{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله الذي شرح صدور أوليائه بالإيمان، وفتح لهم أبواب النصوص بقواعد البيان، وصلى الله على من أنزل الله عليه الكتابَ والميزان، وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان، حياكم الله وبياكم، مرحبًا بطلاب العلم، نرحب بكم في برنامج (جادة المتعلم) للمستوى الثالث، والذي نشرح فيه (المقدمة الآجرومية) للإمام محمد بن آجروم -رحمه الله تعالى-، يصحبنا بشرحه فضيلة الشيخ/ عبد الله بن حسن الحارثي. باسمكم جميعًا نرحب بفضيلة الشيخ، حياكم الله شيخ عبد الله}.
أهلا وسهلا ومرحبًا، طيب الله أيامكم وأعمالكم بالبركات.
{آمين وإياكم، بارك الله فيكم، نبدأ شيخنا بـ باب الأفعال كمقدمة.
(اَلْأَفْعَالُ ثَلَاثَةٌ: ماض، وَمُضَارِعٌ، وَأَمْرٌ، نَحْوَ ضَرَبَ، وَيَضْرِبُ، وَاضْرِبْ. فَالْمَاضِي: مَفْتُوحُ اَلْآخِرِ أَبَدًا. وَالْأَمْرُ: مجزوم أَبَدًا)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله وبعد، فقد عقد المؤلف -رحمه الله تعالى- هنا بابا جديدًا، وهو: (باب الأفعال)، والمقصود بهذا الباب: بيان أواخر هذه الأفعال من جهة بنائها وإعرابها، وذكر أنَّ الأفعال ثلاثة، وهي: الماضي، والأمر، والمضارع. وبدأ بالفعل الماضي، وقلنا: إنَّ الماضي هو الحدث الذي يدل على ما قبل زمن التكلم، وذكر حكمه من حيث البناء، أنَّ الماضي مفتوح الآخر أبدًا، سواء اتصلت به "واو الجماعة" أو ضمير الرفع مثل: "التاء" أو غير ذلك، فإنه يكون مفتوح الآخر أبدًا.
فإذا قلت: "ضَرَبَ" نقول: فعل ماض مبني على الفتح.
إذا قلت مثلا: "كَتَبَ" ستقول: فعل ماض مبني على الفتح.
وإذا قلت: "استخرج" ستقول: فعل سداسي، ماض مبني على الفتح.
وإذا قلت: "اجتمع" ستقول: فعل خماسي مبني على الفتح.
إذًا، سواء كان الفعل ثلاثيا مثل: "كتب" أو رباعيًا مثل: "قاتل" أو خماسيًا مثل: "اجتمع" أو سداسيًا مثل: "استغفر" فكلها مبنية على الفتح، فإن اتصل بها ما يُظهر خلاف بنائه على الفتح، فإنَّ الفتح يكون مُقدرًا في هذه الحال، كما لو قلنا: "ضربُوا" فهنا الباء -كما تلاحظ- مضمومة، وهل هذا ينافي قوله -رحمه الله تعالى-: (فَالْمَاضِي: مَفْتُوحُ اَلْآخِرِ أَبَدًا)؟
الجواب: لا، وإنما هو مفتوح، لكن هذا الفتح مُقدر على ما قبل "الواو" لأنَّ الواو يُناسبها ضمة قبلها.
وهناك قول آخر لأهل للنحاة: أنه مبني على الفتح، ولكن إذا اتصل به "واو الجماعة" يصير مبينًا على الضم، وإذا اتصل به "تاء الفاعل"، مثل: "ضربتُ، ضربتِ، ضربتَ" يصير مبينًا على السكون، وإذا اتصل به نون النسوة مثل: ضربنَ، فيصير مبنيًا على السكون.
إذًا، إمَّا أن نقول: مبني على الماضي أو مبني على الفتح أبدًا، وهذا قول. وإذا اتصل به غيرهم مما يغير حركة آخره، نقول: هذه للمناسبة فقط.
قال: (وَالْأَمْرُ: مجزوم أَبَدًا)، كيف؟ قلنا: إنَّ القاعدة هنا أنَّ الأمر هو جزء مختزل من الفعل المضارع، بمعنى: إذا أتيت بمضارع وجزمته، فكل تغيير يطرأ على ذلك المضارع بعد جزمه، اجعل ذلك التغيير للفعل الأمر، فإن حذفت منه حرف العلة، فالأمر تحذف منه حرف العلة، وإن حذفت منه النون في المضارع، فتحذف منه النون في حال الأمر، وإن جزمته بالكسر في حال مضارعه، فإنك ستبنيه على السكون في حال أمره.
مثال ذلك: "لم يكتبْ" هذا مضارع مجزوم، وعلامة جزمه السكون. احذف "لم" واحذف حرف المضارعة "الياء" فتقول: "اكتب". إذًا "اكتب" هنا أمر مبني، وعلامة بنائه السكون.
لو قلت لك: "يسافر": مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة، اجزمه، ستقول: "لم يسافر". احذف الزيادة وهي "لم" واحذف حرف المضارعة، فتقول: "سافِر" فعل أمر مبني على السكون.
لو قلت: "يعلم" مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة، وفي الجزم: "لم يعلم" فتقول: مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون. احذف حرف الجزم "لم"، واحذف "ياء المضارعة"، فتقول: "اِعْلَمْ" فكما قلت في المضارع إنه مجزوم وعلامة جزمه السكون، فستقول في الأمر: مبني على السكون.
وأمَّا لو كان هذا الفعل معتل الآخر، مثل: "يسعى الرجل في طلب رزقه" فـ "يسعى" مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره، منع من ظهورها التعذر.
وعند الجزم ستقول: "لم يسع"، و "يسع" فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وإذا أتيت بالأمر منه فستقول: "اسع"، فكما قلت في المضارع: مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، فإنك تقول في الأمر: مبني وعلامة بنائه حذف حرف العلة.
إذًا القاعدة عندنا في باب المضارع وباب الأمر في (باب الإعراب) هنا، تقول: الأمر يُبنى على ما يجزم به مضارعه، فأي طارئ يطرأ على الفعل المضارع عند دخول الجازم عليه، هات الأمر من ذلك الفعل ذاته، وغير فيه ما غيرته في ذلك المضارع، فإن كان المضارع مجزومًا بالسكون، فتقول في الأمر: مبني على السكون، وإن كان مجزومًا، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، فالأمر منه مبني على حذف حرف العلة، وإن كان آخره: "نون" يعني: من الأفعال الخمسة، فتحذف النون، وتقول: "لم يفعلوا"، فإذا أتيت بالأمر منه قلت: "افعلوا"، فكما قلت في المضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون، كذلك الأمر هنا: مبني على حذف حرف النون، فكلما غيرت الفعل المضارع في حال جزمه؛ فإنك تعطي ذلك التغير له عند بنائه على عند الإتيان بصيغة الأمر منه. هذا مقصوده -رحمه الله تعالى-.
وقوله: (مجزوم أَبَدًا) يقتضي أن يكون معربًا، ومنهم من يرى أنه مبني، والخلاف في هذا بين البصريين والكوفيين.
قال -رحمه الله-: (والمضارع: مَا كَانَ فِي أَوَّلِهِ إِحْدَى اَلزَّوَائِدِ اَلْأَرْبَعِ اَلَّتِي يَجْمَعُهَا قَوْلُكَ: "أَنَيْتُ" وَهُوَ مَرْفُوعٌ أَبَدًا، حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْهِ نَاصِبٌ أَوْ جَازِمٌ).
الآن انتقل إلى الفعل المضارع، وهو النوع الثالث، هذا المضارع نقول: هو معرب، وأمَّا الأمر والماضي فكلاهما مبني، وفي هذا خلاف بين البصريين والكوفيين.
