{الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا عن نبي المجتبى، وعلى آله وصحبه أجمعين.
حياكم الله مُشاهدينا الكرام في حلقة جديدة من برنامج (جادة المتعلم) نصطحبكم في هذه الحلقات في التعليق على كتاب (أصول في التفسير) للشيخ العلامة/ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى- يصطحبنا في التعليق فضيلة الشيخ/ محمد بن مبارك الشرافي.
حياكم الله فضيلة الشيخ}.
الله يحيكم، وحيّا الله السادة المشاهدين والمشاهدات، ونسأل الله لنا جميعًا العلم النافع والعمل الصالح.
{شيخنا حفظكم الله، توقفنا في الحلقة الماضية عند أهمية علم التفسير عند السلف والصحابة}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمَّا بعد، فلا شك أنَّ من أسباب تحصيل العلم والعناية به، أن يعرف المتعلم أهمية العلم الذي يطلبه، وقيمته ومنزلته في الشريعة، ولا شك أنَّ علم التفسير من أهم العلوم إن لم يكن أهمها.
وتقدم معنى أن دراسة علم التفسير هي امتثال لأمر الله -عز وجل-؛ لأن الله أمر بتدبر كتابه، كما أن هذا هو هدي النبي ﷺ.
وكنا قد توقفنا عند النقطة الرابعة وهي: أنه اتباع للسلف من الصحابة -رضي الله عنهم- ومن بعدهم من التابعين إلى وقتنا الحاضر، يقول أبو عبد الرحمن السلمي -رحمه الله-: "حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ كَعُثْمَانِ بْنِ عفان وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا، أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَعَلَّمُوا مِنْ النَّبِيِّ ﷺ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزُوهَا حَتَّى يَتَعَلَّمُوا مَا فِيهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ. قَالُوا: فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا". فهذه سنتهم -رضي الله عنهم-.
يقول أنس -رضي الله عنه-: "كَانَ الرَّجُلُ" يعني من الصحابة -رضي الله عنهم- "إذَا قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ جَلَّ فِي أَعْيُنِنَا"، ومعنى قرأ: أي حفظ.
ثم إن حفظ الصحابة -رضي الله عنهم- لم يكن حفظًا مُجردًا، بل كان حفظًا بمعرفة المعاني، ولذلك كان الرجل منهم يبقى سنوات طوال في تعلم القرآن، حتى ذكر الإمام مالك -رحمه الله- في الموطأ أنَّ ابن عمر -رضي الله عنهما- مكث عدة سنين، قيل: ثمان سنين، في سورة البقرة"، وبعض الناس ربما يقرأها في أسبوع.
إذًا ليس المقصود هو الحفظ المجرد، وإنما المقصود الحفظ مع العلم، ولذلك من المنهجية الطيبة جدًا لطلاب العلم ولا سيما من كبروا قليلًا -الصغير كأصحاب السبع أو العشر سنين قد لا يحسن ذلك- ولكن من كان في الخامسة عشر أو أكبر، فمن الجيد أن يأخذ قدرًا من الآيات، ومن ثم يعرف تفسيرها، فيتعلم حروفها ومعانيها، فهذا أمر طيب، كما كان الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- يفعلون.
الأمر الخامس: أن تَعَلُّمَ التفسير سبيل لفهم كلام الله -عز وجل-، والله -عز وجل- كما تقدم، إنما أنزل كتابه لِيُفْهَم ويُقرأ ويُعمل به، ولا يمكن أن يُقرأ وأن يُفهم وأن يعمل به إلا بالتدبر والتفسير.
ولذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: من المعلوم أن كل كلام يقصد منه فهم مَعانيه دون مجرد ألفاظه، ولذلك كان القرآن أولى بذلك.
ولذلك فابن مسعود -رضي الله عنه- قال له رجل: إني قرأت المفصل في ليلة، فغضب ابن مسعود -رضي الله عنه- وقال: "نثرًا كنثر الدقل"، والدقل هو التمر الرديء، ينثر عند الناس أو عند الحيوانات هكذا، فهل القرآن ينثر هكذا؟
إذًا المقصود هو التدبر، فحركوا القلوب وافهموا معانيه.
ويقول شيخ الإسلام -رحمه الله- أيضًا: "والعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في فن من الفنون كالطب أو الحساب، ولا يستشرحوه [أي: لا يطلبوا له شرحا] فكيف بكلام الله تعالى الذي هو عصمتهم، وبه نجاتهم وسعادتهم، وقيام دينهم ودنياهم" .
وقد جرت العادة عند المسلمين وعند غيرهم أنهم إذا قرأوا كتابًا في فنٍ من الفنون، في علم كالطب، أو علم الرياضيات أن يُفهم، وإلا فما الفائدة من مجرد القراءة؟
نعم لا شك أنَّ مجرد القراءة ولو بدون فهم، أو السماع ولو بدون فَهم تنفع، ولذلك قيمة وأجر، ولكن المقصود الأعظم هو فهمه التام، ولا يكون ذلك إلا بالتفسير ودراسة التفسير.
يقول ابن القيم -رحمه الله-:
فتدبر القرآن إن رمت الهدى ... فالعلم تحت تدبر القرآن
الأمر السادس والأخير: أنه سبب للعصمة من الضلال؛ لأن المفسر يفهم كلام الله -عز وجل-، والله قد أمر بالاعتصام بكتابه، ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، ويقول النبي ﷺ في حديث الحج الطويل، حديث جابر -رضي الله عنه-: «قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ» .
