{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بطلاب العلم، حياكم الله وبياكم، وجعل الجنة مثوانا ومثواكم، مرحبًا بكم في حلقةٍ جديدةٍ من برنامج (جادة المتعلم) للمستوى الثالث، والذي نشرح فيه (المقدمة الآجرومية) للإمام محمد بن آجروم -رحمه الله تعالى-، يصطحبنا بشرحه فضيلة الشيخ/ عبد الله بن حسن الحارثي، باسمكم جميعًا نرحب بفضيلة الشيخ، حياكم الله شيخ عبد الله}.
أهلًا وسهلًا ومرحبًا، حياكم الله.
{أسعد الله أيامكم وأوقاتكم بالبركات والمشاهدين والمشاهدات.
قبل أن نبدأ في "باب التوكيد" نأخذ لو ملخص لما أخذناه}.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
وبعد، فسبق الكلام معنا في ذكر أن الآجرومية تنقسم إلى أربعة أقسام:
مقدمته في الكلام وأقسامه وعلامات كل قسم، والإعراب، وعلامات الإعراب ونحو ذلك مما تقدم ذكره.
ثم شرع المؤلف -رحمه الله تعالى- في ذكر المرفوعات وهي القسم الثاني من الآجرومية، وذكر سبع مرفوعات التي هي: الفاعل، ونائب الفاعل...، وما ذكره من أبواب.
ثم شرع تفصيلًا في ذكر هذه الأبواب، فوصلنا إلى التوابع، وقلنا: إن التوابع أربعة؛ لأن التوابع تتبع ما قبلها في إعرابها، فبدأ بالباب الأول في باب التوابع وهو: النعت، وسبق الكلام عن النعت، ثم فرَّع على هذه القضية مسألة الكلام عن المعرفة والنكرة؛ لأنه لابد في النعت من التطابق بين التابع والمتبوع من جهة التنكير والتعريف إلى آخره؛ فناسبَ أن يفرِّع لأجل أن يكونَ المتلقي على بينة بالأحكام المترتبة على هذه القضية.
ثم ذكر بابًا آخر وهو: (باب العطف) وهذا في باب التوابع، وذكرنا أن حروفه عشرة، وذكرنا معانيها، وكيف تستخدم في مثل هذا السياق.
ثم الآن سيعقد بابًا جديدًا في باب التوابع، والتوابع أربعة، ذكر بابين وهذا الباب الثالث، وسيبقى بعده الباب الرابع -بإذن الله تبارك وتعالى- وسنأتي عليه، ثم عقد -رحمه الله تعالى-بابًا فيما يتعلق بالتوكيد، وسيأتي الكلام عليه بحول الله.
{قال -رحمه الله: (بَابُ اَلتَّوْكِيدِ.
اَلتَّوْكِيدُ: "تابع لِلْمُؤَكّدِ فِي رَفْعِهِ وَنَصْبِهِ وَخَفْضِهِ وَتَعْرِيفِهِ".
وَيَكُونُ بِأَلْفَاظٍ مَعْلُومَةٍ، وَهِيَ اَلنَّفْسُ، وَالْعَيْنُ، وَكُلُّ، وَأَجْمَعُ، وَتَوَابِعُ أَجْمَعَ، وَهِيَ أَكْتَعُ، وَأَبْتَعُ، وَأَبْصَعُ، تَقُولُ قَامَ زَيْدٌ نَفْسُهُ، وَرَأَيْتُ اَلْقَوْمَ كُلَّهُمْ، وَمَرَرْتُ بِالْقَوْمِ أَجْمَعِينَ)}.
هذه المسائل التي ذكرها المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب التوكيد.
والتوكيد في اللغة: معناه التقوية.
وينقسم هذا التوكيد إلى قسمين:
- التوكيد اللفظي.
- وتوكيد معنوي.
والمقصود بالتوكيد اللفظي: هو تكرار اللفظ المؤكَّد بإعادته بعينه أو بذكر مرادف له يدل على نفس المعنى.
بمعنى أن الشخص أحيانا قد يؤكد حرفًا، وقد يؤكد فعلًا، وقد يؤكد اسما من الأسماء، وقد يؤكد جملة أيضًا، فله طريقتان في التأكيد:
الطريقة الأولى: أن يؤكدها تأكيدًا لفظيًّا بأن يكرر ذلك اللفظ للتأكيد عليه وتقويته في نفس السامع، فمثلًا: شخص يريد أن يؤكد مثلا فعلا فيقول: "جاء جاء محمد"، فنقول: "جاء" الأولى فعل ماض مبني على الفتح، "جاء" الثانية توكيد للفعل الأول، وهي فعل ماضي مبني على الفتح، "محمد" فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
وأحيانا قد يُسأل الشخص: "هل جاء محمد؟" فيقول: "نعم، نعم جاء محمد"، لاحظ أنه أجاب بـ "نعم"، و "نعم" حرف جواب لا محل من الإعراب، وأكَّد الحرف هنا، ونحن نستخدم ذلك في حياتنا العادية، مثلا تقول: "لا لا ما ذهبت"، فـ "لا" الثانية هي توكيد لـ "لا" الأولى، فـ "لا" الأولى النافية لا محل لها من الإعراب، و "لا" الثانية توكيد للأولى.
وأحيانا قد يكون تأكيدًا للاسم، تقول: "جاء محمد محمد".
لماذا استخدم هذا الأسلوب؟
أحيانًا لتقوي هذا الخبر في نفس السامع، فأنت لَمَّا تقول: "جاء محمد" قد يقع في الذهن أنَّ الذي جاء هو: "زيد"، فإذا قلت: "جاء محمد محمد" تريد أن تؤكد على أن الجائي هو "محمد" لا غيره، فهذا أسلوب عربي في التوكيد وتقوية المعنى في نفس السامع، ويكون إمَّا بتكرار اللفظ -كما ذكرنا- سواء كررت الاسم أو الفعل أو الحرف.
وقد تؤكد جملة أيضًا وتكررها، تقول: "جاء محمد، جاء محمد"، إذًا هذه كلها تدخل في باب التوكيد.
الطريقة الثانية: التوكيد المعنوي، والمقصود بالتوكيد المعنوي: التابع الذي يرفع احتمال السهو أو التَّجوُّز في المتبوع.
مثال: "جاء الأمير" قد يقع في ذهن المتلقي أو المستمع أنه جاء رسوله أو جاء كتابه، أو جاء أحد ممن حوله، فتقول: "جاء الأمير عينه"، يعني: الأمير ذاته، بشحمه ولحمه ليس أحدا من خدمه أو من وزرائه أو نحو ذلك، هذا توكيد معنوي.
وهذا التوكيد له ألفاظ معلومة عند العرب، يعني: تتبع النحاة كلام العرب في توكيدهم وتقوية هذه المعاني ورفع هذا الاحتمال؛ فوجدوا أنهم استخدموا ألفاظًا معلومة هي التي بها يؤكدون، فليس لأحد منا نحن المتأخرون أن يؤكِّد بلفظٍ لم يكن موجودًا عند العرب ولم يستخدموه، يعني: نحن نعرف أن عندنا هناك كلمة: (نفس، وعين، وكل، وأجمع) إلى آخره مما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- فما يأتينا شخص ويقول: "جاء الأمير هو هو"، أو يستخدم مثلا لفظة يخترعها من عنده ويقول: هذا اللفظ أريد أن أؤكد به مجيء الأمير نفسه! نقول: لا، العرب استخدمت ألفاظًا معلومة لا بد أن تستخدمها أنت في توكيد ذلك المؤكَّد.
