الدرس التاسع
فضيلة الشيخ عبدالله بن حسن الحارثي
إحصائية السلسلة
{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله الذي شرح صدور أوليائه بالإيمان، وفتح لهم أبواب النصوص بقواعد البيان، وصلى الله على من أنزل الله عليه الكتاب والميزان، وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان.
مرحبًا بطلاب العلم، حياكم الله وبياكم، وجعل الجنة مثوانا ومثواكم، نرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج (جادة المتعلم) للمستوى الثالث، والذي نشرح فيه (المقدمة الآجرومية) للإمام/ محمد بْنُ آجُرُّومِ -رحمه الله تعالى-، ويصطحبنا بشرحه فضيلة الشيخ/ عبد الله بن حسن الحارثي، باسمكم جميعًا نرحب بفضيلة الشيخ، حياكم الله وبياكم شيخ عبد الله}.
أهلا وسهلا ومرحبًا، الله يحفظكم ويبارك فيكم.
{كنا قد توقفنا في اللقاء الماضي عند باب (المفعول به)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، أمَّا بعد، فقد تقدم الكلام عن القسم الأول من الآجرومية، وهو الربع الأول، ثم الربع الثاني والمرفوعات، ثم شرع المؤلف -رحمه الله تعالى- في الكلام عن الربع الثالث من هذا الكتاب المبارك، وهو المنصوبات.
وبدأنا بالباب الأول، وهو: باب (المفعول به)، وذكرنا أنَّ المفعول به هو الذي يقع به الفعل، وهو قسمان: إمَّا ظاهر، وإمَّا أن يكون مُضمرًا، ثم هذا المضمر إمَّا أن يكون متصلا، وإمَّا أن يكون منفصلا، وعرضنا شيئًا من الأمثلة على هذا.
ثم انتقل -رحمه الله تعالى- إلى الباب الثاني، وهو: (باب المصدر)، والمصدر هو الاسم الدال على مجرد الحدث، أي: يدل على حدث من غير زمن، فلما أقول لك: "ضَربٌ، أَكلٌ، شُربٌ"، أنت تستفيد هذا المعنى الذي هو: الشرب، والأكل، والضرب، والمشي، واللعب، ونحو ذلك. لكن هل تجد فيه زمنا؟ يعني: هل أنت تستدل بلفظ: الضرب على أنه وقع أو يقع أو سيقع في المستقبل؟
الإجابة: لا، إذًا عندنا المصدر هو: الاسم الذي يدل على الحدث، بخلاف الفعل فإنه يدل على الحدث، ويدل على زمن الحدث، فلما تقول: "ضَرَبَ" دلَّ على أنَّ هناك ضَربٌ، وأنَّ الضرب حصل في الزمن الماضي.
تقول: "يكتب" وهذا يدل على الكتابة، وهي الحدث، ويدل على أن الكتابة حاصلة الآن.
أمَّا المصدر فإنه يدل على مجرد الحدث، "الكتابةُ، الضربُ، الأكلُ، الشربُ، الدراسةُ"، ونحو ذلك.
وهنا عرَّفه وبسطه المؤلف -رحمه الله تعالى- بقوله: (باب المصدر).
{قال- رحمه الله-: (بَابُ اَلْمَصْدَرِ.
اَلْمَصْدَرُ هُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلَّذِي يَجِيءُ ثَالِثًا فِي تَصْرِيفِ اَلْفِعْلِ، نحو: ضَرَبَ، يَضْرِبُ، ضَرْبًا.
وَهُوَ قِسْمَانِ: لَفْظِيٌّ وَمَعْنَوِيٌّ، فَإِنْ وَافَقَ لَفْظُهُ لَفْظَ فِعْلِهِ فَهُوَ لَفْظِيٌّ، نَحْوَ: قَتَلْتُهُ قَتْلًا، وَإِنْ وَافَقَ مَعْنَى فِعْلِهِ دُونَ لَفْظِهِ فَهُوَ مَعْنَوِيٌّ، نحو: جَلَسْتُ قُعُودًا، وقمت وُقُوفًا، وما أَشْبَهَ ذَلِكَ)}.
عرَّف المصدر هنا بقوله: (اَلَّذِي يَجِيءُ ثَالِثًا فِي تَصْرِيفِ اَلْفِعْلِ) فلو طُلب من أحد وقيل له: هات المصدر من قولك: "شَرِبَ"، فنقول: تأتي بالماضي، ثم بالمضارع، ثم تأتي بالمصدر الذي يدل على الحدث من غير اقتران بزمن، فتقول: "شَرِبَ، يَشربُ، شُربًا"، و "حَفِظَ، يَحْفَظُ، حِفظًا"، و "قَامَ، يَقُومُ، قِيَامًا"، و "استغفر، يستغفر، استغفارًا".
إذًا تأتي بالماضي، ثم بالمضارع منه، ثم تأتي بعد ذلك بالمصدر، وهذا المصدر هو الذي سيتكلم عنه الآن من حيث تعلق الأحكام به، فقال -رحمه الله تعالى: (وَهُوَ قِسْمَانِ: لَفْظِيٌّ وَمَعْنَوِيٌّ) أي أنَّ هذا المصدر الذي ستأتي أحكامه، عبارة عن قسمين:
إمَّا أن يوافق هذا المصدر نفس لفظ الفعل، كما لو قلت: "حَفِظَ، يَحفظُ، حِفظًا"، فـ "حفظًا" هذا هو المصدر، وحفظ هذا هو فعله، فتجد أنَّ بينهما تطابق في المادة، فالحاء والفاء والظاء الموجودة في الفعل هي ذاتها في المصدر، "حفظ، يحفظ، حفظًا".
فإذا وافقت حروف المصدر حروف فعله، فهذا (مصدر لفظي)؛ لأنك إذا قلت: "حَفِظَ الطالبُ القرآنَ حِفظًا"، فـ "حَفِظَ" تتطابق مع "حِفْظًا".
طيب هناك نوع آخر، وهو أنَّ المصدر يتطابق مع فعله لا من حيث الحروف، وإنما من حيث المعنى، فهو يدل على ما دلَّ عليه الفعل، لكن حروفه مختلفة، تقول مثلا: "فرح جدلاً" فالفرح هو الجدل، والجدل هو الفرح، لكن عبرت بالمصدر بمادة أخرى تختلف عن تعبيرك بها في الفعل، تقول: "فَرِحَ الطالبُ جَدلاً"، فنقول: "فرح" فعل ماضي مبني على الفتح، و "الطالب" فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة، و "جدلا": مفعول مطلق منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
طيب لو قلت: "فرح الطالب فرحًا"، أيضًا "فرحًا" سيعرب على أنه مفعول مطلق لكنه هنا لفظي؛ لأنه وافق كلمة: "فَرِحَ"، أي: هو من نفس حروف مادة الفعل "فرح".
إذًا "فَرحًا" مفعول مطلق لكنه لفظي، و "فرح جدلا" مفعول مُطلق لكنه معنوي، فإذا اتفقت حروف المصدر مع حروف الفعل كان المصدر لفظيًا، وإن اختلفت وأدت نفس المعنى كان المصدر معنويًا.
قال: (قَتَلْتُهُ قَتْلًا) لو أردنا أن نعربها نقول: "قتل": فعل ماض مبني على السكون -لأنَّ اللام في "قَتَلْتُهُ" ساكنة- لاتصاله بضمير الفاعل، والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به، إذا هذا تطبيق في وقوع المفعول به ضميرًا متصلا، قتلا: مفعول مطلق منصوب، لماذا؟ لأنَّ المفاعيل خمسة، ولاحظ أنه لا يصح أن تسميه "مفعول" فقط، بل تقول: المفعول به، أو المفعول لأجله، أو المفعول معه، أو المفعول فيه، وعندنا المفعول المطلق، أي: الذي لم يقيد بحرف جر بعده، فالمفاعيل في اللغة العربية تقيد بحرف جر بعدها، تقول: المفعول به، أو المفعول لأجله، أو المفعول معه، أو المفعول فيه، وأمَّا الخامس فتقول: مفعول مطلق، أي خلا عن القيد.
وهذا المصدر الذي هو "مفعول مطلق" الإتيان به له أغراض، يعني أنا لَمَّا أعبر بقولي: "حفظ الطالب القرآن"، فإذا قلت لك: "حفظ الطالب القرآن حفظًا" فقد أكدت تمكنه وضبطه لهذا المحفوظ، وهو القرآن.
