الدرس السابع
فضيلة الشيخ محمد بن مبارك الشرافي
إحصائية السلسلة
{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم طلاب وطالبات برنامج (جادة المتعلم) في حلقة جديدة من حلقات "التعليق على أصول في التفسير" لفضيلة الشيخ العلامة/ محمد بن صالح العثيمين -رَحِمَهُ اللهُ- باسمي واسمكم نرحب بفضيلة الشيخ/ محمد بن مبارك الشرافي، حيَّاكم الله يا فضيلة الشيخ}.
حيَّاكم الله جميعًا، وحيَّا الله الإخوة المشاهدين والمشاهدات، ونسأل الله -جَلَّ وَعَلَا- لنا جميعا العلم النافع والعمل الصالح.
{نستأذنكم في البدء بقراءة المتن}.
نعم، استعن بالله تعالى.
{بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلاة وسلامًا على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمستمعين.
قال المؤلف -رحمه الله-: (المرجع في تفسير القرآن. يرجع في تفسير القرآن إلى ما يأتي:
أولاً: كلام الله تعالى، فيفسر القرآن بالقرآن؛ لأنَّ الله تعالى هو الذي أنزله، وهو أعلم بما أراد به. ولذلك أمثلة منها:
قوله تعالى: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس:٦٢]، فقد فسر أولياء الله بقوله في الآية التي تليها: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس: ٦٣].
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾ [الطارق: ٢] فقد فسر الطارق بقوله في الآية الثانية: ﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ [الطارق: ٣].
قوله تعالى: ﴿وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ [النازعات:٣٠] فقد فسر دحاها بقوله في الآيتين بعدها: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا﴾ [النازعات:31-32])}
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فإن هذا المبحث من المباحث التي ذكرها شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله-في هذا الكتاب المختصر المفيد (أصول في التفسير)، وهو المرجع في تفسير القرآن، ومعنى هذا المبحث أننا إذا أردنا أن نفسر القرآن كيف نفسره؟
الجواب: بعدة مراتب:
المرتبة الأولى: وهي أعلاها، أن نفسره بكلام الله -عز وجل- إذا وجدنا ذلك، ثم ذكر شيخنا -رحمه الله- ثلاثة أمثلة:
المثال الأول: قوله سبحانه في سورة يونس: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ ، قال شيخنا -رحمه الله-: فسّر أولياء الله بقوله في الآية التالية: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ .
إذن عندنا تفسير الأولياء، من هم الأولياء؟ الأولياء في القرآن هم: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ ، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "كل مُؤمن تقي، فهو لله ولي"، وهذا خلاف لِمَا يظنه بعض الناس اليوم، ممن عنده جهل وبدع، حيث يظن أنَّ الأولياء لهم صفات غريبة، يقول بعضهم: يمشي على النار، أو يأكل النار، وربما يطير، وقد يطير فعلاً، نقول: نعم يطير ولكن عن طريق الاستعانة بالجن، فيعبدون الجن فيعينونهم على هذه الأفعال التي يُضلون بها الناس.
نقول: ليست هذه هي الولاية، وإنما الولاية هي ما ذكر الله -عز وجل-، وهي: المؤمن اتقى، فكل مؤمن تقي يعد وليًا، والولي أصلاً ما يزكي نفسه، كأن يقول: أنا ولي، أنا ولي.
نقول: من قال لك إنك ولي؟ كلامك هذا خطأ؛ لأن الله -عز وجل- يقول: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [32: النجم]، وقال عمن يزكي نفسه ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم ۚ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ﴾ ، ولذلك فالعلماء قديما وحديثًا ما كانوا يزكون أنفسهم، ولا يمدحونها، ولكن الناس إذا رأى الناس منه الاتباع قالوا: هذا من أولياء -عز وجل-، على أنه ينبغي أن لا يحكم الإنان إلا بالظاهر فيقول: أحسبه كذلك.
واعلم أيضا أن التزكية والمدح والثناء، مثل هذه الأمور لا تنبغي إلا للحاجة؛ لأن الإنسان حتى وإن كان كبير السن، ربما تغره نفسه أو ينخدع أو ما أشبه ذلك، أو حتى وإلا ينغر بنفسه، إلا أن الناس قد ينغرون فيه، فربما حدث ما لا ينبغي.
إذن الخلاصة هي أن الولي هو المؤمن التقي.
المثال الثاني: قوله -عز وجل- في سورة الطارق: ﴿وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ﴾ فَسَّرْهُ اللَّهُ -عز وجل- بقوله: ﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ إذن ما الطارق؟ نقول: هو النجم الثاقِب في تفسير الله -عز وجل-؛ لأنه قد يقال: إن الطارق هو من يطرق الشيء، نقول: لو كنا نسأل عن طارق الباب لكانت الإجابة صائبة، ولكننا نسأل عن تفسير الطارق في قوله: ﴿وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ﴾ .
الطارق كما جاء في القرآن مفسرًا هو: ﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ يعني: النجم المضيء الذي يثقب السماوات، أو يثقب هذا الجو العظيم حتى يصل إلينا فنراه.
المثال الثالث: قوله ﴿دَحَاهَا﴾ ما معنى دحاها؟ نقول: قال الله تعالى: ﴿وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ يعني: بعد خلق السماوات، وذلك أن الله -عز وجل- خلق الأرض في يومين، ثم خلق السماوات في يومين، ثم دحا الأرض في يومين، ما معنى دحاها؟ نقول اقرأ: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا﴾ فمعنى دحاها: أي أخرج منها الماء، وأخرج منها المرعى يعني الشجر، وكذلك: ﴿وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا﴾ .