إذًا عندنا توكيد لفظي: وذلك يكون بالتكرار.
وعندنا توكيد معنوي: لا يكون إلا بألفاظ معلومة.
هذا التكرار مفتوح، أي أنَّ أحد يستطيع أن يكرر دون أن نقيده بتكرار شيء معين، وإنما هذا يؤكد بـ "ذهب"، والآخر يؤكد بـ "نعم"، والثالث يؤكد بـ "جاء"، والرابع يؤكد "علمًا معينًا"؛ فهذا لا إشكال فيه، أما التوكيد المعنوي فلا بد فيه من استخدام الألفاظ التي وردت عند العرب في ذكر ذلك التوكيد.
وهذا التوكيد الذي أكَّدت به لا بد له من أمرين:
الأمر الأول: أن يكون تابعًا، وأن يكون حكمه الإعرابي نفس حكم المؤكَّد، فإذا قلت: "جاء زيد" ما تستطيع أن تقول: "جاء زيدٌ نفسَه" بل تقول: "جاء زيد نفسُه"، وكذلك: "أكرمتُ الطالبين أنفسَهما" ما تقول: "أنفسُهما"، لأنك بهذا تكون قد رعت، والمؤكَّد هنا منصوب، فلابد من أن يطابقه في إعرابه.
الأمر الثاني في التوكيد المعنوي: لا بد أن يتصل بذلك اللفظ الذي أكدتَّ به ضميرٌ يعود على ذلك المؤكَّد، فلما تقول: "جاء زيدٌ"، فـ "جاء" فعل ماض، "زيد" فاعل مرفوع، ما تقول: "جاء زيد نفسُ"، بل لابد أن تقول: "نفسُهُ" لا بد أن يعود ضمير على ذلك المؤكَّد، وأن يطابق ذلك اللفظ الذي أكَّدتَّ به نفس الحكم الإعرابي لذلك المؤكَّد.
فمثلا إذا كان مفردًا فلا بد من أن يكون الضمير مفردًا، وإذا كان المؤكَّد مؤنثًا فإنك لا بد من أن تؤنِّث التوكيد، فتقول: "جاءت هندٌ نفسُها"، إذًا لابد أن تتطابق من حيث الإعراب، وكذلك من حيث التذكير والتأنيث.
وكذلك من حيث الجمع والإفراد، فتقول: "جاء زيد نفسُه، وجاء الطلاب أنفسُهم" فتجمع كلمة "نفس" هذه إلى "أنفس"، وتأتي بضمير الجمع معها.
"جاء الطالبان" كيف تؤكدها؟ تقول: "جاء الطالبان نفساهما"، هذا توكيد صحيح، وإمَّا أن تقول -وهو الأفصح: "جاء الطالبان أنفسهما"، إذًا، إذا كان مفردًا فنقول: "جاء زيد نفسه، جاءت هند نفسها"، هذا واضح.
أما قولك: "جاء الطالبان" ففيها طريقتين في توكيدها:
- إما أن تقول: "جاء الطالبان نفساهما"، فنعرب نقول: "جاء" فعل ماضي، "الطالبان" فاعل مرفوع وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى، "نفساهما" توكيدا لـ "الطالبين"، مرفوع وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى، و"هما" ضمير متصل في محل جر مضاف إليه.
- وإمَّا أن تقول -وهو الأفصح: "جاء الطالبان أنفسهما"، "أنفس" هذا جمع، وتثني الضمير، حتى يدل على أن هناك تطابق بين المؤكَّد والمؤكِّد، لكن كلمة "نفس" هذه التي هي لفظ التوكيد تجمع هنا، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَ﴾ لاحظ جمع "قلوب"، مع أنه هنا يكلم امرأتين من أزواج النبي فجمع، فمع المثنى نجمع كلمة التوكيد هذه، ولكن نثنِّي الضمير.
لو أردنا أن نعرب "جاءَ زيدٌ نفسُهُ" فسنقول: "جاء" فعل ماض، "زيد" فاعل مرفوع، "نفسُهُ" توكيد لـ "زيد" مرفوع، وتوكيد المرفوع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهو مضاف، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر مضاف إليه.
مثال: "أكرمتُ محمدًا"، نقول في التوكيد: "أكرمتُ محمدًا نفسَهُ"، فـ "محمدًا" مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، "نفسَه" توكيد منصوب، وهو مضاف والهاء مضاف إليه.
مثال: "سلمتُ على محمدٍ نفسِه"، تقول: "سلمتُ" فعل وفاعل، "على" حرف جر، "محمد" اسم مجرور، "نفسِه" توكيد مجرور وعلامة جره الكسرة، فتوكيد المجرور لابد أن يكون مجرورًا مثله، وهو مضاف والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه.
هذا فيما يتعلق بهذا اللف وهو نفس".
وهناك لفظ آخر يُستخدم في التوكيد، وهو "العين"، تقول: "جاء زيدٌ عينُهُ".
وقلنا: إن التوكيد المعنوي يرفع احتمال التَّجوُّز، فأنت قد تُطلق شيئًا ويفهم السامع شيئًا آخر، كما قلنا: "جاء الأمير" قد يظن السامع كاتبه، أما لما تقول: "جاء زيدٌ نفسُهُ، جاء زيدٌ عينه"؛ فهذا لا يحتمل أحدًا غيره، وإنما هو هذا الشخص بعينه.
كذلك نؤكِّد بـ "كل" المجموع، أو ما له أجزاء كثيرة، تستطيع أن تقول مثلا: "جاء الطلاب كلُّهم"، فنقول: "جاء" فعل ماضي، "الطلابُ" فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، "كلُّهم" توكيد لـ "الطلاب" وتوكيد المرفوع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهو مضاف والهاء مضاف إليه.
وقولنا: "أو ما كان له أجزاء" بمعنى أنه قد يطلق لفظ من حيث لفظه هو مفرد لكن له أجزاء كثيرة، فهنا تؤكد بنفس التوكيد الذي أكدت به الجمع، مثلا تقول: "جاء الجيش" فـ "الجيش" هذا لفظ يدل على واحد لكن تحت أجزاء كثيرة الذين هم الجنود، فتقول: "جاء الجيشُ كلُّه" ما تقول "كلهم".
كذلك نؤكد بـ "أجمع"، نقول مثلا: "جاء الطلاب كلهم أجمعون"، ومنه قوله تعالى: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾، هنا "أجمعون" تستطيع أن تؤكد بها ابتداء، فتقول: "جاء الطلاب أجمعون"، ويحسن أن يؤكد بهذا التوكيد إذا سبقه "كل"، يعني أنت في الأصل أنك تؤكد بـ "كل"، لماذا أؤكد بـ "كل"؟ لأنه لما تقول: "جاء الطلاب" يحتمل في ذهن السامع أنه جاء بعضهم، لأنه يصدق عليه أن تقول "الطلاب"، يعني عندك عشرة طلاب جاء منهم خمسة يصح أن تقول: "جاء الطلاب"، فلما تقول: "كلهم" أي جميع العشرة، فأنت تأتي بهذا التوكيد لأجل رفع ذلك الوهم الذي قد يقع في ذهن السامع، فيعلم أن الجميع قد جاء.
طيب أنا أريد أن أؤكد مجيئهم وتكاملهم، فأقول: "كلهم أجمعون"، من باب الامتثال للمجيء ونحو ذلك، ولتقوية هذا المعنى في نفس في نفس السامع.
