الدرس الخامس

فضيلة الشيخ عبدالله بن حسن الحارثي

إحصائية السلسلة

19346 15
الدرس الخامس

الآجرومية

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله الذي شرح صدور أوليائه بالإيمان، وفتح لهم أبواب النصوص بقواعد البيان، وصلى الله على من أنزل الله عليه الكتابَ والميزان، وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان، حياكم الله وبياكم، مرحبًا بطلاب العلم، نرحب بكم في برنامج (جادة المتعلم) للمستوى الثالث، والذي نشرح فيه (المقدمة الآجرومية) للإمام محمد بن آجروم -رحمه الله تعالى-، يصحبنا بشرحه فضيلة الشيخ/ عبد الله بن حسن الحارثي.
باسمكم جميعًا نرحب بفضيلة الشيخ، حياكم الله شيخ عبد الله}.
أهلا ومرحبًا بكم، حياكم الله، وطيب أيامكم وأوقاتكم بالبركات.
{فضيلة الشيخ، نود قبل أن نبدأ أن نأخذ اختصارًا لِمَا قد أخذناه في الباب الماضي}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله وبعد، سبق أن ذكرنا أنَّ الآجرومية تتكون من أربعة أقسام، منها: المقدمة، والمرفوعات، والمنصوبات، والمجرورات، وانتهينا -بحمد الله- من الكلام عن المقدمة، فانتهينا من الربع الأول في المقدمة الآجرومية، والذي تضمن الكلام عن الكلام، وشروط الكلام، وأقسام الكلام، وعلامات كل قسم، ثم باب الإعراب، وهو تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليه، وقلنا: إنَّ الإعراب إمَّا أن يكون لفظيًا، أي: لا يمنع النطق به مانعًا، وإمَّا أن يكون تقديريًا، وهذا التقدير إمَّا للتعذر، وإمَّا للثقل، وإمَّا مما أن يكون إعرابا محليا، وهذا الإعراب أربعة أقسام: الرفع، والنصب، والجزم، والخفض، وهذه الأقسام الأربعة منها ما هو مشترك من الأسماء والأفعال، ومنها ما هو خاص بالأفعال وهو الجزم، ومنها ما خُصَّ بالأسماء وهو الجر، ثم ذكرنا أنَّ هناك علامات أصلية في باب الإعراب، فالضمة علامة أصلية في الرفع، والفتحة علامة أصلية في النصب، والكسرة كذلك في الجر، والسكون علامة أصلية في الجزم.
ثم ينوب عن الضمة غيرها، كما أنه ينوب عن الفتحة غيرها، وكذلك ينوب عن الكسرة غيرها، وكذلك ينوب عن السكون غيرها، وقد مضى ذلك.
ثم أعاد المؤلف -رحمه الله تعالى- هذا الباب بطريقة أخرى، فقسَّم المعربات إلى قسمين: منها ما يعرف بالحركات وهو الأصل، ومنها ما يعرف بالحروف وهو الفرع.
ثم عقد بابا يتكلم فيه عن الأفعال، فذكر الماضي والمضارع والأمر، وهنا بالمناسبة نذكر فقط الجزئية التي تتعلق بفعل الأمر، فكما أنَّ الفعل الماضي له علامات، وهي: التاء، والمضارع السين وسوف، والعلامة المشتركة بينهما وهي: قد، أيضًا هناك عندنا الفعل فعل الأمر، وله علامتان، أن يدل على الطلب، وأن يقبل "ياء المؤنثة المخاطبة"، فإذا قلت مثلاً: "أكتب – اكتبي"، "احفظ – احفظي"، "قم – قومي"، "قل – قولي"، فإذا دلَّ الفعل على الطلبِ، وقبل "ياء المؤنث المخاطبة" قبلها، فهذا هو علامة فعل الأمر، يعني: إذا اختلط على شخص الفعل الماض مع الأمر، كيف يفرق؟ نقول: انظر هل يدل على الطلب؟ هل يقبل "ياء المؤنث المخاطبة" في آخره؟ إذا قَبِلَها فهو فعل الأمر؛ لأنه على الطلب ولم يقبل الياء، فهذا ليس فعل أمر، وإن قَبِلَ "الياء" ولم يدل على الطلب، فهذا ليس بفعل الأمر.
مثال: الفعل "احفظ"، هل يدل على الطلب؟ الإجابة: نعم، صِلْ به "ياء المؤنث المخاطبة"، تصير: "احفظي" فلمَّا قَبِلَ صار الفعل "احفظ" فعل أمر.
طيب لو قلت لك مثلا: "صَهْ"، هذا بالفعل يدل على الطلبة وهو السكوت، لكنه لا يمكن أن تقول: "صهي" إذًا هذا ليس بفعل أمر، بل هذا يسمى: "اسم فعل أمر"، ومنهم من عده من القسم الرابع من أقسام الكلام، والصواب أنه يندرج تحت الأقسام الثلاثة.
إذًا، إذا دلَّ على الطلب، ولم يقبل "ياء المخاطبة" مثل: "مه" يعني: كُفَّ، هذا يدل على الطلب ولكنك لا تستطيع أن تقول: "مهي"، أي: لا تستطيع أن تدخل عليه ياء المخاطبة المؤنثة، ولذا فهذا ليس بفعل أمر.
طيب لو قبل "ياء المخاطبة"، وليس به طلب، مثل: "تكتبين"، "أنت يا هند تكتبين" فيه "ياء المخاطبة" هذه التي قبل النون، "تكتبين، تحفظين، تدرسين"، لكن لا طلب فيه، فهذا ليس بفعل أمر.
طيب ما هو فعل الأمر؟
قلنا: ما دل على الطلب، وَقَبِلَ "ياء المخاطبة" يعني: لا يُشترط وجود العلامتين، ولكن لو وجدت فيه علامة واحدة، واستطعنا أن ندخل العلامة الأخرى عليه لقبلها. مثال: "احفظ" فعل أمر، "أكتب" فعل أمر، "قم"، "سافر"، "صلِّ" كل هذه أفعال أمر. لماذا؟ لأنها دلت على الطلب، ولو قدرنا أن نصل بها "ياء المخاطب" لَقَبِلَ هذه الياء، فإن لم يقبلها، فإنه لا يكون فعل أمر، ويكون إمَّا اسم فعل أمر، وإما أن يكون فعلا مضارعا قَبِلَ الياء، مثل: "تكتبين، تحفظين، تدرسين"، ﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنً﴾ هذه كلها أفعال أمر، لماذا؟ لأنَّها تدلُّ على الطلب، "الأكل، والشرب، والقرار"، وتدل كذلك على قبول "ياء المؤنثة المخاطبة" يعني: هذه علامة الأمر.
إذا نحن الآن أنهينا القسم الأول من أقسام الآجرومية، وهو ما يتعلق بالكلام والمقدمات التي ضمنت في هذا الباب، والآن سينتقل المؤلف -رحمه الله تعالى- إلى الربع الثاني من هذا الكتاب المبارك، وهو: المرفوعات، وهي سبع كما ذكرها -رحمه الله- ثم سيذكر بعدها: المنصوبات ثم المجرورات.
{قال -رحمه الله-: (بَابُ مَرْفُوعَاتِ اَلْأَسْمَاءِ)}.
