{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله الذي شرح صدور أوليائه بالإيمان، وفتح لهم أبواب النصوص بقواعد البيان، وصلى الله على من أنزل الله عليه الكتابَ والميزان، وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان، مرحبًا بطلاب العلم، حياكم الله وبياكم، نرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج (جادة المتعلم) للمستوى الثالث، والذي نشرح فيه (المقدمة الآجرومية) للإمام محمد بن آجروم -رحمه الله تعالى-، يصحبنا بشرحه فضيلة الشيخ/ عبد الله بن حسن الحارثي.
باسمكم جميعًا نرحب بفضيلة الشيخ، حياكم الله شيخ عبد الله}.
أهلا وسهلا ومرحبا حياكم الله وحيا الإخوة المشاهدين والمشاهدات.
{قبل أن نبدأ نلخص ما قد أخذناه في الدرس الماضي نبدأ على بركة الله}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين وبعد، فقد تقدم معنا الكلام عن المقدمة، وضُمِّنَتْ الكلام، وأقسام الكلام، وعلامات كل قسم، والإعراب وأقسامه، وعلامات الإعراب، والأصل في الإعراب، والحركات التي هي الأصلية وما ينوب عنها من حروف أو حركات، وتكلمنا كذلك عن الأفعال، وقلنا: إنَّ أقسامها ثلاثة: الماضي والمضارع والأمر، وتكلمنا كذلك عمَّا يختص بالمضارع من جهة نصبه ومن جهة جزمه، ونكون بذلك انتهينا من الربع الأول من الآجرومية.
ثم انتقلنا إلى القسم الثاني، وتكلم فيه المؤلف -رحمه الله تعالى- عن المرفوعات، وذكرها بحسبه سبع مرفوعات، فذكر الفاعل، ونائب الفاعل، والمبتدأ، والخبر، واسم كان وأخواتها، وخبر إنَّ وأخواتها، والتابع الذي هو النعت، والعطف، والتوكيد، والبدل.
وبدأنا تفصيلا في الكلام عن الفاعل وأحكامه، وقلنا: (هُوَ الاسم اَلْمَرْفُوعُ اَلْمَذْكُورُ قَبْلَهُ فِعْلُهُ)، مثل: "زيد" في قولك: "قام زيد" أو الضمير كقولك: "ضربتُ فتاة"، فهذه "التاء" فاعل، ثم كذلك نائب الفاعل، ويأخذ أحكام الفاعل، ونائب الفاعل يعني: يحذف الفاعل ويقوم المفعول مقامه، فيأخذ أحكام الفاعل، وتتغير الصيغة في ذلك بحسب ما مر معنا.
ثم شرعنا بالكلام عن (المبتدأ والخبر) وهناك أبواب عقب بها المؤلف -رحمه الله تعالى- لها علاقة بالمبتدأ والخبر، فالمبتدأ والخبر كقولك: "زيد مسافر"، فـ "زيد": مبتدأ مرفوع، و "مسافر": هذا خبره، وهناك عوامل تطرأ على المبتدأ والخبر، فتغير ذلك الحكم الإعرابي، أي: تحدث عملا جديدًا، وهذه ثلاثة أبواب:
(كان وأخواتها)، (إنَّ وأخواتها)، و (ظننت وأخواتها) وسيأتي تفصيلها -بإذن الله تبارك وتعالى-، وهذا ما سنشرع فيه اليوم من نواسخ المبتدأ والخبر، وهي: باب (كان وأخواتها).
{قال -رحمه الله-: (بَابُ اَلْعَوَامِلِ اَلدَّاخِلَةِ عَلَى اَلْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ.
وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: كَانَ وَأَخَوَاتُهَا، وَإِنَّ وَأَخَوَاتُهَا، وَظَنَنْتُ وَأَخَوَاتُهَا)}.
العوامل جمع عامل، وهي: إمَّا لفظية وإمَّا معنوية، كما مر معنا، وهي ما اقتضى أن يكون آخر الكلمة على وجه مخصوص. قال: (وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: كَانَ وَأَخَوَاتُهَا)، أي: ونظيرتها في العمل، (وَإِنَّ وَأَخَوَاتُهَا) أي: ونظيرتها في العمل، (وَظَنَنْتُ وَأَخَوَاتُهَا)، أي: ونظيرتها في العمل.
والملاحظ أنَّ هذه العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر تنقسم إلى قسمين من حيث العموم: (كَانَ وَأَخَوَاتُهَا)، (وَظَنَنْتُ وَأَخَوَاتُهَا) وهذه أفعال، وأمَّا (إِنَّ وَأَخَوَاتُهَا) فهي حروف، والآن سيشرع -رحمه الله- في القسم الأول، وهو: (كَانَ وَأَخَوَاتُهَا).
{قال -رحمه الله-: (فَأَمَّا كَانَ وَأَخَوَاتُهَا: فَإِنَّهَا تَرْفَعُ اَلِاسْمَ، وَتَنْصِبُ اَلْخَبَرَ)}.
هذا هو عملها، فـ (كَانَ وَأَخَوَاتُهَا) تدخل على المبتدأ والخبر خصوصًا. وكذلك، (ظَنَنْتُ وَأَخَوَاتُهَا) تقول: "محمد مسافر"، هذه جملة من مبتدأ وخبر، قم بإدخال (كَانَ وَأَخَوَاتُهَا) أو (وَظَنَنْتُ وَأَخَوَاتُهَا) أو (إِنَّ وَأَخَوَاتُهَا) عليها.
إن أُدخلت (كَانَ وَأَخَوَاتُهَا) فإنها ترفع المبتدأ، وتنصب الخبر، وهذا الرفع الذي طرأ على المبتدأ هنا، ليس هو الرفع الأول الذي كان قبل دخول (كَانَ).
"زيد مسافر": زيدٌ مرفوعة، ولَمَّا أدخلنا (كَانَ) على "زيد"، صار مرفوعًا أيضًا، ولكن هذا الرفع ليس هو الرفع الأول الذي كان مرفوعًا بالابتداء؛ لأنَّ المرفوع بالابتداء كان عامله معنويًا، لكونه وقع مبتدًأ، أما هنا فـ (كان) هي التي أثرت فيه بالرفع، فأحدثت له رفعًا جديدًا غير رفعه بالابتداء، فأصبح بعد أن كان يعرب مبتدأ، أصبح هنا يسمى: "اسم كان"، مرفوع.
ومن الأحكام المجملة قبل الخوض في تفاصيلها أنَّ (كَانَ وَأَخَوَاتُهَا) تنقسم إلى أقسام باعتبارات متعددة:
منها ما يعمل بدون شرط، أي: نعملها مباشرة في المبتدأ والخبر دون اشتراط شروط لعملها، مثل: (كَانَ، وَأَمْسَى، وَأَصْبَحَ، وَأَضْحَى، وَظَلَّ، وَبَاتَ، وَصَارَ، وَلَيْسَ)، فهذه ترفع المبتدأ وتنصب الخبر.
ومنها ما يعمل بشرط، وهو أن يتقدم عليه (ما) المصدرية، وهو فعل واحد من (أخوات كان) وهو (دام)، أي لابد أن تسبقه (ما) المصدرية، كما سننبه على ذلك في حينه، فنقول: (مَا دَامَ)، مثال: "لا أصحبك ما دمت عاقًّا" أو نحو ذلك.