المضارع يشترط فيه أن يكون في أوله إحدى الزوائد الأربع، والمقصود أنَّ عندنا الفعل مثلا: "حَفِظَ"، إمَّا أن نُدخل على الفعل "الهمزة" في أوله، فيصير: "أَحْفَظُ"، وإمَّا أن نُدخل عليه "النون"، وإمَّا "التاء" وإمَّا "الياء"، فتقول: "أَحْفَظُ" أصله ماض، ولَمَّا أدخلنا عليه "الهمزة" أصبح: "مُضارعًا"، وأمَّا إذا أدخلنا على الفعل "حفظ": "النون" أصبح: "نحفظ"، وإذا أدخلنا عليه "الياء" أصبح "يحفظ"، وإذا أدخلنا عليه "التاء" أصبح "تحفظ".
إذًا المضارع كان في أصله ماضيًا، فأدخلنا عليه "الهمزة، أو النون، أو الياء، أو التاء"، فانتقل من كونه ماضيًا إلى كونه مُضارعًا، بشرط أن تكون هذه الحروف: "الهمزة، أو النون، أو الياء، أو التاء" زائدة، ولذلك قال: (مَا كَانَ فِي أَوَّلِهِ إِحْدَى اَلزَّوَائِدِ اَلْأَرْبَعِ اَلَّتِي يَجْمَعُهَا قَوْلُكَ: "أَنَيْتُ")، بمعنى: لو جاءت "الهمزة أو الياء أو النون أو التاء" في أول الفعل، وكانت من أصل الكلمة، فلا يحكم عليه بأنه مضارع، كما لو قلنا: "الرجل أناخ راحلته"، فالفعل "أناخ" ليس مضارعًا لماذا؟ لأنَّ "الهمزة" في أول همزة من أصل الكلمة، وليست زائدة. كيف نجعله مضارعًا؟
نقول: إمَّا أن نزيد عليه "الهمزة أو النون أو الياء أو التاء"، فنقول: "ننيخ"، أو "نُنيخ"، أو "ينيخ". المقصود: أنَّ الهمزة لابد وأن تكون زائدة.
مثال آخر: الفعل "يأس" هذا ماض. كيف نقلبه إلى مضارع؟ نقول: "ييأس"، لاحظ زدنا "ياءً" عليه.
الفعل "تعب" تقول: "تعب الرجل" كيف نقلبه إلى مضارع؟ نقول: زد في أوله "الهمزة، أو الياء أو التاء أو النون، فيصبح: "أتعب، يتعب، نتعب، تتعب".
إذًا في الفعل المضارع يشترط أن يكون في أوله حرف من هذه الأحرف الأربعة، ويشترط فيها أن تكون هذه الأحرف زائدة على أصل الكلمة، فإن جاء فعل مبدوء بهذه الأحرف الأربعة، فلا يقتضي ذلك الحكم عليه بأنه مضارع، بل لابد من أن تكون هذه الأحرف زائدة، ومعنى كونها زائدة، يعني: لو جَرَّدتَ هذا الفعل من هذه الزوائد؛ لظهر لك الفعل الماضي.
قال: (يَجْمَعُهَا قَوْلُكَ: "أَنَيْتُ").
هذا من باب التسجيل على هذه الزوائد الأربع، (أَنَيْتُ) ويمكن أن تجمع كذلك على "نأتي"، وكذلك يمكن أن تجمع على "أتينا"، فهذه صور لها.
قوله: (وَهُوَ مَرْفُوعٌ أَبَدًا، حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْهِ نَاصِبٌ أَوْ جَازِمٌ).
الأصل في الفعل المضارع أنَّه مرفوع، فإذا تجرد عن الناصب أو الجازم فإنه يكون مرفوعا، وعلامة رفعه الضمة، أو يكون مرفوعا، وعلامة رفعه ثبوت النون، وأمَّا إذا دخل عليه ناصب، فإنه ينصب إمَّا بالفتحة إذا كان صحيح الآخر، وإمَّا أن يكون منصوبًا على حذف النون.
إذًا المضارع له أحوال: إمَّا أن يكون مرفوعًا بالضمة إذا تجرد من الناصب أو الجازم، وإن دخل ناصب عليه نصبه بالفتحة، وإن دخل عليه جازم جزمه بالسكون، وإذا كان معتل الآخر فإنه تقدر عليه الحركات، التي هي الفتحة، وإذا كان مجزومًا فإنك تحذف حرف العلة في هذا الحال أو النون إذا كان مضارعا مرفوعا بثبات النون.
قال -رحمه الله-: (فالنواصب عَشَرَةٌ، وَهِيَ: أَنْ، وَلَنْ، وَإِذَنْ، وَكَيْ، وَلَامُ كَيْ، وَلَامُ اَلْجُحُودِ، وَحَتَّى، وَالْجَوَابُ بِالْفَاءِ، وَالْوَاوِ، وَأَوْ).
بعد أن ذكر المؤلف أنَّ المضارع في الأصل مرفوع إلا إذا دخل عليه ناصب أو جازم؛ ناسب أن يذكر النواصب التي تنصب المضارع. ونحن علمنا أنَّ المضارع ينصب، وتكون علامة نصفه الفتحة، وعلمنا كذلك أنه ينصب، وتكون علامة نصبه حذف النون أحيانا، ولكن ما هي هذه العوامل؟ أو ما هي هذه النواصب التي تجعله منصوبًا بالفتحة أو منصوبا بحذف النون؟
قال: (فالنواصب عَشَرَةٌ) والنواصب جمع ناصب، وهو ما اقتضى أن يكون آخر المضارع على حالة مخصوصة، وهذه الحالة المخصوصة في المضارع إمَّا أن تكون الفتحة وهي الأصل، وإمَّا ما ينوب عنها، وهي حذف النون في مثل هذا الموضع.
قال: (وَهِيَ: أَنْ، وَلَنْ، وَإِذَنْ، وَكَيْ، وَلَامُ كَيْ، وَلَامُ اَلْجُحُودِ، وَحَتَّى، وَالْجَوَابُ بِالْفَاءِ، وَالْوَاوِ، وَأَوْ)، هذه هي النواصب العشرة التي نصَّ عليها المؤلف -رحمه الله تعالى- والعلماء في هذه النواصب على مذهبين:
الأول: أنَّ جميع هذه العشرة هي التي تنصب.
الثاني: أنَّ هذه النواصب تنقسم إلى قسمين، منها ما ينصب بنفسه وهي: (أَنْ، وَلَنْ، وَإِذَنْ، وَكَيْ)، ومنها ما ينصب بـ(أن) المضمرة جوازًا بعد الأدوات التي ذكرها المؤلف.
أي أنَّ المذهب الأول فيه (أَنْ، وَلَنْ، وَإِذَنْ، وَكَيْ، وَلَامُ كَيْ، وَلَامُ اَلْجُحُودِ، وَحَتَّى، وَالْجَوَابُ بِالْفَاءِ، وَالْوَاوِ، وَأَوْ) هي النواصب التي تتسلط على الفعل المضارع مباشرة، وهنا قول آخر أنَّ (أَنْ، وَلَنْ، وَإِذَنْ، وَكَيْ) هي النواصب التي تتسلط على المضارع مباشرة، وما عدا ذلك مما ظاهره أنَّه نُصب بـ (لَامُ كَيْ، وَلَامُ اَلْجُحُودِ، وَحَتَّى) هي في الحقيقة ليست بناصب، وإنَّما الناصب لها "أن" المضمرة بعد هذه الأدوات التي ذكرها المؤلف -رحمه الله.
