الدرس العاشر

فضيلة الشيخ عبدالله بن حسن الحارثي

إحصائية السلسلة

19284 15
الدرس العاشر

الآجرومية

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهلًا وسهلًا، مرحبًا بكم طلاب العلم، حياكم الله وبياكم وجعل الجنة مثوانا ومثواكم، نرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج (جادة المتعلم) للمستوى الثالث، والذي نشرح فيه كتاب (المقدمة الآجروميَّة) للإمام محمد بن آجروم -رحمه الله تعالى- يصطحبنا بشرحه فضيلة الشيخ/ عبد الله بن حسن الحارثي.
باسمكم جميعًا نرحب بفضيلة الشيخ حياكم الله}.
أهلًا وسهلًا ومرحبا، حياكم الله.
{أسعد الله أيامكم وأوقاتكم بالبركات والخيرات. الله يحفظكم نأخذ مراجعة بسيطة قبل أن نبدأ في باب الاستثناء}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله وبعدُ؛ فكنا قد شرعنا فيما مضى في الكلام عن الربع الثالث من هذا الكتاب المبارك وهو: "المنصوبات"، وذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- أنَّ المنصوبات خمسة عشر، ومر معنا فيما مر:
- المفعول به وهو أولها.
- وما يتعلق بالمصدر.
- وظرف الزمان وظرف المكان.
- وباب الحال.
- وباب التمييز.
ونحن اليوم -إن شاء الله- سنتكلم عن (بَاب اَلِاسْتِثْنَاءِ) باعتباره أحد هذه الأبواب التي ذكرها -رحمه الله تعالى- ابتداء في باب المنصوبات.
{قال- رحمه الله: (بَابُ اَلِاسْتِثْنَاءِ
وَحُرُوفُ اَلِاسْتِثْنَاءِ ثَمَانِيَةٌ، وَهِيَ: إِلَّا، وَغَيْرُ، وَسِوَى، وَسُوَى، وَسَوَاءٌ، وَخَلَا، وَعَدَا، وَحَاشَا.
فَالْمُسْتَثْنَى بِـ (إِلَّا) يُنْصَبُ إِذَا كَانَ اَلْكَلَامُ تَامًّا مُوجَبًا، نَحْوَ: "قَامَ اَلْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا"، وَ "خَرَجَ اَلنَّاسُ إِلَّا عَمْرًا"، وَإِنْ كَانَ اَلْكَلَامُ مَنْفِيًّا تَامًّا، جَازَ فِيهِ اَلْبَدَلُ وَالنَّصْبُ عَلَى اَلِاسْتِثْنَاءِ، نَحْوَ: "مَا قَامَ اَلْقَوْمُ إِلَّا زَيْدٌ"، وَ "إِلَّا زَيْدًا"، وَإِنْ كَانَ اَلْكَلَامُ نَاقِصًا، كَانَ عَلَى حَسَبِ اَلْعَوَامِلِ، نَحْوَ: "مَا قَامَ إِلَّا زَيْدٌ" وَ "مَا ضَرَبْتُ إِلَّا زَيْدًا"، وَ "مَا مَرَرْتُ إِلَّا بِزَيْدٍ".
وَالْمُسْتَثْنَى بِـ "غَيْرٍ، وَسِوَى، وَسُوَى، وَسَوَاءٍ"، مَجْرُورٌ لَا غَيْرُ.
وَالْمُسْتَثْنَى بِـ "خَلَا، وَعَدَا، وَحَاشَا"، يَجُوزُ نَصْبُهُ وَجَرُّهُ، نَحْوَ: "قَامَ اَلْقَوْمُ خَلَا زَيْدًا، وَزَيْدٍ"، وَ "عَدَا عَمْرًا وَعَمْرٍو"، وَ "حَاشَا بَكْرًا وَبَكْرٍ")
}.
يقول -رحمه الله تعالى: (بَابُ اَلِاسْتِثْنَاءِ)، والاستثناء في اللغة: هو مُطلق الإخراج.
وفي اصطلاح النُّحاة: هو عبارة عن الإخراج بـ (إلا) أو إحدى أخواتها. بمعنى: أنك تحكم حكمًا على مجموعة أفراد ثم تستثني من ذلك الحكم بعض أولئك الأفراد، سواء كان ذلك المستثنى فردًا واحدًا أو مجموعة أفراد أو أكثر من النصف، المهم أنك تحكم حكمًا على مجموعة، ثم تُخرج بعض أفراده من ذلك الحكم.
وهذه الطريقة لها أسلوب عند العرب باستخدام بعض الأدوات التي بها يُستثنى ذلك المستثنى، وهذه الأدوات التي تستخدم في هذا الباب على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما هو حرف دائمًا: وهو: (إِلَّا) وهو يقع دائمًا حرفًا لا محل من الإعراب.
القسم الثاني: الأسماء، مثل: (سِوى، وسُوى، وسواء، وغير).
(سِوى وسُوى) قيل: لغتان في كلمة واحدة، و (سواء وغير) هذه أسماء يُستثنى بها، فكما أنك تقول: "قام القوم إلا زيدا"، تقول: "قام القوم سِوى زيدٍ، سُوى زيدٍ، سواء زيدٍ، غير زيدٍ".
القسم الثالث: أدوات في هذا الباب يُستثنى بها أيضًا عند العرب، وتارة تكون هذه الأدوات حروف جر فتجر ما بعدها، ولذلك لَمَّا ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- حروف الجر، قال: (وحاشا).
هنا موضع الكلام عن (حاشا)، فهي أحيانا تكون حرف جر فتجر ما بعدها، تقول: "جاء الطلاب حاشا زيدٍ"، فـ "زيد": اسم مجرور بـ (حاشا) وهو في نفس المعنى مستثنى.
وقد تكون (حاشا، وخلا، وعدا) أفعالًا ماضية تنصب ما بعدها، تقول: "حاشا زيدًا، وخلا زيدًا، وعدا زيدًا".
إذًا عندنا أقسام الأدوات في باب الاستثناء ثلاثة:
* منها ما هو حرف، وهي: (إلا).
* ومنها ما هو اسم، وهي: أربعة (سِوى وسُوى وسواء وغير).
* ومنها ما هو تارة حرف جر فيجر ما بعده، وتارة يكون فعلًا ماضيًا فينصب ما بعدها على أنه مُستثنى.
