الدرس الثالث عشر

فضيلة الشيخ عبدالله بن حسن الحارثي

إحصائية السلسلة

19293 15
الدرس الثالث عشر

الآجرومية

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهلًا وسهلًا بطلاب العلم، مرحبًا بكم في حلقة جديدة، ومرحبًا بكم على مائدة من موائد العلم، ومرحبًا بكم في برنامج (جادة المتعلم) للمستوى الثالث والذي نشرح فيه المقدمة الآجرومية للإمام محمد بن آجروم -رحمه الله تعالى- يصطحبنا بشرح هذا المتن فضيلة الشيخ/ عبد الله بن حسن الحارثي. باسمكم جميعًا نرحب بشيخنا المفضال. حياكم الله يا شيخ عبد الله}.
أهلًا وسهلًا ومرحبًا.
{أسعد الله أيامكم وأوقاتكم بكل خير، الله يحفظك الله.
قبل أن نبدأ شيخنا في باب (المفعول من أجله) نود أن نأخذ مراجعة لباب "لا" وباب المنادى}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله وبعد، فكنا قد بلغنا في هذا الكتاب المبارك إلى الربع الثالث منه، وهو عن المنصوبات، وذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- أنَّ المنصوبات خمسة عشر، وكان مما مضى معنا في الحلقات المتقدمة: الكلام عن باب "لا"، وقلنا: إن "لا" هذه تعمل عمل "إن" من جهة أنها تنصب الاسم وترفع الخبر، ولها شروط ثلاثة:
- أن يكون اسمها وخبرها نكرتين.
- وأن تباشر "لا" النكرة حتى تعمل ذلك العمل.
- وألا تتكرر "لا".
والمثال في ذلك أن نقول: "لا رجلَ في الدار"، تحققت فيها الشروط: اسمها نكرة، وباشرته، ولم تتكرر "لا"، فنقول: "لا" نافية للجنس، و "رجل" اسم "لا" مبني في محل نصب، لا بد وأن نقول: في محل نصب.
أمَّا إذا كان اسمها معرفة: فإننا سنقول في هذه الحال: "لا زيدٌ في الدار"، فهنا نهملها ويكون "زيد" إعرابه على أنه مبتدأ مرفوع.
إذا لم تباشر فهنا كذلك نهملها، فنقول: "لا في الدار رجلٌ"، ففي مثل هذا السياق اختلَّ شرط المباشرة، وبالتالي نهمل "لا".
وإذا تكررت "لا" فيجوز فيها الوجهان:
- إما أن نعملها، بأن نبنيها بحسب ما دخلت عليه.
- وإما أن نهملها، فنقول: "لا رجلَ في الدار ولا امرأةَ" ونصح أن نقول: "رجلٌ في الدار ولا امرأةٌ".
هذا جملة ما قيل فيما مضى معنا، ونحن فصَّلنا في مدخول "لا" وقلنا:
- إما أن يكون مفردًا وهو ما ليس مضافًا ولا شبيهًا بالمضاف.
- وإما أن يكون مضافًا كقولك: "لا طالبَ علمٍ" فنقول هنا: "طالب" اسم "لا" منصوب، ولا نقول: مبني في محل نصب.
- وإما أن يكون شبيهًا بالمضاف، مثل: "لا طالبًا علمًا ممقوتٌ" فهنا نقول أيضًا: منصوب مباشرة.
ثم انتقلنا إلى باب النداء وفيه شبه بالباب المتقدم، من جهة أنَّ عندنا هناك ما يسمى بالمفرد، فالمفرد في باب النداء والمفرد كذلك في باب "لا" وما ليس مضافًا ولا شبيهًا بالمضاف، وذكرنا أنواع المنادى الخمسة:
النوع الأول: المفرد العلم، والمقصود بالمفرد: هو ما يدل على الواحد، أو الاثنين، أو الثلاثة، أو أكثر، لكن مجرد أن يكون علمًا، مثل: "يا محمد، يا محمدان، يا محمدون".
النوع الثاني: النكرة المقصودة، كقولك: "يا رجلُ، يا رجلان، يا مسلمون".
هذان النوعان -المفرد العلم والنكرة المقصودة- في باب النداء لهما نفس الحكم الإعرابي، وهو أنه يبنى على ما يرفع به، فإذا كان مرفوعًا بالضم فيبنى على الضم، وإذا كان مرفوعًا بالواو فيبنى على الواو.
النوع الثالث: النكرة غير المقصودة، مثل: "يا حافظًا، يا ظالمًا، يا تائبًا، يا صائمًا" شخص غير معين فهذا ننصبه مباشرة.
النوع الرابع: إن كان مضافًا، تقول: "يا طالبَ العلمِ اجتهد، يا طالبَ العلمِ بلغ ما أعطاك الله من العلم"، فنقول هنا: منادى منصوب مباشرة بالفتحة، أو قد يكون منصوبًا بالياء مثل: "يا طالبَي العلم"، منادى منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى، وكذلك: "يا طالبِي العلم" نقول: منادى منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم.
النوع الخامس: أن يكون شبيهًا بالمضاف، وهو ما اتصل به شيء من تمام معناه، فهذه سبق الكلام عنها في هذه الجزئية.
وننتقل الآن إلى أحد أبواب المنصوبات التي عقدها المؤلف -رحمه الله تعالى- وهو الباب قبل الأخير في الربع الثالث من أبواب الكتاب المبارك.
{حسن الله إليكم.
قال -رحمه الله: (وَهُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلَّذِي يُذْكَرُ بَيَانًا لِسَبَبِ وُقُوعِ اَلْفِعْلِ، نَحْوَ قَوْلِكَ "قَامَ زَيْدٌ إِجْلَالًا لِعَمْرٍو" وَ "قَصَدْتُكَ اِبْتِغَاءَ مَعْرُوفِكَ") }.
هذا الباب عنوانه: "باب المفعول من أجله"، ويسمى أيضا "باب المفعول له"، ويسمى كذلك "باب المفعول لأجله"، هذه ثلاثة مسميات لشيء واحد.
والمقصود به: هو الاسم الذي يبين سبب وقوع الفعل.