إذن هذه المرتبة الأولى، أن نفسر كلام الله -عز وجل- بكلامه؛ لأن -عز وجل- أعلم بمراده من خلقه.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (ب- كلام رسول الله ﷺ، فيفسر القرآن بالسنة؛ لأنَّ رسول الله ﷺ مُبلغ عن الله تعالى، فهو أعلم الناس بمراد الله تعالى كلامه. ولذلك أمثلة منها:
١- قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس:٢٦]، فقد فسر النبي ﷺ الزيادة بالنظر إلى وجه الله تعالى، فيما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم صريحا من حديث أبي موسى أبي بن كعب، ورواه ابن جرير من حديث كعب بن عجرة، وفي صحيح مسلم عن صهيب بن سنان، عن النبي ﷺ في حديث قال فيه: «فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل»، ثم تلا هذه الآية ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس:٢٦]
٢- قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال:٦٠] فقد فسر النبي ﷺ القوة بالرمي. رواه مسلم، وغيره من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه)}.
هذه المرتبة الثانية في تفسير القرآن، أن نفسره بكلام النبي ﷺ؛ لأنه رسول الله، فالله أرسله وأوحى إليه وعلّمه، فهو أعلم الناس بكلام ربنا تبارك وتعالى.
وذكر شيخنا -رحمه الله- مثالين لتفسير القرآن بالسنة وهو: "الزيادة، والقوة".
الزيادة في قوله -سبحانه وتعالى- في سورة يونس: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ فقد جاءت عدة أحاديث عن الصحابة -رضي الله عنهم- ذكرهم الشيخ هنا، منهم: أبو موسى الأشعري، وأبي بن كعب، وصهيب بن سنان، وكعب بن عجرة -رضي الله عنهم أجمعين- توافرت هذه الأحاديث في تفسير الزيادة من كلام النبي ﷺ بأنها: النظر إلى وجه الله، وهذا أعلى درجات الجنة، يعني: أعلى نعيم الجنة هو: رؤية الله تبارك وتعالى، نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا ممن رآه سبحانه وتعالى.
وهذه من المسائل العظيمة التي يقر بها أهل السنة والجماعة، ونفاها أهل البدعة والضلالة، فهم أصلا ينفون أن لله وجهًا، فضلا أن يقولوا: إن الله يُرى، ولا شك أن هذا خطأ، وذلك لأنهم أخذوا عقائدهم على غير الطريقة الصحيحة التي كان عليها النبي ﷺ.
وأحاديث النظر إلى الله -عز وجل- متواترة، بل في القرآن كما في هذه الآية، ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ ، وقال سبحانه: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ ومعنى ناضرة الأولى "بالضاد أخت الصاد" أي: بهية جميلة، ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ أي: تنظر إلى الله -عز وجل.
وقال سبحانه في الكفار: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين:15]، قال الشافعي -رحمه الله-وغيره: لَمَّا حجب الكفار عنه؛ دلَّ على أنَّ المؤمنين يرونه.
إذن فرؤية الله -عز وجل- ثابتة، رؤية وجه الله سبحانه وتعالى، ولكننا لا نحيط به -عز وجل-، فلا يحاط به سبحانه وتعالى، ولكن عند النظر إليه -عز وجل- يُرى سبحانه وتعالى في الآخرة في الجنة.
طيب المثال الثاني: تفسير "القوة" في قوله سبحانه: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال:٦٠] يقول عقبة بن عامر -رضي الله عنه- سمعت النبي ﷺ على المنبر يقرأ: «﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال:٦٠] أَلَا إِنَّ القُوَّةَ الرَّمِيْ، أَلَا إِنَّ القُوَّةَ الرَّمِيْ، أَلَا إِنَّ القُوَّةَ الرَّمِيْ» ففسَّر النبي ﷺ القوة بالرمي، على أنَّ الرمي من القوة، ولكنه أعلى درجات القوة في الإعداد للكفار.
إذن المرتبة الثانية في تفسير كلام الله -عز وجل- بكلام رسوله ﷺ.
{قال -رحمه الله-: (ج- كلام الصحابة -رضي الله عنهم- لا سيما ذوو العلم منهم والعناية بالتفسير؛ لأن القرآن نزل بلغتهم وفي عصرهم، ولأنهم بعد الأنبياء أصدق الناس في طلب الحق، وأسلمهم من الأهواء، وأطهرهم من المخالفة التي تحول بين المرء وبين التوفيق للصواب. ولذلك أمثلة كثيرة جدا منها:
قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [النساء:٤٣]، فقد صح عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أنه فسر الملامسة بالجماع)}.
هذه هي المرتبة الثالثة من مراتب تفسير القرآن، وهي تفسير القرآن بكلام الصحابة -رضي الله عنهم-، وقد ذكر شيخنا -رحمه الله- خمس ميزات تدل على أن الصحابة -رضي الله عنهم- كلامهم من مرجع التفسير:
الأول: أن القرآن نزل بلغتهم -اللغة العربية-، وهم أهل اللغة الأقحاح الفصحاء.
الثاني: أنه في عصرهم، أي في زمانهم، ولا شك أن الشيء الذي في زمان الإنسان يكون أعلم به من غيره.
الثالث: لأنهم أصدق الناس في طلب الحق بعد الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.
الرابع: أنهم أسلم الناس من الأهواء، أي: من البدع والمرادات التي تحول بين الإنسان وبين الحق.
الخامس: أنهم تطهروا من المخالفات، يعني: من المعاصي.
إذن هذه عدة ميزات للصحابة -رضي الله عنهم- تجعلهم مرجعًا من مراجع التفسير.
ثم ذكر الشيخ -رحمه الله- مثالًا في تفسير ابن عباس -رضي الله عنهما- لقول الله تعالى في سورة المائدة: ﴿أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ وقد فسرها ابن عباس -رضي الله عنهما- بالجماع.
{قال -رحمه الله-: (كلام التابعين الذين اعتنوا بأخذ التفسير عن الصحابة -رضي الله عنهم- لأن التابعين خير الناس بعد الصحابة، وأسلم من الأهواء ممن بعدهم، ولم تكن اللغة العربية تغيرت كثيرا في عصرهم، فكانوا أقرب إلى الصواب في فهم القرآن ممن بعدهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إذا أجمعوا -يعني التابعين- على الشيء فلا يٌرتاب في كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم، ويُرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة أو عموم لغة العرب أو أقوال الصحابة في ذلك".