والسؤال: كيف نعتصم بكتاب الله إذا لم نفهمه؟
إذن هذه ستة أمور تدل على أهمية علم التفسير.
{أحسن الله إليكم.
طيب شيخنا بالنسبة لأصول التفسير، ما هي أنواعها وأهميتها؟}.
أولاً: أصول التفسير يعتبر من علوم الآلة، ومعنى علوم الآلة: أي: التي يُتوصل بها إلى غيرها، مثل: علم النحو، علم أصول التفسير، علم مصطلح الحديث، هذه تسمى: علوم الآلة.
الأمر الثاني: ما معنى كلمة أصول؟
نقول: أصول جمع أصل، وهو ما يُبنى عليه غيره، مثل: قواعد جمع قاعدة، وهي ما يُبنى عليه غيره. فأصول التفسير إذن هو علم يعتني بقواعد وضوابط يتوصل بها المفسر إلى فهم كلام الله -عز وجل- على الوجه الصحيح.
وأهمية هذا العلم أنه يُتوصل به إلى معرفة التفسير على الوجه الصحيح.
إذًا هو سُلَّمٌ لفهم التفسير.
{بارك الله فيكم.
شيخنا الكتب المؤلفة في علم التفسير كثر، فلو ذكرت لنا بعضها}.
لا شك أنَّ العلماء اعتنوا بعلوم متنوعة، والتأليف المفرد إنما جاء متأخرًا، فلو قلنا: ما الكتاب الذي ألفه الصحابة في أصول التفسير، بل حتى التابعين. لن تجد. ولربما يقول قائل: إذن هذا الكتب بدعة! لماذا؟ قال: لأنه ما ألفوا في هذا الفن!
نقول: كان علم الصحابة في صدورهم، ولقد اكتفوا بكتاب الله -عز وجل-؛ لأنَّ أصول العلم معهم، ولذلك مجرد السماع عندهم يكفي، فكان الرجل يأتي إلى النبي ﷺ ويسمع القرآن ويرجع إلى قومه مُنذرًا كيف؟
لأن علم الآلة كان موجودًا عندهم، وهذا بخلاف ما نحن عليه اليوم حتى وإن كنا عربًا. بل إن من أعظم العلوم وأهمها والتي نحتاج إليها ونحن عرب هو معرفة علم النحو.
إذن التأليف في أصول التفسير مُتقدم، ولكني ما وجدت كتابًا بعينه كان متقدمًا في أصول التفسير، ولكنه موجود متناثر.
ولا يكاد كتاب تفسير إلا ويقدم مؤلفه بمقدمة فيها أصول في التفسير، ولكن الذي أذكره الآن في هذا المقام ثلاثة كتب:
الكتاب الأول: "مقدمة شيخ الإسلام -رحمه الله- في التفسير، وهي كعادة شيخ الإسلام -رحمه الله- منثورة في كلامه، ولكن أخذها العلماء منه.
ثم كتبها الشيخ -رحمه الله- وذكر فيها قواعد كلية مُعينة على فهم كلام الله -عز وجل-، وقد ابتدها أولا: ببيان الحاجة العظيمة إلى القرآن، وأهمية القرآن، ثم ضرورة معرفة التفسير، وقد تقدم معنا شيء من ذلك.
ثم بيّن أيضا أنَّ النبي ﷺ كما عَلَّمَ الصحابة -رضي الله عنهم- حروف القرآن، يعني: جُمَلَهُ وسُوَره، كذلك بين لهم معانيه، حتى إنهم كانوا ربما استشكلوا فسألوا.
وتقدم معنا أيضا قول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ فالصحابة -رضي الله عنهم- استشكلوا الظلم هنا، وقالوا: "يا رسول الله وأيُّنا لا يظلِمُ نفسَهُ؟" فاستشكل القرآن عليهم، فبين لهم النبي ﷺ أنَّ الظلم هو الشرك، فقال: «ليسَ ذلِكَ إنَّما هوَ الشِّركُ ألَم تسمَعوا ما قالَ لقمانُ لابنِهِ: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾» .
إذن فالنبي ﷺ بين هذا كما ذكر شيخ الإسلام.
أيضًا ذكر شيخ الإسلام اهتمام الصحابة -رضي الله عنهم- بالتفسير، وذكر الأثر الذي ذكرناه قبل قليل -أثر أبي عبد الرحمن السلمي- وكذلك ذكر ما كان من ابن عمر -رضي الله عنهما- حينما مكث سنين -قيل ثمان سنين- في تعلم سورة البقرة.
أيضًا ذكر عناية التابعين ومنهم: مجاهد بن جبر -رحمه الله-، حتى قال سفيان الثوري: "إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به" لماذا؟ قالوا: لأنه أخذ التفسير عن ابن عباس، حتى قال: "عرَضتُ المصحفَ على ابنِ عباسٍ ثلاثَ عرْضاتٍ مِنْ فاتحتِه إلى خاتمتِه، أُوقِفُه عندَ كلِّ آيةٍ وأسألُه عنها"، أي: إنما يسأله عمَّا يُشكل عليه.
ولا شك أنَّ مجاهد عنده علم، ولكن ربما يشكل عليه بعض الآيات، وربما بعض جمل الآيات، فيسأل ابن عباس -رضي الله عنه- وهو حبر الأمة وترجمان القرآن عن هذا.
