الدرس الحادي عشر

فضيلة الشيخ عبدالله بن حسن الحارثي

إحصائية السلسلة

14285 15
الدرس الحادي عشر

الآجرومية

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهلاً وسهلاً بطلاب العلم، نرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج (جادة المتعلم) للمستوى الثالث، والذي نشرح فيه (المقدمة الآجرومية)، للإمام محمد بن آجروم -رحمه الله تعالى-، يصطحبنا بشرحه فضيلة الشيخ عبد الله بن حسن الحارثي.
باسمكم جميعا نرحب بضيفنا الكريم، حياكم الله يا شيخ عبد الله}.
أهلا وسهلا ومرحبًا.
{أسعد الله أيامكم بالبركات والخيرات.
في الدرس الماضي قد أخذنا (باب الاستثناء)، وبسطنا فيه الحديث؛ نريد أن نأخذ ملخصًا لِمَا قد أخذناه قبل أن ندخل في باب (لا) بإذن الله تعالى}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
سبق الكلام معنا في أن الآجرومية مقسمة إلى أربعة أقسام:
- مقدمة ضُمنت أقسام الكلام وعلامات كل قسم.
- ثم الإعراب، وأقسام الإعراب، وعلامات كل قسم، والعلامات الأصلية في ذلك وهي: الحركات ثم ما ينوب عنها، وهي: الحروف والحركات.
- ثم الكلام عمَّا يتعلق بالأفعال وهي ثلاثة، وما هي حركة بناء كل من الماضي والأمر، وما هي حركة المضارع، والأصل أنه معرب، ثم ما يتعلق بتغيير حال آخر المضارع من نصب أو جزم، وكيف ينصب المضارع، إمَّا بفتحة وإمَّا بحذف النون، ويجزم كذلك بحذف النون.
- ثم انتقلنا إلى المرفوعات، وذكر -رحمه الله تعالى- سبعة أنواع من المرفوعات في العربية، ثم ثنَّى بالكلام عن المنصوبات، وهي: خمسة عشر، ومضى الكلام معنا في جملة من أبواب المنصوبات، منها: المفعول به، ومنها: ظرف الزمان، وظرف المكان، والمصدر الذي هو المفعول المطلق، إلى أن وصلنا إلى الحديث عن (بَاب لَا)، وهو أحد هذه الأبواب التي سنتطرق للحديث عنها -بإذن الله تبارك وتعالى.
وأشار المؤلف -رحمه الله تعالى- إلى جملة من المسائل المتعلقة بهذه القضية، وإلا فهي تحتمل أكثر مما ذكر في هذا الباب، ونشرع فيها -بإذن الله تبارك وتعالى.
{بسم الله الرحمن الرحيم. قال المؤلف -رحمه الله: (بَابُ لا
اِعْلَمْ أَنَّ (لا) تَنْصِبُ اَلنَّكِرَاتِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ إِذَا بَاشَرَتْ اَلنَّكِرَةَ وَلَمْ تَتَكَرَّرْ (لا) نَحْوَ: "لَا رَجُلَ فِي اَلدَّارِ".
فَإِنْ لَمْ تُبَاشِرْهَا وَجَبَ اَلرَّفْعُ، وَوَجَبَ تَكْرَارُ (لا) نَحْوَ: "لَا فِي اَلدَّارِ رَجُلٌ وَلَا اِمْرَأَةٌ".
فَإِنْ تَكَرَّرَتْ (لا) جَازَ إِعْمَالُهَا وَإِلْغَاؤُهَا، فَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: "لَا رَجُلٌ فِي اَلدَّارِ وَلَا اِمْرَأَةٌ")
}.
هذا هو (بَابُ لا) الذي ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى-، وتسمى (لا) النافية للجنس، والمقصود بالجنس: هو الاسم الذي يدخل تحته أفراد كثيرة متفقة في الحقيقة، سواء وجدت هذه الأفراد أو لم توجد، فلمَّا نقول: "لا رجلَ"، فـ "رجل" هذا جنس يدخل فيه كل ذكرٍ بالغٍ من بني آدم.
وإذا قلت: "لا امرأة في الدار" فهذا شامل لجميع بنات آدم ممن هن في حد البلوغ.
وإذا قلت: "لا كتابَ"، فـ "الكتاب" يشمل كل ما هو مجموع في أوراق ومكتوب، سواء كان بالعربية أو بغيرها.
إذًا؛ الجنس: هو اسم لمجموعة أفراد تدخل تحت ذلك المسمى، بحيث إنه يصح أن يقع هذا الجنس خبرًا لتلك الأفراد، فنقول: "زيد رجل، ومحمد رجل، والنحو كتاب، سعاد امرأة، سعدى امرأة" وهكذا.
إذًا الجنس هو الذي يدخل تحته أفراد كثيرة، (لا) تدخل على هذا النوع من أسماء الأجناس، فإذا دخلت عليه دلَّ ذلك على أنَّ الحكم الذي سيخبر به لاحقًا منفي عن ذلك الجنس الذي دخلت عليه (لا)، فلمَّا أقول: "لَا رجلَ حاضر" فمعنى ذلك أني أنفي الحضور عن جميع الرجال، لا يوجد أحد في ذلك.
إذًا؛ الغرض من (لا): نفي الحكم عن ذلك الجنس تمامًا، فإن أردت أنا بعض ذلك الجنس، فهناك طريقة أخرى للاستثناء منه، ولا تكون (لا) هنا هي التي تعمل هذا العمل، قد تفيد النَّفي نعم، لكنها لا تكون نافية لجميع الجنس.
ولَمَّا بدأ هنا -رحمه الله تعالى- بالكلام عن (لا) ضَمَّنَها شيئًا من الشروط التي متى توافرت وجبت إعمالها فأدَّت المعنى المقصود الذي من أجله عقدَ المؤلف -رحمه الله تعالى- هذا الباب.
قال: (اِعْلَمْ) أي: تعلم.
قال: (أَنَّ (لا)) يعني: هذه الأداة، وهي حرف.