والمستثنى في معناه من جهة الحكم العام: هو كالمفعول به من حيث المعنى، تقول: "جاء الطلابُ إلا زيدًا"، فـ "جاء": فعل ماض، و "الطلاب": فاعل مرفوع بالضمة، "إلا زيدًا": كأنك قلت: وأستثني زيدًا، فـ "أستثني": فعل مضارع، و "زيدًا": مفعول به منصوب، لكننا لا نقول عنه في (باب الاستثناء): مفعول به منصوب؛ وإنما نقول: مُستثنى منصوب، لكن من حيث المعنى: أنت استثنيت وأخرجت زيدًا من ذلك الحكم المتقدم، تقول: "جاء الطلابُ"، أنا أفهم من قولك: "جاء الطلاب" أنَّ جميع الطلاب قد حضروا، فلما تقول: "إلا زيدًا" كأنك قلت: وأستخرج زيدًا من ذلك الحكم، فـ "زيدًا" في الحقيقة هو مفعول به من هذه الناحية، فبدل أن تقول: أستخرج...، وتأتي بجملة إلى آخره؛ استخدم (إلا) التي تفيد تلك الجملة من غير الحاجة إلى كثرة كلام، فنأتي بهذه الأداة التي تدل على ذلك المعنى.
عندنا هنا قضية مهمة في باب الاستثناء وهي: أركان الاستثناء ثلاثة:
- المستثنى منه.
- أداة الاستثناء.
- المستثنى.
هذه ثلاثة أركان لا بد منها في (باب الاستثناء)، وسيأتي معنا تفصيل أكثر فيما يأتي من كلام المؤلف -رحمه الله تعالى.
المستثنى منه: هو المجموع -العدد الكثير-، تقول: "جاء الطلابُ إلا زيدًا" فـ "الطلاب" مستثنى منه، وعندنا أداة الاستثناء وهي: (إِلَّا)، وعندنا المستثنى الذي أخرجناه من حكم المستثنى منه، وهو: "زيدًا.
إذًا (إِلَّا) هي الأداة التي تستعمل في باب الاستثناء تتوسط بين المستثنى منه المتقدم وبين المستثنى الذي وقع بعدها، فما وقع بعدها حكمه يخالف حكم ما قبلها، فأنت تقول: "جاء الطلاب إلا طالبًا" فهذا الطالب ليس حكمه حكم الطلاب، الطلاب حكمت عليهم بالمجيء، وهذا استخرجته من ذلك الحكم، إذًا هذا هو معنى الاستثناء.
عندنا الآن تفصيل تحت هذه القضية وهو: أنَّ الكلام عندنا:
- إمَّا أن يكون تامًا، والمقصود بالكلام التام هو أن يذكر فيه المستثنى منه، تقول: "جاء الطلاب إلا زيدًا"، هذا المثال فيه: المستثنى منه، وهو "الطلاب" موجود، وأداة الاستثناء (إلا) موجودة، وكذلك المستثنى الذي هو "زيد" موجود.
فإذا ذُكر المستثنى منه مثل: "الطلاب" هنا؛ فهذا يسمى كلامًا تامًا، لماذا نقول هذا الكلام؟
لأنه سيأتي معنا أنَّ المستثنى قد لا يكون موجودا في الكلام، ويحصل استثناء هناك، وسيأتي بعد قليل.
إذًا الكلام يسمى: "تامًّا" في: (باب الاستثناء) إذا ذكر المستثنى منه، مثل: "جاء الطلاب إلا زيدًا".
لو أردت أن أمثل بمثال لم يذكر فيه المستثنى منه؛ تقول: "ما جاء إلا زيدٌ"، هنا ليس فيه مستثنى منه؛ إذًا هذا الكلام يسمى ناقصًا.
وهنا فرع تحت هذه القضية: إذا كان الكلام تامًا -أي ذكر فيه المستثنى منه- فإمَّا يتقدمه نفي، وإما ألا يتقدمه نفي.
مثال تقدم النفي عليه تقول: "ما جاء الطلاب إلا زيدًا".
فهذا الذي تقدمه نفي يسمى: "كلاما تاما"؛ لأن المستثنى منه موجودا، ويسمى: "منفيًا" لسبق أداة النفي له في أول الكلام.
فإن وجد المستثنى منه من غير ذكر للنفي، فيسمى: "كلامًا تامًا موجبًا". إذًا عندنا "الموجب" ضده "النفي".
سنبدأ بالحالة الأولى، وهي: إذا كان الكلام تاما -أي ذُكِرَ المستثنى منه في الجملة- من غير أن يسبقه نفي، تقول: "جاء الطلاب إلا زيدًا"، فهنا يجب عليك أن تنصب ما بعد (إلا) على أنه مستثنى، وليس فيه إلا وجه واحد فقط، تقول: "جاء" فعل ماضٍ مبني على الفتح، "الطلاب": فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، (إِلَّا) أداة استثناء، حرف لا محل من إعراب، "زيدًا" مستثنى منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
إذا هذا الكلام عندنا تام؛ لوجود المستثنى منه. هل هو منفي أو مثبت؟
الجواب أنه مثبت؛ لأنه لم يسبقه نفي، فأنا لم أقل: "ما قام"، وإنما قلت: "قام الطلاب إلا زيدًا".
إذًا في هذه الحالة ما بعد (إِلَّا) ليس لك فيه إلا وجه واحد، وهو أنك تنصب كلمة "زيد" على أنها مستثنى، ما تستطيع أن تغير هذا الحكم -وهو النصب- في جميع الأحوال التي سنذكرها بعد قليل.
إذًا؛ إذا كان الكلام تامًّا موجبًا -أي: غير منفي- ومثبت؛ فليس لك إلا وجه واحد بعد (إِلَّا).
مثال آخر، ودعنا نغير الآن الحركة الإعرابية للمستثنى. قبل قليل قلنا: "جاء الطلابُ" مرفوعة لأنها فاعل، نقول: "أكرمتُ الطلابَ إلا زيدًا"، "الطلابَ" مفعول به منصوب، و "زيدًا" لا بد أن تنصبه في هذه الحالة، وتعربه على أنه مستثنى منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
تقول: "سلمت على الطلابِ إلا زيدًا" فـ "زيدًا" هذه لا تراعي فيها المستثنى منه، فالمستثنى قد يكون مجرورًا، وقد يكون منصوبًا، وقد يكون مرفوعًا؛ وفي جميع الأحوال لا بد أن يكون ما بعد (إِلَّا) منصوبا على أنه مُستثنى، بغض النظر عن حركة المستثنى منه، تقول: "جاء الطلابُ إلا زيدًا"، "أكرمتُ الطلابَ إلا زيدًا، "سلمت على الطلابِ إلا زيدًا"، فإذا كان الكلام تامًا موجبًا، فما بعد (إِلَّا) الذي هو المستثنى لابد أن يلزم حالة واحدة، وهي: النصب على الاستثناء.