أيضًا ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- أنواع اختلاف السلف في التفسير، وأن هناك اختلاف تنوع واختلاف تضاد، وأيضًا ذكر أنواع التفسير، والتي سوف يذكرها شيخنا رحمه الله، يعني: تفسير القرآن بالقرآن، تفسير السنة بالسنة، بكلام الصحابة -رضي الله عنهم-، بكلام التابعين، باللغة العربية، وسوف يأتي -إن شاء الله تعالى- مزيد كلام على هذا في كلام شيخنا.
الكتاب الثاني في أصول التفسير: الواقع أنه قواعد ولكن فيه أصول، وهو كتاب الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله-، واسمه "القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن"، وقد ذكر الشيخ -رحمه الله- فيه إحدى وسبعين قاعدة، ثم ذكر تطبيقاتها من القرآن، ولذلك يحسن قرأتها مع قراءة تفسير الشيخ -رحمه الله- وتفسير الشيخ -رحمه الله- يُعد من الكتب التي ينبغي لطالب العلم، بل عامة الناس أن يعتنوا بها، لأنه كتاب رائع جدا، وذلك لأنه من عالم موثوق، ثم قريب منَّا.
فلو قرأ الإنسان العامي في تفسير ابن جرير الطبري، فلن يقدر عليه، بل ربما تركه؛ لأنه لا يدري ما يقول فيه. وأما تفسير ابن سعدي فهو من أنفع ما يكون للناس، ولذا ينبغي العناية به.
كما قلت قبل قليل: من يحفظ القرآن من طلاب الثانوي حتى ربما المتوسط عليه أن يأخذ بعض الآيات -ثلاث آيات- يحفظها ويقرأ فيها تفسير ابن السعدي، فيجمع بين الحفظ والفهم، وما أجمل أن يفهم الإنسان ما يحفظ، فهذا من أسباب الضبط وسهولة الآيات.
وكم من الآيات يُشكل على الإنسان حفظها، ثم إذا قرأ تفسيرها وفهمها تجده يحفظها سريعًا.
إذن الشيخ -رحمه الله- كتب القواعد وقام بشرحها، وقد قال -رحمه الله- في مقدمتها: (أمَّا بعد، فهذه أصول وقواعد في تفسير القرآن، جليلة المقدار، عظيمة النفع، تعين قارئها ومتأملها على فهم كلام الله، والاهتداء به).
ثم يقول: (ومَخْبَرُهَا أجل من وَصفها، فإنها تفتح للعبد من طرق التفسير، ومنهاج الفهم عن الله، ما يغني عن كثير من التفاسير الخالية من هذه البحوث النافعة).
ثم ذكر القواعد، فذكر القاعدة الأولى، وهي: كيف تُلقى التفسير؟ وأنه يُتلقى من كلام الله -عز وجل-، ثم يتلقى بنية الفَهم عن الله -سبحانه وتعالى- بنية صحيحة.
وذكر القاعدة الثانية، وهي: أنَّ العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب.
ثم ذكر أيضا تطبيقات وأمثلة لِمَا يُذكر من القواعد.
والشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- علق على هذه القواعد -قواعد شيخه رحمه الله- في اثني عشر شريطًا، وأظنها موجودة قطعًا في النت، وقد سمعتها كلها.
{أحسم الله إليكم شيخنا.
لو بدأنا في التعريف بكتابنا كتاب (أصول في التفسير) لشيخنا الشيخ محمد بن عثيمين}.
أولًا: عنوان هذا الكتاب هو: (أصول في التفسير)، ومما يَحسن الوقوف عنده "العنوان"، (أصول في التفسير) وشيخنا -رحمه الله- له عناية بالعناوين، فتأمل عنوانه: (أصول)، وهي نكرة، فقال: (أصول في التفسير)، وأيضا سيأتي -إن شاء الله- في دروسنا هذه لشيخنا، (أحكام من القرآن) وكان هذا برنامجًا إذاعيًا ثم كتب فب مجلدين، وقد ذكر فيه -رحمه الله- أحكامًا فقهية في القرآن.
وأذكر أنه حينما اقترحوا على الشيخ أن يتكلم عن أحكام في القرآن، اعتذر وقال: ما أحيط بالقرآن بكل ما فيه، ولكن نسميها: "أحكام من القرآن"، و "من" للتبعيض، فهذا الكتاب (أصول في التفسير)، وكأنه يتكلم فيه عن شيء من الأصول.
وقد ذكر شيخنا -رحمه الله- في المقدمة أنه أخذها من مقدمة شيخ الإسلام، وذكر أنَّ مقدمة شيخ الإسلام غير مرتبة، لأن شيخ الإسلام كان كالبحر المتلاطم، يحتاج إلى غواص يأخذ منه اللآلئ، وقد قال بعض المستشرقين كلاما صحيحا -ويقال الحق ما كشفه أعداؤك- يقول: زرع شيخ الإسلام ألغامًا في الأرض، وقد فَجَّرَ بعضها محمد بن عبد الوهاب، وبعضها باق لم يفجر.
وقد صدق فيما قال؛ لأن شيخ الإسلام كان عجيبًا -رحمه الله-، وكان صاحب سنة، ولذا فكل صاحب سنة يحب شيخ الإسلام، وما يبغضه إلا صاحب بدعة، حتى قال بعض العلماء -الشيخ عبد الرزاق عفيفي- وهذا سمعته من الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ -حفظه الله-، يقول الشيخ عبد الرزاق عفيفي، وهذا عالم مصري جاء للسعودية أظن أنه كان في عهد الملك عبد العزيز أو سعود -رحمهما الله- وصار من كبار علمائنا، بل صار من اللجنة الدائمة.