قوله: (بَابُ مَرْفُوعَاتِ اَلْأَسْمَاءِ) فيه نصٌ على الأسماء، وهذا ليُخرج الفعل المضارع المرفوع؛ لأنَّه قد سبق الكلام عنه، وذكر أنه يرفع بالضمة، وهذه الضمة قد تكون مُقدرة، وقد تكون ظاهرة، وقد يرفع المضارع بثبات النون، ولكن الكلام هنا عن الأسماء خاصة، لا عن الأفعال؛ لأنَّنا قلنا من قبل: إنَّ الذي يدخل في باب الإعراب، إمَّا الأسماء المعربة، وإمَّا الأفعال المضارعة، ولَمَّا سبق الكلام عن المضارع، فسيبدأ المؤلف -رحمه الله تعالى- الآن بالكلام على المرفوع من الأسماء.
{قال -رحمه الله-: (اَلْمَرْفُوعَاتُ سَبْعَةٌ وَهِيَ: اَلْفَاعِلُ، وَالْمَفْعُولُ اَلَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَالْمُبْتَدَأُ، وَخَبَرُهُ، وَاسْمُ "كَانَ" وَأَخَوَاتِهَا، وَخَبَرُ "إِنَّ" وَأَخَوَاتِهَا، وَالتَّابِعُ لِلْمَرْفُوعِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ اَلنَّعْتُ، وَالْعَطْفُ، وَالتَّوْكِيدُ، وَالْبَدَلُ)}.
هذا الذي ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- هو مجمل ما سيتكلم عنه في (بَابُ مَرْفُوعَاتِ اَلْأَسْمَاءِ)، وهذا من باب الإجمال قبل التفصيل، وهذا من فهم التأليف، ولذلك نجد الفقهاء يقولون مثلا: "نواقض الوضوء ثمانية"، ثم يفصلون فيها، وهو هنا ذكر ما يشبه الفهرس، فقال: (اَلْمَرْفُوعَاتُ سَبْعَةٌ) فذكر أنَّ عدد المرفوعات من الأسماء سبعة، وهي:
(اَلْفَاعِلُ) وهو الذي وقع منه الفعل.
(وَالْمَفْعُولُ اَلَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ) أي: الذي لم يذكر فاعله، وإنما حُذف الفاعل وأُنيب غيره منابه، ليدل على ما يدل عليه الفاعل، وهو: نائب الفاعل.
(وَالْمُبْتَدَأُ، وَخَبَرُهُ) والمبتدأ -كما سيأتي- هو الاسم العاري عن العوامل اللفظية، وخبره أي: الذي تتم به الفائدة مع المبتدأ، ويسمى: خبرًا، وهذا أنواع كما سيأتي -بإذن الله تبارك وتعالى.
(وَاسْمُ "كَانَ" وَأَخَوَاتِهَ) كقولك: "كان "زيد" حافظًا"، فـ "زيد" اسم (كَانَ) مرفوع؛ لأنَّه من المرفوعات.
(وَخَبَرُ "إِنَّ" وَأَخَوَاتِهَ) وهي تعمل عكس عمل (كان)، فتقول: "إنَّ زيدًا حافظٌ"، فـ "حافظ" خبر (إِنَّ)، وخبر (إِنَّ) مرفوع، واسم (كان) مرفوع؛ لأنَّه من باب المرفوعات.
(وَالتَّابِعُ لِلْمَرْفُوعِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ) بمعنى: أن تكون عندنا كلمة مُتقدمة مرفوعة، يأتي بعدها كلمة أخرى تكون تابعة لها في الإعراب، فإذا كانت الكلمة المتقدمة مرفوعة، فلابد من أن تكون تلك الكلمة التابعة لها حكم الرفع، قال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً﴾ فهنا "طيبة" منصوبة؛ لأنَّه تابع لمنصوب قبلها، تقول مثلا: "جاءني رجلٌ صالحٌ"، فكلمة "الرجل" مرفوعة؛ لأنها فاعل، ثم جاء وصف يصف هذا الرجل بكونه صالحًا، فلابد -إن كان وصفًا له- أن يكون موافقًا له في علامة إعرابه، أو مثلا: "جاء رجلٌ كريمٌ"، "كريم" كذلك وصف، وتقول مثلا: "جاء "زيد ومحمدٌ"، فـ "زيدٌ" هذا فاعل، و "محمد" معطوف عليه، والمعطوف على المرفوع مرفوع.
فعندنا أربع توابع، إمَّا أن يكون عَطفًا، وإمَّا أن يكون توكيدًا، تقول: "جاء "زيد" نفسُهُ"، وإمَّا أن يكون بدلاً، تقول: "جاء أخوك محمدٌ" فـ "محمدٌ" هذا بدل من زيد، فإذا كان بدلاً لابد أن يكون له حكم المبدل منه، فيكون مرفوعًا مثله، وإذا كان منصوبًا، كان منصوبًا، وهكذا كما سيأتي معنا -بإذن الله تبارك وتعالى-.
إذا هذه هي المرفوعات، وسيفصلها الآن بابًا بابًا -رحمه الله تعالى-.
{قال -رحمه الله-: (بَابُ اَلْفَاعِلِ
اَلْفَاعِلُ: هُوَ الاسم اَلْمَرْفُوعُ اَلْمَذْكُورُ قَبْلَهُ فِعْلُهُ)
}.
هذا تعريف الفاعل عند المؤلف -رحمه الله تعالى-، والفاعل في اللغة: هو من أوجد الفعل، وفي الاصطلاح: (الاسم اَلْمَرْفُوعُ اَلْمَذْكُورُ قَبْلَهُ فِعْلُهُ)، إذًا الفاعل لابد أن يكون اسمًا، ولابد أن يكون مرفوعًا، وأن يذكر قبله فعله.
وقوله: (اَلْمَذْكُورُ قَبْلَهُ فِعْلُهُ) ليخرج المبتدأ؛ لأنه إذا جاء اسم مرفوع، ولكن تأخر عنه الفعل، ففي هذه الحالة يكون مبتدأ ولا يكون فاعلا، مثال: لو قلنا: "زيد" فهذا فاعل من قولك: "جاء زيد"، و "زيد" اسم مرفوع، ومذكور قبله فعله، أي أنَّ الذي أَثَّر فيه، إذًا "زيد" فاعل، ولكن لو قلت لك: "زيد جاء"، فـ "زيد" هنا لا يكون فاعلاً، والسبب في ذلك أنه تقدم، وهو اسم، وهو مرفوع، ولكن تأخر عنه الفعل الذي ارتبط به، فلما تأخر عنه الفعل، وتقدم هذا الاسم المرفوع، أصبح "زيد" هنا يعرب فاعلاً.
لكن لو قلت: "جاء زيد" ستعرب "زيد" هنا على أنها فاعل، بينما في "زيد جاء" فستعرب مبتدأ، ولذلك قال: (الاسم اَلْمَرْفُوعُ اَلْمَذْكُورُ قَبْلَهُ فِعْلُهُ)، فإن ذُكِرَ هو قبل فعله فهو لا يعرب على أنه مبتدأ، والمسألة فيها خلاف عند النحاة بين البصريين والكوفيين.
{قال -رحمه الله-: (وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ ظَاهِرٍ، وَمُضْمَرٍ)}.
قَدَّم المؤلف الظاهر على المضمر لشرفه عليه؛ لأنَّ الظاهر يدل على الشيء مُباشرة، مثال: أنا اسمي زيد مثلا، فأخبر أحدهم عني فقال: "قال زيد" وهذه عبارة عن فعل وفاعل، والفاعل ظاهر، وأمَّا إذا أردت أن أتكلم عن نفسي -أنا زيد- فسأقول: "قلتُ"، فـ "قال" فعل ماضي مبني على السكون، لاتصاله بضمير الفاعل، و "التاء" ضمير متصل في محل رفع فاعل، يعني: عندنا الفاعل قد يكون اسمًا ظاهرًا، سواء كان اسم مذكر أو مؤنث أو مَلَك أو ربُنا- تبارك وتعالى- ظاهرًا.