وقال أيضاً: "من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئاً في ذلك بل مبتدعاً، وإن كان مجتهدًا مغفورًا له خطؤه".
ثم قال: "فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعًا")}.
هذا المرجع الرابع من مرجع التفسير، فإن قيل: هل نحن مخيّرون في تفسير القرآن بين هذه المراتب؟ الجواب: لا، بل نبحث أولاً في القرآن، فإن وجدنا التفسير في القرآن انتهينا، فإن لم نجد في القرآن تفسيرًا لِمَا أردنا نرجع إلى السنة، وهكذا المرتبة الثالثة الصحابة، والرابعة التابعين.
ولذلك لو تعارض كلام التابعين مع كلام الصحابة فمن نقدم؟ نقدم الصحابة -رضي الله عنهم-.
ثم إن قيل: ما المراد بالتابعين؟ نقول: التابعون هم كل من التقى بالصحابة -رضي الله عنهم- مؤمنين بالنبي ﷺ وماتوا على ذلك، كما أن الصحابي هو كل من اجتمع بالنبي ﷺ مؤمناً به ومات على ذلك.
والتابعون هم خير الناس بعد الصحابة -رضي الله عنهم- قال ﷺ: «خيرُ الناسِ قَرْنِي، ثم الذين يَلُونَهم، ثم الذين يَلُونَهم» .
وقد ذكر الشيخ -رحمه الله- ثلاث ميزات مما يرشح الرجوع إلى كلام التابعين في التفسير، فقال: الأول: لأن التابعين خير الناس بعد الصحابة. وسمعنا الحديث.
الثاني: أنهم أسلم من الأهواء ممن بعدهم، أي البدع والمخالفات.
الثالث: أنهم أفصح الناس بعد الصحابة، لذا قال: (ولم تكن اللغة العربية تغيرت كثيراً).
قوله: (كثيراً) يشير إلى أن اللغة بدأت في التغير. لماذا؟ نقول:
أولاً: لتقادم العصر.
ثانيًا: لأنه دخل في الإسلام من ليسوا من العرب، مع أنَّ كثيرًا ممن دخل في الإسلام تعلم العربية، بل فَذَّ فيها. قال: فكانوا أقرب الناس إلى الصواب في تفسير القرآن عمن بعدهم.
ثم ذكر الشيخ كلام شيخ الإسلام -رحمه الله-، وهو أنَّ التابعين إذا أجمعوا على أمر، فإنه لا يرتاب في أنه الصواب، وسوف يذكر الشيخ -رحمه الله- بعد ذلك أمثلة من أقوال التابعين، مثل: قول المجاهد في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَقَضَى﴾ أي: وَصَّى، وَقَوْلَ الربيع بن أنس: "أَوْجَبُ"، وهكذا.
ثم قال: (من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا في ذلك مبتدعا وإن كان مجتهداً مغفورا له خطؤه) يعني: من فسَّر القرآن بغير ما فسّر به الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعون فقد أخطأ، فإن كان من أهل العلم، فنقول: هذا قد أخطأ وله أجر، وخطؤه مغفور؛ لأن النبي ﷺ يقول: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أجْرانِ، وَإِذَا حَكَمَ فاجْتَهَدَ ثُمَّ أخْطَأَ فَلَهُ أجْرٌ» .
قال: (فمن خالف قولهم، وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم، فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعاً) في الدليل أخطأ، أي: في فهم القرآن، وفي المدلول لأنه ما استدلّ به على عالم فسّره به.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (هـ - ما تقتضيه الكلمات من المعاني الشرعية أو اللغوية حسب السياق لقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ) [النساء:١٠٥])، وقوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الزخرف:٣]، وقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم:٤].
فإن اختلف المعنى الشرعي واللغوي، أخذ بما يقتضيه الشرعي؛ لأنَّ القرآن نزل لبيان الشرع لا لبيان اللغة، إلا أن يكون هناك دليل يترجح به المعنى اللغوي فيؤخذ به)}.
هذا المرجع الخامس من مراجع التفسير، فإذا لم نجد له في القرآن، ولا في كلام النبي ﷺ، ولا في كلام الصحابة -رضي الله عنهم-، ولا في كلام التابعين، نرجع إلى ما تقتضيه اللغة من المعاني الشرعية واللغوية. كيف؟
نقول: لأن اللغة قد تأتي بأكثر من معنى، فنقول: الأصل أن نحمل المعنى الآتي في الكتاب أو السنة على المعنى الشرعي بدلالة اللغة، فإن لم يتيسر، أي إذ لم نستطع حمله على ذلك، نحمله على مقتضى اللغة؛ لأن القرآن نزل بلغة العرب.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (مثال ما اختلف فيه المعنيان، وقدم الشرعي: قوله تعالى في المنافقين: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً﴾ [التوبة:٨٤] فالصلاة في اللغة الدعاء، وفي الشرع هنا الوقوف على الميت للدعاء له بصفة مخصوصة فيقدم المعنى الشرعي، لأنه المقصود للمتكلم المعهود للمخاطب، وأما منع الدعاء لهم على وجه الإطلاق فمن دليل آخر.
ومثال ما اختلف فيه المعنيان، وقدم فيه اللغوي بالدليل: قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة:١٠٣]، فالمراد بالصلاة هنا الدعاء، وبدليل ما رواه مسلم، عن عبد الله بن أبي أوفي، قال: كان النبي ﷺ إذا أتى قوم بصدقتهم صَلَّى عليهم، فأتاه أبي بصدقته فقال: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» )}.