قال: (تَنْصِبُ اَلنَّكِرَاتِ)، هذا الشرط الأول، أي: لا بد أن يكون مدخولها نكرة، بمعنى أن يكون اسمها الذي دخلت عليه وخبرها كلاهما نكرة، وهي تعمل عمل (إنَّ) لكن (إنَّ) تدخل على المبتدأ والخبر، ويكون المبتدأ معرفة، بينما الخبر قد يكون نكرة، وقد يكون معرفة؛ بخلاف (لا) فإنها تكون داخلة على النكرة، فمثلا نقول: "إنَّ زيدًا حاضرٌ"، هذا في باب (إن)، لا تستطيع أن تُعمل هنا (لا) في هذا الموطن، فلا يصح أن تقول: "لا زيدَ حاضرٌ"؛ لأنَّ مدخولها معرفة.
إذًا لا بد من أن يكون اسمها وخبرها نكرتين.
الأمر الثاني: أن تباشر (لا) هذه النكرة التي هي اسمها، أي: لا يفصل بينهما فاصل، كما لو قلت: "لَا رجلَ في الدار"، فـ (لا) باشرت النكرة، ولم يفصل بينهما فاصل، فهنا لا بد أن نُعمل (لا)، وهي النَّصب أو البناء -كما سيأتي من بعد قليل -بإذن الله تبارك وتعالى.
أمَّا إذا قلت: "لا في الدار رجل" فهنا (لا) لم تباشر النكرة، التي هي "رجل"، فهنا انتفى عملها، كقوله تعالى: ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ﴾، كما سنعرب بعد قليل -بإذن الله تبارك وتعالى.
المقصود: أنها لا بد أن يكون اسمها وخبرها نكرتين، ولا بد أن تباشر ذلك المدخول الذي دخلت عليه، فإن لم تباشر ألغي إعمال (لا).
الأمر الثالث: ألا تتكرر (لا)، كما لو قلت: "لا رجل في الدار، لا قلم معي، لا طائر فوق الغصن"، لاحظ هنا أُعملت (لا)، لكن إذا تكررت (لا) فهنا سيأتي الحديث معها تفصيلا أنها تُلغى، وقد تعمل في أحوال، كما نذكر -بإذن لله تبارك وتعالى.
واسم (لا) إمَّا أن يكون:
- نكرة مُفردًا، والمقصود بالمفرد في باب (لا) وفي باب المنادى -كما سيأتي معنا- أي: ما ليس مُضافًا ولا شبيهًا بالمضاف، فإذا قلت لك: "لَا رَجُلَ فِي الدَّارِ"، "لَا رَجُلَينِ فِي الدَّار"، "لَا رِجَاَل فِي الدَّار" هذه كلها مفرد في باب (لا).
وما ليس مُضافا، كما لو قلت لك: "لَا غلامَ زيدٍ حاضرٌ" هذا الآن ليس مُفردًا في باب (لا) إذا كان مضافًا أو شبيهًا بالمضاف.
لو قلت مثلا: "لا طالعًا جبلًا متعبٌ"، "لا طالبَ علمٍ ممقوتٌ"، فنلحظ هنا أنَّ "طالبَ" منصوبة، و (لا) في الأصل إذا جاءت مع ما بعدها تُبنى معه، يعني: ينتقل الاسم من كونه مُعربًا إلى كونه مبنيًا.
طيب على ماذا يُبنى؟ يُبنى على ما يُنصب به.
إذًا (لا) مع ما بعدها، كأنها تركَّبت تركيب خمسة عشر، ونحن نعلم أن العدد "خمسة عشر" وأخواته مركبة، يعني: مفتوحة الجزئيين، مثل: "جاءَ خمسةَ عشرَ، أكرمتُ خمسةَ عشرَ، سلمت على خمسةَ عشرَ".
قالوا: (لا)، إذا جاء اسمها بعدها نكرة؛ فإنها تتركب معه كتركيب: "خمسة عشر" فيصبح كلاهما مبنيًا، فنقول: "لا رجلَ في الدارِ"، ونقول: (لا) نافية للجنس، "رجلَ": اسم (لا) مبني مع أنَّ الأصل أن كلمة "رجل" منصوبة، أي: معربة، لكن لَمَّا دخلت عليه (لا) ابتنى معها، فأصبحنا نقول: (لا) نافية للجنس، حرف لا محل من إعراب، "رجل": اسم (لا) مبني في محل نصب؛ لأنَّ الأصل أنها تعمل عمل (إنَّ)، و (إن) تنصب ما بعدها، فكلمة "رجل" لَمَّا دخلت عليها (لا) منعتها من أن تكون منصوبة معربة لترقُّبها معها، فنقول في: "لا رجل"، "رجل": اسم (لا) مبني على الفتح في محل نصب، فأصلها "رجلًا" لكن لَمَّا دخلت عليها (لا) بنتها على ما يُنصب به ذلك الاسم.
مثال آخر: لو جئنا بالمثنى قلنا: "لا رجلين حاضرانِ"، سنقول: (لا) نافية للجنس، "رجلين": اسم (لا) مبني على الياء، لاحظ هنا انتقلنا من كونه مبني على الفتح إلى كونه مبني على الياء؛ لأنه مثنى.
وكذلك لو قلت: "لا مسلمين" وهذا جمع مذكر سالم، وجمع مذكر السالم ينصب بالياء، إذًا هنا نبنيه على الياء.
فالقاعدة عندنا في باب (لا): أنها إذا دخلت على اسم نكرة بعدها ننظر في هذه النكرة، هل هو مفرد؟ -يعني: هل هو مضاف أو شبيه بالمضاف؟
فهنا نقول: نعم هو مفرد، طيب هل هو يدل على الواحد أو على الاثنين أو على الثلاثة فأكثر؟ نقول: يدل على الواحد.
إذًا تنظر في أصل ذلك الاسم على ماذا ينصب!
- فإذا كان منصوبًا بالفتحة؛ فإنك تبنيه في باب (لا) على الفتح.
- وإذا كان منصوبًا بالياء كالمثنى؛ فإنك تقول: مبني على الياء.
- وإذا كان منصوبا بالياء كما هو في حال جمع المذكر السالم، تقول: هو مبني على الياء في محل نصب.