ومنها ما يعمل بشرط النفي، وهي أربعة أفعال: (زَالَ، اِنْفَكَّ، فَتِئَ، بَرِحَ) لابد أن يسبقها نفي، فتقول: (مَا زَالَ، وَمَا اِنْفَكَّ، وَمَا فَتِئَ، وَمَا بَرِحَ)، وسيأتي تفصيل ذلك في كلام المؤلف -رحمه الله تعالى.
وهناك تقسيم آخر لـ (كَانَ وَأَخَوَاتُهَا) -كما سيأتي في كلام المؤلف- من حيث التصرف، يعني: منها ما يأتي منه، "الماضي والمضارع والأمر"، وهذه في: (كَانَ، وَأَمْسَى، وَأَصْبَحَ، وَأَضْحَى، وَظَلَّ، وَبَاتَ، وَصَارَ).
ومنها ما يتصرف فقط: المضارع منه والماضي، وهي: (زَالَ، اِنْفَكَّ، فَتِئَ، بَرِحَ)، فيقال:
(ما زال، وما يزال، وما فك، وما ينفك، وما فتئ، وما يفتأ، وما برح، وما يبرح)، فهذه الأفعال يأتي منها الماضي والمضارع، ولا يأتي منها الأمر.
وعندنا القسم الأخير والذي ليس فيه تصرف، وهو: (ليس) فهذه لا يأتي منها إلا الماضي فقط، فلا يصح أن تقول مثلاً: "ليس – يليس"، و(ليس): فعل ماضي لدخول تاء التأنيث في آخرها.
وأمَّا (ما دام) ففيها خلاف، ومن العلماء من صوب أنها لا تتصرف، وإنما تأتي على صورة الماضي، وهناك قول آخر أنَّها تتصرف.
إذًا هذا جملة ما يمكن قوله حول هذه القضية إجمالا، وسيأتي التفصيل -إن شاء الله تعالى.
{قال -رحمه الله-: (وَهِيَ كَانَ، وَأَمْسَى، وَأَصْبَحَ، وَأَضْحَى، وَظَلَّ، وَبَاتَ، وَصَارَ، وَلَيْسَ، وَمَا زَالَ، وَمَا اِنْفَكَّ، وَمَا فَتِئَ، وَمَا بَرِحَ، وَمَا دَامَ، وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا نَحْوَ كَانَ، وَيَكُونُ، وَكُنْ، وَأَصْبَحَ وَيُصْبِحُ وَأَصْبِحْ، تَقُولُ "كَانَ زَيْدٌ قَائِمًا، وَلَيْسَ عَمْرٌو شَاخِصًا" وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ).
هذا جملة ما ذكره -رحمه الله تعالى- فيما يتعلق بـ (كَانَ وَأَخَوَاتِهَا) من جهة ما يتصرف التصرف الكامل، وهي: الماضي والمضارع والأمر، و (كَانَ وَأَخَوَاتِهَا) تسمى بالأفعال الناقصة، وسبب تسميتها بالناقصة أمران:
الأول: قيل إنَّها ناقصة؛ لأنَّها لا تكتفي بالمرفوع، فلو جئت معها بالمرفوع الذي دخلت عليه، يبقى المعنى ناقصا، لَمَّا تقول: "زيد مسافر"، كان المعنى تامًا هنا، وأمَّا إذا قلت لك: "كان زيد"، ستجد أنَّ المعنى لا يزال ناقصًا، ولا يتم المعنى إلا بوجود الخبر، أي: أنها لا تكتفي بالمرفوع، بل لابد من المنصوب معها.
وهناك تفاصيل في الكتب الموسعة، أنَّ (كَانَ) قد تأتي تامَّة ويكتفى معها بالمرفوع، ولكننا نتكلم هنا عن التي تنصب وترفع.
الثاني: قيل إنَّها ناقصة؛ لأنها تدل على الزمن دون بيان الحدث الحقيقي، يعني لو قلت: (كَانَ) فإنها تدل على الفعل الماضي، دون أن تدل على هذا الذي (كان) ما هو؟ هل هذا الذي كان هو: "موت، أو حياة، أو سفر، أو كذا)، فلمَّا كانت تدل على الزمن دون أن يتعلق بها حدث خاص يبين، قيل عنها: إنها ناقصة.
ثم شرع -رحمه الله تعالى- في ذكر هذه الأفعال على سبيل التفصيل. فقال: (كَانَ زَيدٌ حَاضِرًا) ما المقصود بهذا التركيب؟ لَمَّا أقول لك: "زيدٌ حاضرٌ"، فهذا إخبار عن "زيد" بأنه حاضر، ولَمَّا أقول لك: (كَانَ زَيدٌ حَاضِرًا) فأنت تفيد هنا اتصاف اسم كان بالخبر في الزمن الماضي.
(كَانَ زيدٌ عَالِمًا) أي: أنك أفدتني أنَّ اتصافه بالعلم كان في زمن قد مضى، وقد يكون مستمرًا، وقد يكون قد انقطع؛ لتركه للعلم، أو نحو ذلك.
(كَانَ زيدٌ مجتهدًا) فأنت تخبر أنَّ اسم (كان) متصف بخبرها في الزمن الماضي. هل بقي هذا الأمر؟ عندنا تعبير آخر يمكن أن تُعَبِّرَ به إذا كان مستمرًا، تقول: "لا يزال زيد عالِمًا" أو "لا يزال زيد مجتهدًا). وأمَّا إذا قلت لي: "كان زيد مجتهدًا) فأنا أستفيد من هذه العبارة أنَّك تخبر عن الاسم باتصافه بهذا الخبر في زمن قد مضى، وأمَّا إذا أردت أن أبين أنه ما زال مستمرًا، نأتي بـ (ما زال) أو (ما انفك) أو (ما بَرِحَ) التي تدل على ثبات ذلك الخبر بذلك الاسم.
إذًا (كَانَ) تدل على اتصاف الاسم بالخبر في الزمن الماضي، ومثلها: (أمسى، وأصبح، وأضحى) كلها تدل على اتصاف الاسم بالخبر في الزمن في المساء، وفي الضحى، وفي البيتوتة، أي: في وقت الليل.
فـ (أَمْسَى، وَأَصْبَحَ، وَأَضْحَى، وَظَلَّ، وَبَاتَ) تدل على اتصاف الاسم بالخبر في وقت البيات وهو الليل، أو اتصاف الخبر بالاسم في جميع النهار، مثل: "ظل زيدٌ مريضًا" يعني: في جميع النهار، فتقول: (ظَلَّ): فعل ماض ناقص مبني على الفتح، و "زيد": اسم (ظَلَّ) مرفوعٌ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، "مَريضًا": خبر منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
"أصبح زيدٌ مسرورًا"، تفيد اتصاف "زيد" بالسرور في وقت الصباح، فتقول: (أَصْبَحَ): فعل ماض ناقص مبني على الفتح، "زيد": اسم (أَصْبَحَ) مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، "مسرورًا": خبر (أَصْبَحَ) منصوبٌ، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
كذلك تستطيع أن تقول مثلا: "كن مسرورا"، فـ (كُنْ) جاءت بصيغة الأمر، فنقول: (كُنْ): فعل أمر ناقص، يرفعُ الاسم، وينصب الخبر، واسم (كُنْ) ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنت، و "مسرورًا": خبر (كُنْ) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
تقول: "جئتك لتكون حافظًا"، أو "جئتك كي تكون مجتهدًا"، يعني: لتكون أنت مجتهدًا.