تقول: "ضربت اللص ضربًا" يعني: أنت تؤكد أن ضربك له كان مُبرحًا قويًا، إلى آخره.
قوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا﴾ إذًا "جمعًا": مفعول مطلق. لماذا أوتي به؟ لتأكيد ذلك العامل الذي هو الفعل، فالله -عز وجل- جمعهم، وأكد على أنَّ "الجمع" حاصل ومفروغ منه، فقال: ﴿فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا﴾ .
تقول: "أكرمت الطلاب إكراما"، و "سلمت على العلماء سلاما"، فأنت لَمَّا تأتي بذلك المفعول المطلق الذي هو المصدر، تأتي به لغرض ليس اعتباطًا، فإمَّا أن تأتي به لتأكيد عامل الفعل، وإمَّا أن تأتي به لبيان العدد الذي حصل منك، فلمَّا تقول: "أكرمت الطالب إكرامًا" نقول: هذا مفعول مطلق، جيء به لتأكيد العامل، أي: لتأكيد هذا الإكرام.
لَمَّا أقول لك: "أكرمت الطالب إكرامينِ"، نقول: مفعول مطلق منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه مثنى. ولماذا عبرت بهذا التعبير: "إكرامين"؟ لأبين أنَّ هذا الإكرام الذي حصل مني وقع مرتين. إذًا يؤتى بالمفعول المطلق أو بالمصدر لبيان العدد.
وأحيانًا يؤتى به لبيان النوع، تقول: "أكرمت الطالب إكرام العالم". لاحظ الآن سنمثل على هذا المثال، تقول: "أكرمت الطالب إكرامًا"، قولك: "إكرامًا" لتأكيد حصول الإكرام من غير بيان للعدد؛ لأنَّه ليس هناك عدد عندنا، لكن لَمَّا تقول: "أكرمت الطالب إكرامين"، فهذا مفعول مطلق، لكنه جاء لبيان العدد، أي: كم مرة حصل هذا الإكرام؟ تقول: مرتين، أي: إكرامين.
طيب أنا أريد أن أُبين لك نوع هذا الإكرام، هل هو إكرام عادي ولا إكرام له منزلة ومزية على غيره؟ فأقول: "أكرمت الطالب إكرام العالم"، والعالم معلوم أن إكرامه يكون عظيمًا، فأنت هنا تأتي بالمصدر الذي هو المفعول المطلق لا لبيان العدد، وليس لتأكيد العامل، وإنما لأجل بيان نوع الإكرام، أي: كيف حصل؟
تقول: "أهنت اللص إهانة الحقير"، والحقير في الغالب لا يكرم وإنما يهان إهانة تليق بحاله، فتقول: "أهنت اللص إهانة الحقير" أو "أهنت اللص إهانة المجرم".
إذًا نؤكد على أنَّ المفعول المطلق "المصدر" لا يأتي اعتباطًا، وإنما نأتي به: إمَّا لتأكيد حصول ذلك الفعل، مثل: "أكرمته إكرامًا"، وإمَّا لبيان العدد، أي: كم مرة حصل هذا الإكرام، فتقول: "أكرمته إكرامين"، وإذا أردت الزيادة عن الإكرامين فقل مثلا: "أكرمته ثلاثة إكرامات"، فيكون: ثلاثة مفعول مطلق أيضا، وإن كان كلمة ثلاث هذه ليست مصدر، لكن لو تلاحظ "ثلاثة" إكرامات أضفناها إلى المصدر، فهي تأخذ نفس حكم المفعول المطلق.
إذا تقول: "أكرمت الطالب إكرامًا" وهذا واضح لتأكيد هذا العمل.
إذا قلت: "دعوت الله دعاءً" فـ "دعاءً" مفعول مطلق، أي: "مصدر"، وجيء به هنا لتأكيد العامل، أي: لتأكيد أنه حصل منك دعاء وتضرع.
ولكن لَمَّا أقول: "دعوت الله دعوة" فالمصدر هنا لبيان العدد، أي أنَّ الدعاء حصل منه مرة واحدة. إذًا "دعوة" مفعول مطلق لبيان العدد، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
طيب لَمَّا تقول: "دعوت الله دعاء المضطر"، "دعوت الله دعاء المسكين"، "دعوت الله دعاء المبتهل الذليل"، فهنا لبيان نوع هذا الابتهال، هل هو ابتهال المنكسر؟ هل هو ابتهال المفتخر؟ هل هو ابتهال الفَرِح؟
فأنت لَمَّا تأتي بالمصدر "المفعول المطلق" تأتي به لغرض، إمَّا لتأكيد ذلك الفعل، مثل: "ضربته ضربًا".
وإمَّا لبيان كم مرة حصل هذا الفعل منك، مثل: "ضربته ضربتين"، "ضربته ثلاث ضربات"، "ضربته عشر ضربات"، فتقول: ثلاث وأربع وعشر كلها: "مفعول مطلق منصوب".
وإمَّا أن تأتي به لبيان نوع هذا الإكرام، أو هذا الضرب، أو هذا الإحسان، تقول: "أحسنت إلى الولد إحسان اليتيم"، كنوع من الشفقة أو الإحسان في حق هذا الطفل أو هذا الصغير.
فهنا يقول: (فَإِنْ وَافَقَ لَفْظُهُ لَفْظَ فِعْلِهِ فَهُوَ لَفْظِيٌّ، نَحْوَ: قَتَلْتُهُ قَتْلًا، وَإِنْ وَافَقَ مَعْنَى فِعْلِهِ دُونَ لَفْظِهِ فَهُوَ مَعْنَوِيٌّ، نحو: جَلَسْتُ قُعُودًا، وقمت وُقُوفًا، وما أَشْبَهَ ذَلِكَ)، فقوله: (جَلَسْتُ) فعل ماضي مبني على السكون لاتصاله بضمير الفاعل، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل.
(قُعُودًا) مفعول مطلق منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهنا جيء به لتأكيد العامل، أي أنه حصل منه هذا الجلوس.
وكذلك نقول في: (قُمتُ وُقُوفًا) فـ (قمت): فعل ماضي مبني على السكون لاتصاله بضمير الفاعل، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل.
(وقوفًا): مفعول مطلق منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وجيء بها هنا لتأكيد العامل؛ لأنه حصل منه وقوف، وهكذا تقول: "خطبت خطبة"، وأشباه ذلك.
إذًا هو يؤتى به لهذه الأغراض الثلاثة، إمَّا لتأكيد الفعل، وإما لبيان العدد، وإما لبيان النوع.
وهذا جملة ما يمكن قوله حول هذه القضية في (باب المصدر) و (المفعول المطلق)، وله تفاصيل كثيرة عند العلماء، لكن المختصر يقف عند هذا الكلام.
{أحسن الله إليكم.
قال المؤلف -رحمه الله-: (بَابُ ظَرْفِ اَلزَّمَانِ وَظَرْفِ اَلْمَكَانِ
ظَرْفُ اَلزَّمَانِ: هُوَ اِسْمُ اَلزَّمَانِ اَلْمَنْصُوبُ بِتَقْدِيرِ "فِي" نَحْوَ اَلْيَوْمِ، وَاللَّيْلَةِ، وَغَدْوَةً، وَبُكْرَةً، وَسَحَرًا، وَغَدًا، وَعَتَمَةً، وَصَبَاحًا، وَمَسَاءً، وَأَبَدًا، وَأَمَدًا، وَحِينًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَظَرْفُ اَلْمَكَانِ: هُوَ اِسْمُ اَلْمَكَانِ اَلْمَنْصُوبُ بِتَقْدِيرِ "فِي" نَحْوَ أَمَامَ، وَخَلْفَ، وَقُدَّامَ، وَوَرَاءَ، وَفَوْقَ، وَتَحْتَ، وَعِنْدَ، وَمَعَ، وَإِزَاءَ، وَحِذَاءَ، وَتِلْقَاءَ، وَثَمَّ، وَهُنَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ)}.
هذا هو الباب الثالث من أبواب المنصوبات، وهو: (ظرف الزمان وظرف المكان)، والظرف في اللغة معناه: الوعاء، أي هو الاسم الذي يدل على زمان الفعل أو على مكان وقوع الفعل، أي يبين أين وقع هذا الحدث أو متى وقع.
فكانت العرب تأتي بلفظة تعبر بها عن هذا الفعل، أين وقع وفي أي وقت وقع.