فنقول: "لا رجل" فـ "رجل" اسم (لا) مبني على الفتح في محل نصب؛ لأنَّ أصلها "رجلًا".
لو قلت: "لا رجلين" فـ "رجلين" اسم (لا) مبني على الياء في محل نصب اسم (لا).
تقول: "لا مسلمين نادمون"، فـ "مسلمين" اسم (لا) مبني على الياء في محل نصب، بمعنى لو جاءتنا هذه كلمة "مسلمين" في غير تركيب (لا) لأعربناها وقلنا: "مسلمين" اسم منصوب وعلامة نصبه الياء، لكن هنا لا بد أن نقول: مبني في محل نصب.
إذًا؛ لاحظ معنا أن (لا) مع ما بعدها تتركب هذا التركيب فتبتني هي مع ما بعدها، فيصبح ذلك الاسم الذي دخلت عليه (لا) مبنيا على ما ينصب به ذلك الاسم في أصله.
وخبرها لا بد أن يكون نكرة ويكون مرفوعًا، لأنها كما قلنا تعمل عمل "إن"، تقول: "لا رجلَ حاضرٌ"، فـ (لا) نافية للجنس، "رجل" اسم (لا) مبني على الفاتح في محل نصب، "حاضر" خبر (لا) مرفوع، ولاحظ هنا قلنا: مرفوع، وما قلنا: مبني على الضم، لأن اسمها الذي تدخل عليه هو الذي تبنى معه، أما خبرها فإنه يكون مرفوعا بحسبه.
وفي الغالب أن خبر (لا) يكون محذوفًا، مثل: "لا رجلَ في الدار"، يعني: لا رجل حاضر، ومثل: "لا إله إلا الله" يعني: لا إله حق إلا الله؛ فدائمًا خبرها يكون محذوفًا كما قال ابن مالك:

وَشَاعَ فِي ذَا الْبَابِ إِسْقَاطُ ... الخَبَر إِذَا الْمُرَادُ مَعْ سُقُوطِهِ ظَهَر

إذا كان الخبر معلومًا كونًا عامًا فإنه يحذف، لكن إذا كان شيئًا يعني خاصًا من غير معلوم فإنه لا بد من التَّنصيص عليه، ولعلنا نبين ذلك بإذن الله- تبارك وتعالى.
فالمقصود: أن (لا) حتى تعمل هذا العمل لابد أن يكون اسمها إمَّا اسمًا مفردًا، وإمَّا أن يكون مضافًا، وإمَّا أن يكون شبيهًا بالمضاف.
وعرفنا أنَّ اسمها إذا كان مفردًا يعني: ما يدل على الواحد أو على الاثنين أو على الثلاثة فأكثر، ولكنه غير مضاف إلى غيره؛ فإن هذا يسمى مفردا.
نمثل بمثال آخر لغير المفرد، لو قلنا مثلا: "لا طالبَ علمٍ نادمٌ" نعرب: (لا) نافية للجنس، "طالبَ" اسم (لا) منصوب، هناك قلنا في "لا رجلَ" اسم (لا) مبنى في محل نصب، أما هنا كونه انتقل من حالة الإفراد إلى كونه أصبح مضافًا، فنقول: (لا) نافية للجنس حرف مبني لا محل من الإعراب، "طالبَ" اسم (لا) منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره وهو مضاف و "علمٍ" مضاف إليه مجرور، "نادمٌ" خبر (لا) مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
مثال: "لا كتابَ نحوٍ صعبٌ"، نعرب: (لا) نافية للجنس، "كتابَ" اسم (لا) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره وهو مضاف، و "نحوٍ" مضاف إليه مجرور، "صعبٌ" خبر (لا) مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
أصل الكلام: "كتابُ نحوٍ سهلٌ" هكذا مبتدأ الخبر، إذا أردنا أن نقرب المعلومة، ثم ندخل عليها (لا) فنعمل في هذا التركيب ما أعملناه في باب "إن" في المبتدأ والخبر، فننصب ونرفع.
إذا عندنا اسم (لا):
- إمَّا يكون مفردًا، مثل: "لا رجلَ، لا رجلين، لا رجالا، لا مسلمين"، فهنا نبني (لا) مع ما بعده على ما ينصب به ذلك الاسم.
- وأما إذا كان مضافًا فإننا نسلط (لا) فتعمل فيه النصب.
القسم الثالث مما تدخل عليه (لا): الشبيه بالمضاف، يعني الكلمة التي يتصل بها شيء من تمام معناها، لولا ذلك اللفظ المتصل بها لأصبح المعنى ناقصًا، هذه شبيهة بالمضاف لأنه كما أن المضاف إليه يبين المضاف فعندنا ما يسمى بالشبيه بالمضاف الذي يتصل به شيء يتمم معناه.
فمثل لو قلت لك: "لا طالعًا جبلًا متعبٌ"، هذه الآن ليست مضافًا، وإنما شبيهة بالمضاف، فإذا كان شبيهًا بالمضاف، فهنا لا تتسلط عليه مباشرة وتعمل فيه النصب، وما نقول: هو مبني في محل نصب! وإنما نقول: منصوب؛ فنعرب (لا): نافية للجنس، و "طالعًا": اسم (لا) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، و "جبلًا:" مفعول به لاسم الفاعل؛ لأنَّ "طالعًا" من "طلع، يطلع، فهو طالع"، فـ"طالع" اسم فاعل، وهو يعمل عمل الفعل، والتقدير: "لا طالعا هو".
و "جبل": مفعول به منصوب باسم الفاعل "طالعًا"، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، و "متعبٌ": خبر (لا) مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
مثال آخر: "لا حافظًا للقرآنَ مُعذبٌ"، لاحظ "حافظًا" منونة، لكن في المضاف ما نستطيع أن ننوِّن الكلمة الأولى، وإنما نقول: "لا طالبَ علمٍ"، "لا غلامَ زيدٍ"، "لا كتابَ نحوٍ"، فدائمًا في المضاف الكلمة الأولى لا يمكن أن تنوَّن؛ لأنها مع ما بعدها كالجزء منها، والتنوين لا يقع في وسط الكلمة وإنما في آخرها، أمَّا في باب الشبيه بالمضاف؛ فإننا ننوِّن، فنقول: "لا طالعًا جبلًا"، "لا حافظًا كتابَه نادمٌ"، "لا حسنًا وجهَه ممقوتٌ"، إلى غير ذلك من الأمثلة.