المقصود: أنَّ الشيخ عبد الرزاق عفيفي يقول عن شيخ الإسلام: إنه يأتي إلى جدار الباطل فيلطمه لطمة واحدة فيطيح به.
وأمَّا ابن القيم وهو تلميذ شيخ الإسلام فيأتي إلى جدار الباطل فينقضه لبنة لبنة، فتراه يقول: هذه المسألة باطلة من 96 وجه، ثم يفردها واحدة واحدة حتى يهدمه.
فشيخنا -رحمه الله- يقول: مقدمة شيخ الإسلام مُفيدة، ولكنها غير مفيدة لطالب العلم المبتدئ أو حتى المتوسط.
وقد قام الشيخ العثيمين بشرح مقدمة شيخ الإسلام شرحًا مفيدًا، فمن جميع بين مقدمة شيخ الإسلام ومؤلف الشيخ العثيمين فقد انتفع انتفاعًا كبيرا.
وقد ذكر الشيخ في هذه المقدمة أولًا: أهمية القرآن من القرآن، ثم من جبريل عليه السلام، والنبي ﷺ، ثم ذكر أنواع التفسير، ثم ذكر عدة مباحث نأتي عليها -بإذن الله عز وجل-.
ومن نافلة القول أن الشيخ علق على هذا الكتاب أيضًا، كتابه علق عليه، وصاحب البيت أدرى بخباياه.
{أحسن الله إليكم.
شيخنا لو عرفتنا بشيخنا الشيخ محمد العثيمين، فأنتم تتلمذتم على يديه زمنًا قرابة العشر سنوات، فلو تكلمتم عنه بطريقة موجزة}.
لا شك أنَّ السِّيَر كما قال أبو حنيفة -رحمه الله- جند من جند الله، ولذلك فقد قص الله -عز وجل- على نبيه ﷺ القصص، وقال: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ ولا يمكن للإنسان أن يقتدي بأحد إلا إذا عرف سيرته، وعرف بعض ما كان عليه شيخنا -رحمه الله-.
ولد الشيخ -رحمه الله- في السابع والعشرين من شهر رمضان عام 1347هـ، وتوفي -رحمه الله- في الخامس عشر من شهر شوال عام 1421هـ - عن عمر 74 سنة.
وكما هو معلوم ولد في عنيزة، وعنيزة كانت بلدة صغيرة، ثم تطورت كسائر بلد المملكة، ولكن مع ذلك كان فيها علمًا، ومن أشهر العلماء فيها عائلة: "آل القاضي"، ولا زال بعض الطلاب فيها الآن -حفظهم الله وجزاهم الله خيرا-، وقد أدركت بعضهم عند الشيخ -رحمه الله-.
وكان أيضا الشيخ ابن سعدي -رحمه الله- وهذا عالم كبير، وتكلمنا عن تفسيره قبل قليل، وهو مهم جدًا.
نشأ الشيخ -رحمه الله- في عائلة دينية، وذُكِرَ أنَّ أباه -رحمه الله- كان عنده ما يُشبه الآن "دار الأيتام"، وكان يعتني بهم في كل شيء، يعتني بطعامهم وثيابهم وغير لذك، ولعل من توفيق الله -عز وجل-، ومن جزاء الله -عز وجل- كان هذا الابن، والذي صار الناس يدعون له ولأبيه، مع أن أباه -الشيخ صالح العثيمين- ما اشتهر بالعلم، ولكنه اشتهر بالتقوى والخير، والله -عز وجل- يقول: ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾، فالله -عز وجل- يحفظ الأبناء بصلاح الأباء، حتى قال بعض السلف: إذا ولد لي ولدٌ جددتُ لله العبادة، ولا يقصد يخترع عبادة، وإنما يريد الزيادة في الطاعة، في القرآن، في الذكر، في الصدقة، لأجل أن يحفظ الله -عز وجل- أولاده.
ثم إنَّ الشيخ -رحمه الله- تعلم بداية عند جده لأمه "عبد الرحمن بن دامغ"، ثم أكمل حفظ القرآن في مدرسة الشيخ "عبد الرحمن بن محمد" -رحمه الله-، وقد قرأ القرآن في العاشرة، وأتقنه حفظًا وعمره "14" عامًا، وكان السابقون يقرأ تلاوة أولًا، فيقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته تلاوة تصحيح، ثم يتجه للحفظ.
ثم التحق بدروس الشيخ/ ابن سعدي، وكان الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله- قد جعل اثنين من طلابه لصغار الطلبة، وكان الشيخ ابن العثيمين -رحمه الله- من صغار طلاب ابن سعدي، ولكنه فاقهم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، مع وجود طلاب بارزون، مثل: الشيخ/ ابن بسام، الشيخ/ ابن عقيل -رحمه الله-، وكثيرون، ولكن الشيخ -رحمه الله- من أبرزهم إن لم يكن أبرزهم.
والطالبان الكبار هما: الشيخ علي الصالحي وقد أدركته في حياته، والثاني الشيخ/ عبد محمد بن عبد العزيز المطوع -رحمه الله-، فكان الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- من نصيب الشيخ/ محمد بن عبد العزيز المطوع، فتعلم عنده أصول العلم في النحو، ومختصرات للشيخ ابن سعدي -رحمه الله- مثل: منهاج السالكين، ومثل: تنبيهات على الواسطية، ثم التحق الشيخ بالشيخ ابن سعدي ولازم عشر سنين حتى توفي الشيخ ابن سعدي عام 1376ه.
