الدرس الرابع عشر

فضيلة الشيخ عبدالله بن حسن الحارثي

إحصائية السلسلة

19284 15
الدرس الرابع عشر

الآجرومية

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي شرح صدور أوليائه بالإيمان، وفتح لهم أبواب النصوص بقواعد البيان، وصلى الله على من أنزل الله عليه الكتاب والميزان، وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان، مرحبًا بطلاب العلم، حياكم الله وبياكم، وجعل الجنة مثوانا ومثواكم، حياكم الله في روضة من رياض الجنة، وعلى مائدة من موائد العلم، ونرحب بكم في برنامج (جادة المتعلم) للمستوى الثالث والذي نشرح فيه (المقدمة الآجرومية) للإمام محمد بن آجروم -رحمه الله تعالى- يصطحبنا بشرحه فضيلة الشيخ/ عبد الله بن حسن الحارثي. باسمكم جميعًا نرحب بشيخنا المفضال، حيَّاكم الله شيخنا، ومرحبًا بكم، وأسعد الله أيامكم بالبركات والخيرات}.
آمين وإياكم والمشاهدين جميعًا.
{شيخنا المفضال، قبل أن نبدأ في باب (مخفوضات الأسماء) وهو آخر باب في هذا الكتاب المبارك، نريد أن نستعرض كمراجعة حتى ترسخ المعلومة من باب الاستثناء وباب "لا"، إلى ما قد وصلنا له}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين.
وبعد، فسبق أن ذكرنا وكررنا أن هذه المقدمة تنقسم إلى أربعة أقسام إجمالًا:
- مقدمة الكلام وتضمنت أقسام الكلام وعلامات كل قسم.
- وكذلك الإعراب وأقسام الإعراب وعلامات الإعراب الأصلية والفرعية.
- وما يتعلق بالفعل الماضي والأمر والمضارع من جهة علاماتهم ما يختص كل واحد منهم من جهة البناء والإعراب.
- ثم عقد المؤلف -رحمه الله تعالى- بابًا في المرفوعات وهي سبعة، ثم بابًا في المنصوبات وهي خمسة عشر، وقد أتينا بفضل الله -تبارك وتعالى- عليها جميعًا في الحلقات الماضية.
- وتبقى الربع الأخير من هذا الكتاب المبارك وهو باب المخفوضات من الأسماء، وقبل الشروع فيه يحسن أن نراجع إجمالًا ما تمَّ ذكره بما أشرتم إليه من الأبواب، ومن هذه الأبواب: المستثنى.
قلنا: المستثنى هو الإخراج بـ "إلا" يعني العرب إذا أرادت أن تحكم بحكم ثم تستثني من ذلك الحكم بعض الأفراد فإن لها أسلوبا في ذلك وهو ما يسمى بأسلوب الاستثناء، وهذا يتطلب أن يكون هناك أدوات يستثنى بها، فقُسِّمت الأدوات إلى ثلاثة أقسام:
- حرف وهو "إلا".
- وهناك أسماء وهي: (سِوى، وسُوى، وسواء، وغير).
- وهناك أدوات تُستخدم تارة على أنها حروف جر فتجر ما بعدها، وتارة تستخدم على أنها أفعال فتنصب ما بعدها على أن ما بعدها مفعولًا به لتلك الأفعال.
وقلنا إن أركان الاستثناء ثلاثة:
- المستثنى منه.
- وأداة الاستثناء.
- والمستثنى.
فإذا ذُكر المستثنى منه في الجملة فإن هذا يسمى كلامًا تامًّا كقولنا: "جاء الطلابُ إلا زيدًا"، فهذا كلام تام لوجود المستثنى منه وهو: "الطلاب"، وعندنا أداء استثناء التي هي "إلا"، وعندنا المستثنى الذي هو "زيد"، فـ "زيد" حكمه يخالف حكم الطلاب؛ لأننا حكمنا على الطلاب بالحضور والمجيء، ثم قلنا: "إلا زيد"، إذًا "زيد" لم يحضر.
هذا الكلام إما أن يكون مثبتًا -أي موجبًا- أي غير منفيٍّ، فهذا له حكم.
وإمَّا أن يسبقه نفي، كقولنا: مثلا: "ما جاء الطلابُ إلا زيدًا"، وقبل قليل قلنا: "جاء الطلابُ إلا زيدًا"، فإذا قلنا: "جاء الطلابُ إلا زيدًا" فليس لنا فيما بعد "إلا" وجه واحد وهو النصب على الاستثناء، وإذا قلنا: "ما جاء الطلابُ إلا زيدًا"، فنقول: للمتكلم وجهان فيما بعد "إلا":
إمَّا أن ينصبه على الاستثناء كما هو في الحالة الأولى.
وإمَّا أن يعربه من باب التبعية، أي: يعطي حُكم ما بعد "إلا"، أي يعطى نفس حكم المستثنى منه، فإن كان المستثنى منه مرفوعًا رفعَ، فيقول: "ما جاء الطلابُ إلا زيدًا" ويقول: "إلا زيدٌ".
وإذا قلنا: "ما أكرمتُ الطلابَ إلا زيدًا" منصوب على الاستثناء، أو أنه بدل من المستثنى منه وهو منصوب؛ لأنه مفعول به.
وإذا قلت: "سلمتُ على الطلابِ إلا زيدًا" هذا وجه صحيح، وتقول: "سلمت على الطلابِ إلا زيدٍ" هذا وجه صحيح، بشرط أن يكون ذلك الكلام منفيًّا، وأما إن كان مثبتًا موجبًا غيرَ منفيٍّ فليس لك إلا وجه النصب.
ثم إذا استخدمنا الأداة الأخرى وهي أداة (غير، وسِوى، وسُوى، وسواء)؛ فإننا نعامل هذه الأسماء التي استثنى بها العرب معاملة ما بعد "إلا" في الكلام التام الموجب، وفي الكلام التام المنفي، فكما قلنا مثلا: "جاء القوم غيرَ زيدٍ" ليس لنا إلا وجه واحد في "غير"، و"جاء القوم سوى زيدٍ"، فهنا "غيرَ" منصوبة و"سوى" هنا منصوبة لكن للتعذر لا تظهر الحركة، و "سواءَ زيدٍ" هذه أيضا منصوبة.
إذًا؛ إذا كان الكلام تاما موجبًا فإننا نتعامل مع (غير، وسِوى، وسُوى، وسواء) كما نتعامل مع "زيد" الذي وقع بعد "إلا"، فإذا كان الكلام تاما ليس لنا إلا وجه واحد، لكن لو قلت لك: "ما قامَ القوم غيرَ زيدٍ" هذا وجه صحيح، و "ما قام القوم غيرُ زيد"؛ لأن الكلام تام منفي؛ وبالتالي جاز لنا وجهان، وهكذا في بقية الأمثلة كما مر معنا.
ثم انتقلنا للكلام عن (عدا، وحاشا، وخلا)، فقلنا: هذه تستخدم تارة على أنها حروف جر، فنجرُّ ما بعدها، فنقول: "قام القوم خلا زيدٍ"، فنقول: "خلا" حرف جر مبني على السكون، و"زيد" اسم مجرور، وهو مستثنى في المعنى وفيه استثناء، لكنه هنا مجرور لفظًا، ومنصوب من حيث المحل.
وكذلك (حاشا وعدا) كلها تجر.
