًا لِابْنِ عُمَرَ أَبَقَ فَلَحِقَ بِالرُّومِ،
فَظَهَرَ عَلَيْهِ خَالِدُ بنُ الْوَلِيدِ، فَرَدَّهُ عَلَى عَبدِ اللهِ، وَإِنَّ
فَرَسًا لابنِ عُمَرَ عَارَ فَلَحِقَ بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ فَرَدَّوهُ
عَلى عَبدِ اللهِ. رَوَاهُمَا البُخَارِيُّ)}.
هنا مسألة، وهي: ما إذا استولى الكفار على بعض أموال المسلمين، فبالتالي هل
يملكونها وَتَنْتَقِل مِن مِلكِ الأول، بحيث إذا غَنِمَها جيش تكون ضمن الغنيمة؟
أو نقول: إنَّ العدو لا يملكها، وبالتَّالي نُعيد هذه السِّلع إلى مَالكها الأول؟
مثلًا: غنموا معرض سيارات، فلمَّا جاء بعد مدة قاتلهم المسلمون فأخذوا هذه
السيارات، فهل تعود إلى صاحبها الأول، أو نقول: إنها من نصيب الغانمين؟
ظاهر هذا الخبر أَنَّها تُردُّ على صاحبها الأول.
قال: (وعَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدًا لِابْنِ عُمَرَ أَبَقَ)، أي: هرب.
قال: (فَلَحِقَ بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ خَالِدُ بنُ الْوَلِيدِ، فَرَدَّهُ
عَلَى عَبدِ اللهِ)، رَدَّه على عبد الله بن عمر.
قال: (وَإِنَّ فَرَسًا لابنِ عُمَرَ عَارَ فَلَحِقَ بِالرُّومِ)، عار: يعني هرب مِن
العُريِّ.
قال: (فَظَهَرَ عَلَيْهِ فَرَدَّوهُ عَلى عَبدِ اللهِ)، وفيه أنَّ العدو لا يَملك
مَا يَستولي عليه من أموال المُسلمين.
{(وَعَنْ عُمرَ بنِ الْخطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- يَقُول: «لأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى
مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ إِلَّا مُسْلِمً»)}.
قوله: «لأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى»، فيه مشروعية إخراجهم مِن جَزيرة
العَرب.
وقوله: «حَتَّى لَا أَدَعَ»، يعني: حتى لا أَدَعَ في جزيرة العرب إِلَّا مُسْلِمًا،
وذلك أنَّ هذه البلاد مَوئِل الإسلام وَمَرْجِعُه.
{(وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- قَالَ: «أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوها فَأَقَمْتُم فِيهَا
فَسَهْمُكُمْ فِيهَا، وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ
خُمُسَهَا للهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُم» رواهما مسلم)}.
قوله: «أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوها فَأَقَمْتُم فِيهَ»، فيه جَواز سُكنى
القُرى، ولو كانت على غير على الإسلام.
قال: «فَسَهْمُكُمْ فِيهَ»، أي: نثبت لكم نصيبكم من سهمان تلك المعركة.
قال: «وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ»، بالتالي هذه تُقاتَل.
قال: «فَإِنَّ خُمُسَهَا للهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُم»، وفي هذا احتجاج
لمن يرى أنَّ مُقاتلة العدو من أجل كفرهم.
{(وَعَنْ عُمرَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ
مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ
بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَكَانَتْ للنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ-
خَاصَّةً، فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ، وَمَا بَقِيَ
يَجْعَلُهُ فِي الكُراَعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللهِ. مُتَّفقٌ
عَلَيْهِ)}.
هذا الحديث قال فيه: (كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ)، بنو النضير: قبيلة من
قبائلِ اليهود، وغدروا بالنَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- ولم يَفوا
بالاتفاقية التي بينهم وبينه، فأَجْلاهم مِن المدينة.
قال ابن عمر: (كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى
رَسُولِهِ مِمَّا لمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ)،
يَسَّرَها اللهُ لهم ومَلَكُوها بدون تعب ولا مشقة ولا قتال.