إذًا، يأتي منها الماضي، ويأتي منها المضارع، ويأتي منها الأمر، ويكون لها اسم، إمَّا مستتر، وإمَّا ظاهر، ولها خبر كذلك يكون منصوبًا، ولذلك قال -رحمه الله تعالى-: (كَانَ زَيْدٌ قَائِمًا)، (كَانَ): فعل ماض ناقص، و "زيد": اسم (كان) مرفوع، و "قائمًا": خبر كان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
وهنا سواء كان اسمها وخبرها مُفردًا -كما هنا- أو كان مثنى، مثل: "كان الرجلان حاضرين"، "كان": فعل ماض، "الرجلان": اسم كان مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى، "حاضرين": خبر كان منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه مثنى.
"كان الرجال حاضرينَ"، فـ "الرجال": اسم كان مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، "حاضرين": خبر كان منصوب، وعلامة نصبه "الياء"؛ لأنه جمع مذكر سالم، إذًا (كان) هي التي تعمل فيها، سواء كان لمذكر، أو لمؤنث، أو لمفرد، أو لجمع، أو لمثنى، أو لجمع تكسير، أو غير ذلك، طالما أنَّ العامل واحد، فإنَّ عمله واحد من جهة أنه يرفع المبتدأ ويكون اسمًا له، وينصب الخبر ويكون خبرًا له.
في قوله: (وَلَيْسَ عَمْرٌو شَاخِصًا)، هنا مَثَّلَ بـ (لَيسَ)، "ليس": فعل ماض من أخوات (كان) يفيد النفي، مبني على الفتح، "عمرو": اسم ليس مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، "شاخصًا": خبر ليس منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
قال -رحمه الله تعالى-: (وَصَارَ، وَلَيْسَ) صار من أخوات (كان)، لكنها تفيد التغير والتحول والانتقال، تقول مثلا: "صارَ العجينُ خُبزًا"، (صَارَ): من أخوات (كان)، فعل ماض ناقص يفيد التحويل أو الصيرورة أو التغير، "العجين": اسم (صار) مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، "خبزًا": خبر (صار) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
تقول مثلا: "صَارَ الطفلُ رجلاً"، أي: تحول وانتقل من كونه صغيرًا إلى كونه كبيرًا، إذًا (صَارَ): فعل ماض ناقص، "الطفل": اسم (صَارَ) مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، "رجلاً": خبر (صار) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
لاحظ هنا قال: (وَمَا زَالَ، وَمَا اِنْفَكَّ، وَمَا فَتِئَ، وَمَا بَرِحَ) هذه هي التي تعمل بشرط أن يسبقها نفي أو شبهه. ومثاله لو قلنا: "ما انفك زيد مجتهدًا"، نقول: (مَا) نافية، وهي شرط في: (وَمَا زَالَ، وَمَا اِنْفَكَّ، وَمَا فَتِئَ، وَمَا بَرِحَ)، أي: لا بد أن تسبق بهذا النفي، سواء كانت (ما) أو (لا) أو (لن) أو غير ذلك مما يدل على النفي، نقول مثلا: "مَا انفكَ زيدٌ"، (ما): نافية، (انفك): فعل ماض ناقص من أخوات (كان) مبني على الفتح، "زيد": اسم (انفك) مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، "مجتهدًا": خبر انفك منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
"لا يزال الرجل محسنًا"، (لا): نافية، (يزال): فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، "الرجل": اسم (يزال) مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهر على آخره، "محسنًا": خبر (يزال) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
ومثل ذلك: (وَمَا اِنْفَكَّ، وَمَا فَتِئَ، وَمَا بَرِحَ) أي اتصاف هذا الاسم بالخبر على سبيل الدوام، يعني: هذا الوصف ما زال ملازما له ما انفك، ﴿قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾ يعني: لا يزال حالك مستمرا في ذكر يوسف، والحزن عليه، والتألم من فقده مستمر معك، حتى تكون حرضا إلى آخر الآية.
وقلنا: إنَّ (مَا اِنْفَكَّ، وَمَا فَتِئَ، وَمَا بَرِحَ) يأتي منها الماضي والمضارع، وفي كل الأحوال هي تفيد الاستمرار، ولكن شرط عملها أن تسبق بنفي، قال تعالى: ﴿قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ﴾ (لن) سبقت، وهي أداة نفي، إذًا تحقق الشرط، "نبرح": فعل مضارع منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، واسم (نبرح) ضمير مستتر وجوبًا تقديره "نحن"، "عاكفين": خبر نبرح منصوب، وعلامة نصبه "الياء"؛ لأنه جمع مذكر سالم.
مثال: قوله تعالى: ﴿وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾، لاحظ قد تحقق الشرط، و (لا يزالون) مضارع (يزال) ولكن اتصل به واو الجماعة، فأصبح من الأفعال الخمسة.
نقول: (لا) نافية، يزالون: فعل مضارع مرفوع، ولم نقل: مجزومًا؛ لأنَّ (لا) هذه نافية، وتحدث عملا فيه، "يزالون": مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنَّه من الأفعال الخمسة، و "الواو" ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع اسم (يزال)، و "مختلفين": خبر (يزال) منصوب، وعلامة نصبه "الياء"؛ لأنه جمع مذكر سالم، وهذه الأمثلة من باب التنوع في العبارة.
إذا عندنا (اِنْفَكَّ، وفَتِئَ، وبَرِحَ) يأتي منها الماضي والمضارع، وشرط عملها هذا العمل وهو: رفع ما بعدها ويكون اسمًا لها، ونصب ما بعدها ويكون خبرًا لها، أن تكون مسبوقة بنفي، سواء كان النفي بـ (ما) أو (لا) أو (لن) أو غير ذلك مما يفيد النفي.
ثم قال: (وَمَا دَامَ) هذه أيضا من أخوات (كان)، وشرطها كما قلنا: أن تُسبق بـ (ما) المصدرية ولا بد، والمقصود بـ (ما) المصدرية، أنَّ (ما) مع ما بعدها، يظهر لنا أمران:
المصدر بالإضافة إلى لفظ يدل على الزمن، فإذا قال شخص لآخر: "لا أصحبك ما دمت تاركًا للصلاة"، فـ "لا": حرف نفي، أصحب: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة على آخره، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره: "أنا"، والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به، "ما دمت": (ما) مصدرية ظرفية، كيف؟
(ما دمت) يعني: "مدة"، وهذا ظرف زمان، يعني: في وقت حصول قطع الصلاة منك لا أصحبك.
إذًا (ما) تدخل على ما بعدها، وهي كلمة (دام)؛ فتظهر لنا أمران، المدة التي تفيد الزمن، وتفيد كذلك المصدر، أي: مدة دوامك، لا بد أن نقول هكذا. ولو أردنا أن نعرب إعرابًا تفصيليًا، نقول: (ما) مصدرية ظرفية، (دام): فعل ماضي ناقص من أخوات (كان)، والتاء ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع اسم (دام)، "عاقًا": خبر (دام) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. لماذا عملنا هذا العمل؟ لأنه تحقق بها الشرط، أي: جاءت (دام)، وسبقت بـ (ما) التي تدل على المصدرية والظرفية، يعني: لو أردنا أن نسبكها ونخرج العبارة بآخر صورة نقول: "لا أصحبك مدة دوامك عاقًّا"، و "مدة" ظرف الزمان، و "دوامك" مأخوذ من نفس الفعل (دام)، تقول: "دامَ، يَدومُ، دوامًا"، فنحن أضفنا هذه اللفظة "مدة" التي تدل على الزمن إلى المصدر الذي بعدها، "مدة دوامك"، ثم نقول: "عاقا أو تاركًا": خبر (دام) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، ومنه قول الله -تبارك وتعالى-: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ يعني: مدة دوامي حيًا، فـ (ما) هنا مصدرية ظرفية، و (دمت) دام: فعل ماض ناقص، مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع، التاء: ضمير متصل في محل رفع اسم (دام)، "حيا": خبر (دام) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
إذًا (دام) شرطها أن تسبق بـ (ما)، وهي ليست (ما) النافية التي مضت معنا في: (اِنْفَكَّ، وفَتِئَ، وبَرِحَ)، بل هي (ما) المصدرية الظرفية التي تنسبك مع ما بعدها بمصدر وظرف، ثم يظهر بعد ذلك اسمها، سواء كان اسمًا ظاهرًا أو كان ضميرًا، ثم يأتي بعد ذلك الخبر.