وإذا قلنا: إن (عدا، وخلا، وحاشا) هذه أفعال؛ فإننا ننصب ما بعدها، فتقول: "قام القوم حاشا زيدًا، وخلا زيدًا، وعدا زيدًا"، لكن إذا سُبقت هذه الثلاثة (عدا خلا وحاشا) بـ "ما" فقلت: "ما عدا، ما خلا، ما حاشا"؛ فهنا يتعين النصب فيما بعد هذه الأفعال، أما إذا حذفت فيجوز لك أن تجر بها على أنها حروف جر، ويجوز أنك تنصب بها على أنها أفعال.
ونسينا أن ننبه على القضية هنا في باب الاستثناء وهي مسألة الاستثناء المتصل والاستثناء المنقطع:
الاستثناء المتصل: هو أن يكون ما بعد "إلا" هو واحد من أفراد ذلك المستثنى منه المتقدم، إذا قلت: "قام الطلابُ إلا طالبًا" فـ "طالبًا" هذا واحد من الطلاب، ومثل: "قام الطلاب إلا زيدًا"، فـ "زيدًا" هذا واحد من أولئك، فنقول: هذا الاستثناء متصل، فإذا كان ما بعد "إلا" من جنس ما قبل إلا من نفس جنس المستثنى منه فهذا يسمى استثناء متصلًا.
لكن لو قلت: "قدمت القافلة أو قدم المسافرون إلا حمارًا"، فـ "الحمار" هذا ليس من المسافرين وليس من القوم، فهذا يسمى استثناء منقطعا.
إذًا؛ إذا كان ما بعد "إلا" من نفس جنس ما قبل "إلا" فهذا يسمى استثناء متصلا، وإن كان جنسه يغاير جنس ما قبل "إلا" الذي هو المستثنى منه، فهذا ي فهذا يسمى استثناء منقطعا، ومنه قوله تعالى: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ [الحجر: 30 – 31]، فإبليس ليس من الملائكة، إذا هنا الاستثناء منقطع، ونقول: "قام الرجال إلا حمارًا"، فنقول: استثناء منقطع، لأن الحمار ليس من جنس الرجال، فلو قلت: "قام الرجال إلا رجلا" نقول هذا استثناء متصل.
{مثل كذلك قول الله: ﴿مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ [هود: 107]}.
طبعا هذا هو أسلوب عربي، وكانت العرب دائمًا تعلق الشيء الذي يدوم ولا ينقطع ولا يبيد ولا ينتهي بمثل هذا الأسلوب "إلا ما شاء ربك" فهذه تحتاج إلى النظر.
ثم ذكرنا أن هناك ما يسمى بالاستثناء الناقص، وهو عدم ذكر المستثنى منه، فقلنا هنا يعامل ما بعده "إلا" بحسب العوامل التي قبلها، فإذا قلت: "ما قام إلا زيد"، "قام" هذا فعل ماض، والفعل يتطلب فاعلا، فنقول: "ما قام إلا زيد" الأداة هنا الاستثناء ملغاة، و"زيد" هنا يعرب على أنه فاعل.
تقول: "ما أكرمت إلا زيدًا"، فهنا نقول عندنا فعل وفاعل، ثم جاء بعد "إلا" اسم منصوب، نقول: هذا الفعل والفاعل يتطلب مفعولًا، إذًا نعرب "زيد" هنا لا على أنه مستثنى وإنما على أنه مفعول به.
وتقول: "ما سلمت إلا على زيد"، فهنا نقول: "زيد" اسم مجرور، لأن "ما مررت إلا بزيد" يتطلب أن يكون بعده مجرورا، هذا إذا كان المستثنى منه غير مذكور؛ فهنا نعامل ما بعد "إلا" بحسب ما يقتضيه العامل قبله، فإذا قلنا مثلا: "ما زيد إلا شاعرٌ"، يعني شخص يظن أن زيدًا فقيهًا، فتقول: "ما زيدٌ إلا شاعرٌ" فنقول: "زيد" هنا مبتدأ، و "شاعرٌ" خبر، خرجنا الآن من باب الاستثناء، فهذا أسلوب حصر لكن ليس له علاقة بالاستثناء. هذه جملة القول فيما يتعلق بالاستثناء.
ثم ثنينا بالكلام عن باب "لا"، وقلنا: إن "لا" تعمل عمل "إن"، و "إن" تعمل عملين: تنصب الاسم وترفع الخبر، فإذا نصبت الاسم أصبح اسما لها، والخبر خبر لها، هنا "لا" تعمل نفس العمل لكن لها شروطا:
- لا بد من أن يكون اسمها وخبرها نكرتين.
- وأن تباشر هذه النكرة.
- ألا تتكرر "لا".
فمثال استيفاء الشروط كما لو قلنا: "لا رجل في الدار"، فهذه "لا" دخلت على "رجل" وهو نكرة، وباشرته، ولم تتكرر "لا"؛ إذًا لا بد أن نبني ما بعد "لا"، فنقول: "لا" نافية للجنس، و"رجل" اسم "لا" مبني على الفتح في محل نصب، لأنه في الأصل أنه منصوب، فهي تنصب وترفع أصلا، لكن لما تركبت معه أصبحت كحكم خمسة عشر مبنية، فنقول هنا: مبني على الفتح في محل نصب.
طيب لو كان مثنى مثل: "لا رجلين في الدار" نقول: مبني على الياء في محل نصب.
لو كان مما تكون علامة الأصل فيه الياء، كما لو كان في الجمع والمثنى: "لا مسلمون نادمون"، فنقول "لا" نافي للجنس، "مسلمين" اسم "لا" مبني على ياء في محل نصب، وهذا إذا كان اسم "لا" مفردا -يعني ليس مضافا ولا شبيهًا بمضاف- أما لو كان مضافًا وشبيهًا بالمضاف فهنا ننصب مباشرة، ولا نقول: مبنيا في محل نصب!
مثال: "لا طالب علم ممقوت"، فنقول: "لا" نافية للجنس، "طالب" اسما "لا" منصوب مباشرة وهو مضاف و"علم" مضاف إليه، "ممقوت" هذا خبر "لا" وهو نكرة كما تلاحظ، فاستوفت هنا الشروط.
كذلك إذا كان شبيها بالمضاف -وهو الاسم المشتق الذي اتصل به شيء يتمم معناه- مثل: "لا حافظًا القرآنً نادمٌ"، نقول: "حافظًا" اسم "لا" منصوب، هل هو مضاف؟ الجواب لا، لو كان مضافا لما ظهر التنوين عليه، إذًا هذا شبيه بالمضاف، لأن كلا من المضاف والشبيه بالمضاف يتصل به شيء يتمم معناه، فنقول: "حافظًا" هذا اسم "لا" منصوب، "القرآن" مفعول به لاسم الفاعل منصوب، "نادم" خبر "لا" مرفوع وعلامة رفعة الضمة الظاهرة على آخره.
فإن اختلت هذه الشروط كما لو لم تباشر فنقول: "لا في الدار رجلٌ" هنا لا بد من أن نلغي عمل "لا"، ويحكم على "رجل" هذا بأنه مبتدأ مؤخر، و "في الدار" هذا خبر مقدم للمبتدأ المؤخر. هذا إذا انتقد الشرط الأول.