إذًا نعيد ونقول: (لا) تدخل على ثلاثة أنواع من الأسماء، ويشترط في هذه الأسماء أن تكون نكرة:
- إما أن يكون مفردًا، أي مضافًا ولا شبيهًا بالمضاف، فلما نقول "مفرد" يدخل فيه ما يدل على الواحد، وما يدل على الاثنين، وما يدل على الثلاثة، وجمع التكسير، والمؤنث سواء كان مجموع هذا المؤنث أو مثنًى، فلو قلنا مثلا: "لا رجلَ" هذا مفرد، "لا رجلين" هذا مفرد، "لا مسلمين" هذا مفرد.
لو قلت: "لا فاطمة" فهذا المثال خطأ؛ لأننا نشترط أن تدخل (لا) على نكرة، فنقول: "لا امرأة، لا شجرة، لا سيارة"، ما نقول: "لا سعاد"؛ لأنها معرفة.
المقصود: أنه لا بد أن تدخل على نكرة، سواء كانت هذه النكرة تدل على الواحد أو على الاثنين أو على الثلاثة أو على أكثر من ذلك، وسواء كان للعاقل أو لغير العاقل.
وقلنا: إن خبرها يكون مرفوعًا كما مضى بيانه وتقريره.
نمثل بمثال في المثنى إذا كان إذا كان مضافًا، نحن قبل قليل مثلنا بما يدل على الواحد لكنه مضاف فقلنا: "لا طالب علم"، طيب لو قلنا: "لا طالبي علم ممقوتًا"، كيف سنعرب مثل هذا التركيب؟
الآن ننظر أول شيء في هذا الاسم هل هو مفرد؟ أو مضاف أو شبيه بالمضاف؟
الجواب: "لا طالبي علم ممقوتان"، سيقول القائل: هذا مضافا.
إذا نقول: "طالبي" اسم (لا) منصوب وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى، وهو مضاف و "علمٍ" مضاف إليه مجرور، "ممقوتان" خبر (لا) مرفوعا وعلامة رفعه الضمة الظاهر على آخره.
مثال: "لا مسلمي الفتح نادمون"، هنا (لا) تسلطت على المضاف مباشرة، فنعرب "مسلمي" اسم (لا) منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم وهو مضاف، و "الفتحِ" مضاف إليه.
في الشبيه بالمضاف لو قلنا: "لا حافظينَ كتابهُم نادمون".
ما الفرق بين قول: "لا حافظي كتاب"، وقولنا: "لا حافظين متنًا"؟
في قولنا: "لا حافظي كتابهِم"، هذا مضاف ومضاف إليه، فنقول: "حافظي" اسم (لا) منصوب وعلامة نصبه الياء وهو مضاف، و"كتاب" مضاف إليه.
في قولنا: "لا حافظين متنًا نادمون" هذا شبيه بالمضاف، فتلاحظ أننا حذفنا النون في قول: "لا حافظي كتابٍ" فالنون حذفت للإضافة، أما في قولنا: "لا حافظين متنًا" أثبتنا هذه النون لعدم وجود الإضافة.
إذًا عندنا المضاف والشبيه بالمضاف في باب (لا) تتسلط عليه (لا) مباشرة فتنصبه بحسب ذلك الاسم، فإن كان مفردًا -أقصد ما يدل على الواحد- نصبناه بالفتحة، مثل: "لا طالبَ علمٍ"، نقول: اسم (لا) منصوب، ومثل: "لا طالبي علمٍ" نقول: اسم (لا) منصوب وعلامة نصبه الياء، ومثل: "لا مسلمي ثغرٍ نادمون على صبرهم".
إذًا؛ اسم (لا) يُنصَبُ إذا كان مضافًا أو شبيهًا بالمضاف، أمَّا إذا كان مفردا فإننا هنا لا بد من أن نبنيه، على ما ننصب به ذلك الاسم، مثل: "لا رجلَ، لا رجلين، لا رجال".
إذًا هذا ما بهذه الجزئية في باب (لا) من جهة الاسم الذي تدخل عليه، وهو ثلاثة أنواع:
- المفرد: ويدخل فيه المثنى والجمع.
- والمضاف.
- والشبيه بالمضاف.
لو جئنا الآن إلى نقض شروط (لا)، وقلنا (لا) تعمل بثلاثة شروط:
- أن يكون اسمها وخبرها نكرتين.
- أن تباشر ما دخلت عليه.
- ألا تتكرر (لا).
فلو أردنا أن نأتي بأمثلة تنقض هذه الشروط شرطًا شرطًا، حتى يتبين لنا ما هو العمل الذي سينتج بعد ذلك؛ فنقول:
أولًا: إذا كان اسمها معرفة، فقلنا: "لا زيد في الدار"، هنا اختلَّ الشرط، فبالتالي لا بد أن نرفع "زيد" ولا بد أن نكرر (لا)، سنأتي بمثالين أحدهما صحيح والآخر خاطئ:
نقول: "لا رجلَ في الدار" هذا مثال صحيح لـ (لا) من حيث إنَّ مدخولها نكرة.
المقابل: "لا زيدٌ في الدار"، نلاحظ أن "زيدٌ" أصبحت مرفوعة، وسبب ذلك أنها معرفة.
وينتج من كون اسم (لا) معرفة" أمران:
أولًا: لابد أن ترفع "زيد"؛ لأنه معرفة، فتقول: "لا زيدٌ في الدارِ".
الثاني: لا بد أن تكرر (لا)، فتقول: "لا زيدٌ في الدار ولا محمدٌ"، "لا زيدٌ في الدار ولا هندٌ".
إذًا؛ إذا لم يكن مدخولها نكرة؛ فإنَّه ينتح أمران: أن ترفع ما بعدها، وأن تكرر (لا).