وضابط هذا الباب: أنه جوابٌ لقولك: "لماذا حصل الفعل؟" مثال: قمت أنت يا شيخ معاذ فسألك سائل وقال: لماذا قمت؟ تقول: "قمتُ إجلالًا للأستاذ، إجلالًا للمعلم، إجلالًا لوالدي"، فـ "إجلال" هذا هو الذي بيَّن لنا سبب وقوع القيام منك، فأنت قمتَ من أجل أمر ما وهو "الإجلال"، إذًا هذا "الإجلال" مرتبط بالفعل الذي أنت قمت به، عندنا فعل وعندنا شيء من أجله وقع ذلك الفعل، هذا الذي وقع من أجل ذلك الفعل هو المسمى بالمفعول لأجله، هذا المفعول لأجله لا بد أن يكون اسمًا منصوبًا، ولا بد كذلك أن يكون مصدرًا قلبيًّا. كيف يكون مصدرًا قلبيًا؟
لو قلت لك مثلًا: "قال زيد قولًا" فـ "قولًا" هذا مصدر، "قال، يقول، قولًا" هذا مصدر لكنه مَن عمل اللسان أو من عمل القلب؟ طيب لو قلت لك: "ضرب، يضرب، ضربًا"، هذا من عمل الجوارح، إذًا عندنا "ضرب" هذا مصدرا لكنه من عمل الجوارح، "قال، يقول، قولًا" هذا مصدر لكنه من عمل اللسان، "أذن، يؤذن، تأذينًا - سبح، يسبح، تسبيحًا"، هذا مصدر أليس كذلك؟
إذًا هذه كلها مصدر لكنها مصدر صادر عن اللسان، وهناك مصدر صادر عن الجوارح، مثل: كسَّر، يكسِّر، تكسيرًا"، فـ "تكسير" هذا مصدر لكنه نتجَ عن الجوارح، نحن يعنينا هنا المصدر الذي نتج عن القلب، تقول: "أجلَّ، يجلُّ، إجلالًا - أحب، يحب، حبًّا - عظَّم يعظم، تعظيمًا - حذرَ، يحذر، حذرًا".
إذا نحن هنا في المفعول لأجله لا بد أن يكون مصدرا، ولكن ليس مصدرًا ناتجًا عن فعل اللسان، ولا مصدرًا ناتجًا عن فعل الجوارح، وإنما لا بد وأن يكون مصدرًا ناتجًا عن فعل القلب، فتقول لماذا قمت؟
تقول: "قمت إجلالًا" لعمرو، فنقول: "قمتُ" بفعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الفاعل، والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل، "إجلالًا" مفعول لأجله منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. لماذا قمت؟ تقول: "قمت إجلالًا"، ومثل: إذا قيل لك: "لماذا ضربت ابنك؟ تقول: تأديبا، فالتأديب هذا شيء قلبي.
ومنه قوله تعالى: ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ ، إذًا هم لماذا يجعلون أصابعهم في آذانهم؟ "حذرَ".
وقوله: ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا﴾ ، لماذا هم يدعون ربهم؟ "خوفًا".
إذا "خوفًا" هذه و "حذرَ" و "إجلالًا" و "تأديبًا" كلها تعرب على أنها مفعول مطلق، لأنها تبين سبب وقوع الفعل.
وشرطه: أن يكون اسمًا، وهذا الاسم الذي هو المصدر لا بد أن يكون منصوبًا، وأن يكون مصدرًا قلبيًّا، وأن يكون هذا المصدر "إجلالا، تأديبا" ناتجًا من نفس ذلك الشخص الذي قام بذلك الفعل، مثال: "قمتُ إجلالًا" فهذا الإجلال وهذا القيام صدر من شخص واحد، لا يصح أن يكون الإجلال من شخص والقيام من شخص آخر، هنا ستتغير القضية -كما سنبين- فلا بد أن يكون الفعل المتقدم وهذا الاسم الذي هو المصدر الذي هو المفعول لأجله أن يكون صادرًا من شخص واحد، مثال: "قام معاذ إجلالًا" إذا الذي قام بالقيام معاذ، والإجلال الذي حصل من معاذ؛ إذًا لا بد أن يكون الفاعل الذي أحدث الفعل هو الذي صدر منه ذلك المصدر القلبي.
طيب لو انتقض هذه الشرط وقلت مثلًا: "جئتُك محبَّتك لي" يعني: لأنك أنت تحبني، فهنا ما يصلح أن أقول: "محبةً لي" لأن المحبة صدرت من معاذ والمجيء جاء مني؛ طيب كيف أتعامل في هذا الحال مع المصدر؟ هنا لابد أن تدخل عليه حرف الجر، فتقول: "جئتك لمحبتك لي"، ما تقول: "محبة".
لو قلنا مثلًا: "قام المسلم خوف جاره"، يعني جاره حصل منه خوف وهذا المسلم قام، فالخوف والقيام حصل من شخصين مختلفين، فهنا تقول: "قمتُ لخوف جاري" لأنه هو الذي خاف، فهنا إذا لم يتَّفق المصدر القلبي هذا مع الذي قام بذلك الفعل فلا يصح أن تنصب المفعول لأجله، وإنما لابد أن تدخل عليه حرف الجر.
إذًا؛ لابد أن يكون مصدرًا منصوبًا قلبيًّا، وأن يكون ذلك الذي حدث منه ذلك الفعل القلبي هو الذي قام بذلك الفعل.
فتقول مثلًا: "أطعت الرسولَ طمعًا في الثواب"، من الذي أطاع الرسول؟ أنت. من الذي طامع في الثواب؟ أنت؛ إذًا الطمع والطاعة حصلتا من شخص حصلت من شخص واحد، إذًا هنا "طمعًا" ننصبه في هذا الحال على أنه مصدر قلبي، ولو جررته لصحَّ الكلام، فيحتمل الوجهين، لكن إذا كان الفعل القلبي صادرًا من شخص والفعل الذي قام به شخص آخر، فهنا لابد من إدخال حرف الجر.
لو قلت لك مثلًا: "جئتك الأكلَ"، "الأكل" هذا هل هو مصدر قلبي؟ القلب الذي يأكل ولا الجوارح؟
الجواب: الجوارح، إذًا ما يصح أن أقول: "جئتك الأكلَ"، طيب هو مصدر أو ليس بمصدر؟
الجواب: إنه مصدر. طيب هو منصوب أو ليس بمنصوب؟ منصوب "أكلَ، يأكل، أكلًا". طيب كيف أتعامل في هذه إذا لم يكن المصدر قلبيًا؟
تقول: "جئتك للأكلِ"، إذًا لم يكن الفاعل متفقًا في الفعل، والذي قام بالفعل والذي قام بالمصدر شخص واحد لابد أن ندخل حرف الجر.