ذكر شيخنا -رحمه الله- مثالين، مثال لِمَا اختلف فيه المعنى الشرعي واللغوي، فذكر الصلاة، والصلاة في اللغة معناها: الدعاء، وفي الشرع هي العبادة المعروفة بصفتها التي جاءت بها السنة.
ثم ذكر آيتين، الأولى: قوله تعالى: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً﴾ [التوبة:٨٤]، هذا في المنافقين.
والمثال الثاني: قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة:١٠٣] كيف تفسر قوله: ﴿وَلا تُصَلِّ﴾ ، وقوله: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ ؟
نقول: أما الآية الأولى، فنحملها على الصلاة المعروفة، الصلاة على الميت، وهذا هو الأصل، وما نقول: لا تدعو لهم، فإن قال قائل: هل يجوز الدعاء للمنافقين؟ نقول: لا، ولكن لا يؤخذ من هذه الآية، وإنما يؤخذ من قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى﴾ .
إذن نحمل هذه الآية على المعنى الشرعي؛ لأنه هو الأصل.
الآية الثانية: وهي فيمن أتى بالزكاة، وهي قوله تعالى: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ والصلاة هنا إذ لم يأت فيه دليل فإنها تحمل على الصلاة الشرعية، ولكن جاءنا في الحديث، حديث ابن أبي أوفى، أن النبي ﷺ كان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللهم صلّ على آل فلان»، ما معنى ذلك؟ نقول: المعنى هو: اللهم أثنِ عليهم في الملأ الأعلى، إذن الصلاة هنا بمعنى الدعاء، فحملنا الصلاة في هذا الدليل على الدعاء، بدليل السنة.
{قال -رحمه الله-: (وأمثلة ما اتفق فيه المعنيان الشرعي واللغوي كثيرة: كالسماء، والأرض، والصدق، والكذب، والحجر، والإنسان)}.
هذه أيضا كلمات اتفق فيها المعنى الشرعي واللغوي، فالسماء هي السماء المبنية، والحجر معروف، والصدق هو أن يقول الإنسان بما يطابق الواقع، والكذب أن يتكلم الإنسان بما يخالف الواقع، سواء كان يعلم أو لا يعلم، ولكنه إن كان يعلم أثم، وإن كان لا يعلم لا يأثم وهكذا.
{قال المؤلف -رحمه الله-: ("الاختلاف الوارد في التفسير المأثور"
الاختلاف الوارد في التفسير المأثور على ثلاثة أقسام:
الأول: اختلاف في اللفظ دون المعنى، فهذا لا تأثير له في معنى الآية، مثاله قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء:٢٣]، قال ابن عباس: قضى: أمر، وقال مجاهد: وصَّى، وقال الربيع بن أنس: أوجب، وهذه التفسيرات معناها واحد أو متقارب، فلا تأثير لهذا الاختلاف في معنى الآية)}.
قول الشيخ -رحمه الله- في هذه الترجمة، أو العنوان: (الاختلاف الوارد في التفسير المأثور) يعني: المأثور عن الصحابة -رضي الله عنهم- وعمن بعدهم، ولا نقول: الاختلاف الوارد عن النبي ﷺ، بل المراد هنا الصحابة ومن دونهم.
ثم ذكر مثالاً في قول الله -عز وجل- ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ ، ما معنى قضى؟
ذكر ثلاثة أقوال، ولكن في الواقع هي قول واحد، وكل منهم عبر بتعبير بنفسه والمعنى واحد.
فـ (قضى) قال ابن عباس: أمر، وقال مجاهد: أوصى، وقال الربيع: أوجب.
طيب هل في هذا اختلاف في المعنى؟ نقول: لا، ولكنها ألفاظ تدل على معنى واحد، فهي ليست أقوالا متعددة، وإنما هي تعبيرات لمعنى واحد، إذًا هذا ليس فيه اختلاف.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (القسم الثاني: اختلاف في اللفظ والمعنى، والآية تحتمل المعنيين لعدم التضاد بينهما، فتحمل الآية عليهما، وتفسر بهما، ويكون الجمع بين هذا الاختلاف أن كل واحد من القولين ذُكِرَ على وجه التمثيل، لِمَا تعنيه الآية أو التنويع، مثاله قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [الأعراف:١٧٥] ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ [الأعراف:١٧٦] قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: هو رجل من بني إسرائيل.
وعن ابن عباس أنه رجل من أهل اليمن، وقيل: رجل من أهل البلقاء.
والجمع بين هذه الأقوال: أن تحمل الآية عليها كلها؛ لأنها تحتملها من غير تضاد، ويكون كل قول ذُكِرَ على وجه التمثيل)}.
النوع الثاني: هو الاختلاف في اللفظ والمعنى، ولكن الآية تحتمل هذه المعاني، وذكر شيخنا -رحمه الله- مثالاً في سورة الأعراف قوله سبحانه: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ من هو؟ ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: هو رجل من بني إسرائيل، وابن عباس -رضي الله عنه- قال: هو من أهل اليمن، وقيل من البلقاء.
هل الآية تحتمل هذه المعاني كلها؟
الجواب: نعم، فتحمل عليها، فمن أخذ الشرع ثم تركه نقول: يصدق عليه هذا القول، من أهل اليمن، من أهل السعودية، من أمريكا، فمن أخذ العلم ثم خالفه نقول: أنت كالشيطان وكالكلب، ﴿فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾ الكلب يخرج لسانه، أي: يلهث ويتنفس بسرعة، فهذا لا خير فيه، وهذا تشبيه للتقبيح، وهو أيضاً تحذير لنا أن نأخذ العلم ثم نتركه، فهذا أمر خطير، ولذلك من حمل العلم سواءً بالدراسة أو عند الشيوخ، أو في الدراسة في الكلية الشرعية، أو المادة الشرعية، ثم ترك العلم وخالفه نقول: انتبه قد تنطبق عليك هذه الآية، نسأل الله السلامة والعافية.