فإذا سرنا نحن على مذهب المؤلف -رحمه الله- نقول: جميع هذه الأدوات هي التي نصبت المضارع، ولا ندخل في الخلاف والتفصيل.
أول النواصب: (أَنْ) فنقول مثلا: "أفضل أَنْ تحفظَ المتن" الفعل "تحفظُ" قبل دخول (أن) هو مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، ولَمَّا دخلت (أَنْ) عليه غيرت حالته من مرفوع إلى منصوب، ونقول: (أَنْ) حرف مصدري ونصب، ما معنى مصدري؟ يعني أنه ينسبك مع الفعل الذي بعده فيظهر لنا المصدر. فـ "أن تحفظ" أي: حفظك. و "أن تصوموا" أي: صومكم خير لكم. إذًا هي حرف مصدري ونصب، فهي تنصب المضارع، يعني: تُحدثُ في آخره الفتحة، التي هي العلامة الأصلية في النصب.
طيب إذا كان هذا المضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبات النون مثل: "يحفظان، يحفظون، تحفظين" وأدخلنا عليه (أَنْ) سيكون منصوبًا وعلامة نصبه "حذف النون"، مثل: "أن تحفظوا، أن تصوموا، أن تحفظِ"، أو "أن تحفظا درسكما يا طالبان"، أو نحو ذلك.
إذًا عندنا (أَنْ) هذه تدخل على المضارع، فتحدث فيه هذا الأثر وهو النصب، إن كان صحيح الآخر أو لم يتصل بآخره شيء. يعني على سبيل الإيضاح: فإنه يكون منصوبًا وعلامة نصبه الفتحة سواء كانت مقدرة أو ظاهرة. "أحب أَنْ تَعملَ الخير" فالفعل مضارع منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
"أحب أن تسعى في طلب العلم" الفعل مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة، منع من ظهورها التعذر.
إذًا عندنا من أوائل هذه النواصب (أَنْ) تدخل على المضارع فتنصبه.
الثاني من النواصب: (لَنْ) وهي حرف نفي ونصب واستقبال. فهي حرف نفي لأنَّها تنفي حدوث هذا الأمر، ونصب لأنَّها تعمل النصب في المضارع الذي بعدها، واستقبال؛ لأنها تفيد أن هذا الفعل يكون في المستقبل، فلا يمكن أن تنفي شيئًا قد مضى، فما تقول: "لَنْ ضَرَبَ"، أو "لن أضرب"، وإنما تتبع المضارع فتمحضه للاستقبال، ومثاله في القرآن قوله تعالى: ﴿قَالُوَا لَنْ نَبْرَحَ﴾ لاحظ أصل الفعل نبرح هو: "برحَ"، فعل ماض، وأدخلنا عليه النون الزائدة؛ فأصبح مضارع، "نبرحُ" وأدخلنا عليه (لن) فانتقل من كونه "نبرحُ" إلى كونه "نبرحَ" فنقول: (لن) حرف نفي ونصب واستقبال. والفعل "نبرحَ" مضارع منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
طيب لو كان هذا المضارع اتصل به "ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة"، فأصبح: "يبرحان، تبرحين" وأدخلنا عليه (لَنْ) تقول: "لن يبرحا"، "لن يبرحوا"، "لن تبرحي".
إذًا، إذا كان صحيح الآخر أو لم يتصل به "واو الجماعة" إلى آخره، فإنه ينصب على الفتحة، وهي الأصل. أو تتصل به هذه الحروف الثلاثة، فيكون مُضارعًا منصوبًا أيضًا ولكنه يكون منصوبًا، وعلامة نصبه حذف النون.
الثالث من النواصب: (إِذًا)، ولكن يشترط لها شروط:
الأول: أن تكون في صدر الكلام، يعني: أن تكون في أول الكلام، في أول الجملة.
الثاني: لابد أن يباشرها الفعل، أي: لا يفصل بينها وبين الفعل شيء.
الثالث: أن يكون المضارع الذي بعدها يُفيد الاستقبال ولا يفيد الحال.
هذه ثلاثة شروط لابد منها إذا أردنا أن نعمل (إِذًا) فننصب المضارع بعدها. مثال ذلك: لو قلت لك يا شيخ معاذ: "سأزورك غدًا" تقول أنت: "إذًا أُكرمَكَ"، وهذه تحقق فيها الشروط الثلاثة، فهي: في صدر الكلام، ولا يفصل بينها وبين الفعل فاصل، والفعل المضارع بعدها يفيد الاستقبال، ولذلك انتصب المضارع بعدها.
طيب لو أردنا أن نخل هذه الشروط، مثال: "سأزورك غدا يا شيخ معاذ" تقول: عندي دوام غدًا، وإن زرتني إذًا أكرمُكَ" ولا تقول: "أُكْرِمَك" ما السبب في ذلك؟
لأنَّ (إِذًا) لم تقع في صدر الكلام، وإنما سبقها كلام قبلها، وشرط عملها أن تقع في صدر الكلام حتى تعمل
طيب لو جئنا بما يختل به الشرط في قضية الفاصل، إذا قلت لك مثلا يا شيخ معاذ: "سأزورك غدًا" تقول: "إذًا جئتني -بإذن الله تبارك وتعالى- أُكرمُكَ"، ولا تقل: "أُكرمَك"، والسبب وجود هذا الفاصل بين (إِذًا) والفعل "أكرم". فوجد الفاصل هنا إلا إذا كان هذا الفاصل قسمًا، فإذا كان الفاصل قسمًا يُستثنى القسم، ويستثنى النداء، كما لو قلت لك يا شيخ معاذ: "سأزورك غدًا"، فقلت لي: "إذًا والله أُكرمَك" فهذا الفاصل لكونه قسمًا لا يضر من تسلط (إذًا) على المضارع فتنصبه، وكذلك قالوا النداء، كما لو قلت لي: "إذًا يا عبد الله أكرمَكَ"، فقالوا النداء مما يستثنى في هذا الموطن، وهناك تفاصيل أكثر من ذلك، ولكن المقصود أنها لابد أن تكون في صدر الكلام، وأن لا يفصل بينها وبين الفعل الذي دخلت عليه فاصل، وأن الفعل المضارع بعدها يفيد الاستقبال، كما لو قلت لك مثلا: "سأزورك غدا يا شيخ معاذ" فقلت: "إذًا أحبُك الآن" يعني: انشرح صدرك لهذا، وقلت: أحبك، فأنت الآن تخبر عن حبك أنه وقع الآن، ولا تخبر عن حبك في المستقبل عند زيارتنا، لابد أن تقول: "أُحِبُكَ"، ولا تقول: "أُحبَكَ" والسبب أن هذا المضارع وإن كانت (إذًا) قد باشرته، وقد وقع في صدر الكلام إلا أنه قد اختل شرط الاستقبال في المضارع.
إذًا (إذًا) تعمل بهذه الشروط التي ذكرناها، أن تكون في صدر الكلام، وأن يكون المضارع بعدها في الاستقبال، وأن لا يفصل بينها وبين الفعل فاصل، واستثني من ذلك القسم والنداء.
الناصب الرابع: (كي) وهي مثل: (أَنْ، وَلَنْ، وَإِذًا) من جهة أنها تعمل النصب في الفعل المضارع بعدها، فإذا جاء مضارع مسبوقًا بـ (كَي) فإنَّ المضارع يكون منصوبًا بها، كما تقول: "جئتُ كي أدرسَ"، فـ "جئت" فعل وفاعل، (كي) حرف نصب للمضارع، "أدرس" فعل مضارع منصوب بـ (كي)، كما نقول في مثيلاتها: منصوب بـ (أَنْ)، أو منصوب بـ (لَنْ)، أو منصوب بـ (إذًا)، فهنا أيضًا نقول: منصوب بـ (كي)، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، "جئتُ كَي أَدرسَ".