قال: (فَكَانَتْ للنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- خَاصَّةً، فَكَانَ
يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ)، في هذا جواز ادخار النَّفقات لسنة
كاملة.
قال: (وَمَا بَقِيَ يَجْعَلُهُ فِي الكُراَعِ وَالسِّلَاحِ)، المراد بالكراع: الخيل
والإبل المُعَدَّة للركوب.
{(وَعنْهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ
لَوْلَا أَنْ أَترُكَ آخِرَ النَّاس بَـبَّانًا لَيْسَ لَهُم شَيْءٌ، مَا فُتِحَتْ
عَليَّ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- خَيْبَرَ، لِكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُم
يَقْتَسِمُونَها. رَوَاهُ البُخَارِيُّ)}.
قوله: (أَمَا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ)، هذا قسَمٌ بفعل من أفعال الله.
قال: (لَوْلَا أَنْ أَترُكَ آخِرَ النَّاس بَـبَّانً)، يعني: كلهم على وسيلة واحدة
وعلى طبقة واحدة.
قال: (لَيْسَ لَهُم شَيْءٌ، مَا فُتِحَتْ عَليَّ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا كَمَا
قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- خَيْبَرَ، لِكِنِّي
أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُم يَقْتَسِمُونَه).
{(وَعَنْ مُعَاذٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: غَزَوْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- خَيْبَرَ، فَأَصَبْنَا فِيهَا غَنَمًا فَقَسمَ
فِينَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- طَائِفَةً، وَجَعَلَ
بَقِيَّتَهَا فِي الْمَغْنَمِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَرِجَالُه ثِقَاتٌ، قَالَهُ
ابْنُ الْقَطَّانِ)}.
هذا الحديث حديث حسن الإسناد، وفي أحد رُواته من اتُّهم بالجهالة.
قال: (غَزَوْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- خَيْبَرَ)،
غزوة خيبر كانت في السَّنَةِ السَّابِعَة.
قال: (فَأَصَبْنَا فِيهَا غَنَمًا فَقَسمَ فِينَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- طَائِفَةً، وَجَعَلَ بَقِيَّتَهَا فِي الْمَغْنَمِ)، إذن هم
أصابوا غنم في المغنم، فبعضها نفَّلها لهم، وبعضها ردَّها إلى خُمُس الغنيمة.
{(وَعَنْ أَبي رَافعٍ قَالَ: بَعَثَتْني قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- فَلَمَّا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وِسَلَّمَ- وَقَعَ فِي قَلْبِي الْإِسْلَامُ فَقلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَا
أَرْجِعُ إِلَيْهِم، قَالَ: «إِنِّي لَا أَخِيسُ بالعَهْدِ، وَلَا أَحْبِسُ
الْبُرُدَ، ارْجِعْ إِلَيْهِم، فَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِكَ الَّذِي فِيهِ الْآن
فَارْجِعْ». رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ
البُسْتيُّ)}.
قال: (بَعَثَتْني قُرَيْشٌ)، يعني: في أَمْرِ الصُّلْحِ بينهم وبينه.
قال: (فَلَمَّا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- وَقَعَ فِي
قَلْبِي الْإِسْلَامُ)، ممَّا رأى مِن مَهَابَةِ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وِسَلَّمَ- وصفاتِه.
قال: (فَقلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِم)، هُم أَوفَدُوه ليصالحه،
فأسلم، فاستّئذن النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- في أن يبقى.
قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ: «إِنِّي لَا أَخِيسُ بالعَهْدِ»، أي: لا
أنقض العهد، وذلك أنهم عاهدوني أن يكون رسالة بيني وبينك.
قال: «وَلَا أَحْبِسُ الْبُرُدَ»، أي: الرُّسُل والسُّفراء.
قال: «ارْجِعْ إِلَيْهِم»، أي: عُد إليهم.