إذن خلاصة هذا النوع الثاني، أنه اختلاف في اللفظ، والمعنى لكن الآية تحتمل هذه المعاني فيحمل عليها.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (ومثال آخر قوله تعالى: ﴿وَكَأْساً دِهَاقاً﴾ [النبأ:٣٤]، قال ابن عباس: دهاقاً مملوءة، وقال مجاهد: متتابعة، وقال عكرمة: صافية. ولا منافاة بين هذه الأقوال، والآية تحتملها، فتحمل عليها جميعاً، ويكون كل قول لنوع من المعنى)}.
هذا مثال آخر فيما اختلف في اللفظ والمعنى ولا تضاد، وذلك في قوله سبحانه: ﴿وَكَأْساً دِهَاقاً﴾ مَا مَعْنَى دِهَاقًا؟ فيها ثلاث أقوال:
القول الأول لابن عباس حيث قال: مملوءة يعني تأتي الكؤوس لأهل الجنة، ويطاف عليهم بها مملوءة.
الثاني لمجاهد، قال: متتابعة، يعني: كأسًا بعد كأس بعد كأس، يشربون ويتمتعون.
والثالث لعكرمة، قال: صافية ليس فيها كدر.
هذه المعاني مختلفة، ولكن تصدق على الكأس، فيكون الكأس مملوءا، وكون الكؤوس متتابعة، وتكون صافية. إذن هذه المعاني لا تضاد بينهم، فتحمل الآية عليها جميعاً.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (القسم الثالث: اختلاف اللفظ والمعنى، والآية لا تحتمل المعنيين معا للتضاد بينهما، فتحمل الآية على الأرجح منهما بدلاله السياق أو غيره.
مثال ذلك: قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة:١٧٣]، قال ابن عباس: غير باغ في الميتة ولا عاد في أكله، وقيل: غير خارج على الإمام، ولا عاص بسفره.
والأرجح الأول؛ لأنه لا دليل في الآية على الثاني، ولأن المقصود بحل ما ذُكر دفع الضرورة، وهي واقعة في حال الخروج على الإمام، وفي حال السفر المحرم وغير ذلك)}.
هذا الآن القسم الثالث، وهو إذا أتتنا أقوال بينها تضاد، لا يمكن أن نجمع بينها، ولا يمكن أن تحمل الآية عليها، فلا بد أن نرجح، وقد ذكر شيخنا -رحمه الله- هذه الآية والشاهد منها، قوله سبحانه: ﴿غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ﴾ الباغ يعني: الباغي، والعاد: هو المتعدي.
ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: غير باغ في الميتة، يعني: غير طالب لها من غير ضرورة، ولا عاد يعني: أكل فوق ضرورته، وذلك لأن الضرورة تُقدر بقدرها، فالضرورة تبيح المحرمات، ولكن بقدر ما تدفع الضرورة، فابن عباس -رضي الله عنهما- قال: هذا اضطر للميتة، وأكل بقدر حاجته، وهذا مباح.
القول الثاني: أنه غير باغ على الإمام، يعني: البغاة يخرجون على الأئمة والحكام، ولا عاد بسفره، أي: سفر معصية، فهذه بينها تضاد.
ولذا قال شيخنا -رحمه الله-: يحمل على المعنى الأول لأنه الأرجح؛ لأن الثاني لا دليل عليه، ولأنه حتى لو عصى بسفره ثم اضطر فلا نستطيع أن نقول له: لا تأكل، بل نقول: كل حتى وإن كنت خرجت في سفر معصية، كمن ذهب إلى خارج البلاد مثلا للمعاصي، واضطر إلى أكل الميتة، نقول: كلها، ولكن تب إلى الله -عز وجل- لسفرك وارجع.
إذن هذا مثال لِمَا اختلف المعنيان فيه، وكان بينهما تضاد، فتحمل الآية على المعنى الصحيح بالدليل بالترجح.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (ومثال آخر قوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ [البقرة:٢٣٧] قال على بن أبي طالب -رضي الله عنه- في الذي بيده عقدة النكاح: هو الزوج، وقال ابن عباس: هو الولي، والراجح الأول لدلالة المعنى عليه، ولأنه قد روي فيه حديث عن النبي ﷺ)}.
هذا مثال آخر لما اختلف فيه التفسير، ولا يمكن أن يحمل عليهما، وذلك في قوله -عز وجل-: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ يعني: من قبل الدخول أو الجماع، ﴿وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ يعني: مهرًان أي: عينتم لهن قدرًا معينًا، وليكن عشرة آلاف ريال، ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ يعني: إذا طلقها الزوج فنقول: النصف لِمَا فرض، كم فَرَضَ الآن؟ عشرة آلاف مثلاً، فنقول: أعطها خمسة آلاف.
قَالَ: ﴿إِلا أَنْ يَعْفُونَ﴾ أي: النساء، وهذا ما فيه اختلاف، ﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ طيب إذا عَفَتْ المرأة كم يرجع للزوج؟ نقول عشرة ألاف، طيب قوله سبحانه: ﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ روي في المعنى قولان:
القول الأول: هو الزوج.
والقول الثاني: هو الولي
ولا يمكن أن نحمل المعنى عليهما معًا. لماذا؟
نقول: لأننا إن قلنا: إن المراد بذلك الولي، يعني أبو المرأة، أو أخوها الكبير، أو عمها إذا لم يكن لها أولياء إلا هو، لو عفا نقول: يرجع عشرة آلاف للزوج، خلاص والأصل خمسة آلاف لها بالقرآن، فإذا عفت هي يرجع عشرة آلاف للزوج، فإن عفى الولي أيضاً كان عشرة آلاف.
القول الثاني: أن الذي يعفو هو الزوج، طيب إذا عفى الزوج ماذا يصير؟ تأخذ المرأة العشرة كاملة؛ لأنه الآن بعد الطلاق نصفه للزوج ونصفه للمرأة، قال: ﴿يعفون﴾ فإن عفت المرأة كم يأخذ الزوج؟
قلنا: بعد الطلاق بدون مس وبدون دخول، يكون النصف للزوج، والنصف للمرأة، فإذا عفت المرأة كم يأخذ الزوج؟ يأخذ عشرة، وإذا عفى الزوج تخذ المرأة العشرة كاملة.
