الدرس الثاني

فضيلة الشيخ عبدالله بن حسن الحارثي

إحصائية السلسلة

14279 15
الدرس الثاني

الآجرومية

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ وسلِّم على أشرف الأنبياء، وإمام المرسلين، مرحبًا بطلاب العلم، حياكم الله وبياكم، وجعل الجنة مثوانا ومثواكم، نرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج (جادة المتعلم) للمستوى الثالث، والذي نشرح فيه (المقدمة الآجرومية) يصحبنا بشرحها فضيلة الشيخ/ عبد الله الحارثي، باسمكم جميعًا نرحب بفضيلة الشيخ}.
أهلا وسهلا، وحياكم الله.
{كنا قد توقفنا في اللقاء الماضي عند (باب الإعراب)، نكمل على بركة الله}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله وبعد، فيحسن إلى ما سبق الكلام عنه في دقيقة واحدة -بإذن الله تبارك وتعالى- حتى نربط ما مضى بما سيأتي بإذن الله.
نحن عَرَّفنا الكلام عند النُّحاة، وقلنا: (هو اَللَّفْظُ اَلْمُرَكَّبُ، اَلْمُفِيدُ بِالْوَضْعِ) فالكلام عند النُّحاة هو ما حوى هذه القيود الأربعة، ثم بيَّن المؤلف -رحمه الله تعالى- أنَّ الكلام عند النُّحاة ينقسم إلى ثلاثة أقسام: (اسم، وَفِعْلٌ، وَحَرْفٌ جَاءَ لِمَعْنًى)، ثم بَيَّنَ العلامات التي تميز كل قسم عن أخويه، فذكر علامات الاسم، وذكر علامات الفعل، وذكر فيها (قَدْ) المشتركة بين الماضي والمضارع، وذكر العلامة الخاصة بالفعل المضارع، وهي: (السِّينِ وَسَوْفَ) ثم ذكر العلامة الخاصة بالفعل الماضي، وهي (تَاءِ اَلتَّأْنِيثِ اَلسَّاكِنَةِ)، وأضفنا إليها :تاء الفاعل".
وتكلمنا عن الحرف فقلنا: هو (مَا لَا يَصْلُحُ مَعَهُ دَلِيلُ اَلِاسْمِ وَلَا دَلِيلُ اَلْفِعْلِ)، فكل كلمة لا تقبل علامات الفعل ولا علامات الاسم فهي الحرف.
ثم شرعنا في أهم أبواب هذا الكتاب، وهو: (بَابُ الإعراب)، وقلنا: إنَّ الإعراب في الاصطلاح عند النُّحاة هو: (تغيير أَوَاخِرِ اَلْكَلِمِ لِاخْتِلَافِ اَلْعَوَامِلِ اَلدَّاخِلَةِ عَلَيْهَا لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا)، وقلنا: إنَّ التغيير، يقصد به تغيير حال الآخر، وسبب هذا التغيير هو العوامل، وقلنا: إن الكلمَ المقصود تغيره هو: الأسماء المعربة، والفعل المضارع، وأما الأسماء المبنية التي ستأتي في كتاب غير هذا، والحروف والفعل الماضي، وفعل الأمر، هذه كلها لا علاقة لها بباب الإعراب، ولا بالأسماء المعربة.
مثال على الاسم المعرب: كلمة "محمد" هذا اسم معرب، "محمدٌ، محمدًا، محمدٍ"، تقول: "أكرمتُ محمدًا"، "سلمتُ على محمدٍ"، ومثال آية الحج كما ذكرنا قبل ذلك.
فالاسم المعرب تتغير أواخره. لماذا هذا التغير؟ لأنَّ هذا التغير يُحدث معانٍ جديدة، ولولا هذا التغير لَمَا فَهمنا تلك المعاني.
والبناء هو ما يُضاد الإعراب، فلو قلت: "جاء هؤلاءِ"، و "أكرمتُ هؤلاءِ"، و "سَلَّمتُ على هؤلاءِ"، "جاء هذا"، و "أكرمت هذا"، و "سلمت على هذا"، يلاحظ المستمع أنَّ "هذا" لزم السكون في آخره في جميع الأحوال، بخلاف: "محمدٌ، محمدًا، محمدٍ".
و "هؤلاءِ" لازمه الكسر، "جاءَ هؤلاءِ"، "أكرمتُ هؤلاءِ"، "سلمتُ على هؤلاء"، إذًا هذا اسم مبني، لماذا؟ لأنه لزم حالة واحدة؛ لأنَّ عندنا الإعراب هو التغير، وأمَّا البناء فهو ضده، وهو لزوم آخر الكلمة حالة واحدة.
فالمقصود بتغير أواخر الكلم، الذي يطرأ عليه هذا التغير، وهذا التجدد من الحركات، هو الاسم المعرب، وكذلك الفعل المضارع. قال: (لِاخْتِلَافِ اَلْعَوَامِلِ) يعني: الذي أوجب هذا التغير في أواخر تلك الكلمات، أي: الاسم المعرب، والفعل المضارع، هو اختلاف العوامل، والعوامل جمع عامل، والعوامل هو ما أوجب أو ما اقتضى أن يكون آخر الكلمة على وجه المخصوص، فـ "مِنْ" في قولك: "أخذت من الدراهم"، فـ "مِنْ" يعد عاملاً أَثَّر في الدراهم بالجر.
وتقول: "جاء زيدٌ"، و "زيد" مرفوع، ما الذي أثر فيه بالرفع؟ الفعل "جاء"، فالفعل "جاء" هو من أدَّى إلى رفع "زيد".
وعندنا عوامل لفظية، وأخرى معنوية، فاللفظية هي التي تدرك في اللفظ، ويستطيع الناظر أن يضع خطًا تحت ذلك العامل، يعني: من باب التقرير.
لو قلنا مثلا: "سلمت على زيد" ولو قال قائل: ضع خطًا تحت العامل في: "سلمت على زيد" ستضع خطًا تحت "على"؛ لأنَّها عامل لفظي، أي: ملفوظ به، ومُدْرَكٌ أي: يُدركه السامع، ويعلم أنَّ هناك لفظةً سبقت "زيد" هي التي أثرت فيه، فهذا عامل لفظي، لكنَّ لَمَّا أقول مثلا: "زيدٌ مسافر"، فـ "زيدٌ" هنا مرفوع، ما الذي رفعه؟ لا تستطع أن تضع خطًا؛ لأنَّ العامل هنا يسمى عاملاً معنويًا؛ لأنه وقع مبتدأ، وهذا الذي أثر فيه بالرفع.
إذًا عندنا عوامل معنوية، وعندنا عوامل لفظية، والعوامل المعنوية اثنان فقط: "الابتداء، وتجرد الفعل المضارع من الناصب والجازم" يعني: عندنا كلمة "زيدٌ مسافر" لا تستطيع أن تضع خطا تحت العامل، لماذا؟ لأنَّ العامل الذي أثر فيه بالرفع معنوي، وهو الابتداء أي: كونه وقع في ابتداء الجملة.
لو قلت لك مثلا: "يقوم "زيد" بواجبه"، و "لن يقوم "زيد" بواجبه"، و "لم يقم "زيد" بواجبه" فلاحظ أنَّ "لن" أثرت النصب في المضارع، "لن يقومَ"، و "لم" أثر في المضارع بالجزم، "لم يقم" مجزوم، وإذا جردته من الناصب والجازم، ستقول: "يقومُ".
إذًا، إذا تجرد الفعل المضارع من الناصب والجازم، كان العامل معنويًا، إذًا العامل المعنوي اثنان، عند تجرد المضارع من الناصب والجازم، فلابد من أن يرفع، وكذلك عند الابتداء، فإذا تجرد الاسم مما يؤثر فيه مما قبله، يكون مرفوعًا، وسببه: تجرده عن العوامل وهو وقوعه مبتدأ في هذا الموطن.
وأمَّا ما عدا ذلك من المؤثرات مما يُؤثر فيما بعده فهي عوامل لفظية، ولها مؤلفات خاصة، مثل: كتاب الجرجاني -رحمه الله تعالى- في العوامل المائة، وذكر مائة عامل، اثنان منها مما يتعلق بالعوامل المعنوية، والباقي كلها عوامل لفظية.