قال: «فَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِكَ الَّذِي فِيهِ الْآن فَارْجِعْ»، يعني: ارجع إليهم
فإن كان في قلبك من الإيمان مثلما وُجد عندك الآن؛ فحينئذٍ يحق لك أن ترجع، فهم
أرسلوه، فلو بقيَ بعد إرسالهم لكان نوع خيانة، فأمره أن يرجع ثُمَّ يعود.
{(وَعَنْ عُبَادَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- صَلَّى بِهِمْ فِي غَزْوِهِمْ إِلَى بَعِيرٍ مِنَ الْمَقْسَمِ،
فَلَمَّا سَلَّم قَامَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- فَتَنَاولَ
وَبَرةً بَيْـنَ أَنْمُلَـتَـيْهِ فَقَالَ: «إِنَّ هَذِه مِنْ غَنَائِمِكُمْ،
وَإنَّهُ لَيْسَ لي فِيهَا إِلَّا نَصِيْبِي مَعكُمْ: إِلَّا الْخُمُسَ،
وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُم، فَأَدُّوا الْخَيطَ والمِخْيَطَ، وأَكْبَرَ مِنْ
ذَلِكَ وأَصْغَرَ، وَلَا تَغُلُّوا فَإِنَّ الْغُلُولَ نَارٌ وعارٌ عَلَى
أَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ». رَوَاهُ أَحْمدُ -بِهَذَا اللَّفْظِ
مِنْ رِوَايَة أَبي بَكْرِ بنِ أَبي مَرْيَمٍ وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَرَوَى
النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ نَحْوَهُ مِنْ غَيرِ طَرِيقِهِ، وَاللهُ
أَعْلَمُ)}.
هذا الإسناد كما ذكر المؤلف إسنادًا حسنًا.
قال: (وَعَنْ عُبَادَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)، هو عُبَادَةَ بن الصامت الصَّحابي.
قال: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- صَلَّى بِهِمْ فِي
غَزْوِهِمْ إِلَى بَعِيرٍ)، يعني: يستقبل البعير، وفي هذا دلالة على أنَّ النَّهي
عن استقبال الكعبة ببول أو غائطٍ لا يَدخُل فيما لو صَلَّى.
قال: (صَلَّى بِهِمْ فِي غَزْوِهِمْ إِلَى بَعِيرٍ مِنَ الْمَقْسَمِ)، أي: مما أراد
النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- أن يَقْسِمَه.
قال: (فَلَمَّا سَلَّم قَامَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ-
فَتَنَاولَ وَبَرةً)، أي: تناول شيئًا يسيرًا بَيْـنَ أَنْمُلَـتَـيْهِ.
فَقَالَ: «إِنَّ هَذِه مِنْ غَنَائِمِكُمْ، وَإنَّهُ لَيْسَ لي فِيهَا إِلَّا
نَصِيْبِي مَعكُمْ: إِلَّا الْخُمُسَ»، فهو يأخذ الخُمُس ويُصرِّفه في مَصارفه
باعتبار أنَّه إمام المسلمين.
قال: «إِنَّ هَذِه مِنْ غَنَائِمِكُمْ، وَإنَّهُ لَيْسَ لي فِيهَا إِلَّا نَصِيْبِي
مَعكُمْ: إِلَّا الْخُمُسَ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُم، فَأَدُّوا الْخَيطَ
والمِخْيَطَ»، يعني: مِن جَميع ما أخذتموه.
قال: «وأَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ وأَصْغَرَ، وَلَا تَغُلُّو»، أي: لا تستولوا على
الموال العَامَّة.
قال: «فَإِنَّ الْغُلُولَ نَارٌ وعارٌ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ». في هذا تحريم الغلول وبيان سوء عاقبته في الدنيا والآخرة.