طيب إذا رفعت هذا الاسم الذي بعده كيف يعرب؟ هل نقول: اسم (لا)؟
الجواب: لا؛ بل نقول: (لا) نافية، وليست هي النافية للجنس، لأنّ "زيد" ليس بجنس، وإنما هو مفرد، ونحن نشترط أن يكون مدخولها جنسًا، فنقول: (لا): حرف نفي مبني على السكون لا محل له من الإعراب، "زيد": مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، و "في": حرف جر و "الدار": اسم مجرور خبر "زيد".
إذًا هذا الشرط الأول انتقض عندنا، فاشترطنا أن يكون نكرة وجئنا بمثالٍ وهو المعرفة، فظهر لنا أنه عند نقض الشرط الأول بعدم إتيان اسم (لا) نكرة أن يرفع ما بعد (لا) وأن تكرر (لا) مرة أخرى، تقول: "لا رجل في الدار ولا امرأة" فتكون الواو حرف عطف و (لا) هذه أيضا مكررة، و"امرأة" معطوفة على "رجل".
الشرط الثاني: لا بد أن يكون اسمها متصلا بها، فالأصل أن نقول: "لا رجل في الدار"، طب لو قدمنا وأخرنا بينها فقلنا: "لا في الدارِ رجلَ" ما يصح هذا الكلام! والصواب أن نقول: "لا في الدار رجلٌ".
لو سأل سائل وقال: لماذا ألغيتموها الآن؟ أليس "رجل" نكرة؟ قلنا: بلى، قال: أليس يدل على الجنس؟ قلنا: نعم. قال: أليس هو مفرد؟ قلنا: بلى، طيب ما الذي اختلَّ؟
قلنا: لأنَّ (لا) لم تباشره، ولوجود الفاصل بالجار والمجرور؛ أصبحت "لا في الدار رجلٌ"، وكقوله تعالى: ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ﴾.
ما الذي يحصل عندنا هنا بعد هذا التأخر وعدم مباشرتها لمدخولها -اسمها النكرة؟
الجواب: هنا لا بد أن تلغى، فيصبح الاسم ذلك الوارد في السياق مرفوعًا.
ماذا يُعرب في هذا الحال؟
ما نقول: اسم (لا)؛ بل نقول: مبتدأ مؤخر، "رجلٌ" مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، و "في الدار" خبر مقدم.
إذًا هذا انتقاض شرط عدم المباشرة، ومثاله كما قلنا: ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ﴾.
الشرط الثالث: ألا تتكرر (لا) لو قلنا: "لا رجل في الدار"، الآن (لا) دخلت على نكرة وباشرتها، ولم تتكرر (لا)؛ فهنا نعملها، فنقول: "لا رجلَ في الدار" فنعرب (لا): نافية للجنس، "رجل": اسم (لا) مبني في محل نصب، وقوله: "في الدار"، "في" حرف جر، "الدار" اسم مجرور، و "في الدار": خبر المبتدأ.
لو كررناها فقلنا: "لا رجلَ في الدار ولا امرأةَ" جاز لك الوجهان:
- إمَّا أن تعملها لأنَّ الشروط الآن متفقة، فاسمها نكرة، وباشرته ولم يفصل بينهما فاصل، لكنك كررتها، فهذا التكرار هو الذي جعل من الممكن إيجاد وجه آخر في الإعراب، فإما أن تقول أنت أيها المتكلم: "لا رجلَ في الدار ولا امرأةَ"، فنعرب: (لا) نافية جنس، "رجلَ" اسم (لا) في محل نصب مفعول به، "في الدار": خبر، "ولا" الواو حرف عطف، و (لا) نافية للجنس، و"امرأة": اسم (لا) مبني في محل نصب، والخبر محذوف تقديره "في الدار" أو "حاضرة"..
- أو تهملها، فتقول: " لا رجلٌ في الدار ولا امرأةٌ".
إذًا؛ إذا تكررت (لا) وتوفرت جميع الشروط جاز لك الوجهان:
* إما أن تعملها كما لو قلت: "لا رجلَ في الدارِ".
* وإما أن تهملها فتقول: "لا رجلٌ في الدارِ ولا امرأةٌ"، فيصبح الإعراب في هذه الحالة: (لا) نافية وليست هي التي للجنس، و "رجلٌ" مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
لو جاءنا شخص وقال: كيف تكون مبتدأ والمبتدأ أصلا لا بد أن يكون معرفة؟
الجواب عن ذلك: لأنه سبق بنفي، والمبتدأ من مسوغات وقوعه نكرة: أن يسبق بنفي أو استفهام أو دعاء أو نحو ذلك.
فنقول هنا: "رجلٌ" مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهر على آخره، ولا نقول: اسم (لا).
و "في الدار": جار ومجرور خبر "رجل".
إذًا نعيد ونقول: شروط (لا) ثلاثة:
- أن يكون اسمها وخبرها نكرتين.
- أن تباشر ذلك الاسم.
- ألا تتكرر (لا).
فإن كان مدخولها معرفة أهملنا (لا) في هذه الحال، فنقول: "لا زيدٌ في الدار" فيصبح "زيد" مبتدأ.
وإن كان اسمها نكرة لكنها لم تباشره؛ ألغينا عملها فقلنا: "لا في الدار رجلٌ" فأصبحت "رجل" هذه مبتدأ مؤخرا.
وإن تكررت (لا)؛ فأنت مخير بين أمرين:
* إما أن تهملها فيصبح ما بعدها مرفوعًا بالضمة مباشرة على أنه مبتدأ.
* ولك أن تعملها فتقول: "لا رجلَ في الدار ولا امرأةَ"، أو تقول: "لا رجلٌ في الدار ولا امرأةٌ"
وهناك أوجه أخرى في هذا الباب لم يذكرها المؤلف.
{هل يوجد الأفضلية من ناحية اللغة إما أن يعملها أو يهملها سواء كانت مرفوعة أو كانت منصوبة؟}.
نعم، نحن لَمَّا نقول: "لا رجلَ في الدارِ ولا امرأةَ" فهذا تنصيص على العموم، أنه لا يوجد أي جنس من الرجال، لكن لَمَّا نقول: "لا رجلٌ في الدار امرأةٌ" قد يرد احتمال في مثل هذا الحال، فلو أهملناها وقلنا: "لا في الدار رجلٌ، بل رجلان" فلما تهملها ينتج عندك معنى جديد، ولهذا فإن إعمالها يكون نص في العموم.
