الدرس الثالث
فضيلة الشيخ محمد بن مبارك الشرافي
إحصائية السلسلة
{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا عن النبي المجتبى، وعلى آله وصحبه أجمعين، حياكم الله مشاهدينا الكرام في حلقة جديدة من برنامج (جادة المتعلم) يصطحبكم في هذه الحلقات في تعليق على كتاب (أصول في التفسير) للشيخ العلامة/ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى- يصطحبنا في التعليق فضيلة الشيخ/ محمد بن مبارك الشرافي، حياكم الله فضيلة الشيخ}.
الله يحييك ويحيي السادة المشاهدين، وأسأل الله -عز وجل- لنا ولكم التوفيق والسداد، والهدية والرشاد.
{أحسن الله إليكم شيخنا. نستأذنكم في أن نبدأ على بركة الله.
بسم الله الرحمن الرحيم.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: (القرآن في اللغة: مصدر قرأ بمعني تلا، أو بمعني جمع، تقول: قرأ، قرءاً، وقرآناً، كما تقول: غفر غَفْراً وغٌفرانا ً، فعلى المعني الأول "تلا" يكون مصدراً بمعني اسم المفعول؛ أي بمعني متلوّ، وعلى المعني الثاني: "جَمَعَ" يكون مصدراً بمعني اسم الفاعل؛ أي بمعني جامع لجمعه الأخبار والأحكام)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعينـ أمَّا بعد، فإنَّ هذا هو المبحث الأول الذي ذكره شيخنا محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله- في كتابه (أصول في التفسير) وهو القرآن الكريم، فَعَرَّفَ شيخنا -رحمه الله- القرآن أولًا لغة، ثم بعد ذلك يُعرفه شرعًا.
فعرفه لغة بأنه بمعنى: "تلا"، وبمعنى "جمع"، فبمعنى "تلا"، أي: متلو، فالقرآن متلو، أي: مقروء متبوع، أو بمعنى "جمع" فالقرآن جامع للأحكام وجامع للأخبار، فأحكامه كلها عدل، وأخباره كلها صدق.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (والقرآن في الشرع: كلام الله تعالى المنزل على رسوله وخاتم أنبيائه محمد ﷺ، المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة الناس، قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً﴾ [الانسان:٢٣]، وقال: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف:٢])}.
نعم هذا تعريف القرآن في الشرع، هو كلام الله -عز وجل- المنزل على رسوله ﷺ محمد وخاتم أنبيائه، المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة الناس.
إذن فهو له ثلاثة ضوابط أنه كلام الله -عز وجل-، وفي هذا يدخل الكتب السابقة، فإنها كلام الله أيضًا، فالتوراة كلام الله، والإنجيل كلام الله، والمراد الذي نزل ابتداءً لا الموجود الآن لِمَا فيها من تحريف.
الثاني: أنه نزل على الرسول محمد ﷺ، وبهذا يخرج ما سبقه من الأنبياء عليه الصلاة والسلام، ثم المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة الناس.
ويجب أن نعلم أن الفاتحة هي أول القرآن من حيث الكتابة والجمع لا من حيث النزول، وسوف يأتينا أن أول ما نزل هي سورة اقرأ، بل أول خمس آيات منها، ومختوم بسورة الناس.
وفي هذا أن القرآن كلام الله، وهو منزل وليس مخلوقا -هذا في العقيدة- ويجب أن نعلم هذا، أن القرآن كلام الله، فهو صفة من صفاته، فالقرآن صفة من صفات الله -عز وجل-، وهو بعض كلام الله -سبحانه وتعالى= قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً﴾ [الانسان:٢٣]، فالقرآن إذن نزل من الله.
وفي قوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ﴾ ذكر الله -عز وجل- نفسه بصفة العظمة؛ لأنَّ "نا" للضمير المتصل، ونحن للضمير المنفصل يكون للمعظم نفسه أو للجمع، وهنا عظَّم الله -عز وجل- نفسه، ولا أعظم من الله -عز وجل-.
﴿نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ﴾ أي: على قلبك، عن طريق جبريل -عليه السلام-.
﴿تَنْزِيلاً﴾ أي: تنزيلًا بحق، وتنزيلًا شيئًا فشيئًا.