وظرف المكان يدل على أن الفعل وقع في ذلك المكان، إذًا هو اسم يدل على زمان أو مكان وقوع ذلك الفعل، وهو قسمان، قال: (ظَرْفُ اَلزَّمَانِ: هُوَ اِسْمُ اَلزَّمَانِ اَلْمَنْصُوبُ بِتَقْدِيرِ "فِي") يعني: يصح أن تُدخل (في) على ذلك الاسم الذي يدل على الزمان، تقول: "صمت يوم الخميس"، يعني: "في يوم الخميس"، أي أنَّ الصيام -الذي هو الحدث- وقع في يوم الخميس.
"سافرت في يوم الجمعة"، فأنت تستغني عن (فِي) وتأتي بهذا الظرف الذي يدل على (فِي) هذه، لكن من غير ذكرها، فتقول: "سافرت يوم الجمعة"، يعني: لو أدخلت (فِي) على كلمة "يوم الجمعة" ستجد أنَّ الكلام يستقيم معك، فتقول: "سافرت في يوم الجمعة".
طيب لو أردنا أن نعرب كما مثَّل المؤلف -رحمه الله تعالى- هنا، أي لنطبق دون ذكر (فِي) هنا، نقول مثلا: "سافرت يوم الخميس"، "سافر": فعل ماضي مبني على السكون -لأنَّ الراء هنا ساكنة- لاتصاله بضمير الفاعل، والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل، "يوم": ظرف زمان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف، و "الخميس": مضاف إليه، مجرور وعلامة جره الكسرة.
تقول مثلا: "صمت أسبوعًا"، "صمت": فعل وفاعل، طيب كم مدة هذا الصيام؟ أي هذا الصيام الذي وقع منك كم مدته؟ نقول: أسبوعًا، إذًا "أسبوعًا" ظرف زمان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
وظرف الزمان على قسمين: إمَّا أن يكون محددًا بمدة مُعينة، وإمَّا أن يكون مُبهمًا، أي: لا يُفهم منه وقت محدد، فمثلا المحدد تقول: "صمت شهرًا"، فـ "صمت": فعل وفاعل، "شهرًا" ظرف زمان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
"قرأت النحو سنة"، فـ "سنة": ظرف زمان منصوب، والسنة هل هي محددة أم غير محددة؟ محددة المقدار.
لكن لَمَّا تقول مثلا: "انتظرت لحظة"، فاللحظة قد تكون دقيقة، وقد تكون نصف دقيقة، وقد تكون عشر دقائق، لا ندري كم هي تحديدًا، تقول: "صمت حينًا من الدهر"، فـ "حينًا": هذه غير محددة بثلاثين يوم، أو سبعة أيام، أو بثلاثمائة وستين يوم.
إذًا عندنا ظرف الزمان قد يدل على محدد، وقد يدل على مُبهم، ففي كل الأحوال يصح أن يقع اسم الزمان الدال على المدة المعينة أو المبهمة، يصح أن يقع ظرف زمان، فتقول: ظرف زمان منصوب، كما في قولك: "صمت شهرًا"، أو "صمت حينًا"، فكلاهما اسم زمان يبين المدة التي وقع فيها ذلك الفعل.
قال: (نَحْوَ: اَلْيَوْمِ، وَاللَّيْلَةِ، وَغَدْوَةً، وَبُكْرَةً، وَسَحَرًا، وَغَدًا، وَعَتَمَةً، وَصَبَاحًا، وَمَسَاءً، وَأَبَدًا، وَأَمَدًا، وَحِينًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) تقول مثلا: "دعوت الله سحرًا"، يعني: في السحر، فـ "السحر" ظرف زمان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
(وَعَتَمَةً، وَصَبَاحًا) تقول مثلا: "ذاكرت صباحًا" يعني: في وقت الصباح، إذًا هذا ظرف زمان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
إذًا لَمَّا نقول: إنَّ اسم الزمان مُبهم ومحدد، كل منهما يصح وقوعه ظرف زمان.
وهنا سؤال لتنبيه العقول، لو قلت مثلا: "المؤمن يخاف يوم القيامة"، وقلت كذلك: "الكافر يخاف يوم القيامة"، هل هناك فرق بين الجملتين؟
الجواب: نعم بينهما فرق، ما هو؟
بداية نحن قلنا أنَّ اسم الزمان منصوب بتقدير (فِي)، يعني: يصح أن تسبقه بـ (فِي)، فإن صحَّ واستقام الكلام، فهذا هو اسم الزمان المنصوب، وإن لم يصح فلا بد أن يكون له إعراب آخر، بمعنى: قد تتكرر نفس الكلمة، فتكون في سياق ظرف زمان، ولكنها في سياق آخر لا تكون ظرف زمان.
فلما أقول: "المؤمن يخاف يوم القيامة"، لو وضعنا (فِي)، صارت المؤمن يخاف في القيامة، وهذا خطأ؛ لأنَّ الله -عز وجل- قال: ﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ إذًا هم آمنون يوم القيامة، وقال ﷺ مخبرًا عن ربه: «وَإِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
إذا لَمَّا نقول: "المؤمن يخاف يوم القيامة" ما يصح أن نقول: "هذا ظرف زمان"؛ لأنه لا يخاف، إذًا هنا يكون: مفعولاً به.
ولكن في قولنا: "الكافر يخاف يوم القيامة"؟ يصح أن نقدر "في"؛ لأنَّ الكافر يخاف في يوم القيامة، يخاف في ذلك الوقت والعياذ بالله.
إذًا هنا في حق الكافر صحَّ أن نعربها ظرف زمان، وأمَّا في حق المؤمن، فلا يصح أن تعرب "ظرف زمان"، وإنما تعرب "مفعولا به".
في قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾ ، هل المقصود أننا نتقي في يوم القيامة، أم أنَّ المقصود أنَّ التقوى ليوم القيامة تكون حاصلة في الدنيا؟
إذًا ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾ نقول: "يومًا" مفعول به منصوب، وليس ظرف زمان؛ لأنه لا يصلح فيه تقدير (فِي)؛ لأنَّ الله لا يأمرك أن تخاف يوم القيامة، بل يريد أن تخاف في الدنيا.
إذا أحيانا يقع اسم الزمان منصوبًا في سياق يصح أن يعرب ظرف زمان منصوب، وفي سياق لا يصح أن يعرب ظرف زمان، وإنما يعرف إعرابًا آخر مختلفًا بحسبه، كما لو قلت: "إنَّ اليوم جميل"، فـ "اليوم" هنا: اسم إنَّ منصوب، ولا يصح أن نقول: ظرف؛ لأنَّ أصل الكلام: "اليومُ جميل"، فـ "اليومُ" مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، و "جميل": خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
ولكن اليوم في قولك: "إنَّ اليومَ جميل" تعرب: اسم "إن" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. و "جميل": خبر إنَّ، إذًا "اليوم" هنا جاءت منصوبة.
تقول: "سافرت يوم الخميس" وهذه جاءت منصوبة، ولكن هنا في "سافرت يوم الخميس" يصح أن نقول طرف زمان، وأما في قولك: "إن اليوم" لا يصح.
إذًا ليس دائمًا كلما رأيت ما يدل على الزمان، أنه يكون ظرف زمان، أي أن تعربه ظرف زمان، بل قد يكون اسم إن، قد يكون خبرًا، قد يكون مفعولا به، إلى غير ذلك.
ننتقل إلى ظرف المكان. قال: (وَظَرْفُ اَلْمَكَانِ: هُوَ اِسْمُ اَلْمَكَانِ اَلْمَنْصُوبُ بِتَقْدِيرِ "فِي") اسم المكان هو الذي يدل على المكان.
واسم المكان على قسمين أيضًا: منه اسم المكان المبهم، وهناك اسم المكان المحدد، أي: غير المبهم.
مثال المبهم: "جلست أمام الكعبة"، "أمام" تحتمل أنك قريب منها، وتحتمل أنك بعيد عنها، ولكنك أمامها، أو أنك في آخر الصفوف. إذًا هذا مبهم.
تقول: "جلست خلف مقام إبراهيم"، قد يحتمل أنك قريب منه، وقد يحتمل أنك في الصف الثاني، وقد يحتمل أنك في آخر المسجد الحرام.
إذًا هذا ظرف مكان مُبهم. هذا هو الذي يصح أن يقع ظرف مكان، تقول: ظرف مكان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
أمَّا لو كان عندنا ظرف مكان لكنه محدد المقدار، مثل: "البيت" هذا محدد المقدار، وكذلك: "الدار"، "الغرفة"، هذا كله ظرف مكان محددة، لكن هل يصح أن تقول مثلا: "جلست البيت" هل يصح أن تأتي به مباشرة دون أن تأتي قبله بـ "في"؟ هل يصح أن تقول: "جلست البيت"، أو "جلست الغرفة"؟ نقول: لا.