لماذا نقول هذا الكلام؟
لأنه سيأتي معنا بعد قليل -وهي الحالة الثانية- أنه يجوز لك فيما بعد (إِلَّا) في كلمة "زيد" وجهان، وهذا إذا كان الكلام تامًا منفيًا:
- إمَّا النصب على الاستثناء كالحالة الأولى.
- وإمَّا أن تتبع ما بعد (إِلَّا) حكم المستثنى منه.
مثال: إذا قلت لك: "ما جاء الطلابُ" هذا منفي غير مثبت، فيصح لك أن تقول: "ما جاء الطلاب إلا زيدًا" منصوب، ويصح لك وجه آخر، تقول فيه: "ما جاء الطلاب إلا زيدٌ"، فتعطيه نفس حركة المستثنى منه، المستثنى منه هنا مرفوع، فأنت مخير هنا بين أن تنصبه على الاستثناء وبين أن تعطيه نفس حركة المستثنى منه فتعربه على البدليَّة، والسبب في ذلك أنه منفي، فلمَّا كان منفيًا؛ جاز لك فيما بعد (إِلَّا) وجهان، أمَّا إذا لم يكن منفيًا فليس لك إلا وجه واحد وهو النصب.
مثال: "ما جاء الطلاب إلا زيدًا"
"ما": حرف نفي، "جاءَ": فعل ماض مبني على الفتح، "الطلابُ": فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، (إِلَّا): أداة استثناء مبنية على السكون لا محل لها من الإعراب، "زيدًا": مستثنى منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
الوجه الثاني تقول: "ما جاء الطلاب إلا زيدٌ".
"ما": حرف نفي، "جاءَ": فعل ماض مبني على الفتح، "الطلابُ": فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، (إِلَّا): أداة استثناء مبنية على السكون لا محل لها من الإعراب، "زيدٌ": بدل مرفوع من كلمة "الطلاب"؛ لأنَّ "الطلاب" مرفوعة، والبدل لا بد أن يكون له حكم المبدل منه.
مثال آخر: "ما أكرمتُ الطلاب إلا زيدًا". "زيدًا" هنا منصوب.
"ما": نافية، "أكرمتُ": فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، "الطلابَ": مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، (إِلَّا): حرف استثناء مبني على السكون لا محل له من الإعراب"، "زيدًا": إمَّا أن نعربها مُستثنى منصوب، وإمَّا أن نعربها بدل من "الطلاب"، وكلمة "الطلاب" أصلًا منصوبة، فهنا لك في كلمة "زيد" وجهان تقديرًا:
إمَّا أنه مستثنى منصوب، وإمَّا أنه بدل من كلمة: "الطلاب".
وسيتضح أكثر في هذا مثال، تقول: "ما سلمتُ على الطلابِ إلا زيدًا".
"ما": نافية، "سلمتُ": فعل وفاعل، "على": حرف جر، "الطلابِ": اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، (إِلَّا): حرف استثناء، "زيدًا": مُستثنى منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
ويصح لك وجه آخر فتقول: "ما سلمتُ على الطلابِ إلا زيدٍ"، فتكون "زيدٍ" بدل من "الطلاب" وهو مجرور، وبدل المجرور مجرور.
إذًا، إذا كان الكلام تامًا منفيًا يجوز الوجهان: النصب على الاستثناء، أو يكون المستثنى بدلاً للمستثنى منه، فإن كان منصوبًا نصبته، وإن كان مرفوعًا رفعته، وإن كان مجرورًا جررته، وهذه قضية مُهمة جدًّا في هذا السياق.
القضية الجديدة: أن تكون أداة الاستثناء ليست (إِلَّا) وإنما أداة الاستثناء (غير أو سوى أو سواء) كما سنذكرها بعد قليل، لكن سنمثل نحن بـ (غير).
تقول: "جَاءَ الطُّلابُ غَيرَ زَيدٍ"، فهنا استثناء بالاسم وهو (غير)، والكلام هنا تام موجب، يعني فيه مستثنى منه، وفيه أداة الاستثناء، وليس هناك نفي.
هنا نقول: تعطى (غير) من الناحية الإعرابية نفس ما أعطي الاسم الواقع بعد (إِلَّا) في الحالة الأولى، ألم نقل: "جاء الطلاب إلا زيدًا" فـ "زيدًا" منصوب، فإذا أردت أن أستثني بـ (غير)، فـ (غير) تأخذ حكم "زيد" نفسه، فكما تقول: "جاء الطلابُ إلا زيدًا" تقول: "جاء الطلاب غيرَ زيدٍ"، ودائمًا يكون ما بعدها مضافًا إليه مجرورًا.
أمَّا "غير" فتأخذ حكم المستثنى الذي كان مع استخدام (إِلَّا)، فكما أننا أعربنا "زيدًا" مُستثنى منصوبًا، فكذلك نعرب (غيرَ) مستثنى منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف، و "زيدٍ" مضاف إليه مجرور.
إذًا؛ إذا كان الكلام تامًّا موجبًا -يعني: كان المستثنى منه موجودة، وأداة الاستثناء موجودة- و (غير) هنا اسم، يعني لابد أن يكون لها محل من الإعراب؛ فتُعرَب على أنها مستثنى منصوب في هذه الحال، "جاءَ الطلابُ غيرَ زيدٍ"، وهنا ليس لك إلا أن تقول: "غيرَ" بالنَّصب.
لو استخدمنا (سوى) نقول: "جاء الطلاب سوى زيدٍ"، وهنا (سوى) منتهية بألف مقصورة، وهذه مما يتعذر فيها الإعراب.
فنقول: "جاء" فعل ماضٍ، "الطلابُ": فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، (سِوى أو سُوى): مستثنى منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف المقصورة، منع من ظهورها التَّعذر، وهي: مضاف و "زيدٍ" مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة.
وفي (سواء) تقول: "جاء الطلاب سواء زيد".
نقول: "جاء الطلابُ": فعل وفاعل، "سواء": مستثنى منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره وهي مضاف، "زيد": مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
نأتي للحالة الأخرى في هذه الأدوات التي هي: (غير، وسوى، وسواء) نأتي بكلام تام لكنه منفي، سنتعامل الآن مع (غير) بنفس التعامل الذي تعاملناه مع الاسم الواقع بعد (إِلَّا) في حالة كونه كلامًا منفيًا تامًّا.