قوله: (وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا نَحْوَ كَانَ، وَيَكُونُ، وَكُنْ)، أي: يكون المضارع والأمر، وهكذا في بقية الأفعال التي يأتي منها التصرف. فلا يظن الظانُّ أنه لَمَّا نقول: (كان وأخواتها) أنها لا تعمل إلا في حالة الماضي، بل حتى في حالة المضارع، وكذلك في حالة الأمر، وهذا العمل هو: رفع الاسم ونصب الخبر.
وبهذا نكون قد مررنا على أهم ما يمكن الحديث عنه في هذه الجزئية، (نَحْوَ كَانَ، وَيَكُونُ، وَكُنْ، وَأَصْبَحَ وَيُصْبِحُ وَأَصْبِحْ)، ولو أردنا مثلا أن نأتي بأمثلة لـ (أَصْبَحَ)، ونريد أن نخاطب آخر بالأمر، فنقول: "أَصْبِحْ مُصليًا"، أو "أَصْبِحْ مُستغفرًا"، (أَصْبِحْ): فعل أمر من أخوات (كان) يرفع المبتدأ، وينصب الخبر، مبني على السكون، واسم (أَصْبِحْ): ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنت، "مُصليًّا": خبر (أَصْبِحْ) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وعلى هذا فقس.
{قال -رحمه الله-: (وَأَمَّا إِنَّ وَأَخَوَاتُهَا: فَإِنَّهَا تَنْصِبُ الاسْمَ وَتَرْفَعُ الْخَبَرَ، وَهِيَ: إِنَّ، وَأَنَّ، وَلَكِنَّ، وَكَأَنَّ، وَلَيْتَ، وَلَعَلَّ، تَقُولُ: إِنَّ زَيْدًا قَائِمٌ، وَلَيْتَ عَمْرًا شَاخِصٌ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَمَعْنَى إِنَّ وَأَنَّ لِلتَّوْكِيدِ، وَلَكِنَّ لِلِاسْتِدْرَاكِ، وَكَأَنَّ لِلتَّشْبِيهِ، وَلَيْتَ لِلتَّمَنِّي، وَلَعَلَّ لِلتَّرَجِي وَالتَّوَقُعِ)}.
هذا باب آخر عقده المؤلف -رحمه الله تعالى- أيضًا لبيان العوامل التي تدخل على المبتدأ والخبر، فكما أنَّ (كان) تدخل على المبتدأ والخبر، فترفع الاسم الأول، ويكون اسما لها، وتنصب الثاني خبرًا لها؛ فـ (إِنَّ) تعمل عكس عمل (كان) يقول ابن مالك:
لِـ (إِنَّ، أَنَّ، لَيْتَ، لَكِنَّ، لَعَلّْ … كَأَنَّ): عَكْسُ مَا لِـ (كَانَ) مِنْ عَمَلْ
فـ (كَانَ) ترفع وتنصب، بينما (إِنَّ) تنصب وترفع، والغرض من هذا التنويع: أنَّ العرب تستخدم هذه الألفاظ للدلالة على معانٍ جديدة، لولا هذه الحروف وتلك الأفعال، لَمَا ظهر ذلك المعنى الذي يُراد إيصاله إلى المستمع، إذًا لَمَّا تستخدم العرب هذه الألفاظ لا تستخدمها اعتباطًا، وإنما لمعان تستفاد من هذه الحروف، فمثلا (إِنَّ)، يقول الشيخ -رحمه الله تعالى-: هنا تفيد التوكيد، أي: كما نقول: "محمدٌ مسافرٌ" فأرى في وجهك التردد، وكأنك تشكك في هذا الأمر، أو أنك غير متيقن منه، فيحسن في هذا الحال أن أقول: "إِنَّ زيدًا مسافرٌ"، فأؤكد نسبة الخبر إلى الاسم.
أنا الآن أريد أن أؤكد نسبة السفر إلى زيد، فلما أخبرتك ابتداًء قلت: "زيدٌ مسافرٌ" وجدتَّ أن هناك ما يدعو إلى الشك أو الريبة عندك، أو أنَّ عندك شيئا متأصلا من قبل أنه لم يسافر، وكأنك رأيت سيارته في الخارج، أو كذا، فأردت أن أطرد هذا الوهم الذي في قلبك فقلت: "إنَّ زيدًا مسافرٌ".
إذا وجدت أنك ما زلت شاكًا، فهناك أسلوب آخر عربي في تأكيد هذا الأمر، فأقول: "إِنَّ زيدًا لمسافر"، فأزيد اللام على الخبر، فإذا رأيتك مُصرًا على ذلك، فقلت: "والله إنَّ زيدًا لمسافر"، فالآن جمعت لك بين أكثر من مؤكد لرفع هذا الوهم الذي عندك.
إذًا، هي تؤتى لمثل هذا الخبر، ومنه قول الله- تبارك وتعالى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ﴾، وأحيانا يخبر الله -عز وجل- دون تأكيد، لظهور هذا الأمر، فلا يحتاج إلى توكيد أصلاً، كقوله: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾، فما يحتاجون إلى تأكيد؛ لظهور هذا الأمر ظهورًا بينًا لا يمكن أن ينكر أبدًا.
قال: (إنَّ، وأنَّ) يفيدان التوكيد، والفرق بين (إنَّ، وأنَّ) من جهة اللفظ أنَّ همزة (إنَّ) مكسورة، بينما همزة (أنَّ) مفتوحة، ولكن (إنَّ) يمكن ابتداء الكلام بها، أي: أن أخبر بها مباشرة، "إنَّ زيدًا حاضرٌ"، (إنَّ) حرف توكيد ونصب، لا محل له من الإعراب، "زيد": اسم (إنَّ) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، "مسافر": خبر (إن) مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
لكن (أَنَّ) لا يمكن أن يبتدئ بها الكلام، بل لا بد أن يسبقها كلام عليها، حتى يصح إيقاعها في سياق الكلام، فتقول: "علمتُ أنَّ زيدًا مُسافر"، "أيقنت أنَّ العلمً سهلٌ"، "أيقنت أنَّ الله غفورٌ رحيم".
إذًا هي تفيد أنَّ الله غفور رحيم، وأنَّه -سبحانه وتعالى- يتصف بالمغفرة والرحمة- عز وجل-، ولكن لا يمكن أن تأتي بها في ابتداء الكلام، ولذا لا يصح أن يقال: "أنَّ الله غفور رحيم"، لأنَّه أسلوب غير صحيح، والصواب أن يقول: "إنَّ الله غفور رحيم"، ولكن لو جاء في سياق الكلام نقول: يصح في هذا أن تقول: "علمت أنَّ الله غفورٌ رحيمٌ"، أو تقول: "علمت أنَّ الطالب مجتهد"، أو نحو ذلك من العبارات.