إذًا، إذا كان محدد المقدار، فلا بد أنَّ تنص على (في) معه، أي: لابد من ذكر (في)، وهذا بخلاف المبهم، والذي يصح أن تأتي به دون ذكر (في) معه، فتقول: "جلست أمام الأستاذ"، "أمام الكعبة"، و "جلست": فعل وفاعل، و "أمام" ظرف مكان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
تقول: "جلست خلف المقام"، نقول: "خلف" ظرف مكان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة، "جلست تحت المطر"، "تحت": ظرف مكان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
تقول: "سرت ميلا" فـ "ميلا" يعني: مسافة من الأرض، وتعرب هنا أيضًا على أنها ظرف مكان.
لكن لَمَّا تأتي بشيء محدد المقدار، أي: له حدود وأبعاد وكذا، فهذا يصح ظرف مكان يقع فيه الفعل، لكن لا يصح أن تسلط الفعل عليه مباشرة، بل لا بد أن تسبقه بـ (في).
نعيد مرة أخرى، ونقول: عندنا جملتان، الأولى: "جلست أمام الأستاذ"، و "جلست الدار"، نقول: الدار هذه خطأ بهذا السياق، بل لا بد أن تسبقها "في"، فتقول: "جلست في الدار"، فـ "جلست" فعل وفاعل، و "في": حرف جر، و "الدار": اسم مجرور إلى آخره.
لكن "جلست تحت كذا، أو فوق كذا، أو يمين كذا"، كما لو قلت: "جلست يمين النهر"، "وقع الطائر فوق الغصن"، فوق: ظرف مكان منصوب.
إذًا، ما كان مبهمًا فإنه هو الذي يقع ظرف مكان، وأما إذا كان محدد المقدار، أي: له حدود، كالمسجد والغرفة والدار والاستديو، وكذا، فلا يكون ظرف مكان.
السيارة مثلا: هذا مكان يجلس فيه، هل يصح أن تقول: جلست السيارة؟
لا. إذًا لابد أن أقول: "جلست في السيارة"، إذًا لابد من الانتباه إلى هذه القضية في ظرف الزمان وظرف المكان.
ثم مثل المؤلف -رحمه الله تعالى- بأمثلة، فقال: (أَمَامَ، وَخَلْفَ، وَقُدَّامَ، وَوَرَاءَ، وَفَوْقَ، وَتَحْتَ، وَعِنْدَ، وَمَعَ، وَإِزَاءَ، وَحِذَاءَ، وَتِلْقَاءَ، وَثَمَّ، وَهُنَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ)، تقول مثلا: "جلست عندك"، فـ "جلست" فعل وفاعل، و "عندك": ظرف مكان منصوب وهو مبهم، أي: لا يحتاج إلى أن نقول: "في عندك"- وبالتالي نعربه مُباشرة: ظرف مكان منصوب، وهو مضاف، والكاف في: "عندك" مضاف إليه.
قوله: ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ﴾ ، "تلقاء": ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره وهكذا.
و (ثَمَّ) تقول: "جلست ثَمَّ"، فـ "ثم": ظرف مكان منصوب.
و "هنا" نقول: اسم إشارة يدل على المكان في موضع نصب.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (بَابُ اَلْحَالِ.
اَلْحَالُ: هُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلْمُفَسِّرُ لِمَا اِنْبَهَمَ مِنْ اَلْهَيْئَاتِ، نَحْوَ قَوْلِكَ: "جَاءَ زَيْدٌ رَاكِبًا"، وَ "رَكِبْتُ اَلْفَرَسَ مُسْرَجًا"، وَ "لَقِيتُ عَبْدَ اَللَّهِ رَاكِبًا"، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَلَا يَكُونَ اَلْحَالُ إِلَّا نَكِرَةً، وَلَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ اَلْكَلَامِ، وَلَا يَكُونُ صَاحِبُهَا إِلَّا مَعْرِفَةً)}.
انتقل المؤلف -رحمه الله تعالى- إلى باب جديد من أبواب المنصوبات، فبعد أن ذكر المفعول به، وذكر المصدر، وما يتعلق به من جهة المفعول المطلق، وظرف الزمان والمكان، ناسبه هنا أن يعقد بابًا جديدًا، وهو: (بَابُ اَلْحَالِ).
قال هنا في الحال: (هُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلْمُفَسِّرُ لِمَا اِنْبَهَمَ مِنْ اَلْهَيْئَاتِ) يعني: هو وصف، يعني: مشتق -كما مر معنا-، تقول مثلا: "كتب، يكتب، كاتبًا، حافظًا، زارعًا، ذاهبًا، شاربًا، قاضيًا"، إذًا لا بد أن يكون مُشتقا، لابد أن يكون وصفًا، يعني لَمَّا تريد أن تبين حال شخص معين، فلا بد أن تأتي باسم مشتق غير جامد، تقول: "جاءني الرجل ضاحكًا"، مأخوذة من: "ضحك"، تقول: "جاءني الرجل مسرورًا"، من سُرَّ، مسرور.
"جاءني رجلٌ باكيا"، من: "بكى"، فلا بد أن يُؤتى بهذا الحال، ولا بد أن يكون وصفًا، أي: مُشتقًا.
ما المقصود بالحال؟
بيان الهيئة التي كان عليها ذلك الشخص الذي تريد أن تخبر عنه، أي: تبين كيف حالته لِمَا وقع منه الفعل، ما هي الحالة التي كان عليها، أنت أو هو، بمعنى أن نقول: هو وصف نكرة يبين حال صاحبه عند حدوث الفعل، وهو يصح السؤال عنه بـ "كيف"، فمثلا تقول: "كيف شربت؟"، تقول وأنت تجيب: "شربت واقفًا"، يعني: حالتي عند وقوع الشرب مني، كنت واقفًا.
إذًا هذا هو الحال، وهو يُبين شيئًا من الأوصاف المتعلقة به، أقول لك مثلا: "كيف طفت بالبيت الحرام؟" تقول: "طفت بالبيت باكيًا"، إذًا أنت بينت الحالة التي كنت عليها أثناء طوافك، فذكرك للحال هو الذي يبين هيئتك عند حدوث ذلك الفعل منك، وهو الطواف.
إذًا هو اسم منصوب -كما ذكر الشيخ رحمه الله تعالى- المفسر، يعني: الموضح لِمَا انبهم من الهيئات، يعني: الموضح لِمَا لم يكن معلومًا من هيئات ذلك الذي قام منه الفعل، فقد يكون هذا الحال للذي قام بالفعل –الفاعل- وقد يكون حالاً للمفعول به، كما لو قلت: "ضربت اللص مكتوفًا"، هذا حال لك أو للمفعول به؟ نقول: حال للمفعول به، الذي هو اللص، وهو الذي ضُرِبَ مكتوفَا. لأنك لا تستطيع أن تضرب وأنت مكتوف الأيدي.
طيب لو قلت لك مثلا: "ضربت اللص واقفًا"، هذا يحتمل أنك أنت الواقف، ويحتمل أنه هو الواقف، ويحتمل أن كلاكما واقف.
لَمَّا تقول: "ركبت الفرس مُسرجًا" أيهما الآن المسرج؟ أنت أو الفرس؟ الجواب: الفرس.
إذًا، أحيانًا صاحب الحال يكون من الفاعل والمفعول، كلاهما يصح أن يقع منه الحال واحد. تقول: "عاقبت اللص غاضبًا"، هل أنا الغاضب أم هو؟ يصح منكما، ويصح أن لا يكون إلا من الفاعل.
يقول: "ضربت اللص مكتوفًا" إذا هذا حال للفاعل، ويصح أن يكون بالمفعول به وحده، كما لو قلن: "ركبت الفرس مسرجا"، فالفرس هو المسرج لوحده.
المقصود بالحال هو بيان هيئة ذلك المخبر عنه من جهة حالته، كيف كانت عند حصول الفعل.
طيب لو جاءنا شخص وقال: ما الفرق بين النعت والحال؟
نقول: الحال يُبين حال صاحبه، والنعت يُبين حال صاحبه أيضًا، ولكن بينهما فروق:
أولا: الحال لا بد أن يكون منصوبًا، وأمَّا النعت فقد يكون منصوبًا، وقد يكون مرفوعًا، وقد يكون مجرورًا. تقول مثلا في النعت: "جاء الرجل العاقل"، لكن لو أردت أن تأتي بالحال من هذه الجملة، فقل: "جاء الرجل عاقلاً"، ولاحظ أنه لا بد من أن يكون الحال نكرة، ولا بد أن يكون منصوبًا، وهذا بخلاف النعت، والذي لا بد أن يكون مُطابقا لِمَا قبله، فإن كان معرفة كان معرفة.