ويشترط في ذلك: أن يكون هناك ضمير، تقول: "جاء الطلاب جميعهم، جاء الطلاب كلهم، وجاء الطلاب كلهم أجمعون"، طيب أين الضمير هنا في "أجمعون"؟ الواو هذه هي الضمير التي تعود على الطلاب.
إذًا يُشترط في لفظ التأكيد المعنوي: أن يكون هناك ضمير يعود على المؤكَّد، وأن يتطابق هذا الضمير مع ذلك المؤكد، فإن المؤكَّد مفردًا فتأكيده يكون مفردًا، وإن كان مثنًى فإنك تثني، وإن كان مجموعًا فإنك تجمع.
قال المؤلف: (وَيَكُونُ بِأَلْفَاظٍ مَعْلُومَةٍ، وَهِيَ اَلنَّفْسُ، وَالْعَيْنُ)، مثال: "جاء الطالب نفسُه، وجاء الرجل عينُه، وجاء الجيش كلُّه، جاء الطلاب كلُّهم، وجاء الطلاب كلهم أجمعون".
قال: (وَتَوَابِعُ أَجْمَعَ)، والمقصود بذلك: أن هناك ألفاظًا استخدمها العرب في التوكيد بعد "أجمع" لكنها لا تكون مستقلَّة بالتوكيد؛ بل لا بد أن يصحبها عند توكيدك بها كلمة "أجمع"، تقول: "جاء الطلاب كلهم أجمعون"، كيف نعرب؟
نقول: "جاء الطلاب" فعل وفاعل، "كلهم" توكيد مرفوع، وتوكيد المرفوع مرفوعٌ، وهو مضاف والهاء مضاف إليه، "أجمعون" توكيد ثان مرفوع وعلامة رفعه الواو، لأنه جمع مذكر سالم.
قوله: (أَكْتَعُ، وَأَبْتَعُ، وَأَبْصَعُ)، هذه الألفاظ الثلاثة هي من عند العرب، لكنك لا تستخدمه استقلالًا، ما تستطيع أن تقول: "جاء الطلاب أبصعون أكتعون"، لا بد أن تقدما قبلها بكلمة "أجمعين"، تقول: "جاء الطلاب كلهم أجمعون"، ثم إذا أردت أن تؤكد مرة أخرى، تقول: "أبتعون، أكتعون، أبصعون"، فتعربها توكيد ثالث، و"أبتعون" توكيد رابع، و"أبصعون" توكيد خامس، لكنك لا تأتي بها استقلالًا؛ لأن هذا لم يعلم عن العرب.
{لكن هذه الثلاثة كلها مخصوصة فقط في الجمع}.
نعم، هذه يؤكَّد بها الجمع، فما تقول مثلا: "جاء الطالب نفسه أبتعه"، لا، وإنما هذا يكون في حالة الجمع.
ثم قال: (تَقُولُ قَامَ زَيْدٌ نَفْسُهُ، وَرَأَيْتُ اَلْقَوْمَ كُلَّهُمْ، وَمَرَرْتُ بِالْقَوْمِ أَجْمَعِينَ).
نعرب "قَامَ زَيْدٌ نَفْسُهُ"، فنقول: "قام" فعل ماض مبني على الفتح، "زيد" فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، "نفسه" توكيد معنوي مرفوع، وتوكيد المرفوع مرفوع، وهو مضاف والهاء ضمير متصل مبني على الضم.
لَمَّا نقول: "الضمير" كيف نقول مثلًا: مبني على الضم، مبني على الكسر؟
نقول: بحسب ما تنطق به، فإن كان على آخره ضمة، قلت: مبني على الضم، وإن كان على آخره فتحة، قلت: مبني على الفتح، وإن كان على آخره كسرة، قلت: مبني على الكسر؛ لأن بعض الطلاب يخلط ويسأل: متى أقول مبني على الضمة، أو مبني على الكسر؟
نقول: بحسب ما تنطق، تقول: "أكرمتُ" مبني على الضم، "أكرمتِ" مبني على الكسر، "أكرمتَ" مبني على الفتح؛ ثم نقول: في محل كذا...، بحسب موضعه الإعرابي.
{بعضهم يا شيخ قد يخلط، يظن أنه إذا كانت الكسرة، يقول: مبني على الجر}.
ولذلك نحن تكلمنا عن الضمائر، وقلنا: الضمائر كلها مبنية، فأنت إذا جاءك ضمير مباشرة تقول مبني، ولو قلت: جر؛ فهذا يعني أنه معرب، والواقع أنَّ الضمير مبني، فلذلك قلنا: مبني على الكسر في محل كذا وكذا.
وقوله: "ورأيتُ القومَ"، "رأيت" فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الفاعل، والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل فاعل، "القوم" مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتح الظاهر على آخره، "كلهم"، "كل" توكيد معنوي منصوب، وتوكيد المنصوب منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، والهاء ضمير متصل مبني ولو قلنا إن الضمير "كلهمْ" فيكون مبني على السكون، أمَّا لو قلنا: إنَّ الهاء هي الضمير -وهو الصحيح- والميم علامة للجمع، فيكون الضمير مبنيًا على الضم في محل جرِّ مضاف إليه.
وقوله: "مَرَرْتُ بِالْقَوْمِ أَجْمَعِينَ"، "مررتُ" فعل وفاعل، الباء حرف جر، "القوم" اسم مجرور، "أجمعين" توكيد مجرور، وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم، أو ملحق بجمع المذكر السالم.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله: (بَابُ اَلْبَدَلِ
إِذَا أُبْدِلَ اِسْمٌ مِنْ اِسْمٍ أَوْ فِعْلٌ مِنْ فِعْلٍ تَبِعَهُ فِي جَمِيعِ إِعْرَابِهِ
وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ بَدَلُ اَلشَّيْءِ مِنْ اَلشَّيْءِ، وَبَدَلُ اَلْبَعْضِ مِنْ اَلْكُلِّ، وَبَدَلُ اَلِاشْتِمَالِ، وَبَدَلُ اَلْغَلَطِ، نَحْوَ قَوْلِكَ "قَامَ زَيْدٌ أَخُوكَ، وَأَكَلْتُ اَلرَّغِيفَ ثُلُثَهُ، وَنَفَعَنِي زَيْدٌ عِلْمُهُ، وَرَأَيْتُ زَيْدًا اَلْفَرَسَ"، أَرَدْتَ أَنْ تَقُولَ رَأَيْتُ اَلْفَرَسَ فَغَلِطْتَ فَأَبْدَلْتَ زَيْدًا مِنْهُ)}.
هذا الباب هو الباب الأخير من باب التوابع، وذكرنا أن التوابع كما ذكرنا: النعت، والعطف، والتوكيد -وقد مضت.
وهذا هو النوع الرابع من أنواع التوابع: وهو البدل.
والبدل في اللغة: هو العوض.
وأما في الاصطلاح عند النحويين في مقصود المؤلف هنا: هو التابع، وكما أن المعطوف تابع، وكما أن التوكيد تابع، وكما أن النعت تابع، إذًا هو الكلمة المتأخرة التي وافقت في إعرابها كلمة تقدمت عليها، فهي تابعة لها، إن تغيرت الأولى تغيرت هذه المتأخرة، وإن رفعت رفعت، وإن جرت جرت، وهكذا.