وقال: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أيضًا فيها: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾ للتعظيم، ﴿قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ أي: بلغة العرب، ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أي: لكي تفهموا أيها العرب، فلو نزل بلغة أعجمية لقالوا: ﴿أأعجمي وعربي﴾ يعني: هذا رسول عربي "محمد" والقرآن أعجمي، فكيف هذا؟
إذًا نزل من أجل الفهم والتعقل.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وقد حمى الله تعالى هذا القرآن العظيم من التغيير والزيادة والنقص والتبديل، حيث تكفل عز وجل بحفظه فقال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:٩]، ولذلك مضت القرون الكثيرة ولم يحاول أحد من أعدائه أن يغير فيه، أو يزيد، أو ينقص، أو يبدل، إلا هتك الله ستره، وفضح أمره)}.
قال الشيخ -رحمه الله-: (وقد حمى الله تعالى هذا القرآن العظيم من: التغيير، والزيادة، والنقص، والتبديل)، وهذه أربعة أشياء.
والتغيير: يعني أن يُغير فيه.
والزيادة: أن يُزاد في القرآن، إما سورة، أو آية، أو حتى حرفا، وهذا لا يمكن أبدًا، ولذلك من أراد أن يحرف القرآن يُكتشف أمره، بل حتى من أراد تحريف المعاني، فسيجد من يرد عليه، ولذلك نجد أنَّ أهل السنة والجماعة، قاموا قيامًا عظيمًا بالرد على أهل البدع.
والنقص: لو اختزل منه آية أو ما أشبه ذلك، فمباشرة يكتشف.
والتبديل: يعني يبدل القرآن بغيره، إذن فالتغيير يكون في بعضه، والتبديل يكون في كله.
ومن اللطائف: أن مسيلمة الكذاب لَمَّا أراد أن يأتي بقرآن غير هذا القرآن من عنده، ماذا صار اسمه؟ صار اسمه الكذاب إلى يوم القيامة، فإذا ذُكر مسيلمة قيل الكذاب، وهكذا صار كأن الاسم مطبوعًا فيه.
وأيضًا من القصص أن رجلًا يهوديًا أسلم، فقيل له: كيف أسلمت؟ قال: إنّي عمدتّ إلى الإنجيل فكتبتها، وأدخلت فيها ما ليس منه، ثم أتيت بها في سوق النصارى فبعته فاشتروه، وعمدت إلى التوراة فكتبتها بيدي، وأدخلت فيها ما ليس منها، وأتيت بها عند اليهود فاشتروها، ثم عمدت إلى القرآن فكتبته، وأدخلت فيه ما ليس منه، وأتيت إلى عوام المسلمين فرموا بها في وجهي، فعرفت أنَّ هذا القرآن خير الكتب السابقة، والله -عز وجل- يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ فالله -عز وجل- اعتنى بكتابه عناية عظيمة، ومن حفظ الله وعنايته به أن هيأ له من أهل العلم من يعتني به، ويحفظه، ويضبطه ضبطًا تامًا، حتى يأتي من صغار المسلمين من يحفظ القرآن حفظًا تامًا، من فاتحته إلى خاتمته، ولا يُنقص منه شيئًا، وهذا من توفيق الله -عز وجل- ومن نعمته علينا.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وقد وصفه الله تعالى بأوصاف كثيرة، تدل على عظمته وبركته وتأثيره وشموله، وأنه حاكم على ما قبله من الكتب، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر:٨٧])}.
ذكر الشيخ -رحمه الله- هنا آيات تدل على عظمة القرآن، وعلى جلالته، وعلى هيبته، وعلى بعض صفاته، وقد ذكر شيخنا -رحمه الله- اثني عشر آية نعلق على شيء نسير منها.
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ هذه الآية سيقت مساق الامتنان على النبي محمد ﷺ، وما كان منةً على رسوله ﷺ فهو في الأصل منَّةً علينا، إلا ما كان مختصًا بالنبي ﷺ.
وقوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ﴾ هذا التعبير فيه قسم، والشيخ -رحمه الله- كان كثيرا ما يقول في التفسير: هذا السياق مؤكد بثلاث مؤكدات:
القسم المقدر، لام التوكيد، وقد الموجودة للتحقيق.
قال: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي﴾ هي الفاتحة، وسميت الفاتحة سبعًا؛ لأنها سبع آيات، وسميت "مثاني"؛ لأنها تثنى فيها المعاني الجليلة، فهي أخبار وأحكام، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الله جمع كتبه في أربعة: في التوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن، وجمع الأربعة في القرآن، وجمع القرآن في الفاتحة، وجمع الفاتحة في قوله: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾.
﴿وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ هذا من باب عطف العام على الخاص، فإنَّ الفاتحة من القرآن، وهذا من عناية الله -عز وجل- بنبيه ﷺ، وأيضًا من التنويه بشأن الفاتحة، ولذلك كانت علينا فرضًا في كل صلاة في كل ركعة نقرأها.
