الدرس الثالث

فضيلة الشيخ عبدالله بن حسن الحارثي

إحصائية السلسلة

19284 15
الدرس الثالث

الآجرومية

{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله الذي شرح صدور أوليائه بالإيمان، وفتح لهم أبواب النصوص بقواعد البيان، وصلى الله على من أنزل الله عليه الكتابَ والميزان، وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان، حياكم الله وبياكم، مرحبًا بطلاب العلم، نرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج (جادة المتعلم) للمستوى الثالث، والذي نشرح فيه (المقدمة الآجرومية) للإمام محمد بن آجروم -رحمه الله تعالى-، يصحبنا بشرحه فضيلة الشيخ/ عبد الله بن حسن الحارثي.
باسمكم جميعًا نرحب بفضيلة الشيخ، حياكم الله شيخ عبد الله}.
أهلاً وسهلاً ومرحبًا، حفظكم الله وبارك فيكم.
{طيب الله أيامكم وأعمالكم بالبركات، نلخص ما قد أخذناه في الدرس الماضي}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله وبعد، سبق أن ذكرنا -أيها الأحبة في الله- أنَّ الْآجُرُّومِيَّةِ عبارة عن أربعة أقسام:
مقدمة: ذكر فيها المؤلف -رحمه الله تعالى- الكلام، وأقسام الكلام، وعلامات كل قسم.
ثم تكلم بعد ذلك عن المرفوعات، ثم المنصوبات، ثم المجرورات، ومما مضى ذكره في المقدمة ذكر القيود الأربعة التي متى اجتمعت سمي هذا اللفظ كلامًا عند النُّحاة، وأن يكون لفظًا، أي: خارجًا من فم، ومركبا ومفيدا بالوضع العربي.
ثم بيَّن المؤلف -رحمه الله تعالى- أنَّ هذا الكلام ينقسم إلى ثلاثة أقسام: "الاسم، والفعل، والحرف"، وليس معنى ذلك أنَّ كل كلام يتكلم به المتكلم لابد أن يكون حاويًا لهذه الأمور الثلاثة، بل قد يُكَوِّنُ المتكلم جملة مُفيدة من اسمين، أو من اسم وفعل، أو حرف واسم أو نحو ذلك، كما سيأتي معنا -إن شاء الله- في باب النداء.
فالمقصود أنَّ دليل التقسيم هذا هو التتبع والاستقراء، أو القسم العقلي الذي أشرنا إليه فيما مضي. ثم ذكر المؤلف علامات كل قسم، فبدأ بالاسم؛ لأنه أشرف، فذكر علاماته، وذكر أنَّ أبرز علاماته أربع، وهي: (بالخفض، وَالتَّنْوِينِ، وَدُخُولِ اَلْأَلِفِ وَاللَّامِ).
ثم ذكر جملة من حروف الجر، وذكرنا شيئًا من معانيها، ثم ذكر العلامة التي تُبين الفعل وتميزه عن الاسم والحرف، فذكر علامة مشتركة وهي: (قَدْ) فهي تدخل على الفعل الماضي، وتدخل كذلك على المضارع، وإذا دخلت على الماضي فلها معنيان: "التحقيق والتقريب"، وإذا دخلت على الفعل المضارع فإنَّها تفيد "التقليل أو التكثير".
ثم ذكر العلامة الخاصة بالمضارع، وهي: (السِّينِ وَسَوْفَ)، ثم ذكر العلامة الخاصة بالماضي وهي: (تَاءِ اَلتَّأْنِيثِ اَلسَّاكِنَةِ)، وأضفنا إليها التاء الأخرى وهي: "تاء الفاعل".
وهنا قد يقول قائل: وأين الفعل الأمر من هذا السياق؟ لماذا لم يذكر فعل الأمر؟ نقول: سينص الماتن -رحمه الله تعالى- على أنَّ الأفعال ثلاثة، وهي: "الماضي، والمضارع، والأمر"، لكنه لم يذكرها هنا لأنَّ الكوفيين يرون أنَّ فعل الأمر مجتزأ من الفعل المضارع، ولذلك لم يذكره هنا. فإذا أردنا أن نتمم الفائدة سنتكلم عن علامات الفعل الأمر في موطنه -بإذن الله تبارك وتعالى- عند تنصيص المؤلف -رحمه الله تعالى- على ذلك.
ثم ذكر المؤلف أنَّ الحرف (لَا يَصْلُحُ مَعَهُ دَلِيلُ اَلِاسْمِ وَلَا دَلِيلُ اَلْفِعْلِ) فكل كلمة لا تقبل علامات الاسم، ولا تقبل علامات الفعل، فهي حرف.
ثم تكلم عن أهم الأبواب، وهو: (بَابُ الإعراب) وهو: (تغيير أَوَاخِرِ اَلْكَلِمِ لِاخْتِلَافِ اَلْعَوَامِلِ اَلدَّاخِلَةِ عَلَيْهَا) بمعنى: أنَّ هناك مُؤثرًا يُؤثر في الكلمة، فالكلمة تكون واحدة كـ "محمد" وأحيانًا نجدها مرة مرفوعة، ومرة منصوبة، ومرة مجرورة، وسبب ذلك هو العامل، والعامل قد يكون فعلاً، وقد يكون حرفًا. يقول: "جاء محمد"، فـ "جاء": هذا هو العامل. و "سلمت على محمد"، فـ "على" هذا العامل.
وعندنا عوامل لفظية تُؤثر، هذه العوامل ملفوظ ومنطوق بها، يدركها السامع، ويراها المشاهد، لذلك الخط المكتوب الذي ضُمِّنَ هذا العامل.
وهناك عوامل معنوية، بمعنى أن المبتدأ كونه وقع مبتدأ، هذا في حد ذاته يجعله مرفوعًا. فلو قيل لك: ضع خطًا تحت العامل في: "محمد مسافر"، فلن تستطيع أن تضع خطا للعامل الذي أثر في "محمد"؛ لأنَّ كونه وقع مبتدأ هو الذي أوجب له ذلك الرفع.
وكذلك المضارع له أحوال ثلاثة: إمَّا الرفع، وإمَّا النَّصب، وإمَّا الجزم في (بَابِ الإعراب)، فإذا دخل عليه ناصب نُصِبْ، "لنْ يقومَ"، وإذا دخل عليه جازم جُزِمْ: "لَمْ يَقُمْ"، وإذا تجرد من النَّاصبِ أو الجازم وَجَبَ رفعه، وهذا عامل معنوي.
وهناك عامل ثالث معنوي ولكن فيه خلاف، سنتكلم عنه -إن شاء الله- في باب الإضافة.
ثم تكلم عن أقسام الإعراب، وهذا التغيير الذي يطرأ على أواخر الكلمات: الرفع والنصب والخفض والجزم، وذكر أنَّ هناك نوعين من أنواع الإعراب، وهما: الرفع والنصب، الأسماء مرفوعة والأفعال مرفوعة، ثم يختص الاسم بالحفض أو الجر، ويختص الفعل بالجزم.
وبعد أن ذكر أقسام الإعراب ذكر العلامات الأصلية، وبدأ بالرفع وذكر أنَّ العلامة الأصلية في الرفع هي: الضمة، فالضمة هذه تأتي في أربعة مواطن:
في الاسم المفرد، وهو ما ليس بمثنى ولا مجموع، وفي جمع التكسير، وهو ما تغير صورة مفرده بعد جمعه، وفي جمع المؤنث السالم، وفي الفعل المضارع إذا لم يتصل بآخره شيء، وقلنا: الذي يتصل بالمضارع خمسة أشياء، إما نون التوكيد الثقيلة والخفيفة، وإمَّا نون النسوة، وإمَّا ألف الاثنين، أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة. وهذه الأمور متى اتصلت بالفعل المضارع لم يكن مرفوعًا وعلامة رفعه الضمة. وإنما سيأتي عليها الكلام -إن شاء الله- عند كلام المؤلف -رحمه الله تعالى- على هذه الجزئية.
إذًا الشيء الذي ينبغي تصوره، أنَّ عندنا علامة أصلية، وهناك علامات تنوب عنها، وهذا الباب مهم جدا في تصور ما سيأتي -بإذن لله تبارك وتعالى- فكل ما سنذكره في باب المرفوعات والمنصوبات والمجرورات مبني على هذا الباب. فسنقول: الفاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، أو مرفوع وعلامة رفعه الألف، أو مرفوع وعلامة رفعه الواو.