ما هو تعريفه عند النُّحاة؟
قالوا: التابع المقصود بالحكم. لماذا قال: التابع المقصود بالحكم؟
لأننا عندنا في باب النعت: المقصود بالحكم هو المتبوع وليس التابع، فلما نقول: "جاءَ زيدٌ"، أنا أريد أن أحكم على "زيد" هذا نفسه لكني وضحته بشيء يجليه ويوضِّحه للمستمع؛ فأنت في باب النعت تريد أن توضِّح المتبوع ابتداء، فتقول: "جاء زيد" أنت تريد أن تبين "زيد" نفسه فتأتي بلفظ يبينه ويجلِّيه ويوضِّحه أكثرَ مما يكون بمجرد الاقتصار عليه.
وقولنا: "التابع المقصود"، وهناك في باب العطف أنت تريد بذكر حرف العطف ما بعد الواو، لا تريد المعطوف عليه وإنما تريد المعطوف، هنا في باب التوكيد أيهما المقصود بالحكم؟ نفس المتبوع، مثل: "جاء زيد" أنت تريد أن تؤكد "زيد" نفسه، لكن عندنا هنا المقصود بالحكم هو الكلمة المتأخرة، فهذه خرجت عمَّا سبق، فما سبق في باب النعت والعطف والتوكيد والبدل المتقدم هو المتبوع هو الذي مقصود بالحكم، أنت تريد أن توضِّحه، أو تريد أن تعطف عليه، أو تريد أن تؤكده، هنا المقصود بالحكم هو ذلك المتأخر، فلما تقول: "أكلتُ الرغيفَ ثلثه" أنت تريد أن تبين لي حكم الثلث هذا المأكول لا الرغيف نفسه، ولذلك قال: (هو التابع المقصود بالحكم) وليس المتقدم عليه.
قال: (بلا واسطة) ليخرج العطف، لأن العطف لا بد فيه من واسطة وهي الواو هذه، فلذلك قال هنا: (هو التابع المقصود بالحكم بلا واسطة) فمثلًا قوله تعالى: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ﴾، فأنت بالحقيقة تريد أن تخبر عن قيام نصف الليلة لا عن قيام الليل ذاته، فلما تقول: "قرأت الكتاب نصفه" فأنت تريد الحقيقة تبين لي ما المقدار الذي قرأته لا أنك قرأت الكتاب، فلذلك هذا المتأخر هو المقصود بحكم.
إذا جاءنا هذا البدل فلا بد أن يكون مطابقًا لِمَا قبله في إعرابه، فإذا كان المتبوع مرفوعًا لا بد أن يكون مرفوعًا، فتقول مثلًا: "جاء زيد أخوك" فـ "أخوك" هذا بدل من "زيد" يعني لو رفعت "زيد" المتقدمة هذه ووضعت بدلًا عنها "أخوك" لاستقام الكلام وحصل المقصود، فهذا يسمى بدل المطابقة، أو بدل الكل من الكل، بمعنى أنك إذا رفعت الأول تمامًا ووضعت بدله الكلمة المتأخرة يستقيم الكلام، فأنت قصدته بالذات هذا المتأخر، تقول: "جاء زيد أخوك" فكأنك عرفته مرتين، جاء "زيد" هذا معروف، فلما تقول: "أخوك" كأنك زدته تعريفًا وإيضاحًا، فنقول: "جاء" فعل ماضي، "زيد" فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، "أخوك" بدل من "زيد" مرفوع، وبدل المرفوع مرفوع وعلامة رفعه الواو؛ لأنه من (الأسماء الخمسة) وهو مضاف والكاف مضاف إليه، إذا هذا النوع الأول من أنواع البدل، وهو بدل الكل من الكل.
وبدل الشيء من الشيء هو هذا هو بدل الكل من الكل ويسمى بدل المطابقة، هذه كلها لشيء واحد، تقول مثلًا: "جاء الفاروقُ عمرُ" ارفع كلمة "الفاروق" وضع بدل عنها "عمر" هي هذه، إذًا هذا هو بدل الكل من الكل، أو بدل الشيء من الشيء، أو بدل المطابقة، يعني الأول هو عين الثاني، والثاني هو نفسه الأول تمامًا.
{نستطيع أن نقول يا شيخنا: إن البدل هو للتأكيد، مثلًا: "جاء الشيخُ عبد الله"}.
لا شك أنك لَمَّا تكرره مرتين يدل على تأكيد المعنى، وزيادة التوكيد وزيادة الإيضاح، وهذا له فوائد بلاغية يذكرها العلماء في غير هذا الموطن.
قال: (وَبَدَلُ اَلْبَعْضِ مِنْ اَلْكُلِّ)، وضابطه: أن يكون البدل -يعني الكلمة المتأخرة- جزءًا من المبدل منه، فلمَّا تقول مثلا: "قرأت الكتاب بعضه"، فـ "بعض" هذا الآن بدل، فبعض الكتاب جزء من الكتاب، فلما تقول: "قرأت الكتاب بعضه، نصفه، ثلثيه"؛ فهذا جزءا من المتقدم. فضابط بدل البعض من الكل: أن يكون البدل جزءا من المبدل منه.
مثال: "أكلتُ الرغيف نصفَه"، أنت في الحقيقة لم تأكل الرغيف كله، ولذلك حقيقة أن حكمك انصبَّ على الإخبار عن نصف الرغيف لا عن الرغيف هذا، فنقول: "أكلتُ" فعل وفاعل، و "الرغيفَ" مفعول به منصوب، "نصفه" بدل بعض من كلِّ من "الرغيف"، وبدل المنصوب منصوب، وهو مضاف والهاء مضاف إليه، فكلما كان بينهما علاقة الجزئية والكلية، فإنه يُعرب الثاني بدل بعض من كل، سواء كان هذا البعض -النص أو أقل أو أكثر- المهم أنه يكون جزءا منه.
لماذا نقول هذا الكلام؟
لأنه سيأتي معنا الآن بدل مشابه له ليست العلاقة بين البدل والمبدل منه هي الكلية والجزئية، وإنما لهم علاقة أخرى سنذكرها بعد قليل.
يقول: (وَبَدَلُ اَلْبَعْضِ مِنْ اَلْكُلِّ)، ومنه قول الله تعالى: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾، المراد بهذا نصف الليل ليس الليل كله.
قال: (وَبَدَلُ اَلِاشْتِمَالِ)، وضابطه: أن يكون بين بدل منه ارتباط، لكن ليس الارتباط هنا ارتباط الكلية والجزئية، يعني أن هذا البدل -الكلمة المتأخرة- ليست جزءًا حقيقيًّا من المتقدم -الذي هو المبدل منه- نحن اتفقنا قبل قليل أنك لما تقول: "قرأت الكتاب بعضه" فإن هذا البعض جزء من الكتاب، ومثل: "أكلت البرتقالة نصفها" أي جزء من هذه البرتقالة.
طيب سؤال: لو قلت لقائل: "قرأت الكتاب كله"، نعرب "كله" على باب التوكيد الذي مر معنا، فخرج من باب البدل إلى باب التوكيد، لكن لما تقول: "بعضه، نصفه، جزءًا منه" أصبح هذا بدل بعض من كل.
طيب هنا في بدل الاشتمال: أن يكون هناك ارتباط بين البدل والمبدل منه، لكن ليست القضية كما هي الحال فيما مضي قبل قليل وهي الجزئية والكلية، وإنما نفس البدل -هذه الكلمة المتأخرة- لها علاقة بالمتقدمة لكن ليست جزءا منه، مثال: "أعجبني معاذٌ علمه"، فالعلم هل هو جزء من معاذ؟ هل هو جزء من جسده؟ لا، وإنما له علاقة به.