قلنا هناك: "ما جاء الطلاب إلا زيدًا" أو "إلا زيدٌ"، فنفس المعاملة هنا لـ "زيدًا وزيدٌ" سنعامل "غير" بها.
فنقول: "ما جاء الطلاب غيرَ -وتقول: غيرُ- زيدٍ"؛ عندنا فيها وجهان؛ لأن الكلام هنا تام ولكنه منفي، فإذا كان الكلام تامًّا منفيًا، فلك وجهين في: (غير)، كما أنه كان له وجهان في: "زيد" لَمَّا قلت: "ما جاء الطلاب إلا زيدًا"، و "ما جاء الطلاب إلا زيدٌ"، فهنا نعامل كلمة: (غير) بمثل ما عاملنا به كلمة "زيد".
إذًا في حال ما إذا كان الكلام تامًّا منفيًا، يصح أن نقول: "مَا جَاءَ الطُّلابُ غَيرَ زَيدٍ"، ويصح كذلك أن نقول: "مَا جَاءَ الطُّلابُ غَيرُ زيدٍ".
والإعراب يكون كالتالي:
الوجه الأول: "مَا جَاءَ الطُّلابُ غَيرَ زَيدٍ"
"ما": نافية، "جاء": فعل ماض مبني على الفتح، "الطلاب": فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، (غيرَ): مستثنى منصوب وعلامة نصبه الفتحة، وهو مضاف، و "زيدٍ": مضاف إليه.
الوجه الثاني: "مَا جَاءَ الطُّلابُ غَيرُ زيدٍ".
"ما": حرف نفي، "جاء الطلابُ": فعل وفاعل، (غيرُ): بدل من كلمة "الطلاب"، وبدل المرفوع مرفوع، وهو مضاف، و"زيد" مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة.
مثال آخر لو قلت: "ما أكرمتُ الطلابَ غير زيدٍ"، فـ "غير" هنا فيها وجهان:
- إما أن تُعرب على أنها مُستثنى، فتقول: "مَا أَكْرَمتُ الطُّلابَ غَيرَ زيد"، "ما": نافية، "أكرمتُ": فعل وفاعل، "الطلابَ": مفعول به منصوب، "غيرَ": مستثنى منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف، و "زيدٍ": مضاف إليه.
- أو تعرب على أنَّها بدل، فتقول: "مَا أَكْرَمتُ الطُّلابَ غَيرَ زيد"، فـ "ما": نافية، و "أكرمتُ": فعل وفاعل، "الطلابَ" مفعول به منصوب، (غيرَ) بدل من "الطلابَ" منصوب، وبدل المنصوب منصوب.
إذًا؛ إمَّا أن تنصبها على الاستثناء أو تنصبها على البدليَّة.
 لو جئنا بمجرور، نقول: "مَا سَلَّمتُ عَلَى الطُّلابِ غَيرَ زيدٍ".
نعرب (غيرَ) فنقول: مستثنى منصوب، وهو مضاف، و"زيد" مضاف إليه".
أو تقول: "مَا سَلَّمتُ عَلَى الطُّلابِ غَيرِ زيدٍ"، فـ (غيرِ) هنا بدل من كلمة "الطلابِ"، وهي مجرورة.
إذًا عندنا قضية مهمة جدًّا، وهي أن يكون الكلام:
أولًا: تامًا، والمقصود بالتمام هنا: أن يكون المستثنى منه مذكورًا، وأن تأتي أداة الاستثناء، وأن يأتي المستثنى.
ثانيًا: مثبتًا غير منفي؛ مثل: "جاء الطلاب إلا زيدًا"
فإذا كان أداة الاستثناء (إِلَّا) فليس لك في "زيد" إلا وجه واحد وهو: النصب على الاستثناء.
أمَّا لو كان الكلام مًنفيًا، مثل: "ما جاء الطلاب إلا زيدًا"؛ فلك وجهان:
- إمَّا أن تنصب على الاستثناء، فتقول: "ما جاء الطلابُ إلا زيدًا".
- وإمَّا أن تبدل كلمة "زيد" من "الطلاب"، فلو كانت حركتها الرفع تقول: "ما جاء الطلابُ إلا زيدٌ"، أو "ما جاء الطلابُ إلا زيدًا"، ما سملتُ على الطلابِ إلا زيدًا"، و"وما سلمتُ على الطلابِ إلا زيدٍ".
أمَّا لو استخدمنا (غير) فإننا نعاملها بما عاملنا به "زيد" التي وقعت بعد (إِلَّا):
- فلو كان الكلام تامًّا مثبتًا: فليس لنا إلا وجه واحد في (غير)، كما أننا ليس لنا إلا وجه واحد في "زيد" التي وقعت بعد (إِلَّا)، مثل: "قام القوم غيرَ زيدٍ" فليس لك إلا وجه واحد وهو النصب على الاستثناء.
- وأمَّا إذا كان الكلام تامًّا منفيًّا، فلك وجهان، مثل: "ما قامَ القومُ غيرَ -وغيرُ- زيدٍ".
مثال: "ما أكرمتُ الطلابَ غيرَ زيدٍ" هنا النصب على أنها مستثنى منصوب، أو على أنها بدل من "الطلابَ" وهي أيضًا منصوبة.
مثال: "ما سلمتُ على الطلابِ غيرَ -وغيرِ- زيدٍ".
ومثلها: (سِوى وسُوى وسواء)، وكلها تعطيها نفس أحكام "غير".
مثال: "ما سلمتُ على الطلابِ سوى زيدٍ"، نقول: لنا وجهين في "سوى" هذه:
نعرب: "ما" نافية، "سلمت": فعل وفاعل، "على": حرف جر، "الطلابِ": اسم مجرور بـ "على" وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، (سوى): مستثنى منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر، و"سوى": مضاف و"زيد": مضاف إليه مجرور.
أو نقول: "ما سلمتُ على الطلابِ سوى زيدٍ"، "ما" نافية، "سلمت" فعل وفاعل، "على" حرف جر، "الطلابِ" اسم مجرور بـ "على" وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، (سوى) بدل من الطلاب مجرور، وبدل المجرور مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر، وهي مضاف و"زيد" مضاف إليه مجرور.