{أحسن الله بكم. هل نقرأ الآيات شيخنا؟
قال الله تعالى: (﴿وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ [ق:١])}.
هذه في أول سورة قاف، والله -عز وجل- يقسم بالقرآن، والقرآن هو هذا القرآن المعروف، والمجيد يعني: واسع الأوصاف، فالقرآن أوصافه واسعة، فهو عظيم جدًا؛ لأنه من كلام الله -عز وجل- ولا أعظم من الله -عز وجل-، ولا أكثر صفات.
{أحسن الله إليكم.
(وقال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص:٢٩])}.
قوله: ﴿كِتَابٌ﴾ الكتاب أي: مكتوب في اللوح المحفوظ، مكتوب في أيدي الملائكة، ومكتوب في الصحف التي في أيدينا.
﴿أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ﴾ أي: يا محمد، أنزلناه من فوق إلى الأرض، وهذا من أدلة علو الله -عز وجل- وهذه المسألة، أعني بذلك مسألة العلو وصفة العلو، من أظهر الصفات لله -عز وجل- وهي من أكثر ما حصل فيه خلاف بين أهل البدع، لأن أهل البدع لا يقولون بعلو الله! هم يقولون: بعلو الله المعنوي، علو القدر، علو القهر، ولكن علو الذات ينكرونه، حتى إنهم يُشنعون على من قال: إن الله فوق، سبحان الله أليس الله هو الأعلى؟ نحن في السجود نقول: سبحان ربي الأعلى. والله -عز وجل- يقول: ﴿إنّا أنزلناه﴾ النزول يكون من أين؟ يكون من الأعلى إلى الأسفل، والله -عز وجل- يقول: ﴿تعرج الملائكة والروح إليه﴾، ﴿وإليه يصعد الكلم الطيب﴾.
بل الملائكة أين تذهب فوق، والكلام الطيب أين يذهب فوق، إذا كان الله ليس في أعلى؟ فالله -عز وجل- فوق السماوات العلا، ونحن في الأرض، ثم فراغ عظيم ثم سبع سماوات، ثم فوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، ثم العرش، ثم الله فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالنا، وليس فوق الله شيء، ما فيه حتى هواء ولا ظلام، فإن الظلام شيء، والهواء شيء، والله -عز وجل- له العلو المطلق الذاتي.
إذن ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ﴾ أي: يا محمد.
﴿مُبَارَكٌ﴾ أي: كثير البركة في معانيه، في تلاوته، في سماعة، في أحكامه، في الدعوة إليه، في الدعوة به.
﴿لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ أي: ليتأملوها وليتفكروا فيها، وهذه الحكم من القرآن؛ لأن المراد العمل، والعمل لا يكون إلا بالفهم، والفهم لا يكون إلا بالتدبر.
﴿لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ أي: يتذكروا، فيوحدوا الله -عز وجل-، ويخافوه، ويتقوه.
﴿أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ أي: أولوا العقول السليمة الصحيحة.
{أحسن الله إليكم.
(﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأنعام:١٥٥])}.
هذه الآية مثل الآية السابقة، ولكن قوله: ﴿فَاتَّبِعُوهُ﴾ أي اتبعوا القرآن، اتبعوا ما فيه من الأحكام، إن كانت أمرًا فامتثلوا الأمر، وإن كان نهيًا فاجتنبوه، وإن كان خبرًا فصدقوه.
﴿فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا﴾ أي اتقوا الله -عز وجل-، اتقوا عقاب الله، ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ أي: لكي يرحمكم الله -عز وجل-، فدل على أن اتباع القرآن هو سبب للرحمة.
{أحسن الله إليكم.
(قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ [الواقعة:٧٧])}.
﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ هذا القرآن كريم، أي: من الكرم، وهو من العلو، ومنه قوله ﷺ كرائم الأموال، يعني: كثير الخير، كثير الصفات.
أيضًا من كرم القرآن أنه يلين القلوب ويروق الأسماع، وكذلك ما حصلت الأمة فيه من البركات، بركة القرآن هذه بسبب اتباع الأمة للقرآن، فصارت البركات عظيمة لها.
{أحسن الله إليكم.
(﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء:٩])}.
قوله: ﴿يَهْدِي﴾ يعني: يدل ويرشد، ﴿لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ أي: للخصلة القويمة في الأخلاق، والمعاملات، والآداب، والعبادات، ولذلك من اتبع القرآن اهتدى، ومن خالف القرآن غوى.