وهكذا قلنا في النصب: منصوب، فيكون منصوبًا وعلامة نصبه الفتحة، وإذا قلنا مثلا الحال فهو منصوب وهكذا. فهذا الباب مهم، وقد تكلمنا عن العلامة الأولى وهي: الضمة وما تدخل فيه، وكذلك تكلمنا عن "الواو" وتكلمنا كذلك عن "الألف" حتى وصلنا في كلام المؤلف عند "النون"، وهي إحدى العلامات النيابية عن الضمة.
{توقفنا عند قوله -رحمه الله-: (وَأَمَّا اَلنُّونُ: فَتَكُونُ عَلَامَةً لِلرَّفْعِ فِي اَلْفِعْلِ اَلْمُضَارِعِ، إِذَا اِتَّصَلَ بِهِ ضَمِيرُ تَثْنِيَةٍ، أَوْ ضَمِيرُ جَمْعٍ، أَوْ ضَمِيرُ اَلْمُؤَنَّثَةِ اَلْمُخَاطَبَةِ)}.
هذه العلامة النيابية الثالثة، والأصل في باب الرفع أن يكون ذلك الاسم أو تلك الكلمة مرفوعة بالضمة، فإن لم تكن الضمة هي علامة الرفع، فلابد أن يُناب عنها غيرها، ومما ينوب عنها "الواو" كما مرَّ معنا في موضع في (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ)، وفي جمع المذكر السالم.
ثم هناك موضعٌ آخر لا تصلح أن تكون "الضمة" أو "الواو" هي علامة الرفع، فأبدلوا عنها وأنابوا عنها "الألف" وذلك في المثنى.
والآن يتكلم المؤلف عن "النون"، و "النون" تكون علامة للرفع كما أنَّ "الضم" علامة للرفع، و "الألف" علامة للرفع، و "الواو" علامة للرفع، فكذلك "النون" علامة للرفع، لكن أين يكون هذا؟ يكون في الفعل المضارع. هل كل فعل؟ الجواب لا. بل لابد من قيد مُهم، وهو الفعل المضارع إذا اتصل به "ألف الاثنين". أو "واو الجماعة" أو "ياء المخاطبة".
مثال: "زيد يكتب واجبه"، فـ "يكتب" فعل مضارع، والفعل يكتب ينتهي عند "الباء"، فهو لم يتصل به شيء في آخره، فإذا تم وصله بـ "الألف" صار: "يكتبان"، وإذا تم وصله بـ "الواو" صار: "يكتبون"، وإذا تم وصله بـ "ياء المؤنث المخاطبة"، وهي: الأنثى التي توجه لها الخطاب مباشرة، فتصبح: "تكتبين". فمتى اتصلت به هذه الأمور الثلاثة؟، "الألف أو الواو أو الياء" انتقل حكمه من كونه مرفوعًا بالعلامة الأصلية، وهي: "الضمة"، إلى كونه مرفوعًا ولكن علامة رفعه "ثبوت النون". هذه النون في آخره هي التي تكون علامة لرفعه.
وهنا يقع خلط عند بعض الإخوة في مسألة التفريق بين "المثنى والفعل المضارع"، فهما متشابهان من جهة نهاية الكلمة، فإذا قلت: "الطالبان يحفظان"، فهنا يخلط الطالب في قضية التفريق بين "الطالبان"، "يحفظان" لانتهاء آخرهما بـ "ألف والنون"، فنقول: "الطالبان" اسم، وفيه علامة نيابية، نابت عن "الضمة"، وهي: "الألف"، فتقول: "الطالبان يحفظان"، فـ "الطالبان" مُبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه "الألف"؛ لأنه مثنى، وهذه "الألف" مُثنى، وهي علامة للرفع فقط، لا محل لها من الإعراب، وأمَّا "يحفظان" فهو: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ليست هي "الألف"، فـ "الألف" علامة للرفع في الاسم المثنى، وأما "يحفظان" فهو: فعل مضارع مرفوع بـ "ثبوت النون". لماذا؟ لأنه مضارع اتصلت به "ألف الاثنين".
إذًا "الألف" في قولك: "يحفظان" هي الفاعل، وأمَّا "الألف" في "الطالبان" فهي علامة للرفع فقط، لا محل لها من الإعراب.
فإذًا هنا لابد من التفريق: فكل مضارع اتصلت به ألف الاثنان أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة" فهو مضارع مرفوع، وعلامة رفعه "ثبوت النون"، كما في قوله تعالى: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾ فأصل الفعل ﴿تَخَافُونَ﴾ هو "تخاف"، وهو مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة، ولَمَّا اتصلت به واو الجماعة انتقل من كونه مرفوعًا وعلامة رفعه الضمة التي كانت على "الفاء"، إلى كونه مضارعا مرفوعا، وعلامة رفعه ثبوت "النون"، لماذا؟ لاتصاله بـ "واو الجماعة".
ما هو إعراب هذه الواو؟
إعراب "الواو" أو "الألف" أو "الياء" إعراب ثابت دائمًا لا يتغير حتى قيام الساعة، وهو أن تقول: "الألف" ضمير متصل مبني على السكون، في محل رفع فاعل.
و "الواو" ضمير متصل مبني على السكون، في محل رفع فاعل.
و "الياء" ضمير متصل مبني على السكون، في محل رفع فاعل.
وأمَّا "النون" فهي علامة رفع الفعل المضارع، وأمَّا "الألف" أو "الواو" أو "الياء" فليست علامات رفعه، وإنما وجود هذه "النون" في آخره علامة رفعه. لماذا نقول هذا الكلام؟
لأن هذا المضارع سيتكرر معنا، وسينص عليه المؤلف -رحمه الله تعالى- في مواضع أخر تحذف منه النون، فإذا حُذِفَتْ النون دلَّ على أنه منصوب.
إذا القضية التي يميز بها المضارع إذا اتصل به "ألف الاثنين، أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة" هي وجود هذه النون أو حذفها، فان وجدت فهو مرفوع، وعلامة رفعه "ثبوت النون"، وإن انتفت هذه النون من المضارع مثل: "يحفظان" أو نحو ذلك، إذا انتفت إمَّا أن يكون منصوبًا -كما سيأتي- وإمَّا أن يكون مجزومًا.
إذًا هنا علامة نيابية، والمضارع إذا اتصلت به هذه الأمور الثلاثة، نقول: مضارع مرفوع، وعلامة رفعه "ثبوت النون" في هذه المواطن التي أشرنا إليها.
{قال -رحمه الله-: (وَلِلنَّصْبِ خَمْسُ عَلَامَاتٍ: الْفَتْحَةُ، وَالْأَلِفُ، وَالْكَسْرَةُ، وَاليَاءُ، وَحَذْفُ النُّونِ)}.
الان انتقل إلى القسم الثاني من أقسام الإعراب، لَمَّا ذكر أنَّ أقسام الإعراب أربعة: "الرفع، والنصب، والخفض، والجزم"، تكلم عن الرفع، وتكلم عن علامته الأصلية، وهي: الضمة، ثم تكلم عمَّا ينوب عنها، ثم انتقل الآن إلى القسم الثاني من أقسام الإعراب، وهو: النصب، والنصب هو أثر يحدثه العامل في آخر الكلمة، علامته الفتحة أو ما ناب عنها -كما مر معنا-.
إذًا عندنا علامة أصلية في النصب، كما أنَّ عندنا علامة أصلية في الرفع، ينوب عن الضمة غيرها، وكذلك ينوب عن الفتحة غيرها. وسيبدأ بالعلامة الأصلية وهي: الفتحة، ثم سيذكر ما ينوب عنها، والمواطن التي تكون الفتحة ليست علامة أصلية فيها، وإنما ينوب عنها غيرها، فذكر خمسة أمور: (الْفَتْحَةُ، وَالْأَلِفُ، وَالْكَسْرَةُ، وَاليَاءُ، وَحَذْفُ النُّونِ)، وسيأتي الآن بذكر مواضعها.
{قال -رحمه الله-: (فَأَمَّا الْفَتْحَةُ: فَتَكُونُ عَلَامةً لِلنَّصْبِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي الْاِسْمِ الْمُفْرَدِ، وَجَمْعِ التَّكْسِيرِ، وَالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ نَاصِبٌ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِآَخِرِهِ شَيْءٌ)}.