طيب إذا تكررت "لا" أو كان مدخولها معرفة، مثل: "لا زيد في الدار" هنا نقول: لا بد أن نلغي "لا" ويرتفع ما بعدها، والسبب في ذلك: أن الذي دخلت عليه معرفة، ونحن نشترط فيها أن تكون الداخل عليه نكرة؛ فهنا ينتقد عملها، نقول: "لا زيد في الدار ولا محمد".
لو استوفت الشروط وكررناها؛ هنا نقول: أصبح للمتكلم خياران:
- إما أن نقول: "لا رجلَ في الدار ولا امرأةَ" فهنا أعملنا "لا" في الموضعين.
- وإما أن نهملها في الموضعين، فنقول: "لا رجلٌ في الدار ولا امرأةٌ"، طيب ماذا سيكون إعراب "رجل" في هذه مع أنها باشرت، ومدخولها نكرة، ولم يفصل بينهما فاصل؟
نقول: طالما كررت فـ "رجلًا" تعرب هنا على أنه مبتدأ مرفوع، والمسوغ له كونه نكرة أنه سبقه النفي هذا، فتقول: "لا رجلَ في الدار إلا امرأةَ"، هذا وجه صحيح، وتقول: "لا رجلٌ في الدار ولا امرأةٌ" هذا أيضًا وجه صحيح، وفيه تفاصيل في هذه الجزئية أكثر مما ذُكر، لكن هذا الذي يحتمله الكتاب.
ثم ثنينا بالكلام عن المنادى وقلنا: المنادى هو أن يدعو الإنسان بـ "يا" أو بإحدى أخواتها.
وقلنا إن أقسامه خمسه:
- إما المفرد العلم، والمفرد هنا يشمل ما يدل على الواحد، وما يدل على الاثنين، وما يدل على الجمع، فنقول: "يا محمد" هذا مفرد، و "يا محمدان" هذا مفرد، و "يا محمدون" هذا مفرد.
لو أردنا أن ننادي نكرة مقصودة -يعني لفظ يتناول نكرة موجَّه إليها الكلام مباشرة- فنقول: "يا ظالمُ" كما نقول هناك: "يا محمدُ"، وكما قلنا هنا: "يا محمدان" نقول هنا: "يا ظالمان" وكما قلنا هناك: "يا محمدون" نقول هنا: "يا ظالمون".
إذًا، المفرد العلم بصوره الثلاث والنكرة المقصودة إعرابهما واحد فنقول: "يا محمدُ" منادى مبني على الضَّم في محل نصب، و "يا محمدان" منادى مبني على الألف في محل نصب، و "يا محمدون" منادى مبني على الواو في محل نصب، لأن القاعدة هنا في باب المنادى: أنه يبنى المنادى على ما يرفع به، فإن كان مرفوعًا بالضمة بنيته في باب النداء على الضمة، وإن كان مرفوعًا بالألف بنيته عليه في باب النداء، وإن كان مرفوعًا بالواو بنيته في باب النداء على الواو، وكذلك النكرة المقصودة تأخذ نفس الأحكام.
قال: (والثلاثة الأخيرة منصوبة لا غير)، يقصد: المضاف والشبيه بالمضاف والنكرة غير المقصودة.
كما تقول مثلا: "يا غافلًا" هذا نكرة غير مقصودة، فهنا تقول: منادى منصوب مباشرة، ما تحتاج أن تقول: مبنيا في محل...؛ لأنه نكرة غير مقصودة، وهذا مثل ما يتكلم فيه الخطيب: "يا غافلًا، يا تائبًا، يا صائمًا".
أو يكون مثلًا منادى لكنه مضاف، تقول: "يا طالبَ العلمِ بلغ ما تعلمتَ"، هنا "يا" حرف نداء مبني على السكون لا محل له من الإعراب، "طالب" منادى منصوب -مباشرة- وهو مضاف وما بعده مضاف إليه.
أو شبيه بالمضاف تقول: "يا مستغفرا ربه أدم الاستغفار"، فـ "مستغفرًا" منادى منصوب لأنه شبيه مضاف وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، "ربَّه" مفعول به لاسم الفاعل المذكور.
فالمقصود: أن النكرة المقصودة واسم العلم في باب النداء يبنى على ما يرفع به، وأما البقية الأخرى من أبواب النداء هي منصوبة لا غير.
والأصل في باب النداء أنه منصوب؛ لأنه في معنى المفعول به، كأنك تقول: "أدعو زيدًا، أدعو المحمديين، أدعو المحمديين" لكنه تركَّبَ مع ما بعده فنتج هذا البناء الذي سمعنا.
ثم تطرق بعد ذلك إلى الكلام عن باب (المفعول لأجله)، ويسمى: المفعول له، ويسمى: المفعول بأجله، وقلنا هو الاسم الذي يبين سبب وقوع الفعل، لماذا حدث هذا الفعل؟ جوابك سيكون هو هذا المفعول لأجله.
مثال: "قام زيدٌ إجلالًا للمعلم"، لو سألنا وقلنا: لماذا قام زيد؟ سيكون الجواب هو نفس هذا المصدر، الذي هو المفعول لأجله "إجلالًا".
وقلنا: إن له شروطًا:
أولًا: المفعول لأجله لا بد أن يكون مصدرا.
ثانيًا: أن يكون قلبيًّا؛ لأن عند المصادر قد تكون لعمل الجوارح كاللسان؛ فهذه لا يصح أن تقع على أنها مفعول لأجله، ما يصلح أن تقول: "جئت الأكل"، لو سألنا لماذا جئت؟ قال: "جئت الأكل" نقول: لا يصح، وإنما يقول: "جئت للأكل".
لو كان مصدرًا قلبيًا، كأن تقول: لماذا قمت من نومك لتصلي؟ قال: "قمت خوفًا من الله، أو طمعًا في ثوابه"، فـ "طمعًا" هذه مفعول لأجله، لأنه لو سألنا: لماذا قام؟ سيكون الجواب: طمعا، فنقول هنا: مفعول من أجله منصوب.
ثالثًا: أن يكون هناك اتفاق بين من صدر منه ذلك الفعل القلبي، ومَن قام بذلك الفعل، تقول: "قام زيدٌ إجلالًا"، فلا بد أن يَصدر القيام والإجلال من نفس الشخص الذي هو "زيد"، لكن لو صدر القيام من شخص والإجلال من شخص آخر، فهنا لا بد أن ندخل حرف الجر، فتقول مثلا: "قام محمد لإجلال عمرو له" فـ "عمرو" هو الذي أجلَّ محمدًا، فـ "محمد" قام لأن ذاك يجله، فالإجلال وقع من "عمرو" والقيام وقع من "محمد"؛ فهنا ما نقول: "قام محمد إجلالًا لعمرو" لأنك أنت ما قمت إجلالًا له، وإنما قمتَ لأنه هو الذي أجلَّك، ففي هذا الحال لابد أن ندخل حرف الجر عليه الذي هو اللام في مثل هذا الموطن، فنقول: "قام زيدٌ لإجلالِ عمرو له". هذه خلاصة القول فيما يتعلق بباب المفعول من أجله وله تفاصيل عند أهل العلم.
ثم تكلم عن المفعول معه وقلنا: المفعول معه هو الاسم المنصوب الذي يقع بعد واو تفيد "مع"، هذه الواو تسمى: واو المعية.