كذلك لو كان هذا المصدر غير قلبي، فـ "إجلالًا، حذرًا، خوفًا، طمعًا، توكلًا، رغبةً، رهبةً" هذه كلها أفعال قلبية، فهذه التي يصح أن تقع على أنها مفعول لأجله، فإن كان هذا مصدرا لكنه صادر عن الجوارح فهنا لابد من إدخال حرف الجر، تقول: "جئتك للأكلِ، جئتك للدراسة"، أما لو قلت: "جئتك الشرب، " ما يصلح تقول: "جئتك للشرب، جئتك دراسة"! إذًا لا بد أن يكون المفعول من أجله مصدرًا قلبيًّا.
طيب لو قال شخص مثلًا: "قمتُ تأذينًا" هو مؤذن "أذَّن، يُؤذن، تأذينًا" فما يصح أن يقول: "قمت تأذينًا"، هو يريد أن يخبرنا ويقول: أنا قمت لأجل أن أؤذن، فأخطأ فقال: "قمت تأذينًا"؛ نقول: لا، لأن التأذين هذا عمل الجوارح، فالصواب أن تقول: "قمتُ للتأذين"، فلابد من إدخال حرف الجر، أما لو كان مصدرًا قلبيًّا ناتجًا من شخص واحد وهذا الفعل من شخص واحد؛ فنقول هنا: يصح أن تنصبه على أنه مفعول لأجله.
هذه جملة ما يمكن قوله في باب المفعول لأجله، وهذا خلاصة القضية.
{شيخنا لو نعرب الأمثلة -أحسن الله إليكم- نحو قولك: "قَامَ زَيْدٌ إِجْلَالًا لِعَمْرٍو" وَ "قَصَدْتُكَ اِبْتِغَاءَ مَعْرُوفِكَ"}.
نعم، نقول: "قام" فعل ماض مبني على الفتح، "زيد" فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهر على آخره، "إجلالًا" مفعول لأجله منصوب.
لو سألنا زيدًا وقلنا له: لماذا قمت يا زيد؟ سيكون الجواب: إجلالًا.
إذًا، المفعول لأجله: هو الاسم المنصوب الذي يبين سبب وقوع الفعل، لماذا قام؟ إجلالا. ومنه قوله تعالى: ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا﴾ ، لماذا يدعون ربهم؟ خوفًا.
إذًا ذُكر اسمٌ وهو مصدرٌ منصوبٌ ليبين سبب وقوع الفعل؛ فهذا هو المفعول لأجله، فنقول: "إجلالًا" مفعول لأجله منصوب.
"لعمرو" اللام حرف جر مبني على الكسر لا محل له من الإعراب، و"عمرو" اسم مجرور.
الآن دعنا نطبق الشروط:
هل "إجلالًا" مصدر؟
الجواب: نعم.
طيب، هل هو قلبي ولا لساني ولا من عمل الجوارح؟
الجواب: قلبي، إذًا هذا الشرط الثاني.
طيب هل "الإجلال" و"القيام" صدر من شخص واحد؟
الجواب: زيد وقع في الوسط، قبله فعل، وبعده فعل، إذًا القيام والإجلال حصلَ من شخصٍ واحد، إذًا هذا الشرط تحقَّق في هذا الحال، فبالتالي يكون مفعولًا لأجله.
لكن لو كان هذا المصدر صدرَ من شخص واحد والفعل صدرَ من شخصٍ آخر؛ ففي هذه الحال لا بد أن نأتي بحرف الجر، نقول مثلا: "قام زيد لإجلالِ عمرو له"، فـ "عمرو" هو الذي يجل "زيد"، فقام "زيد" لأن ذلك يجله، فهنا نقول: "قام زيد لإجلال عمرو له" فهنا لابد أن نأتي بحرف الجر، لكن لو كان "زيد" هو الذي أجل عمرو؛ لقلنا: "قام زيد إجلالًا لعمرو".
المثال الثاني: "قَصَدْتُكَ اِبْتِغَاءَ مَعْرُوفِكَ"، المفعول لأجله قد يضاف إلى غيره، تقول: "قصدتك"، فـ "قصد" فعل ماضي مبني على السكون، كما تلاحظ الدال هنا ساكنة لاتصالها بضمير الفاعل، والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل، الكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به، "قصدتك" أي: أنت المقصود، ولأن المفعول به يقع ضميرًا، "ابتغاءَ" لو سألنا لماذا قصدته؟ تقول: "ابتغاء معروفه"، إذًا؛ "ابتغاء" مفعول لأجله منصوب، لأن مَن الذي قصد؟ أنا. ولماذا أنا قصدته؟ ابتغاءَ...
فحصل الابتغاء مني وحصل القصد مني، فأنا قمتُ بالفعل وصدر مني ذلك الابتغاء، و"الابتغاء" مصدر قلبي، الابتغاء: يعني النية أو التوجه له.
إذًا؛ "ابتغاء" مفعول لأجله منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف، و"معروف" مضاف إليه، وهو مضاف أيضا والكاف مضاف إليه.
{أحسن الله إليكم، شيخنا ممكن لو من باب الفائدة نعطي مثالًا آخر قبل أن ننتقل للباب الذي يليه}.
مثلا تقول: "استغفرت الله طمعًا في تكفير الذنوب"، ومن القرآن: ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ [البقرة: 19]، لماذا يجعلون أصابعهم؟ حذرَ الموت، لماذا يستغفر ربه؟ طمعا في الثواب أو في التوفيق أو نحو ذلك.
مثال: "أطعت والدي إحسانا إليهما"، يعني: ابتغاء الإحسان. لو سألناك: لماذا أطعت الوالدين؟ تقول: إحسانا لهما ومكافأة لهما على معروفهما ونحو ذلك.
إذًا؛ الطمع في التوفيق بيَّن سبب فعلك للاستغفار.
ولماذا هم يجعلون أصابعهم؟ حذر الموت، فالحذر هو الذي جعلهم يجعلون أصابعهم في آذانهم.
ومنه قوله: ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [السجدة: 16].