الآن بدأ بالعلامة الأصلية وهي: الفتحة، فالفتحة هي الأصل في باب النصب، فنقول: منصوب وعلامة نصبه الفتحة، سواء كان فعلا أو كان اسمًا.
قال: (فِي الْاِسْمِ الْمُفْرَدِ) لاحظ أنَّ الاسم المفرد سيتكرر معنا مرة أخرى غير هذه المرة، فسبق معنا في باب الرفع، مثل: "محمد" هذا مرفوع وعلامة رفعه الضمة، طيب كلمة "محمد" لو جاءت منصوبة، كيف تنصب؟ نقول: تنصب بعلامة أخرى وهي: الفتحة، وأمَّا إذا أردت أن أجره فسيجر بعلامة أخرى بخلاف الضمة والفتحة، وهي: الكسرة.
فالآن هو يتكلم عن الاسم المفرد، فإذا جئت باسم مفرد في موضع يقتضي نصبه، مثل: "إنَّ محمدًا حاضر"، أو "أكرمت محمدًا" إلى آخره مما يقتضي وجوده في موضع النصب، فإنك ستنصبه وتكون علامة نصبه الفتحة؛ لأنه اسم مفرد. ولكن لو كان مثنى أو مجموعًا فله علامة نيابية غير الفتحة، إذا كان اسمًا مفردًا فلابد أن ينصب بالفتحة. و"محمد" تعتريه الحركات الإعرابية الثلاث: "الضمة في حالة الرفع، والفتحة في حالة النَّصب، والكسرة في حالة الجر".
قال: (فِي الْاِسْمِ الْمُفْرَدِ) قلنا: الاسم المفرد هو ما ليس مثنى ولا مجموعا، وعلامته الفتحة، إذا كان في موضع نصب، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ فـ "إن" هذا حرف توكيد ونصب. ولفظ الجلالة: اسم منصوب وعلامة نصبه الفتحة. لماذا علامة نصبه الفتحة؟ لأنه هنا غير مثنى ولا مجموع.
قال: (وَجَمْعِ التَّكْسِيرِ)، وجمع التكسير -كما مرَّ معنا- هو ما دلَّ على أكثر من اثنين، وتغيرت صورة مفرده بعد جمعه، فلو قلت مثلا: "صعدت الجبل"، الجبل مفعول به منصوب، وإذا أردت أن أجمع الجبل فسأقول: "صعدت الجبال"، والجبال مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة. لماذا الفتحة؟ لأنه جمع تكثير.
إذًا عندنا الاسم المفرد وجمع التكسير يُنصبان بالفتح، ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ فـ "مساجد" جمع تكسير وهو منصوب، وعلامة نصبه الفتحة.
{قال: (وَالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ نَاصِبٌ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِآَخِرِهِ شَيْءٌ)}.
متى يُنصب المضارع؟
يُنصب المضارع بقيدين. قال: إذا دخل عليه ناصب، مثل: (لَنْ) كما في قولك: "لن نبرح"، فـ "نبرح" فعل مُضارع، دخل عليه (لَنْ)، وهي من النواصب، نلاحظ أن المضارع ينتهي عند الحاء، "نبرح"، ولم يتصل به "ألف الاثنين، ولا واو الجماعة، ولا ياء المخاطبة، ولا نون التوكيد، ولا نون النسوة". إذًا هو تجرد عن الزيادة في آخره، فهذا إذا سبقه ناصب أثَّر فيه بالنصب، فنقول: منصوب وعلامة نصبه الفتحة، سواء كانت هذه الفتحة ظاهرة أو مقدرة. مثال: "لم يسع"، و "لن نبرح".
فـ "يسع" مضارع منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره، منع من ظهورها التعذر.
"نبرح" مضارع منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهر على آخره.
فإذا لم يتصل بآخره شيء؛ فإنه يكون منصوبًا، سواء بفتحة ظاهرة أو بفتحة مقدرة. ما معنى هذا الكلام؟ معنى ذلك أنه إذا اتصل به شيء آخر؛ فإنَّ حكمه سيتغير فسيكون منصوبًا بعلامة نيابية، أو يخرج من "باب الإعراب" إلى "باب البناء".
مثال: "المسلمات لن ينزعن حجابهن" الفعل "ينزعنَّ: أصله "ينزع" وهو مضارع منصوب، فلمَّا اتصلت به "نون النسوة" أصبح مبنيًا، فخرج الآن من "باب الإعراب" تماما، وأصبح مبنيًا على السكون، والنون فاعل. إذًا هذا معنى قوله: (وَلَمْ يَتَّصِلْ بِآَخِرِهِ شَيْءٌ). لا "ألف الاثنين. ولا واو الجماعة، ولا ياء المخاطبة، ولا التوكيد الثقيلة أو الخفيفة، ولا كذلك نون النسوة". فإذا تجرد عن الأشياء، ودخل عليه ناصب، فلابد أن تنصبه بالفتحة قطعًا، فإن طرأ له طارئٌ آخر؛ فإنه يتغير إعرابه بحسب ذلك الحال.
{قال -رحمه الله-: (وَأَمَّا الْأَلِفُ: فَتَكُونُ عَلَامَةً لِلنَّصْبِ فِي (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ)، نَحْوَ: "رَأَيْتُ أَبَاكَ وَأَخَاكَ" وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ)}.
بعد أن ذكر العلامة الأصلية في باب النصب، وهي: الفتحة، والمواطن التي تدخل فيها الفتحة، ذكر العلامات الفرعية عن الفتحة، فبدأ بـ "الألف"، والألف هي بنت الفتحة، لأنَّ الفتحة إذا أُشبعت، ظهر الألف، فهي فرع عنها، فهنا قال: (فَتَكُونُ عَلَامَةً لِلنَّصْبِ فِي الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ)، أي أنَّ "الألف" تكون علامة للنصب في (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ)، ولاحظ أنه مرَّ معنا في "باب الرفع" أنَّ "الألف" تكون علامة للرفع في المثنى، وهنا "الألف" تكررت معنا، لكنها علامة للنصب في (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ). إذًا قد تشترك بعض الكلمات في العربية من حيث العلامة، لكنها في مواطن مختلفة، فذاك في موضع الرفع، وهذا في موضع النصب.
إذًا لو قلت لك: "جاء أبوك" فتقول: "أبوك" فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو، نيابة عن الضمة؛ لأنها من (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ).
وأمَّا إذا قلت: "أكرمت أباك"، فـ "أباك" مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الألف، نيابة عن الفتحة؛ لأنه من (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ).
إذًا عندنا علامة أصلية، وهي: الفتحة، وإذا لم يمكن أن تكون الفتحة هي علامة النصب، فلابد أن تنيب عنها غيرها. ما الذي يُنَابُ عنها؟
أولها: "الألف" وهذا فقط في (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ)، فتقول: منصوبًا بالشروط التي ذكرناها فيما مضي، مثال: "رأيت أباك"، نقول: "رأى" فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير الفاعل، و"التاء" ضمير متصل في محل رفع فاعل. و"أباك": مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الألف، نيابة عن الفتحة؛ لأنه من (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ)، وهو مضاف، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه. وكذلك (أخاك) وما أشبه ذلك، مثل: "أكرمت ذا علم"، "أكرمت حماك"، "عاقبت أخاك"، ونحو ذلك. فإذا كان في موطن يقتضي نصبه، سواء كان مفعولا أو اسم إنَّ أو خبر كان إلى آخره.
{قال -رحمه الله-: (وَأَمَّا الْكَسْرَةُ: فَتَكُونُ عَلَامَةً لِلنَّصْبِ فِي جَمْعِ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ)}.
هذه هي العلامة النيابية الثانية، بعد أن ذكر الفتحة وهي الأصل، ذكر ما ينوب عنها، وبدأ بـ "الألف".
ثم ذكر علامة أخرى لا يصلح أن تكون "الفتحة" هي علامة النصب، ولا يصلح أن تكون "الألف" هي علامة النصب، وإنما "الكسرة" تكون علامةً للنصب، وهذا في جمع المؤنث السالم، وجمع المؤنث السالم ليس له إلا حركتان فقط، إمَّا "الضمة" في حالة الرفع، وإمَّا "الكسرة" في حالة النصب والجر، وسيأتي ما يشبهها من حيث عدد الحركات في الاسم الذي لا ينصرف، حيث له علامتان فقط، هما: الضمة والفتحة، بينا في جمع المؤنث السالم الضمة والكسرة.