إذًا عندنا هذا التغيير الذي يحصل، سببه اختلاف العوامل الداخلة، وقوله: (اَلدَّاخِلَة) يعني: السابقة، أي: يقتضي أن تكون سابقة، وقد يعمل العامل لقوته وإن كان متأخرا، وهذه تفاصيلها في غير هذا الموطن.
(اَلدَّاخِلَةِ عَلَيْهَا لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا) هنا الجملة هذه مليئة بالعلم، المقصود باللفظ هو: الإعراب، أي: التغير الذي لا يمنع من النطق به مانع، هنا يقول: (الإعراب هُوَ: تغيير أَوَاخِرِ اَلْكَلِمِ لِاخْتِلَافِ اَلْعَوَامِلِ اَلدَّاخِلَةِ عَلَيْهَا لَفْظًا) يعني: هذا التغير الذي هو الإعراب يكون ملفوظًا به، يعني: يدركه السامع، سواء كان مُتعلمًا النحو أو جاهلا به، يدرك أنَّ هناك تغيرًا، وهذا يسمى: إعرابًا لفظيًا، أي: لا يمنع من نطق به مانع، يعني: يدرك المستمع وغير المتعلم العربية والإنسي والجني والصغير والكبير والعربي وغير العربي أنَّ هناك تغير، فلو جئت لشخصٍ وقلت له: "جاءَ محمدٌ" و "أكرمتُ محمدًا"، و "سلمت على محمدٍ" فيدرك أن نطقك بالدال في "محمد" الأولى تختلف عن نطقك بالدال في الثانية عنها في الثالثة، وهذا يسمى إعرابًا لفظيًا، يعني: لا يمنع النطق به مانع، ملفوظٌ به ومعروفٌ ويدركه السامع، ولو لم يكن متعلمًا للنحو. ما معنى ذلك؟
معناه: وجود نوع آخر من الإعراب، فلو قلت لك مثلا: "جاء موسى"، و "أكرمت موسى"، و "سلمت على موسى" هنا -في الحقيقة- يوجد تغير في كلمة موسى في آخرها، لكن هذا التغير لا يدركه غير متعلم العربية، فالنحوي يدرك أنَّ موسى مرفوعًا، وأمَّا لو قلت: "قام محمد"، هنا أدركنا جميعا أنَّ كلمة "محمد" مرفوعة، ولكن "جاء موسى" لا يدرك ذلك إلا النحوي.
إذًا هناك إعراب تقديري، يعني: مقدر، أو تقدر الحركة على آخره، وهناك إعراب لغوي، يلفظ به جميع الحركات التي هي علامات الإعراب.
وهذا الإعراب التقديري له ثلاثة أقسام:
الإعراب التقديري، فيما إذا كانت الكلمة منتهية بـ "الواو أو الألف أو الياء"، يعني: عندنا الأسماء، والأفعال المضارعة، إما أن تنتهي بـ "الألف، أو الواو، أو الياء"، فإذا كان عندنا الاسم منتهيًا بالألف، سواء المقصورة أو الممدودة مثل: كلمة "عصا"، هذه ألف ممدودة، وكلمة "موسى" هذه ألف مقصورة. تقول: "هذه عصا"، وتقول: "هذا موسى"، لو لاحظت ستجد أنَّ "الألف" في كلمة "عصا" في ظاهر الأمر ساكنة هنا، و "الألف المقصورة" في كلمة "موسى" ساكنة، ولكنها في الحقيقة معربة، فهي مرفوعة في الحقيقة رفعًا مقدرًا.
مثال: لو قلت لك: "هذه عصا"، تقول: "هذه" اسم إشارة في محل رفع المبتدأ، و "عصا" خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدر على آخره، منع من ظهورها التعذر؛ لأنَّ الكلمات إمَّا أن تكون منتهية بألف، أو واو أو ياء، فإذا كانت منتهية بألف فهنا يكون للتعذر، يعني: لا يمكن أن تنطق بحركة الإعراب ولو تكلفتها، أي لا يمكن أن تقول: "هذه عصاٌ"، وكذلك لا يمكن أن تقول: "أمسكت بعصاٍ"، ونحو ذلك، فإذا كانت الكلمة منتهية بألف سواء كانت اسمًا أو فعلا، فلا يمكن أن تظهر على الحركة ولو تكلفتها.
وأمَّا إذا كانت الكلمة منتهية بـ "الواو" أو "الياء" فهنا تُقدر الحركات، تقدر الضمة، وتقدر الكسرة، وأمَّا الفتحة؛ فإنها تظهر لخفتها.
إذًا الكلمة إذا كانت منتهية بألف فتقدر عليها جميع الحركات للتعذر، أي: لا يمكن إظهارها، وأمَّا إن كانت منتهية بالواو أو بالياء، فالذي يقدر ولا يظهر "الكسرة والضمة"، وأمَّا الفتحة فإنها تظهر لخفتها. مثال: "جاء القاضي"، "جاء" فعل ماض مبني على الفتح، "القاضي" فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره، منع من ظهورها ماذا؟
من قال التعذر، فقد أخطأ، وإنَّما الصواب منع من ظهورها الثقل، لماذا الثقل؟
لأنك لو تكلفت إظهارها لظهرت، تقول: "جاء القاضيُّ"، فمن الممكن أن تظهر، ولكن العرب كلامهم مبنيٌ على الخفة، فلذلك لَمَّا كانت الياء في ذاتها ثقيلة، والضمة ثقيلة، قالوا: نحذف هذه الحركة مع تقدير وجودها.
لكن لو قلت لك: "جاء محمدٌ" ستلاحظ أنَّ الدال ظهرت عليها الضمة؛ لأنَّه ليس بحرف علة، وبالتالي ظهرت الضمة هنا.
لو قلت لك: "سلمت على القاضي"، "على" حرف جر، "القاضي" اسم مجرور، وعلامة جرِّه الكسرة المقدرة على الياء، منع من ظهورها الثقل؛ لأنك لو تكلفتها لظهرت. تقول: "سلمت على القاضيِّ"، وأما الفاتحة تقول: "أكرمت القاضيَ" فما نحتاج أن نقدر؛ لأن الفتحة خفيفة، وبالتالي ظهرت عليها.
إذًا عندنا التقدير إمَّا أن يكون في الألف للتعذر، وإمَّا أن تكون الكلمة مُنتهية بـ "الواو أو الياء"، فتقدر عليها الضمة والكسرة. نحن مثلنا بالأسماء، ولو أردنا أن نمثل بالمضارع، نقول: "المسلم يدعو ربه قبل فطره"، "يدعو" أصلها "يدعوُ"، لاحظ أنَّ الضمة هنا ثقيلة، فلما كانت منتهية بحرف علة وهو الواو، فإظهار الحركة على آخره يوجب لها ثقلا، وبالتالي لم ينطق بالضمة مع تقدير وجودها.
قلت لك مثلا: "يكتب"، "يحفظ"، تظهر الضمة مباشرة لعدم وجود الثقل، وأما الجر فليس للأفعال، وبالتالي لا نقدر هناك كسرة؛ لأنه لا يوجد كسرة.
ولكن لو جاءنا مضارع في آخره "واو" أو "ياء" فإننا نظهر الفتحة عليه، ونقدر الضمة عليه، قلنا إن المضارع إمَّا أن ينتهي بـ "واو" أو "ياء". مثال الواو كما ذكرنا: "يدعو" ما تستطيع أن تظهر عليه الضمة، وكذلك "يقضي" لا تستطيع أن تظهر عليه الضمة، فلا تستطيع أن تقول: "يقضيُ"، تقول: ﴿وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ﴾ ، ولا تستطيع أن تقول: {والله يقضيُ بالحق}، إذًا تقدر الضمة على الياء وعلى "الواو" في الأفعال، وتظهر الفتحة لخفتها، ﴿لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا﴾ ، فـ "لن ندعوَ" مضارع منصوب على الفتحة الظاهرة على آخره؛ لأنها خفيفة، وتقول: "لن يقضيَ القاضي إلا بالحق؛ لأنه يخاف ربه تعالى"، فـ "يقضيَ" ظهرت الفتحة.
إذًا عندنا التقدير، إمَّا أن يكون آخر الكلمة مُنتهيًا بألف، سواء في الأسماء أو في الأفعال، فتقدر جميع الحركات للتعذر. تقول مثلا: "المسلم يسعى في فعل الخير"، "يسعى" مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره، منع من ظهورها التعذر.