ثم خلف بعد مدة من الزمن كبار الطلاب، ولكن لظرف معين أو ما أشبه ذلك لم يستمر في الإمامة ولا في الخطابة، ثم اختار أهل عُنيزة أميرهم ابن سليم، وقد ادركت بعض الطلاب ولازال المشايخ الفضلاء من آل سليم، بل أدركت أميرًا في عنيزة من أمراء آل سليم، أميرًا في عنيزة -حفظهم الله وجزاهم خير الجزاء، فاختاروه وأرغموه على ذلك، حتى إن الشيخ -رحمه الله- رفض في أول أمر، حتى أصروا عليه، ثم أطاع بعد ذلك، ونفع الله -عز وجل- به، واستمر على ذلك من وفاة شيخه -رحمه الله- إلى أن توفي وهو الإمام والخطيب والمعلم والمفتي لأهل عنيزة، بل توسع علمه حتى انتشر إلى أصقاع العالم.
وسيرة الشيخ ينبغي العناية بها، وقد اعتنى بها الناس قديمًا وحديثًا، وطلاب الشيخ -رحمه الله- لهم عناية بها، ولذلك أنصح طلاب العلم بسماع سير العلماء، ولا سيّما سيرة شيخنا رحمه الله.
{أحسن الله إليكم وبارك فيكم.
شيخنا لو تذكر لنا موقفًا من مواقف الشيخ -رحمه الله- في طلب العلم وصبره عليه}.
أمَّا صبره في الطلب فقد ذكر لي بعض أهل عنيزة من كبار السن، قال: كان الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- ملازمًا للشيخ ابن سعدي كظله، حيث لازمه عشر سنوات، وكان الشيخ ابن سعدي يخالط الناس كثيرًا، وهذا من العجاب، وذلك لأن الشيخ ابن سعدي -رحمه الله- ملك قلوب العامة والخاصة وخاصة من طلاب العلم والعوام، فكان يخالطهم ويصبر عليهم، وهذه صفة قلَّ من يُحسنها، والناس مواهب، فبعض الناس عنده صبر واستطاعة لمخالطة العوام والصبر عليهم، وقد قال ﷺ: «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ» وكان الشيخ السعدي يذهب لبيوت الناس لدعوتهم له، وكان يصاحبه الشيخ العثيمين -رحمه الله- فلربما دخل معه، ولربما رجع، ولكن الشاهد أنه مان ملازما له ملازمة عجيبة.
ولَمَّا فتحت المعاهد العلمية في الرياض عام 1371ه، وكانت بإشارة من الشيخ/ محمد ابن إبراهيم -رحمه الله- في أيام الملك عبد العزيز أو سعود، والخطأ مني الآن، فأشار الشيخ علي الصالحي -الذي تكلمنا عنه قبل قليل- على الشيخ ابن عثيمين أن يذهب للمعهد، وأشار عليه كذلك أن يسأل الشيخ السعدي في ذلك، هل يذهب أو لا؟
فلما عرض هذا على الشيخ السعدي وافق مباشرة، وقيل: إن من مميزات الشيخ ابن سعدي أنه كان سابقًا لزمنه، حتى إنه أفتى في أشياء جاءت بعد ذلك، ولَمَّا جاء الميكرفونات -اللواقط- فاستنكرها الناس، وقالوا عنها: بدعة، بينما قال الشيخ السعدي: لا، بل لها أصول في الدين، ومن أصولها مثلًا أنَّ العباس -رضي الله عنه- كان يأمره النبي ﷺ أن ينادي؛ لأن صوته كان قويًا، فنادى في حنين، نادى في «إنَّ اللَّهَ وَرَسوله يَنْهَيَانِكُمْ عن لُحُومِ الحُمُرِ الأهلية». فدل هذا على وجود أصل لها في الدين، فهي وسيلة لها غاية.
المقصود أنَّ الشيخ السعدي وافق وأذن لك بالذهاب للمعاهد. فذهب الشيخ للمعهد وقد حصل من علم الشيخ السعدي، والمعهد العلمي هو أصل جامعة الرياض، فلم تكن هناك جامعة.
والدراسة في المعهد كانت على أربع سنوات، وكان من نظام المعهد أن من أراد اختصار السنوات الدراسية فله ذلك، فكان الشيخ يدرس السنة الأولى ثم إذا جاءت الإجازة درس الشيخ السنة الثانية ويختبرها مع اختبارات الدور الثاني، وفعل هكذا في السنتين التاليتين، فاختصر -رحمه الله- الدراسة إلى سنتين.
وأثناء وجود الشيخ -رحمه الله- التقى بعالمين تأثر بهما جدًا، الأول هو: سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، ويقول الشيخ -رحمه الله-: وقد تأثرت به في أمرين، في العناية بالحديث، والاهتمام بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، مع أن الشيخ العثيمين والشيخ السعدي كانت لهما اهتمامات بكتب شيخ الإسلام، ولكن الشيخ ابن باز زاد ذلك لديه.
ومن العلماء الذين التقى بهم في معاهد الرياض الشيخ/ الشنقيطي صاحب التفسير، محمد أمين الشنقيطي، ومن اللطائف كما يقول الشيخ: كنا في الفصل في بداية الدراسة، وجاءنا المشايخ واحدًا بعد الأخر، حتى جاءنا رجل كهيئة البدوي، يقول: رثُّ الثياب، لم يعتن بهيئته، فقلت في نفسي: يا خيبة العلم، أترك الشيخ ابن سعدي وآت عند هذا الأعرابي، يقول: ولكني سكت. ثم قال: فلما تكلم كان كالسيل المنحدر، علم وأصول وحديث، يقول: حتى انبهرنا بعلمه -رحمه الله-.