نعرب "استغفرتُ الله طمعًا" فنقول: "استغفر" فعل ماضي مبني على السكون، الراء ساكنة هنا لاتصالها بضمير الفاعل، والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل، "اللهَ" لفظ الجلالة مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، "طمعًا" مفعول لأجله منصوب، لأني أنا الذي استغفرت، وهذا الطمع حصل في قلبي أنا، فأنا الذي قمت بالاستغفار، والقلب الذي حصل فيه الطمع قلبي، فهما صادران من شخص واحد، "في" حرف جر، و"ثوابه" اسم مجرور، وهو مضاف والهاء مضاف إليه.
نعرب قوله تعالى: ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ ، "يجعل" فعل مضارع اتصلت به واو الجماعة، فأصبح هنا من الأفعال الخمسة، والأفعال الخمسة ترفع بثبوت النون، فنقول: "يجعلون" فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، والواو ضمير متصل مبني على السكون، دائما هذا مع الأفعال الخمسة، "يكتبان" الألف دائمًا فاعل، "تكتبين" الياء دائما فاعل، "يكتبون" دائما الواو هنا فاعل، ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
"أصابعهم"، "أصابع" مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف والهاء ضمير المتصل في محل جر مضاف إليه، "في" حرف جر، و"آذانهم" اسم مجرور وهو مضاف والهاء مضاف إليه، "من" سببية، يعني: بسبب الصواعق، وقيل الصواعق هنا: هي زواجر للقرآن ونواهيه ووعيده -سبحانه وتعالى-، تقرع قلوبهم كما يقرع البرق أو يضيء في الظلم، "من الصواعق" يعني بسبب الصواعق.
لماذا يفعلون ذلك؟ قال: "حذرَ الموت"، إذًا هو المفعول لأجله، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة إلى آخره وهو مضاف، و"الموت" مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
{أحسن الله إليكم شيخنا وبارك فيكم.
قال -رحمه الله: (بَابُ اَلْمَفْعُولِ مَعَهُ
وَهُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلَّذِي يُذْكَرُ لِبَيَانِ مَنْ فُعِلَ مَعَهُ اَلْفِعْلُ، نَحْوَ قَوْلِكَ "جَاءَ اَلْأَمِيرُ وَالْجَيْشَ" وَ "اِسْتَوَى اَلْمَاءُ وَالْخَشَبَةَ".
وأما خَبَرُ "كَانَ" وَأَخَوَاتِهَا، وَاسْمُ "إِنَّ" وَأَخَوَاتِهَا، فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا فِي اَلْمَرْفُوعَاتِ، وَكَذَلِكَ اَلتَّوَابِعُ; فَقَدْ تَقَدَّمَتْ هُنَاكَ)
}.
هنا عقد بابًا جديدًا في هذا الربع الثالث من الكتاب في باب المنصوبات هو الباب الأخير في هذا القسم.
قال: (بَابُ اَلْمَفْعُولِ مَعَهُ) ، المفعول معه، أي: هو الاسم المنصوب الذي يقع بعد واو تفيد معنى "مع"، يعني لو رفعت هذه الواو وضعت بدلا عنها كلمة "مع" لاستقام الكلام، فنحن في الكلام لا نقول "مع" وإنما نأتي بالواو، هذه الواو لو افترضنا وقدرنا حذفها ووضعنا كلمة "مع" بدلًا عنها لاستقام الكلام، تقول مثلا: "ذاكرت والمصباحَ"، أي: ذاكرت مع المصباح، وتقول: "سافرت والقمرَ"، يعني: سافرت مع القمر.
إذًا عندنا اسم منصوب يقع بعد واو تفيد معنى "مع" بمعنى: أن المفعول معه هو الذي يبين الشيء الذي حصل معه ذلك الفعل، أنت تخبر عن حدث حصل معك، وأردت أن تبين هذا الحدث الذي حصل منك من كان مصاحبًا لك عند حصول ووقوع هذا الفعل؟ هل هو أخوك؟ هل هو المصباح؟ هل هو القمر؟ ما الذي كان مصاحبًا ومقارنًا لك حال حدوث الفعل؟
إذًا عندنا هناك اسم منصوب يأتي بعد واو، هذا الاسم المنصوب يبين لنا الحدث عند حصوله كان مع مَن؟ وما الذي قارن حصول ذلك الحدث؟
مثال: "جاء الأمير والجيشَ"، نعرب "جاء" فعل ماضي، "الأميرُ" فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، الواو هنا واو معية، وهو حرف لا محل من الإعراب، "جيشًا" مفعول معه منصوب.
ما وجه نصبه هنا؟ وما هو التقدير هنا؟
مثال: "استوى الماءُ والخشبةَ" كأنك قلت: "استوى الماء ولامس الخشبة" فهو من حيث المعنى مفعول به، لكنهم عبروا بهذا التعبير لأن هناك تفصيلًا في هذه القضية، لأن ما بعد الواو أحيانا يصلح أن يكون معطوفًا على ما قبله، وفي مواطن لا يصلح أن يكون معطوفًا على ما قبله، وبالتالي سيأتي معنا الآن عندنا هناك وجهان في هذا الباب يصح أن تأتي بأيهما شئت، وهناك موضع لا يصح الإتيان فيه إلا بوجه واحد.
فمثلا لما تقول: "ذاكرتُ والمصباح"، يعني: كأن المصباح مصاحبًا لي.
سؤال: هل المصباح يذاكر؟
لا، وإنما الذي يذاكر أنا، إذًا كان ما بعد الواو لا يصح أن يتأتى معه الفعل المتقدم ولا يصح أن يقع منه، فهنا ليس لك إلا وجه واحد وهو النصب، تقول: "ذاكرتُ والمصباحَ"، لأنك لو أعدتَّ العامل لا يصح أن تقول: "ذاكرتُ وذاك المصباحُ"، فإذًا هنا يمتنع عليك أن ترفع وإنما يجب عليك أن تنصب، وهذا إذا كان الاسم الواقع بعد واو "مع" لا يتأتى منه ذلك الفعل المتقدِّم ذكره، فأنت تقول: "ذاكرت"، طيب أعِدْ "ذاكر" هذه بعد الواو، هل يستقيم الكلام؟ تقول: "ذاكر محمد وذاكر المصباح"! لا ستقيم، إذًا هنا يجب عليك أن تنصب ما بعد الواو، فقط وجه واحد، فيكون مفعول معه منصوبًا، نقول: واو المعية حرف مبني على الفتح لا محل من الإعراب، و"المصباح" مفعول معه منصوب، يعني حصل معه الفعل.