إذًا عندنا الألف، إذا كانت مُنتهية به الأسماء أو منتهية به الأفعال فدائما للتعذر، وإن كان ذلك الاسم منتهيًا بالياء؛ فإنها تقدر عليه الضمة والكسرة، وتظهر عليه الفتحة.
وإمَّا أن يكون مضارعًا منتهيًا بألف، فكما قلنا: تقدر عليه جميع الحركات، وإمَّا أن يكون منتهيًا بالواو أو بالياء، فتقدر عليه الضمة، وتظهر عليه الفتحة.
وأمَّا الأسماء العربية، فليس عندنا اسم عربي ينتهي بالواو، وقبله مضموم، مثل: "دلو" وهذا صحيح في العربية أن يوجد اسم ينتهي بواو قبله ساكن، مثل: "ظَبْيٌ" مُنته بواو قبله ساكن، لكن كونك تأتي باسم عربي مُنته بواو قبله مضموم، قالوا: هذا لا يوجد في لغة العرب، وأمَّا كلمة "عبدو" فقالوا: هذا الاسم ليس من أصل عربي، فهذا الاسم ينتهي بواو، وقبل الواو مضموم، فهذا مثال ليس بصحيح لكون الاسم غير عربي
إذًا المقصود أنَّ الإعراب إمَّا أن يكون لفظيًا، أي: ملفوظًا به، وهذا في جميع أحرف الهجاء، إلا ثلاثة أحرف، "الألف"، و "الواو"، و "الياء"، فهذه لا تضع عليها الحركات، وأما باقي الحروف فإنها تظهر، فيكون الإعراب لفظيًا، وإما أن يكون مُقدرا، وقلنا: هذا التقدير إمَّا أن يكون على ألفٍ، وإما أن يكون على ياء سواء في الأفعال أو في الأسماء.
هل هناك تقدير آخر؟
نعم، وهو النوع الثاني من التقدير، وهو التقدير على ما قبل "ياء المتكلم"، بمعنى: أن يكون هناك إعراب، تتصل الكلمة بـ "ياء المتكلم". فإذا اتصلت الكلمة بـ "ياء المتكلم" فإما أن تكون هذه الكلمة المُتصلة بـ "ياء المتكلم" اسمًا، وإمَّا أن تكون فعلاً، فإذا كانت اسمًا فإنك تقدر جميع الحركات، لكن ليس للثقل، وليس للتعذر، وإنما للمناسبة، تقول: "قلمي مفيدٌ" فـ "قلمي" أصلها "قلم"، وقلم -كما تلاحظون- مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
تقول: "كسرت قلما" منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
"أمسكت بقلم" مجرور وعلامة جرة الكسرة، لكن لو وصلت به "ياء المتكلم" ستحتفي عندك الحركات الثلاث، فتقول: "قلمي" لاحظ الميم هنا مكسورة، وتقول: "اشتريت قلمي" الميم مكسورة أيضًا، و "أمسكت بقلمي" أيضًا الميم هنا مكسورة، لكن هذا الكسر ليس هو كسر الجر، كما سنبين الآن.
إذا قلت لك مثلا: "هذا غلام"، فتقول: "هذا" اسم إشارة، مبني في محل مبتدأ، و "غلام" خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة.
إذا قلت لك: صِلْ به "ياء المتكلم" فتقول: "هذا غلامي"، فاستحالت الضمة إلى كسرة الآن. لماذا؟ لأنَّ "ياء المتكلم" لا يناسبها إلا كسر ما قبلها، فلو انتقلت من الضم إلى الكسر، لكان فيه ثقل من الضم إلى الياء، ولهذا لا يقال: "هذا غلاميُ" ثقل. إذًا ماذا نفعل؟
قالوا: نكسر هذه الميم، لأجل أن تناسب الياء، لأنَّ "الياء" يناسبها حركة ما قبلها.
إذًا كيف نعرب؟
غلامي: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل "ياء المتكلم"، منع من ظهورها "التعذر" خطأ، منع من ظهورها "الثقل" خطأ، وإنمَّا الصواب منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، لو لم تتصل هذه الياء لظهرت هذه الحركة، بمعنى: لو وصلت بدل الياء هذه بالهاء؛ لظهرت الحركة، تقول: "هذا غلامه"، ظهرت الضمة، وأمَّا إذا وصلتها بالكاف، فتقول: "هذا غلامك" ظهرت الضمة.
إذًا "ياء المتكلم" إذا اتصلت بالأسماء، تلغي هذه الحركات الثلاث، وأمَّا إذا اتصلت الهاء أو الكاف، أو اتصلت الضمائر الأخرى، فهذه تظهر الحركات لا إشكال فيها، خصوصا "ياء المتكلم" هي التي تختفي معها الحركات الثلاث. فيكون هذا اسمه: مرفوعًا أو منصوبًا أو مجرورًا وعلامة جره الضمة المقدرة لاشتغال المحل بحركات المناسبة، أو منصوبًا وعلامة نصبه الفتحة المقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. أو الكسرة، كقولك: "أمسكت بقلمي" اسم مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة، وليست الكسرة الظاهرة؛ لأنَّ هذه الكسرة موجودة أصلا قبل حرف الجر، ولكن لوجود الياء.
إذًا عند الإعراب التقديري في الأسماء إذا اتصلت به "ياء المتكلم" على وجه الخصوص، وأمَّا إذا اتصلت به الضمائر الأخرى، كـ "الكاف أو الهاء"؛ فإنها تظهر عليه.
{أظن أن هذا تقسيم جديد}.
هو موجود، ولكنه ربما يذكر في المطولات، ولقد أوردته هنا لإضفاء بعض الزيادة عن الأجرومية.
{أحسن الله إليكم}.
هل "ياء المتكلم" تدخل على المضارع؟ نعم، تدخل كذلك على المضارع، وتدخل كذلك على الأمر، والذي يعنينا هنا المضارع؛ لأنه هو المعرب، فتقول مثلا: "يعجبُني"، لاحظ ما تستطيع أن تقول: "يعجبي". إذًا ما الذي فعلوه حتى يبقى المضارع سالمًا، قالوا: "الياء" يناسبها كسر ما قبلها، ولذا قالوا: لابد هنا أن نوسط شيئًا بين المضارع وبين هذه الياء، ليقع الكسر على ذلك الحرف الزائد لا عن المضارع، فيسلم من الكسر. فقالوا: نأتي بـ "نون" تسمى نون الوقاية. فتقول: يعجبُني. لاحظ أنَّ النون هنا كسرت؛ لأجل أن تتناسب مع الياء، ويبقى المضارع محفوظا مرفوعا مصانًا مُشرفًا لا يعتريه شيء من الكسر. فبدلا من أن يقول: "يعجبي" قالوا: "يعجبني"، فـ "يعجب" مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والنون للوقاية، والياء هنا ضمير متصل في محل نصب مفعول به. سيأتي -إن شاء الله معنا-.
فالمقصود: أنَّ من أنواع الإعراب، الإعراب التقديري، وقلنا إمَّا أن يكون هذا في الأسماء والأفعال، إذا كانت منتهية بـ "ألف أو واو أو ياء" إمَّا للتعذر وأما للثقل، وهناك الإعراب التقديري فيما إذا اتصلت "ياء المتكلم" خصوصًا بالأسماء، فإن هناك إعراب تقديري.
وإذا اتصلت بالأفعال فليس هناك إعراب تقديري؛ لأنَّه ليس هناك تقدير، وإنما هناك حركة ظاهرة، تقول مثلا: "لن يُعْجِبَنِي"، لاحظ أنَّ الفتحة ظهرت، لم يُعْجِبْنِي الجزم. وهنا "يُعْجبُنِي" ظهرت الضمة، فهنا ليس عندنا إشكال في وجود هذه النون؛ لأنها تقي الفعل من هذا الكسر، وبالتالي ليس هناك تقدير. أمَّا في الأسماء اتصال الياء، فلابد من ذلك التقدير.