ثم قد يأتي النعت مرفوعًا، وقد يأتي منصوبًا، وقد يأتي مجرورًا، بخلاف الحال الذي لا بد أن يكون نكرة، ولا بد أن يكون منصوبًا.
إذًا نقول: النعت يدل على أنَّ هذه الصفة من الصفات المعروفة للموصوف، فأنت لَمَّا تصف "زيد" مثلا، تقول: "جاء زيد العالم" أنت تخبر بشيء معلوم عندك، وهذا بخلاف الحال فأنت لا يتبين لك ذلك إلا بعد أن تعرف حقيقة حال ذلك الشخص، فتتجدد أحوال فلان، فمرة يكون مسرورًا، ومرة يكون ضاحكًا، ومرة يكون ماشيًا، ومرة يكون مُكتئبًا، إلى آخره.
فهنا نقول: "النعت هو الذي يدل على أنَّ هذه الصفة من الصفات عند المتكلم معروفة، وأمَّا الحال فإنه يكون نكرة.
إذًا يقول الشيخ -رحمه الله تعالى-: (اَلْحَالُ هُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلْمُفَسِّرُ لِمَا اِنْبَهَمَ مِنْ اَلْهَيْئَاتِ، نَحْوَ قَوْلِكَ: "جَاءَ زَيْدٌ رَاكِبًا"، وَ "رَكِبْتُ اَلْفَرَسَ مُسْرَجًا"، وَ "لَقِيتُ عَبْدَ اَللَّهِ رَاكِبًا"، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ)
فقوله: (جَاءَ زَيْدٌ رَاكِبًا)، "جاء": فعل ماض مبني على الفتح، و "زيد": فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة، و "راكبًا": حال من زيد. أي أنَّ "راكب" هي حال لـ "زيد"، فهي تبين حال زيد عند مجيئه، أي أنَّه "جاء راكبًا".
قال: (رَكِبْتُ اَلْفَرَسَ مُسْرَجًا)، "ركبت": فعل وفاعل، "الفرس": مفعول به منصوب، "مسرجًا": حال للفرس، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
(لَقِيتُ عَبْدَ اَللَّهِ رَاكِبًا)، من الذي كان راكبًا؟ هل أنت أم عبد الله؟ الجواب: قد يكون عبد الله هو الراكب، وقد أكون أنا.
فهنا -كما قلنا قبل قليل- إنَّ الحال قد يشترك فيه الفاعل والمفعول، وقد يكون خاصًا بالفاعل، وقد يكون خاصًا بالمفعول، وقد يكونا مشتركين فيه.
ثم لَمَّا نقول: "مسرجا" مفردا، لا يعني ذلك أنه لا بد أن يكون مفردا، مثلا تقول: "عاقبت اللصين مكتوفين"، فـ "مكتوفين" هذا حال. ولا يصح أن نقول: مكتوفًا، بالمفرد، بل قد يكون الحال مثنى، وقد يكون مجموعًا، تقول: "عاقبت الطلاب باكين"، أي: كان عقابي لهم في حالة البكاء، فـ "باكين" حال، وباكٍ نقول: هذا حال، وباكيَينِ هذا أيضًا حال.
إذًا، الحال يكون مفردًا ويكون مثنى، ويكون مجموعًا، ويكون كذلك للأنثى، تقول: "أكرمت فاطمة مسرورة"، فـ "مسرورة": حال لفاطمة، يعني: لو سألته وقلت: كيف أكرمت فاطمة؟ يعني: كيف حالها؟ ستقول: مسرورة.
إذًا الحال يصح أن يسأل عنه بـ "كيف".
ذكر هنا في آخر الباب الشروط التي لابد أن تتوفر في الحال، فقال: (وَلَا يَكُونَ اَلْحَالُ إِلَّا نَكِرَةً) يعني: لو قلنا مثلا: "جاء زيد ضاحكًا"، فـ "ضاحكًا": حال لزيد، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. لكن لو قلت لك: "جاء زيد الضاحك"، ما يصح؛ لأنه أول شيء ليس بمنصوب، ولأنَّه ليس بنكرة، بل هو معرفة، ونحن نشترط في الحال: أن يكون نكرة. نقول: صحَّ من جهة العموم أن كلاهما حال لـ "زيد"، لكن هذا يعرب: "حال" على المصطلح النحوي، وذاك يعرب على أنه "نعت له"، فما يصلح أن تقول: "جاء زيد العاقل" وتقول حال.
أو واحد يأتي ويقول: "أكرمت زيدًا العاقل"، ويقول: "العاقل" منصوب فهو حال، لأنَّ الحال منصوب، نقول: لا يصح حتى وإن كان منصوبًا، لأنَّه اختل فيه شرط النكرة، فهو هنا معرف بالألف واللام.
إذًا لا بد أن يكون الحال نكرة، ولا بد أن يكون صاحب الحال معرفة، يعني أنت لما تحكم على واحد بحال من الأحوال لا بد أن يكون ذلك المحكوم عليه معرفة، فما يصلح أن تقول: "جاءني رجل صالحًا"، ولكن يصح أن تقول: "جاءني الرجل صالحًا"، وتقول: "جاءني الرجل مسرورًا"، لكن إذا أتيت بصاحب الحال نكرة، فتقول: "جاءني رجل صالح"، فنقول: هذا خطأ.
طيب ما هو الصواب في ذلك؟ نقول: أن تصفه بما يناسب إعرابه، فتقول: "جاءني رجل صالح"، هنا نعربه نعتًا لذلك الفاعل.
لكن إذا أردت أن تأتي له بالحال نقول: عَرِّف ذلك المتقدم، تقول: "جاءني الرجل صالحًا، باكيًا، مسرورًا" هنا يصح أن تقول: مسرورًا، باكيًا، ضاحكًا، أمَّا أن تأتي بنكرة ثم تحكم عليها بالحال، فنقول: لا؛ لأنَّ الحكم عليه بالحال فرع عن معرفته، ولا بد أن يكون معرفة، ولذلك قال: (وَلَا يَكُونَ اَلْحَالُ إِلَّا نَكِرَةً، وَلَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ اَلْكَلَامِ) يعني: لا يكون الحال سابقًا لتمام الجملة، فلا يصح أن تقول مثلا: "لقيت راكبًا عبد الله"، أو "ركبت مسرجا فرس"، فكلمة "مسرجًا" هذه حال، لكنك ما يصلح أن تقدمها، بل لا بد أن تكون متأخرة بعد تمام الكلام، تقول: "ركبت الفرس مسرجًا"، ولذلك قال: (وَلَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ اَلْكَلَامِ) فلا يتقدم الحال على صاحبه.
قال: (وَلَا يَكُونُ صَاحِبُهَا إِلَّا مَعْرِفَةً) لو قلت مثلا: "جاء زيد الضاحك"، كيف نعرب الضاحك؟ "جاء": فعل ماضي، و "زيد": فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة، و "الضاحك": هل هي حال؟ لاحظ أنها ليست منصوبة، وليسن نكرة، بل هي معرفة، فإذًا نعربها على أنها وصف لـ "زيد"، فـ "الضاحك": نعت لـ "زيد" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
طيب "جاء زيد ضاحكًا"، نطبق الشروط هنا، فنلحظ أن صاحب الحال معرفة، وهو "زيد"، و "ضاحكًا" نكرة، ولكن هل جاءت بعد تمام الكلام؟ نعم، إذًا انطبقت هنا الشروط الثلاثة، فـ "زيد" معرفة، و "ضاحكًا" منصوب، ونكرة، وجاء بعد تمام الكلام. إذا تمت الجملة.
لو قلنا: "جاء رجلٌ ضاحكٌ"، فـ "جاء": فعل ماضي، و "رجل": فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، و "ضاحكٌ": ما يصح أن نقول حال؛ لأنَّ الرجل هذا صاحب الحال نكرة، ونحن نشترط في صاحب الحال أن يكون معرفة، فـ "رجل" نكرة. إذا هنا لا بد أن نصفه بما يطابقه في إعرابه، فنقول: "جاءني رجل ضاحك"، ولو قلت: "ضاحكا" نقول: خطأ؛ لأنه وإن كان نكرة وإن كان منصوبا وإن كان جاء بعد تمام الكلام، لكن صاحبه نكرة، ونحن نشترط في الحال أن يكون صاحبه معرفة.