مثال: "سرتُ وسارَ زيدٌ والجدارَ" هل الجدار يسير ولا الجدار ثابت؟
ثابت، إذًا ما يصح أن تقول: "سارَ زيدٌ وسارَ الجدارُ"! إذًا هنا يجب عليك أن تقول: "والجدارَ" وجهٌا واحدًا.
نعرب "سارَ" فعل ماض، "زيد" فاعل، الواو واو المعية، "الجدارَ" مفعول معه منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
مثال: "سافرَ الرجلُ والقمرَ"، هل القمر يسافر أو ثابت في مكانه؟ القمر ثابت، إذًا ما يصح هنا أن نعيد العامل ونقول: "سافرَ زيدٌ وسافرَ القمرُ"، إذًا هنا يجب عليك أن تعيِّن وجهًا واحدًا من الإعراب النصب على المفعولية -المفعول معه.
نعرب "سافر زيد" فعل وفاعل، الواو واو المعية، و"القمر" مفعول معه منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
نأخذ مثالًا آخر جديدًا الآن يبين صحة الوجهين فيما بعد الواو، تقول: "جاءَ الأميرُ والجيشَ"، من الذي جاء؟ الأمير، والجيشُ كان مصاحبًا له، بمعنى أنك تريد أن تخبر عن مجيء الأمير وكأن هذا الجيش في حكم المنسي عنه، وأنت إنما ذكرته تبعًا، أنه كان له صحبة وهي الجيش، لكن أنت قصدك في الحقيقة من هذه الجملة هي الإخبار عن مجيء الأمير.
نعرب "والجيش" الواو واو المعية، و "الجيشَ" هنا مفعول معه منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
هل يصح أن نعيد الفعل بعد الواو في هذه الجملة فتقول: "جاء الأميرُ وجاء الجيشُ"؟
الجواب: نعم يصح، إذًا؛ إذا صحَّ إعادة الفعل المتقدم ما بعد الواو فهنا لك وجهان:
- إما أن تقول: "جاء الأميرُ والجيشُ" عطفا على "الأمير" والعطف على المرفوع مرفوع.
- وإما أن تقول: "جاء الأميرُ والجيشَ" فهنا تنصب على المفعولية.
مثال آخر، تقول: "ذاكرَ زيدٌ ومحمدًا"، "ذاكرَ" فعل ماض، "زيد" فاعل، "ومحمد" يعني مع محمد، أنت في الحقيقة تريد أن تغض الطرف عن الآخر، وأنه كان مصاحبًا له في المذاكرة، فهنا لك وجهان:
- إما أن تقول: "ذاكر زيدٌ ومحمدًا" على أن "محمدًا" مفعول معه منصوب.
- وإما أن تقول: "ذاكر زيدٌ ومحمدٌ" على أنه معطوف على "زيد" و"زيد" مرفوع.
إذًا عندنا في باب المفعول معه تركيبان فيما بعد الواو:
- وجه يتعين فيه النصب، وهذا الوجه إذا كان لا يصح إعادة الفعل المتقدم قبل الواو لا يصح إعادته بعد الواو، إذا لم يصح ولم يستقم الكلام فهنا يجب النصب وجهًا واحدًا، تقول: "ذاكر زيدٌ والمصباحَ" فقط، لأن "المصباح" لا يذاكر لو كان يصلح أن يذاكر لقلنا "والمصباحُ".
- وإن كان عندك فعل يصح أن يتأتى مما قبل الواو ويصح أيضًا أن يقع بعد الواو؛ فهنا يصح لك الوجهان، تقول: "جاء الأميرُ والرجالُ"، وتقول: "جاء الأميرُ والرجالَ"، فإذا نصبتها قلت: مفعول معه، وإذا رفعتها قلت: معطوف على المتقدم الذي هو الأمير أو الجيش، فلك وجهان في مثل هذا الحال.
لو قلت مثلًا: "سلمت على الأميرِ والجيشَ"، نعرب "سلمتُ" فعل وفاعل، "على" حرف جر، "الأميرِ" اسم مجرور لأنه دخل عليه حرف الجر، الواو هنا واو المعية، و "الجيشَ" مفعول معه.
ولك وجه آخر: إذا أنت وقع منك سلامٌ على الجيش؛ فيصح أن تقول: "سلمتُ على الأمير والجيشِ" عطفًا على "الأميرِ" لأنه وقع منك سلام على "الأمير" ووقع أيضا منك سلام "الجيش"، فلو أعدت العامل فقلت "على الجيشِ" لاستقام.
لكن لو قلت لك مثلًا: "سلمتُ على زيدٍ والكتابَ" يعني والكتاب مصاحبًا له، فهنا نقول: "الكتابَ" ليس لك فيه إلا وجه واحد، لكن ما يصح أن تقول: "سلمتُ على زيدٍ والكتابِ" لأن "الكتاب" لا تسلم عليه أنت.
إذًا؛ إذا لم يصح إعادة العامل بعد الواو فليس لك إلا وجه واحد وهو النصب على أنه مفعول معه، أما إذا صحت إعادة العامل فإنك تعيده بناء على ما سبق من الإعراب، فإن ما كان قبل الواو معربًا على أنه مرفوع، عطفت عليه على أنه مرفوع، وإن كان منصوبًا عطفت عليه على أنه منصوب، وإن كان مجرورًا عطفت عليه على أنه مجرور وهكذا، ولك الوجه الآخر أنك تنصب.
فنلخص ونقول: "ذاكرتُ والمصباحَ"، ليس لك إلا وجه واحد.
لو قلت: "سلمت على زيدٍ والمصباحَ" ما لك إلا وجه واحد لأنك لا تستطيع أن تسلم على المصباح.
لو قلت: "أكرمت زيدًا والمصباحَ"، هنا ما يصح أن تقول "المصباح" معطوفا على "زيد"، لأن "زيد" هو الذي وقع عليه الإكرام وأنت لم تكرم المصباح، طيب هنا "المصباح" منصوب و "زيدًا" منصوب، نقول: "زيد" منصوب لأنه مفعول به، و"المصباح" منصوب على إنه مفعول معه، فنصب هذا غير نصب الأول.
لكن لما تأتيني جملة يصح فيها أن يقع ذلك العامل مرة أخرى بعد الواو صح لك الوجهان، تقول: "جاء الأميرُ والجيشَ، وتقول: "وجاء الأميرُ والجيشُ" لأنك يصح أن تقول "وجاءَ الجيشُ".