لو جئنا بمضارع اتصل به ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطب ودخلت عليه (كي) مثلا تقول: "أبلغتكم بالدرس كي تستعدوا"، أصلها: تستعدون، ولكن دخلت (كي) فأصبحت: "تستعدوا"، فـ (كي) حرف نصب، و "تستعدوا" مضارع منصوب بـ (كي) وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو هنا ضمير متصل في محل رفع فاعل.
إذًا (كي) من نواصب الفعل المضارع.
قال: (ولام كي) إذًا عندنا (كي)، وعندنا (لام كي) تقول مثلا: "جئت لأدرسَ".
ما الفرق بين قولنا: "جئتُ كي أدرسَ"، وبين قولنا: "جئت لكي أدرسَ"؟
من حيث المعنى كلاهما يفيد التعليل، يعني: ما الذي جاء بك؟ تقول: الدراسة.
إذًا التعليل واضح، ولكن لَمَّا أقول: "جئت كي أدرسَ"، فالناصب للمضارع هي (كي) مُباشرة، بينما إذا قلت: "جئت لأدرس" قيل: إنَّ اللام هذه هي التي نصبت المضارع مباشرة، وقيل: لا. هذه اللام فقط للتعليل والناصب هو (كي) المحذوفة المقدرة فيها، أي: "لكي أدرسَ".
إذًا عندنا هنا في قوله: (كي، ولام كي) للتفريق بينهما، إذا قلت: "جئت كي أدرسَ" واضح أنّ (كي) هي التي نصبت المضارع، بينما إذا قلت: "جئت لكي أدرس"، فهنا من قال: إنَّ اللام هي التي نصبت المضارع. فنقول: اللام (لام كي)، والمضارع منصوب بـ (اللام) وعلامة نصبه الفتحة على آخره.
والقول الثاني يوصى أنَّ اللام هنا هي: "لام التعليل"، و (كي) هنا حرف مصدري ونصب، والمضارع منصوب بـ (كي) المحذوفة بعد لام التعليل، وهذا هو وجه التفريق بينهما.
إذًا منهم من قال: إن (كي) هي الناصبة، وهذا واضح، ومنهم من قال: إن (اللام) هنا إمَّا أن تكون هي الناصبة، أو تكون (كي) المحذوفة.
طيب ما فائدة مجيء اللام هنا؟
قالوا: إفادة التعليل والجر؛ لأنَّ (كي) حرف مصدري أيضا تجر ما بعدها، بمعنى: "جئت للدراسة" يعني: "كي أدرس" فسبقنا (كي) مع ما بعدها وهو الفعل المضارع، فظهر لنا المصدر، فإذا أردنا جره أتينا باللام هذه، فتقول: "للدراسة"، و "جئت لكي أدرس"
قال: (ولام الجحود) وهي اللام التي تكون مسبوقة بنفي، مثل: "ما كان الله ليعذبهم"، ولاحظ أن (لام الجحود) في الغالب يسبقها (ما كان) أو (لم يكن).
كذلك لاحظ في قولك: "ما كان الله ليعذبهم" أنَّ اللام التي سبقت الفعل هنا تسمى: (لام الجحود)، والفعل بعدها يكون مضارعًا منصوبًا بـ (لام الجحود) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، فشرط (لام الجحود) التي ينتصب بها المضارع أن تكون مسبوقة بنفي، كما في قوله -عز وجل-: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ ، وفي قوله -عز وجل-: ﴿لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ﴾ فلاحظ أنها مسبوقة بـ "ما كان"، أو "لم يكن" المنفية، فـ "لِيَغْفِرَ" اللام (لام الجحود) ويغفر فعل مضارع منصوب بـ (لام الجحود) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. والأمر فيه تفصيل كما ذكرنا، هل النصب يكون بـ (لام الجحود) أو منصوب بـ (أن المضمرة) بعد هذه اللام، ونحن على كلام المؤلف -رحمه الله تعالى أنَّ هذه اللام (لام الجحود) التي يشترط فيها حتى تنصب الفعل المضارع أن تكون مسبوقة بـ "ما كان" أو بـ "لم يكن".
قال -رحمه الله-: (وحتى) تقول مثلا: "سرتُ حتىَّ أدخلَ البلدَ" و(حتى) تفيد الغاية، أي أنَّ غاية السير كانت دخول البلد، فنقول: "أدخلَ" مضارع منصوب بـ (حتى)، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وفي القول الثاني: أن الذي نصبه (أن المضمرة) بعد حتى.
ما علامة (حتى)؟ قالوا: أن يصح أن تقول بدلا عنها: "إلى أن"، تقول مثلا: "لأقاتلنَّ" الكافر حتىَّ يُسلمَ"، يعني: الى أن يسلم. فلمَّا صحَّ إحلال "إلى أن" بدلا عنها، فتكون (حتى) ناصبة للمضارع.
مثال: "لألزمنَّك حتى تقضيني حقي" نقول: (حتى) حرف نصب وغاية، وتقضين" فعل مضارع منصوب بـ(حتى) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
قال: (والجواب بالفاء) مثل: "ذاكر فتنجحَ"، "ذاكر" فعل أمر مبني، وعلامة بنائه السكون، و(الفاء) هنا حرف نصب وتعليل، و "فتنجح": مضارع منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. هل الفاء هي التي نصبته هنا؟
نقول: على كلام المؤلف -رحمه الله- نعم، فالفاء هي التي تسلطت مباشرة على هذا الفعل المضارع. ومنهم من قال: (أن المضمرة) بعد (الفاء)، ولكن نحن على كلام المؤلف -رحمه الله تعالى- أنَّ (الفاء) هي التي نصبت.
قال: (والواو وأو) يعني لو قلنا: "لا تعاديَ المؤمن وتسلمَ من الإثم". "تسلم": فعل مضارع منصوب، وقد وقع منصوبًا بعد (الواو) فهذه الواو هي التي نصبت هذا الفعل المضارع، فنقول: مضارع منصوب بـ (الواو) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
(أو) كما لو قلت: "لأقاتلنَّ الكافر أو يسلمَ" طبعًا بالشروط المعروفة عند أهل العلم، وقوله: "أو يسلم" يسلم: فعل مضارع منصوب بـ(أو) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، فهنا (أو) هي التي نصبت المضارع، وهناك قول آخر: أنَّ الذي نصب هذا المضارع هو (أن المضمرة وجوبًا) بعد (أو) هذه.
إذًا عندنا النواصب عشرة: (أَنْ، وَلَنْ، وَإِذًا) ولها شروط أربعة، (وَكَيْ، وَلَامُ كَيْ، وَلَامُ اَلْجُحُودِ) بشرط أن تكون مسبوقة بـ "ما كان" أو "لم يكن"، (وَحَتَّى، وَالْجَوَابُ بِالْفَاءِ، وَالْوَاوِ، وَأَوْ)، وبالتالي كلما وجدنا مُضارعًا منصوبًا بعد هذه الأدوات، فنقول: هو منصوب بـ الواو، أو حتى، أو إلى آخره، كما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى.
{قال -رحمه الله-: (وَالْجَوَازِمُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَهِيَ: لَمْ، وَلَمَّا، وَأَلَمْ، وَأَلَمَّا، وَلَامُ اَلْأَمْرِ وَالدُّعَاءِ، وَ "لَا" فِي اَلنَّهْيِ وَالدُّعَاءِ، وَإِنْ وَمَا وَمَنْ وَمَهْمَا، وَإِذْمَا، وأي وَمَتَى، وَأَيَّانَ وَأَيْنَ، وَأَنَّى، وَحَيْثُمَا، وَكَيْفَمَا، وَإِذًا فِي اَلشِّعْرِ خاصة)}.