وقلنا: له قسمان رئيسان:
- أن يأتنا هذا الاسم المنصوب بعد الواو التي تفيد المعية، بحيث إنه لا يصح أن يُعاد العامل المتقدم بعد هذه الواو، فليس لك إلا وجه واحد، تقول: "ذاكرتُ والمصباحَ" فالسؤال: هل المصباح يذاكر؟ الجواب: لا؛ إذًا ليس لك إلا أن تنصب، تقول: "ذاكرتُ هو المصباحَ" لأنك لا يصلح أن تقول: "ذاكرت وذاكرَ المصباحُ"، لو صحَّ ذلك لكنَّا رفعنا، أو بحسب ما يقتضيه العامل.
إذًا؛ كان ما بعد الواو لا يصح أن يعاد عليه العامل المتقدِّم، فبهذه الحال ليس لك إلا وجه واحد وهو النصب على أنه مفعول معه، مثال: "سارَ الرجلُ والجدارَ"، "الجدار" لا يسير؛ فنقول: ليس لنا هنا إلا أن ننصب الجدار على أنه مفعول معه، والواو هنا واو معية.
لكن لو احتمل الأمر أن يقع الفعل منهما جميعًا كما تقول: "جاء الأميرُ والجيشَ"، نقول: "الجيش" هذا مفعول معه منصوب، طيب هل الجيش يمكن أن يأتي مع الأمير؟ نعم يمكن؛ لأن الجيش يتحرك وهو مجموعة من الجنود، فتقول: "جاء الأميرُ والجيشَ"، "جاء" فعل ماض، "الأمير" فاعل، الواو واو المعية، "الجيش" مفعول معه منصوب.
ويصح أن تقول: "جاء الأميرُ والجيشُ"، طيب ما وجه الرفع هنا؟
نقول: عطفًا على "الأمير"، كأنه قال: "جاء الأميرُ وجاء الجيشُ".
الخلاصة في ذلك: إذا كان ما بعد الواو يصح أن يتأتَّى معه العامل السابق؛ فإننا لنا وجهان: إما النصب على أنه مفعول معه، وإمَّا بحسب ما يقتضيه العامل المتقدِّم، فيكون لك أكثر من وجه.
تقول: "سلمتُ على الطلابِ والمدرسَ"، أنا مقصودي بالسلام الأصلي هم "الطلاب" وفي صحبة المدرس، فأنا أقول: "سلمتُ على الطلابِ والمدرسَ"، فـ "المدرس" هنا مفعول معه منصوب.
ويصح أن تقول: "سلمتُ على الطلابِ والمدرسِ"، فـ "المدرس" معطوف على الطلاب، والمعطوف على المجرور مجرور، هذا إذا كان يصح تكرار العامل، أما إذا لم يصح فليس لك إلا وجه واحد وهو النصب على المفعولية التي سبق بيانها.
وبهذا نكون قد انتهينا من باب المنصوبات، ونشرع بإذن الله- تبارك وتعالى- في القسم الأخير من هذا الكتاب وهو باب "المخفوضات من الأسماء".
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله: (بَابُ اَلْمَخْفُوضَاتِ مِنْ اَلْأَسْمَاءِ
اَلْمَخْفُوضَاتُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مَخْفُوضٌ بِالْحَرْفِ، وَمَخْفُوضٌ بِالْإِضَافَةِ، وَتَابِعٌ لِلْمَخْفُوضِ.
فَأَمَّا اَلْمَخْفُوضُ بِالْحَرْفِ فَهُوَ مَا يَخْتَصُّ بـ ِ"مِنْ، وَإِلَى، وَعَنْ، وَعَلَى، وَفِي، وَرُبَّ، وَالْبَاءِ، وَالْكَافِ، وَاللَّامِ"، وَبِحُرُوفِ اَلْقَسَمِ، وَهِيَ: اَلْوَاوُ، وَالْبَاءُ، وَالتَّاءُ، وَبِوَاوِ رُبَّ، وَبِمُذْ، وَمُنْذُ.
وَأَمَّا مَا يُخْفَضُ بِالْإِضَافَةِ، فَنَحْوُ قَوْلِكَ: "غُلَامُ زَيْدٍ" وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ مَا يُقَدَّرُ بِاللَّامِ، وَمَا يُقَدَّرُ بِمِنْ؛ فَاَلَّذِي يُقَدَّرُ بِاللَّامِ نَحْوُ: "غُلَامُ زَيْدٍ"، وَاَلَّذِي يُقَدَّرُ بِمِنْ، نَحْوُ: "ثَوْبُ خَزٍّ" وَ "بَابُ سَاجٍ" وَ "خَاتَمُ حَدِيدٍ)
}.
هذا الباب الذي ختم به المؤلف -رحمه الله تعالى- هو باب المخفوضات من الأسماء.
والمخفوضات: جمع مخفوض، وقلنا: إن الخفض هو أثر يُحدثه العامل في نهاية الكلمة علامته الكسرة أو ما ناب عنها، والذي ينوب عنها:
إمَّا الياء، وإمَّا الفتحة في الذي لا ينصرف، وإمَّا أن تنوب عنها الكسرة في جمع المذكر أو جمع المؤنث السالم.
قوله: (اَلْمَخْفُوضَاتِ مِنْ اَلْأَسْمَاءِ)، تقييد بالأسماء يعني قد يكون فيه زيادة في الإيضاح، وإلا فالمعلوم أن الأسماء هي التي تخفض، فلو قال: (المخفوضات) لعُلِمَ أنها الأسماء، لكنه من باب زيادة الإيضاح منه -رحمه الله تعالى.
والأسماء طبعًا يدخل فيها الأسماء المعربة والمبنية، لكن عموما هذا ما ذكره -رحمه الله تعالى.
قال: (اَلْمَخْفُوضَاتُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مَخْفُوضٌ بِالْحَرْفِ، وَمَخْفُوضٌ بِالْإِضَافَةِ، وَتَابِعٌ لِلْمَخْفُوضِ)، بمعنى أننا إذا أردنا أن نخفض كلمة -وهي بالتالي وقطعا أنها ستكون اسمًا- فإن مما يؤثر الخفض في الأسماء حروف الجر، أي أنَّ حرف الجر عامل من العوامل التي تحدث الإضافة.
طيب هل هناك شيء آخر يحدث الإضافة غير حرف الجر؟
الجواب: نعم.
فنبدأ بحرف الجر، تقول: "سلمت على زيدٍ"، نعرب: "سلمت": "سلَّمَ" فعل ماضي مبني على السكون لاتصاله بضمير الفاعل، والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل، "على" حرف جر، "زيدٍ" اسم مجرور، لاحظ الآن الذي يُحدث الجر هو حرف الجر "على"، "زيدٍ" اسم مجرور بـ "على" وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾، لاحظ عندنا "المسجدِ" و "المسجدِ" كلاهما جاء مجرورًا، طيب ما الذي جره؟ نقول: حرف الجر، "من" و"إلى" جرَّت "المسجدِ"؛ إذًا الجر هنا وقعَ بهذا العامل الأول الذي أشار إليه لَمَّا قال: (مَخْفُوضٌ بِالْحَرْفِ).
إذًا؛ الحرف يحدث هذا الجر.
طيب هل هناك شيء آخر؟
نقول: نعم، وهو الإضافة، كما لو قلت لك: "غلامُ زيدٍ"، لاحظ أنَّ كلمة "زيدٍ" مجرورة، هل سبقه حرف جر؟
الجواب: لا، وإنما قبله هنا لو قلت: "جاء غلامُ زيدٍ" فـ "غلام" هنا فاعل، ما الذي أثر على زيد بالجر؟ نقول: كلمة "غلام" ذاتها، هذه تسمى: مُضافًا و"زيد" مضافًا إليه.