ومثل: "أعجبتني محمد أخلاقه"، فهذه الأخلاق لها ارتباط به لأنه هو الموصوف بها، لكنها ليست جزءا منه، إنما هي شيء معنوي، فهذا ضابط بدل الاشتمال، لما تقول مثلًا: "أحب الطالب سمته"، فالسمت هذا ليس جزءا من الطالب، وليس بعض منه جزءا يتجزأ يُرى أو يحس أو يشار إليه، وإنما شيء اتَّصف به له علاقة به، فتقول: "أحب الطالب سمته"، فنقول: "أحب" فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره "أنا"، "الطالبَ" مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، "سمته" بدل اشتمال، ولا أقول: بدل بعض من كل، لأنه ليس جزءا منه، وهو منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره وهو مضاف والهاء مضاف إليه.
وتلاحظ هنا: أنه لا بد فيما مضي من وجود ضمير يعود على المبدل منه، تقول: "أكلت الرغيف ثلثه" أي: ثلث الرغيف، وتقول: "أعجبني زيد علمه" أي: علم زيد، فلا بد هناك من وجود ضمير يعود على المبدل منه.
وهنا مثَّل بمثال قال: (أعجبتني الجارية حديثه)، فأنت جارية لم تعجبك هي بذاتها، وجهها أو نحو ذلك؛ وإنما حديثها، طريقتها في الكلام وفي إيراد العبارات، في أدبها مثلًا، فتقول في هذا المثال: "أعجب" فعل ماضي مبني على الفتح، والتاء تاء التأنيث لا محل من إعراب، والنون هذه نون الوقاية، تسمى بذلك حتى لا يكسر الفعل، لأن الياء لا يناسبها إلا كسر ما قبلها، فحتى ما نكسر الفعل نأتي بهذه النون، فهي التي تُكسر، "أعجبتنِي" لاحظ أن النون مكسورة، والياء ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به مقدم، "الجارية" فاعل، لأنه هو الذي أحدث فيك هذا الإعجاب، فنقول: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، "حديثها" لاحظ الآن نحن سنبدل "الحديث" من "الجارية" فـ "الجارية" مرفوعة، إذًا لا بد أن يكون البدل مطابقًا له في الإعراب، فما نقول: "أعجبتني الجارية حديثَها"، فهذا خطأ! وإنما تقول: "أعجبتني الجارية حديثُها"، فـ "حديث" بدل اشتمال مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهو مضاف والهاء مضاف إليه.
مثال: "نفعني الأستاذ حسن أخلاقه"، فهو لم ينفعني بجزء منه وإنما بشيء له ارتباط به، فنقول: "نفع" فعل ماض مبني على الفتح، والنون للوقاية، والياء ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به مقدم، "الأستاذ" فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة، "حسن أخلاقه" بدل اشتمال من "الأستاذ" مرفوع، وبدل المرفوع مرفوعًا، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهو مضاف، و"أخلاقه" مضاف إليه، والهاء أيضًا مضاف إليه آخر.
هذا بالنسبة النوع الثالث من أنواع البدل.
بقي النوع الأخير وهو بدل الغلط، المقصود ببدل الغلط: أنه يسبق لسانك إلى الإخبار عن أمر، ثم يتبين لك الغلط، فتبدل كلمة عن ذلك الذي أخطأت فيه، فأنت مثلًا من بعيد ترى رجلًا، فتقول: "رأيت محمدًا" وإذا به "سعيد"، فتقول: "رأيتُ محمدًا سعيدًا" فيسبق لسانك إلى "محمد" لتوهم أو خطأ، فيتضح لك أن هذا الذي قد جاء ليس بمحمد إنما هو سعيد.
فنقول: "رأيت" فعل وفاعل، و "محمدًا" مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، "سعيدًا" بدل غلط من "محمد" منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهذا مثل غيره في الأحوال الإعرابية، تقول: "سلمت على محمدٍ بكرٍ"، أنت نسيت وأردت أن تخبر عن "بكر" لكنك سبق لسانك إلى هذا، وهذا فيه تفصيل ذكره هنا الشارح، لكن نقول: هذا هو بدل الغلط، هو أن يسبق اللسان إلى لفظ لا يقصده، وإنما أخطأ فيه فتبين له بعد ذلك الخطأ، فكأنه أعرض عنه، تقول: "رأيت سعيدًا محمدًا" فـ "محمدًا" هو بدل الغلط، وقلنا: إنه لا بد أن يطابقه في إعرابه لأنه من التوابع.
وهنا مثَّل وقال: (أَرَدْتَ أَنْ تَقُولَ رَأَيْتُ اَلْفَرَسَ فَغَلِطْتَ فَأَبْدَلْتَ زَيْدًا مِنْه)، ليس هذا وصفا لـ "زيد"، وإنما رأيت "زيدا" فأخطأت، تريد أن تقول: "رأيت الفرس" لكن جاء لسانك على "زيد"، فنقول: "زيد" هذا مفعول به منصوب، و"الفرس" بدل غلط من "زيد"، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. هذه جملة ما يتعلق بهذه القضية.
{قال -رحمه الله: (بَابُ مَنْصُوبَاتِ اَلْأَسْمَاءِ
اَلْمَنْصُوبَاتُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَهِيَ اَلْمَفْعُولُ بِهِ، وَالْمَصْدَرُ، وَظَرْفُ اَلزَّمَانِ وَظَرْفُ اَلْمَكَانِ، وَالْحَالُ، وَالتَّمْيِيزُ، وَالْمُسْتَثْنَى، وَاسْمُ لَا، وَالْمُنَادَى، وَالْمَفْعُولُ مِنْ أَجْلِهِ، وَالْمَفْعُولُ مَعَهُ، وَخَبَرُ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا، وَاسْمُ إِنَّ وَأَخَوَاتِهَا، وَالتَّابِعُ لِلْمَنْصُوبِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءٍ: النَّعْتُ وَالْعَطْفُ وَالتَّوْكِيدُ وَالْبَدَلُ)}.
الآن انتقل -رحمه الله تعالى- للقسم الثالث من الأقسام الآجرومية بعد أن ذكر الكلام وما يتعلق به، ثم ذكر المرفوعات، وهذا هو ربع الثالث من هذا الكتاب المبارك وهو المنصوبات، وعددها خمسة عشر.
والمنصوبات: جمع منصوب.
وقلنا: النصب: هو أثر يحدثه العامل في آخر الكلمة، علامته الفتحة أو ما ناب عنها مما تقدم معنا ذكره.
فهذه المقدمة التي قدَّم بها هنا في بداية هذا الباب هي كالفهرس لما سيتكلم عنه فيما سيأتي.
المفعول به: وهو الذي يقع عليه الفعل.
والمصدر: هو الذي يجيء ثالثا في تصريف الفعل، فتقول: "ضرب يضرب ضربًا، فرح يفرح فرحًا"، فـ "ضربًا وفرحًا" مصدر.
وظرف الزمان: زمان وقوع الفعل.
وظرف المكان: هو مكان وقوع الفعل، وله ألفاظ معلومة ستأتي معنا.
والحال: وهو الذي يبين هيئة صاحب الحال، وهو الاسم المفسِّر لِمَا انبهم من الهيئات.
والتمييز: اسم منصوب يفسر ما انبهم من الذوات -كما سيأتي معنا من أقسام.
والمستثنى: هو أنك تحكم بحكم ثم تستخرج بعض أفراد ذلك المحكوم عليه من هذا الحكم، تقول: "جاء الطلاب إلا محمدا"، فهذا فيه تفاصيل ستأتي معنا.