بقي نوع من الإعراب، فقط نشير إليه إشارة، عندما نقول الإعراب التقديري، وهناك الإعراب الذي يكون مع الياء، وهناك الإعراب المَحَلي، وهذا يكون في الأسماء المبنية، بمعنى أن تكون هذه اللفظة مبنية لا تتغير، لكنها وقعت في موضع كلمة يصح أن يقع عليها الإعراب والتغير، مثل: "كتب محمد"، "كتب": فعل ماض مبني على الفتح، "محمد": ستقول: فاعلا مرفوعًا وعلامة رفعه الضمة إلى آخره، ماذا لو أبدلت كلمة "محمد" بـ "التاء"، فقلت: "كتبتُ"، فنقول: "كتب" فعل ماض مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير الفاعل، و "التاء": ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل، يعني: هذه "التاء" لا تعرب، وإنما هي مبنية؛ لأنها ضمير.
طيب أنا لو أردت أن أُبدل هذه التاء باسم ظاهر بدلا عنها، سنجد أنَّ هذا الظاهر يقبل تلك العلامة التي هي الضمة، ولكن لَمَّا جاء على صورة الضمير، أوجب له ذلك بناءه، وبالتالي لا أستطيع أن أُعربه، وإنما أقول هو في محل كذا، كما لو قلت: "جاء هؤلاء" تقول: "جاء" فعل ماش مبني على الفتح، "هؤلاء": اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع فاعل.
إذًا عندنا إعراب إمَّا للثقل والتعذر، وإمَّا أن يكون تقديريًا في "الياء"، وإمَّا أن يكون إعراب محليا، وإمَّا أن يكون الإعراب لفظيًا، إذًا عندنا إعراب لفظي، وعندنا إعراب تقديري، والإعراب التقديري ثلاثة أقسام، إمَّا للثقل، وإمَّا للتعذر وإما للمناسبة، وهي إذا اتصلت الياء، وإما أن يكون محليا في الأسماء المبنية خصوصا، سواء الضمائر أو أسماء الإشارة أو غيرها مما سيأتي معنا -إن شاء الله- في غير هذا الكتاب.
إذًا قوله: (تغيير أَوَاخِرِ اَلْكَلِمِ لِاخْتِلَافِ اَلْعَوَامِلِ اَلدَّاخِلَةِ عَلَيْهَا لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا) هذا هو الإعراب، إذًا هو تغير يطرأ على أواخر الكلمات بسبب عوامل أثرت ذلك التأثير فأوجب التغير.
طيب هذا التغير ما هو الذي حدث؟ هذا ما سنقرؤه الآن.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَأَقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ: رَفْعٌ، وَنَصْبٌ، وَخَفْضٌ، وَجَزْمٌ)}.
أقسام الإعراب، أي: أقسام ذلك التغير الذي يحصل في أواخر الكلمات بسبب العوامل يعني الذي يحصل في أواخر الأسماء المعربة، وفي آخر الفعل المضارع، لا يخلو عن واحدٍ من هذه الأربعة:
(رَفْعٌ) وهو تغير مخصوص يحدثه العامل، وعلامته الضمة أو ما ناب عنها.
(وَنَصْبٌ) وهو تغير مخصوص يحدثه العامل، علامته الفتحة أو ما ناب عنها.
(وَخَفْضٌ) تغير مخصوص يحدثه العامل علامته الكسرة أو ما ناب عنها.
(وَجَزْمٌ) تغير مخصوص في آخر الكلمة -وهو المضارع خصوصا- وعلامته السكون أو ما ناب عنها.
{أحسن الله إليكم. ما المقصود بقولكم: "أو ما ناب عنها"؟}.
بمعنى أنَّ هناك كلمات نطقت بها العرب، وقَعَّدَ لها النحاة قواعد، لا يمكن أن تكون مثلا مرفوعة، ولكن تكون العلامة فيها هي الضمة الأصلية، بمعنى: أنك لا تستطيع أن تميز وتعرف أن هذه الكلمة مرفوعة بالضمة، بل لابد من شيء آخر ينوب عن الضمة، فلمَّا غابت الضمة أبدلوا بدلا عنها ما يؤدي عملها من جهة الدلالة على أنَّ هذه الكلمة مرفوعة، فلو قلت لك مثلا: "جاء المسلمون" هذا جمع مذكر سالم كما تلاحظ، والأصل في العلامة أن تكون في آخر الكلمة، وكلمة المسلمون هنا "الميم" ليست هي آخر الكلمة، وإنما "الواو" زيدت فيها، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. إذًا هذه الكلمة ليست مفردة حتى نعرف أن علامتها الضمة، طيب كيف نعرف أنها مرفوعة؟ قالوا: ننيب الواو عن الضمة في مثل هذا الحال، فالواو هنا نابت عن الضمة، إذ لو لم يكن هذا الاسم مجموعًا لجعلنا العلامة الأصلية له الضمة، فلمَّا غابت الضمة مع هذا الجمع، جاءوا ببديل ينوب عنها؛ ليدل على ما دلت عليها، فإن كانت الضمة تدل على الرفع، وان هذه الكلمة في موطن الفاعل مرفوع، وما عندنا الآن ما يدل على أنها؟ قالوا: ننيب عن تلك الضمة شيئًا آخر يدل على ما دلت عليه من جهة الرفع، فجاءوا بـ "الواو"، أو جاؤوا بـ "الألف" مثلا في المثنى، وكلها تدل عليها من حيث العمل أنها في موضع نصب وهكذا، فعندنا العلامات سنأتي -إن شاء الله- عليها، العلامات الأصلية، والعلامات النيابية، وسيعيدها المؤلف -رحمه الله تعالى- مرتين لأهميتها.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (فَلِلْأَسْمَاءِ مِنْ ذَلِكَ: اَلرَّفْعُ، وَالنَّصْبُ، وَالْخَفْضُ، وَلَا جَزْمَ فِيهَا، وَلِلْأَفْعَالِ مِنْ ذَلِكَ: اَلرَّفْعُ، وَالنَّصْبُ، وَالْجَزْمُ، وَلَا خَفْضَ فيها)}.
ذكر المؤلف أنَّ أقسام الإعراب -التغير- أربعة أقسام، والسؤال هل هذا التغير يطرأ على جميع أنواع الكلم؟
قلنا من قبل: إنَّ التي تتغير هي الأسماء المعربة، والأفعال المضارعة، وأما الحروف كلها والفعلان الماضي والأمر فهذه كلها مبنية. هل هذا التغير "الرفع والنصب والخفض والجذم" يدخل في جميع أقسام ما يمكن أن يعرب، وهي: الأسماء والأفعال؟
قال: لا، لأنَّ هناك تغيرات تشترك فيها الأسماء المعربة والأفعال المضارعة، وهناك أشياء تختص بها الأسماء، وهناك أشياء تختص بها الأفعال، فبعد أن ذكر الإجمال ذَكَرَ التفصيل، فقال: (فَلِلْأَسْمَاءِ مِنْ ذَلِكَ: اَلرَّفْعُ، وَالنَّصْبُ، وَالْخَفْضُ، وَلَا جَزْمَ فِيهَا) أي أنَّ الأسماء تُرفع، وتنصب، وتخفض، ولا تجزم، بينما الأفعال: "ترفع وتنصب وتجزم" ولكنها لا تخفض.
ما وجه التفريق بين الأسماء والأفعال؟ لماذا أعطوا هذا هذا وذاك ذاك؟
قلنا: إنَّ المقصود بهذا التغير هو إحداث المعاني الجديدة، قالوا: الفعل له دلالتان، يدل على الزمن، ويدل على الحدث، فالفعل: "كتب" يدل على الكتابة، ويدل على أنَّ الكتابة حدثت في الزمن الماضي، وهذا بخلاف لو قلت لك مثلا: "زيد"، فـ "زيد" يدل على شيء واحد، هذا المسمى بـ "زيد"، والقلم هذه الآلة -آلة الكتابة- دون اقتران بزمن. فلمَّا كانت الأسماء خفيفة من جهة الدلالة على شيء واحد؛ أعطوها الثقل، وهو الخفض الذي هو الجر.
طبعا "السكون والفتح والضم" أخفُّ من الكسرة، قالوا: الاسم يدل على شيء واحد، فالكتاب يدل على هذه الذات التي فيها أوراق وكتابة وكلمات إلى آخره، بينما لو قلت لك: "كتبت" دلَّ ذلك على أمرين، دل على الكتابة وهي الحدث، ودلَّ على أنَّ هذا وقع في الزمن الماضي.