إذًا؛ مما يؤثر ويحدث الخفض: المضافُ، فالمضاف يكسر الاسم الذي بعده، كما تقول: "من زيدٍ أو على زيدٍ" نقول: "غلامُ زيدٍ، كتابُ محمدٍ، قلمُ عليٍّ" فـ "قلم، غلام، كتاب" كلها أشياء تحدث الخفض.
إذًا؛ الخفض في اللغة لا يقتصر فقط على حروف الجر، وإنما حروف الجر هي هذا الخفض، والإضافة تعمل الخفض كذلك.
{كيف نعرب "غلامُ زيدٍ"؟}.
هكذا الكلام ناقص، لا بد من أن نأتي بمحذوفٍ، أو نقدم عليه شيئا يتم المعنى، فإما أن نقول: "جاء غلامُ زيدٍ"، فنعرب "جاء" فعل ماض مبني على الفتح، "زيد" فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهو مضاف و "زيدٍ" مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة.
إذًا هذا الشاهد عندنا في "غلامُ زيدٍ" أنه مجرور.
هل العامل هو الإضافة أو المضاف؟
هنا الشيخ -رحمه الله- يقول: (مَخْفُوضٌ بِالْحَرْفِ) هناك في نزاع بين النحوين في هذه الجزئية؛ هل الذي خفض "زيد" في قولك: "غلامُ زيدٍ" هل هو المضاف ذاته كلمة "غلام"؟ أو لأننا ضممنا هذه الكلمة إلى تلك الكلمة بحيث أصبحت الكلمة الثانية كالجزء من الكلمة الأولى؛ "غلام زيد" أصبحت مثل الدال من "محمد" أصبحت كالشيء الواحد؛ هذا الذي خفض "زيد" هل هو هذا الدمج بين الكلمتين حيث نُزِّلت الثانية منهم المنزلة الأولى؛ فأصبحت الإضافة هذه؟ إذا هي شيء معنوي، فنلحقها بالابتداء، ألم نقل إن الابتداء هو الذي عمل الرفع في المبتدأ؟ بلى، وألم نقل التجرد من الناصب والجازم في المضارع هو الذي عمل فيه الرفع؟
قالوا: وكذلك عندنا عاملٌ معنوي ثالث وهو هذه الإضافة.
فمنهم من قال: إن الإضافة هي التي سببت هذا الخفض.
ومنهم من قال: لا، إنما هنا الخافض لفظي وهو كلمة المضاف "غلام زيدٍ، قلم محمدٍ، كتاب غلامٍ"، فـ "غلام، كتاب، قلم" هي التي أثرت.
ونحن نقول: الصواب أن المضاف هو الذي أحدث الجرَّ أو الكسر في المضاف إليه، وهو الذي عمل.
ولو أردنا أن نفصل أكثر من ذلك فنقول: في الحقيقة أن الذي خفض هنا هو الحرف المقدر بين المضاف والمضاف إليه، لَمَّا تقول: "غلامُ زيدٍ" كأنك قلت: "غلام لزيد"، وإذا قلت: "كتاب محمد" كأنك قلت: "كتابٌ لمحمدٍ"، فقالوا: في الحقيقة الذي أثَّر الخفضَ هنا ليس هو المضاف ولا الإضافة، وإنما ذلك الحرف المقدَّر بين المضاف والمضاف إليه، فهذا نزاع بينهم في هذه الجزئية.
لكن نحن نقول باختصار حتى ما نشوش على الإخوة: "غلامُ زيدٍ، كتابُ محمدٍ، قلمُ عليٍّ" أن "قلم، كتاب، غلام" هذا هو الذي أحدث الجرَّ في تلك الكلمة التي هي المضاف إليه.
بقي عندنا النوع الثالث من أنواع المضاف: وهو التابع، كما هو ملاحَظ أنه تابعٌ، بمعنى أن خفضه تابع لكلمة سابقة عليه، فهي لولا أنها جرت لَمَا جُرَّ هو.
مثال: "سلمتُ على محمدٍ وغلام زيدٍ الفاضلِ"، فـ "محمد" دخل عليه حرف الجر فأثر فيه، فلهذا هو مخفوض بالحرف، "زيدٍ" الذي جره هنا المضاف، "الفاضلِ" لم يدخل عليه حرف جر ولا مضاف، وإنما جُرَّ بالتبعيَّة، فهو نعتُ لـ "زيدٍ"، والوصف تابعٌ لما قبله.
مثال: "سلمتُ على محمدٍ وبكرٍ"، واضح أن "محمدٍ" مجرور؛ لأن "على" دخلت عليه، أمَّا "بكرٍ" فتابع، وحرف العطف جعله تابعًا لـ "محمد" المتقدمة.
مثال: "سلمتُ على زيدٍ نفسِه" فهنا توكيد معنوي، لم يدخل عليه حرف جر ولا مضاف، وإنما الذي جره هو التوكيد، والتوكيد تابعٌ للمؤكَّد، فهو هنا تبعه في إعرابه فجُرَّ كما جُرَّ.
إذًا؛ عندنا الذي يؤثر في الكلمة كي تكون مخفوضة ثلاثة:
- إمَّا أن يكون حرف جرٍّ، مثل: "سلمتُ على زيدٍ".
- وإمَّا أن تكون الإضافة، مثل: "غلامُ زيدٍ" فـ "غلام" هو الذي أثر في "زيد" فخفضه.
- وإمَّا أن يكون ذلك المخفوض تابعًا لِمَا قبله:
* إن كان ما قبله معطوفًا فهو لأنه معطوفٌ عليه تبعه في حكمه، تقول: "سلمتُ على زيدٍ وبكرٍ".
* وإن كان ما قبله وصفًا، مثل: "سلمتُ على بكرٍ العالمِ"، فهو تابع له لأنه نعتٌ له.
* أو يكون توكيدًا معنويًّا لما قبله، مثل: "سلمتُ على محمدٍ نفسِهِ"، فلأن المؤكِّد تابع للمؤكَّد في إعرابه، فتبعه من هذا الباب.
* وإما أن يكون بدلًا، تقول: "سلمتُ على زيدٍ أخيكَ"، فـ "أخيك" مجرورة، لم يجرها حرف جر أو إضافة؛ وإنما هي تابعةٌ لأنها بدل، والبدل له حكم المبدل منه.
إذًا؛ الأسماء تخفض بهذه العوامل الثلاثة التي ذُكِرَت، وفيه تفصيلا أكثر من ذلك ذكره بعض العلماء في مسألة المجاورة وغير ذلك من الأمور.
ثم انتقل -رحمه الله تعالى- للتفصيل في الكلام عن المخفوض بالحرف، يعني بعدَ أن ذكرَ أن الأسماء تخفض بثلاثة أمور وهي: (الحرف والإضافة والتبعية)؛ ناسب هنا أن يذكر شيئًا من هذه الحروف التي يحصل بها الخفض فتؤثر فيما بعدها، فذكر "من وإلى" وهذه مرَّ الحديث عنها.
وقلنا: "من" أشهر معانيها الابتداء، تقول مثلًا: "قرأتُ من الوجه الأول إلى الوجه العاشر"، فهنا "من" تفيد الابتداء، هذه من أشهر معانيها.