{وقد تكون ضميرًا متصلا كما في: "قلتُ"}.
أحسنت، مثلا لو قلت لك من القرآن: ﴿قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾، "الله": لفظ الجلالة فاعل.
مثال: ﴿قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ﴾ "امرأة" هنا هي التي قالت هذا القول، فنقول: "امرأة" فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة، على آخره؛ لأنه اسم مفرد.
مثال: "قال رجلان"، "قال": فعل ماضي مبني على الفتح، "رجلان": فاعل مرفوع وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى.
مثال: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ﴾، "يفرح": فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، "المؤمنون": فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو؛ لأنه جمع مذكر سالم.
إذًا عندنا الفاعل قد يكون اسمًا مفردًا، وقد يكون مثنى، وقد يكون جمع مذكر سالم، فالمقصود هنا أنَّ الفاعل قد يقع مرفوعًا إمَّا بعلامة أصلية وهي: الضمة، وإمَّا بعلامة نيابية وهي: الواو كما في (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ) أو في جمع المذكر السالم.
والمقصود بالمضمرة هو ما يدل على متكلم أو مخاطب أو غائب، فأنت تستطيع أن تقول: "قلتُ"، ولو أردنا أن نأتي بمثال آخر غير "التاء"، نقول مثلا: "كتبنا الدرس"، "كتب" فعل ماضي مبني على السكون لاتصاله بضمير الفاعل، والـ "نا" ضمير متصل فيه محل رفع فاعل. فأنت أبدلت مجموعة المتكلمين.
"كتب الطلاب" هذا اسم ظاهر، نريد أن نحول هذا الاسم الظاهر إلى ضمير حتى يكون فاعلا مثله، فنقول: "كتبنا"، فـ "نا" هذه تقوم مقام الطلاب الذي هو الاسم الظاهر.
إذًا عندنا الفاعل قد يقع اسمًا ظاهر، وقد ويقع ضميرًا، وقد يكون هذا الضمير هو "التاء"، مثل: "كتبتَ – كتبتُ – كتبتِ"، وقد يكون "نا"، وقد يكون "الواو" مثل: "كتبوا، يحفظون" الواو هنا هي الفاعل، و "يحفظان" الألف هنا هي الفاعل، و "تحفظين" أنت يا هند "الياء" هنا هي الفاعل.
الفاعل قد يكون اسما ظاهرا متنوعًا لذكر أو لأنثى، أو لجمع تكسير إلى آخره، كما أن الضمير قد يكون "ألفا"، وقد يكون "ياء"، وقد يكون "واو"، وقد يكون "نا"، وقد يكون "نون النسوة"، مثل: "أكرمن أبنائهن"، "أكرمن" النون هنا ضمير متصل في محل رفع فاعل.
إذًا الفاعل يقع اسمًا ظاهرًا، ويقع ضميرًا.
{شيخ قد ممكن يرد سؤال، كيف يفرق بين الضمير المستتر وجوبًا أو جوازًا؟}
أحسنت، هنا إذا كان الفعل مضارعًا مُفردًا، يعني: مسند إلى مفرد، فإمَّا أن يكون مبدوءًا بالهمزة، كقولك: "أكتب"، فهنا ينبغي أن يكون الفاعل ضميرًا مستترًا وجوبًا، كيف وجوبًا؟
يعني: لا يصح أن تحل محله الاسم الظاهر، فما تقول: "أكتب زيد"، وهي ما تقول: "أكتب" والفعل تقديره أنت.
وإمَّا أن يكون مبدوءًا بـ "التاء"، فاذا كان هذا المكتوب بـ "التاء" يكون معه مُؤنث، فهنا تظهر، تقول: "تكتب هند درسها" يظهر معها.
وإذا أردت أن أخاطب شخصًا أقول: "تكتبُ" أي: أنت، أنا أخاطب شخصًا مذكرًا أمامي الآن، فهنا يجب أن يكون مستترًا وجوبًا، "تكتب" ما أقول: "تكتب زيد"، أقول: "تكتب أنت".
إذًا، إذا بدئ بالهمزة فيكون مُستترًا وجوبًا، وإذا بُدئ بـ "التاء" فإما أن يكون المخبر عنه أنثى، فيظهر معها الفاعل، تقول: "تكتب هند"، وإمَّا أن يكون مخاطبًا به مذكرًا، فهنا يكون مُستترا وجوبًا، "تكتبُ" يعني: أنت، فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنت.
وإمَّا أن يكون الياء، وهنا قد يكون ظاهرًا، وقد يكون مضمرًا، تقول: "يكتب زيد"، فـ "زيد" فاعل وهو ظاهر، و "تكتب هند" يصح أن تقع ظاهرا، ويصح أن يقع مضمرًا، ومنها كذلك فعل الأمر، إذا قلت: "اُكْتُبْ" فهنا مثلا: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ﴾ أنت هذه ليست هي الفاعل في الحقيقة، وإنما هي تأكيد للضمير المستتر وجوبًا.
إذًا يكون المستتر وجوبًا مع المضارع المبدوء بالهمزة، أو المضارع إذا كان مخاطبًا به مذكر أمامك، وكذلك مع فعل الأمر إذا كان موجها لمفرد؛ فإنه يكون مستترًا وجوبًا.
لكن لو كان موجهًا لمثنى أو مجموع؛ فإنه يظهر. تقول: "اكتبا"، فـ "الأف" ضمير متصل ظاهر، بخلاف "اُكْتُبْ" فهنا ضمير مستتر وجوبًا، لا يمكن أن تظهره.
"اكتبوا – احفظوا" هنا ظهرت لنا "الواو". إذًا هذه المواطن التي يجب فيها أحيانا تقدير الفاعل على أنه ضمير مستتر وجوًبا، ويصح كذلك أن يكون ضميرً مستترًا جوازًا، ويصح إظهاره في أحايين.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (نَحْوَ قَوْلِكَ قَامَ زَيْدٌ، وَيَقُومُ زَيْدٌ، وَقَامَ الزَّيْدَانِ، وَيَقُومُ الزَّيْدَانِ، وَقَامَ الزَّيْدُونَ، وَيَقُومُ الزَّيْدُونَ، وَقَامَ اَلرِّجَالُ، وَيَقُومُ اَلرِّجَالُ، وَقَامَتْ هِنْدٌ، وتَقومُ ْهِنْدُ، وَقَامَتْ الْهِنْدَانِ، وَتَقُومُ الْهِنْدَانِ، وَقَامَتْ الْهِنْدَاتُ، وَتَقُومُ الْهِنْدَاتُ، وَقَامَتْ اَلْهُنُودُ، وَتَقُومُ اَلْهُنُودُ، وَقَامَ أَخُوكَ، وَيَقُومُ أَخُوكَ، وَقَامَ غُلَامِي، وَيَقُومُ غُلَامِي، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ)}.
قولك: "قام زيد"، "زيد": فاعل، لو أردنا أن نطبق عليه تعريف الفاعل، وهو: (الاسم اَلْمَرْفُوعُ اَلْمَذْكُورُ قَبْلَهُ فِعْلُهُ)، فنجد أنَّ "يقوم": مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة، و "زيد" فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة، ولو أردنا أن نطبق عليه شروط الفاعل وجدنا أنه اسم، وهو مرفوع، ومذكور قبله فعله، إذا هو مرفوع.
وكذلك: "قام الزيدان" هنا مَثَّلَ بالمثنى، فنقول: "قام" فعل ماضي، و "الزيدان": فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الألف نيابة عن الضمة؛ لأنه مثنى.
"قام الزيدون"، "الزيدون" فاعل مرفوع، وعلامة رفعه "الواو" نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، ثم مثل بالمضارع.