إذًا الفعل له دلالتان، يدل على حدث، ويدل على زمن. إذًا: ماذا نعطيه؟
قالوا: نعطيه الجزم، والجزم هو السكون، أو عدم الحركة؛ ولأنَّ الفعل ثقيل، أعطيناه الخفيف، ولَمَّا كان الاسم خفيفًا أعطيناه الثقيل، وهذه فلسفة النحاة كما يقولون. وهذا يدخل في باب علل البناء والإعراب.
فالمقصود أنَّ الأسماء والأفعال تشترك في الرفع والنصب، فتقول: "إنَّ زيدًا لن يقوم"، "زيدًا" منصوب، "لن يقوم" مضارع منصوب، إذًا عندنا فعل منصوب، وعندنا اسم منصوب.
وتقول: "زيدٌ يقوم بواجبه"، "زيدٌ" مرفوع، "يقوم" مرفوع، فعندنا اسم مرفوع، وعندنا فعل مضارع مرفوع. إذًا اشتركت في الرفع وفي النصب.
وأمَّا ما يخص الاسم فنقول: الجر، مثل: "سلمت على زيد"، "زيدٍ" مجرور؛ لأنَّ هذا الجر من خواص الاسم، أي: لا يمكن أن يدخل الجر إلا على الأسماء، بينما الأفعال مختصة بالجزم، فلا يوجد عندنا اسم مجزوم، وإنما عندنا فعل مضارع مجزوم.
إذًا عندنا قسمة رباعية: "رفع ونصب وخفض وجزم"، وتشترك الأسماء والأفعال في الرفع والنصب، وتختص الأسماء بالجر أو الخفض، وتختص الأفعال بالجزم، وكل من هذه الأقسام له علامات، يعني: لما نقول: هذا مرفوع. كيف أعرف أنه مرفوع؟ هل هناك علامة تدل على أنَّ هذه الكلمة مرفوعة؟ أو كيف أفرق بين الكلمات الكثيرة؟
قال: سنعطيك العلامات التي تدل على أنَّ هذه الكلمة مرفوعة، وما ينوب عنها، ثم سأعطيك الكلمات التي تد على أنَّها منصوبة وما ينوب عنها، وكذلك الكلمات التي تدل على أنها مجرورة وما ينوب عنها، وكذلك الجزم وما ينوب عنه.
{قال -رحمه الله-: (بَابُ مَعْرِفَةِ عَلَامَاتِ الإعراب)}.
هذا تفريع على الباب السابق، وهو (باب الإعراب)، فبعد أن ذكر لك الإعراب وهو التغير، ذكر أقسام هذا التغير، ولَمَّا حصل عندك تصور لهذا التقسيم الرباعي، أراد أن يبين لك أكثر، فذكر كيفية معرفة أنَّ الكلمة مرفوعة. هل لها علامات؟ قال: نعم. كيف أعرف أن الكلمة منصوبة؟ أو مجزومة أو مجرورة؟ قال: هذا الباب في ذكر ما يميز تلك الأقسام عن بعضها البعض، فبدأ بالرفع.
{قال: (لِلرَّفْعِ أَرْبَعُ عَلَامَاتٍ: الضمة، والواو، وَالْأَلِفُ، وَالنُّونُ.
فَأَمَّا اَلضَّمَّةُ: فَتَكُونُ عَلَامَةً لِلرَّفْعِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: فِي اَلِاسْمِ اَلْمُفْرَدِ، وَجَمْعِ اَلتَّكْسِيرِ، وَجَمْعِ اَلْمُؤَنَّثِ اَلسَّالِمِ، وَالْفِعْلِ اَلْمُضَارِعِ اَلَّذِي لَمْ يَتَّصِلْ بِآخِرِهِ شَيْءٌ)
}.
ذكرنا أنَّ أول قسم من أقسام الإعراب هو: الرفع، وله علامات أربعة تدل عليه، فذكر العلامة الأولى وهي: الضمة. متى تكون الضمة علامة من علامات الرفع؟ يعني: متى أقول أنَّه مرفوع بالضمة؟
قال: (فَتَكُونُ عَلَامَةً لِلرَّفْعِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ)، ومتى ما رأيت واحدًا من هذه المواضع، وأردت أن تأتي به في موضع يقتضي رفعه، فلا بد أن تأتي بالضمة لهذا الموضع.
قال: (فِي اَلِاسْمِ اَلْمُفْرَدِ مُطلقًا) والاسم المفرد هنا في (بَابُ مَعْرِفَةِ عَلَامَاتِ الإعراب) هو ما ليس بمثنى ولا مجموع. فإذا قلت لك: "جاء زيد"، و "جاء الزيدان"، و "جاء الزيدون"، فـ "زيد" مفرد، ثم "زيدان" مثنى، ثم "زيدون" مجموع، و "زيد" فقط هو الوحيد الذي ترفعه بالضمة، أمَّا "زيدان"، و "زيدون" فلهما علامات أخر، تأتي معنا -بإذن الله تبارك وتعالى-.
إذًا ما دلَّ على واحدٍ، أي: ما ليس بمثنى ولا مجموع، سواء كان اسم لامرأة أو لرجل أو لمدينة أو لفاكهة أو لرسول، أيًّا كان ذلك المفرد، سواء كان لعاقل أو لغير عاقل، لإنسٍ أو جنٍ، لملائكة، لبلد، كلها إذا جاءت في موضع تقتضي الرفع، فلابد أن تجعل عليها الضمة.
{ويمكن أن نقول: إنَّ الضمة علامة أصلية لها}.
نعم أحسنت، الضمة هي العلامة الأصلية، وسيذكر هذا المؤلف -رحمه الله تعالى-.
{قال -رحمه الله-: (وَجَمْعِ اَلتَّكْسِيرِ مُطْلَقً)}
جمع التكسير يُراد به ما تغيرت -تكسرت- صورة مُفرده بعد جمعه، وهذا التغير له صور، وأحيانا قد يكون التغير بتغير حركة المفرد بعد الجمع، وأحيانًا تزيد حرفًا في المفرد فيصبح جمعًا، فهذا التغير الذي طرأ على المفرد هو التكسير. فمثلا لو قلت لك: "أسد" هذا مفرد، وإذا قلت مثلا: "دخل أسد"، فـ "دخل" فعل ماض، و "أسد" فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة. لماذا؟ لأنه مُفرد.
مثال: "جاء محمدٌ"، "جاء" فعل ماض، "محمد" فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة. لماذا؟ ستقول: لأنه مفرد.
إذا قلت لك: "جاء أسدٌ"، و "أَسَدٌ" هذا مفرد، ولو جمعته ستقول: "أُسُودٌ"، لاحظ أنَّ الهمزة مفتوحة في كلمة "أَسَد"، والسين كذلك مفتوحة، بينما الدال مرفوعة. ولكن لَمَّا أتينا بالجمع، وجدنا أنَّ صورة الهمزة قد تغيرت من فتح إلى ضم، تقول: "أُسُودٌ"، فتغيرت من كونها مفتوحة في المفرد "أَسَدٌ" إلى كونها مضمومة في الجمع "أُسُودٌ". فلمَّا تغيرت صورة المفرد سموه جمع تكسير؛ لأنَّ صورة المفرد قد تكسرت، أي: تغيرت. فكل ما دلَّ على جمع مع تغيير صورة مفرده فهذا هو جمع التكسير. لماذا نقول هذا؟ لأننا سنتعرض لجمع المذكر، والذي فيه قد سلمت صورة المفرد.
إذًا جمع التكسير تتغير فيه صورة المفرد ولابد، إمَّا أن تتغير بحركة، كما في كلمة "أَسَد"، "أُسُود"، وإمَّا بزيادة كحال كلمة "أسد" أيضًا، فقد زدنا في الجمع "الواو". فالتغيير قد يكون بالحركة، وقد يكون بالزيادة، وقد يكون بالنقص، مثال: "كتاب" وهو يشتمل على أربعة أحرف، فإذا جئت بالجمع منه، قلت: "كُتُبٌ"، فصار ثلاثة أحرف، أي: نقص حرف منه، وهو الألف، وكذلك تم تغيير حركة الكاف، ولذا نقول: التغيير قد يكون بالنقص، وقد يكون بالزيادة، وقد يكون بالحركة، وقد يكون بالزيادة أو النقص مع الحركة، فكلمة "جَبَلٌ" من ثلاثة أحرف، "مفتوح، ثم مفتوح، ثم مضموم"، فإذا حوَّل للجمع صار "جَبَالٌ" فتم زيادة "ألف" وَكُسِرَت حركة الجيم، ولذا كانت لفظة "جبال" جمع التكسير، وجمع التكسير كما عرفناه سابقًا: هو ما دلَّ على أكثر من اثنين مع تغير صورة مُفرده.