واسم "لا": التي هي "لا" النافية للجنس، وبعض العلماء يوردها في باب "إن" وأخواتها ويلحقها بها لأنها تعمل عمل "إن" من جهة أنها تنصب وترفع.
والمنادى: هو المدعو بـ ياء النداء، وأقسامه خمسة، ستأتي معنا.
والمفعول من أجله: هو المصدر الذي يبين لماذا وقع الفعل، تقول: "قمت إجلالًا لك" فأنت لماذا قمت؟ تقول: "إجلالًا" هذا المفعول لأجله وله أحكام.
والمفعول معه: سيأتي معنا لله- تبارك وتعالى- وهو أنه تأتينا واو وقبلها جملة وبعدها كلمة، هذه الكلمة التي تقع بعد الواو تكون منصوبة بشرط أن هذه الواو بمعنى "مع" مثل: "ذاكرت والمصباح" يعني: مع المصباح، وفيها تفصيل سيأتي معنا بإذن الله -عز وجل.
وخبر "كان" وأخواتها وقد مضى معنا، مثل: "كان زيدٌ حافظًا" فـ "حافظًا" خبر "كان" منصوب، هذا مضى الكلام عنه.
واسم "إن"، مثل: "إن محمدًا حاضرٌ" فهذا أيضا تكلمنا عنه.
والتابع المنصوب، التوابع هذا سيأتي معنا، فإن كان المتبوع مرفوعًا كان التابع مرفوعًا، وإذا كان منصوبًا كان منصوبًا، ولذلك أعاده هنا وسيعيده في باب الجر، لأنه يأخذ حكم المتبوع.
فالآن سيبدأ -رحمه الله تعالى- بالباب الأول من الأبواب المنصوبات وهو: المفعول به.
{قال -رحمه الله: (بَابُ اَلْمَفْعُولِ بِهِ
وَهُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ اَلْفِعْلُ، نَحْوَ ضَرَبْتُ زَيْدًا، وَرَكِبْتُ اَلْفَرَسَ.
وَهُوَ قِسْمَانِ ظَاهِرٌ، وَمُضْمَر،
فَالظَّاهِرُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُه،
وَالْمُضْمَرُ قِسْمَانِ مُتَّصِلٌ، وَمُنْفَصِل،
فَالْمُتَّصِلُ اِثْنَا عَشَرَ، وَهِيَ: ضَرَبَنِي، وَضَرَبَنَا، وَضَرَبَكَ، وَضَرَبَكِ، وَضَرَبَكُمَا، وَضَرَبَكُمْ، وَضَرَبَكُنَّ، وَضَرَبَهُ، وَضَرَبَهَا، وَضَرَبَهُمَا، وَضَرَبَهُمْ، وَضَرَبَهُنَّ
وَالْمُنْفَصِلُ اِثْنَا عَشَرَ، وَهِيَ: إِيَّايَ، وَإِيَّانَا، وَإِيَّاكَ، وَإِيَّاكِ، وَإِيَّاكُمَا، وَإِيَّاكُمْ، وَإِيَّاكُنَّ، وَإِيَّاهُ، وَإِيَّاهَا، وَإِيَّاهُمَا، وَإِيَّاهُمْ، وَإِيَّاهُنَّ)}.
هذا هو الباب الأول من المنصوبات وهو: المفعول به.
والمقصود بالمفعول به: هو الاسم المنصوب الذي وقع عليه الفعل.
وضابطه: أنه جواب لقولنا: على ماذا وقع الفعل؟ فتقول: "أكرمتُ زيدًا". نسأل: على أي شيء وقع الكرم؟ تقول: على زيد.
تقول مثلًا: "حفظتُ الكتابَ". الحفظ وقع على أي شيء؟ على الكتاب.
تقول: "عاقبتُ اللصَّ". العقاب وقع على من؟ على اللص.
إذًا ضابطه: هو أنه جواب لقولنا: على ماذا وقع الفعل؟
فهنا المؤلف يقول: (بَابُ اَلْمَفْعُولِ بِهِ. وَهُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ).
إذا لا بد أن يكون المفعول به اسمًا، ولا بد أن يكون منصوبًا يخرج المرفوع والمجرور.
قوله: (اَلَّذِي يَقَعُ عَلَيه اَلْفِعْلُ، نَحْوَ ضَرَبْتُ زَيْدًا، وَرَكِبْتُ اَلْفَرَسَ).
ففي قولك: "ضَرَبْتُ زَيْدًا" "ضرب" فعل ماضي مبني على السكون لاتصال بضمير الفاعل، والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل، وهذا مر معنا في باب الفاعل، وهو أن يقع الفاعل ضميرًا، "زيدًا" مفعول به، أنا الذي أوقعت عليه الضرب، إذا الضرب وقع على "زيد"، من الذي أوقعه؟ أنا، إذًا "أنا" الفاعل، وهو التاء في "ضربتُ"، و"زيد" هو الذي وقع عليه فعلي وهو الضرب، فـ "زيد" مفعول به.
قوله: "رَكِبْتُ اَلْفَرَسَ" نقول: "رَكِبْتُ" فعل ماضي مبني على السكون لاتصاله بضمير الفاعل، والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل، " الفرس" مفعول به، من الذي ركب؟ أنا الذي قمت بالركوب، طيب ما الذي وقع عليه فعل هذا الركوب؟ الفرس، إذًا "الفرس" مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
وتستطيع أن تقول ذلك في المثنى وفي الجمع، فتقول: "أكرمت الطالبين"، "أكرمتُ" فعل ماضي مبني على السكون لاتصاله بضمير الفاعل، والتاء ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، "الطالبين" مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء نيابة عن الكسرة لأنه مثنى.
مثال: "أكرمتُ الطلابَ"، "أكرمت" فعل وفاعل، "الطلاب" مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهر على آخره.
إذًا، عندنا المفعول به يقع مفردًا، ويقع مثنى، ويقع جمعًا، ويقع لمؤنث، ويقع لمذكر، ويقع للعقلاء، ويقع لغير العقلاء، تقول: "كسرتُ الزجاجَ"، "كسر" فعل ماضي، والتاء فاعل، "الزجاج" مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
قال: (وَهُوَ قِسْمَانِ ظَاهِرٌ، وَمُضْمَر)، الظاهر هذا ما تقدم ذكره، تقول: "ركبتُ الفرسَ، حفظتُ الكتابَ"، فـ "الكتابَ، والفرسَ" أسماء ظاهرة.
وأحيانًا يكون ضميرًا، يقول: "ضربني"، "ضرب" فعل ماض مبني على الفتح، والنون هذه للوقاية، والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به، كأنك تقول: "ضربَ سعيدًا زيدٌ"، فـ "سعيدًا" مفعول به مقدم، و "محمدٌ" المرفوع هذا فاعل مؤخَّر، طيب أبدل "سعيدًا" المنصوبة بضمير تقول: "ضربني محمد"، ستعرب " فاعل مؤخر، ولأني تحدثت أنا عن نفسي فلا بد ن أن آتي بالياء التي تدل على أنني أنا الذي وقع علي، فتقول: "ضربني" إذًا وقع عندنا المفعول به ضميرًا متصلًا.