{قال -رحمه الله: (بَابُ الْجِزْيَةِ والمُهَادَنَةِ
عَنْ بَجَالةَ قَالَ: كُنْتُ كَاتِبًا لجَزْءِ بنِ مُعَاوِيَةَ -عَمِّ الْأَحْنَفِ-
فَأَتَانَا كِتابُ عُمَرَ بنِ الْخطَّابِ قِبلَ مَوتِهِ بِسَنَةٍ: فَرِّقُوا بَينَ
كلِّ ذِي مَحْرَمٍ منَ الْمَجُوسِ. وَلمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخذَ الْجِزْيَةَ مِنَ
الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ)}.
عن بَجَالةَ الصَّحابي قال: (كُنْتُ كَاتِبًا لجَزْءِ بنِ مُعَاوِيَةَ -عَمِّ
الْأَحْنَفِ)، يعني: الأحنف بن قيس.
قال: (فَأَتَانَا كِتابُ عُمَرَ بنِ الْخطَّابِ قِبلَ مَوتِهِ بِسَنَةٍ: فَرِّقُوا
بَينَ كلِّ ذِي مَحْرَمٍ منَ الْمَجُوسِ)؛ لأنَّ المجوس يَستبيحون نِكاح بعضِهم
لبعضٍ ولو كانوا مِنَ المحارم، فأراد أن يدرأ ذلك الفعل.
قال: (وَلمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخذَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبدُ
الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ-
أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ).
في هذا بيان أنَّ المجوس يُؤخذ مِنهم الجزية كأهل الكتاب، وبعض أهل العلم قال: يشمل
جميع الكفار.
وقوله: (فَرِّقُوا بَينَ كلِّ ذِي مَحْرَمٍ منَ الْمَجُوسِ)، أي: من المجوس فقط.
{(وَرَوَى مَالكٌ فِي الْمُوَطَّأ عَنْ جَعْفَرَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ،
أَنَّ عُمرَ ذَكرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ: مَا أَدْرِي كَيفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِم،
فَقَالَ عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- يَقُولُ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ».
وَفِي إِسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ، وَقَدْ رُوِيَ نَحوُهُ مُتَّصِلًا مِنْ وَجهٍ
آخَرَ)}.
قوله (عَنْ جَعْفَرَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمرَ)، وأبوه لم يُدرك
عُمر.
قال: (أَنَّ عُمرَ ذَكرَ الْمَجُوسَ)، المجوس هم عبدة النار.
فَقَالَ: (مَا أَدْرِي كَيفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِم)، يُعاملون مع بقية الكفار، أو
يعاملون مُعاملة أهل الكتاب؟
فَقَالَ عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ: (أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- يَقُولُ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ»)،
يعني: في أخذ الجزية منهم كما يؤخذ مِن أهل الكتاب.
{(وَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ قُريْشًا صَالحُوا النَّبِيَّ -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- فِيهِم سُهَيْلُ بنُ عَمْروٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- لِعَليٍّ: «اكْتُبْ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ» قَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا بِسمِ اللهِ، فَمَا نَدْرِي مَا بِسمِ اللهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَلَكِنِ اكْتُبْ مَا نَعْرِفُ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ،
فَقَالَ: «اكْتُبْ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ» قَالُوا: لَو عَلِمْنَا أَنَّكَ
رَسُولُ اللهِ لاتَّبَعْنَاكَ، وَلَكِنْ اكْتُبِ اسْمَكَ وَاسمَ أَبِيكَ، فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ: «اكْتُبْ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ عبدِ
اللهِ»، فَاشْتَرَطُوا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- أَنَّ
مَنْ جَاءَ مِنْكُم لم نَرُدَّهُ عَلَيْكُم، وَمنْ جَاءَكُم مِنَّا رَدَدْتُمُوه
عَلَينا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَكْتُبُ هَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِنَّه
مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِم، فَأَبْعَدَهُ اللهُ، وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُم
سَيجْعَلُ اللهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجً». رَوَاهُ مُسلمٌ)}.
ذَكَرَ المُؤَلِّف حديث أنس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وأصل الحديث في صحيح مسلم، قال:
(أَنَّ قُريْشًا صَالحُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ)، وهذا صُلح
الحديبية، وفيه مشروعية مُصَالحة الكُفَّار والمشركين.