فصار بين التفسيرين تضاد، ولذا لا يمكن أن نقول الزوج والولي.
ما الراجح؟ نقول: المرجح هو الزوج؛ لحديث في ذلك، ولأنه هو الذي بيده عقد النكاح، يعني: بعد العقد من الذي له يطلق وأو لا يطلق؟ الزوج. هل الولي له أن يطلق بعد الزواج؟ لا يمكن، ولأن الأمر الآن قد تم، فالولي بيده عقدة النكاح ابتداءً، فلو أن الولي لم يرض بالزوج، لا يمكن أن تتزوج المرأة، ولذا قال ﷺ: «لا نكاح إلا بولي»، فالمرأة لا تزوج نفسها، وهذا حرام، ولو فعلت فهي كالزانية، يجب أن يفرق بينهما، ولكن إذا كانت هناك شبهة ما تحد.
على كل حال الولي بيده عقدة النكاح ابتداءً، ولكن الآن الأمر قد حصل وانتهى، فصار الزوج هو من بيده عقدة النكاح.
إذن هذا مثال لما تضاد فيه المعنيان ولا يمكن حمل المعنى عليهما.
{قال المؤلف -رحمه الله-: ترجمة القرآن.
الترجمة لغة: تطلق على معانٍ ترجع إلى البيان والإيضاح. وفي الاصطلاح: التعبير عن الكلام بلغة أخرى. وترجمة القران: التعبير عن معناه بلغة أخرى والترجمة نوعان:
أحدهما: ترجمة حرفية، وذلك بأن يوضع ترجمة كل كلمة بإزائها.
الثاني: ترجمة معنوية، أو تفسيرية، وذلك بأن يعبر عن معنى الكلام بلغة أخرى من غير مراعاة المفردات والترتيب.
مثال ذلك: قوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الزخرف:3] فالترجمة الحرفية: أن يترجم كلمات هذه الآية كلمةً كلمة، فيترجم (إنا) ثم (جعلناه) ثم (قرآنا) ثم (عربيا) وهكذا.
والترجمة المعنوية: أن يترجم معنى الآية كلها بقطع النظر عن معنى كل كلمة وترتيبها، وهي قريبة من معنى التفسير الإجمالي)}.
هذا المبحث مهم جداً، وهو مبحث (ترجمة القرآن)، والمراد به نقله إلى لغة أخرى، والحاجة قائمة لذلك بل ضرورة، وسبق في هذه الدروس -بحمد الله- أن ذكرنا أن في مجمع الملك فهد -رحمه الله- في المدينة النبوية، هذا المجمع العظيم، الذي أنشئ قبل أكثر من ثلاثين سنة، صار الآن يترجم معاني القرآن في التفسير الميسر إلى أكثر من ثلاثين لغة، بحمد الله عز وجل.
الترجمة نوعان:
- ترجمة حرفية.
- ترجمة معنوية.
أمَّا المعنوية فجائزة، ولكن بشروط سوف تأتي، وأما الحرفية فلا يمكن إلا في بعض الكلمات؛ لأن اللغة العربية شأنها عظيم، ولأن السياقات في القرآن لها معان وأبعاد لا يمكن أن تكون في اللغات الأخرى.
إذن فهذا مبحث مهم جدا، وبحمد الله حكومة المملكة عندنا معتنية بهذا الشأن جدا.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (حكم ترجمة القرآن.
الترجمة الحرفية بالنسبة للقرآن الكريم مستحيلة عند كثير من أهل العلم، وذلك لأنه يشترط في هذا النوع من الترجمة شروط لا يمكن تحققها معها وهي:
أ- وجود مفردات في اللغة المترجم إليها بإزاء حروف اللغة المترجم منها.
ب- وجود أدوات للمعاني في اللغة المترجم إليها مساوية أو مشابهة للأدوات في اللغة المترجم منها.
ج- تماثل اللغتين المترجم منها وإليها في ترتيب الكلمات حين تركيبها في الجمل والصفات والإضافات)}.
حكم الترجمة: نقول: الترجمة الحرفية، يعني: يترجم الجملة تماما، وهذا مستحيل عند أكثر أهل العلم، وهو الراجح.
وقلنا: إنه ممكن أن يترجم بعض الكلمات اليسيرة، مثل: سماء، ومعناه في الإنجليزية sky، ولكن قوله مثلا: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ هل تستطيع ترجمتها؟ ما يمكن هذا، ولكن يمكن ترجمة المعنى التقريبي، من أجل تقريب المعنى للمتحدثين باللغة التي يترجم إليها.
ثم ذكر شيخنا -رحمه الله- أنه لا يمكن، ويقول: يشترط في ذلك وجود مفردات في اللغة الأخرى موازية للغة العربية، وهذا غير موجود.
أيضاً وجود معان في اللغة الأخرى، مثل: اسم الإشارة، الاستفهام، التعجب، التوكيد، هذا لا يمكن في اللغات الأخرى، قد تجد بعض هذه المعاني، ولكن اللغة العربية غاية في الكمال والفصاحة والبلاغة.
يقول: (تماثل اللغتين المترجم منها وإليها في ترتيب الكلمات) هذا غير موجود، يعني الذي يعرف اللغات يقول: هناك فارق جدا، وذلك بعض الناس يتعلم اللغة مثلاً إنجليزية، وهي من أشهر اللغات الآن، يعني عندنا بعد العربية وحاجة الناس إليها، بعضهم يترجم حرفياً، فيأتي بالعجاب والطوام في الترجمة، يعني ما يعرف، ولذا كانت هذه مستحيلة.
{وقال بعض العلماء: (وقال بعض العلماء: إن الترجمة الحرفية يمكن تحققها في بعض آية، أو نحوها)}.