إذًا، (إِنَّ) يحسن الابتداء بها في بداية الجملة، أمَّا (أَنَّ) فلا بد أن تكون في ضمن سياق متقدم، وهما من حيث المعنى يفيدان التوكيد.
قال: (وَلَكِنَّ لِلِاسْتِدْرَاكِ)، والمقصود بالاستدراك رفع ما يتوهم ثبوته، أو إثبات ما يُتوهم رفعه، فلما أقل لك مثلا: "الأصدقاء كثيرون"، هذا مبتدأ وخبر، "الأصدقاء": مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة، "كثيرون": خبر مرفوع وعلامة رفعه الواو؛ لأنه جمع مذكر سالم.
وهنا يقع في ذهن المستمع (أنَّ) الوفاء فيهم كثير، فإذا أردت أن أرفع هذا الوهم الذي وقع في قلبه من جهة أنَّه ظنَّ أنهم كثيرون في الوفاء، "لكن الأوفياء قليلون"، أقول:
(لكن): حرف استدراك ونصب، فهو ينصب الاسم ويرفع الخبر، "الأوفياء": اسم (لكن) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، "قليلون": خبر (لكن) مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنَّه جمع مذكر سالم.
إذًا الاستدراك المقصود به أن تأتي بكلام، وهذا الكلام يُفهم منه معنى عند السامع، فأنت تريد أن ترفع ذلك الوهم أو تثبت ما تظن أنه ارتفع منه، فمثلا يقول: "الكتاب صغير"، فأنت يقع في قلبك أنه ليس فيه فائدة، فأرفع هذا الوهم عنك، فأنا أثبت خلاف ما وقع في قلبك، أو إثبات ما يُتوهم رفعه، فأقول: "لكنه مفيد"، "لكن": حرف استدراك ونصب، لا محل من الإعراب، الهاء ضمير متصل مبني، لكنه مبني على الضم في محل نصب اسم (لكن)، "مفيد": خبر (لكن) مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
إذًا يؤتى بها لرفع ما يُتوهم ثبوته، أو إثبات ما يُتوهم رفعه.
مثال آخر: "محمد شجاع"، "محمد": مبتدأ، "شجاع": خبر. الآن قد يقع في ذهن المستمع أنه كريم وقوي وغير ذلك، لكنه جبان. فأنا أردت أن أرفع هذا الذي توهمت ثبوته أنت، فقلت: "لكنه جبان"، فأنا أتيت بـ (لكن) للاستدراك، أي: من أجل رفع هذا الوهم الذي قد يقع في قلب المستمع، وعلى هذا فلابد أن تأتي بـ (لكن) لرفع ذلك الوهم الذي يقع وهكذا.
قال: (وَكَأَنَّ) للتشبيه، أدوات التشبيه كثيرة، منها: الكاف، وكأن، ومثل، ومنها المضارع، إلى غير ذلك. لكن هنا تقول: "كأنَّ زيدًا بحرٌ"، "كأنَّ زيدًا أسدٌ"، فنقول: (كَأَنَّ): حرف مُشبه بالفعل، يفيد التشبيه، "زيدًا": اسم (كَأنَّ) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، "أسد": خبر (كَأَنَّ) مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. إذًا أنت تُشبه زيدًا بالأسد.
ما هو الأسلوب العربي الذي يؤتى به؟ قالوا: نأتي بـ (كَأَنَّ)، وقد يأتون بالكاف نيابة عنها، تقول: "زيد كالأسد"، لكن: (كَأَنَّ) أقوى توكيدًا من الكاف.
أيهما أعظم من (كأنَّ وأنَّ) أن تنفي هذا كله فتقول: "زيد أسد"، فـ (كأنَّ) فيها تشبيه إلى حد كبير، و "الكاف" فيه تشبيه أيضًا، لكن لَمَّا تحذف أداة التشبيه تماما التي هي: (كَأَنَّ وأنَّ) وتقول: "زيد أسد"، يكون هذا أعظم مبالغة من الإتيان بـ (كَأَنَّ)، ومِنَ الإتيان بالكاف.
إذا المقصود بـ (كَأَنَّ) التشبيه، مثال: ﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ﴾، (كَأَنَّ): حرف مشبه بالفعل، ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، "هم": الهاء ضمير متصل مبني في محل نصب اسم (كَأَنَّ)، "حُمُر": خبر (كَأَنَّ) مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، "مُستنفرة": هذا وصف لها.
قال: (وَلَيْتَ لِلتَّمَنِّي) ليت يؤتى بها للشيء الذي يستحيل عادة، أو بعيد جدًا، "ليتَ الشبابَ يعودُ يومًا"، (ليت): حرف مُشبه بالفعل يفيد التمني، ينصب الاسم، ويرفع الخبر، "الشبابَ": اسم ليت منصوب، "يعود يَومًا": جملة فعليه خبر (ليت) في موضع رفع خبر ليت.
إذا (ليت) للشيء الذي يستحيل أو للشيء الذي يبعد وقوعه. مثال لِمَا بَعُدَ وقوعِه: رجل فقير جدًا وقبيلته في أدغال أفريقيا، فقال: "ليت لي مالا أحجُ به" فنقول: (ليت) للتمني، لكنها هنا ليست بمستحيل، فقد يعطى مالا ليحج، نعم الأمر بعيد، ولكنه ليس بمستحيل، وأمَّا "ليتَ الشبابَ يعودُ يومًا" فمستحيل أن يعود.
"ليتني ألمس السماء": فلن تستطيع أن تلمس السماء؛ لأنَّ هذا مستحيل، إذًا يُؤتى بها للأمر المستحيل حدوثه، أو للأمر البعيد الذي يمكن حصوله، ولكن حصوله كان بعيدًا.
وأمَّا (لَعَلَّ) فتفيد معنيين: (لَعَلَّ) تفيد الترجي، وهو الطمع في حصول المرغوب، فأنت ترجو شيئًا، وتطمع في أمر، فتأتي بهذا التركيب وهو (لعل) تقول: "لعلَّ اللهَ يَرحمني" يعني: أرجو من الله أن يرحمني، فنقول: (لعلَّ): حرف مشبه بالفعل، يفيد الترجي، ينصب الاسم ويرفع الخبر، من أخوات (إِنَّ) طبعا، "الله": اسم (لعل) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، "يرحمني": فعل مضارع، والجملة في محل خبر (لعل).
{هل (لعل) تدخل في الدعاء؟}.
نعم؛ لِمَا فيها من الرجاء، والطمع، وإظهار الافتقار، وكذا.
نقول: "لعل زيدًا حاضرٌ"، (لعل): حرف مُشبه يُفيد الترجي، "زيدًا": اسم (لعلَّ) منصوب، وعلامة نصبه الفتح الظاهرة على آخره، "حاضر": خبر لعلَّ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
إذًا (لعل) تفيد الترجي، وتفيد التوقع، يعني: توقع حصول ذلك الشيء، مثال: شخص ينظر للسماء فيرى الغيم، فيتوقع نزول المطر، بسبب تهيئ الظروف الجوية التي في العادة ينزل معها المطر، فيقول: "لعل المطرَ نازلٌ"، (لعلَّ): حرف مُشبه بالفعل، يفيد التوقع، "المطر": اسم (لعلَّ) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، "نازل": خبر لعلَّ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
إذًا (لعل) تفيد إمَّا الترجي، وهو حصول المحبوب، أو تفيد توقع حصول شيء متى ما تهيأت ظروفه.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَأَمَّا ظَنَنْتُ وَأَخَوَاتُهَا: فَإِنَّهَا تَنْصِبُ الْمُبْتَدَأَ وَالْخَبَرَ عَلَى أَنَّهُمَا مَفْعُولَانِ لَهَا، وَهِيَ: ظَنَنْتُ، وَحَسِبْتُ، وَخِلْتُ، وَزَعَمْتُ، وَرَأَيْتُ، وَعَلِمْتُ، وَوَجَدْتُ، وَاتَّخَذْتُ، وَجَعَلْتُ، وَسَمِعْتُ؛ تَقُولُ: ظَنَنْتُ زَيْدًا قَائِمًا، وَرَأَيْتُ عَمْرًا شاخصًا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ)}.