بعد أن ذكر المؤلف أنَّ الأصل في المضارع هو الرفع، وعلامة رفعه الضمة أو ثبوت النون؛ ذَكَرَ مَا يُغير إعرابه من الرفع إلى النصب، وذكر النواصب العشرة، ثم ذكر كذلك ما يطرأ على الفعل المضارع من جهة تغيير حكمه الإعرابي، فذكر أنه كما يُنصب بأدوات كذلك يجزم بأدوات، وهي: (ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) وهي قسمان.
والجوازم جمع جازم، وهو ما أوجب أن يكون آخر الفعل على صفة مخصوصة، وهي السكون أو الحذف كما مر معنا.
(ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) منها ما يجزم فعلاً واحدًا، يعني: يَتِمُّ الكلام، ويُكتفى بذكر فعلٍ واحدٍ، يعني هناك أدوات لا تجزم إلا فعلاً واحدًا مُضارعا، فيتم الكلام بذكر هذا المضارع معها، وهي: (لَمْ، وَلَمَّا، وَأَلَمْ، وَأَلَمَّا، وَلَامُ اَلْأَمْرِ وَالدُّعَاءِ، وَ "لَا" فِي اَلنَّهْيِ وَالدُّعَاءِ)، هذه الأدوات التي ذكرها المؤلف -رحمه الله تعالى- هي التي تجزم فعلاً واحدًا، بمعنى: يتم الكلام معها بذكر مضارع واحد مجزوم. فيقول لك مثلا: "ربنا لم يلد سبحانه"، فـ "ربنا" مبتدأ، وهو مضاف. (لم) حرف جزم ونفي وقلب، "يلد": مضارع مجزوم، وعلامة جزمة السكون.
هل هنا تم الكلام أو لم يتم؟ تم الكلام، إذًا عندنا (لم) تجزم فعلاً مُضارعًا واحدًا، أي: يكتفى معها بمضارع واحد. لماذا يقال هذا الكلام؟
لأنه سيأتي بعد قليل أدوات لا يُكتفى معها بذكر مضارع واحد، بل لابد من ذكر مضارعين حتى يتم الكلام، فإذا قلت لك: "إنْ تجتهدَ" الكلام ناقص هنا، "تنجح" لاحظ؟ وقولك: "مهما تفعل" وسكتَّ، الكلام ناقص، بل لابد من قولك مثلا: "مهما تفعل تجازى عليه"، وكذلك مثل: "أنَّى تحفظ" أو "كيفما تجلس أجلس".
إذًا هناك جوازم يُكتفى معها بذكر مضارع واحد، وهناك جوازم لا يُكتفى معها بذكر مضارع، بل لابد من مضارعين حتى يَتم الكلام.
فهنا ذكر (لم) وهو حرف جزم ونفي وقلب، فهو حرف جزم يعني: يجزم المضارع إمَّا بالسكون، وإمَّا بحذف حرف العلة، وإمَّا بحذف النون، كما مر معنا.
{ما معنى القلب؟}
يعني: يقلبه من حيث المعنى، بمعنى أنَّ المضارع يُفيد الحال والاستقبال، فإذا دخلت عليه (لم) صيرته من مكونه يفيد الحال والاستقبال إلى كونه ماضيا، مثل: "يحفظ"، فتقول: "لم يحفظ" أي: ما حفظ، يعني: يصح أن تُبدل "اللام" هذه وتضع بدلا عنها ما مع الماضي، فإذا صحَّ هذا السياق أو هذا التركيب هذا هو المقصود بـ (لم) التي تفيد القلب، أي: تقلب زمنه من كونه حاضرا مستقبلا إلى كونه ماضيا. تقول مثلا: "زيد ذاكر" يعني: الآن، و "زيد سيذاكر" يعني: في المستقبل، فإذا دخلت (لم) نقلته من كونه حالا إلى كونه ماضيًا.
وأمَّا (لَمَّا) فهي مثل (لم) من جهتي النفي والقلب، يعني: تقلب معنى المضارع إلى الماضي، ولكن ما الفرق بين (لم) و (لَمَّا)؟
(لم) تُفيد أنَّ هذا المنفي في الزمن الماضي فقط، بغض النظر عن كون هذا النفي مستمر إلى الآن أو لا. إذا أدخلت (لَمَّا) دلت على ما دلت عليه (لم) من كون هذا الشيء منفي، وأن الشيء مستمر إلى زمن التكلم. إذا سألتك مثلا: "هل شربت في الصباح؟" تقول: "لم أشرب"، يعني: ما شربت في الصباح، وممكن أن أكون شربت الآن في الليل، يعني محتمل أنك شربت. فلما أقول لك: "هل شربت في الصباح" تقول: "لَمَّا أشرب" أي: لم أشرب من الصباح إلى الآن. فـ (لم) المنفي بها قد يكون شيئًا مضى، ويحسب أنه مستمر. ولكن (لَمَّا) هي نص في الاستمرار هذا، لا لم يحصل منك شيء أبدًا، كما قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ﴾ ، أي: لم يذوقوه، والمتوقع أنَّ هذا الشيء سيحصل. هذا من أوجه الفروق بينهما، وهو أنَّ (لم) و (لَمَّا) كلاهما ينفي المضارع من جهة زمنه، أنه يفيد أن هذا شيء قد مضى نفيه، لكن (لَمَّا) تفيد أنَّ هذا المنفي إلى الزمن الحاضر، وأيضا (لَمَّا) تفيد أنَّ ما بعدها الذي هو المضارع يتوقع حصوله في المستقبل. بخلاف (لم) فإنها لا تفيد هذا المعنى.
إذا قلت مثلا: "هل عاقبت اللص؟" تقول: "لَمَّا أعاقبه". أي: يتوقع أن يعاقبه، بخلاف (لم) فإنها تفيد النفي.
ثم هل هي تفيد الاستمرار أو لا؟ (لم) محتملة، وأمَّا (لَمَّا) فهي نصٌ في استمرار ذلك النفي إلى زمن التكلم، تقول مثلا: "هل عاقبته؟" أقول: "لَمَّا أعاقبه". فـ "أعاقب": مضارع مجزوم بـ (لَمَّا) وعلامة جزمه السكون، والفاعل ضمير مستتر تقديره "أنا" والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
و (ألم) هي (لم) نفسها، ولكن دخلت عليها الهمزة، والمضارع في الحقيقة مجزوم بـ "لم"، وهذه الهمزة زيدت إمَّا للتوبيخ أو للاستفهام أو للإقرار. قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ﴾ (ألم) هنا جزم بعدها المضارع، فالجازم هل هو (ألم) كلها أو (لم)؟
الصواب أنَّ الجازم هو (لم)، وأنَّ هذه الهمزة دخلت للتقرير، وضابط التقرير أنها تنحل إلى "قد" والفعل الماضي معها، كما لو قلت لولدك مثلا: "ألم أُنفقَ عليك؟" طيب حلها إلى "قد والماضي" تقول: "قد أنفقت عليك"، وهنا صح الكلام واستقام، فـ (ألم) التي تفيد التقرير لابد أن تنحل إلى "قد والفعل الماضي" معها.
إذًا عندنا (ألم) الجزم فيها بـ (لم)، والهمزة زيدت للاستفهام أو للتقرير أو للتوبيخ أو غير ذلك من المعاني.
و (ألَمَّا) مثل: (لَمَّا) يعني: الجازم (لَمَّا) والهمزة زيدت للاستفهام، مثل: "ألَمَّا أُحسنَ إليك" يعني: منذ ما مضى إلى يومنا هذا "لَمَّا أُحسنَ إليك" الجواب هو سيقول لك: نعم أو بلي أو نحو ذلك. إذًا نقول: مضارع مجزوم بـ(ألَمَّا) أو بـ (لَمَّا) والهمزة للاستفهام أو نحو ذلك، وعلامة جزمه السكون، أو حذف حرف العلة أو غير ذلك مما سبق ذكره.