إذًا كل هذه الأمثلة على المستثنى إذا كان تامًّا موجبًا، فإذا كان تامًّا موجبًا فليس لك إلا وجه واحد وهو النَّصب، وإن كان تامًّا منفيًا فلك وجهان: إمَّا النَّصب على الاستثناء، وإمَّا البدلية من المستثنى منه.
الحالة الجديدة الآن فيما لو وقع عندنا نقص في الكلام، ليس عندنا مستثنى، تقول: "ما قامَ إلا زيدٌ"، طيب في هذه الحالة كيف أتعامل أنا مع ما بعد (إِلَّا)؟
نقول: تتعامل مع ما بعد (إِلَّا) كأن أداة الاستثناء هذه غير موجودة، يعني لو قلنا: "ما قامَ إلا زيدٌ"، احذف (إِلَّا) و "ما"؛ تقول: "قامَ زيدٌ"، فـ "زيدٌ" هنا فاعل.
إذًا؛ إذا لم يكن المستثنى منه موجودًا فنُعرب ما بعد (إِلَّا) بحسب العوامل التي تقتضيها الجملة فيما لو لم تكن (إِلَّا) موجودة.
تقول: "ما قامَ إلا زيدٌ" فتعرب "ما": نافية، "قام": فعل ماض مبني على الفتح، (إِلَّا): هذه ملغاة، "زيد": فاعل، فكأنك قلت: "قامَ زيدٌ" أو "ما قامَ زيدٌ" هي في كل الأحوال ستعرف على أنها فاعل.
مثال آخر حتى يتضح، تقول: "ما أكرمتُ إلا زيدًا"، هل عندنا هنا مستثنى منه؟
لا؛ إذًا هذا يُسمى الاستثناء المفرَّغ، المفرغ وهو الاستثناء الناقص، ويكون المستثنى منه غير موجود، وبالتالي تفرَّغ للعمل فيما بعد (إِلَّا) وهي في كلمة "زيد".
مثال: "ما أكرمتُ إلا زيدًا"، احذف (إِلَّا) و "ما" كأنك قلت: "أكرمتُ زيدًا"، فـ "زيدًا" هنا تعرب مفعولًا به.
ونقول في إعراب "ما أكرمتُ إلا زيدًا": "ما" نافية، "أكرمتُ": فعل وفاعل، و (إلا) ملغاة، "زيدًا" مفعول به منصوب، ولا نقول: مُستثنى منصوب، لأنَّه ليس عندنا مستثنى منه.
إذًا؛ لَمَّا يكون الكلام ناقصًا فإننا نعرب ما بعد (إِلَّا) بحسب العوامل التي تقتضيها الجملة، فإن كان ما قبلها يقتضي مفعولًا أعربنا على أن ما بعد (إِلَّا) مفعول به، وإن كان ما قبل (إِلَّا) يقتضي فاعلا أعربنا ما بعده (إِلَّا) على أنه فاعل.
فإذا كان مجرورًا مثل: "ما مررت إلا بزيدٍ"، فنعرب كالآتي:
"مرَّ": فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل، والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل، (إِلَّا) ملغاة، و "الباء": حرف جر، و "زيدٍ" اسم مجرور بالباء، ما عندنا لا استثناء منصوب ولا غير ذلك.
إذًا؛ إذا لم يذكر المستثنى منه في الجملة فننظر فيما قبل (إِلَّا) وفيما بعد (إِلَّا)، ننظر إلى ما قبل (إِلَّا) هل هو فعل مثلا يحتاج إلى فاعل؟ الجواب: نعم، إذًا نعرب ما بعد (إِلَّا) على أنه فاعل مرفوع.
مثال: "ما جاء إلا زيدٌ" فـ "زيد" هنا فاعل.
مثال: "ما أكرمت إلا زيدًا"، "أكرمتُ": فعل وفاعل، فيحتاج إلى مفعول به، فنعرب ما بعد (إِلَّا) على أنه مفعول به.
لو قلت لك: "ما محمد إلا شاعرٌ"، هل المستثنى منه موجود؟ لا؛ لو حذفنا أداة النفي وأداة الاستثناء وقلنا: "محمدٌ شاعرٌ" فتكون "محمد" مبتدأ، و"شاعر" خبر.
إذًا؛ إذا لم يذكر المستثنى منه فنعتبر أن (إِلَّا) غير موجودة في الجملة وننظر في سياق الكلام، ما قبل الاسم هذا الذي وقع بعد (إِلَّا) هل ما قبله مبتدأ يحتاج إلى خبر؟ إذا نعرب ما بعد (إِلَّا) خبر، إذا كان ما قبلها فعل وفاعله غير مذكور، إذًا نعرب ما بعد (إِلَّا) على أنه فاعل مرفوع، إذا ذكر الفعل والفاعل لكنه يحتاج إلى مفعول به، فنعرب ما بعد (إِلَّا) على أنه مفعول به، هذا في حال عدم ذكر المستثنى منه، أما لو ذُكر المستثنى فنعود للحالات الأولى:
- إما أن يكون تامًّا موجبًا غير منفي: فليس لنا إلا وجه واحد فيما بعد (إِلَّا) تقول: "جاء الطلاب إلا زيدًا".
- فلو كان الكلام تامًّا لكنه منفي؛ لك وجهان:
* إمَّا النَّصب على الاستثناء: "ما جاء الطلاب إلا زيدًا" فنقول: مستثنى منصوب.
* وإمَّا الإعراب على البدليَّة:
مثال الرفع: "ما جاء الطلابُ إلا زيدٌ".
مثال الجر: "مررتُ بالطلاب إلا زيدًا" و"إلا زيدٍ" وجهان لأنه كلام منفي.
مثال النصب: "ما أكرمتُ الطلابَ إلا زيدًا" على أنها مستثنى منصوب أو على أنها بدل من "الطلاب" التي هي مفعول به منصوب.
بقي عندنا في هذه الجزئية المتعلقة بمسألة "حاشا" وهذه من أدوات الاستثناء، وقلنا إن أدوات الاستثناء ثلاثة "إلا، غير، سِوى، سُوى، سواء، حاشا".
مثال: "قامَ القومُ حاشا زيدٍ"، هذا الكلام تام لأن المستثنى منه مذكور في الجملة، فـ "حاشا" هنا نعتبرها حرف جر، وتفيد الاستثناء من حيث المعنى، ولكن من حيث العمل حرف جر.