تقول: "أكرمتُ زيدًا والطالبَ" على أنه مفعول معه ويصح أن يكون معطوفًا على "زيد" الذي هو مفعول به.
تقول: "سلمت على زيدٍ والطالبَ، وسلمت على زيدٍ والطالبِ"، لأنه يصح إعادة العامل مرة أخرى، فلك وجهان.
هذا خلاصة ما يمكن قوله في باب المفعول معه.
نعرب كلام المؤلف: "جَاءَ اَلْأَمِيرُ وَالْجَيْشَ"، نقول: "جاء" فعل ماض، "الأمير" فاعل مرفوع، والواو هنا واو المعية، و"الجيش" مفعول معه منصوب.
ولنا وجه آخر فيه بأن نقول: "جاء الأميرُ والجيشُ"، فـ "الجيش" معطوف على "الأمير" والمعطوف على المرفوع مرفوعًا، لأنه يصح إعادة كلمة "جاء" بعد الواو، فتقول: "جاء الأميرُ وجاء الجيشُ".
لكن لما تقول: "اِسْتَوَى اَلْمَاءُ وَالْخَشَبَةَ"، الخشبة الحقيقة لم تستوِ، وإنما الماء هو الذي استوى، فنقول: "اِسْتَوَى اَلْمَاءُ وَالْخَشَبَةَ"، نعرب "استوى" فعل ماض، و"الماء" فاعل، الواو هنا واو المعيَّة حرف مبني على الفتح، "الخشبة" مفعول معه منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، ولا يصلح أن تقول: "استوى الماءُ والخشبةُ" وإنما الخشبة ثابتة والماء هو الذي ارتفع حتى وصل إليها، يعني لامس الخشبة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وأما خَبَرُ "كَانَ" وَأَخَوَاتِهَا، وَاسْمُ "إِنَّ" وَأَخَوَاتِهَا) }.
خبر "كان" واسم "إن" من المنصوبات، وهذه مرت معنا، تقول: "كانَ زيدٌ حاضرًا"، "حاضرًا" هذا خبر كان، وهذا تقدم الكلام عنه فيما مضي في باب "كان" التي ترفع المبتدأ والخبر، يعني تكلم عنه في هذه المرفوعات، فلا حاجة في إعادته هنا.
قال: (وَاسْمُ "إِنَّ" وَأَخَوَاتِهَا) ، مثل: "إن زيدًا حاضرٌ" هذا أيضًا ذكره في باب العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر، ولم يضمنه تحديدًا ومستقلًا في باب المنصوبات لأنه تقدم الكلام عنه، كقول: "إن زيدًا حاضرٌ، وليت الشبابَ يعود"، فهذا تكلم عنه، وإن كان من المنصوبات، ولكنه لم يذكره هنا لأنه سبق الكلام عليه.
قال: (فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا فِي اَلْمَرْفُوعَاتِ، وَكَذَلِكَ اَلتَّوَابِعُ؛ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ هُنَاكَ) ، قلنا: إن التوابع هي العطف، والنعت، والتوكيد، والبدل.
لما تأتي بكلمة منصوبة تعطف عليها كلمة لا بد أن تنصبها، تقول: "أكرمت زيدًا ومحمدًا".
طيب في باب التوكيد، تقول: "أكرمتُ زيدًا نفسَه" أكدت أنه "زيد" وليس أخوه.
وأيضا في باب البدل، تقول: "أكرمت زيدًا أخاك" فـ "فأخاك" هذا بدل من "زيد"، و"وزيد" كما تلاحظ منصوبًا، فلما أبدلت منه كلمة أخرى أخذ نفس الحكم، فهذا في باب البدل.
وكذلك في باب النعت، تقول: "أكرمت زيدًا العاقلَ"، فـ "العاقل" هذا منصوب لأنه تابع لكلمة متقدمة عليه وهي كلمة "زيد"، وكلمة "زيد" منصوبة، وبالتالي لما جاء الوصف كان مناسبًا يكون مطابقًا لها في الإعراب، فالنواصب تقدمت في باب النعت، والعطف، والتوكيد، والبدل.
ويكون المؤلف -رحمه الله تعالى- بهذه الجملة أنهى باب المنصوبات التي هي القسم الثالث من أقسام هذا الكتاب، ويتبقى الجزء الأخير -إن شاء الله- وهو ما يتعلق بباب المخفوضات التي نص عليها المؤلف -رحمه الله تعالى.
{بارك الله فيكم شيخنا، نبدأ التطبيق في سورة الفتح كما قد بدأناه في الحلقات الماضية.
بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفتح 8-9]}.
من المعلوم أن التطبيق هذا بحسب ما يليق بالآجرومية، وإلا فإن إعراب الجمل ونحو ذلك من الإعرابات التي فوق هذا مستوى ليس هذا محل ذكرها، وإنما يعنينا ما يتعلق بالأبواب ذكرناها، فهنا قال الله -عز وجل: ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ ، هنا اللام لام التعليل، دخلت على الفعل المضارع ونحن مر معنا أن النواصب عشرة، منها: لام التعليل، يعني هذا الإرسال وهذا البيان وإنزال الكتب، لماذا؟ قال: يحصل منكم الإيمان ﴿لِتُؤْمِنُوا﴾ ، فـ ﴿تُؤْمِنُوا﴾ فعل مضارع، ودخل عليه ناصب وهو اللام، والمضارع هناك كما تلاحظ اتصلت به واو الجماعة؛ إذًا هو أصبح من الأفعال الخمسة، وأصله "تؤمنون"، والأفعال الخمسة ترفع بثبوت النون، فـ "تؤمن" مرفوع وعلامة رفعه الضمة، "تؤمنون" أصبح مضارعًا مرفوعًا وعلامة رفعه ثبوت النون، وإذا كان المضارع ثبوته بالنون ودخل عليه ناصب فإن نصبه يكون بحذف النون، نقول: ﴿لِتُؤْمِنُوا﴾ فعل مضارع منصوب باللام وعلامة نصبه حذف النون، والواو هنا في قوله ﴿لِتُؤْمِنُوا﴾ ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
قوله: ﴿بِاللَّهِ﴾ ، الباء هنا حرف جر، و"الله" لفظ الجلالة اسم مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة.