يقول: فحمدت الله أني جئت لأستفيد من الشيخ محمد بن الأمين الشنقيطي، ولذلك كان الشيخ -رحمه الله- يحضر التفسير من تفسير ابن سعدي، وابن كثير وابن جرير ومن كتب محمد الشنقيطي -رحمه الله-.
{أحسن الله إليك وبارك فيكم.
كيف كانت عناية الشيخ محمد العثيمين بالتفسير؟}.
كانت عناية الشيخ بالتفسير عناية عظيمة، وحق له ذلك، فإنَّ العلم في القرآن، والله -عز وجل- يقول لنبيه ﷺ: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- في العقيد الوسطية بعد أن ذكر آيات الصفات، ثم قال: والسنة تفسر القرآن وتعبر عنه، فالسنة تخدم القرآن، وإن كانت السنة مصدرًا من مصادر الشريعة، فهي أيضًا يأتي بها أحكام قد لا تأتي في القرآن، فالمقصود أن شيخنا -رحمه الله- اعتنى بالتفسير عناية عظيمة.
ثم إن شيخنا -رحمه الله- قد نقسم تفسيره إلى خمسة قسم:
القسم الأول: هو التفسير المطول، وقد ابتدأه من سورة الفاتحة، وانتهى إلى تقريبًا الوجه الخامس أو السادس من سورة الأنعام، وهذا التفسير مطبوع، فالبقرة في ثلاث مجلدات، و وآل عمران في مجلدين، والنساء في ثلاث مجلدات، والمائدة وأول الأنعام، وهذا التفسير هو الذي في الدروس، وقد أدركت شيخنا -رحمه الله- تقريبا في الآية المئة من سورة آل عمران، ودروس الشيخ كانت يومي الثلاثاء والجمعة، وقد قسم -رحمه الله- أيام الأسبوع السبع على دروس، يومين للتفسير، وهما: الثلاثاء والجمعة، ويومين لبلوغ المرام، وهما: السبت والاثنين، ويومين لزاد المستقنع، وهما: الأحد والأربعاء، ويوم الخميس كان للبخاري. ثم أدخل بعد ذلك معه مسلم.
فكان التفسير المطول يومي الثلاثاء والجمعة، فكان يبدأ -رحمه الله- دروس التفسير بأن يقرأ الطالب، ثم يفسر شيخنا -رحمه الله- الآيات تفسيرًا مُفصلًا، ثم يستنبط فوائد كل آية لمفردها، وأحيانًا يأتي بالعجائب كثيرًا، وسمعته أكثر من مرة يقول: هذا مما فتح الله به الآن، والحمد لله تفسير موجود الآن من الفاتحة إلى الوجه الخامس أو أول السادس من سورة الأنعام.
الثاني من تفسير شيخنا -رحمه الله- كان في الإجازة الصيفية، وذلك أن شيخنا -رحمه الله- كان عنده طلاب ملازمون له طوال السنة، إما من أصل عنيزة وبريدة، أي: القريبين من مناطق الشيخ، أو طلاب أتوا من خارج المملكة، أو من الخليج، أو من مدن المملكة في الإجازات، وكان الشيخ -رحمه الله- يعتني ويرفق بهم، وفي الإجازة دروس للشيخ من الساعة الثمانية الضحى إلى الساعة الحادية عشر ونصف، وكان منها كتاب تفسير، أظنه قد بدأ من الكهف، ولكنه ليس كتفسير الليل، وكان قد اعتمد تفسير الجلالين كأصل، وكان يعلق عليه، وكثيرا ما كان ينتقد في تفسير الجلالين، فأحيانا يعقب عليه، وأحيانًا يقر ما فيه، وأحيانًا يزيد عليه.
وبالمناسبة تفسير الجلالين ربما بعض العوام يعتني به، لظنه أنه من المختصرات السهلة، ولكنه صعب فهو كالمتن يحتاج إلى شرح، وأيضا به بعض الإشكالات العقدية؛ لأن غالب التفسير فيه على منهج الأشاعرة، فالجلالان -رحمهما الله-، جلال الدين السيوطي، وجلال الدين المحلي عندهما أشعرية، ولكن مع هذا فطالب العلم المتمكن يستفيد منهما.
إذن هذا هو النوع الثاني من عناية شيخنا بالتفسير، تفسيره في وقت الضحى في فترة الإجازات.
ولكن إلى أين وصل؟ للأسف ما أذكر؛ لأني لم أكن أحضر عنده دائمًا، بل حضرت بعض السنوات، ولكن التفسير مطبوع الآن، ومن رأى التفسيرين المطبوعين عرف الفرق بينهما، فالفرق واضح جدًا، ولكن مع ذلك فالإنسان يستفيد من هذا وذاك.
النوع الثالث من عناية الشيخ -رحمه الله- بالتفسير، تفسير الباب المفتوح. ما هو الباب المفتوح؟ الشيخ -رحمه الله- تقريبًا في عام 1413ه أو بعدها، والخطأ مني الآن في التاريخ، طُلب منه أن يجعل جلسة لعامة الناس؛ لأن العامة يقولون: أثناء الدروس طلاب الشيخ يأخذونه، وما يستطيع عامة الناس سؤاله، وهم يريدون الاستفادة من علمه، فخصص الشيخ يوم الخميس -لأن الخميس كان يوم إجازة أول الأمر- فالناس يأتون في بيته، ويكون الدرس والجلسة فيها أريحية؛ لأن البعض قد يتحرج أن يسأل في المسجد، فكان الشيخ يفتح بابه ويأتي بالقهوة والتمر.