قال: (فِيهِم سُهَيْلُ بنُ عَمْروٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وِسَلَّمَ- لِعَليٍّ: «اكْتُبْ»)؛ لأنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ-
لم يكن يكتب، فيحتاج إلى مَن يكتب معه.
قال لعلي: «اكتب: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، وهذه تكون في الاستهلال في
جميع الكتابات.
قَالَ سُهَيْلٌ: (أَمَّا بِسمِ اللهِ)، أي: كلمة "بسم الله".
قال: (أَمَّا بِسمِ اللهِ فَمَا نَدْرِي مَا بِسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،
وَلَكِنِ اكْتُبْ مَا نَعْرِفُ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، فَقَالَ: «اكْتُبْ مِنْ
مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ»)، فيه البداءة باسم المسلم عند عقد المُعاهدة مَعَ غَيرِ
المُسلم.
قوله: (فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ: «اكْتُبْ مِنْ
مُحَمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ»، فَاشْتَرَطُوا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وِسَلَّمَ- أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْكُم لم نَرُدَّهُ عَلَيْكُم)، أي: من جاء من
المدينة إلى مكة -دار الشرك في ذلك الزمان- لن يُرد.
قال: (وَمنْ جَاءَكُم مِنَّا رَدَدْتُمُوه عَلَين)، أي: يجب عليكم الإلزام لرده،
ليحصل تقوية الكُفَّار -في ظَنِّهم- وناقش بعض الصَّحابة في هذه الجزئية وأرادوا أن
يَردوا أَمرَ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- والصُّلح بسببها، فكان هذا
الصُّلح خيرًا للمسلمين، واجتمع أهل الإسلام.
قال: (فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَكْتُبُ هَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»)، فيه كتابة
الحقوق.
ثُمَّ قال: «نَعَمْ، إِنَّه مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِم، فَأَبْعَدَهُ اللهُ»،
أي: لا نريده.
قال: «وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُم سَيجْعَلُ اللهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجً».
{(وَعَنْ عبدِ اللهِ بنِ عُمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لم يَرَحْ رَائِحَةَ
الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامً». رَوَاهُ
البُخَارِيُّ)}.
قال: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدً»، أيُّ شخص يَقتل مُعاهدًا، رجل أو امرأة، مُسلم أو
كَافر، فمن قتل منهم معاهدًا...
الكفار أربعة أنواع:
- أهل الذِّمة: وهؤلاء يَسكنون في ديار الإسلام، ولهم مَا لأهلِ الإسلام.
- المُستَأمِن: هو من يأتي بأمان.
- من يأتي بأمان من أحدِ المُسلمين.
- المعاهد: هو الذي دخل في ديار الإسلام لأداء مُهمَّة، ويخرج بعد انتهائها.
قال: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لم يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ»، فيه تَشديد هذا
الذَّنب، وهو قَتل المُعَاهدين.
وهذا فيه فوائد، منها إيقاع العُقوبة على المخالف. مثل ذلك
قال: «وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامً».
أسأل الله -جل وعلا- أن يُوفقنا وإيَّاكم لكلِ خيرٍ، وأن يجعلنا وإيَّاكم مِنَ
الهُداة المُهتدين، كما أسأله -جل وعلا- أن يُصلح أحوال الأمة، وأن يَردهم إلى دينه
ردًا حميدًا، نشكر لك حسن تقديمك وترتيبك لهذا اللقاء، بارك الله فيك، وجزاك الله
خيرًا، كما نشكر إخواننا ممن يقوم على ترتيب هذا اللقاء، بارك الله فيهم جميعًا،
ووفقهم لما يُحب ويرضى، هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه
أجمعين.
{في الختام نشكركم معالي الشيخ على ما تقدمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين
حسناتكم.
هذه تحية عطرة من فريق البرنامج، ومني أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر، إلى أن
نلقاكم في حلقة قادمة، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه. السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته}.