إذا جاء جمع التكسير في موطن يقتضي فيه الرفع، فبماذا نرفعه؟
يرفع ولابد بالضم، ولا يجوز رفعه بالواو؛ لأنَّ الرفع بالواو لجمع المذكر السالم، فتقول: "جاءني رجال"، "جاءني" فعل ومفعول به، و "رجال" فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة. لماذا رفعته بالضمة؟
نقول: لأنه جمع تكسير، إذًا جمع التكسير، والاسم المفرد، كلاهما يرفع، وعلامة الرفع الضم.
{قال -رحمه الله-: (وَجَمْعِ اَلْمُؤَنَّثِ اَلسَّالِمِ)}.
كذلك من المواضع التي تكون فيها الضمة هي العلامة الأصلية: (جَمْعِ اَلْمُؤَنَّثِ اَلسَّالِمِ)، وهو ما دلَّ على أكثر من اثنتين، أو ما جُمِعَ بألف وتاء، وهذا التعريف أدق في التعبير.
فلو قلت مثلا: "فاطمة"، فالجمع: "فاطمات"، و "إصطبل" والجمع: "إصطبلات"، وتقول: "هذه إصطبلات"، فـ "إصطبلات" خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. لماذا يرفع بالضمة؟
تقول: لأنه جمع مؤنث، أو لأنَّه جمع بألف وتاء. تقول مثلا: "الهندات صائمات"، فـ "صائمات": خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة. لماذا؟ لأنه جمع مؤنث سالم.
إذًا الاسم المفرد في قولك: "جاء محمد"، و "هند"، و "زيد"، و "بكر" و "الرجل"، فكل ذلك يرفع بالضمة، وكذلك جمع التكسير، "هذه أفلام" يرفع بالضمة، وكذل جمع المؤنث السالم، مثل: "جاء الهندات"، "احتجب المسلمات"، فكل هذه الأسماء الثلاثة "المفرد، وجمع التكسير، وجمع المؤنث السالم"، إذا جاءت في موطن يقتضي الرفع، سواء كان مبتدًأ أو فاعلاً أو خبرًا أو غير ذلك؛ فإنها لابد أن تكون مضمومة.
{قال -رحمه الله-: (وَالْفِعْلِ اَلْمُضَارِعِ اَلَّذِي لَمْ يَتَّصِلْ بِآخِرِهِ شَيْءٌ)}.
هذا فيه تفصيل، الفعل المضارع معروف عندنا، وهو: ما دل على الحدث في زمن التكلم، مثل: "يكتب، يحفظ، يذاكر، يعلق، يشرح، يصور، يكتب، إلى آخره" وهذا المضارع إذا لم يتصل به: "ألف الاثنين" أو "واو الجماعة" أو "ياء المخاطبة"، أو "نون التوكيد"، أو "نون النسوة" فهو المرفوع وعلامة رفعه الضمة.
المضارع يتصل به خمسة أشياء: "ألف الاثنين"، مثل: "يكتب" تقول: "يكتبان"، أو "واو الجماعة" تقول: "يكتبون" أو "ياء المخاطبة" فتقول: "تكتبين" هذه ثلاثة من الخمسة، إذا اتصل المضارع بهذه الثلاثة فلا يكون مرفوعا بالضمة.
وكذلك "نون النسوة" كما في قوله: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ﴾ فالفعل (يُرْضِعْنَ) لا يرفع بالضم لاتصاله بنون النسوة، وعلى هذا فالمضارع لا يرفع بالضم إذا اتصلت به نون النسوة، "يحفظن"، "يكتبن"، "يحتجبن"، "يذاكرن.
وعندنا كذلك "نون التوكيد الثقيلة"، مثل: "لتحفظنَّ درسك يا زيد"، "لتكتبنَّ واجبك" وهكذا.
إذا عندنا خمسة أشياء تتصل بالمضارع، وإذا اتصلت به؛ فإنه لا يعرب مرفوعًا بالضم، وأمَّا إذا تجرد عن هذه الأحوال الخمسة، فعندها يكون المضارع مرفوعًا، وعلامة رفعه الضمة.
مثال: "يكتب محمد درسه"، فـ "يكتب": فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. وأمَّا "يكتبان"، فهو فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون. و "يكتبون" فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبات النون، "يكتبن" تقول: فعل مضارع مبني -فهو قد انتقل وخرج من باب الإعراب إلى باب البناء؛ لاتصال نون النسوة به، "ليكتبن درسه أو لأعاقبنه" الفعل المضارع مبني على الفتح.
إذًا عندنا خمسة أشياء تتصل بالفعل المضارع، إمَّا نون التوكيد الثقيلة، فيبنى على الفتح، وإمَّا نون النسوة فيبنى على السكون، وإمَّا تتصل به "ألف الاثنين" وهو معرب، أو "واو الجماعة" وهو معرب، أو "ياء المخاطب" وهو معرب مرفوع، لكنَّ رفعه لا يكون بالضمة، وإنما يكون بثبات النون، كما في "يكتبان" أو "بالنون" كذلك في قولك: "يكتبون" أو "تكتبون"، وسيأتي معنى هذا الكلام عمَّا هو قريب -بإذن الله تبارك وتعالى-.
المقصود: أنَّ المضارع في قوله: (اَلَّذِي لَمْ يَتَّصِلْ بِآخِرِهِ شَيْءٌ) سواء كان معتلا أو صحيحًا، فـ "يكتب": مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره؛ لأنَّه لم يتصل به "ألف الاثنين، ولا واو الجماعة، ولا نون المخاطب، ولا نون النسوة الثقيلة، ولا نون التوكيد"، ولو قلت لك: "يسعى الطالب في طلب العلم"، فـ "يسعى": مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره، منع من ظهورها التعذر.
لو قلت لك مثلا: "الله يحيي الموتى"، فـ "الله": لفظ الجلالة مبتدأ، "يحيي": مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره، منع من ظهورها الثقل.
إذًا عندنا المضارع يكون مرفوعًا بالضمة إمَّا الظاهرة وإمَّا المقدرة، فلا يغيب عن الطالب استحضار ما سبق ذكره من الإعراب التقليدي، والمهم أنَّ المضارع لا يتصل بـ "ألف الاثنين، ولا واو الجماعة، ولا ياء المخاطبة، ولا نون التوكيد الثقيلة والخفيفة، ولا نون النسوة" فهذا هو الذي يرفع بالضمة، سواء كانت ظاهرة مثل: "يكتب" أو مُقدرة مثل: "يسعى، يمشي، يرمي، ونحو ذلك.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَأَمَّا اَلْوَاوُ: فَتَكُونُ عَلَامَةً لِلرَّفْعِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي جَمْعِ اَلْمُذَكَّرِ اَلسَّالِمِ، وَفِي (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ)، وَهِيَ أَبُوكَ، وَأَخُوكَ، وَحَمُوكَ، وَفُوكَ، وَذُو مَالٍ)}.
انتقل المؤلف -رحمه الله تعالى- إلى العلامة النيابية في باب الرفع، فبعد أن ذكر العلامة الأصلية، سيبدأ في ذكر ما ينوب عنها، وهي مجموعة علامات، وسيذكر كذلك في باب النصب العلامة الأصلية وينوب عنها، وسيذكر في باب المجرورات العلامة الأصلية وينوب عنها، وكذلك في باب الجزم وما ينوب عنها، وهذه لابد وأن تستحضر.
إذًا هو بدأ بالضمة وهي الأصل، ثم ذكر الفرع عنها، (وأمَّا الواو) أي: التي تنوب عن الضمة، فتكون علامة للرفع في موضعين، أي: لا تستطيع أن تقول في هذين الموضعين مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، بل لابد أن تقول: مرفوع، وعلامة رفعه "كذا" نيابة عن الضمة، فلابد أن تعلل فتقول: مرفوع وعلامة رفعه الألف. لماذا لابد أن تذكر السبب؟
لأنك عدلت عن الأصل وهو الضمة إلى غيرها، فلمَّا عدلت عن الأصل إلى الفرع، كان لابد أن تذكر السبب.