نريد أن نمثل بعض الأمثلة على اسم (لا) واختلت فيها الشروط فيما لو لم يكن مفردا -يعني ما يدل على الواحد:
هل نقول: "لا في الدار طالبُ علمٍ"، أو نقول: "لا في الدار طالبَ علمٍ"؟
نقول: "لا في الدار طالبُ علمٍ"، لماذا؟
لاختلال الشروط، فهي لم تباشر اسمها، ولو باشرته لقلت: "لا طالبَ علمٍ في الدار"؛ فلما حصل هذا التغيير في تركيب الكلام، وأصبح الاسم الذي دخلت عليه مؤخرا؛ أهملنا عملها، فأصبحت الجملة: "لا في الدار طالبُ علمٍ" و "طالبُ" هنا مبتدأ مؤخر مرفوع، وهو مضاف و"علم" مضاف إليه، و "في الدار" خبر مقدم.
{هل يجوز إعمال الوجه الآخر؟}
الجواب: لا، ما هناك عامل عمل فيها، فـ (لا) لا تعمل إلا إذا باشرت، وهنا لم تباشر وبالتالي سنبقيها على أصلها وهي الرفع، الذي هو الابتداء.
{ممكن نأخذ مثالًا آخر شيخنا؟}.
لو قلنا: "لا في الأكاديميةِ مهملٌ واجبه" هذا شبيه بالمضاف، أصلها: "لا مهملًا واجبه في الأكاديمية"، "مهملًا" اسم (لا) منصوبة وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، و "مهملًا" هذا اسم فاعل، و"واجبه" مفعول به لاسم الفاعل منصوب وهو مضاف والهاء مضافًا إليه، "في الدار" خبر.
لكن لو بدلنا وقدمنا وآخرنا فأصبحت: "لا في الدار مهملٌ واجبه"، فـ "مهملٌ" أصبحت مبتدأ مرفوعًا وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، "واجبَه" على حالها لأنها مفعول به لاسم الفاعل. إذًا؛ إذا لم تباشر (لا) اختل الإعراب.
و (لا) من حيث المعنى العام تفيد النفي، لكن في هذه الحالة لا نعربها اسما (لا) وإنما نعربها على أنها مبتدأ، يعني يستفاد النفي من حيث العموم لأنها هي للنفي و (لا) نافية للجنس هي للنفي أيضا، لكن هذا النفي ليس تنصيصًا على هذا النفي بشكل كامل وإنما فيه احتمال غير ما تنص عليه (لا) التي هي الجنس.
لو قلنا مثلا: "لا ربَّ لنا إلا الله"، فنعرب: (لا) نافية الجنس، "رب" اسم (لا) منصوب، "إلا الله" خبر (لا) التي هي لنفي الجنس.
والذي يهمني حقيقة حتى لا يلخبط الطالب: أن المفرد في باب (لا) هو ما ليس مضافًا ولا شبيهًا بمضاف، فكل ما لم يكن مضافًا ولا شبيهًا بمضاف سواء كان يدل على الواحد أو على اثنين أو على ثلاثة، أو على جمع، لا بد من أن يكون مبنيا في مثل هذا الحال على ما ينصب به، هذا الاسم على ماذا تنصبه أنت؟ قال: أنا أنصبه في حالة الجمل العادية مثلا بالفتحة، إذًا نقول: تبنيه باب (لا) على الفتحة فتقول: في محل نصب.
المثنى بماذا تنصبه في الكلام الذي ليس في مثل هذا السياق؟
قال أنصبه بالياء لأنه مثنى؛ فنقول: تبنيه في باب (لا) على الياء، فتقول: مبني على الياء في محل نصب.
وإذا كان هذا منصوبا بالكسرة كما هو في جمع المؤنث السالم مثل: "لا مسلماتِ نادماتٌ على الحجابِ"، ما نقول "لا مسلماتٍ" والسبب أنها مبنية هنا، وإذا كان مبنيا معناه أنه غير منون، فنقول: (لا) نافية للجنس، "مسلماتِ" اسم (لا) مبنى على الكسر في محل نصب اسم (لا)، لأن الأصل "لا مسلماتٍ"، لكن لما دخلت عليها تركبت معها فأصبحت كالكلمة الواحدة، فنفينا التنوين عنها.، "نادماتٌ" خبر (لا) مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
هذا ما يمكن قوله حول قضية (لا) التي تعمل عمل (إنَّ).
{بارك الله فيكم شيخنا وفتح الله لكم، فيما تبقى لو نأخذ تطبيقات على ما مرَّ معنا في الحلقات الماضية، حتى نثبت ما قد درسناه بالتطبيقات، حتى تثبت المعلومة وتكون أدعى للرسوخ، نكمل في سورة الفتح ما توقفنا عند الآية الخامسة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: 5]}.
نسأل الله من فضله.
قوله: ﴿لِيُدْخِلَ﴾ اللام هنا لام التعليل، أو لام "كي"، وسُميَّت لام "كي" لأن "كي" تفيد التعليل، وهذه اللام تفيد ما تفيده "كي" من جهة التعليل، لكن الناصب هنا هي اللام.
ومرَّ معنا أن النواصب عشرة: "أن، ولن، وإذًا، وكي، ولام كي"، فهذه اللام هي: (لام كي)، التي تسمى: لام التعليل.
فنقول: ﴿يُدْخِلَ﴾ فعل مضارع منصوب باللام، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
وقلنا: الفعل مضارع يمكن أن نختبره بوضع علامات المضارع قبله، وعلامات المضارع كما مرَّ معنا: دخول (السين، وسوف).
نأتي بالسين: "سيدخل" قلبت السين.
نأتي بـ "سوف": "سوف يدخل" قبلت.
إذًا؛ هذا فعل مضارع والمضارع لا بد أن يكون منصوبًا.