إذا سأل سائل وقال: ما هي العلامات التي وجدت في لفظ الجلالة تدل على أنه اسم؟
نقول: دخول حرف الباء عليه، ودخول الألف واللام عليه، وكذلك الكسرة التي آخره على الهاء؛ هذه ثلاث علامات اجتمعت في لفظ الجلالة يدل على أنها اسم.
قوله: ﴿وَرَسُولِهِ﴾ ، الواو حرف عطف، لاحظ حرف العطف تكرر معنا كثيرًا، و"رسوله" معطوف على لفظ الجلالة، والمعطوف على المجرور مجرور، فلفظ الجلالة مجرور بالباء، فلما عطفنا عليه "الرسول" أعطيناه نفس الحكم الإعرابي، فـ "رسول" تلاحظ أن اللام مجرورة، وعلامة جرها الكسرة الظاهرة على آخره، لأنها معطوفة على لفظ الجلالة، المعطوف على المجرور مجرور، وهو مضاف إلى الهاء بعده، فنقول: الهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر مضاف إليه.
قوله: ﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾ أصلها "تعزرونه وتوقرونه"، و "عزَّر" يعني: عظَّم أو احترم أو نحو ذلك، لماذا حذف النون؟
الجواب: لأن عندنا الواو هنا حرف عطف، وحرف العطف هذا عطف جملة "تعزروه" على قوله "لتؤمنوا"، هناك لما حذف النون في قوله ﴿لِتُؤْمِنُوا﴾ وعطف عليها "تعزروه" لا بد من أن يحذف النون، لأن المعطوف على المنصوب منصوب، فهناك لما نصبناه بحذف النون بسبب اللام، ثم عطفنا عليه فعلا آخر؛ فلا بد من أن يأخذ نفس الحكم، فنقول: "تعزروه" فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه حذف النون لأنه معطوف على ﴿تُؤْمِنُوا﴾ ، والواو هنا ضمير متصل في محل رفع فاعل، والهاء ضمير متصل أيضا في محل نصب مفعول به.
إذًا هذا تطبيق للفاعل الذي وقع ضميرًا، وتطبيق للمفعول به الذي وقع كذلك ضميرًا في قوله: ﴿تُعَزِّرُوهُ﴾ .
قوله: ﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾ ، أصلها "توقرونه" هذا الأصل لكن جاء حرف العطف هنا فعطفت على ﴿لتؤمنوا﴾ وهي منصوبة بحذف النون، فكذلك ما عطفناه عليه يأخذ حكمها، فنقول: "وتوقروه" فعل مضارع منصوب بحذف النون، والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، والهاء هنا ضمير أيضا متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
قوله: ﴿وَتُسَبِّحُوهُ﴾ كذلك يأخذ نفس الحكم، فنقول: الواو حرف عطف، أصلها "تسبحونه" لكن حذفت النون منه لوجود الناصب في ﴿لِتُؤْمِنُوا﴾ ، ونحن عطفنا عليه ﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ﴾ فأخذت حكمه من حيث إننا نصبناه بحذف النون، والواو هي فاعل، والهاء مفعول به.
قوله: ﴿بُكْرَةً﴾ هذه تطبيق على ظرف الزمان، "بكرة" يعني في الصباح الباكر في الغدوة يعني في أول النهار، فـ "بكرة" ظرف زمان منصوب، وقلنا: إن ظرف الزمان سواء كان مبهمًا أو كان محددًا فإنه ينصب على الظرفية، فقوله: ﴿وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً﴾ أي: في حال البكور، فنقول "بكرة" ظرف زمان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
قوله: ﴿وَأَصِيلًا﴾ الواو حرف عطف، و"الأصيل" هو آخر النهار، قبل غروب الشمس يسمى أصيلًا، والمعطوف على المنصوب منصوبًا، "أصيلًا" هذه أيضا ظرف زمن في الحقيقة فهي معطوفة على "بكرة" و"بكرة" منصوبة فكذلك المعطوف عليها يكون منصوبًا.
{قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: 10]}.
قوله: ﴿إنَّ﴾ مرَّت معنا، وهي تنصب الاسم وترفع الخبر.
قوله: ﴿الَّذِينَ﴾ لم يمر معنا، وهو اسم موصول مبني في محل نصب اسم "إنَّ" لأن الأسماء المبنية أشرنا إليها، منها: اسم الإشارة، والاسم الموصول، وأسماء الاستفهام، وأسماء الشرط، والضمائر، وأسماء الأفعال؛ هذه كلها مبنية، فنقول: "إنَّ" حرف توكيد ونصب، ينصب الاسم ويرفع الخبر، "الذين" اسم مبني على الفتح في محل نصب اسم "إنَّ".
قوله: ﴿يُبَايِعُونَكَ﴾ أصلها "يبايع" هذا هو الفعل المضارع المجرد من الزيادات، اتصلت به واو الجماعة فأصبح هنا فعلًا مضارعًا مرفوعًا وعلامة رفعه ثبوت النون، طيب كيف عرفنا أنه مضارع؟ لو أردنا أن ندخل عليه علامات المضارع فنقول: "سوف يبايعونك، سيبايعونك" صحَّ وقَبِلَ، إذًا هذا عندنا فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون، لماذا لم يكن مرفوعًا وعلامة رفعه الضمة، لأن الأصل في المضارع أن يُرفع بالضمة؟
نقول: لأنه اتصلت بواو الجماعة، فنقلته من كونه مرفوعًا بالضم إلى كونه مرفوعًا بثبات النون، فنقول: "يبايعونك" فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، يبايعونه.
والكاف في "يبايعونك" يعني: أنت يا محمد، المبايعة وقعت على النبي -صلى الله عليه وسلم- فنقول: الكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.
إذًا؛ هذا تطبيق للمفعول به الذي وقع ضميرًا متصلًا.
قوله: ﴿إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ ، يعني: مبايعاتهم لك هي في حقيقتها مبايعةٌ لله، لأن الله هو الذي أرسلك، فإذا بايعوك فكأنهم بايعوا الله، فكأنه كالوكيل عنه -صلى الله عليه وسلم- في أخذ البيعة من المؤمنين -رضي الله عنهم.
قوله: ﴿إِنَّمَا﴾ "إنَّ" في الأصل هذه هي التي مرت معنا "إنَّ" وأخواتها، لكن لما اتصلت بها "ما" هنا:
أولًا: ألغت عملها.