"قام الرجال"، "قام": فعل ماضي، "الرجال": فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، لماذا؟ لأنه جمع تكسير.
طيب هنا مثال: "قام أخوك"، "قام": فعل ماضي، و "أخوك": فاعل مرفوع وعلامة رفعه "الواو" نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، وهو مضاف، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه.
إذًا هذه كلها أسماء ظاهرة -يعني منطوقًا بها- كما تلاحظ.
(قامت هند)، "هند": فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
(قامت الهندان)، "الهندان": فاعل مرفوع وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى نيابة عن الضمة.
(قامت الهندات)، "الهندات": فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة؛ لأنه جمع مؤنث سالم.
(قامت الهنود)، "الهنود": فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة؛ لأنه جمع تكسير.
قال: (قام غلامي) و (يقوم غلامي) إلى أي شيء يشير -رحمه الله تعالى؟
يشير إلى الإعراب النيابي؛ لأنَّ الفاعل هنا اتصل به ضمير المتكلم فنقول: "قام": فعل ماضي، "غلام" الأصل أنَّه مرفوع، ولكن لوجود هذه "الياء" المتصلة به، تعذر إظهارها لحركة المناسبة، فنقول: "غلامي": فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل "ياء المتكلم"، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وهو مضاف، و "الياء" ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. فالمؤلف أراد أن ينوع بين الإعراب الظاهر والإعراب المقدر.
قال: (وما أشبه ذلك) أي: ما أشبه ذلك مما هو بهذا السياق.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَالْمُضْمَرُ اِثْنَا عَشَرَ، نَحْوَ قَوْلِكَ "ضَرَبْتُ، وَضَرَبْنَا، وَضَرَبْتَ، وَضَرَبْتِ، وَضَرَبْتُمَا، وَضَرَبْتُمْ، وَضَرَبْتُنَّ، وَضَرَبَ، وَضَرَبَتْ، وَضَرَبَا، وَضَرَبُوا، وضربن)}.
هذه من المواطن التي يقع فيها الضمير في محل رفع، فقولك: (ضربتُ)، نقول: "ضرب": فعل ماضي مبني على السكون. لماذا؟ لاتصاله بـ "تاء" الفاعل، و "التاء" ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل.
إذًا "التاء" ليست اسمًا ظاهرًا، وإنما هي ضمير، يعني: أضمر المتكلم ولم يبين اسمه، وإنما استعاض عن ذلك بذكر ضمير يدل على ذلك الفاعل.
(ضربن): فعل ماضي مبني على السكون لاتصاله بضمير الفاعل، و "نا": ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
و(ضربتَ) للمخاطب، و (ضربتِ) للأنثى.
هل "التاء" في ضربتِ هي "تاء التأنيث"؟
نقول: لا، هي تاء الفاعل. لماذا؟ لأنَّ "تاء" التأنيث لا بد وأن تكون ساكنة، وما قبلها يكون متحركًا، وهذه كما تلاحظون في (ضربتِ) متحركة وما قبلها ساكن، ولهذا تسمى "تاء" الفاعل، ولذا نقول في (ضربتِ): ضرب فعل ماضي مبني على السكون لاتصاله بضمير الفاعل، و "التاء" ضمير متصل مبني على الكسر في محل رفع فاعل.
(ضَرَبْتُمَ): "ضرب" فعل ماضي مبني على السكون لاتصال بضمير الفاعل، و "التاء" ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل، "ما" علامة في التثنية وفيها تفصيل.
(ضَرَبْتُمْ): "ضرب" فعل ماضي مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير الفاعل، و "التاء": ضمير مبني على الضم في محل رفع فاعل، و "الميم" علامة للجمع.
(ضَرَبْتُنَّ): "ضرب" فعل ماضي مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير الفاعل "التاء"، و "التاء" ضمير متصل على السكون في محل رفع فاعل، و "النون": نون النسوة.
(ضرب) فعل ماض، وضرب أي: هو، فمثَّل المؤلف مرة بالضمير الظاهر، ومرَّة بالضمير المستتر، والضمير هنا مع الماضي في قولك: "ضرب" مستتر جوازا، وهذه من المواطن التي يستتر فيها الضمير جوازًا، تقول: "زيد ضرب" أي: هو، ويصح أن تقول: "ضرب زيد" مباشرة، فـ "ضرب" هي من المواطن التي يكون فيها إضمار الفاعل جائزا وليس بواجب.
و (ضَربَتْ) أيضًا كذلك، أي: هي التي وقع منها الضرب، فـ " ضرب" في الماضي مع المذكر ومع المؤنث يصح إظهاره وإضماره، وأمَّا في المضارع والأمر فلابد أن يكون مستترًا وجوبًا، في المضارع إذا كان مبدوءًا بهمزة، وفي الأمر يجب أن يكون موجهًا للمخاطب، سواء كان ذكرًا أو أنثى، وأمَّا إذا كان للمثنى فإن الألف نظهر، "يضربا، ضربا" إلى غير ذلك.
لاحظ أنَّ "ضربا" فعل ماضي مبني على الفتح، والألف ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
سؤال: لماذا لم تُبنى على السكون (ضربا، ضربن) وجدنا أنها مبنية على السكون مع أنها اتصلت بضمير فاعل، "نا" ضمير فاعل، و(ضربْنَ) أي النسوة ضربن، و"النون" ضمير فاعل مبني على السكون؛ لأنَّ الألف في قولك: (ضرب) هي الفاعل، والألف لا يناسبها إلا فتح ما قبلها، فلو سكنَّا لاتصال ضمير الفاعل، أصبح "ضربنا" لا يمكن ذلك، فنقول: "ضرب": فعل ماض مبني على الفتح وهو الأصل فيه، والألف ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
(ضربو)، "ضرب": فعل ماضي مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة، والقول الثاني كما مرَّ معنا- فعل ماضي مبني على الضم، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة.
إذًا هو ماضي مفتوح أبدًا، وإن قلنا الأسهل: "ضربوا" ماضي مبني على الضم، لاتصاله بواو الجماعة، والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، والألف هو ألف الجماعة، ويدل على أنَّ الذين قاموا بهذا العمل جماعة.
(ضربْنَ): "ضرب" فعل ماضي مبني على السكون لاتصاله بضمير الفاعل، و "نَ" نون النسوة ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل
ويتضح مما سبق أنَّ الفاعل هو (الاسم اَلْمَرْفُوعُ اَلْمَذْكُورُ قَبْلَهُ فِعْلُهُ)، وأنَّه قد يكون ظاهرًا، مثل: "قام زيد"، "قال الله"، وإمَّا أن يكون ضميرًا ظاهرًا أو مستترًا، وهذا الإضمار إمَّا أن يكون على سبيل الوجوب، وإمَّا أن يكون على سبيل الجواز، وتفصيل هذا أكبر من هذا الكتاب، ولذلك نتجاوز عن التفصيل في هذه القضية، وننتقل للباب الذي يليه.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (بَابُ اَلْمَفْعُولِ اَلَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ
وَهُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَرْفُوعُ اَلَّذِي لَمْ يُذْكَرْ مَعَهُ فَاعِلُهُ، فَإِنْ كَانَ اَلْفِعْلُ مَاضِيًا: ضُمَّ أَوَّلُهُ وَكُسِرَ مَا قَبْلَ آخِرِهِ، وَإِنْ كَانَ مُضَارِعًا: ضُمَّ أَوَّلُهُ وَفُتِحَ مَا قَبْلَ آخِرِهِ.
وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: ظَاهِرٍ، وَمُضْمَرٍ، فَالظَّاهِرُ: نَحْوَ قَوْلِكَ "ضُرِبَ زَيْدٌ" وَ "يُضْرَبُ زَيْدٌ" وَ "أُكْرِمَ عَمْرٌو" وَ "يُكْرَمُ عَمْرٌو". وَالْمُضْمَرُ اِثْنَا عَشَرَ، نَحْوَ قَوْلِكَ: "ضُرِبْتُ وَضُرِبْنَا، وَضُرِبْتَ، وَضُرِبْتِ، وَضُرِبْتُمَا، وَضُرِبْتُمْ، وَضُرِبْتُنَّ، وَضُرِبَ، وَضُرِبَتْ، وَضُرِبَا، وَضُرِبُوا، وضُربن")
}.
هذا هو الباب الثاني من أبواب المرفوعات، وهو (بَابُ اَلْمَفْعُولِ اَلَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ)، وهذا أحد التسميات لهذا الباب، فيسمى: (بَاب اَلْمَفْعُولِ اَلَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ) ويسمى: (بَاب نَائب الفاعلِ)، وله تسميات غير ذلك.
فالمقصود من ذلك أن تأتينا جملة تتكون من فعل وفاعل ومفعول به، وأحيانا الفاعل يحذف، ويكون حذفه لغرض عند المتكلم، إمَّا للستر عليه مثلا، أو الجهل به، أو لتحقيره.
إذًا هناك حذف لهذا الفاعل، فإذا حذف وهو مرفوع لابد أن ننيب غيره مكانه، فإذا أنبناه مكانه لابد أن نعطيه علامته، مثل: الآن إذا غاب المدير، فلابد لوكيله أن يقوم مقامه، فإذا أخذ تصرفات هذا المدير، فيوقع ويأمر وينهى ويفعل ما يفعله المدير.
مثال: "كسر الطفل الزجاج"، فـ "كسر": فعل ماض، "الطفل": فاعل مرفوع، "الزجاجة": مفعول به منصوب؛ لأنه وقع عليه فعل الطفل، وهو الكسر. فإذا كانت الأم لا تريد من زوجها معاقبة الطفل فتجدها تقول: "كُسِرَ الزجاج"، عندها خمسة أطفال مثلا، فلما تقول: "كًسِرَ الزجاج" هي تريد أن تعمي عن هذا الولد، فبدلا من أن تقول: "كسر محمد الزجاج، قالت: "كُسِرَ الزجاج".
وفي الإعراب نقول: "كسر": فعل ماضي، "محمد": فاعل، و "الزجاج": مفعول به، فإذا حذفنا الفاعل الذي هو الطفل، أو محمد، فإنَّ الزجاج بعد أن كانت منصوبة ستكون مرفوعة، وبدل أن كان الماضي مفتوحًا الأول، سنغير صيغته من كونه مفتوحًا إلى كونه مضمومًا، فنقول: "كُسِرَ"، كانت في الأول: "كَسَرَ"، والآن صارت: "كُسِرَ"، فلمَّا بنيناه للمجهول، ماذا يسمى فاعله، بعد أن كان مفتوحًا في أوله، قمنا بضمِّ أوله وكسر ما قبل الآخر.
مرة أخرى نقول: عندنا فعلا ثلاثيا، "كَسَرَ" جميع الحروف مفتوحة، فإذا بنيناه للمجهول فإنَّ هناك تغيير سيحصل، ستضم أوله وتُكْسِر ما قبل آخره، فبدل أن يكون "كَسَرَ" أصبح "كُسِرَ"، والمفعول به بدلا أن كان منصوبًا، سيصبح مرفوعًا، والفاعل حذفناه، فأقمنا المفعول به مقامه، فأخذ حكمه، فأصبح مرفوعًا، فلنقول: "كُسِرَ": فعل ماضي مبني لِمَا يُسمى فاعله، أو نقول: مبنيًا للمجهول، والأحسن أن يقال في حق لفظ الجلالة: لِمَ لم يُسم فاعله، تأدبًا مع الله -عز وجل-؛ لأنَّه معلوم سبحانه، ولذا لا يقال عنه: مبني للمجهول، ولذا نقول: في "كُسِرَ الزجاج: فعل ماضي مُغَيِّرَ الصيغة، مبني على الكسر، و "الزجاج": نائب فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، فيأخذ حكم الفاعل، فيكون إعرابه: نائب فاعل مرفوع، والذي كان في أصل أمره مفعولا به.
نائب الفاعل قد يكون في المذكر، وقد يكون في المؤنث، وقد يكون في الجماعة، قال تعالى: ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ﴾، "قتل": فعل ماضي مغير الصيغة، مبني على الفتح، "الخراصون": نائب فاعل، مرفوع وعلامة رفعه الواو؛ لأنه جمع مذكر سالم.
مثال: "عوقب الطالبان"، "عوقب" أصلها: "عاقب المعلم الطالبين"، فـ "عاقب": فعل ماضي مبني على الفتح، "المعلم": فاعل، الطالبين: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه مثنى. فلما قمنا بحذف المعلم الذي عاقب، صرنا نقول: "عوقب الطالبان" بعد أن كان "عَاقَبَ" مفتوح الأول، أصبح مضموم الأول، وكسر ما قبل آخره، وهي: القاف، ثم أعطيناه حكم ذلك المحذوف الذي هو الفاعل، أعطيناه للمفعول به، فتقول: "عوقب الطالبان"، "عوقب": فعل ماض مبني على الفتح، الطالبان: نائب فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى.
{هل تأذن لي أن آتي بمثال؟}
نعم تفضل.
{نقول: "سرق المتاع"}.
"سُرِقَ": فعل ماضي مبني الفتح، والمتاع: نائب فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
لكن لو أردنا أن نظهر الفاعل، فما الذي سنفعله في هذه الحال؟
نقول نظهر الفاعل، ونقوم بتغيير ما يلزم، فتصير: "سرق اللص المتاع"؛ لأنَّ اللص هو الفاعل في الأصل، وهو المرفوع، لكن لَمَّا حذفته لعدم علمك به؛ لأنك لا تدري من الذي سرق المتاع، فقلت: "سرق المتاع"، فالمتاع بعد أن كانت منصوبة حولناها إلى مرفوع؛ لأنها أنيبت مكان الفاعل فأخذت حكمه، فرفعت كما رفع الفاعل، فقلنا: "سرق المتاع".
ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- أنه من الناحية الصرفية قال: إذا كان ماضيا -هذا الفعل الذي ستبنيه للمجهول- ستحذف الفاعل في سياقه، وتقيم المفعول مقامه، إذا كان ماضيًا فلابد من أن تضم أوله، وتكسر ما قبل آخره. وإذا كان مضارعًا، فستفعل نفس الأمر من جهة أنك ستضم أوله، ولكن ستفتح ما قبل الآخر.
إذًا في الماضي يُضم الأول ويكسر ما قبل الآخر، وأما في المضارع فيضم الأول كالماضي تماما، لكنه يفتح ما قبل الآخر. فتقول: "أكرمَ محمدٌ الضيفَ"، تحول إلى: "يكرم الضيف"، يكرم: فعل مضارع مغير الصيغة مرفوع وعلامة رفعه الضمة على آخره، الضيف: نائب فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
هل يقع نائب الفاعل ضميرًا كما يقع الفاعل ضميرًا كما مر معنا؟
الجواب: يأخذ أحكام الفاعل تماما، فكما أنَّ الفاعل يقع اسمًا ظاهرًا، فنائب الفاعل يقع اسمًا ظاهرًا، وكما أنَّ الفاعل يقع ضميرًا، فكذلك نائب الفاعل يقع ضميرًا، سواء كان ضميرًا ظاهرًا أو ضميرًا مستترًا، مثل: "زيد يُضْرَبُ"، "زيد": مبتدأ، يضرب: فعل مضارع مرفوع مغير الصيغة، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازًا، تقديره هو، يعود على زيد؛ لأنك تستطيع أن تقول: "يُضربُ زيد"، ولكنك حذفته هنا من باب الجواز، لا على سبيل الوجوب في إخفائه.