وقد رأى الشيخ في المجلس الثاني أو الثالث أن يفتتحه بتفسير آيات، فابتدأ من جزء عمّ، فكان يأخذ آيات من سورة عم ثم يفسرها، ويستنبط بعض الفوائد بشكل مختصر يناسب العامة، فهو تفسير إجمالي مختصر، ثم يفتح المجال للأسئلة فيسأل الناس، وهذه الدروس مسجلة ويستفيد منها العامي وطالب العلم أيضًا لتنوع الأسئلة وسهولة إجابة الشيخ عليها.
النوع الرابع وقد أشرنا إليه في المقدمة، وهو من أحكام القرآن، وهذا أصلًا برنامج في إذاعة القرآن الكريم، هذه الإذاعة المباركة، التي هي في الواقع من حسنات هذه الدولة، نسأل الله أن يحفظها وأن يزيدها من فضله، فإذاعة القرآن الكريم إذاعة نافعة جدًا، وقد وصل بثها إلى أنحاء العالم، وكم من الناس استفاد منها علمًا، من اعتنى بها استفاد منها.
هذا البرنامج يُقترح على الشيخ، وكما قلت في المقدمة قالوا: أحكام القرآن، يعني: الآيات التي توجد فيها أحكام؛ لأن القرآن فيه أحكام، وفيه قصص، وفيه أشياء، فكانت في الآيات التي فيها أحكام، سواء عقدية أو فقهية.
ولكن الشيخ رفض هذا العنوان وقال: بل نسميه "أحكام من القرآن"؛ وهذا من دقة الشيخ وعنايته، وهو مطبوع الآن في مجلدين.
وبالمناسبة خَلَفَ شيخنا -رحمه الله- بعد ذلك عالم كبير، هو الشيخ صالح الفوزان، ولكن لشيخنا -رحمه الله- مجلد مطبوع موجود.
النوع الخامس من كلام الشيخ في التفسير، تفسير منثور في الكتب، قد يكون في الحديث، في بلوغ المرام، أحيانا في الألفية؛ لأن الشيخ -رحمه الله- كان كالبحر وكان محبا للتفسير، فإذا جاءت الآية لشاهد أو مناسبة أو استدلال فسرها وذكرها، ولذلك نقول: لو اعتني بهذا أيضًا لكانت استفادة عظيمة.
إذن هذه أنواع خمسة من عناية الشيخ -رحمه الله- بالتفسير.
{أحسن الله إليكم وكتب أجركم.
هل تأذنون لنا أن نستفتح بقراءة كتابنا -بإذن الله-؟}.
نعم، على بركة الله.
{أحسن الله إليكم.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: (الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليمًا. أَمَّا بَعْدٍ)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذه مقدمة شيخنا -رحمه الله- قَدَّم بهذه المقدمة، وتسمى خطبة الحاجة، وقد رواها أهل السنن عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، وكان النبي ﷺ يُعلمهم خطبة الحاجة، ويذكر ثلاث آيات معروفة في هذا.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (فإن من المهم في كل فن أن يتعلم المرء من أصوله ما يكون عونًا له على فهمه وتخريجه على تلك الأصول، ليكون علمه مبنيًا على أسس قوية، ودعائم راسخة، وقد قيل: من حُرِمَ الأصول حُرِمَ الوصول)}.
هذا مقدمة مهمة جدًا، وفيها ما الذي ينبغي لطالب العلم تجاه كل علم من حيث العموم؛ لأن علم أصول التفسير من العلوم. يقول: (من المهم في كل فن)، والفن يعني: النوع، نوع من أنواع العلم، أن يتعلم المرء من أصوله، والأصول هي الضوابط والقواعد التي يفهم بها العلم ما يكون عونا له على فهمه وتخريجه على تلك الأصول، والتخريج يعني: التطبيق.
فمن أصول الفق مثلًا: "المشقة تجلب التيسير"، فإذا كان الإنسان ما يستطيع أن يصلي قائمًا وصلى قاعدًا، فهذه مشقة تجلب التيسير له، وكذلك الوضوء، وكذلك التيمم، كمن كان بيديه بعض الحروق أو عجز عن الماء فيلجأ للتيمم، وهذا معنى تخريج الأصول على الفروع، أو فروع الأصول.
يقول: (ليكون علمه مبنيًا على أسس قويمة، ودعائم راسخة) وهذا هو الفرق بين من يتعلم العلم على أصوله، وبين من يتعلم على غير أصول ولا ضوابط.
يقول: (وقد قيل: من حرم الأصول حرم الوصول) أي: من حُرِمَ أصول العلم حُرِمَ الوصول، يعني: للعلم.
والأصول نوعان: المتون العلمية، والقرآن أعظم الكتب، ولا نفول عليه متنًا، والضوابط والقواعد التي استنبط العلماء في كل فن بحسبه، فمن ضبطها حصَّل العلم مع الأيام والليالي.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (ومن أجل فنون العلم، بل هو أجلها وأشرفها، علم التفسير، الذي هو تبيين معاني كلام الله -عز وجل-، وقد وضع أهل العلم له أصولا، كما وضعوا لعلم الحديث أصولا ولعلم الفقه أصولا)}.