ثانيًا: أنها جوزت لها أن تدخل على الجمل الفعلية، والأصل أن "إن" لا تدخل إلا على الأسماء، ولا تدخل على الحروف ولا تدخل كذلك على الأفعال، فلما اتصلت بها "ما" هنا أهَّلتها للدخول على الفعل، لاحظ ماذا جاء بعدها؟ ﴿إِنَّمَا يُبَايِعُونَ﴾ ، أنت ما تستطيع أن تقول: "إنَّ يبايعونك، إنَّ يحفظ زيد، إن يسافر"، ما يستقيم! لكن لما تدخل عليها "ما" تنقلها إلى هذا فتصبح "إنما يسافر زيد، إنما يخشى الله من عباده العلماء"، فهنا "ما" تسمى "الكافة"، ولأنها تؤهِّل "إنَّ" للدخول على الجملة التي بعدها.
قوله: ﴿يُبَايِعُونَ﴾ ، أصلها لو جردنا المضارع هنا من الزيادات نقول: "يبايع"، إذا دخلنا عليه الزوائد الأربعة -الياء والنون والتاء والهمزة- أصبح "يبايع"، إذًا نقول: "يبايعون" مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.
قوله: ﴿اللَّهَ﴾ لفظ الجلالة هنا مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره لأنه اسم مفرد.
قوله: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ ، "يد" مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهو مضاف ولفظ جلالة مضاف إليه، "فوقَ" ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، ومرَّ معنا أن ظرف المكان -فوق وتحت قدام ووراء وخلف وحذاء وتلقاء وإزاء- وقلنا: ظرف المكان إذا كان مبهمًا فهو الذي يقع ظرف مكان، أما إذا كان محددا كـ "الدار أو المكان أو السيارة"؛ فيصح في بعض الأفعال أن تقول: "دخلت الدار، سكنت الدار"، لكن لو جربت أفعالًا أخرى لا يصح، كقولك: "أكلتُ الدار"، فإنما لا بد من أن تأتي بالفاء.
فالمقصود هنا أن "فوق" ظرف مكان منصوب وهو مضاف وخبر لقوله ﴿يَدُ اللَّهِ﴾ ، و ﴿أَيْدِيهِمْ﴾ مضاف إليه.
قوله: ﴿فَمَنْ نَكَثَ﴾ هذه الفاء ربما تسمى فاء التفريع، و "مَن" بمعنى الذي، وهو اسم موصول مبني في محل رفع مبتدأ.
قوله: ﴿نَكَثَ﴾ فعل ماض مبني على الفتح. طيب كيف عرفنا أنه فعل ماض لو أردنا أن نطبق؟
الجواب: لو أدخلنا عليه تاء التأنيث فنقول: "نكثت" قبلت؛ إذًا هذا فعل ماض مباشرة.
قوله: ﴿فَإِنَّمَا﴾ مرَّت معنا.
قوله: ﴿عَلَى نَفْسِهِ﴾ ، "على" حرف جر، "نفسه" اسم مجرور، وهو مضاف والهاء مضاف إليه.
قوله: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ﴾ ، "أوفى" هذا فعل ماض أو مضارع أو أمر؟
ندخل "السين وسوف" فنقول: "سأوفي، سوف أوفى" ما يصح.
هل فيه طلب؟ ليس فيه طلب.
ندخل التاء، فنقول: "أوْفَت، أوفيْتُ أنا" صحَّ، فإذًا هو فعل ماض مبني على الفتح المقدر، لأن الفتحة هنا لا يمكن أن تظهر، وكذلك في "موسى، عيسى، أوفى"، فهو فعل ماض مبني على الفتح المقدر منع من ظهوره التعذر.
قوله: ﴿بِمَا عَاهَدَ﴾ الباء حرف جر، و "ما" اسم موصول في محل اسم مجرور.
قوله: ﴿عَاهَدَ﴾ هذا اسم أو فعل أو حرف؟
هل نقول: "العاهد، من عاهد، إلى عاهد، عاهدٌ"؟ ما استقامت علامات الاسم.
ننظر إلى علامات الفعل، نقول: "قد عاهد، عاهدت" استقام، لو قلت: "سعاهد، سوف عاهد" ما يستقيم؛ إذًا لما أدخلنا تاء التأنيث قبلها، إذًا هذا فعل ماض وهو رباعي، ولكنه في رسم القرآن "عهد"، ولذلك لا تطبق قواعد الإملاء على القرآن.
قوله: ﴿عليهُ﴾ "على" حرف جر، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر اسم مجرور.
قوله: ﴿اللهَ﴾ ، لفظ الجلالة مفعول به منصوب به وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
قوله: ﴿فَسَيُؤْتِيهِ﴾ الفاء واقعة في جواب الشرط لأن "من" هذه تجزم فعلين -كما مر معنا- لكن مدخوله هنا وهو "عاهد" فعل ماض، فهذا الفعل ماض في الحقيقة في محل جزم فعل الشرط، كما لو قتل: "من يجتهد ينجح، من يعاهد يوفى له بعهده"، فنقول: "عاهد" فعلا ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط.
قوله: ﴿فَسَيُؤْتِيهِ﴾ إذا لم يصح أن يقع جواب الشرط مجردًا هكذا جواب شرط فلا بد من إتيانه بالفاء، خاصة إذا اقترنت الجملة بـ "سوف" أو كانت جملة اسمية أو طلبية أو كانت مصدَّرة بفعل جامد، إلى غير ذلك من التفاصيل التي لم نذكرها، فالمقصود هنا: أن الفاء واقعة في بجواب الشرط.
السين في قوله: ﴿فَسَيُؤْتِيهِ﴾ حرف من علامات الفعل المضارع.
قوله: ﴿يُؤْتِيهِ﴾ فعل مضارع لأنه سبقه "سوف"، نقول: "يؤتي" فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره منعَ منظورها الثقل، والهاء هنا مفعول به أول.
قوله: ﴿أَجْرًا﴾ مفعول به ثان.
قوله: ﴿عَظِيمًا﴾ هذا نعت لـ "أجر" ونعت المنصوب منصوب، ولذلك جاء مطابقا له في التنكير والإعرابِ والإفراد.
{بارك الله فيكم شيخنا، وفتح الله لكم، وزادكم من فضله، تبقى لنا -إن شاء الله- مجلسان ونسأل الله التيسير والإعانة فيهما، والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام على طيبِ وحسن المتابعة نلتقي بكم -بإذن الله- في حلقات أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك

سلاسل أخرى للشيخ