قال: (فِي جَمْعِ اَلْمُذَكَّرِ اَلسَّالِمِ، وَفِي الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ) جمع المذكر السالم هو ما دلَّ على أكثر من اثنين، بزيادة واو أو ياء ونون في آخره، ولاحظ أننا لم نقل: "ما دل على اثنين"؛ لأنَّ هذا هو المثنى، وإنما لابد أن يدل على أكثر من اثنين، بزيادة "الواو أو الياء" في آخره، وقلنا: الواو والياء لأنَّ هذا بحسب الإعراب كما سيأتي معنا.
فإذا قلت لي: "جاء مسلم"، فـ "جاء" فعل ماض مبني على الفتح، و "مسلم" فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة؛ لأنه مفرد.
طيب إذا قلت: "جاء مسلمون"، فتقول في "مسلمون": فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو، نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم. لماذا سمي جمع المذكر بالسالم؟
لأنَّ صورة المفرد قد سلمت، فلو لاحظت أنّ "مسلم" فيها: الميم مضمومة، والسين ساكنة، واللام مخفوضة، والميم مضمومة.
وعند جمع "مسلم" ستجد أنَّ هذه الحركات باقية على ما هي عليه، فتقول: "مسلمون" فالميم مضمومة، والسين ساكنة، واللام مخفوضة، والميم مضمومة، ولكن زيدت "الواو" فيه.
لماذا أنابوا "الواو" عن الضمة؟ قالوا: لأنَّ "الواو" هي بنت للضمة؛ لأنك لو أشبعت الضمة لظهرت لك "الواو". تقول: "يكتبُ" هذه ضمة؛ لأنَّ الشفتان ترتفع في هذا الموطن، وإذا قلت: "يكتبون" ظهرت لك "الواو"، فلمَّا كانت "الواو" إذا أُشبعت ظهرت لنا "الواو" أصبحت هذه جزءًا منها، كأنها خارجة من رحم هذه الضمة، ولذا أنابوها عنها، وهذا من فلسفة النُّحاة.
والمقصود أنَّ "الواو" تنوب عن الضمة في جمع المذكر السالم.
فهمنا أنَّ جمع المذكر السالم هو ما دلَّ على أكثر من اثنين بزيادة "الواو والنون" أو "الياء والنون" في آخره. وجمع المذكر السالم هو ما دلَّ على أكثر من اثنين، وبعضهم يقول: "وأغنى عن المتعاطفين". لماذا؟ لأنَّ كلام العرب مبني على الخفة، فإذا جاءك عشرة أشخاص اسمهم محمد، فتقول: جاءني محمد ومحمد ومحمد، وهكذا إلى أن تعد إلى عشرة، تقول: "جاءني المحمدون"، فجاءوا بهذه "الواو" لتغني عن كل ذلك.
لماذا جيء بالنون ها هنا؟
قالوا: هذه النون هي للعوض عن التنوين في الاسم المفرد؛ لأننا في الاسم المفرد نقول: "محمدٌ"، "مسلمٌ" وهكذا، فجاءوا بالنون عِوضًا عن التنوين؛ لندل على أنَّ هذا الاسم متمكن في الإعراب، فكما أعطينا الاسم المفرد "تنوينًا" ليدل على تمكنه في باب الإعراب، فكذلك نعطي جمع المذكر السالم ما يدل على ذلك التمكن، وهو: "النون"، ولذا لا يجوز لشخص أن يُعرِب جمع المذكر السالم بناءً على هذه النون، ويقول: هذه آخر الكلمة، وأنتم قررتم قبل قليل أنَّ علامات الإعراب إنما تكون في آخر الكلمات.
ولذا نقول: هذه النون ليست من أصل الكلمة، وإنما جيء بها فقط للتعويض عن التنوين، وإنما أصل الكلمة منتهية في الميم، ولكن زيدت هذه "الواو" ليدل على ذلك المعنى الذي يدل على الجمع، ولولا هذه "الواو" لَمَا استفدنا ذلك المعنى، وبالتالي جعلوا العلامة هي التي تدل على ذلك الإعراب.
وسيأتي معنا أنَّ هذه "الواو" تنقلب إلى "ياء" في حالة الجر والنصب، أو في (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ)، وهي: (أَبُوكَ، وَأَخُوكَ، وَحَمُوكَ، وَفُوكَ، وَذُو مَالٍ) وبعضهم يزيدها فيجعلها ستة. وهذه (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ) كذلك لا يمكن أن تكون علامة الرفع فيها هي الضمة، ولذلك أناب "الواو"؛ ليستدل بها على أنها في موضع رفع. تقول: "أبوكَ رجلٌ كريمٌ"، فـ "أبوك" مبتدأ مرفوع، ولكن ما هي علامة رفعه؟
إذا قلت الضمة فهذا خطأ، لأنَّ الضمة تكون علامة إذا قلت: "جاء أب"، ولكن لَمَّا تصبح متصلة بها "الواو"، ومضافة إلى ما بعدها، كقولك: "أبوك" لابد من أن تكون بهذه الصورة، "أبوك" أو "أبو زيد" أو "أبو محمد". المهم أن تكون مضافة كما سيأتي معنا في شروطها بعد قليل.
إذًا عندنا هناك علامة أصلية وهي: الضمة، وهناك علامة فرعية "الواو"، وتكون في (جمع المذكر السالم)، وفي (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ)، فإذا جاء أي اسم من (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ) في موضع يقتضي الرفع، فلابد أن تكون مرفوعة، وعلامة رفعها "الواو" نيابة عن الضمة، مثل: "أبوك رجل كريم"، أبوك: مبتدأ، "جاء أبوك"، فاعل مرفوع وعلامة رفعه "الواو"؛ لأنه من (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ).
طيب يقول مثلا: "جاءني ذو مال" أو "ذو علم"، "جاءني": فعل ماض، و "الياء": مفعول به، "ذو علم": فاعل مرفوع، وعلامة رفعه "الواو" نيابة عن الضمة؛ لأنه من (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ)، و "ذو" هنا بمعنى صاحب، و "ذو علم" يعني: صاحب علم، و "ذو مال" بمعنى صاحب مل، و "ذو جاه" بمعنى: صاحب جاه، وقوله: ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ أي: صاحب الفضل العظيم،
إذًا "ذو" إذا أضيفت إلى أي اسم "ذو علم"، "ذو مال"، "ذو وجاهة"، "ذو سلطان"، "ذو كذا وكذا". فهنا لا بد أن تكون مرفوعة، وعلامة رفعها "الواو" نيابة عن الضمة.
"جاءني أخوك"، "هذا أخوك"، "زارني حموك"، "فوك" الذي هو الفم، فتقول: "هذا فوكَ"، "هذا" اسم إشارة، في محل رفع مبتدأ، "فوك" خبر مرفوع، وعلامة رفعه "الواو" نيابة عن الضمة؛ لأنه من (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ).
حتى تعرب (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ) هذا الإعراب لابد فيها من أربعة شروط، وهذا معناه أنَّه لا يصح أن يأتي من يرفع (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ) بـ "الواو" نيابة عن الضمة، إلا إذا توفرت الشروط الأربعة، فإذا جردت عن هذه الشروط نقول: نعيدها للأصل، فتكون هذه الأسماء مُعربة وعلامة رفعها الضمة؛ لأنَّها هي العلامة الأصلية.
ما هي الشروط؟
الشرط الأول: لابد أن تكون مكبرة غير مصغرة، فإذا قلت: "جاءني أبوكَ" هذه مكبرة، بينما إذا قلت: "جاءني أُبَيُّكَ" فهذه مصغرة.
"جاء أبوك"، "أبوك": فاعل مرفوع، وعلامة رفعه "الواو" نيابة عن الضمة.
"جاءني أُبَيُّكَ"، "أُبَيُّكَ" فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، على آخره، وهو مضاف، والكاف مضاف إليه. لماذا؟ لأننا لَمَّا صغرناه عاد إلى أصله، وبالتالي أصبحت علامته الأصلية هي الضمة، وأمَّا إذا كان مُكبرًا فإننا نعطيه العلامة الفرعية.