و"إلى" تفيد الانتهاء، سواء كان هذه النهاية مكانية أو نهاية زمنية، تقول: "صمتُ إلى اليوم العاشر"، فهذه نهاية زمانية، وتقول: "سافرتُ من مكة إلى الرياض أو من جدة إلى الرياض"، فـ "إلى الرياض" هذه النهاية المكانية في السفر.
ومنه قوله تعالى: ﴿مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾، إذًا هذه نهاية مكانية.
وقلنا: "عن" تفيد المجاوزة، تقول مثلًا: "مررتُ عن يمين النهرِ" أي: جاوزته، ومنه قوله تعالى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾، أي: تجاوزون هولًا بعد هولٍ، وتقول: "رميت القوس عن السهم"، ونحو ذلك من المعاني.
وتأتي بمعنى "على"، ومنه قوله تعالى: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ قالوا "عن" هنا بمعنى: "على"، أي: رضي الله عليهم ورضوا عليه، أو نحو ذلك.
و"على" تأتي للاستعلاء الحسي أو للاستعلاء المعنوي:
الاستعلاء الحسي، تقول: "وضعتُ الكتاب على الطاولة"، فهذا شيء محسوس، وتقول: "ركبتُ على الفرس".
الاستعلاء المعنوي، تقول: "أفضل النحو على الفقه"، فأنت ما جئت بالنحو ووضعته على الفقه وإنما هذا تفضيل معنوي، في قلبك فأنت تحب هذا الشيء، ومنه قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾، هذا استعلاء معنوي، ولها معان غير ذلك.
و "في" أيضا هذه تفيد الظرفية الزمانيَّة والظرفيَّة المكانية، كما لو قلت مثلا: "سافرت في اليوم الخامس" يعني كان سفري في هذا اليوم، فهي ظرفية زمانية.
وتقول: "جلست في الدار"، أي: مكان جلوسي كان في الدار، إذًا هي تفيد الظرفية الزمنية والظرفية المكانية.
ومنه قوله- عز وجل: ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ أي في وقت وجود العذر الشرعي، وقيل: المكان، أن هذا المكان يُعتزل في هذه الفترة التي كتبها الله على بنات ادم.
و "رُبَّ" أيضا من حروف الجر وهي تفيد التقليل، ولا تدخل إلا على النكرات، تقول: "ربَّ أخٍ لم تلده أمك"، فنقول: "رُبَّ" حرف جر مبني على الفتح، و "أخٍ" اسم مجرور بـ "ربَّ" وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، إذًا "ربَّ" هي التي أحدثت الجر.
ولاحظ أن اسمها نكرة، ما تقول: "ربَّ زيدٍ"! إنما لا بد من أن يكون نكرة، تقول: "رُبَّ، رجلٍ، رُبَّ كريمٍ، رُبَّ أخٍ، رُبَّ عالمٍ، رُبَّ كريمٍ" وهكذا من النكرات التي تدخل عليها "رُبَّ".
ومن خصائصها: أنها تعمل كذلك إذا كانت محذوفة، ومنه قول الشاعر:

وَلَيلٍ كَمَوجِ البَحرِ أَرخى سُدولَهُ *** ...................

والتقدير: "ورُبَّ ليلٍ".
والأصل في معناها: أنها تفيد التقليل، فقولك: "رُبَّ أخٍ لم تلده أمك"، يعني: نادرا تجد أخا يوادك ويفي معك كما يكون الحال في الأخ الشقيق أو الأخ الذي هو من النسب، يعني هذا قليل في الناس.
قال: (والباء)، قلنا من أشهر معانيها: الاستعانة، تقول: "كتبت بالقلم" يعني: استعنتُ به للكتابة، وتقول: "ضربته بالعصا" أي مستعينًا بالعصا، و"استعنت بالله" واضح أن الاستعانة من الفعل المتقدم.
ومن معانيها: العوض. تقول: "اشتريت القلم بريال"، ودائمًا الباء تدخل على الثمن.
وتأتي بمعنى السببية، ومنه قوله تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ﴾، أي: بسبب نقضهم، فالباء هنا لو حذفتها ووضعت كلمة "سبب" بدلًا عنها لاستقام الكلام.
قال: (والكاف) أشهر معانيه قلنا: التشبيه، تقول: "معاذٌ كالقمر"، فهنا الكاف للتشبيه فشبهت معاذًا بالقمر، من جهة علوه أو وضاءته أو نحو ذلك.
واللام لها معان عدَّةـ أوصلها بعضهم إلى اثني عشر معنى، ومن أشهر معانيها ما مرَّ معنا في بداية الحلقات:
- إما للملك.
- وإما للاختصاص.
- وإما للاستحقاق.
وذكرنا الضابط في ذلك، أن تقع اللام بين ذاتين أحدهما يَملك والآخر يُملك، تقول: "القلم لزيد" فهذه اللام هنا للملك.
وإذا كان أحدهما لا يقبل أن يملك -يعني أحدهما يمكن شراؤه وملكه لكن الذي ورد معه في السياق لا يقبل الملك وليس بعاقل- مثل أن تقول: "اللجام للدابة"، فالدابة لا تملك، واللجام يمكن أن يُشترى، فهنا تكون اللام للاختصاص، مثلا نقول: "الغطاء للقلم"، أي: هذا مختص به.
وإذا كانت الاستحقاق: فهي تقع بين ذات ومعنى، تقول: "الولاء للمؤمن، النصرة للمؤمن"، فهنا "النصرة" و"الحب" معنى من المعاني، وجاء بعد هذه اللام ذات وهي "المؤمن" هذا الرجل الذي آمن بالله؛ فإذا وقعت بين ذات ومعنى فهي تفيد الاستحقاق، يعني مستحق الولاء الكامل هو المؤمن الكامل في إيمانه، وهكذا بحسب تفاوت الناس في هذا الباب.
قال: (وَبِحُرُوفِ اَلْقَسَمِ)، قلنا وهي: الواو والباء والتاء، وأشرنا في أول حلقة أن أم الباب في حروف القسم هي الباء، وسبب ذلك: أنها تدخل على الظاهر والمضمر، تقول: "بالله لا أفعل"، يعني: والله لا أفعل، وتقول: "وبه لا أفعل كذا وكذا"، فأنت أدخلتها مرة على الاسم الظاهر ومرة على الضمير.
بخلاف الواو فإنها لا تدخل إلا على اسم الظاهر، تقول: "والله، والضحى، والفجر، وليالي عشر"، هذه كلها يعني أقسامًا أقسم الله- تبارك وتعالى- فدخلت عليها الواو.
أما التاء فهي مختصة بلفظ الجلالة، ومنه قوله تعالى: ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ﴾، لأن هذا الذي سُمع من العرب وحفظ عنهم، وهي أقلها، ولذلك قالوا هي فقط تدخل على أرض الجلالة جاء في القرآن هو التعبير بهذا الأسلوب، وسُمع قليلًا بعض أساليب القسم في إدخال التاء، مثل: "تربِّ الكعبة، "تالرحمن" لكنها قليلة في مقابل الكلام عن إدخال التاء على للفظ الجلالة.
قال: (وَبِوَاوِ رُبَّ) عندنا "رُبَّ" وعندنا "واو رُبَّ" ومثلنا لـ "رُبَّ" بقول: "رُبَّ أخٍ لم تلده أمك" واضح أن "رُبَّ" هي التي جرت "أخٍ".