قال: (ولام الأمر والدعاء) يسبق المضارع "لامًا"، وهذه اللام قد يُقصد بها الأمر، تقول مثلا: "لتحفظ درسك يا بني"، تحفظ: فعل مضارع مجزوم بـ "اللام"، وعلامة جزمه السكون.
لماذا سميناها لام الأمر؟ لأنه إذا كان من الأعلى إلى الأدنى، فهذا يسمى أمرًا. ويقول مثلا: "لتكتب يا معاذ كذا وكذا" فهذا يسمى: التماسًا إذا كان من الند إلى الند، وإذا كان من الأدنى إلى الأعلى: "لتغفر لنا يا رب ولترحمنا" هذا لا يسمى أمرًا، وإنما يسمى دعاءً.
إذًا عندنا مضارع يسبق بهذه اللام، فإن كان من الأعلى إلى الأدنى فتسمى: (لام الأمر)، تقول: مضارع مجزوم بـ(لام الأمر) وعلامة جزمه السكون، ولو قلت لك مثلا: "لتسعَ في فعل الخير"، لتسع: اللام "لام الأمر" وتسع مضارع مجزوم بحذف حرف العلة؛ لأن أصلها تسعى، فلما دخل عليه جازم وهو معتل الآخر، حذفنا حرف العلة، وقلنا: مضارع مجزوم بحذف حرف العلة.
تقول مثلا: "لتدعو ربك يا مسلم" نقول: مضارع مجزوم بحذف حرف العلة، والجازم له هذه اللام. إذًا عندنا (لام الأمر) تجزم، و (لام الالتماس) كذلك، واللام التي بمعنى الدعاء. وكذلك يوازيها في هذا ("لَا" فِي اَلنَّهْيِ وَالدُّعَاءِ)، في النهي تكون من الأعلى إلى الأدنى، تقول لولدك: "لا تهملَ درسكَ" فنقول: (لا) حرف جزم ونهي، تهمل: مضارع مجزوم بـ (لا الناهية)، وعلامة جزمه السكون، وهذا إذا كان من الأعلى إلى الأدنى، وأمَّا إذا كان من الأدنى إلى الأعلى فتقول: "ربي لا تؤاخذني"، أو "ربي لا تغضب علي"، فقولك: "لا تغضب" ليس من قبيل الأمر، بل من قبيل الدعاء، فاذا كان من الأدنى إلى الاعلى فتسمى (لا) هنا في كل الأحوال جازمة، ولكنها في حالة ما إذا كانت من الأعلى إلى الأدنى، فهذا نهي. والنهي في ذاته أمر، وإمَّا أن تكون من الأدنى إلى الأعلى فنقول: هذا دعاء، وفي كل الأحوال هذه (لا) سبقت المضارع فإنه يجزم بعدها.
وهنا قضية مهمة ينبغي التنبيه عليها: هناك (لا) لا تشبه (لا) هذه، وهي تدخل على المضارع أيضًا، لكنها لا تعمل شيئا، كما في قوله -تبارك وتعالى-: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ﴾ لأنه قد يأتي أحدهم ويقول: كيف أنت تقرر قبل قليل أن (لا) تجزم الفعل المضارع، ومقتضى ذلك أن تقول: "لا تقتلوا"، فنقول: هناك (لا) النافية، وهذه (لا) الناهية، وفرق بين (لا) الناهية و (لا) النافية، و (لا النافية) لا يتأثر بعدها المضارع، وهي تفيد النفي، أي أنَّ هذا الأمر لم يحصل منه، ولكن لا يُطلب منهم تحصيل ذلك الأمر، ولذا نقول: "لا يقتلون" مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون، بينما "لا تقتلوا": مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون. فعندنا (لا) النافية والناهية، وكلاهما يدخل على المضارع، فإن كانت "نافية" فالمضارع لا يتأثر بعدها من جهة الإعراب، وإن كانت ناهية وفيها طلب، فهذه التي تؤثر في المضارع بعدها وتكون مجزومًا. وهذا تنبيه ضروري، قد يقع فيه الخلط.
أمثلة: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ هذه كلها مجزومة.
ثم انتقل المؤلف إلى القسم الثاني من الجوازم، وهي ما يجزم فعلين، وهذه الجوازم التي تجزم فعلين منها ما هو حرف باتفاق، ومنها ما هو اسم باتفاق، ومنها ما هو مختلف فيه، لكن حسبنا أن نذكر هذه الجوازم جملة، دون التفصيل في هذه القضية.
فـ (إِنْ) تدخل على الفعل المضارع، ولابد له حتى يتم الكلام من مضارع آخر؛ لأنَّ (إِنْ) هذه تسمى (إنْ) الشرطية، فهي تجزم وفيها معنى الشرط، يعني: ترتب حصول شيء على شيء، تقول: "إنْ تجتهدَ تنجحَ"، ولكن لو جردنا من (إنْ) وقلنا: "تجتهد تنجح" كان الكلام غير مستقيم، ولذا كان لابد من وجود هذا الذي يربط بين الفعلين، يعني: أحدهما متسبب عن الآخر، تقول: "إن تجتهد تنجح" فنقول (إنْ): حرف جزم وشرط يجزم فعلين، تجتهد: فعل مضارع مجزوم فعل الشرط، وعلامة جزمه السكون. و "تنجح": فعل مضارع جواب الشرط، مجزوم، وعلامة جزمة السكون.
"إن تجتهدَ تنجحَ" فأنت رتبت النجاح على أصول الاجتهاد. أي كأنك قلت: يُشترط حتى تنجح أن تجتهد، لكن بدلا من أن تقول يُشترط وتأتي بكلام طويل، تأتي بـ (إِنْ) التي تدل على هذا المعنى، فبدل من أن تعبر بجملة، عبرت بحرف يدل على ذلك المقصود، فقلت: "إِنْ تجتهدَ تنجحَ"، ومثاله في قوله -تبارك وتعالى-: ﴿قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ﴾ ، ينتهوا: فعل الشرط، وهو فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون. و "يغفر": جواب الشرط، فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه السكون. فهنا جاء الله -عز وجل- بهذا السياق بمضارعين أحدهما: مجزوم وعلامة جزمه حذف النون، وجاء بالشرط مجزوم وعلامة جزمة السكون. يعني: يُشترط لمغفرة ما حصل منه الانتهاء، فبدلاً أن يقول: ويشترط عليكم كذا وكذا قال: ﴿إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ﴾ .
إذًا (إِنْ) حرف جزم وشرط، تفيد الجزم من جهة العمل، وتفيد الشرط من جهة المعنى.
و (مَا) كذلك هي مثل: (إِنْ) من جهة أنها تفيد الشرط، تقول: "ما تفعل أفعلَ" يعني كأنك قلت: أي شيء تفعله أفعله، و "ما": أداة شرط وجزم، "تفعل": فعل الشرط، مضارع مجزوم بـ (ما)، وعلامة جزمه السكون. و "أفعل" المضارع جواب الشرط مجزوم، وعلامة جزمه السكون. ما الذي جزمهما؟
إذًا عندنا (إِنْ) تجزم فعلين، و (ما) أخذت من (إِنْ) نفس معنى الشرط، فتقول: "ما تفعل أفعل" يعني: أي شيء تفعله أفعله، فهنا عندنا فعل الشرط وجواب الشرط كلاهما مجزوم بـ (ما).