القول الثاني: يمكن بعض آية، أو كلمات، كما قلنا: سماء sky، ولكن غير هذا لا.
{(ولكنها وإن أمكن تحققها في نحو ذلك - محرمة لأنها لا يمكن أن تؤدي المعنى بكماله، ولا أن تؤثر في النفوس تأثير القرآن العربي المبين، ولا ضرورة تدعو إليها؛ للاستغناء عنها بالترجمة المعنوية)}.
شيخنا -رحمه الله- يرى أن الترجمة الحرفية حتى لبعض الكلمات ما تجوز، ويعلل ذلك بثلاث علل، فيقول: لأنها لا يمكن أن تؤدي المعنى الذي جاء به القرآن بكماله، ولأنها لا تؤثر في النفوس تأثير لغة العربية؛ ولأن الضرورة لا تدعو إليها، فيمكن الاستغناء عنها بالترجمة المعنوية.
ومن الطرائف أن في الغرب إذا سمعوا القرآن تعجبوا منه، بل في بعض الإذاعات غير العربية، غير المسلمين، يفتتحون بالقرآن، وذلك لِمَا وجدوا من تأثير القرآن على النفس، يعني: يرتاحون لسماع القرآن، يسمعونه بدون فهم، ولكنهم يرتاحون إليه.
وقد أتى إنسان إلى امرأة عجوز في بعض البلاد، فكانت تتعجب من القرآن، فأتى بها ثم قال: سأسمعها القرآن، ثم أسمعها كلاماً منه كأنه القرآن، مثلاً: خرج زيد من بيته وفي يده تفاحة، ثم ركب السيارة، وذهب إلى الشارع مسرعاً، وبعد ذلك دخل المدرسة.
قال لها: ما رأيك؟ قالت: لا، الكلام الأول غير، مع نفس الترتيب، لأن كلام رب العالمين ما يمكن أن يوازن أبداً، قال الله -عز وجل-: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾ [ص:29]، ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس:82]، ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ القرآن غير، ما يمكن أبداً، مهما جمع الناس من كلام لطيف جميل.
{قال -رحمه الله-: (وعلى هذا فالترجمة الحرفية إن أمكنت حسا في بعض الكلمات فهي ممنوعة شرعا، اللهم إلا أن يترجم كلمة خاصة بلغة من يخاطبه ليفهمها، من غير أن يترجم التركيب كله فلا بأس)}.
مثلا كأن يقول: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ﴾ يعني: pray، فهي فقط سياقات للضرورة بقدر يسير.
{(وأما الترجمة المعنوية للقرآن فهي جائزة في الأصل لأنه لا محذور فيها، وقد تجب حين تكون وسيلة إلى إبلاغ القرآن والإسلام لغير الناطقين باللغة العربية، لأن إبلاغ ذلك واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)}
النوع الثاني: الترجمة المعنوية، تفسير المعنى، وقد ذكرنا قبل قليل أن التفسير الميسر، وأنا قلت في بعض الدروس السابقة: إن هذا التفسير محرر موثوق على طريقة أهل السنة والجماعة، وأن المشايخ الذين اجتمعوا عليه قد رجعوا إلى تفسير ابن كثير، وابن سعدي، وابن جرير، والبغوي، وتفسيرات السلف الموثوقة، ثم صاغوها بطريقة لطيفة جداً، ولذلك فالذي ليس عنده وقت لقراءة التفاسير، كابن كثير أو ابن سعدي -رحمهما الله- نقول: عليك بهذا التفسير، فهو نافع جداً، بل لو قعد الإنسان له ولأهل بيته، قراءة في هذا التفسير، ولو وجهاً لأن التفسير الميسر -كما هو معلوم- يعني: القرآن مكتوب، ثم على الهوامش تفسير، فلو مثلاً قرأ آية ثم يقرأ معناها، يقرأ آية ثم يقرأ معناها، ولو أخذ المصحف مثلًا، الابن يقرأ، ثم هو يقرأ عليه، يقرأ الابن آية، أو البنت، أو الزوجة، ثم يقرأ التفسير، ثم يعلق عليه، لا نتفع انتفاعاً عظيماً، فإنه ما اجتمع قومٌ على القرآن يتدارسونه فيما بينهم، يقرؤونه إنما نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحافتهم الملائكة، حتى في غير المسجد، وهذا أمر ينبغي لنا أن نزين به بيوتنا، والله المستعان.
{قال المؤلف -رحمه الله-: (لكن يشترط لجواز ذلك شروط:
الأول: أن لا تجعل بديلا عن القرآن بحيث يستغني بها عنه، وعلى هذا فلا بد أن يكتب القرآن باللغة العربية وإلى جانبه هذه الترجمة، لتكون كالتفسير له.
الثاني: أن يكون المترجم عالما بمدلولات الألفاظ في اللغتين المترجم منها وإليها، وما تقتضيه حسب السياق.
الثالث: أن يكون عالما بمعاني الألفاظ الشرعية في القرآن. ولا تقبل الترجمة للقرآن الكريم إلا من مأمون عليها، بحيث يكون مسلما مستقيما في دينه)}.
هذه شروط الترجمة المعنوية، يعني: ترجمة التفسير، يقول:
أولاً: لا يجعل هذه الترجمة بديلة عن القرآن، حتى عند غير العرب، والآن المراد غير العرب أصلاً، فنقول: لا بد من وضع القرآن في الهوامش، كما قلنا قبل قليل، وأحيانا بعض التفاسير يكتبون الآية باللغة العربية ويفسرونها.
الشرط الثاني: أن يكون المترجم الذي ينقل التفسير، عالماً بمدلول الألفاظ في اللغتين، المترجم منها وهي اللغة العربية، والمترجم إليها وهي الإنجليزية، أو الفرنسية، أو الأردية، وما إلى ذلك.