هذا الباب الثالث الذي عقده المؤلف -رحمه الله تعالى- كذلك في العوامل التي تدخل على المبتدأ والخبر، فبعد أن ذكر (كان وأخواتها) من حيث إنها ترفع الاسم وتنصب الخبر، ذكر (إنَّ وأخواتها) التي تنصب الاسم وترفع الخبر، وذكر معانيها، وها هنا يتكلم عن باب ثالث، يتكلم عن: (ظَنَّ وأخواتها) أي: نظيراتها في العمل، وهي تدخل على المبتدأ والخبر، فتنصب المبتدأ والخبر معًا، تنصب المبتدأ على أنه مفعول به أول، والخبر على أنه مفعول به ثان.
مثال: "ظننتُ زيدًا حاضرًا"، (ظننت): فعل ماض، مبني على السكون، لاتصالها بضمير الفاعل، و "التاء": ضمير متصل مبني على الضم، في محل رفع فاعل، "زيدًا": مفعول به أول منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، "حاضرًا": مفعول به ثان لـ (ظن) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
إذًا، (كان أخواتها، وإنَّ وأخواتها، وظَنَّ وأخواتها) كلها تدخل على المبتدأ والخبر، فأمَّا (كان أخواتها، وإنَّ وأخواتها) يكون المبتدأ اسمًا لهم، والخبر حبرًا لهم، وأمَّا (ظنَّ وأخواتها) فتدخل على المبتدأ والخبر، ولكنها لا تُصيره اسمًا وخبرًا لها، بل يكون مفعولاً به أول في المبتدأ، ومفعولا به ثان للخبر.
لو أردنا أن نضرب مثالاً باسم ظاهر، فنقول: "ظن زيدٌ محمدًا حاضرًا"، هم على العادة يقولون: ظننتُ، يصيرون بها الضمير الذي هو "التاء" التي هي الفاعل، ولكن لو أردنا أن نظهر الفاعل فنقول: "ظنَّ زيدٌ عمرًا حاضرًا"، الجملة أصلها "عمرٌ حاضرٌ"، مبتدأ وخبر، فأدخلنا (ظَنَّ) عليها، وجئنا معها بالفعل الخاص بها، فنقول: (ظَنَّ): فعل ماض مبني على الفتح، "زيد": فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
نحن إلى الآن لم ندخل في تأثير (ظَنَّ) من جهة النصب.
"عَمْرًا حاضرًا" التي كان في أصلها: "عمرٌ حاضرٌ"، فلمَّا أدخلنا (ظَنَّ) فحولت الرفع إلى نصب، فأصبحت: "عَمْرًا حاضرًا"، "عَمْرًا": مفعول به أول بـ (ظَنَّ) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، "حاضرًا": مفعول به ثان بـ (ظَنَّ) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
إذًا عندنا (ظَنَّ) تنصب المبتدأ والخبر معًا، وهذا المبتدأ والخبر قد يكونا اسما ظاهرًا، وقد يكونا ضميرًا متصلاً، تقول: "ظننتك مُستعدا"، لو أردنا أن نعربها يا شيخ معاذ نقول: (ظن): فعل ماض، مبني على السكون لاتصاله بضمير الفاعل، "التاء": ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، و "الكاف": ضمير متصل في محل نصب مفعول به أول. إذًا المفعول الأول قد يكون ظاهرًا، وقد يكون ضميرًا، "حاضرًا": مفعول به ثان بـ (ظَنَّ) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
إذًا، قد يأتي عندنا المفعول الأول والثاني لـ (ظَنَّ) اسمين ظاهرين، "ظننت زيدًا حاضرًا"، وقد يكون ضميًرا، وقد يكون كلاهما ضمير.
"الصديق ظَنَنْتُكَهُ"، "الصديق": مبتدأ، "ظَنَنْتُكَهُ": هذه اجتمع فيها (ظَنَّ) التي هي فعل ماض، و"التاء" التي هي ضمير متصل في محل رفع فاعل، و "الكاف": ضمير متصل مفعول به أول، "الهاء": ضمير متصل مبني، في محل نصب مفعول به ثان.
إذًا قد يكون مفعولا (ظن) اسمان ظاهران، وقد يكون أحدهما ظاهرًا، والثاني مضمرًا، وقد يكون كلاهما ضمير.
العلماء يقسمون (ظن) أربعة أقسام من حيث اعتبارات عدة، من حيث إنها تفيد الترجيح، ولا تفيد اليقين، فمن أخوات (ظَنَّ) ما يفيد الترجيح، يعني: يتعدى مرحلة الشك، ولكنه لم يصل إلى مرحلة اليقين. فلما تقول: (ظَنَّ، حَسِبَ، زَعَمَ) كل هذه الأشياء داخلة في حيز الظن، لأنهم كما يقولون: مراتب الإدراك أربعة أو خمسة، من واحد إلى تسعة وأربعون يسمى: وهمًا، يعني: شيئًا لا حقيقة له، وإنما هو مجرد تصور فقط دون أن يكون له حقيقة، كما لو تصور بعضهم أنني الآن جالس على البحر، نحن في الحقيقة جالسون هنا في الأستوديو وليس في البحر، فكونه يقع هذا يسمى وهما.
طيب من خمسين؟ هذا يسمى: الشك، وهو استواء الطرفين، "هل الشيخ أبو عديلة موجود أو غير موجود؟" هذا فيه شك، هذا خمسين في المئة.
من واحد وخمسين إلى تسعة وتسعين، هذا يسمى: ظَنًّا، وأمَّا إذا وصلت إلى مرحلة اليقين ورأيت هذا الشخص، فهذا أصبح يقينًا، وهذا مئة في المئة.
أخوات (كان) وأخوات (ظن) تتفرع على شيء من هذا، فمنها ما يفيد الظن، يعني: ليس شكًا ولا وهمًا، وإنما مرحلة أعلى وهي: "الظن"، فهذه يستخدم لها: (ظَنَّ، حَسِبَ، خَالَ، زَعِمَ).
تقول: "ظننتُ زيدًا حاضرًا"، يعني: أنت لم تصل لمرحلة اليقين، لكن عندك ظن غالب وترجيح أنه حاضر.
تقول: "حسبت زيدًا مزارعًا"، يعني: أنا غلب على ظني أنه مُزارع، من هيئته، أو من سيارته، فأنت في حيز الظن، ولم تصل إلى مرحلة اليقين. لكن لو جاء وأخبر عن نفسه وقال: "أنا مدرس"، فهنا أصبح الأمر يقينًا، تقول: "أيقنت زيدًا مدرسًا"، انتقل من الظن إلى اليقين، وكذلك: زعمت، يقولون: الزعم أخو الكذب عند العرب، ويعبرون به عن الكذب أو القريب من الكذب، ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا﴾ يعني: كذبوا في دعواهم، لكن هي تفيد أيضًا الظن، يعني تقول: "زعمتُ زيدًا مسافرًا"، يعني: وقع في ظني، وفي خلدي أنه مسافر.