إذًا؛ نقول في: (حاشا):
- إمَّا أن تعتبرها حرف جر فتجر ما بعدها، تقول: "جاء الطلاب حاشا زيدٍ"، "جاء": فعل ماض، "الطلاب": فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة، "حاشا": حرف جر مبني على السكون، و "زيد": اسم مجرور بـ (حاشا) وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
مثال: "جاء الطلاب عدا زيدٍ"، نقول: (عدا) حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب، و"زيد" اسم مجرور، وعلامة جره الكسرة، وهو مجرور بـ "عدا".
مثال: "جاء الطلاب خلا زيد"، (خلا): حرف جر مبني على السكون، و "زيد": اسم مجرور بـ (خلا) وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره؛ هذا إذا اعتبرتها أنا حروف.
- وإما أن تعتبرها أفعال، ويكون ما بعدها منصوب على أنه مفعول به، فتقول: "جاء الطلاب حاشا زيدًا وخلا زيدًا وعدا زيدًا"؛ فـ "زيدًا" هنا مفعول به منصوب.
لكن لو أنك سبقت "خلا وحاشا وعدا" بـ "ما" فهنا تتعين أن تكون أفعالًا، وبالتالي ليس لك إلا أن تنصب ما بعدها.
مثال: "ما جاء الطلاب خلا زيدًا، ما جاء القوم حاشا محمدًا، ما جاء الطلاب عدا زيدًا" هنا ليس لك إلا وجه واحد.
أمَّا إذا لم تسبق بـ "ما" فلك وجهان: "جاء الطلاب عدا زيدًا" و"عدا زيدٍ"، "حضر الطلابُ خلا زيدًا" و"خلا زيدٍ".
إذا خلاصة باب الاستثناء أن يقال: إنَّ عندنا حكم يكون على مجموعة من الأفراد، ثم يقتضي كلام المتكلم أن يستثني بعض ذلك العموم المفهوم مما تقدم من المستثنى منه:
- فإن كان هذا الكلام تامًّا -أي: مذكورًا فيه المستثنى منه- ولم يكن منفيًّا، كقولك: "جاء القوم إلا زيدًا" فليس لك في هذه الحال إلا نَصب ما بعد (إِلَّا).
- وإن كان هذا الكلام تامًّا -أي مذكورًا فيه المستثنى منه- وسُبق بنفي؛ فلك وجهان فيما بعد (إِلَّا):
إمَّا النصب على الاستثناء، وإمَّا البدلية من المستثنى منه، فإن كان المستثنى منه مرفوعًا، رفعت ما بعد (إِلَّا)، وإن كان منصوبا نصبت ما بعد (إِلَّا)، وإن كان مجرورًا جررت ما بعد (إِلَّا).
مثال: "ما قام القوم إلا زيدًا إلا زيدٌ"، "ما أكرمت الطلاب إلا زيدًا وإلا زيدًا"، "ما مررت بالطلاب إلا زيدًا وإلا زيدٍ".
أمَّا (غير، وسِوى وسواء)، فهي أدوات، ولكنها أسماء، ونتعامل معها كما تعاملنا مع "زيد" التي وقعت بعد (إِلَّا):
- فإن كان الكلام تامًّا؛ فليس لك إلا وجه واحد في (غير) وأخواتها، وهو النصب، تقول: "قامَ القومُ غيرَ زيدٍ" فـ (غيرَ) مُستثنى منصوب وهو مُضاف، و "زيدٍ": مضاف إليه.
- أمَّا لو قدَّمت عليها النفي فلك وجهان: النصب على الاستثناء، والإعراب على البدلية، تقول: "ما قام القوم غيرَ زيدٍ" "غيرُ زيدٍ"، "ما أكرمتُ الطلابَ غيرَ زيدٍ" منصوبة على البدليَّة أو الاستثناء، "ما سلمتُ على الطلاب غيرَ زيدٍ" و "غيرِ زيدٍ".
ثم استثنينا (خلا، وعدا، وحاشا) وقلنا: إمَّا أن تعتبرها حروف جر فتجر ما بعدها، وإمَّا أن تعتبرها أفعالًا فتنصب ما بعدها، ولكنها إذا سبقت بـ "ما" فيتعيَّن أن تنصب ما بعدها، لأنها لا تحتمل إلا أن تكون أفعالًا.
أمَّا إذا تجردت عن "ما"، فتحتمل أن تكون حروف جر فتجر ما بعدها، وتحتمل أن تكون أفعالًا فتنصب ما بعدها.
وذكرنا أيضًا قضية مهمة جدًا وهي فيما لو لم يذكر المستثنى منه، تقول: "ما قام إلا زيدٌ" فهنا ما عندنا مستثنى منه فكيف أعامل ما بعد (إِلَّا)؟
نقول: تعاملها بحسب ما قبل (إِلَّا) قبل (إِلَّا) هل هو فعل؟ وهل فاعله مذكور أو غير مذكور؟ فإذا كان غير مذكور فتعرب ما بعده على أنه فاعل ذلك الفعل.
مثال: "ما قام إلا زيدٌ" كأن (إِلَّا) غير موجودة فتقول: "قام زيدٌ"، إذا "زيدٌ" فاعل؛ فتعرب "ما قام إلا زيدٌ"، "ما" نافية، "قام" فعل ماض، (إِلَّا) أداة استثناء ملغاة، "زيد" فاعل.
طيب لو قلت لك مثلًا: "ما أكرمتُ إلا زيدًا" ننظر فيما قبلها، عندنا فعل وفاعل، إذًا بقي لنا المفعول به، فنعرب "زيدًا" على أنه مفعول به، فكأن (إِلَّا) غير موجودة، كأنك قلت: "أكرمت زيدًا".
مثال: "ما مررت إلا بزيدٍ" نعرب "مررتُ" فعل وفاعل، (إِلَّا) أداة استثناء ملغاة، الباء حرف جر، "زيد" اسم مجرور.
مثال: قال الله تعالى ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ ، "ما" نافية، "محمد" مبتدأ، "رسول" خبر، ليس هناك استثناء ولا مستثنى منه، هو في المعنى قد يشير إلى ذلك لكن طالما أنه ما هناك مستثنى منه فيعامل ما بعد (إِلَّا) بحسب العوامل التي قبله، فننظر في العامل الذي قبله ماذا يتطلب؟ إذا كان يتطلب خبرا إذًا نعرب ما بعد (إِلَّا) خبرً، يتطلب فاعلا نعربه فاعلا، يتطلب مفعولا به نعرب ما بعد (إِلَّا) مفعولا به ... وهكذا.