الشرط الثالث: أن يكون عالماً بمعاني الألفاظ الشرعية في القرآن، يعني: أن يكون عنده علم شرعي، فلا يكفي أن يكون عنده قدرة في اللغة.
والآن نجد بعض الشباب درس في أمريكا أو في غيرها تجده متقنا في اللغة الإنجليزية، حتى إذا سمعته وما ترى وجهه تقول: هذا إنجليزي، قد سمعت بعضهم هكذا، فما تستطيع أن تميزه أبداً لفصاحته، ولكن هل هذا يصح أن يترجم القرآن؟
تقول: لا ما عنده علم شرعي، إذًا فلا بد أن يتعلم العلم الشرعي، ثم يكون متقنًا للغة العربية، والعلم الشرعي.
وقد سمعت الشيخ أكثر مرة -رحمه الله- يقول: أود أن أعرف اللغة الإنجليزية، أنا عالم بالشرع، ولكني أحتاج إلى اللغة الأخرى، ومثل هذا نافع لمن أتقن، بعض الشباب قد يكون في أول حياته، درس في الخارج وغيره أتقن اللغة، نقول: فرصتك الآن أن تتعلم العلم الشرعي، تكسب الأجر ثم تكسب أجر الدعوة الله -عز وجل- بهذه اللغة، وبحمد الله موجود، ولكن قليل، واللغات كثيرة جداً التي نحتاج إلى ترجمة معاني القرآن إليها.
ثم ذكر شيخنا -رحمه الله- شرطاً في المترجم، يقول: لا بد أن يكون مسلماً، مستقيماً، مأموناً؛ لأنه قد يوجد مسلم ولكن غير مأمون، أو كافر ما نأمن على ديننا، وأذكر أنَّ شيخنا -رحمه الله- هذا كتب وسمعته أيضاً منه، يقول: مرة في الحج -كان شيخنا رحمه الله في الحج-، وكان في مطار جدّة، وكانت الوزارة تنتدب العلماء، وطلاب العلم والمشايخ، إلى الدعوة والتوعية في الحج، فكان منها مناطق المطارات والموانئ، فإذا أتى الحجاج يستقبله المشايخ ثم يعطونهم تعليمات عامة، وتعليمات خاصة، في الدين عموما، والتوحيد والعقيدة والسنة، وفي الحج خصوصا.
وكان شيخنا -رحمه الله- مرةً يترجم هذا أول أمره، فأتاه واحد وقال: أنا أترجم، فقال الشيخ: طيب، فصار يترجم، وكان اللاقط الميكرفون خارج المكان، إما في مسجد أو إنه في مكان صالة، وكان خارج، فكان الشيخ يتكلم وهذا يترجم، ويتكلم ويترجم.
قال الشيخ: فإذا رجل دخل علي مسرعا وقف بيني وبين المترجم وقال: يا شيخ هذا الرجل يترجم بخلاف كلامك، ففوجئ الشيخ -رحمه الله-، وبدأ يتكلم معه ويقول: أنت تترجم بخلاف كلام الشيخ، حتى إن الشيخ -رحمه الله- بعد ذلك لم يقبل إلا من كان مأموناً.
وهكذا الحمد لله في الوزارة، وزارة الشؤون الإسلامية، ما تقبل المترجمين إلا من كانوا مأمونين، إما من المشايخ الذين هم في الوزارة، أو من طلاب الجامعات، جامعات إسلامية وغيرها، ممن عرف بالأمانة، والاستقامة في دينه، وعقيدة أهل السنة والجماعة.
ولعلنا نختم هذا الدرس بالوصية بالقرآن، فإن القرآن كلام رب العالمين، أعظم الكلام، وأبرك الكلام، وأحسن الكلام، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً﴾ [النساء:122]، ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء:87]، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء:9]، وقال -عز وجل-: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ .
ولذلك لا تطيب والله الحياة، إلا بالإقبال على القرآن قراءة، وتعلماً، وحفظاً، وتدبراً، ونظرا في التفسير.
ينبغي للإنسان أن يجعل له ورداً يومياً من القرآن، ولو جعل جزءاً حيث يختم القرآن في شهر، أو حتى نصف جزء لمن كان مشغولاً، ولكن اجعل لنفسك قدرًا معينًا لا تخل به أبداً، واجعل هذا كالورد، ما معنى الورد؟ الورد هو المقدار الذي تشربه الإبل من الماء فتروى به، فالمؤمن يروى بالقرآن، يروى بالذكر، يروى بالطاعة، فالمؤمن يطمئن قلبه بطاعة الله -عز وجل-، قال سبحانه: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهم بِذِكْرِ اللَّهِ ألا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ ، وقال -عز وجل-: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ ، وقال سبحانه: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء:78].
وإني أوصي نفسي وأبنائي وبناتي ممن يسمع هذا الكلام، أن يلازم القرآن تلاوةً وتدبرًا وحفظًا وإقبالًا، والله تزدان حياته، يكسب الأجر العظيم، يقول ﷺ: «اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ» وقال: «تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غيايتان أو غمامتان أو فرقان من طير صواف» يعني يأتي أجر سورة البقرة وآل عمران معك يوم القيام عند الله -عز وجل- ويقول ﷺ: «من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنه، والحسنة بعشر أمثالها».
ولذلك فمن أراد الأجر، ومن أراد الفلاح والنجاح، ومن أراد السعادة والطمأنينة والأنس فعليه بالقرآن، تلاوة وتدبرًا وتعلمًا وتفسيراً، فنسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن، وأن يمتعنا بكلامه، وأن يرزقنا الإقبال عليه، الله تعالى عالم، والحمد لله رب العالمين.
{شكرا لك فضيلة الشيخ على ما قدمتم وأفدتم، وجزاكم الله كل خير، والشكر موصول إليكم أيضا أيها الإخوة المشاهدون، نلقاكم في حلقة قادمة بمشيئة الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
سلاسل أخرى للشيخ
-
7650 12