وتقول مثلا: "أُكْرِمتُ" لو قلنا لك: "أكرمتُ" ستقول: التاء هذه فاعل، وأمَّا "أُكْرمتُ" فقد غيرت صيغته، وكسرت ما قبل آخره. أصبح أُكْرَمُ هنا ماض مغير الصيغة، مبني على السكون، لاتصاله بضمير الفاعل، والتاء ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع نائب فاعل، وكذلك: "الطلاب أُكْرِمُوا"، فـ "أكرموا": ماضي مبني على الضم لاتصاله بضمير الفاعل، و "الواو" ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع نائب فاعل.
"هندٌ ضُرِبَتْ"، "ضربت" هنا مغير الصيغة مبني على الفتح، والتاء "تاء التأنيث"، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره "هي"، فـ "هند ضربت" أي: هي. فنقول: نائب الفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره "هي" يعود على هند المذكورة.
وأحيانا يكون على المثنى تقول: "الطالبان أُكرِمَا"، الطالبان: مبتدأ، أُكْرِمَ: فعل ماضي مغير الصيغة، مبني على الفتح، الألف ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع نائب فاعل، الطالبان.
"ضُرِبْنَا"، ضُرِبَ: فعل ماضي مغير الصيغة مبني على السكون لاتصاله بضمير الفاعل، "نا" ضمير متصل مبني السكون في محل رفع نائب فاعل. إذًا "نا" تقع نائب فاعل.
"النسوة أكرمن"، النسوة: مبتدأ، أُكْرِمنَ: فعل ماضي مغير الصيغة مبني على السكون، "ن" ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع نائب فاعل.
إذًا نائب الفاعل قد يقع ضميرًا، قد يكون الواو، قد يكون الألف، قد يكون "ناء"، قد يكون "التاء"، قد يكون مُستترا، قد يكون ظاهرًا.
{قال: (فَالظَّاهِرُ: نَحْوَ قَوْلِكَ: "ضُرِبَ زَيْدٌ" وَ "يُضْرَبُ زَيْدٌ" وَ "أُكْرِمَ عَمْرٌو" وَ "يُكْرَمُ عَمْرٌو")}.
كل هذه الأسماء المرفوعة "زيد، وزيد، وعمرو، وعمرو" مرة جاء بها مع الماضي، ومرة جاء بها مع المضارع، وكلها تعرب على أنها نائب فاعل مرفوع، وهذا تمثيل على الأسماء الظاهرة.
{قال: (وَالْمُضْمَرُ اِثْنَا عَشَرَ، نَحْوَ قَوْلِكَ "ضُرِبْتُ وَضُرِبْنَا، وَضُرِبْتَ، وَضُرِبْتِ، وَضُرِبْتُمَا، وَضُرِبْتُمْ، وَضُرِبْتُنَّ، وَضُرِبَ، وَضُرِبَتْ، وَضُرِبَا، وَضُرِبُوا، وضُربن)}
(ضُربتُ): فعل ماضي مغير الصيغة، مبني على السكون، لاتصاله بضمير الرفع، نائب فاعل، و"التاء": ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع نائب فاعل، وهكذا كما مر معنا.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (بَابُ اَلْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ
اَلْمُبْتَدَأ: هو اَلِاسْمُ اَلْمَرْفُوعُ اَلْعَارِي عَنْ اَلْعَوَامِلِ اَللَّفْظِيَّةِ.
وَالْخَبَرُ: هُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَرْفُوعُ اَلْمُسْنَدُ إِلَيْهِ، نَحْوَ قَوْلِكَ: "زَيْدٌ قَائِمٌ" وَ "الزَّيْدَانِ قَائِمَانِ" وَ "الزَّيْدُونَ قَائِمُونَ")}
.
شرع المؤلف -رحمه الله تعالى- في الباب الثالث من أبواب المرفوعات، فبعد أن ذكر الفاعل، وذكر ما ينوب عنه، ويأخذ حكمه، وهو نائب الفاعل، ثلث بالكلام عن المبتدأ، وقال: (بَابُ اَلْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ) وجمع بينهما؛ لأنهما لا يفترقان، فما من مبتدأ إلا وله خبر، فذكر أنَّ (اَلْمُبْتَدَأ: هو اَلِاسْمُ اَلْمَرْفُوعُ)، والفاعل كذلك اسم مرفوع، ونائب الفاعل كذلك اسم مرفوع، فهنا أراد أن يميز بين كلٍ من: "الفاعل، ونائب الفاعل" بذكر شيء يدل على اختصاصه بحكم، متى ما وجد حُكِمَ عليه بأنه فاعل.
قوله: (هو اَلِاسْمُ اَلْمَرْفُوعُ اَلْعَارِي عَنْ اَلْعَوَامِلِ اَللَّفْظِيَّةِ) فيه أنَّ المبتدأ اسم، وهو مرفوع، لكن هذا الرفع الحاصل له لم يتغير بمؤثر أَثَّرَ فيه، أي: ليس هناك لفظ أثر فيه، وإنما لكونه وقع متجردا عن العوامل. فنقول: "زيد يقوم بواجبه"، وقلت لك: "يقوم زيد"، لاحظ الجملتين الآن. "يقوم زيد"، يقوم: مضارع، "زيد": فاعل مرفوع وعلامة الضمة الظاهرة؛ لأنَّه اسم مرفوع مذكور قبله فعله.
وأمَّا "زيد يقوم"، نلحظ أنَّ "زيد" التي في قولك: "زيد يقوم" غير "زيد" التي في قولك: "يقوم زيد"، فـ "زيد" الأولى لم يؤثر فيها الفعل الذي بعدها، بخلاف قولك: "يقوم زيد" حيث إنَّ "زيد" هنا مرفوعة بالفعل، فالفعل هو الذي أَثَّرَ في "زيد"، فـ "زيد" الأولى في قولك: "زيد يقوم" مرفوع، ولكن الفعل ليس له أثر فيه، وإنما لكونه تجرد، أو لكونه وقع مبتدأ، فوقوعه مبتدأ هو الذي أثر في هذا الرفع، فلذلك قال: (هو اَلِاسْمُ اَلْمَرْفُوعُ اَلْعَارِي عَنْ اَلْعَوَامِلِ اَللَّفْظِيَّةِ) ليس المقصود أنَّ المبتدأ دائما لابد وأن يقع في أول الكلام، بل قد تجد المبتدأ في وسط الجملة، تقول مثلا: "سافر زيد ومحمد وأخوه إلى مكة والمدينة وعلي مريض".
"عليٌّ" جاء في آخر الكلام، و "عليٌّ": مبتدأ، و "مريض": خبر. لماذا عليٌّ هنا مبتدأ؟ لأنَّ ما قبله لم يؤثر فيه، لأنَّه تجرد عمَّا يؤثر فيه مما سبقه، كونه يقع مرفوعًا هو الذي أوجب له أن يكون مرفوعا لأنه وقع مبتدأ.
إذًا المبتدأ (هو اَلِاسْمُ اَلْمَرْفُوعُ) وفي هذا الحد يُشبه الفاعل، ويُشبه نائب الفاعل، لكن هنا قال: (اَلْعَارِي عَنْ اَلْعَوَامِلِ اَللَّفْظِيَّةِ)، وفي الفاعل قال: (الاسم اَلْمَرْفُوعُ اَلْمَذْكُورُ قَبْلَهُ فِعْلُهُ)، فالفعل هو الذي أثر في الفاعل، ويؤثر كذلك في نائب الفاعل، وأمَّا المبتدأ فالذي يؤثر فيه كونه وقع مبتدأ.