طيب لو سألنا: لو تجردت "يدخل" هذه من اللام، كيف سيكون حركتها الأعرابية؟ هل يكون منصوبا بالفتحة أو مجزومًا بالسكون؟ يكون عليه ضمة؟
نقول: سيكون الفعل مرفوعًا، لأن الأصل في الفعل المضارع أنه مرفوع إذا تجرد من الناصب والجازم، فإذا دخل عليه ناصب -كما عندنا هنا- سيكون منصوبًا بالفتحة، ولو دخل عليه جازم مثل: "لم يدخلْ" فيكون مجزومًا وعلامة جزمه السكون.
{العامل هو الذي يؤثر فيه}.
نعم، هذا الذي يؤثر فيه رفعًا ونصبًا وجزمًا.
قوله: ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾، طبعا القاعدة: أنه لابد لكل فعل فاعل، فأنت تبحث عنه في الجملة إن وجدته تقول: هذا الفاعل، لأن الفاعل قد يكون متأخرًا، وقد يكون مذكورًا، وإذا كان مذكورًا قد يكون ضميرًا وقد يكون اسمًا ظاهرًا، فهنا ﴿يُدْخِلَ﴾ معطوف على ما سبق من الجمل، يعني: "ليدخل الله" فنقول: الفاعل ضمير مستتر تقديره يعود على الله -عز وجل- لفظ الجلالة.
الآن لو سألنا وقلنا: ما الذي سيحصل بالمؤمنين هنا؟ ما الذي سيقع عليهم؟ أو بماذا حكم الله- عز وجل- عليهم؟
الجواب: بدخول الجنة.
إذًا؛ ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ هنا مفعول به.
طيب ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ هنا هل هو مفرد أو مثنى أو جمع؟
الجواب: جمع مذكر سالم، وجمع مذكر سالم مرَّ معنا إذا كان في موضع نصب لا بد أن يكون منصوبًا وعلامة نصبه الياء، إذًا هذا تطبيق للمفعول به الذي مرَّ معنا، أن المفعول به إذا كان اسمًا مفردًا فإنه ينصب بالفتحة، مثل: "أكرمت محمدًا، أكرمتُ المؤمنَ"، وإذا كان مثنى قلت: "أكرمتُ المؤمنيْنِ"، وإذا كان مجموعًا قلت: "أكرمت المؤمنِين"، إذًا عندنا هنا ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ وقعت مفعولًا، فيكون مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء، لأنه جمع مذكر سالم.
قوله: ﴿وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ الواو حرف عطف، وكلمة ﴿وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾، جاءتنا مجرورة، لأن المعطوف على المنصوب منصوب.
طيب أيهما الذي سيدخل أولًا المؤمنون أو المؤمنات؟
نقول: الواو -كما مر معنا- لا تقتضي الترتيب، وإنما مجرد الاشتراك في الحكم، يعني كلاهما سيدخل الجنة، هل سيدخل الرجال قبل النساء؟ هنا الآية ما تبين هذا، لأن الواو لا تفيد الترتيب، وإنما تفيد التشريك في الحكم، فكل منهما سيدخل الجنة، لكن أيهما يدخل؟ قد يدخل بعض الرجال قبل بعض النساء وقد يدخل بعض النساء قبل بعض الرجال وهكذا.
إذًا؛ الواو حرف عطف، و ﴿وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ معطوف على المؤمنين، والمعطوف على المنصوب منصوبًا، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة، لأنه جمع مؤنث سالم.
قوله: ﴿جَنَّاتٍ﴾ مفعول به ثانٍ، تقول: "أدخلت زيدًا المنزلَ" فـ "أدخلَ" فعل متعدٍّ رباعي فلا بد أن ينصب مفعولين، فـ "المؤمنين" هو مفعول أول و"المؤمنات" معطوف عليه، و "جناتٍ" هذا مفعول به ثان منصوب. منصوب بماذا؟
"جنات": جمع "جنة"، يعني: ما جمع بألف وتاء، ونحن مرَّ معنا أنَّ جمع المؤنث السالم -هو ما جُمع بألف وتاء- ويكون منصوبًا، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة، أصلها في غير القرآن نقول: "جناتًا" لكن ما يمكن أن نقول هذا! إذًا نقول هنا: منصوب وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم.
قوله: ﴿تَجْرِي﴾ هل هو فعل أو حرف أو اسم؟
هل يصح أن ندخل "أل" فنقول: "التجري"؟
ما يصح، إذًا هو ليس اسمًا، وكذلك ما نقول: "من تجري، إلى تجري"؛ إذًا هـو فعل.
طيب، الأفعال ثلاثة عندنا: الأمر والماضي والمضارع، أي هذه الأفعال؟
الجواب: المضارع.
هاتِ العلامة التي نعرف بها المضارع:
أدخل السين وسوف عليه: "ستجري، سوف تجري".
هذا المضارع هل هو مرفوع أو منصوب أو مجزوم؟
لو كان مجزومًا لحذفنا الياء، ليس هناك جازم يجزم، فإذًا بقيت الياء كما هي.
طيب هل عليه فتحة حتى نقول هو منصوب؟ لأن الفتحة تظهر حتى على الحرف المعتل.
إذًا؛ ليس بمنصوب ولا بمجزوم، إذًا بقيت حالة واحدة، وهي أن يكون مرفوعًا.
طيب لو جاء شخص قال مرفوع بماذا؟ نقول: الضمة.
قال: الضمة لا نراها! قلنا هنا -كما سبق معنا: إن الإعراب يكون مقدرًا إما على الألف للتَّعذُّر، وإما على الياء والواو للثِّقل، فنقول: "تجري" أصلها "تجريُ".
فنقول: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره منعَ من ظهورها الثِّقل.
ومثل: "القاضيُ، يرميُ، يبكيُ"، لكنها لم تظهر للثقل، إذا هو فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره منع من ظهور الثقل.
وجملة ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ وصف، والفاعل هنا ﴿الْأَنْهَارُ﴾.
قوله: ﴿مِنْ﴾ حرف جر.
قوله: ﴿تَحْتِهَا﴾ اسم، لأنه قبل دخول "من" عليه، وهو مضاف والهاء مضاف إليه.
قوله: ﴿الْأَنْهَارُ﴾، طيب هذا اسم أو فعل؟ هل في علامة من علامات الاسم وهي الألف واللام؟
بلى، إذًا هذا اسم لدخول الألف واللام.