أما في قول الشاعر:

وَلَيلٍ كَمَوجِ البَحرِ أَرخى سُدولَهُ *** ........................

أين الذي عمل هنا؟
قيل: الواو هذه التي جرت، فتكون الواو حرف جر، و"ليل" مجرور بواو "رُبَّ" وعلامة جره الكسرة.
وقيل: لا وإنما المجرور هي "رُبَّ" لكنها حذفت وأقيم مقامها الواو هذه وتسمى واو "رُبَّ".
قال: (وَبِمُذْ، وَمُنْذُ)، هذه حروف الجر لكنها مختصة بجر الزمان، ما تجر الذوات، ما تقول: "سلمت مذ زيد"! وإنما يقال: "ما رأيته مذ يومين"، فنقول: "مذ" حرف جر مختص بالزمان مبني على السكون، "يومين" اسم مجرور بـ "مذ" وعلامة جره الياء لأنه مثنى.
إذًا؛ "مذ" لا تدخل إلا على الأزمان، تقول: "ما رأيته منذ شهر"، فـ "منذ" حرف جر لكنه مختص بالدخول على الأزمنة، مثل: "منذ سنة، منذ عام، منذ يومين"؛ كلها أسماء مجرورة بـ "مذ، منذ"، لكن هذه الأسماء التي هي: "سنة، شهر" هل يدخل عليها غير "منذ ومذ" من الحروف؟
نعم، تقول: "ما رأيته من شهر، أو صمت إلى شهر".
إذًا؛ "مذ ومنذ" مختصة بالدخول على أسماء الزمان.
وقيل إنها إذا جاءت في الزمان الحاضر فإنها تكون بمعنى "في"، تقول: "ما رأيته مذ يومنا"، يعني: في يومنا هذا، ونقول: "مذ" حرف جر مختص بالزمان معناه "في"، أي في هذا اليوم، هذه تفاصيل قد لا يحتاج إلى ذكرها في هذا السياق.
ثم انتقل -رحمه الله تعالى- بالكلام عما يخفض بالإضافة وأهمل الكلام عن الخفض بالتبعية، لأن هذا تكرر معنا في باب العطف، وفي باب التوكيد، والنعت، والبدل.
ثم انتقل الآن إلى الكلام فيما يخفض بالإضافة، فنحن اتفقنا الآن أن نحو قولك: "جاء غلام زيد"، سنقول: "جاء" فعل ماض مبني على الفتح، "غلام" فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، "زيد" مجرور بـ "غلام" فالمضاف هو الذي أحدث فيه هذا الخفض، مجرور وعلامة جره الكسرة، لماذا مجرور؟ لأن "الغلام" أضيفت إليه.
هل يمكن تقدير حرف جر بين المضاف والمضاف إليه؟ بمعنى لما تقول: "غلام زيدٍ"؛ هل
يصح أن نقول: "غلام في زيد" أو "غلام من زيدٍ"؟
الجواب: لا، وإنما يصح أن تقول: "غلام لزيدٍ".
إذًا؛ كل مضاف يضاف إلى ما بعده، ينتج عندنا مضاف ومضاف إليه مجرور، هذه الإضافة ليست دائما يصح أن تقدر فيها اللام، وهناك إضافات لا يصح أن تقدر فيها "من"؛ وإنما هناك إضافات -كما سيأتي بعد قليل- أنك يصح أن تقدر حرفًا بين المضاف والمضاف إليه، فهناك من الإضافات ما لا يصح إلا تقدير اللام بينهما، مثل: "قلم محمد" يعني: قلمٌ لمحمدٍ، لاحظ هذا شيئا يَملك والآخر يُملك.
وكذلك لو قلت: "كتاب محمد" يصح تقدير الإضافة هنا باللام، فتقول: " كتاب لمحمد، وكذلك: "سيارةُ زيدٍ: سيارة لزيدٍ".
قال: (وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: مَا يُقَدَّرُ بِاللَّامِ، وَمَا يُقَدَّرُ بِمِنْ; فَاَلَّذِي يُقَدَّرُ بِاللَّامِ نَحْوُ "غُلَامُ زَيْدٍ")، ضعْ لامًا، صارت: غلام لزيد"، ومثلها: "كتب محمد: كتاب لمحمدٍ"؛ إذًا استقام الكلام، فإذا صحَّ أن تدخل اللام بين المضاف والمضاف إليه فهذا يقدر باللام، تقول: الإضافة مقدرة باللام.
هل هناك مواطن لا يصلح فيها تقدير اللام؟
نقول: نعم، وهذا مثل قول المؤلف: ("وَاَلَّذِي يُقَدَّرُ بِمِنْ، نَحْوُ "ثَوْبُ خَزٍّ")، الخزُّ معروف أنه نوع من الحرير، هل يصح أن تقول: "ثوب لخزٍّ"؟ لا، لأن الخز لا يملك.
وكذلك قولك: "بابُ حديدٍ"، هل تستطيع أن تقول: "باب لحديدٍ"؟
الجواب: لا، وإنما الحرف الذي يُقدَّر هنا هو "من".
إذًا؛ الضابط هنا: إذا كان المضاف إليه جزءًا من المضاف؛ فهنا نقدر "من"، فتقول: "بابُ حديدٍ"، أي: بابٌ من حديدٍ"، وكذلك: "خاتم فضة"، أي: خاتم من فضة.
أما إذا لم يكن المضاف إليه جزء من المضاف؛ فإننا نقدر اللام.
مثال: "جوال سعيدٍ"، هل "سعيد" جزء من الجوال؟
إذًا؛ لا يصح أن نقول: "جوال من سعيد"، وإنما نقول: "جوال لسعيدٍ".
مثال: "ثوبُ حريرٍ" هل يصح أن تقول: "ثوبٌ لحريرٍ"؟ لا، طيب هل الحرير جزء من الثوب؟ نعم، إذًا نقول: "ثوبٌ من حريرٍ".
إذًا؛ إذا صحَّ تقدير "من" فهنا نعلم أن المضاف إليه جزء من المضاف فنقدر "من"، أما إذا كان المضاف إليه ليس جزءا منه فإننا نقدر اللام.
ولذلك مثَّل المؤلف بقوله: "ثوبُ خزٍّ"، لاحظ لو وضعنا "من" بينهما وصارت: "ثوبٌ من خزٍّ" لاستقام المعنى.
قوله: (وَ "بَابُ سَاجٍ")، أي: بابٌ من ساجٍ.
قال: (وَ "خَاتَمُ حَدِيدٍ")، أي: "بابٌ من حديدٍ"، فالإضافة هنا بمعنى "من".
وأما في قولك: "غلامُ زيدٍ"، فالإضافة هنا بمعنى اللام.
هذه جملة ما يمكن قوله حول هذه الجزئية في باب المخفوضات من أسماء وهي الباب الأخير الذي ختم به المؤلف -رحمه الله- هذا الكتاب المبارك كتاب (الآجرومية). وبهذا نكون قد أتينا على نهاية ما يمكن قوله في هذه المقدمة النافعة المباركة، وأسأل الله- تبارك وتعالى- أن ييسر وأن يعين على مذاكرتها، والاجتهاد في ضبطها ومراجعتها، وأن تكون إلى المعالي بإذن لله- تبارك وتعالى.
{آمين. جزاكم الله خيرا شيخنا، وفتح الله لكم وزادكم من فضله.