تقول: "خلت زيدًا مسافرًا"، "خلت": خال فعل ماض مبني على السكون، لالتصاقه بضمير الفاعل، و "التاء": ضمير متصل مبني على الضم، في محل رفع فاعل، "زيدًا": مفعول به أول لـ "خلت"، "مسافرًا": مفعول به ثان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره
إذًا، (حَسِبَ، ظَنَّ، زَعَمَ، خَالَ) كلها تفيد ترجيح الظن، وهناك من أخوات (ظَنَّ) ما يفيد اليقين، يعني: إذا أَخبرت بها تفيد أنَّ ذلك الشيء تيقنت منه أنه حصل على وجه القطع، فمثلا إذا قلت لك: "رأيتُ النحو سهلا"، "رأى": من أخوات (ظَنَّ) لكنه يُفيد اليقين، نقول: "رأى محمدٌ النحوَ سهلاً"، "رأى": فعل ماض مبني على الفتح، من أخوات (ظَنَّ) ينصب المبتدأ والخبر على أنهما مفعولا له. "زيد": فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، "النحو": مفعول به أول لـ (رَأى)، "سهلا": مفعول به ثان لـ (رَأىَ).
والمقصود هنا ليس (رأي) البصرية أو التي يراها الإنسان في المنام، وإنما (رَأىَ) القلبية التي بمعنى العلم، تقول: "رأيت معاذًا كريمًا"، يعني: وجدته كريما، وأيقنت وعلمت وحصل لي يقين بأنه متصف بهذه الصفة.
إذًا عندنا (رأيت) التي بمعنى العلم، تقول: "رأيت القرآن هاديًا"، يعني: علمت علما يقينيًا أنَّ القرآن يهدي إلى طريق الله -تبارك وتعالى-.
إذًا (رأى) تستخدم كما تستخدم (ظنَّ) من جهة أنها تنصب مفعولين، لكنها تفيد الشيء القلبي المجزوم به، ومنها: (عَلمْتُ) تقول مثلا: "علمت الصدق مَنجاة"، أصلها: "الصدق منجاة"، مبتدأ وخبر، دخلت عليها (ظَنَّ وأخواتها). "علم": فعل ماض من أخوات (ظنَّ) ينصب المبتدأ والخبر، و "التاء": ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، "الصدق": مفعول به أول، "منجاة": مفعول به ثان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. إذا ما معنى علمت؟ نقول: أي أيقنت.
(وَجَدْتُّ) تقول: "وجدت الصبر مُرًّا"، يعني: أيقنت لما تصبرت وتجرعت الشدائد، أنَّ الصبر فيه شيء من المرارة، لكن عاقبته محمودة. تقول: "وجدت الصبر مرًا" أي: أيقنت ووجدت وعلمت واتضح لي وبان وظهر، وغير ذلك مما يدل على أنك حصلت على حكم مقطوع به.
تقول: "وجدت النحو سهلا"، أي: أيقنت أنه سهل، وهو كذلك إن شاء الله. والنحو يقولون: دقيق وليس بصعب، وإنما فيه شيء من الدقة، فالمقصود أن عندنا (ظن) إما منها ما يفيد الترجيح وغالب الظن، ومنها ما يفيد اليقين، وهي ثلاثة أفعال: (عَلِمَ، رَأىَ، وَجَدَ)، وهناك ما يفيد الانتقام والتحويل، تقول مثلا: "اتخذت القماشَ ثوبًا"، يعني: صيرت القماش ثوبًا، "اتخذ": فعل ماض من أخوات (ظن)، مبني على السكون، و "التاء": ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، "القماش": مفعول به أول، لـ "اتخذ"، "ثوبا": مفعول به ثان، أصلها: "القماش ثوب"، أي: لو أردنا أن نقربه.
﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا﴾، أي: صيره وجعله خليلا له، وهذه رتبة عظيمة جدًا، "اتخذ": فعل ماض، و "الله": لفظ الجلالة، فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، "إبراهيم": مفعول به أول، "خليلاً": مفعول به ثان.
تقول مثلا: "اتخذوا الملائكة إناثًا"، أي: جعلوا الملائكة وصيروها في اعتقادهم إناثًا، و "الملائكة": مفعول به أول، و "إناثًا": مفعول به ثان.
(جعلت) تفيد التصيير، "جعلت الطين طوبًا" يعني: صيرته من هذه الحالة، وهي عدم التماسك، إلى أن يكون طوبة يصح البناء بها، فأنت صيرته ونقلته من حالة إلى حالة.
"جعلت": فعل ماض من أخوات (ظن)، و "التاء": ضمير متصل في محل رفع فاعل، "الطين": مفعول به أول، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، "طوبًا": مفعول به ثان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
{معذرة يا شيخ، هل المفعول الثاني يأخذ حكم المفعول الأول؟}.
نعم، من جهة أنَّه منصوب مثله، سواء كان مفردًا أو كان مثنى، تقول مثلا: "جعلت الطالبين محبوبين"، أي: صيرتهما محبوبين، أو كان مؤنثا أو كان مجموعًا، "جعلت الجبالَ رمادًا"، "جعلت الجبال هباءً"، "الجبال": مفعول به أول لـ (جعلت).
قال: (سمعت) تفيد نسبة السمع، تقول مثلا: "سمعت الصوت قويًا"، نحن نسمع كلنا، ولكن أنت تريد أن تبين نسبة السماع له، هل هي ضعيفة؟ هل هي قوية؟ هل هي مدمرة؟ فتقول: "سمعت الصوت قويًا"، فأنت تريد هنا أن تبين نسبة سماع الصوت كيف كان؟ فيؤتى بهذا الفعل، لا يؤتى بـ (ظَنَّ) ولا بـ (أيقنتُ)، ولا بـ (وجدت)، ولا بـ (علمت) ولا بـ (صيرت)، وإنما يؤتى بـ (سمعت)، فتقول: "سمعت الصوت مرتفعا"، "سمع": فعل ماض، مبني على السكون لاتصاله بضمير الفاعل، و "التاء": ضمير متصل مبني الضم في محل رفع فاعل، "الصوت": مفعول به أول، "مرتفعًا": مفعول به ثان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
إذا يؤتى بكلمة (سمع) في باب (ظن أخواتها) لإفادة نسبة السمع، هل هو ضعيف أو قوي، وهكذا.
قال -رحمه الله-: (تَقُولُ: ظَنَنْتُ زَيْدًا قَائِمًا، وَرَأَيْتُ عَمْرًا شاخصًا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ)}.
لو أراد أن نبين الإعراب هنا كما هو واضح، فنقول: (ظن): فعل ماض، مبني على السكون لاتصاله بضمير الفاعل -لاحظ النون الثانية ساكنة-، و "التاء": ضمير متصل مبني على الضم، في محل رفع فاعل لـ (ظن)، "زيد": مفعول به أول لـ (ظَنَّ)، قائمًا: مفعول به ثان لـ (ظَنَّ) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
(رأيت) هنا ليس رأيت البصرية؛ لأنَّ (رأيت) البصرية تتعدى إلى مفعول واحد، تقول: "رأيت زيدًا"، وأمَّا إذا أردت أن تعبر بها عن الفعل (علم)، أي: تخبر عن علمك ويقينك بصفة فيه أو ما شابه، فتقول: رأيت زيدًا كريمًا"، أو "شجاعًا"، أو "جبانًا"، فإذا قلت مثلاً: "رأيت زيدًا كريمًا"، فهنا تم المعنى، مع رأى التي بمعنى (عَلِمَ) التي لا بد فيها من منصوبين حتى يتم الكلام.