فإذا أردت آن آتي بجمع مؤنث سالم في موضع نصب أقول: "أكرمت المسلماتِ"، لكن لو قلت لك مثلا: "أكرمتُ الطلابَ" ستقول: "الطلاب" مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وفي "أكرمت المسلماتِ" تقول: "المسلمات" منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة.
إذًا هنا نابت حركة عن حركة، والأصل أن ينوب حرف عن حركة، ولكن الموطن هذا بالذات نابت حركة عن حركة، فنابت الكسرة عن الفتحة. لماذا؟
لابد أن نعلل فنقول: لأنه جمع مؤنث سالم، كقوله تعالى: ﴿إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ﴾ كلها في موضع نصب؛ لأنها اسم إنَّ معطوف على اسم إن، والمعطوف على المنصوب منصوب، فنصبت بالكسرة نيابة عن الفتحة.
إذا جمع المؤنث السالم ليس له إلا علامتان، إمَّا الضمة في حالة الرفع، وإما "الكسرة" في حالة النصب والجر، وذلك سيكررها معنا في (باب الجر) ويذكر أنَّ علامة الجر هي "الكسرة".
قال -رحمه الله-: (وَأَمَّا الْيَاءُ: فَتَكُونُ عَلَامَةً لِلنَّصبِ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ)}.
هذا هو الموطن الثالث مما ينوب عن الفتحة غيرها، فهنا ذكر العلامة الأصلية وهي الفتحة، ثم ذكر "الألف" ثم ذكر "الكسرة" ثم ذكر "الياء"، بمعنى أنَّ هناك مواطن تكون علامة للنصب، ولا يصلح أن تكون "الفتحة" هي علامة النصب، ولا يصلح كذلك أن تكون "الألف" علامة للنصب، ولا يصلح أن تكون "الكسرة" علامة للنصب. إذًا ما الذي يصح؟ قال "الياء". أين تكون هذه "الياء؟ قال: تكون (عَلَامَةً لِلنَّصبِ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ). فإذا جاءنا مثنى أو جمع مذكر سالم، وكلاهما في موطن يقتضي أن يكون منصوبًا، فلا تنصبه بـ "الفتحة" ولا تنصبه بـ "الألف" وإنما تنصبه بـ "الياء"، فتقول مثلا: "جاء الطالبان"، "الطالبان": فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الألف، لأنه مثنى. وفي النصب تقول: "أكرمت الطالبين"، أكرمتُ: فعل وفاعل، و"الطالبين": مفعول به منصوب، وعلامة نصبه "الياء" نيابة عن الفتحة. لماذا؟ لأنه مثنى. ولاحظ أنَّ "الياء" هنا نابت عن الفتحة، أصلها: أكرمت الطالب أكرمت الطالب" منصوب بالفتحة؛ لأنَّه مفرد، فلمّا صار مثنى، لا يصلح أن تكون الفتحة هي علامة النصب، بل لابد أن تُعيير وتأتي بعلامة بديلة عن هذه الفتحة وهي "الياء". إذًا المثنى ينوب فيه "الياء" عن الفتحة، وكذلك جمع المذكر السالم مثل المثنى تمامًا، فلو قلت لك: "أكرمت المسلم"، تقول: "المسلم" مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة؛ لأنه اسم مفرد.
وإذا ثنيته ستقول: "أكرمت المسلِمَينِ"، و"المسلمين" منصوب وعلامة نصبه "الياء" نيابة عن الفتحة؛ لأنه مثنى.
وإذا كان جمعًا ستقول: "أكرمت المسلِمِينَ" فـ "المسلمين": مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء، نيابة عن الفتحة؛ لأنَّه جمع مذكر سالم.
إذًا المثنى وجمع مذكر السالم يتفقان في الحركة الإعرابية إذا كانا في موضع نصب، فكل منهما ينصب، وعلامة نصبه الفتحة. فإذا قال قائل: كيف أفرق بين المثنى وجمع المذكر السالم؛ لأنَّ الصورة واحدة "المسلِمَينِ، المسلِمِينَ"؟
نقول: نفرق بينهما من حيث الحركة التي تكون على النون وما قبلها، فلاحظ "النون" التي بعد "الياء" في "أكرمتُ المسلِمَينِ". و"أكرمت المسلِمِينَ". فالتفريق بين المثنى وجمع المذكر السالم عند نصبه، يكون في المثنى ما بعدها مكسور، فتقول: "المسلمَينِ" وأمَّا في جمع المذكر السالم فتكون "النون" مفتوحة، "المسلِمِينَ".
تفريق آخر، ينظر ما قبل الياء، تقول: "أكرمت المسلمَينِ" إذًا هذه "الياء" التي علامة النصب في المثنى والجمع، في المثنى يكون ما قبل الياء مفتوح، وما بعدها مكسور. وفي جمع المذكر السالم العكس، ما بعد "الياء" مفتوحًا، وما قبلها يكون مكسورًا، "أكرمت المسلمِينَ" أي: كسرة وفتحة والياء ساكنة هنا، بينما "المسلِمَينِ" الياء ساكنة ولكن النون مكسورة وما قبلها مفتوح. وهذا قد يشتبه على الشخص، ونقول بهذا التفريق.

وَنُونَ مَجْمُوعٍ وَمَا بِهِ الْتَحَقْ … فَافْتَحْ وَقَلَّ مَنْ بِكَسْرِهِ نَطَقْ
وَنُونُ مَاثُنِّيَ وَالْمُلْحَقِ بِـــــهْ … بِعَكْسِ ذَاكَ اسْتَعْمَلُوهُ فَانْتَبِهْ

هذا تنبيه من ابن مالك -رحمه الله تعالى- على قضية التفريق بين المثنى والجمع، إذا كانت علامة النصب هي: "الياء" يقول لك: في المثنى يفتح ما قبلها، ويكسر ما بعدها، بينما في جمع المذكر السالم يكون ما بعده مفتوح، وما قبلها يكون مكسورًا.
إذًا هذه العلامة النيابية الثالثة، وهي "الياء" وتكون علامة النصب في التثنية والجمع.
{قال -رحمه الله-: (وَأَمَّا حَذْفُ النُّونِ: فَيَكُونُ عَلَامَةً لِلنَّصْبِ فِي الْأَفْعَالِ الْخَمْسَةِ الْتِي رَفْعُهَا بِثَبَاتِ النُّونِ)}.
نبَّه الماتن قبل قليل على أنَّ النَّون تكون علامة نيابية في (باب الرفع)، فذكر "الضمة"، وذكر "الواو"، وذكر "الألف"، وذكر أنَّ من علامات الرفع "ثبات النون" إذا اتصل بـ "ألف الاثنين أو واو جمع أو ياء المخاطبة".
طيب يأتينا هذا المضارع في موطن أيضًا اتصلت به "ألف الاثنين"، و "واو الجماعة"، و "ياء المخاطبة" لكنه سُبِقَ بناصب، مثل: "لن" فهنا كيف نجعل هذا المضارع منصوبا؟
نحذف هذه النون. فنقول مثلا: "الطالبان المهملان لن يحفظا المتن"، فنقول: "لن" حرف نفي ونصب واستقبال، و "يحفظان": لا نقول: مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتحة، لأنه خطأ، وإنما نقول: مضارع منصوب وعلامة نصبه حذف النون. لماذا حذفت النون هنا؟ لأنها اتصلت بـ "ألف الاثنين"، أو "واو الجماعة" تقول مثلا: ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا﴾ ، ﴿لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا﴾ فنقول: "لن" حرف نفي ونصب واستقبال، "تنالوا" مضارع منصوب، وعلامة نصبه حذف النون. لماذا حذف النون ولم تكن الفتحة وهي الأصل؟ نقول: لأنه مضارع اتصلت به "ألف الاثنين" أو "واو الجماعة" أو "ياء المؤنثة المخاطبة".
إذًا عندنا علامة أصلية في (باب النصب) وهي الفتحة، وهذه لها مواضع، ثم ينوب عنها عدة أشياء منها -كما مر معنا- "الألف، والكسرة، والياء، وحذف النون" وحذف النون هذا خاص بالمضارع.
{قال -رحمه الله-: (وَلِلْخَفْضِ ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ: الْكَسْرَةُ، وَالْيَاءُ، وَالْفَتْحَةُ)}.