إذا (هو اَلِاسْمُ اَلْمَرْفُوعُ اَلْعَارِي عَنْ اَلْعَوَامِلِ اَللَّفْظِيَّةِ) ونحن قلنا فيما مضى: إن العوامل قسمان: عوامل لفظية، وعوامل معنوية.
{قال -رحمه الله-: (وَالْخَبَرُ: هُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَرْفُوعُ اَلْمُسْنَدُ إِلَيْهِ، نَحْوَ قَوْلِكَ "زَيْدٌ قَائِمٌ" وَ "الزَّيْدَانِ قَائِمَانِ" وَ "الزَّيْدُونَ قَائِمُونَ")}.
الخبر اسم مرفوع، كما أن المبتدأ اسم مرفوع، لكن ما الذي رفع هذا الخبر؟
المبتدأ هو الذي أثر في الخبر فرفعه، فالخبر مرتبط به من جهة أنه مع المبتدأ تتم الفائدة بهما، فأي شيء يتمم فائدة مع المبتدأ، فهذا يسمى خبرًا، أي لفظة سواء كان جارًا ومجرورًا أو ظرفا أو جملة فعلية أو جملة اسمية أو اسما مُفردا أو نحو ذلك، هو الذي تمت به الفائدة مع المبتدأ، يسمى خبرًا، فمثلا قولك: "محمد رسول الله: فكلمة "رسول" هذه التي تممت الفائدة مع المبتدأ الذي هو "محمد"، إذًا "رسول" هي الخبر.
"زيد في الدار"، "في الدار" هذه التي تممت الفائدة مع كلمة "زيد"، إذًا "في الدار" خبر.
"زيد يحب الله"، "يحب الله" هذه الجملة الفعلية هي خبر عن زيد؛ لأنها هي التي تممت الفائدة معه.
ومثلا على سبيل المثال في زاد المستقنع لَمَّا يتكلم عن السواك، يقول: "التسوك بعود لين غير مضر لا يتفتت مسنون"، كلمة "مسنون" هي التي تممت الفائدة مع كلمة "التسوك"، إذًا "مسنون" هي الخبر، وأما ما جاء بينهما من كلمات كثيرة، فهذه لا يتم معها التسوك بعود لين. -لم يتم الكلام عندي-. طيب أنا ما زلت أتشوف إلى كلام جديد، "لا يتفتت مسنون"، إذًا "مسنون" هي التي تممت الفائدة مع المبتدأ، إذًا الخبر هو ما يتم به مع المبتدأ فائدة، فإن لم تتم الفائدة، فلا يسمى ذلك خبرًا، وسيذكر أقسامه بعد قليل.
{قال -رحمه الله-: (والمبتدأ قِسْمَانِ ظَاهِرٌ وَمُضْمَرٌ، فَالظَّاهِرُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ)}.
قولك: "زيد مسافر"، "زيد" هذا مبتدأ ظاهر ملفوظ به، "محمد رسول الله"، "الله ربنا"، وغير ذلك من الأحوال، فإن هذا الاسم الظاهر هو المبتدأ، سواء كان اسمًا مذكرًا مفردًا، أو مثنى أو مجموعة، تقول: "الطالبان يحفظان الدرس"، الطالبان: مبتدأ، اسم ظاهر مرفوع وعلامة رفعه الألف نيابة عن الضمة.
"الطلاب يحبون العلم"، ف "الطلاب": جمع تكسير.
"المسلمون معتزون بدينهم"، فـ "المسلمون": سواء كان جمع مذكر سالم أو مثنى أو مفرد أو جمع تكسير أو مؤنث، مثل: "هند ملتزمة بحجابها"، كل هذه وقعت أسماء ظاهرة، فهي مبتدأ، وهناك نوع آخر يقابله، وهو أن يكون هذا المبتدأ ضميرًا، مثل: أنا أحبك"، "أنت رجل فاضل"، "هو يحب العلم وأهله". فـ "هو، وأنت، وأنا، وهم، وهؤلاء، وهذا، ونحو ذلك" هذه كلها ضمائر، فكما أنَّ الاسم الظاهر يقع مبتدأ، فكذلك الضمير يقع كذلك مبتدًأ، لكنه يكون مبنيًا، فتقول مثلا: "محمد مسافر"، محمد: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره؛ لأنَّه مفرد، "مسافر": خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
طيب "أنا مسافر"، "أنا" ضمير منفصل مبني على السكون، في محل رفع مبتدأ، "مسافر" خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهكذا.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (والمضمر اثنا عشر وهي: أنا، ونحن، وأنتَ، وأنتِ، وأنتما، وأنُتم، وأنتن، وهو، وهي، وهما، وهم، وهن. نحو قولك: (أنا قائم) و (نحن قائمون) وما أشبه ذلك)}.
قوله: (أنا قائم) "أنا" ضمير منفصل مبني على السكون، في محل رفع مبتدأ. "قائم": خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
(نحن قائمون) نحن ضمير منفصل مبني على الضم؛ لأن آخره ضمة على النون، في محل رفع مبتدأ. "قائمون": خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم.
ثم قال: (وما أشبه ذلك)، مثل: "أنتما قائمان"، "أنتما" ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، ولا نريد أن يأتي من يقول: "أنتما": ضمير منفصل مبني على الألف؛ لأنه مثنى، هذا خطأ، بل نقول: ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، "قائمان": خبر مرفوع وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى.
{قوله: (والخبر قسمان: مفرد، وغير مفرد. فالمفرد نحو: زيد قائم)}.
المقصود بالمفرد هو ما ليس بجملة ولا شبه جملة، سواء كان يدل على واحد أو يدل على اثنين أو يدل على ثلاثة، فكل هذه تسمى "مفرد" في باب المبتدأ والخبر، كما سيأتي معنا، فإذا قلت لك: "زيد قائم"، "قائم": هذا خبر مفرد، "الزيدان قائمان"، "قائمان": خبر مفرد، "الزيدون قائمون" خبر مفرد؛ لأنه ليس جملة، يعني: لم يأت بتركيب.
أمَّا لو قلت: "زيد يحب الله ورسوله"، فجملة: "يحب الله ورسوله" هذه كلها خبر. إذًا عندنا ما يكون مفردًا، سواء ما كان يدل على واحد، أو على مثنى، أو على جمع، كلها تسمى مفردًا. "زيد قائم"، "الزيدان قائمان"، كل هذه الأخبار مفردة.
{قال -رحمه الله-: فالمفرد نحو: زيد قائم، وغير المفرد: أربعة أشياء: الجار والمجرور، والظرف، والفعل مع فاعله، والمبتدأ مع خبره، نحو قولك: زيد في الدار، وزيد عندك، وزيد قام أبوه، وزيد جاريته ذاهبة)}.
لاحظ هنا: "زيد في الدار"، "زيد": مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، و "في": حرف جر، و "الدار": اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، "في الدار": من باب التسهيل في بداية الأمر، نقول: خبر؛ لأن هذا جار ومجرور شبه جملة، فهو ليس بمفرد مثل: قائم، وقائمان، وهكذا، وإنما هو جار ومجرور، أو ظرف كأن تقول: "زيد عندك"، "عندك": خبر لـ "زيد".
إذًا الظرف والجار والمجرور كلاهما يقع خبرًا. هل هي معلقة بغيرها محذوف؟
هذا أمر لا نحتاج أن نذكره الآن، لكن نقول: "زيد": مبتدأ مرفوع، "في": حرف جر و "في الدار" خبر عن زيد.