إذًا لابد أن يكون مُكبرا، فإن كان مصغرًا فإنه يعرب على الأصل بالضمة.
الشرط الثاني: لابد أن يكون مُفردًا، فلو جمعته أو ثنيته؛ فإنَّ إعرابه ينتقل إلى إعراب آخر، مثل: "جاء آباؤك"، فـ "آباؤك": فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة؛ لأنه جمع تكسير، وبالتالي لم يصبح من (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ)، فتقول: "آباؤك": فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة؛ لأنه جمع تكسير، وهو مضاف، والكاف مضاف إليه.
إذًا لابد أن يكون مُكبرًا، وأن يكون مُفردًا في هذا الموطن.
"جاء أبوان"، "أبوان" فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى. ولا يصح أن تقول: مرفوع وعلامة رفعه "الواو"؛ لأنه خرج من (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ). ما الذي أخرجه؟ كونه لم يبق مفردًا، حيث يشترط أن يكون مفردًا، فإذا كان مجموعًا أو كان مثنى، فلابد أن يعرب بحركات غير "الواو"، فيعرب بـ "الألف" إذا كان مثنى، أو يعود إلى أصله في الإعراب فيرفع بالضم.
الشرط الثالث: لابد أن يكون مضافًا، فإذا قلت: "جاء الأب"، فيعرب بالضم، "جاء أب" يعرب بالضم، ولهذا لابد أن يكون مُضافًا، سواء أُضيف إلى ضمير، "جاء أبوك"، "جاء أبوه"، "جاء أبوها"، وإما أن يكون مضاف إلى اسم ظاهر، "جاء أبو محمد"، "جاء أبو زيد"، "جاء أبو عبد الله"، إذًا لابد أن يكون مضافًا، فإن لم يكن مضافًا، فلابد أن يُعرب بالحركات الأصلية، وهي: الضمة في حالة الرفع.
وهنا فرع عن هذا الشرط، قلنا: لابد في (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ) أن تكون مفردة، وأن تكون مكبرة، وأن تكون مضافة، ولكن بقيد مهم، وهو: أن تكون إضافته إلى غير "ياء المتكلم"؛ لأنك لو أضفته إلى "ياء المتكلم" سنعود إلى الإعراب التقديري الذي مر معنا.
لو قلت لك: "جاء أب" فتقول: "جاء" فعل ماض مبني على الفتح، و "أب" فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة؛ لأنه اسم مفرد.
وأمَّا "جاء أبوك" فتقول: "أبوك" فاعل مرفوع، وعلامة رفعه "الواو"؛ لأنه من (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ). لماذا؟ لأنه قد توفرت فيه جميع الشروط، فهو مكبر غير مصغر، مفرد غير مجموع، مضاف، وإضافته إلى غير ياء المتكلم. لو أضفته إلى "ياء المتكلم" تقول: "جاء أبي"، وكلمة "أبي" ليس فيها "واو"، ولذا نعود إلى الإعراب التقديري الذي سبق أن بينَّاه، فتقول: "جاء" فعل ماض مبني على الفتح، "أبي" فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل "ياء المتكلم".
إذًا لابد أن يكون مضافًا، وأن تكون إضافته إلى غير "ياء المتكلم"، فلو أضفته إلى "ياء المتكلم"، فهنا عدنا إلى الإعراب التقديري بالضمة التي قبل "ياء المتكلم".
إذًا نعيد شروط (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ):
أن تكون مكبرة، تقول: "أبوك"، ولا تقول: "أُبَيُّكَ".
أن تكون مُفردة، فلا تقول: أبوان، أو الآباء.
أن تكون مضافة، فلا تقول: أب أو الأب.
أن تكون هذه الإضافة إلى غير "ياء المتكلم".
فمتى توفرت هذه الشروط؟ رفعناها بالعلامات النيابية، وهي: "الواو" نيابة عن الضمة.
{قال -رحمه الله-: (وَأَمَّا اَلْأَلِفُ: فَتَكُونُ عَلَامَةً لِلرَّفْعِ فِي تَثْنِيَةِ اَلْأَسْمَاءِ خَاصَّةً)}.
هذه العلامة النيابية الثانية، فبعد أن ذكر الأصل، وهي: الضمة، وذكر مواطنها الأربعة، وهي: (اَلِاسْمِ اَلْمُفْرَدِ، وَجَمْعِ اَلتَّكْسِيرِ، وَجَمْعِ اَلْمُؤَنَّثِ اَلسَّالِمِ، وَالْفِعْلِ اَلْمُضَارِعِ اَلَّذِي لَمْ يَتَّصِلْ بِآخِرِهِ شَيْءٌ)، ذكر ما ينوب عنها، وهي: الضمة في (جَمْعِ اَلْمُذَكَّرِ اَلسَّالِمِ، وَفِي (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ))، ثم ذكر العلامة النيابية، بمعنى أنَّ هناك مواطن لا يصلح أن تكون الضمة هي العلامة، ولا يصلح أن تكون "الواو" هي العلامة، ولا يصلح أن تكون غيرهما مما سيأتي علامة، وإنَّما هنا "الألف" خاصة في تثنية الأسماء، والمقصود بالتثنية هو: ما دل على اثنين، وأغنى عن متعاطفين، بزيادة الألف والنون في آخره، مثل: "جاء محمد ومحمد"، فتقول: "جاء المحمدان"، بزيادة "الألف والنون" في آخره، أو بزيادة "الياء والنون" في آخره. فتقول: "جاء محمد" هذا مفرد، "جاء المحمدون" هذا جمع مذكر سالم، "جاء المحمدان" هذا هو المثنى، دلَّ على اثنين، بزيادة "الألف والنون" في آخره.
والألف هذه هي نيابة عن الضمة، فالمثنى لا يصلح أن تكون علامة رفعه "الضمة". لماذا لا تصلح الضمة؟
لأنَّ "الألف" في "جاء محمدان" يناسبها فتح ما قبلها، دائمًا "الألف" يناسبها فتح ما قبلها، ولو جعلت الضمة هي علامة للرفع، كما جعلتها في الاسم المفرد، سيتعارض وجود الألف مع هذه الضمة. فمثلا نقول: "جاء محمدُ وان"، وهذا لا يمكن. ماذا نفعل؟ نحرك حركة الدال هذه بالفتحة لمناسبة "الألف" فتكون "الألف" هي العلامة التي تنوب عن الضمة، ولا تكون الضمة ذاتها هي العلامة؛ لأن هذا في الاسم المفرد. ولما كان غيره هو الذي يناسب أن تكون حركة الفتح هي المناسبة لهذا "الألف" لم يجعلوا هذه العلامة الأصلية هي الضم، وإنما أنابوا عنها "الألف" في هذا الموطن، فقالوا: "جاء المحمدان"، تقول: "المحمدان" فاعل مرفوع، وعلامة رفعه "الألف" نيابة عن الضمة. وأمَّا النون فما الذي أتى بها هنا؟
كما قيل في جمع المذكر السالم، فكما أنهم عوضوا عن النون بالتنوين في الاسم المفرد، قالوا: كذلك هنا لابد أن نعدل مع المثنى، ونعطيه هذه النون؛ لتكون عوضًا عن ذلك الاسم المفرد.
{يا شيخ ممكن نأخذ مثالاً على علامة الرفع في تثنية الأسماء خاصة ونعربها؟}.
في قوله الله -تبارك وتعالى-: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ﴾ قال: فعل ماض مبني على الفتح، "رجلان"، فاعل مرفوع، وعلامة رفعه ليست هي الضمة، وليست هي "الواو"؛ لأنه ليس جمع مذكر سالم، وليس هو اسم مفرد، وإنما هو مثنى، إذًا هو مرفوع، وعلامة رفعه الألف نيابة عن الضمة؛ لأنه مثنى، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد.
{فتح الله عليكم}
آمين وإياكم إن شاء الله طيب
{نكتفي بهذا القدر شيخنا، نصل إلى هذا، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يفتح لكم، وأن ينفع بكم، وأن يزيدكم من فضله، والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام على طيب وحسن المتابعة، نستودعكم الله، ونلتقي بكم في حلقات أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك

سلاسل أخرى للشيخ