انتقل الآن إلى القسم الثالث من أقسام الإعراب، وهو الخفض، وقلنا: الخفض أثر يحدثه العامل في نهاية الكلمة، علامته الكسرة أو ما ناب عنها. كيف لي أن أعرف أن هذه الكلمة مجرورة أو محفوظة؟ قال: سأذكر لك ثلاث علامات تدل على أنَّ هذه الكلمة مخفوضة، وهي: (الْكَسْرَةُ، وَالْيَاءُ، وَالْفَتْحَةُ) فبدأ بالكسرة وهي الأصل.
{قال: (فَأَمَّا الْكَسْرَةُ: فَتَكُونُ عَلَامَةً لِلْخَفْضِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي الْاِسْمِ الْمُفْرَدِ الْمُنْصَرِفِ، وَجَمْعِ التَّكْسِيرِ الْمُنْصَرِفِ، وَفِي جَمْعِ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ)}.
كما أنَّ الضمةَ تكون علامة أصلية في الرفع في مواضع، والفتحة تكون علامة أصلية للنصب في مواضع، كذلك الكسرة هي العلامة الأصلية للخفض، وتكون في ثلاثة مواضع:
(فِي الْاِسْمِ الْمُفْرَدِ الْمُنْصَرِفِ) لاحظ أنَّ هذه هي المرة الثالثة التي يذكر فيها الاسم المفرد، فـ "محمد جاء" محمد مرفوع وعلامة رفعه الضمة؛ لأنه اسم مفرد.
"أكرمت محمدًا"، مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة؛ لأنَّه اسم مفرد.
"سلمت على محمد" اسم مجرور بالكسرة؛ لأنه اسم مفرد، إذًا الاسم المفرد يُجر بالكسرة.
قال: (وَجَمْعِ التَّكْسِيرِ الْمُنْصَرِفِ) المنصرف هو المنون، أي: الذي يقبل التنوين؛ لأنَّ هناك جموع لا تنصرف، وأخرى تنصرف. فإذا قلنا مثلا: "سلمت على الرجال"، سلمت: فعل وفاعل، على: حرف جر، الرجال: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة. لماذا؟ لأنه جمع تكسير.
"سلمت على الرجل"، الرجل: اسم مجرور، وعلامة جره الكسرة؛ لأنَّه مفرد، والمفرد يجر بالكسرة، وجمع التكسير المنصرف كذلك يجر بالكسرة. وهنا يريد الماتن أن ينبه على أنَّ هناك نوع من الجموع، -جمع تكسير أيضًا- لكنه لا يقبل أن تكون علامة الجر هي الكسرة، وإنما سيذكرها بعد قليل فيما ينوب عن ذلك، وهي أنَّ الفتحة في جمع التكسير الذي ينصرف هي التي تكون علامة للجر، مثال: "صليت في مساجدَ كثيرة"، فالأصل أن تقول: "في مساجدٍ" لكن لَمَّا كان على هذه صيغة "منتهى الجموع" وهي على وزن "مفاعل"، وهذه مما يمنع صرفه، وهذه لم يتطرق له المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا الكتاب، أقصد في الكلام عن الممنوع من الصرف، وإنما فقط أشار إليها إشارة.
فتقول: "سلمت على الرجالِ" فتقول: "الرجال" اسم مجرور بالكسرة. بينما "صليت في مساجدَ" كلاهما سُبِقَ بحرف جر، فما الفرق بين الرجال والمساجد؟
نقول: "الرجال" جمع تكسير منصرف، يعني لو جردته من "الألف واللام" ستجده يقبل التنوين، بينما "المساجد" لو جردتها من "الألف واللام" ستجد أنها غير منونة، وبالتالي ستضطر كذلك إلى أن تجعل علامة الجرِّ في هذه الفتحة. وهذا هو الموضع الثاني الذي أشرنا إليه سلفا، لَمَّا قلنا: إن جمع المؤنث السالم له علامتين: "الضمة والكسرة" في حالة الجر والنصب، وهنا في جمع التكسير غير المنصرف له علامة فقط، وهي: الضمة في حالة الرفع، والفتحة في حالة الجر والنصب.
فهنا يقول: الكسرة تكون (فِي الْاِسْمِ الْمُفْرَدِ الْمُنْصَرِفِ، وَجَمْعِ التَّكْسِيرِ الْمُنْصَرِفِ، وَفِي جَمْعِ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ). تقول: "سلمت على الطالباتِ"، فالطالبات: اسم مجرور، وعلامة جره الكسرة؛ لأنَّه جمع مؤنث سالم.
إذًا الكسرة تكون علامة أصلية في ثلاثة مواضع: (فِي الْاِسْمِ الْمُفْرَدِ الْمُنْصَرِفِ، وَجَمْعِ التَّكْسِيرِ الْمُنْصَرِفِ، وَفِي جَمْعِ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ)، وهنا نسينا أن ننبه على قضية في الاسم المفرد المنصرف؛ لأنه عندنا كذلك أسماء مفردة لكنها لا تنصرف، لأننا نود أن نبين بطريقة أكثر تفصيلا، فنقول:
أقسام الكلام ثلاثة: "الاسم، والفعل، والحرف"، وإذا كان الاسم بعيد الشبه عن الفعل والحرف، أي ليس بينه وبينهما شبه لا من جهة الصيغة، ولا من جهة الوضع على حرف واحد أو حرفين، فإذا كان بعيد الشبه عن الفعل والحرف، فإنه يكون منصرفًا، أي: يكون منونًا، لتمكنه من (باب الإعراب) وبُعده عن الشبه بالفعل والحرف. مثال: لو قلت لك: "محمد" هذا اسم معرب منصرف؛ لأنه ليس فيه ما يقتضي تشبيهه بالفعل ولا بالحرف، ولكن لو قلت لك: "أحمدُ" فهذا اسم، ولكنه يُشبه الفعل في قولك: "أحمد الله"، فـ "أحمد" الثانية فعل، بينما "أحمد" الأولى اسم.
فلما كان الاسم يُشبه الفعل، والفعل لا ينون أصلا، ولا يجر، فلمَّا شابهه أخذ حكمه، فأصبح يرفع وينصب فقط. وهذا هو الشبه الموجود.
وأحيانًا قد يكون الاسم يشبه الحرف، أي: يأتي على صورة الحرف الواحد، كما لو قلت لك: الكاف أو "كتبت بالقلم"، الباء كما تلاحظ صورتها واحدة، فهذا مبني، وهناك أسماء تشبه هذه الحروف من كونها جاءت على صورة الحرف الواحد، كما لو قلت: "كتبت"، "التاء" فاعل، ولكن لماذا بنيناه؟ لأنه يشبه الحرف الموضوع على حرف واحد، مثل: الباء والكاف وغيرهما، فلمَّا أَشْبَهَ الحرف بُنِيَ مثله، وهذا "أحمد" لَمَّا أشبه الفعل نقصت منه حركة؛ لأن الفعل ليس فيه إلا حركتان فقط، وإذا لم يكن به شبه بالفعل ولا بالحرف، فهذا يدل على تمكنه بالإسمية وبالتالي هو يعرب.
إذًا هناك أسماء تكون منصرفة، مثل: "محمد" يرفع بالضمة، وينصب بالفتحة، ويجر بالكسرة. طيب إذا لم يكن منصرفًا فيصبح فيه علامة الضمة، والفتحة فقط في حالة الجر والنصب، وكذلك جمع التكسير ليس له إلا علامة، ولذلك قال المنصرف: لماذا؟ لأنه سيأتي معنا موضع الذي لا ينصرف فيكون فيه علامتان، وليس ثلاث علامات كغيره مما مضى معنا.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَأَمَّا الْيَاءُ: فَتَكُونُ عَلَامَةً لِلْخَفْضِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ، وَفِي التَّثْنِيَةِ، وَالْجَمْعِ)}.
بعد أن ذكر العلامة الأصلية في (باب الجر) وهي: الكسرة ومواضعها، انتقل إلى ما ينوب عن هذه الكسرة، أي أنَّ هناك كلمات عند العرب لا يصلح أن تكون علامة الجر لها هي الكسرة، وإنما أنيب عن هذه الكسرة غيرها، فذكرها وبدأ بـ "الياء"، فقال: الياء تنوب عن الكسرة، كما أن الفتحة و "الواو" تنوب عن الضمة.
إذا عندنا في (باب الجر) ما ينوب عن الكسرة، فقال: (وَأَمَّا الْيَاءُ: فَتَكُونُ عَلَامَةً لِلْخَفْضِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ) التي مرت معنا، يعني: لو جئنا باسم من الأسماء الخمسة، مثل كلمة: "أبوك"، لو جاءت في موضع رفع نقول: "جاء أبوك"، فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه من (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ)، وهو مضاف والكاف مضاف إليه.