مثال آخر: "جاءني زيد وأكرمته"، "جاء" جاء فعل ماضي مبني على الفتح، والنون هذه الوقاية، الياء هنا في "جاءني" من الذي وقع عليه المجيء؟ أنا؛ إذًا الياء هذه ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم، من الذي جاء؟ زيد، إذًا "زيد" عندنا هنا فاعل مؤخر، أين المفعول به؟ الياء هذه في "جاءني"، طيب "أكرمته"، لاحظ هذه جملة أخرى، الواو حرف عطف، "أكرم" فعل ماضي مبني على السكون لاتصاله بضمير الفاعل والتاء هنا فاعل، والهاء هنا ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به.
إذًا عندنا مرة الياء مفعولًا به ومرة تقع على الكاف، لأن عندنا ثلاثة ضمائر: الهاء والياء والكاف، هذه إذا اتصلت بالأفعال فإنها تقع غالبًا في وضع مفعول به وسيكون منصوبًا.
مثالها: "أكرمني"، هذه الياء اتصلت بالفعل، إذا اتصلت هاء أو الياء أو الكاف بالفعل فلا بد من أن تكون في موضع نصب ولا تقع في موضع جرٍّ ولا رفع، تقول: "أكرمني محمدٌ" فـ "أكرم" فعل ماضي، والنون للوقاية والياء، ضمير من المتصل في محل نصب مفعول به.
مثال: "أكرمتُكَ"، فـ "أكرم" فعل ماضي، والتاء ضمير متصل في محل رفع الفاعل، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.
إذًا عندنا الياء تقع ضمير في محل نصب مفعول به، وكذلك الكاف.
مثال: "أكرمته" الهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به.
إذًا عندنا الهاء والياء والكاف إذا اتصلت بالأفعال فإنها تقع مفعولًا به منصوبًا، يعني هي ضمائر مبنية في محل نصب مفعول به.
هذه الضمائر الثلاثة التي ذكرتها لو اتصلت بالأسماء لكانت في محل جر مضاف إليه، مثل: "غلامي، غلامك، غلامه" هذه الضمائر لما تتصل بالأسماء تكون في محل جر مضاف إليه، وإذا اتصلت هذه الضمائر نفسها بالأفعال فإنها تكون في موضع نصب مفعول به.
يقول: (وَهُوَ قِسْمَانِ ظَاهِرٌ، وَمُضْمَرٌ، فَالظَّاهِرُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَالْمُضْمَرُ قِسْمَانِ مُتَّصِلٌ، وَمُنْفَصِل).
المتصل مثل: "ضربني" فنعرب "ضرب" فعل ماضي، والنون للوقاية، والياء ضمير متصل في محل نصب مفعول به، ثم نأتي بالفاعل نقول: "ضربني محمدٌ".
كذلك "ضربنا المعلم" فـ "ضرب" فعل ماضي مبني على الفتح و"ناء" ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به، "المعلمُ" فاعل مؤخر مرفوع.
ومثل: "ضربك الأستاذُ"، فـ "ضرب" فعل ماضي مبني على الفتح، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به، "الأستاذ" فاعل، ولذلك قالوا في باب القصاص في الفقه: لا يغرم المعلم إذا أدَّبَ تلميذه!
ومثل: "ضربكِ" لاحظ الآن حتى لا ينقدح في ذهن السامع أن هذه الضمائر هي فقط للذكور، وإنما هي للإناث أيضًا، فنقول: "ضرب" فعل ماضي مبني على الفتح، والكاف ضمير متصل مبني على الكسر في محل نصب مفعول به.
وقولنا: "ضربكُما" نقول: "ضربَ" فعل ماض مبني على الفتح، والكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به، والألف علامة للمثنى.
و"ضربكم" الكاف هذه هي التي في محل نصب، فـ "ضرب" فعل ماضي، والكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به، والميم علامة الجمع.
و"ضربكن" نقول كذلك الكاف هنا مفعول به منصوب، يعني ضمير متصل مبني على الضم.
وبعد أن ذكر المخاطب ذكر الآن الغائب، فقال: "وضربه" مثل: "زيدٌ ضربَه أخوك"، فنقول: "زيدٌ" مبتدأ، "ضرب" فعل ماضي، والهاء ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به، "أخوك" هذا فاعل هو الذي أحدث الضرب هذا الضمير.
ومثله: "وضربها، وضربهما، وضربهم، وضربهن"؛ كل هذه الهاءات المشاهدة مبنية في محل نصب مفعول به، إذًا عندنا هنا المفعول يقع ضميرًا متصلًا.
وكذلك يقع ضميرًا منفصلًا، وهو اثنا عشر.
قال: (إِيَّايَ)، مثل: "إياي أكرمتَ"، كما لو قلت لك: "زيدًا أكرمتُ"، ستقول: "زيدًا" مفعول به مقدَّم منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، و"أكرم" فعل ماضي، والتاء ضمير متصل في محل رفع الفاعل.
إذا، إذا وقع المفعول به اسمًا ظاهرًا قد يكون متقدمًا، ومثله الضمير تقول: "إياي أكرمتُ" لو قلت: "أكرمتك" سيكون هنا الضمير مفعول به ضمير متصل، نحن نريد الضمير الذي يقع منفصلًا وهو مفعول به، فتقول: "إياي أكرمتَ"، فنقول: "إيَّا" هذا ضمير منفصل في محل نصب مفعول به، كقوله- تبارك وتعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾، فـ "إياك" هذا مفعول به مقدَّم، نقول: ضمير منفصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به، والكاف هذا فقط للخطاب، "نعبدُ" فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره "نحن".
وتقول مثلًا: "أكرمتُ إياكَ"، "إياك" ضمير منفصل في محل نصب مفعول به، والأفصح في هذا أن تقول: "أكرمتك" إذا كان يمكن وصله، فتصله بالعامل، لكن لو قدمته فقلت: "إياي أكرمت" فـ "إيَّا" ضمير منفصل في محل نصب مفعول به.
إذًا "إِيَّايَ، وَإِيَّانَا، وَإِيَّاكَ، وَإِيَّاكِ، وَإِيَّاكُمَا، وَإِيَّاكُمْ، وَإِيَّاكُنَّ" إذا جاءت منفصلة غير متصلة بفعل بعدها أو قبلها فإننا نقول: هي ضمائر منفصلة مبنية على السكون في محل نصب مفعول به.
ولَمَّا مثَّل على المخاطب، مثَّل كذلك على الغائب، فقال: (وَإِيَّاهُ)، تقول: "إياه أكرمتُ"، فـ "إيَّا" ضمير منفصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
ومثل: "إياها أكرمتُ" نقول: "إيَّا" ضمير منفصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
ومثل: "إياهما أكرمت" نقول: "إيَّا" ضمير منفصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به، و "ما" علامة للمثنى.
ومثل: "إياهم وإياهن أكرمتُ أو عاقبتُ" نقول: "إيَّا" ضمير منفصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
إذا الخلاصة عندنا:
أنَّ المفعول به قد يقع اسمًا ظاهرًا، مثل: "أكرمتُ محمدًا".
وقد يقع ضميرًا متصلًا، مثل: "أكرمتُكَ، أكرمته، أكرمتها".
وقد يقع ضميرًا منفصلًا سواء كان متقدِّمًا، مثل: "إياك أكرمت"، أو متأخرًا، مثل: "أكرمتُ إياك".
في كل هذه الأحوال تعرب هذه الضمائر وهذه الأسماء الظاهرة مفعولًا به، أي وقع عليها فعل الفاعل. هذا ما يتعلق بمسألة المفعول به، وهو النوع الأول من أنواع المنصوبات.
{أحسن الله إليكم.
شيخنا فيما تبقى من الوقت لو نأخذ بعض التطبيقات على كتاب الله -تبارك وتعالى- من باب إعمال الذهن للمشاهد، نكمل من سورة الفتح على بركة الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمً﴾ [الفتح:1-2]}.