"زيد عندك"، مبتدأ مرفوع، و"عندك": الأصل أنه يعرب على أنه ظرف مكان منصوب، وهو مضاف والكاف مضاف إليه، وهو منصوب، وهو مضاف والكاف مضاف إليه، خبر عن "زيد".
إذًا نعيد ونقول: "زيد" مبتدأ، عندك: ظرف مكان منصوب وهو مضاف، والكاف مضاف إليه، خبر "زيد"، هذا الظرف خبر "زيد" لأنه تمت معه الفائدة.
"زيد قام أبوه" الآن مَثَّلَ بجملة فعلية، فذكر الجار المجرور، وذكر الظرف، ثم ذكر ما يقع خبرًا وهو جملة فعلية، سواء كانت هذه الجملة مكونة من فعل مضارع أو فعل ماضي مع فاعله، تقول: "زيد قام أبوه"، فـ "زيد": مبتدئ مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره، "قام": فعل ماضي مبني على الفتح، أبوه: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه من (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ)، وهو مضاف والهاء مضاف إليه، وجملة: "قام أبوه" خبر عن "زيد"، كل هذه الجملة الفعلية، "قام أبوه" خبر عن "زيد"؛ لأنها تمت بها الفائدة، "زيد" ما شأنه؟ تقول: قام أبوه، فأنت تعرب إعرابًا تفصيلياً، تقول: "قام" فعل، وأبوه: فاعل، ثم تقول: الجملة الفعلية من الماضي وفاعله خبر عن "زيد".
وقد يكون جملة فعلية، تقول: "زيد يحب الله"، "زيد" مبتدأ، يحب: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والفا عل ضمير مستتر تقديره هو، "الله" لفظ الجلالة مفعول به منصوب، والجملة الفعلية من: الفعل والفاعل والمفعول، خبر عن "زيد"؛ لأنها تمت بها الفائدة. "زيد" ما شأنه؟ تقول: يحب الله، فإذًا تمت الفائدة بهذه الجملة فصارت كلها خبرًا.
{(زيد جاريته ذاهبة)}.
هذا مثال مهم لما يقع خبرًا لكنه ليس ظرفًا، ولا جارًا ومجرورًا، ولا جملة فعلية، وإنما هي القسم الرابع، أي: جملة اسمية.
"زيد": مبتدأ، "جاريته" مبتدأ ثان، والمبتدأ الثاني لابد أن يكون فيه ضمير يعود على المبتدأ الأول، فـ "زيد جاريته" يعني: جارية زيد، "ذاهبة": خبر للجارية، أي: للمبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره، خبر للمبتدأ الأول. كما نقول: "زيد قائم"، فـ "قائم": خبر، كذلك عندنا جملة: "جاريته ذاهبة": خبر.
إذًا نعيد فنقول: "زيد": مبتدأ أول مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، "جاريته": مبتدأ ثان مرفوع وعلامة رفعه الضمة، وهو مضاف، والهاء مضاف إليه، "ذاهبة: خبر للمبتدأ الثاني، ثم جملة: "جاريته ذاهبة": خبر للمبتدأ الأول.
لا يصح أن تقول: "زيد سافر محمد"، لأنَّ المبتدأ الثاني لابد أن يكون فيه ضمير يعود على المبتدأ الأول، ولذلك يصح أن تقول: "زيد سافر أبوه"؛ لوجود الرابط بينهما وهو الضمير.
"الإسلام آدابه عالية"، الإسلام: مبتدأ أول، "آدابه": مبتدأ ثان، "عالية": خبر للمبتدأ الثاني، وجملة: "آدابه عالية": حبر للمبتدأ الأول.
إذًا قد يكون المبتدأ مفردًا، "زيد قائم"، و "الزيدان قائمان"، و "الزيدون قائمون"، هذه كلها مفردة، وإمَّا أن يكون شبه جملة مثل: "زيدٌ في الدار" أو "زيدٌ عندك"، هذا شبه جملة، يعني: ظرف، أو جار ومجرور، كذلك إما أن تكون جملة، والجملة إما أن تكون جملة فعلية وإما أن تكون جملة: اسمية، تقول: "زيد يحب الله"، "يحب الله" هذه جملة فعلية، وهي كلها خبر عن "زيد"، وإمَّا أن تكون جملة اسمية: "زيد جاريته ذاهبة"، جاريته مبتدأ ثان، وذاهبة خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره خبر للمبتدأ الأول.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (بَابُ اَلْعَوَامِلِ اَلدَّاخِلَةِ عَلَى اَلْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ.
وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: كَانَ وَأَخَوَاتُهَا، وَإِنَّ وَأَخَوَاتُهَا، وَظَنَنْتُ وَأَخَوَاتُهَ)
}.
بدأ المؤلف الآن في باب جديد، له صلة بباب المبتدأ والخبر، يعني: عندنا المبتدأ والخبر مرفوعان، وهناك عوامل تدخل على هذا المبتدأ وتدخل على ذلك الخبر، فتغير حالتهما الإعرابية، فبعد أن كان يعرب مبتدأ وخبرا، سيصبح له موضع آخر في سياق الكلام، اقتضى ألا يطلق عليه المبتدأ، وإنما سيطلق عليه اسم (كان) أو اسم (إنَّ) أو مفعولاً به أول لـ "ظننت وأخواتها".
إذًا هناك عوامل ثلاثة تدخل على ما كان أصله مبتدأ وخبر، فإذا دخلت هذه العوامل الثلاثة نسخت وغيرت وأبدلت حكمها الأول من كونها مبتدأ وخبر، إلى كونها شيئًا آخر، فمثال على سبيل التقريب: "زيد حافظ"، "زيد": مبتدأ، وحافظ: خبر. يدخل عليه ثلاثة عوامل، إمَّا (كان) فتقول: "كان زيد حافظًا"، فما تقول هنا في "زيد": إنه مبتدأ؛ لأن المبتدأ يكون عاريًا عن العوامل اللفظية، فهنا أثرت فيه (كان)، فأصبح هنا بعد أن مبتدأ، صار "اسم كان" مرفوع، و "حافظًا" هذا خبر.
تدخل عليه (إنَّ) تقول: "إنَّ زيدًا حافظٌ"، فهنا عملت عكس ما عملت (كان) فبعد أن كان "زيد" مرفوعا أصبح منصوبا بـ (إنَّ)، والخبر أصبح مرفوعا رفعا جديدًا، "إنَّ زيدًا حافظ".
وتقول: "ظننت زيدًا قائمًا"، فـ "ظننت": هذه تنصب المبتدأ والخبر، على أن الأول مفعولا لها أول، والثاني: مفعولا لها ثان.
أمَّا في (كان) فالأول يكون اسم (كان) مرفوع، والثاني: (خبره).
وأما في (إنَّ) فهذا يكون اسمها اسم (إن) منصوب، والثاني: خبرها.
إذًا عندنا مبتدأ وخبر، يدخل علينا ثلاثة عوامل، (كان وأخواته)، و (إنَّ وأخواته)، و (ظننت وأخواته)، فكل منها يُحدث عملا في ذلك المبتدأ، وفي ذلك الخبر، وسيأتي تفصيله -بإذن الله تبارك وتعالى- فيما سيأتي من الدروس.
{بارك الله فيكم شيخنا، وفتح الله لكم، وزادكم من فضله، وأسبغ عليكم البركات والخيرات، وجزاكم الله خير، والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام، على طيب وحسن المتابعة، نلتقي بكم -إن شاء الله تبارك وتعالى- في لقاءات أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك

سلاسل أخرى للشيخ