"أكرمت أباك"، مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ).
"سلمت على أبيك"، اسم مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه من (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ).
فنلاحظ أننا لم نقل: مجرور وعلامة جره الكسرة، وإنما قلنا: مجرور وعلامة جره الياء؛ لأن العلامة هنا أصبحت نيابية، فكما أن الفتحة ينوب عنها غيرها في باب المنصوبات، وهي الياء في المثنى والجمع، فكذلك تكررت معنا هنا لأنها علامة أخرى في باب المجرورات، فالأصل في الجر أنه بالكسرة، لكن وجدنا كلمات عند العرب لا يمكن أن تكون علامة الجر فيها هي الكسرة، فما الذي أناب عنها؟ أناب عنها "الياء" في حالة النصب، كعلامة فرعية، وأنابوا كذلك "الياء" عن الكسرة هنا كعلامة فرعية.
إذًا الأصل في الجر الكسرة، ولكن هناك كلمات لا يمكن أن نجرها بالكسرة، فماذا نفعل؟
قالوا: ننيب عنها الياء. طيب في النصب ما هي العلامة الأصلية؟ الفتحة. وهل ينوب عنها غيرها؟ نعم، الياء في جمع المذكر السالم، وفي المثنى، وكذلك عندنا هنا المثنى وجمع المذكر السالم في حالة النصب، يكون منصوبا ومجرورًا، في باب الجر بالياء.
إذًا المثنى يرفع بالألف، وينصب ويجر بالياء، وجمع المذكر السالم يرفع بالواو وينصب ويجر بالياء، ولذلك قال: (وَأَمَّا الْيَاءُ: فَتَكُونُ عَلَامَةً لِلْخَفْضِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ، وَفِي التَّثْنِيَةِ، وَالْجَمْعِ).
تقول: "سلمت على أبيك"، اسم مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه من (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ).
"سلمت على الطالبين"، اسم مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى.
"سلمت على المسلمين" اسم مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم.
إذًا، الياء تكون علامة للجر في (الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ)، وكذلك في التثنية وفي الجمع.
{قال -رحمه الله-: (وَأَمَّا الْفَتْحَةُ: فَتَكُونُ عَلَامَةً لِلْخَفْضِ فِي الْاِسْمِ الَّذِي لَا يَنْصَرِفُ)}.
لاحظ أنَّه بعدما ذكر العلامة الأصلية، وهي: الكسرة، وذكر مواضعها، ذكر العلامة النيابية التي تنبع من الكسرة، وهي: "الياء"، وذكر مواضعها، قال: هناك أيضا ما ينوب عن الكسرة غير الياء، وهي: "الفتحة".
متى نقول إنَّ الفتحة نائبة؟
قال: إذا كان هذا الاسم الذي لا ينصرف. يعني: الذي لا ينون، كما لو قلت لك: "يزيد" تقول: "جاء يزيدُ"، ما تقول: "يزيدٌ"، وتقول: "أكرمتُ يزيدَ"، و"سلمت على يزيدَ".
طيب ما وجه نقصه من ثلاث حركات إلى حركتين؟
قلنا: لأنَّ "يزيد" وإن كان اسم علم على شخص، ولكنه لَمَّا أشبه الفعل "يَزيدُ"، كقوله تعالى: ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾ ، فـ "يزيد" فعل مضارع، ولَمَّا جئنا باسم علم على شخص، شابه المضارع من جهة الصيغة، هذا "يزيد"، وهذا "يزيد" لكن هذا اسم وهذا فعل، والفعل معلوم أنه لا ينون ولا يكسر، فلما أشبهه من جهة الصيغة أخذ حكمه، فأصبح مثله لا ينصرف، وكذلك لا يجر، فكان فيه علامتان فقط، الضمة في حالة الرفع، والكسرة في حالة الجر والنصب، فتقول:
"جاء يزيدُ" فـ "يزيد" فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
"سلمت على يزيدَ"، اسم مجرور وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة.
"أكرمت يزيدَ"، مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة.
إذًا "يزيد" هذا ليس فيه إلا علامتان: الضمة في الرفع، والفتحة في الجر والنصب.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وَلِلْجَزْمِ عَلَامَتَانِ: السُّكُونُ، وَالْحَذْفُ)}.
انتقل الآن إلى القسم الرابع من أقسام الإعراب، وهو الجزم. وقلنا: هو أثر مخصوص يحدثه العامل، وعلامته السكون، أو ما ناب عنها".
إذًا هذا القسم مختص بالأفعال، وخصوصًا بالفعل المضارع، فله علامتان: (السُّكُونُ، وَالْحَذْفُ)، السكون واضح أنه عدم الحركة، والحذف هنا إما أن يكون حذف حرف علة، وإمَّا أن يكون حذفا للنون، فالحذف نوعان في المضارع، إمَّا أن يكون حذف حرف علة، كما سيأتي معنا، وإمَّا أن يكون حذفًا للنون.
متى تكون السكون علامة للجزم في الفعل المضارع؟
الجواب: إذا كان المضارع صحيح الآخر، يعني: جميع حروف الهجاء ما عدا "الألف، والواو، والياء" فأي مضارع ينتهي بالحروف الباقية غير "الألف، والواو، والياء" ودخل عليه جازم فهنا نقول: مضارع مجزوم، وعلامة جزمه السكون، ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ هذا مضارع مجزوم، "لم يكتب" مضارع مجزوم، "لم يحفظ" مضارع مجزوم، وعلامة جزمه السكون.
طيب هذا المضارع أحيانا يكون له أحوال أخرى تختلف عن كونه صحيح الآخر، فإمَّا أن يتصل به ألف الاثنين، أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة أو يكون معتل الآخر.
إذا لم يكن معتل الآخر، ولم يتصل بـ "ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة"، فإنه يلزم على جزمه بالسكون.
إذًا العلامة الأصلية في المضارع عند جزمه السكون، كما أن الضمة علامة أصلية في الرفع، والفتحة علامة أصلية للنصب، والكسرة علامة أصلية للجر، كذلك السكون علامة أصلية في الجزم. هل ينوب عنها غيرها؟ نعم، كما ينوب الألف والواو عن الضمة، وتنوب الفتحة عن الكسرة وغير ذلك، كذلك عندنا هنا علامة أصلية، وهي السكون، وينوب عنها غيرها، كما ذكر المؤلف.
{قال: (فَأَمَّا السُّكُونُ: فَيَكُونُ عَلَامَةً لِلْجَزْمِ فِي الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الصَّحِيحِ الْآَخِرِ)}.
مثل: "يحفظُ" مضارع صحيح الآخر مرفوع. أدخل عليه "لم" ستقول: "لم يحفظ"، فصار المضارع مجزومًا، وعلامة جزمه السكون. لماذا؟ لأنه صحيح الآخر.
{قال -رحمه الله-: (وَأَمَّا الْحَذْفُ: فَيَكُونُ عَلَامَةً لِلْجَزْمِ فِي الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الْمُعْتَلِّ الْآَخِرِ، وَفِي الْأَفْعَالِ الْخَمْسَةِ الْتِي رَفْعُهَا بِثَبَاتِ النُّونِ)}.
هذه الآن العلامة النيابية عن السكون، قلنا: إنَّ المضارع مجزوم، والأصل فيه أنه مجزون بالسكون، فإذا لم تكن السكون صالحة لأن تكون علامة للجزم، فلابد أن ينوب عنها غيرها، ما الذي ينوب؟ قالوا عندنا حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون هذا المضارع معتل الآخر، يعني آخره: ألف أو واو أو ياء".
مثال الألف: "يسعى" هذا مضارع معتل الآخر.
مثال الواو: "يدعوُ" هذا مضارع معتل بالواو.
مثال الياء: "يقضي" هذا مضارع معتل بالياء.
إذا أدخلت عليه "لم" فتقول: "لم يدع" فتحذف الواو.
لاحظ معي، إذا قلنا: "يسعى، يدعو، يقضي" أفعال منتهية إما بالألف، أو بالواو أو بالياء"، فإذا أدخلنا "لَمْ" تقول: "لم يسعَ" فتحذف الألف، وتعوض عنها بالفتحة على ما قبل ذلك الفعل المحذوف، وحذفنا الألف لأنه معتل، ولذا كان لابد من الحذف حتى نعرف أنه مجزوم، وعوض عن ذلك المحذوف بفتحة على ما قبل الآخر، ليدل على أن المحذوف هو: الألف هنا.