نعم إن من أجل العلوم وأنفعها علم التفسير؛ لأنه كلام الله -عز وجل-، وهو أعظم الكلام، والنور المبين، والصراط المستقيم، وقد اعتنى به العلماء قديمًا وحديثًا -كما تقدم معنا- وجعلوا أصولا وضوابطا لفهمه.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وقد كنت كتبت من هذا العلم ما تيسر لطلاب المعاهد العلمية، في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فطَلَب مني بعض الناس أن أُفردها في رسالة، ليكون ذلك أيسر وأجمع، فأجبته إلى ذلك، وأسأل الله تعالى أن ينفع بها)}.
قد ذكر الشيخ -رحمه الله- في شرحه أنه قد أخذ هذه الأصول من كلام شيخ الإسلام ابن تيمة في مقدمة التفسير، ولكنه هذبها ونقحها ورتبها؛ ليكون ذلك أيسر لفهم الطالب.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (ويتلخص ذلك فيما يأتي)}.
يعني هذه المادة التي سيشرحها الشيخ أو يُبينها فيما يأتي من الكتاب.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (القرآن الكريم، أولًا: متى نزل القرآن على النبي ﷺ؟ ومن نزل به عليه من الملائكة؟
ثانيها: أول ما نزل من القرآن.
ثالثًا: نزول القرآن على نوعين: سببي وابتدائي.
رابعًا: القرآن مكي ومدني، وبيان الحكمة من نزوله مفرقًا، وترتيب القرآن.
خامسًا: كتابة القرآن وحفظه في عهد النبي ﷺ.
سادسًا: جمع القرآن في عهد أبي بكر وعثمان -رضي الله عنهما-)}.
هذه كالمقدمة لأصول التفسير، فهذه علوم ومعاني لا بد من فهمها، ما القرآن؟ ومتى نزل؟ ومن نزل به من الملائكة؟ ومعرفة جبريل عليه السلام، وأول ما نزل من القرآن من حيث العموم، ثم من حيث الخصوص، فأول ما نزل سورة الآيات الخمسة الأولى من سورة اقرأ، ثم بعدها نزل المدثر، حتى قالوا: إن محمدا ﷺ صار نبيًا حين نزلت اقرأ، ثم صار رسولا بعد نزول سورة المدثر.
يقول: (نزول القانون سببي وابتدائي) يعني: حصل شيء فنزل القرآن لبيانه، وأما الابتدائي فكان كثيرًا، أي نزل بدون سبب مسبق.
ثم القرآن مكي ومدني، وسنعرف ضابطه. ثم جمع القرآن في عادة النبي ﷺ، كيف كان مجموعًا، ثم في عهد أبي بكر الصديق، أنه جمع ثم جمع بعد ذلك جمعًا آخر في عهد عثمان -رضي الله عنهم جميعًا- وسيأتي كيفية ذلك إن شاء الله في كلام شيخنا -رحمه الله-.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (التفسير، أولًا: معنى التفسير لغة واصطلاحًا، وبيان حكمه، والغرض منه.
ثانيا: الواجب على المسلم في تفسير القرآن.
ثالثًا: المرجع في التفسير إلى ما يأتي:
أولاً: كلام الله تعالى بحيث يفسر القرآن بالقرآن.
ثانيًا: سنة الرسول ﷺ؛ لأنه مبلغ عن الله تعالى، وهو أعلم الناس بمراد الله تعالى في كتاب الله.
ثالثًا: كلام الصحابة -رضي الله عنهم- لا سيما ذو العلم منهم، والعناية بالتفسير لأن القرآن نزل بلغتهم وفي عصرهم.
خامسًا: كلام كبار التابعين، الذين اعتنوا بأخذ التفسير عن الصحابة -رضي الله عنهم-.
سادسًا: ما تقتضيه الكلمات من المعاني الشرعية أو اللغوية حسب السياق، فإن اختلف الشرعي واللغوي أخذ بالمعنى الشرعي إلا بدليلٍ يرجح اللغوي.
أمَّا الرابع فأنواع الاختلاف الوارد في التفسير المأثور.
خامسًا: ترجمة القرآن، تعريفها، أنواعها، حكم كل نوع، خمس تراجم مختصرة للمشهورين بالتفسير، ثلاثة للصحابة، واثنان للتابعين.
أقسام القرآن من حيث الإحكام والتشابه، موقف الراسخين في العلم، والزائغين من المتشابه، التشابه حقيقي ونسبي، الحكمة في تنوع القرآن إلى مُحكَمٍ ومتشابه، مُوهِم التعارض من القرآن والجواب عنه، وأمثلة من ذلك.
القسم، تعريفه، أداته وفائدته.
القصص تعريفها، الغرض منها، الحكمة من تكرارها واختلافها في الطول والقصر والأسلوب.
الإسرائيليات التي أُقحمت في التفسير، وموقف العلماء منها.
الضمير، تعريفه، مرجعه، الإظهار في موضع الإضمار، وفائدته الالتفات، وفائدته ضمير الفصل وفائدته)}.
ما ذكره الشيخ -رحمه الله- هنا يعد كالفهرس الذي سوف يأتي في كلام شيخنا -رحمه الله- مفصلا، وأحيانا العلماء يذكرون الفهرس في أول الكتاب وفي آخره، وشيخنا رغم أنه ذكره في أوله، ثم أيضا من طَبَعَ الكتاب ذكر الفهرس في آخره.
{أحسن الله إليكم.
نبدأ في القرآن الكريم أم نجعله في الحلقة القادمة؟}
دعنا نتحدث عنه في الحلقة القادمة.
{بارك الله فيك شيخنا، ونفع الله بعلمك، والشكر موصل لكم مشاهدين الكرام على حسن استماعكم، ونراكم -بإذن الله- في حلقات أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.