{رأيت: فعل ماضٍ مبني على السكون، لاتصاله بضمير الفاعل، و "التاء": ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل، و "عمرًا": مفعول به أول، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، "شاخصًا": مفعول به ثان، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره}.
نعم هذا صحيح.
بالطبع هناك تفاصيل كثيرة في هذا الباب وغيره في الكتب المطولة، لعل الطالب يكفيه ما يُحدث عنده وعيًا بأصل هذه القضية، من حيث جهة عمل (ظنَّ) ومعانيها وأقسامها.
أحسن الله إليكم.
{قال -رحمه الله-: (بَابُ اَلنَّعْتِ
اَلنَّعْتُ تَابِعٌ لِلْمَنْعُوتِ فِي رَفْعِهِ وَنَصْبِهِ وَخَفْضِهِ، وَتَعْرِيفِهِ وَتَنْكِيرِهِ، تَقُولُ: قَامَ زَيْدٌ اَلْعَاقِلُ، وَرَأَيْتُ زَيْدًا اَلْعَاقِلَ، وَمَرَرْتُ بِزَيْدٍ اَلْعَاقِلِ)}.
عقد المؤلف -رحمه الله تعالى- بابًا جديدًا له صلة بما تقدم ذكره من الأبواب، بمعنى: لَمَّا ذكرنا المرفوع والمنصوب والمجرور والمجزوم، عقد هذا الباب -رحمه الله- ليبين أن هناك كلمة تأتي متأخرة، تأخذ حكمًا إعرابيًا يُطابق حال كلمة سبقتها في الكلام، يعني: يؤتى بكلمة مرفوعة مثلاً، ثم يؤتى بعدها بكلمة مرفوعة، لها علاقة بتلك الكلمة المتقدمة لوصفها، لبيان شيء من أحوالها، إذا جاءت هذه الكلمة لتوضح شيئًا من معالم ذلك المسبوق عليها، لا بد أن تطابقه في: تعريفه، وتنكيره، وإعرابه.
فمثلا لو قلت لك: "جاءني رجل صالحٌ"، فـ "جاءني رجل": فعل وفاعل، "صالح": نعت لكلمة الرجل، هو صالح، وكلمة "صالح" تابعة لكلمة متقدمة عليها.
ويراد من الإتيان بهذه الكلمة المتأخرة غرض معين عند المتكلم، إما وصفه، أي: بيان شيء من حاله، وإما تخصيصه من عموم النكرات، كما سنبين بعد قليل.
إذًا المقصود عندنا أنَّ هناك ما يُسمى بـ (النعت)، الذي هو الوصف، وهو التابع، يعني: يأتي شيء متقدما له، ويأتي الآخر تابعًا له، فيأخذ حكمه الإعرابي، ويأخذ كذلك تذكيره أو تأنيثه، فإذا كان المتقدم مُذكرًا، فلا بد أن يكون هذا الوصف مذكرًا، وإذا كان مُؤنثا، لا بد أن يكون مُؤنثا، وإذا كان منصوبًا، لا بد أن يكون منصوبًا، وإذا كان مرفوعًا، لابد أن يكون مرفوعًا، وإذا كان مفردًا، لا بد أن يكون مفردًا. فنقول مثلا: "جاء زيد"، "جاء": فعل ماض مبني على الفتح، "زيد": فاعل مرفوع، "العاقل": لاحظ أنَّ "العاقل" اتفقت مع "زيد" في أربعة أمور، وهي:
زيد معرفة، والعاقل معرفة.
زيد مرفوع، والعاقل مرفوع.
زيد مذكر، والعاقل مذكر.
زيد مفرد، والعاقل مفرد.
إذا عندنا عشرة أمور، لا بد أن يطابق النعت المنعوت، يعني: المتقدم عليه في أربعة من هذه العشرة، عندنا: "التذكير والتأنيث، والإفراد والتثنية والجمع، والرفع والنصب والخفض، والتعريف والتنكير"، هذه عشرة أشياء، لا بد إذا جاءنا (نعت) أن يُطابق هذا النعت المنعوت -فيما تقدم عليه- في أربعة من هذه الستة، يعني: لا يمكن أن يكون مرفوعا منصوبا في نفس الوقت وما قبله مرفوع.
إذا عندنا: التعريف والتنكير، والإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث، والرفع والنصب والخفض" وطبعا الجزم يكون في الأفعال. فهذه العشرة إذا جاءنا (نعت)، ونريد أن ننعت به أو نصف به كلمة متقدمة عليها؛ فلابد أن يطابقها في هذه الأربعة.
فإذا كان مذكرًا، لابد أن يكون النعت مذكرا، وإذا كان مرفوعًا، فلا بد أن يكون مرفوعًا، وإذا كان مفردًا، فلا بد أن يكون مُفردا، وإذا كان نكرة، فلا بد أن يكون نكرة، وإذا كان معرفة، فلا بد أن يكون معرفة، وهكذا.
طيب هناك تعريف يذكره العلماء في هذا النعت من باب إيضاح القضية، يقولون: النعت: هو التابع المشتق. الموضِّح لمتبوعه في المعارف المخصصة له في النكرات.
لا بد من بيان المقصود من هذا.
معنى الكلام: لَمَّا نقول: التابع، بمعنى أن هناك متبوع متقدم، وهناك تابع، فالتابعي في مصطلح الحديث مثلا: هو الذي رأى صحابيًا من الصحابة -رضي الله عنهم-، إذًا الصحابي متقدم وجاء التابعي بعده، وعندنا هنا النعت لا بد أن يتقدمه كلمة، ثم يأتي هذا التابع. الوصف هذا هو التابع، لكن لابد أن يكون هذا الوصف مشتقا. كيف يكون مشتقًا؟
يعني لو قلت لك مثلا: "صلح زيد حاله"، "صلح" فعل ماضي مبني على الفتح كما تلاحظ. الفعل صلح نستطيع أن نأخذ منه أشياء كثيرة، نستطيع أن تأخذ منه: "يصلح" في حال المضارع، و "أَصْلِح" في حال الأمر، و "صالحان" مثنى، و "صالحون" مجموعة، فـ "صالح" هذا مشتق، يعني: اسم فاعل، كما لو قلت لك: "هذا الرجل كاتب"، فـ "كاتبٌ" يدل على ذات شخص، ذاتٍ قائمةٍ تراها بعينك وتشاهدها، وأنها متصلة بالكتابة.
فـ "كاتب" أخذناه من قولك: "كَتَبَ"، وكتب هذا فعل. الفعل قد يمثل بـ "اللبن"، فـ "اللبن" نستطيع أن نأخذ منه: الجبن، الحليب، القشدة، وغير ذلك، وكذلك الفعل هو الذي تؤخذ منه هذه الأشياء، "كتب": نأخذ منه: يكتب، واكتب، وكاتبان، وكاتبون، وكاتبة، وكاتب. هذه كلها مشتقة.
{بارك الله فيكم شيخنا، وفتح الله عليكم، نكتفي بهذا القدر، وإن شاء الله نكمل باب النعت في اللقاء القادم، الشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام، على طيب وحسن المتابعة، نلتقي بكم -بإذن الله- في الدرس القادم، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.