في الآية الثانية في قوله تعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾، قلنا: "يغفر" فعل مضارع منصوب، ومرَّ معنا أنَّ النواصب عشرة: (أَنْ، وَلَنْ، وَإِذَنْ، وَكَيْ، وَلَامُ كَيْ، وَلَامُ اَلْجُحُودِ، وَحَتَّى، وَالْجَوَابُ بِالْفَاءِ، وَالْوَاوِ، وَأَوْ)، والفعل هنا "لِيَغْفِرَ" مضارع، كيف نتأكد من ذلك؟
ندخل عليه العلامات، فإن قبلها فهو مضارع: "سيغفر" قَبِل، إذًا هذا مضارع.
طيب لماذا جاء منصوبًا؟
الأصل أن المضارع يكون مرفوعًا إذا تجرد من الناصب والجازم، لكن هنا سبقته لام التعليل لام "كي" فنقول: "لِيَغْفِرَ" مضارع منصوب بـ "لام كي"، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
"لك" اللام حرف جر، وقد مرَّ معنا أن اللام من حروف الجر، قال: (فَالِاسْمُ يُعْرَفُ بالخفض وَالتَّنْوِينِ، وَدُخُولِ اَلْأَلِفِ وَاللَّامِ)، والكاف ضمير متصل في محل جر اسم مجرور باللام.
"اللهُ": فاعل، ومرَّ معنا أن الفاعل: هو الاسم المرفوع المذكور قبله فعله، وهذا تطبيق للفاعل الذي وقع اسمًا ظاهرًا.
"ما": ستأتي معنا، وهي اسم موصول، ليس هذا موضعه.
"تقدم": هل هو اسم أو فعل أو حرف؟ هذا من باب إهمال الذهن قليلًا؟
نأتي بعلامات الاسم وننظر هل يقبلها أو لا: تقول: "التقدم، من تقدم"؛ إذًا لا يقبل علامات الاسم.
هل يقبل علامات الفعل؟ تقل: "قد تقدم" نعم قبل.
ولكن "قد" مشتركة بين الماضي والمضارع، كيف نميز أكثر حتى نعرف هل هو ماض أو مضارع؟
"تقدم" هل يقبل تاء التأنيث، فتقول: "تقدمت"، نعم قبلها؛ إذًا هذا فعل ماض.
طيب لو أردنا أن ندخل عليه علامة المضارع، نقول: "ستقدم، سوف تقدم" ما يقبل! إذًا هذا ليس فعلًا مضارعًا وإنما هو فعل ماض، وسبب الحكم عليه بأنه ماض؛ لأنه قبل التاء في آخره، ويقبل أيضًا تاء الفاعل، فتقول: "تقدَّمَت، وتقدَّمتُ".
{إذًا تستطيع معرفة الفعل سواء كان فعلًا ماضيًا أو أمرًا أو مضارعًا؛ بإعمال العلامات، هل تطابق أو لا}.
نقول: عندنا علامات متى ما تطابقت حكمنا على الفعل، ولا يمكن أن تتعارض هذه العلامات، بمعنى إذا قَبِل علامة الماضي لا بد من أن ماضيًا، لا يمكن أن يكون مثلًا ماضيًا ومضارعًا في نفس الوقت، إذا لما قسنا وقلنا: "ستقدم، سوف تقدم" لا يصلح أن يكون فعلًا مضارعًا.
أيضًا لا يفهم منها الأمر، إذا هذا ليس فعل الأمر وليس مضارعًا لأنه لم يقبل السين سوف، طيب بقي عندنا علامة وهي التاء، تقول: "تقدَّمت" فقبل تاء؛ إذا هذا فعل ماض.
"من" هل هو حرف أو اسم أو فعل؟ حرف جر؛ لأنه لا تصلح معه علامات الاسم، ولا علامات الفعل؛ إذًا هو حرف جر.
"ذنبك" هذا اسم، كيف عرفنا أنه اسم؟ لأنه قَبِلَ دخول: (من) عليه، ومن علامات الأسماء أن يقبل دخول حروف الجر عليه، قال المؤلف: (فَالِاسْمُ يُعْرَفُ بالخفض وَالتَّنْوِينِ، وَدُخُولِ اَلْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَحُرُوفِ اَلْخَفْضِ)، فأي كلمة يأتي قبلها حرف جر نستدل على تلك الكلمة بأنها اسم؛ لأنها قبلت حرف الجر، وهنا "ذنب" قبلت حرف الجر (من) إذًا هي اسم.
وأيضًا فيه علامة أخرى، وهو أنه مجرور في آخره، أي: حرف الباء "ذنبِك"، والكاف ضمير. و"ذنب" مضاف، والكاف مضاف إليه.
"و" حرف عطف بمعنى "الذي" وهذا ما أخذناه.
"تأخر" هل هو فعل أو اسم أو حرف؟
نأتي بعلامات الاسم، تقول: "التأخر، من تأخر، عن تأخر، وتأخَّر -حرف القسم-" ما يقبل!
هل يفهم منه الطلب؟ لا يفهم؛ إذا هو ليس بفعل أمر.
هل تقول: "ستأخر، سوف تأخر"؟ ما يقبل!
طيب: "تأخرَت، تأخَّرتُ" قَبِلَ التاء؛ إذًا هذا فعل ماض، والدليل على ذلك أنه قبل تاء التأنيث في آخره وقبل كذلك تاء الفاعل.
"و" الواو حرف عطف، ومرَّ معنا أن حروف العطف عشرة ومنها: (الواو)، وهذه الواو عطفت ماذا على ماذا؟
الجواب: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ﴾ يا محمد، ﴿وَيُتِمَّ﴾ إذًا هنا عطف فعل على فعل، وسبق أن قلنا: إن حروف العطف تعطف اسم على اسم، وجملة على جملة، وفعل على فعل.
إذًا؛ نقول: "يتم" فعل مضارع منصوب؛ لأنه معطوف على "يغفر"، و "يغفر" منصوب باللام "ليغفرَ ويُتمَّ"، والمعطوف على المنصوب منصوب.
"نعمته" هنا الشاهد، طبعا الفاعل في قوله: "يتم" ضمير مستتر تقديره: "هو"، يعني: يتم هو، أي: الله -عز وجل.
"نعمتَه": "نعمتَ" مفعول به منصوب، وقع اسمًا ظاهرًا، وهو مضاف، والهاء مضاف إليه في محل جر مضاف إليه.
"عليك"، "على" حرف جر من الحروف التي مرت معنا، الكاف اسم، والدليل على أنها اسم: أنها قبلت دخول "على" عليها؛ فأي كلمة تقبل دخول حرف الجر عليها تكون اسمًا، فنقول: الكاف ضمير متصل بحرف الجر، مبني على الفتح في محل جر اسم مجرور لـ "على".
"ويهديك" هل هي فعل أو اسم حرف؟
نقول: فعل. طيب هل هو فعل ماض أو مضارع أو أمر؟
نقول: فعل مضارع، ندخل عليه العلامات فيقبلها.
{نكتفي بهذا القدر، ولو أنَّ الطالب تدرب على الإعراب شيئًا فشيئًا حتى يوقد الذهن ويثبت المعلومات.
فتح الله لكم شيخنا المبارك، نكمل -بإذن الله- في اللقاء القادم، والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام على طيب المتابعة، نلتقي بكم -بإذن الله- في الحلقات القادمة، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.