قلنا: ﴿الْأَنْهَارُ﴾ فاعل، والأصل أن الفاعل يكون مرفوعًا بالضمة.
طيب لماذا رفعناه بالضمة لم نرفعه بالألف ولم نرفعه بالواو أو نحو ذلك؟
قلنا: لأنه هنا اسم مفرد، والاسم المفرد دائمًا يرفع وعلامة رفعه الضمة الظاهر على آخره.
قوله: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ مرَّ أيضا الباب المتعلق بهذه الجزئية، وهي أنها وقعت هنا حال، يعني حال دخولهم محكومًا لهم بالخلود، أي هم خالدون في هذه الجنة.
فنقول: "خالدين" حال منصوبة وعلامة نصبه الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم، وهذا تطبيق لباب الحال الذي سبق تقريره معنا.
لو سألنا وقلنا: كيف كان دخولهم للجنة؟
نقول: خالدين.
قوله: ﴿فِيهَا﴾ "في" حرف جر، والهاء ضمير متصل مبني في محل اسم مجرور بـ "في"، والجار والمجرور هذا متعلق بـ "خالدين"؛ لأنَّ الجار والمجرور يتعلق دائمًا بالفعل أو ما في معناه.
قوله: ﴿وَيُكَفِّرَ﴾ الواو حرف عطف، "ليدخل، ويكفر، ويتم، ويهديهم صراطا"، إذًا ما زال العطف مستمرًّا في السياق عن الكلام عن أهل الجنة، ولذا نقول: ﴿يُكَفِّرَ﴾ فعل مضارع منصوب، والسبب في ذلك: أنه معطوفٌ على منصوب تقدم عليه، والمعطوف على المنصوب منصوب.
إذًا نقول: ﴿يُكَفِّرَ﴾ فعل مضارع منصوب، والناصب له هو العامل الذي نصب الفعل الأول ﴿لِيَغْفِرَ﴾، فهذا منصوب ثم عطف عليه أفعال كثيرة، فأصبحت آخذة حكمها في أنها منصوبة، والفاعل ضمير مستتر تقديره: "هو" يعود على الله -تبارك وتعالى.
قوله: ﴿عَنْهُمْ﴾ "عن" حرف جر -كما مر معنا- والهاء ضمير متصل في محل جر بـ "عن".
قوله: ﴿سَيِّئَاتِهِمْ﴾ هذا تطبيقا للمفعول به الذي مر معنا، في أن "السيئات" هذا جمع مؤنث سالم، أو ما جُمع بألف وتاء، وعلمنا أن المفعول به يكون منصوبًا، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة، و"سيئات" مضاف، والهاء مضاف إليه في مثل هذا الحال.
قوله: ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا﴾، جاء هنا باسم الإشارة لبيان تلك المنزلة، تستطيع أن تقول: "هذا" وتستطيع أن تقول: "ذلك"؛ فلما يؤتى باسم الإشارة في حق القريب أو نحو ذلك أو مثلا وصف القرآن أو الشيء الذي له منزلة ومكانة؛ فإنه يؤتى باسم الإشارة الدال على العظمة ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾، ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾، ﴿تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا﴾، فهنا معنى بلاغي للتنبيه على عظم ذلك الفوز وذلك المكسب وذلك النعيم الذي ذكر الله منه إتمام النعمة وتكفير سيئاتهم وإدخالهم الجنات، وغير ذلك مما ذكره الله -تبارك وتعالى.
قوله: ﴿كَانَ﴾ "كان" هذه مرت معنا وهي ترفع الاسم وتنصب الخبر، فنقول: "كان" فعل ماض ناقص مبني على الفتح.
قوله: ﴿ذَلِكَ﴾ اسم إشارة مبني في محل رفع اسم "كان".
قوله: ﴿عِنْدَ﴾ ظرف.
قوله: ﴿فَوْزًا﴾ خبر "كان" منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة آخره.
قوله: ﴿عَظِيمًا﴾ هل هو نكرة؟
الجواب: نكرة، و ﴿فَوْزًا﴾ نكرة.
هل هو منصوب؟
الجواب: منصوب.
هل هو مفرد؟
الجواب: مفرد.
هل هو مذكر؟
الجواب: مذكر.
إذًا تطابق في أربعة من عشرة، وهي: كونه منصوبًا مثله، وكونه مفردًا، وكونه نكرة، وكونه مذكرًا، إذًا هذا يعرب على أنه وصف، أي: هذا الفوز موصوف بالعظمة.
فنقول: ﴿عَظِيمًا﴾ نعت لـ "فوز" ونعت المنصوب منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
{شيخ في قول الله -تبارك وتعالى: ﴿وَكَانَ ذَلِكَ﴾ ما إعراب الواو هنا؟}.
الظاهر -والله أعلم- أنها للاستئناف، وحقيقة لا ينبغي أن يقول شخص في القرآن بغير علم؛ لأن الكلمة أحيانا قد تحتمل عدة احتمالات، كما في الواو هنا، لكن -والله أعلم- أنها قد تكون للاستئناف، والاستئناف معناه: قطع الكلام المتقدِّم وذكر كلام جديد لكن له علاقة بالمتقدِّم، نقول: "وكان ذلك..." يعني: هذا الفضل المتقدم ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا﴾، فيُمكن أن يُقال: "وكان الأمر فوزًا عظيمًا" لكن لما يأتي باسم الإشارة الدال على البعد فإن هذا يدل على عِظم هذه المنزلة، فأنت قد تعرف بشخص وتقول: فلان ابن فلان... ذلك الرجل الذي فعل كذا وكذا...؛ مع أنه أمامك الآن جالس! فلما تقول: "ذلك" فهذا من باب تعظيم المنزلة، يعني يظهر شيء من قدره ومكانته، ومنه قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾ [الزمر: 16]، وغيرها من الدلالات.
{أحسن الله إليكم شيخنا، وفتح الله لكم، وزادكم من فضله، والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام على طيب المتابعة، نلتقي بكم بإذن الله -تبارك وتعالى- في اللقاءات القادمة، نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك

سلاسل أخرى للشيخ