هذا ما يتعلق بالكلام عن الحال.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (بَابُ اَلتَّمْيِيزِ
اَلتَّمْيِيزُ: هُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلْمُفَسِّرُ لِمَا اِنْبَهَمَ مِنْ اَلذَّوَاتِ، نَحْوَ قَوْلِكَ: "تَصَبَّبَ زَيْدٌ عَرَقًا"، وَ "تَفَقَّأَ بَكْرٌ شَحْمًا"، وَ "طَابَ مُحَمَّدٌ نَفْسًا"، وَ "اِشْتَرَيْتُ عِشْرِينَ غُلَامًا"، وَ "مَلَكْتُ تِسْعِينَ نَعْجَةً"، وَ "زَيْدٌ أَكْرَمُ مِنْكَ أَبًا"، وَ "أَجْمَلُ مِنْكَ وَجْهًا"، وَلَا يَكُونُ إِلَّا نَكِرَةً، وَلَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ اَلْكَلَامِ).
عقد المؤلف -رحمه الله تعالى-: بابًا جديدًا في (باب المنصوب) وذلك بعد أن ذكر المفعول به، والمصدر، وما يتعلق بالمفعول المطلق، وظرف الزمان والمكان، والحال، ولذلك عقد هنا بابًا جديدًا، وهو: (باب التمييز)، وَبَيْنَ التمييز والحال بعض التشابه، لذلك لو لاحظنا أنَّ المؤلف في آخر الكلام عن التمييز، قال: (وَلَا يَكُونُ إِلَّا نَكِرَةً) والحال لا يكون إلا نكرة، وقال عن التمييز: (وَلَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ اَلْكَلَامِ)، وكذلك الحال لا يكون إلا بعد تمام الكلام.
إذًا ما الفرق بين الحال والتمييز؟
الحال: هُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلْمُفَسِّرُ لِمَا اِنْبَهَمَ مِنْ اَلْهَيْئَاتِ، أي: هيئة فلان هذا كيف جاء؟ أمَّا التمييز فهو: (اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلْمُفَسِّرُ لِمَا اِنْبَهَمَ مِنْ اَلذَّوَاتِ) أي: الأشياء المحسوسة، بمعنى أنك تطلق لفظة، فيفهم منها أكثر من معنى، فلما تأتي بالتمييز، يجلي لذلك المعنى المحتمل بين هذه الاحتمالات، فيخصص شيئًا من تلك الاحتمالات، فلمَّا تقول: "اشتريت عشرين"، فكلمة عشرين تحتمل أنك اشتريت عشرين نعجة، أو عشرين عبدًا، أو اشتريت عشرين كتابًا، أو اشتريت عشرين سيارة. فما ندري تحديدًا ما الذي اشتريت، إذًا هناك إبهام لهذه الذات التي وقع عليها الشراء بالنسبة لنا غير معلومة، أي: فيها إبهام، أي: فيها عدم وضوح، فلمَّا تأتي بكلمة بعدها تبين ذلك الْمُشْتَرىَ، أو تبين تلك الذات ما هي، وليست لتبين حالتها، وإنما لتبين ذاتها.
فإذا قلت: "جاء زيد ضاحكًا"، فزيد عندي معروف، وأنا بينت شيئًا من حالته، بينما إذا قلت: "اشتريت عشرين" فأنا لا أريد أن أعرف حال ذلك المشترى، ولكن أريد أن أعرف ذلك الشيء ما هو؟
فإذا قلت: "اشتريتُ عشرين سيارةً"، فـ "سيارةً" هذه تسمى: تمييزًا، إذًا التمييز هو: (اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلْمُفَسِّرُ لِمَا اِنْبَهَمَ مِنْ اَلذَّوَاتِ) أي: الموضح لِمَا لم يكن معلومًا من هذه الأشياء، التي هي الذوات، إذًا قولنا: "جاء زيدٌ ضاحكًا"، و "اشتريت عشرين غُلامًا" بينهما تشابه، ولكن لَمَّا أقول: "جاء زيد"، فزيد معلوم عندي، فحكمت عليه بالحال بعد ذلك، فقلت: "جاء زيدٌ ضاحكًا".
ولَمَّا تقول: "اشتريت عشرين"، فهذه العشرين غير معلومة عندي، بخلاف قولك: "جاءني زيد" فزيد معلوم، ولذلك كان قولك: "جاء زيد ضاحكًا" حال، بينما الذات الذي يراد الإخبار عنها بالشراء فهي غير معلومة، ولذلك يجب الإتيان بالاسم المنصوب الذي يعين تلك الذات المبهمة والغير واضحة، والتي لولا ذكرك لها، لبقي السامع يحتاج إلى كلام يتمم المعنى عنده.
ومنه قوله تعالى: ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ﴾ فإلى هنا لم تبين الذات المقصودة، هل هي أحد عشر امرأة، أو مسافرًا، أو كوكبًا، إلى آخره، فلمَّا قال سبحانه: ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا﴾ فهم المراد، فـ (كوكبًا): تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
فهنا نقول: التمييز هو اسم منصوب يفسر ويوضح وقوع الإبهام، وقوله: (لِمَا اِنْبَهَمَ) أي: لِمَا يحتمل أكثر من وجه من الذوات.
وضابط التمييز أن يصح أن تضع قبله كلمة: "مِنْ" أو كلمة: "من جهة"، فتقول: "اشتريت عشرين سيارة" يعني: عشرين من السيارات، يصح هذا أو لم يصح؟ تقول: "اشتريت عشرين كتابًا"، ضع "مِنْ" قبلها، فتقول: "اشتريت عشرين من الكتب"، يعني: إذا صَحَّ أن تقع قبلها "من" فإن هذا هو "تمييز"، وهذا بخلاف الحال، ولذلك لا يصح في الحال أن تضع قبله "من"، فلا يصح ولا يستقيم أن تقول: "جاء زيد من الضاحك"، ولكن في (باب التمييز) يصح أن تقدر قبله "من" أو "من جهة"، فتقول مثلا: "عندي ثلاثون كتابًا"، هنا لو قدرنا "من" سنقول: "عندي ثلاثون من الكتب".
"زيد أفضل من عليٍّ خُلقًا"، أي: من جهة الخلق، و "عليٌّ أفضل من محمد نسبًا"، يعني: من جهة النسب، فأنت إمَّا أن تقدر "من" فيستقيم الكلام معك، وإمَّا أن تقدر كلمة "من جهة".
لو أردنا أن تقدر في المثال الأول -الذي يصح أن نقدر فيه "من"- لو أردنا أن نقدر فيه "من جهة" فما يستقيم الكلام، تقول: "اشتريت عشرين كتابًا"، فما يصح أن تقول: "من جهة الكتب"، ولذلك هنا يقدر "من" فقط، فتقول: "اشتريت عشرين كتابًا"، أي: من الكتب، والكتاب هنا تمييز.
لو قلت: "زيد أكرم من محمد نسبًا"، فما يصح أن تقدر "من"، فلا يصح أن تقول: "من نسب"، بل تقول: "من جهة النسب"، فتجد أن الكلام قد استقام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: (نَحْوَ قَوْلِكَ: تَصَبَّبَ زَيْدٌ عَرَقًا) لو أردنا أن نطبق عليه الضابط، فنقول: "تصبب زيد"، هل نقول: "من عرق" أو نقول: "من جهة العرق"؟ نقول: من هذه الناحية، من هذه الجهة، تصبب عرقًا، تصبب دمًا، ونقول: "تصبب": فعل ماض مبني على الفتح، و "زيد": فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، و "عرقًا": تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
قال: (تَفَقَّأَ بَكْرٌ شَحْمًا) تفقأ يعني: تفتق، وهو فعل ماض مبني على الفتح، و "بكر": فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، و "شحمًا": تمييز لبكر، فبكر تفتق من جهة ماذا؟ نقول: من جهة الشحم، ولذا نقول: "شحم" تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. ونلاحظ أنه نكرة، وأنه جاء بعد تمام الكلام، وأنه فَسَّر لنا ذلك الذي حصل ما هو، فهو فسر شيئًا من ذلك الانبهام، ولذلك أعرب على أنه "تمييز".