بينما لو قلت: "ما تفعل" ثم سكتَّ، فهنا لا يستقم الكلام، ولم يتم، ولذا لابد من الإتيان بجواب الشرط، الفعل الآخر المضارع حتى يستقيم الكلام.
قال: (ومن) ن الأصل فيها أنها تستخدم للاستفهام، تقول مثلا: "من قام؟"، "مَنْ حفظ؟"، و "من قعد؟" لكنها ضمنت معنى الشرط، يعني: شابهها شيء من معنى (إِنْ)، فلمَّا شابتها هذه الشيبة وهي الشرطية، أصبح لابد معها من فعل مضارع مجزوم، "فعل الشرط، وجواب الشرط آخر، تقول مثلا: "من يجتهد ينجح"، كأنك قلت: "إن تجتهد تنجح" فـ (من) الأصل فيها أنها اسم استفهام، يستفهم به، مصل: "من جاءنا؟"، "من زارنا؟"، "من كذا؟" لكن لَمَّا ضمنت معنى الشرط أصبح هناك ترتب شيء على شيء آخر، فلما كان بهذه المثابة وضمنت هذا المعنى، اشتُرِطَ حتى يتم المعنى بها وجود فعلين، فعل الشرط، وجواب الشرط، فنقول مثلا: "من يحفظ؟"، فـ (من): اسم شرط جازم، "يحفظ": مضارع مجزوم، فعل الشرط بـ (مَنْ) وعلامة جزمه السكون، "ينجح": جواب الشرط، فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون.
إذًا (من) هذه اسم شرط جازم، كما (أن) حرف شرط جازم، و (ما) أيضًا أداة شرط جازمة، وكذلك (وَمَهْمَا، وَإِذْمَا) وكلها مثلها. تقول: "مهما تفعل أفعل". و (مهما) في القرآن كما في قوله: ﴿وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا﴾ وهذه فيها تفصيل، في قضية إذا لم يصح أن يكون المضارع في جواب الشرط، ولها تفاصيل لا نريد أن نخوض فيها الآن.
لكن لو قلت لك مثلا: "مهما تقل أقل" مهما: يعني: أي شيء تقوله فأنا أقول مثله، يعني كأني قلت لك: إن تقل شيئا أقل مثله. فهنا نقول: (مهما) أداة شرط جازمة. "تقل": مضارع مجزوم بـ (مهما) وعلامة جزمه السكون. "أقل": جواب الشرط مجزوم وعلامة جزمه السكون، والجازم له هي (مهما).
قال: (وَإِذْمَا) كذلك فيها معنى الشرط، مثل: "إِذْمَا تفعل أفعل" (وَإِذْمَا) من الأدوات التي تجزم فعلين، ولكن هذه اختلف فيها، هل هي حرفية أو اسمية؟ والمعنى المترتب على قولنا هل هي اسم أو حرف أنه يبحث لها عن محل من الإعراب؟
{لكن (إِذْمَا) يا شيخ في سياقها كيف تأتي؟ يعني: إذا أردنا أن نسوق لها كلمة}.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- هنا: (إِذْمَا) من أدوات الشرط التي تجزم فعلين مضارعين: أحدهما فعل الشرط، والثاني جواب الشرط وجزاؤه، وهي أداة شرط موضوعة للدلالة على تعليق وقوع جواب الشرط وجزائه على وقوع فعل الشرط.
وإنك إذما تأتي ما أنت آمرٌ به ... تُلفي من إيّاه تأمر آبيا
لقد ضرب لنا مثلا ببيت الشعر، والتمثيل ببيت الشعر أحيانا يكون فيه غموض أكثر من الكلام المنثور، فهنا يقول: (إذما) حرف شرط جازم، يجزم فعلين، الأول هو فعل الشرط، والثاني هو جوابه، وتأتي فعلا مضارعًا، والفعل بعد (إذما) وهنا: "تأتي" فعل مضارع مجزوم بأداة الشرط (إذما) إلى آخره.
يقول: "ما أنت آمرٌ به ... تُلفي" ما شاء الله الشيخ عنده إعراب تفصيلي، نقول: فعل مضارع مجزوم، يقول: "إذما تفعل تُلفي" يعني: الشيء الذي تفعله لابد أن يأتيك جزاؤه. (إذما) تفعل تجازى به، فهي ضمنت معنى الشرط، وجميع هذه الأدوات ضمنت معنى الشرط، فكما أنَّ (إِنْ) التي الأصل فيها الشرط، "إِنْ تجتهد تنجح"، أي: ترتيب شيء على شيء، فكذلك ما بعد "إِنْ" كان فيها دلالات مستقلة قد تفيد الظرفية، قد تفيد العموم، قد تفيد غيرها، لكنها ضمنت معنى الشرط، فَتَرَتُّبْ شيء على شيء آخر، أو تعليق شيء على شيء، فمتى وجد هذا المعنى، وهو: ترتب شيء على شيء، إذًا فيها معنى الشرط، وبالتالي لا بد فيها من فعلين، الأول: فعل الشرط، والثاني: جواب الشرط وجزاؤه.
فهنا كأنه يقول: "إذما تفعل"، أي شيء تفعل؛ فإنك تجازى عليه.
قال: (وأي ومتى).
تقول: "أي شيء تفعل أفعل".
نقول: (أَيُّ) أداة شر جازمة.
"تفعل": مضارع مجزوم بـ (أي) وعلامة جزمه السكون.
"أفعل" فعل مضارع، جواب الشرط، مجزوم وعلامة جزمه السكون.
إذًا (أي) ضُمنت معنى الشرط، كأنه يقول: "إن تفعل أفعل"، لكنه أتى بـ (أي) يعني: أي شيء يحصل منك أنا أفعل مثله من باب الاقتداء، أو نحو ذلك.
قال: (ومتى).
الأصل أنَّ (متى) يُستفهم بها عن الزمان، مثل أن تقول: "متى تسافر؟"، "متى تأتنا؟"، "متى تزورنا؟" لكنها ضمنت معنى الشرط، فأصبح السياق في هذا التركيب تقول: "متى تحضر سأحضر"، "متى تشرح أستمع"، فهي في الأصل يُستفهم بها عن الزمان، فلمَّا ضُمنت معنى الشرط أصبح لا يكفي الإتيان معها بمضارع واحد، بل لابد من مضارع آخر ليتم به المعنى، فكأنه قال: "إن تفعل كذا أفعل كذا"، "متى تجتهد تنجح"، "متى زرتنا نكرمك"، فهي اسم شرط جازم يجزم فعلين، الأول: فعل الشرط، "متى تحفظ تستفد" نقول: "تستفد" مضارع مجزوم جواب الشرط، وعلامة جزمه السكون.
قال: (وَأَيَّانَ).
الأصل أنها يستفهم بها عن الزمان، تقول: "أيَّانَ تجتهد تنجح" يعني: أي وقت تجتهد فيه يحصل لك الفلاح، "أيَّانَ مُرساها"، فهي يُستفهم بها عن الزمان، وإذا ضمنت معنى الشرط فأصبح فيها شائبة (إن) هذه، وتَرَتُّبْ شيء على وجود شيء آخر، هو الذي أوجب لها أن تكون جازمة لفعلين، "أيان تجتهد تُفْلِحْ" يعني: "في أي وقت تجتهد تفلح"، "أيانَ تُسلم وجهكَ لله تستمسك بالعروة الوثقى"، أي: يحصل لك استمساك بالعروة الوثقى، و (أيان) الأصل أنك تستفهم بها عن الزمان مثل متى، "متى تحضر؟"، "متى تسافر؟"، لكنه ضُمِّن معنى الشرط، فكذلك (أيان) تستفهم عن الزمان، فلمَّا ضُمنت معنى الشرط، أصبح لابد من فعلين مضارعين، الأول: فعل الشرط، والثاني: جواب الشرط.