طيب إذا كان منتهيًا بالواو، سنحذف الواو ونعوض عنها بما يدل عليها، فنضع ضمة على العين، "لم يدعُ"، وأمَّا الياء في "يقضي" أصبحت "لم يقض"، فحذفنا الياء وعوضنا عنها بالكسرة؛ لأنَّ الكسرة تناسب الياء، وحذفنا الواو وعوضنا عنها بالضم لأنَّ الضمة هي التي تناسب الواو، وحذفنا الألف وعوضنا عنها بالفتحة؛ لأنَّ الألف تناسبه الفتحة. ولذا من قال: مضارع مجزوم بالسكون فقد أخطأ، بل نقول: مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف الألف أو حذف حرف العلة وهي الألف.
و "يدعو" مضارع، و "لم يدعُ" مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، الذي هو الواو، والضمة عوض عن هذه الواو.
و "يقضي" مضارع، و "لم يقضِ" مضارع مجزوم، وعلامة جزمه السكون خطأ، وإنما مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة الذي هو الياء، وعوضنا عن هذه الياء بتلك الكسرة الموجودة على الضاد.
{قال: (وَفِي الْأَفْعَالِ الْخَمْسَةِ الْتِي رَفْعُهَا بِثَبَاتِ النُّونِ)}.
إذًا عندنا حذف آخر، حذف حرف العلة، وهذا في المعتل الآخر.
طيب عندنا المضارع الذي سبق بيانه، وهو إذا اتصل به ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة"، "يحفظان، يكتبون، تدرسين" هذه ثلاثة أفعال مضارعة اتصلت بها "ألف الاثنين، واو الجماعة، وياء المخاطبة" أدخل اللام عليها فتقول: "لم يحفظا" وهذا فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون، ولا يصح أن نقول: حذف حرف العلة، ولا يصح أن نقول: مجزوم بالسكون، وإنما نقول: حذف حرف النون.
لم تحفظوا، ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا﴾ نقول: مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون.
"أنت يا هند لم تحفظي درسك إذا أهملت"، لم تحفظي: مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون.
إذًا عندنا في باب المضارع علامة أصلية وهي السكون، وذلك إذا كان صحيح الآخر فنقول: مجزوم، وعلامة جزمه السكون، وأمَّا معتل الآخر فنجزمه بحذف حرف العلة، وإما أن يكون مضارعًا أيضا لكن اتصل به "ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة" فنقول: مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف هذه النون.
طيب مرة معنا قبل قليل من باب التنبيه، أنَّ المضارع إذا اتصل به "واو الجماعة أو ياء المخاطبة"، وكان في موضع نصب، ما هي علامة نصبه؟
المضارع في حالة النصب أو الجزم، إذا اتصل بـ "ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة" علامتهما واحدة، نحذف النون في المنصوب، ونحذفه كذلك في حالة الجزم، ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا﴾ هذه لم جزم، ﴿وَلَن تَفْعَلُوا﴾ هذه علامة نصب، فكلاهما حذفت منهم النون مع اختلاف العوامل.
سيعيد المؤلف -رحمه الله- هذا القسم بعد أن فصله سيجمله الآن لأهميته.
{قال -رحمه الله-: (فَصْلٌ اَلْمُعْرَبَاتُ
اَلْمُعْرَبَاتُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ يُعْرَبُ بِالْحَرَكَاتِ، وَقِسْمٌ يُعْرَبُ بِالْحُرُوفِ)
}
(قِسْمٌ يُعْرَبُ بِالْحَرَكَاتِ) التي هي الأصل، (وَقِسْمٌ يُعْرَبُ بِالْحُرُوفِ)، وهو الذي ينوب عن هذه الحركات.
{قال: فَاَلَّذِي يُعْرَبُ بِالْحَرَكَاتِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ)}.
يقصد بالحركات: "الضمة، والفتحة، والكسرة، والسكون".
{قال: (اَلِاسْمُ اَلْمُفْرَدُ، وَجَمْعُ اَلتَّكْسِيرِ، وَجَمْعُ اَلْمُؤَنَّثِ اَلسَّالِمِ، وَالْفِعْلُ اَلْمُضَارِعُ اَلَّذِي لَمْ يَتَّصِلْ بِآخِرِهِ شَيْءٌ. وكلها ترفع بالضمة، وتنصب بالفتحة، وتخفض بالكسرة، وتجزم بالسكون)}.
الاسم المفرد تطرأ عليه الحركات الثلاث: "الضمة، والفتحة، والكسرة"، وكذلك جمع التكسير تطرأ عليه الحركات الثلاث: "الضمة، والفتحة، والكسرة" وكذلك جمع المؤنث السالم، لكنه ينقص حركة واحدة، فالضمة في حالة الرفع، والكسرة في حالة الجر والنصب، والآن سينص عليها -رحمه الله تعالى-.
والفعل مضارع، نقول: كذلك تطرأ عليه الحركات الثلاث: الضمة، والفتحة، والسكون في حالة الجزم، وأما الكسرة فإن المضارع لا يجر لأنَّ الأفعال لا تجر.
يقول: (وكلها ترفع بالضمة، وتنصب بالفتحة، وتخفض بالكسرة، وتجزم بالسكون) الجزم بالسكون يكون في المضارع، وأمَّا الأسماء فلا تجزم.
{قال: (وخرج عن ذلك ثلاثة أشياء: جمع المؤنث السالم ينصب بالكسرة، والاسم الذي لا ينصرف يخفض بالفتحة، والفعل المضارع المعتل الاخر يجزم بحذف آخره)}.
بعد أن ذكر الحكم العام، في أنها كلها ترفع بالضمة، وتنصب بالفتحة، وتجر بالكسرة، وتجزم بالسكون، استثنى بعض الأشياء، فهناك الأشياء خرجت عن هذا الباب، منها: جمع المؤنث السالم لا ينصب بالفتحة، وإنما ينصب بالكسرة، والاسم الذي لا ينصرف، لا يجر بالكسرة، وإنما يجر بالفتحة.
يقول: وكذلك المضارع -كما ذكر قبل قليل- أنه يجزم بالسكون، يقول: إلا إذا كان معتلا فإنَّه يكون مجزومًا، ولكن علامة جزمه حذف حرف العلة، فهو الآن أجملَ، وذكر الحركات التي تطرأ على هذه الأسماء الأربعة، ثم ذكر ما يخرج عن هذا الباب، وسبق تفصيله فيما مضى.
{قال -رحمه الله-: (والذي يعرب بالحروف أربعة أنواع)}.
الآن هو انتقل للكلام عن العلامة النيابية التي تنوب عن الحركات الأربع.
{(والذي يعرب بالحروف أربعة أنواع: التثنية، وجمع المذكر السالم، والأسماء الخمسة، والأفعال الخمسة، وهي: يفعلان وتفعلان ويفعلون وتفعلون وتفعلين)}.
الأفعال الخمسة ذكر منها نماذج أو قوالب لجعل أي فعل عليها، فمثلاً "يفعلان" تقول: يحفظان، يكتبان، يشربان، يمشيان.
"تفعلان": تكتبان، تحفظان، إلى آخره.
"يفعلون"، يحفظون، يكتبون، يذاكرون.
و "تفعلون" و "تفعلين"، فأي فعلٍ مضارعٍ تستطيع أن تجعله على هذا القالب، فيكون من الأفعال الخمسة، وضابط الأفعال الخمسة: هي كل مضارع اتصلت به: "ألف الاثنين" مثل: يكتبان، أو "واو الجماعة" مثل: يكتبون، أو ياء المخاطب. هذه الأفعال الخمسة، فأي فعل تأتي به على هذه الصورة فهو من الأفعال الخمسة، ويكون: مرفوعًا وعلامة رفعه ثبات النون، ويكون مجزومًا، وعلامة جزمه حذف النون.
{قال: (فأما التثنية: فترفع بالألف، وتنصب وتخفض بالياء)}.
التثنية ترفع بالألف نيابة عن الضمة بالاسم المفرد، وتنصب وتخفض بالياء نيابة عن الفتحة والكسرة في باب النصب والجر.
{قال: (وأما جمع المذكر السالم فيرفع بالواو)}.
نعم، نيابة عن الضمة، في باب الرفع.