قوله: (طَابَ مُحَمَّدٌ نَفْسًا) أي: من جهة النفس، و "طاب محمد خلقًا"، أي من جهة الخلق، فنقول: "طاب" فعل ماض، "محمد": فاعل، "نفسًا": تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
قال: (اِشْتَرَيْتُ عِشْرِينَ غُلَامًا) فـ "اشتريت": فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الفاعل، والتاء ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، و "عشرين": مفعول به منصوب، لأن الشراء وقع على هذه العشرين. إذًا هو مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، والكلام عن الملحق ليس في هذا الكتاب، وإنما في كتب أخرى. والمقصود أنَّ "عشرين": مفعول به. وكلمة: "عشرين" لا تفيد شيئًا معلومًا محددًا، فقد تكون "عشرين من الكتب" أو من غيرها، و "غلامًا": تمييز منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
قوله: (مَلَكْتُ تِسْعِينَ نَعْجَةً)، "ملكت": فعل وفاعل، "تسعين": مفعول به، لكن التسعين هذه مُبهمة، نقول: "من النعاج"، فتصير "نعجة": تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
قوله: (زَيْدٌ أَكْرَمُ مِنْكَ أَبًا) يعني: من جهة الأب، فنقول: "زيد": مبتدأ، "أكرم": خبر مرفوع، "منك": جار ومجرور، "أبًا": تمييز منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. ونقول: الكرم قد يكون من جهة الأب أو من جهة الأم، أو من جهة النسب، أو من جهة البذل، أو من جهة العلم، أو غير ذلك، وهنا في المثال: من جهة الأب، فأنا لَمَّا أقول: أكرم منك أبًا، أي: من هذه الناحية فقط.
قوله تعالى: ﴿وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا﴾ ، "فجرنا": فعل وفاعل، "الأرض": مفعول به منصوب، "عيونا": تمييز منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
فإن قلنا: هل يصح أن يقدر قبلها "من" أو "من جهة" كذا وكذا فيستقيم الكلام، وهناك تفصيل في الحقيقة أكثر من ذلك في هذه الجزئية، ولكني أخشى أن يكون فيه إشكال؛ لأنَّ هذا التمييز قد يكون من جهة الفاعل، وقد يكون من جهة المفعول، ولكن نتجاوز هذا.
يقول: (وَلَا يَكُونُ إِلَّا نَكِرَةً، وَلَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ اَلْكَلَامِ) فما يصح أن تقول: "اشتريت نعجة تسعين"، لأنك إذا قلت: "اشتريت نعجة"؛ ستعربها: مفعولا به. فأنت تحتاج حتى تميز أن تقول: "اشتريت عشرين"، وهذه هي المفعول به، و "نعجة": تمييز.
إذًا التمييز لا يكون قبل تمام الكلام.
فمن قال: "زيد أبا أكرم منك"، نقول: هذا خطأ، والصواب أن نقول: "زيد أكرم منك أبا"، و "أبا" يجب تأخيرها، ولابد أن تكون نكرة، ولا بد أن تكون بعد تمام الكلام.
إذًا هذه الجزئية، وهي: أن (لَا يَكُونُ إِلَّا نَكِرَةً، وَلَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ اَلْكَلَامِ) تتفق مع الحال، والذي يفسر لِمَا انبهم من الهيئات، أي: كيف هيئته جاء، وتلك تفسر المنبهم من الذوات، ما هي هذه الذات؟ أي: ما هي هذه الذات التي أوقعت عليها الفعل، فهي بالنسبة لنا مجهولة، كما لو قلت: "شربت ستين"، "أكلت أربعين"، أربعين ماذا؟ هل بيضة أو غيرها؟
إذًا هذا هو الفرق بينهما، هذا منبهم من الذوات، وذلك يفسر ما انبهم من الهيئات، وقلنا: ضابط التمييز أن يصح أن تقدر "من" قبله، ويصح أن تقدر "من جهة" كذا وكذا، فيستقيم معك الكلام، وهناك تفاصيل أخرى لا يحتمل هذا المختصر في هذا السياق.
{بارك الله فيكم، وفتح الله عليكم شيخنا.
تبقى من الوقت اليسير، ونريد أن نطرح إشكالية مع السادة المشاهدين، وهي قضية: صعوبة النحو، حيث إنَّ كثيرًا من الناس يستصعب هذا الفن، ويستصعب هذا العلم، وهو علم من علوم الآلة، علم النحو، كيف يفتح الله -تبارك وتعالى- عليه؟ فنريد أن نبدي ما هي -برأيكم- الأسباب التي قد يستشكلها كثير من المتعلمين للنحو، وكيف يعالجون هذه الإشكالية التي قد تطرأ عليهم، بحيث إنه يصبح هذا الفن لهم سهلا لينًا، ويتمكنون منه}.
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله.
الحقيقة أنَّ علم النحو يبدو أنه مشكلة شائعة بين الطلاب، ولذلك تجد ربما المتخصص أحيانًا، وربما عنده شهادات عليا ونحو ذلك، لكنه قد يكون عنده ضعف في هذا الباب، فنقول:
أولا: مما يسهل هذا العلم، أن يستعين بالله -تبارك وتعالى-، فلا يعتمد لا على حوله، ولا قوته، ولا ذكائه، ولا على من حوله من المشايخ، ولا أي شيء من هذه الأمور؛ لأنَّه إن لم يكن توفيق من الله للفتى، فأول ما يجني عليه اجتهاده، كما قال الشاعر.
فأولا: يسأل الله -عز وجل- الفتح، وَمما ذُكِرَ أنَّ شيخ الإسلام -ابن تيمية يقول: "استغفرت، واستغفرت، واستغفرت، فوجدت ملاحظات على سيبويه، يعني: أخرج له أخطاء، وليس المقصود إخراجها، ونبذ أهل العلم إلى خطأ هذا، لأن هذا ليس أسلوبا صحيحا، وإنما فُتِحَ عليه بالاستغفار.
الأمر الثاني: أن لا يدخل بنفسية المتردد المتشائم المنقبض من النحو، بل يدخل عليه بنفسية الذي يفهمه -بإذن الله تبارك وتعالى- وأنه مقدور عليه، وأنه مثله مثل غيره من العلوم. لذلك قد تجد بعض الناس متميزًا في الفيزياء والرياضيات وهذه علوم دقيقة مستصعبة، فإذا وجدت أنّ عندك قدرة في استيعابها، فمن باب أولى أن تستوعب النحو، ثم إنه كلام عربي، وكلامنا نحن عرب، والقرآن عربي، إلى غير ذلك، فهذا أيضًا مما يعطي الدافع النفسي للإنسان كي يستطيع أن يخوض هذا العلم.
الأمر الثالث: أن يتعمد قراءة الكتب الصغيرة، وبعض الناس قد يخوض في الكتب الكبيرة والمطولات، فيجد الخلاف، ويجد الردود، ويجد الاعتراضات، مما قد يؤدي إلى نفور نفسه من هذا.
لذا نقول: لا بد أن تعمد إلى كتاب صغير معتمد عند أهل العلم، كثير الشروح؛ لأنه إذا استغلق عليك باب من شارح معين في كتاب أو في تسجيل أو نحو ذلك، ترد غيره، يكفيك المؤن في هذا.
الأمر الرابع: حفظ المتن إذا استطاع الطالب الحفظ؛ لأنه كما قال أحد النُّحاة، وقد نسيت اسمه: يقول: "إذا لم تفهموا كلامي فاحفظوه، فإنكم إذا حفظتموه فهمتموه، يعني: الحفظ سبب للفهم -بإذن الله تبارك وتعالى- واستدامة الحفظ استدامة للفهم، فإن استطاع الطالب أن يحفظ المتن الذي يدرسه قبل الشروع فيه فهذا أفضل؛ لأنه إذا حفظ المتن تعلقت نفسه بفهم هذا الكتاب، فتجد أنَّ عنده صبر أكثر من الذي لم يحفظ ذلك الكتاب.
إذًا الحفظ سبيل من سبل التعلق بالكتاب، ومحاولة فهمه والصبر على ضبطه.
الأمر الخامس: تكرار هذا المتن، على سبيل المثال متن الآجرومية، نقول: كرره مرة ومرتين وثلاث وأربع، وكثير من العلماء كرروا كثيرًا من المتون حتى فهموها، ويذكر أن الشيخ ابن عثيمين مثلا: قرأ "الزاد" خمس مرات على شيخه السعدي، وهذا موجود ومكرر في التاريخ الإسلامي في قضية تكرار المتون.
{حتى لو كرر مرة ولم يفهم فيكرر أخرى ليفهم}.