قبل أن نختم حلقتنا نريد كما تعودنا في الحلقات السابقة أن نطبق ما بدأناه في سورة الفتح، ثم بعد ذلك الحلقة نأخذ شيئا من المراجعة حتى تكون زادًا للطالب يكون فيها -إن شاء الله- نوع من المذاكرة والمراجعة لجميع مباحث هذا الكتاب -بإذن الله تعالى.
أحسن الله إليكم، وقد كنا قد توقفنا في الآية الحادية عشرة، قال تعالى: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾}.
لاحظ هنا بدأت الآية بقوله: ﴿سَيَقُولُ﴾ والآن سنجري مقاييسنا على هذه الكلمات، فننظر نحن في أي جزء من أجزاء الكتابة التي مرت معنا.
عندنا هنا "يقول" وعندنا هنا السين، طيب "يقول" هذه هل هي فعل مضارع أو فعل ماض أو فعل أمر؟
الجواب: هذا الفعل قبل دخول السين، إذًا هذا فعل مضارع.
ونلاحظ دائما أن هذه السين و"سوف" لا بد أن تكون زائدة لا تكون من أصل الفعل، فما يأتيني شخص مثلا يقول: "سحر، سبك الفضة، أو سبك الذهب" ويقول هذا فعل مضارع، لأن في أوله السين!
نقول: لا، نحن نشترط أن تكون زائدة، وهنا لو جردنا السين صار "يقول" المضارع ما زال موجودًا عندنا، لكن لو حذفنا "سبك، أو سحر" ستقول "حبك، حر" ما يُمكن!
إذًا؛ يشترط في السين و"سوف" التي يستدل بها على أن هذا الفعل مضارع أن تكون زائدة.
ونحن علمنا أن المضارع مرة يكون مرفوعًا، ومرة يكون منصوبًا، ومرة يكون مجزومًا، فهل هنا هو مرفوع أو منصوب أو مجزوم؟
الجواب: مرفوع، والسبب في ذلك: أنه لم يسبقه ناصب مثل: "لن، وإذا، وكي، ولام كي" إلى آخره من نواصب العشرة التي لا بد من أن تحفظ، ولم يسبقه: "لم لام الأمر، أن، حيثما، كيفما، من، مهما"، ولا غير مما مر معنا، إذًا هو تجرد من النواصب العشرة، وتجرد من الجوازم الثمانية عشر؛ فلابد أن يكون مرفوعًا.
إذًا هو فعل مضارع مرفوع، والسبب: تجرده من الناصب والجازم.
قوله: ﴿لَكَ﴾ اللام هنا حرف جر، ومر معنا أن من حروف الجر اللام، والكاف هنا ضمير متصل مبني على الفتح "لكَ"، طيب لو كان المخاطب أنثى ستقول: "لكِ" ولَقلنا: مبني على الكسر.
إذًا بحسب اللفظة وبحسب الحركة التي على هذا الضمير تقول هو مبني على الفتح، أو هو مبني على الكسر.
إذًا؛ نقول: اللام هنا حرف جر، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر اسم مجرور باللام التي هي حرف الجر.
من الذي سيقول الآن؟
المخلفون، طيب ما هو إعرابها؟
الآن عندنا فعل، والفعل يحتاج إلى فاعل، مَن هؤلاء الذين سيقولون هذا القول؟
المخلفون، إذًا إعراب "المخلفون": فاعل، والفاعل قد يكون اسما مفردا "المخلف"، وقد يكون مثنى "المخلفان"، وقد يكون جمع مذكر سالم "المخلفين"، وقد يكون جمع مؤنث سالم "المخلفات"، فهنا أي هذه الأنواع الأربعة؟
نقول: جمع المذكر السالم.
ومر معنا أن الأصل في الرفع هو الضمة، لكن هنا وجدنا أن ما عندنا ضمة ما يمكن أن نرفع بالضمة، إذًا لا بد من أن ينوب عنها غيرها، والذي ناب عنها هنا هي الواو.
فنقول: "مخلفون" فاعل. وهل هو اسم ظاهر أو ضمير؟
الجواب: ظاهر، مرفوع وعلامة رفعه الواو، لأنه جمع مذكر سالم.
طيب "المخلفون" هذه هل هي اسم أو فعل حرف؟
لو أردنا أن نجري المقاييس، نجد أنها دخلت عليها الألف واللام، إذًا هذا اسم لأن الألف واللام دخلت عليه، وهو فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر.
قوله: ﴿مِنَ الْأَعْرَابِ﴾ "من" بيانية، وهي حرف جر -كما تلاحظ- ومرَّ معنا قبل قليل في حروف الخفض أن من حروف الخفض: "من، وإلى، وعن، وربَّ، ومذ، ومنذ"، إذًا "من" هذه إحدى هذه الأدوات التي مرت في آخر الكتاب.
قوله: ﴿الْأَعْرَابِ﴾، مكسور آخرها، لأن "من" حرف جر، وبعدها اسم فلا بد أن يكون مجرورا، إذًا ﴿الْأَعْرَابِ﴾ اسم مجرور بـ "من" وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
طيب لماذا لم يكن مجرورا وعلامة جره الياء؟
الجواب: لأنه ليس مثنى، ولأنه ليس جمع مذكر سالم، ولأنه ليس من الأسماء الخمسة، إذًا مجرور هو بالكسرة لأنه جمع تكسير، وجمع التكسير -كما مر معنا- لا بد أن تكون علامة جرة الكسرة.
إذا طيب ﴿الْأَعْرَابِ﴾ هذا اسم أو فعل؟
نقول: اسم، لدخول الألف واللام. طيب هذه العلامة الأولى.
طيب وأيضا فيه علامة أخرى وهي: الكسرة التي على الباء.
وكذلك فيه علامة ثالثة، وهي: دخول حرف الخفض عليه الذي هو "من".
قوله: ﴿شَغَلَتْنَا﴾، "شغل" فعل ماض مبني على الفتح، والتاء تاء التأنيث لا محل لها من الإعراب.
قوله: ﴿أَمْوَالُنَا﴾، فاعل، الأموال هي التي شغلت هؤلاء الأعراب، إذًا "أموال" فاعل لكنه تأخر.
و "نا" في قوله ﴿شَغَلَتْنَا﴾ ضمير متصل مبني على السكون وفي محل نصب مفعول به.
ونحن ذكرنا أن المفعول به قد يكون اسمًا ظاهرًا مثل: "أكرمتُ زيدًا"، وقد يكون ضميرا مثل: "ضربنا، أكرمنا، أكرمني، أكرمته، أكرمك".
إذًا نقول: ﴿شَغَلَتْنَا﴾، "شغل" فعل ماضي مبني على الفتح، والتاء هنا تاء التأنيث لا محل لها من الإعراب، و "نا" ضمير متصل في محل نصب مفعول به، و ﴿أَمْوَالُنَا﴾ هذا فاعل.
{حسن الله إليكم شيخنا، ورفع الله قدركم وزادكم من فضله، كانت رحلة موفقة وجميلة حقيقة بصحبتكم في هذا الكتاب المبارك، وأسأل الله أن يفتح عليكم ونلتقي -بإذن الله- في لقاءات أخرى مع السادة المشاهدين، والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام على طيب المتابعة، نلتقي بكم -بإذن الله- في الحلقة القادمة مع المراجعة النهائية -بإذن الله تعالى- لجميع المتن. نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك

سلاسل أخرى للشيخ