هذه جملة القول فيما يتعلق بقضية الاستثناء، وإن كان فضل شيء من الوقت ممكن نطبق أمثلة.
{ذكرنا أيها المشاهدون أنه إذا تبقى وقت فسنبدأ نطبق الإعراب على كتاب الله -تبارك وتعالى- من سورة الفتح، مما قد بدأناه في الحلقات الماضية، وتوقفنا عند الآية الثالثة، عند قول الله -تبارك وتعالى: ﴿وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾ [الفتح: 3]}.
هذه مرت معنا قلنا: "ينصرَكَ"، هذا مضارع منصوب، وسبب نصبه: أنه معطوف على "يغفر"، ودائمًا المعطوف على المنصوب منصوب، لأن الله قال: ﴿ليغفرَ﴾ ، فـ "يغفرَ" منصوب باللام التي مرت معنا في باب النواصب، فكلُّ فعل مضارع معطوف على هذا المنصوب لا بد أن يأخذ حكمه، فوجدنا أنَّ عندنا ثلاثة أفعال جاءت بعد "يغفر" كلها منصوبة؛ لأن المعطوف على المنصوب منصوب، وهي: "يتم، ويهديك، وينصرك" فكلها منصوبة؛ لأنها معطوفة على "يغفر" المتقدم، والمعطوف على المنصوب منصوبِ.
وقلنا: هذه الكاف مفعول به منصوب، وسبق الكلام عن هذه الجزئية.
قوله: ﴿نَصْرًا عَزِيزًا﴾ ، "نصر" مصدر "نصر ينصر نصرا" وجاء ليؤكد النصر.
ثم وصفه فقال: ﴿عَزِيزًا﴾ هذا نعت لـ "نصر" وهي منصوبة، إذًا "عزيزا" لا بد أن تكون منصوبة، و "نصرًا" مفردة؛ إذًا لا بد أن تكون "عزيز" الذي وصف لها مفردة، كذلك "نصرًا" هنا نكرة كذلك، فتأتي "عزيزًا" نكرة، وكذلك "نصرًا مفردة" فتأتي "عزيزًا" مفردة.
إذا هذا تطبيق لباب النعت الذي مر معنا، وهي أن النعت يطابق المنعوت في أربعة من عشرة: في تعريفه، وتنكيره، إفراده، وتثنيته، وجمعه، رفعه، ونصبه، وخفضه، وجزمه.
{قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ [الفتح: 4]}.
"هو" ضمير، وقلنا: الضمائر كلها مبنية، وهو مبتدأ، والذي يعنينا هنا أنَّ هذا ضمير، وقد مر معنا أنَّ المبتدأ قد يكون اسمًا ظاهرًا مثل: "زيد مسافر"، وقد يكون ضميرًا مثل: "أنا مسافر"، كذلك "هو، وهي، وهما، وهم، وهن"، هذه كلها أيضا تقع على أنها مبتدأ.
إذًا؛ هنا "هو" ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ.
"الذي" اسم موصول مبني في محل رفع خبر.
أنزل" هل هو اسم أو فعل أو حرف؟
هل يقبل التنوين، فتقول: "أنزلٌ"؟ لا.
هل يقبل "أل" فتقول: "الأنزل"؟ لا.
هل يقبل حرف الجر فتقول: "من أنزل"؟ لا.
إذًا؛ خرج من باب الأسماء.
هل هو فعل مضارع، فتقول: "سأنزل، سوف أنزل"؟ لا، لم يقبل علامات المضارع.
هل يقبل تاء التأنيث فتقول: "أنزلت هند ولدها إلى كذا..."؟ نعم قبِلَ تاء التاء التأنيث، إذًا هذا فعل ماضٍ.
وكذلك يقبل تاء الفاعل، فتقول: "أنزلتُ الماء، أنزلتُ الحمل من على البعير"، فلما قبل تاء الفاعل دل على أنه فعل ماضٍ.
إذًا؛ نقول: "أنزلَ" فعل ماضٍ مبني على الفتح، وفاعله ضمير مستتر تقديره "هو" يعود على الله -تبارك وتعالى- أي: أنزلَ هو.
"السكينة" هل هي فعل أو اسم أو حرف؟
اسم لوجود الألف واللام فيها، إذًا وجدت العلامة التي من علامة الأسماء وهي الألف واللام.
"السكينة" ما هي حركتها الأعرابية؟
الفتحة، لو سألنا: ماذا أنزل الله؟
تقول: السكينة، إذًا "السكينة" هنا مفعول به، والمفعول به قلنا يأتي منصوبا.
إذًا نقول: "السكينة" مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
لماذا علامة النصب هي الفتحة ولم تكن الياء ولم تكن الألف؟
لأنه اسم مفرد كما مر معنا.
"في" حرف جر، لأنه لا يقبل علامات الفعل فلا تقل "سـ في" أو "قد في" ولا يقبل التاء؛ إذًا لا يقبل علامات الاسم ولا علامات الفعل؛ فيكون حرف من حروف الجر.
"قلوب": اسم لأنه قبل دخول حرف الجر عليه، فكل كلمة تقبل دخول حرف الجر تكون اسمًا، وكذلك "قلوبِ" الباء مكسورة.
إذًا؛ عندنا علامتان:
الأولى: دخول "في" عليه.
الثانية: الجر في آخرها.
لأنَّ المؤلف قال: (فَالِاسْمُ يُعْرَفُ بالخفض وَالتَّنْوِينِ، وَدُخُولِ اَلْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَحُرُوفِ اَلْخَفْضِ).
و"قلوب": مضاف، و"المؤمنين": مضاف إليه مجرور وعلامة جره الياء؛ لأنه جمع مذكر جمع مذكر سالم.
قال المؤلف: (وَلِلْخَفْضِ ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ... ثم ذكر: وَأَمَّا الْيَاءُ: فَتَكُونُ عَلَامَةً لِلْخَفْضِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ، وَفِي التَّثْنِيَةِ، وَالْجَمْعِ).
تقول: "سلمت على أبيك"، و "سلمت على الطالبين"، و "سلمت على المسلمين" إذًا هنا الياء نابت عن الكسرة.
إذًا "المؤمنين": مضاف إليه مجرور وعلامة جره الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مذكر سالم.
"ليزدادوا": وأصلها "يزدادون" فعل مضارع اتصلت به واو الجماعة فيكون من الأفعال الخمسة، والأفعال الخمسة تُرفع بثبات النون، فأصبحت "يزدادون"، ولكن هنا النون انتفت لوجود الناصب، وقلنا: إن الفعل المضارع إما أن ينتصب:
- بالفتحة: وهو الأصل.