{أنت لَمَّا تكرر أو لَمَّا تقرأ كتابًا أول مرة، فقد يعلق في ذهنك عشرين في المائة من المعلومات، وهذا بحد ذاته تقدم لك، فإذا قرأته مرة ثانية، ستجد أنه جلا شيء مما لم تفهمه، فصار معك أربعين في المائة، وستين في المائة، وتسعين في المائة، ثم إذا تيسر للطالب أن يشرح هذا الكتاب لغيره، فسيكون نور على نور، وتوفيق على توفيق، وبركة على بركة -بإذن الله تبارك وتعالى-.
وإن وجد من أقرانه من يدارسه هذا الكتاب، بحيث يقوم الطالب بالتحضير الجيد، يقول: سأحضر باب الكلام من الشرح الفلاني، وأفهم ما فيه وألقيه عليك، والأخر يلقيه على زميله، فهذا إخراج للمعلومة؛ لأن الإنسان لا يفهم ولا يقيس فهمه إلا إذا ناقشه غيره، أو أخرج هذه المعلومة.
إذًا هذه سبل من سبل فهم النحو، وهي:
أولا: الاعتماد على الله -تبارك وتعالى- وسؤاله الفتح.
ثانيا: أن يعمد إلى كتاب صغير كثير الشروح.
ثالثًا: أن يحفظ ذلك المتن، وأن يكرر ذلك الكتاب مدارسة ومناقشة مع غيره، وبإذن الله سينفتح عليه ما أغلق عليه، أي سيحصل الشيء الكثير في الزمن القصير -بإذن الله تبارك وتعالى-.
والتطبيق أيضًا يعد بلا شك من أفضل السبل في تثبيت القواعد، كما لا يخفى على الجميع.
{بارك الله فيكم شيخنا، وفتح الله لكم، وزادكم من فضله.
نأخذ فيما تبقى من الوقت تطبيقات على سورة الفتح، كنا قد توقفنا في الآية الثانية، عند قوله -تبارك وتعالى-: ﴿وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ }.
"يهديك": فعل مضارع منصوب، ومر معنا أنَّ الأصل في المضارع أنه إذا تجرد من الناصب والجازم يكون مرفوعًا، لكن وجدنا أنَّ "يهدي" فعل مضارع منصوب؛ لماذا؟ لأنه معطوف على: "ليغفر"، وهذا فعل مضارع منصوب.
"ويتم" حرف العطف كما مر معنا، والمعطوف على المنصوب لا بد أن يكون منصوبًا، "ويهديك" أيضا هذا حرف عطف، وجاء بعده فعل مضارع منصوب، إذًا هو معطوف على المنصوب، والمعطوف على المنصوب منصوب، والفاعل ضمير مستتر، و "يهديك" يعني: ربنا -سبحانه وتعالى-، و "الكاف": ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به؛ لأننا قلنا في الحلقات الماضية: إنَّ المفعول به قد يقع اسمًا ظاهرًا، وقد يقع ضميرًا، والضمير هذا إما أن يكون متصلًا، وإما أن يكون مفصلا، وهذا مثال للمفعول به الذي وقع ضميرا متصلا، فـنقول في: "يهديك" الكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به، ما الذي نصبه؟ "يهدي" هو الذي نصب هذه الكاف، يعني: هذا تطبيق للمفعول به الذي وقع ضميرا متصلا.
"صراطًا": مفعول به أيضًا؛ لأنَّ "يهدي" تنصب مفعولين، تقول: "هدى الله محمدًا الطريق المستقيم"، فـ "محمد": مفعول به أول، و "الطريق": مفعول به ثان، وهنا "صراطًا": مفعول به ثان منصوب.
طيب الصراط هل هي اسم أو فعل أو حرف؟ ننظر ماذا هي من العلامات التي مرت معنا؟ هل هو منون؟ صراطًا، نعم منون، إذًا هذا اسم.
هل يصح دخول "قد" عليه؟ نقول: لا يصح.
هل يصح أن تدخل السين عليه أو سوف؟ نقول: لا.
إذًا لَما وجدناه لا يقبل علامات الفعل التي مر ذكرها، وإنما قبل علامة من علامات الاسم، وهي: التنوين، أو أدخلنا عليها الألف واللام، فنقول: "الصراط" دلَّ هذا على أنها اسم من الأسماء.
و "مستقيمًا": أيضًا اسم، والدليل على ذلك أنه منون، فكونه منونًا يدل على أنه اسم من الأسماء، وهذا مثال للنعت، لأن الجملة: "يهديك صراطا. مستقيمًا"، فصفة الصراط أنه مستقيم.
إذًا هذا تطبيق للنعت الذي وقع تابعا للمنعوت، والمنعوت عندنا هو الصراط.
طيب ما هي صفة هذا الصراط؟ صفته أنه مستقيم، والنعت تابع للمنعوت في إعرابه. فـ "صراط" واحد، و "مستقيم" واحد، إذًا هذا مفرد، وهذا مفرد، وهذا مذكر، والآخر مذكر، وهذا منصوب، والآخر منصوب، وهذا نكرة، والآخر نكرة، فقال: "صراطًا مستقيمًا"، ولم يقل: "صراط المستقيم"، ولم يقل: "صراط مستقيمة"، إذًا تطابق معه في: الإفراد، وفي التذكير، وفي الإعراب، وفي التنكير، إذًا هذا تطبيق الصراط المستقيم في باب الوصف.
{قال تعالى: ﴿وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾}.
هذه فيها أمثلة كثيرة، "ينصرك": فعل مضارع منصوب. لماذا هو منصوب؟ هل يوجد قبله: (أن أو لن أو إذًا أو كي أو لام كي أو لام الجحود)؟ الجواب: ليس قبله شيء، ولكنه على يغفر، "ليغفر" منصوب، "ويتم" منصوب، "ويهديك" منصوب، وهنا قال: "وينصرك": إذًا هو منصوب، والمعطوف على منصوب منصوب.
إذًا عندنا هنا "الواو" حرف عطف، "وينصرك": فعل مضارع. طيب كيف أعرف أنه فعل مضارع؟ نقول: لو قبل دخول "السين، وسوف" عليه، تقول: "سوف ينصرك"، أو "سينصرك".
إذا "ينصرك" فعل مضارع، واستدللنا على ذلك بأن أدخلنا عليه: "السين، سوف"، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، يعني: هو ينصرك، يعني: الله -عز وجل-، والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.
إذًا عندنا المفعول به وقع مرة أخرى على أنه ضمير متصل، فالمفعول به قد يكون اسمًا ظاهرا، "أكرمت زيدا"، وقد يكون ضميرًا منفصلا، "إياك أكرمت"، وقد يكون ضميرًا متصلا في قولك: "ينصرك"، إذًا الكاف هنا ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعولا به.
"نصرًا": هذا مر معنا قبل قليل، وهو المفعول المطلق، تقول: "ضربت زيدًا ضربًا"، و "أكرمت محمدًا إكرامًا"، و "ينصرك الله نصرًا"، إذًا هذا مثال المفعول المطلق ليؤكد العامل، أي: يؤكد النصر، أن الله ينصرك نصرًا، ثم وصفه بقوله: "عزيزا"، و "عزيزا": نعت؛ لأنّه وصف له، فما صفة هذا النصر، نقول: "نصرًا عزيزًا" فنقول: "عزيز" وصف لـ "نصر"، والتابع يكون تابعًا للمنعوت في إعرابه، فهو منصوب؛ لأنَّ "نصرًا" منصوبًا. إذًا تطابق معه في الإعراب.
و "نصرًا" نكرة، و "عزيزًا": نكرة. إذًا هو منصوب، وهو نكرة مثله، وهو مفرد، و "عزيزًا" جاء مفردًا، وكلاهما جاء مذكرًا.
إذًا تطابق معه في أربعة من عشرة، كونه منصوبًا، يعني: في الإعراب، وكونه مفردًا، وكونه مُذكرًا، وكونه نكرة مثله.
{بارك الله فيكم شيخنا، وفتح الله لكم.
وننوه السادة المشاهدين إلى أنه -بإذن الله- في ختام كل درس، أو فيما تبقى من الوقت، نحاول أن نعرب من كلام الله -تبارك وتعالى- تطبيقًا لِمَا قد درسناه وأخذناه.
نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يفتح علينا وعليكم، وأن يزيدنا من فضله، والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام على طيب المتابعة.
نستودعكم الله، ونلتقي بكم في حلقات أخرى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
سلاسل أخرى للشيخ
-
19293 15