{قال: (وينصب ويخفض بالياء)}.
نعم، نيابة عن الكسرة والفتحة في باب النصب والجر.
{قال: (وأمَّا الأسماء الخمسة: فترفع بالواو)}.
نيابة عن الضمة في باب الرفع، وتنصب بالألف في حالة النصب، نيابة عن الفتحة في باب النصب، وتخفض بالياء نيابة عن الكسرة في باب الجر.
{قال: وأما الأفعال الخمسة فترفع بالنون وتنصب وتجزم بحذفها)}.
نعم، ترفع بالنون نيابة عن الضمة في باب الرفع، فتقول: مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، ولا تقل: الضمة؛ لأنَّ الضمة انتهينا منها، ولكن لاتصاله بـ ألف الاثنين، أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة، أصبح مرفوعًا بثبات النون، وتنصب وتجزم بحذفها، فتقول: "لن تفعلا"، "لم تفعلا" فكلاهما علامة النصب فيها واحدة وهي حذف النون نيابة عن الكسرة، والفتحة في باب النصب والجر.
{قال -رحمه الله-: (بَابُ اَلْأَفْعَالِ
اَلْأَفْعَالُ ثَلَاثَةٌ: ماض، وَمُضَارِعٌ، وَأَمْرٌ، نَحْوَ ضَرَبَ، وَيَضْرِبُ، وَاضْرِبْ)
}.
نعم، هذا باب جديد عقده المؤلف -رحمه الله تعالى- في الكلام عن الأفعال من جهة زمنها، ومن جهة ضبط أواخرها، فعندنا الأفعال ثلاثة: "الماضي، والمضارع، والأمر"، وتقدم معنا ذكر علامات الماضي والمضارع، والآن سيبين الحركات الإعرابية التي تطرأ على أواخر هذه الأفعال الثلاثة، وهي: "الماضي، والمضارع، والأمر".
وقلنا: الماضي هو الحدث الذي حصل قبل زمن التكلم، مثل: "كَتَبَ، شَرِبَ، قَامَ، قَعَدَ، سَافَرَ".
والمضارع: هو ما دلَّ على الحال، مثل: "يكتبُ، يُذاكرُ، يَشرحُ إلى آخره".
والأمر: هو الحدث الذي يُراد إيجاده بعد زمن التكلم. "احفظ فأنت ستمتثل هذا الأمر بعد أن تكلمنا".
إذًا هذا المقصود بالأمر، والآن سيبين علامتها أو حالتها الإعرابية أو البنائية.
{قال: (فَالْمَاضِي: مَفْتُوحُ اَلْآخِرِ أَبَدًا)}.
المقصود بالماضي المفتوح الآخر أبدًا، سواء كان ثلاثيًا، أو رباعيًا، أو خماسيًا، أو سداسيًا، وهو مفتوح الآخر أبدًا.
وهنا تنبيه لطيف في هذا الجزء؛ لأنَّ الماضي إمَّا أن لا يتصل بآخره شيء، مثل: "كتب، حفظ، قام، قعد، إلى آخره"، فهنا نقول: فعل مضارع مبني على الفتح، وإمَّا أن يتصل به ما يُغير آخره، كما لو قلنا: "ضرب" فهذا واضح أنه لم يتصل بآخرة شيء، وإذا اتصلت به واو الجماعة صار "ضربوا"، ولاحظ أنَّ الباء انتقلت من كونها فتحةً في قولك: "ضَرَبَ" إلى قولك: "ضربوا".
لو قلت لك: "ضربْتُ" الآن اتصلت به "تاء الفاعل"، وهي ضمير، فانتقل من كونه مفتوحًا في قولك: "ضَرَبَ" إلى كونه ساكنًا، "ضَرَبْتُ"، والمؤلف -رحمه الله تعالى- يقول هنا: دائما الماضي مفتوح الآخرة أبدًا، يعني: سواء كان ثلاثيا أو إلى آخره، أو اتصلت به واو الجماعة، أو تاء الفاعل، أو غير ذلك، هو دائمًا مفتوح.
وهناك وجه آخر لبعض أهل العلم، وهو أنه يقال: "ضَرَبَ" إذا لم يتصل بآخره شيء؛ فإنه يكون: ماضي مبني على الفتح، وإذا اتصلت به واو الجماعة يقولون: ماض مبني على الضم، وإذا اتصلت به "تاء الفاعل" فيقولون: ماض مبني على السكون.
إذا قلنا إنه دائمًا مفتوح الآخر، فكيف نقول: ضربوا؟
قالوا: نُقَدِّرُ، يعني نقول: "ضرب" فعل ماض مبني على الفتح المقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة؛ لأنَّ الواو يناسبها ضم ما قبلها، إذًا لو فصلنا هذه الواو ظهرت لنا هذه الفتحة، إذًا هو في الحقيقة معرب أو مبني على الفتح، ولكن لأن هذه "الواو" جاءت، غيرنا حركته فقط للمناسبة، ولو فصلنا "الواو" لظهرت الفتحة. وهذا معنى قولهم: مفتوح الآخر.
ومنهم من يقول: لا، هو مفتوح نعم، لكن إذا اتصلت به واو الجماعة نقول: مبني على الضم. إذا اتصلت به "تاء الفاعل"، وهي التاء مثلا في: "ضربتُ، ضربتَ، ضربتِ" نقول: مبني على السكون، أو نون النسوة: "ضربنَ". وإذا اتصل به "ألف الاثنين"، نقول: "ضربا" مبني على الفتح.
إذًا قوله: (الماضي مفتوح الآخر أبدا) يعني: سواء اتصل به "الواو أو تاء الفاعل أو نحو ذلك" هو مفتوح، ومنهم من قال: لا، من باب التسهيل، قالوا: إذا كان قولك: "ضرب" نقول مبني على الفتح، "ضربوا" نقول: مبني على الضم، "ضربت" نقول: مبني على السكون، وهذا الأسهل، وهذه بناء على مذهبه -رحمه الله تعالى- أنه يرى أن هذه الحركة التي هي الضمة على الباء هي مقدرة فقط للمناسبة، وإلا هو في الحقيقة مفتوح الآخر. وهذا هو المقصود بهذه الجملة في كلامه.
{قال -رحمه الله-: (وَالْأَمْرُ: مجزوم أَبَدًا)}.
المقصود بالأمر مجذوم أبدًا على مذهب الكوفيين هنا، أنَّ فعل الأمر مختزل من الفعل المضارع. كيف؟ الآن لو أتينا مثلا بفعل مضارع، نقول: "يُسافر" هذا مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
وعند جزمه نقول: "لم يسافر" قالوا: احذف أداة الجزم "لم"، واحذف حرف المضارعة من أوله، أي: "الياء"، ماذا سيخرج لك؟ سافر.
فقوله مجزوم الآخر أبدًا يعني: أنَّ الأمر يبنى على ما يجزم به المضارع، فننظر في المضارع، وما الذي يطرأ عليه من تغير، ثم نحذف الذي غيره، وأول حرف مضارع يظهر لك دائمًا فعل أمر.
فإذا أزلنا هذه الزوائد يظهر لك فعل الأمر، فلذلك نقول: فعل مضارع مجزوم، وهناك من يقول: إن الأمر مجزوم مثل المضارع، ومنهم من يقول: إنه مبني على ما يجزم به، فلو أراد أن نأخذ مثالين أو ثلاثة، مثل: "الطلاب يحفظون دروسهم"، يحفظون: مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون. اجزمه، سنقول: "لم يحفظوا"، مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون.
هات الأمر منه، تقول: "احفظوا"، فكما حذفت النون في حالة الجزم، هنا حذفت النون في حالة الأمر.
إذًا الأمر يُبنى على ما يجزم به المضارع، فكل ما يطرأ على المضارع من تغيير نأتي بالأمر منه، فنعطيه نفس الحركة، أو نفس الإعراب الذي أعطيناه ذلك الفعل المبارك.
{فتح الله عليكم شيخنا، وبارك فيكم، واللغة العربية نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يفتح علينا وعلى السادة، وكل من يقول: أمين. ويكفي فيها أن الإنسان حينما يتعلم هذه اللغة يتعلم لغة القرآن، وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يفتح عليكم، وأن يزيدكم من فضله، والشكر موصول لكم أيها الكرام على طيب وحسن المتابعة.
نلتقي بكم في لقاءات أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك

سلاسل أخرى للشيخ