- أو بحذف النون: إذا دخل عليه ناصب.
وهنا اللام دخلت على الفعل المضارع، لأن النواصب: "أن، لن، إذًا، كي، لام كي"؛ فهي لام التعليل، فنقول: "ليزدادوا" فعل مضارع منصوب باللام وعلامة نصبه حذف النون، والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
إذًا؛ هذا تطبق للفعل المضارع الذي انتصب، وعلامة نصبه حذف النون.
"إيمانًا": مفعول به منصوب، لماذا أنزل الله السكينة؟ لأجل أن يحصل منهم ازدياد من الإيمان، فـ "إيمانًا": مفعول به، والمفعول به يكون منصوبًا.
و "إيمانًا": هل هي اسم أو فعل أو حرف؟
الجواب: اسم لأن فيه تنوين، وما موقعه الأعرابي؟
نقول: مفعول به منصوب؛ لأنَّ الازدياد وقع على هذا الإيمان، والواو هي الفاعل، أي: يزداد المؤمنون إيمانًا.
"مع": ظرف منصوب، وهو مضاف و"إيمانهم": مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة إلى آخره.
و"إيمانهم" كما تلاحظ أنه اسم، لأن من علامات الأسماء أنها تضاف، والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه.
قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ .
"وَلِلَّهِ": الواو بحسب ما قبلها وهي عاطفة.
اللام في "لله": حرف جر، ولفظ الجلالة هل هو اسم أو فعل أو حرف؟
نقول: اسم. والسبب في ذلك: أنه دخل حرف الجر الذي هو اللام، لأن اللام من حروف الجر كما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى.
"جُنُودُ": مبتدأ مؤخر، و"لله": خبر مقدم، يعني: جنود السماوات والأرض لله، وقدمها -والله أعلم- للحصر، يعني: له الجنود الكاملة أو الحقيقية أو كذا لله، كما تقول: "في الدار زيد" فقدمت الجار والمجرور وأخرت المبتدأ.
إذًا "جُنُودُ": مبتدأ مؤخر مرفوع وهو مضاف.
"جُنُودُ": اسم أو فعل أو حرف؟
لو أدخلنا عليها الألف واللام تقبل؟
الجواب: تقبل، إذًا كلمة "جنود": اسم.
و "جُنُودُ": مضاف و"السماوات": مضاف إليه.
طيب "السَّمَاوَاتِ" هذه هل هي جمع تكسير؟ أو جمع مذكر سالم؟ أو جمع مؤنث سالم؟
الجواب: "سماء – سماوات"، إذا هي جمع مؤنث سالم، لأنها جمعت بألف وتاء؛ لأنَّ أصلها "السماء"، وأصبحت: "السَّمَاوَاتِ"، ولأنَّ "سماء" أصلها "سماو"، وبعد الجمع ظهرت هذه الهمزة لأنها منقلبة عنه.
إذًا "جُنُودُ" مبتدأ وهو مضاف، و "السَّمَاوَاتِ" مضاف إليه.
طيب "السَّمَاوَاتِ" هذه اسم أو فعل أو حرف؟
الجواب: اسم، والسبب هو: دخول الألف واللام.
"وَالْأَرْضِ" الواو حرف عطف، و "الْأَرْضِ" مجرورة، لأننا عطفناه على "السماوات" وهي مجرورة فالمعطوف يعني مجرورا لا بد من أن يكون مجرورًا، إذا هذا تطبيق لباب العطف في توسط حرف العطف بين المعطوف والمعطوف عليه، فلما تقدّمت الكلمة وهي "السماوات" وكانت مجرورة كان ما بعدها مجرورًا، كأن العطف للتكرار، فكأنه قال: "لله ما جنود السماوات ولله جنود الأرض".
"كَانَ" فعل ماض ناقص، يرفع الاسم وينصب الخبر.
"اللهُ" لفظ الجلالة اسم "كان" مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، لماذا الضمة ولم تكن الألف والواو؟ لأنه مفرد، والاسم المفرد يرفع بالضمة.
"عَلِيمًا" خبر كان منصوب وعلامة الفتحة الظاهرة على آخره.
"حَكِيمًا" خبر ثان لـ "كان" لأنه قد يتعدد الخبر، تقول: "زيد شاعر كاتب عالم"، فهي ثلاثة أخبار يُمكن أن تخبر عنها لشخص واحد، هنا الله أخبر عن نفسه بخبرين: عليما وحكيما.
{شيخنا في قوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ﴾ الواو هنا، بماذا تعرب؟}.
الواو أحيانا تكون للاستئناف، كأنه انقطع الكلام عمَّا مضي، وكأنه استأنف وبدأ كلاما جديدا، فقال: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ ، لأن الواو لها أنواع كثيرة، منها: واو العطف، واو الحال، واو الاستثناء، واو المعية؛ لها أنواع كثيرة، وهنا -والله أعلم- أنها واو الاستئناف، بمعنى أنه انقطع الكلام عمَّا مضى وكأنه بدأ كلمة جديدة أو جملة جديدة فقال: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ ، وهذه لها فوائد بلاغية ليس هذا موضع ذكرها الآن، ولا يحضرني شيء حولها في الحقيقة الآن.
{الواو تتعدد وظائفها}.
نعم، قد تكون عطفًا وقد تكون واو الحال، وقد تكون واو الاستئناف، وقد تكون غيرها من الواوات التي هي مذكورة؛ وهذه يذكرها في باب معاني الحروف، تجد أنهم ينصون عليه ويذكرون معانيها ويمثِّلون، ثم يتنازعون في هذه الواو هل هي تحتوي العطف هنا؟ أو هي واو الاستئناف أو هل هي واو الحال؟ أو نحو ذلك مما يدور في هذا الفلك.
{فتح الله لكم شيخنا، وبارك الله فيكم، ونفع بكم من فضله، والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام على طيب المتابعة، وكما ذكرنا لكم أن هذه التطبيقات هي مفيدة لدارس النحو، وهذه التطبيقات هي ما تثبِّت، وليس لي أن أتحدث بين يدي شيخنا في أهمية التطبيقات، أسأل الله أن يفتح عليكم جزاكم الله خير.
والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام على طيب المتابعة نلتقي بكم -بإذن الله- في لقاءات أخرى، أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك

سلاسل أخرى للشيخ