قال: (وَأَيْنَ).
(أَيْنَ) يُستفهم بها في الأصل عن المكان، تقول: "أين تجلس؟"، "أين المحل الفلاني؟"، "أين المسجد كذا وكذا؟" يُستفهم بها عن المكان، لكنها لَمَّا ضمنت معنى الشرط أصبح لابد معها من فعلين، تقول: "أين تجلس أجلس"، "أين تحاضر أحضر معك"، فتقول: (أَيْنَ) شرط جازم، "تحضر": فعل مضارع، فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه السكون، "أحضر": جواب الشرط مجزوم، وعلامة جزمه السكون. ما الذي جزمه؟ الإجابة: (أَيْنَ)، وهي في الأصل يُستفهم بها عن المكان، لكنها لَمَّا ضمنت معنى الشرط، أصبح هناك تَرَتُّبْ شيء على شيء آخر، فلما ضمنت هذا المعنى، أصبح لابد من فعلين حتى يتم بها الكلام.
قال: (وَأَنَّى).
يستفهم بها عن الزمن، تقول: "أَنَّى تأتي عندنا؟" أو "أنَّى لك هذا؟"، فلما ضمنت معنى الشرط، أصبح لابد معها من فعلين، تقول: "أَنَّى تجتهد تنجح"، "أَنَّى تسافر يكتب لك الله الرزق في الأرض"، "أَنَّى تسافر يحصل لك كذا" أي: في أي وقت تسافر يحصل لك كذا وكذا، فهي لَمَّا ضُمنت معنى الشرط، بعد أن كانت للدلالة على الاستفهام، ضمنت هذا المعنى، وهو ترتب شيء على آخر، فأصبح لابد معها من فعلين مضارعين، الأول: فعل الشرط مجزوم بـ (أَنَّى) والثاني: جوابه مجزوم بـ (أَنَّى).
قال: (وَحَيْثُمَا).
هي للدلالة على المكان، تقول: "حَيْثُمَا جلست أجلس"، أي: أجلس في المكان الذي جلست فيه، ثم أنت لَمَّا رتبت أمرين أحدهما على الآخر، تقول: "حيثما تخطب أحضر"، يعني: في المكان الذي تخطب فيه، أي: يحصل مني حضور، فأنت لو اقتصرت على الجزء الأول بذكر فعل لم يستقم الكلام، "حيثما تخطب" صار الكلام ناقصًا، تقول: أحضر، فأصبح هنا فيه تعليق شيء على شيء، فهي إذًا ضمنت معنى الشرط، فذلك لابد معها من فعلين، الأول: فعل الشرط مجزوم بـ (حَيْثُمَا)، والثاني: جواب الشرط مجزوم.
قال: (وَكَيْفَمَا).
الأصل أنها يستفهم بها، كيف؟
تقول مثلا: "كيفما جاء زيد" يعني: ما هي الحالة التي كان عليها زيد؟ كيف جاء؟ كيف جلس؟ يعني: ما هيئته إذا كان جلس عليها؟ فلمَّا ضُمنت معنى الشرط، أصبح هناك تعليق شيء على شيء، تقول: "كيفما تجلس أجلس؟" يعني: في الحالة التي تكون أنت عليها، أنا أكون على نفس الحالة التي أنت عليها، فضمنت مع الشرط، فنقول: "كيفما تجلس أجلس؟"، نقول: (كيفما) هنا شرط جازم، "تجلس": فعل مضارع مجزوم بـ كيفما، وعلامة جزمه السكون، "أجلس": جواب الشرط مجزوم وعلامة جزمه السكون.
قال: (وَإِذًا فِي اَلشِّعْرِ خاصة).
لأنها تجزم فعلين، الأول: فعل الشرط، (وَإِذًا في الشعر) لم تسمع إلا في الشعر، والأصل أن تؤخذ قواعد النحاة سواء من الشعر أو من النثر، لكن وجدوا أنها لا تجزم إلا في الشعر، وبالتالي قصروا استعمالها على الشعر، فإذا وجدوا شاهدًا قالوا: هو يعمل في هذه الجزئية فقط، في هذا البيت؛ لأنه نادر عن العرب إعمالها في غير الشعر.
نحن نقول: واعلم أنها ثبتت في الشعر، فيصح أن تعمل في غيره، ولذلك بعضهم يرى أنها تجزم في الشعر خاصة، ولا تجزم في غير الشعر، مثلا تقول: "إذا تجتهدُ تنجحْ" دون أن تجزم، ومنهم من يقول: إذا جئت بها في سياق الشعر تقول: "إذا تجتهدْ تنجحْ"، كما قال هنا:
واسْتَغْنِ ما أَغْناكَ رَبُّكَ بالغِنَى .... وإِذَا تُصِبْك خَصاصَةٌ فَتَجَمَّلِ
فـ (إذا) أداة شرط جازمة، نصبت فعل الشرط، مجزوم، وعلامة جزمه السكون بـ (إذا).
"فتجملي": هذه الفاء وقعت في جواب الشرط؛ لأن هنا عندنا فعل أمر، وفعل الأمر لا يصح أن يكون هو جواب الشرط، لابد أن نربطه بشيء، كيف نربطه؟
لابد من الإتيان بالفاء، قال: "وإِذَا تُصِبْك خَصاصَةٌ فَتَجَمَّلِ"، ولا يصح أن تقول: "تجمل"؛ لأنَّ هذا فعل أمر، ونحن قلنا: لابد أن يكون هناك مضارع.
طيب إذا لم يصح أن يقع المضارع في جواب الشرط، ما الذي يؤتى به ليصح الكلام ويستقيم؟ قالوا: نأتي بهذه الفاء التي تربط بين فعل الشرط وجواب الشرط، تقول: "وإِذَا تُصِبْك خَصاصَةٌ فَتَجَمَّلِ".
"إذا آذاك مؤذ فاستعن بالله عليه"، ولا تقل: "إذا آذاك مؤذ استعن"، بل لابد من أن تربطه بالفاء، فالفاء هذه واقعة موقع جواب الشرط؛ لأنَّ الفعل هنا لَمَّا لم يتأتى إتيانه، فلابد من التعبير عنه بما يدل على الربط بين جملة جواب الشرط وفعل الشرط. فماذا فعلوا؟ قالوا: نأتي بالفاء، تقول: الفاء واقعة في جواب الشرط، و"تجمل" فعل أمر مبنى، إلى آخره كما سبق بيانه.
إذًا (إذا) هذه فيها خلاف، هل تعمل في الشعر خاصة أو تعمل في غيره أيضًا؟
{لكن لو كانت تعمل في الكلام، كيف تكون؟}
نقول مثلا: "إذا تُظلم تجد فرجا من الله"، أو "إذا تضق عليك الحياة، تجد فرجًا" .. "تضق.. تجد"، تضق هذا فعل الشرط، وتجد هذا جواب الشرط مجزوم، فكلاهما مجزوم.
لكن منهم من يقول: لا، إذا وردت في سياق الشعر فهي التي تلزمني؛ لأن هذا من لسان العرب فقط في إعمالها بالشعر، أما في غيره فلا نقول: (إذا) هنا جازمة، نعم هي أداة شرط، لكن ما بعدها لا يكون مجزومًا، وإنما يكون مرفوعًا.
{شكر الله لكم شيخنا المفضال، ورفع الله قدركم، ونفع بكم، وزادكم من فضله، نقف عند هذا الحد، ونستكمل -بإذن الله تعالى- في اللقاء القادم، والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام على طيب وحسن المتابعة، نلتقي بكم -بإذن الله- في لقاءات أخرى، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.