{أحسن الله إليكم.
(وقال تعالى: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الحشر:٢١])}.
الله -عز وجل- يقول: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا﴾ يعني: لو قُدِّرَ أن إنزال القرآن ليس إلى البشر، وإنما إلى الجبل الصلب الجلمود؛ ﴿لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً﴾ أي: ذليلًا متصدعًا متفككًا، يتفكك الجبل من عظمة القرآن النازل إليه، ﴿مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ أي: بسبب خشية الله -عز وجل-، والخشية الخوف عن علم، ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ﴾ ومنها هذا المثل، وهناك أمثال كثيرة ضربها الله -عز وجل- وجعلها لتبين المعاني وتوضحها للناس، ﴿نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ﴾ أي: نجعلها للناس ليتفكروا فيها، فيفهموا عن الله -عز جل- مُراده، ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي: لعلهم يتأملون فيهتدوا بهذا القرآن.
{أحسن الله عليكم.
(قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُون﴾ [التوبة:١٢٤-١٢٥])}.
هذه الآية في آخر سورة التوبة، يقول فيها الله -عز وجل-: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً﴾ يقول الناس لبعضهم البعض، وربما يقول المنافقون فقط: هل زادتكم إيمانًا؟ قال الله -عز وجل-: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾ أي: زادتهم ثباتا ويقينا وخشية لله -عز وجل- لأنهم يعملون بها، ويتقربون لله -عز وجل- فيزيدهم إيمانا.
وهذه الآية أيضا من دلائل أن الإيمان يزيد وينقص، وهذه من عقيدة أهل السنة والجماعة الواجبة، أن نعلم يقينًا أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
﴿وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ فالمؤمن يفرح بالقرآن، ويفرح بالعمل به، ويفرح باتباعه.
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ الأصل في المرض هو الخروج عن الاعتدال، والمرض يكون في كل باب بحسبه، فالمرض هنا مرض النفاق، ومرض الشك.
﴿فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ﴾ تقول كيف؟ يعني القرآن يزيد المؤمنين إيمانًا، وهؤلاء يزيدهم رجسا ومرضًا؟ نقول: نعم؛ لأن المكان غير قابل، ولأنهم إذا ردوا القرآن ازدادوا رجسا مع النجاسة، يعني انظر مثلًا: "السكر" بعض الناس يشرب الشاي مثلا فيزيد السكر فيصح، وبعضهم يمرض منه، فالذي فيه مرض يزيده القرآن مرضًا، ولا ينتفع به، أي: يرده، لأنه لو قبله لزال مرضه، وأما المؤمن فيزاد إيمانا ويستبشر.
﴿فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُون﴾ نعوذ بالله من ذلك.
{أحسن الله إليكم.
(قال الله تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام:١٩])}.
﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ﴾ أي: قل يا محمد لقد أُوحي إليَّ هذا القرآن، أوحى الله -عز وجل- إليَّ عن طريق جبريل -عليه السلام- وقد أنزله إليَّ ﴿لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ﴾، والإنذار هو الإخبار مع الرهبة والترهيب والتخويف، ﴿لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ أي: أنذر من بلغه القرآن، ولذلك القرآن هو الدعوة، ولذلك فالداعي إلى الله -عز وجل- سواء كان خطيبًا أو مرشدًا، نقول دعا بالقرآن، وكذلك بالسنة، وأما الكلام المطلق، يعني: بعض الناس ربما تجده يدعو الله -عز وجل- وربما كلمته دقائق وربما ساعات أو ساعة قصص، ولكن أين القرآن؟ النبي ﷺ كان بإمكانه يقص حياته.
بعض الناس يقول: إذا قصصنا على الناس وجدنا منهم الإقبال، ولو قرأت أمامهم الآيات ما أقبلوا؟ نقول: سبحان الله، هذه الدعوة دعوة إلى من؟ دعوة إلى الله -عز وجل- ومن أرسل إلينا قدوةً؟ هو النبي محمد ﷺ، كيف كان يفعل في مكة وفي المدينة؟ كان إذا جاءه الرجل وتكلم معه أسمعه القرآن، مباشرة يتأثر، فإما أن يتأثر فيسلم، وإما أن يتأثر فيترك، والقصص في التاريخ كثيرة.
ولذلك وفي قاصف التاريخ كثيرة لأنذركم به ونبلغ أصحاب الفضيلة أن يزينوا خطبهم بالأدلة من ينبغي لطلاب العلم والدعاة إلى الله -عز وجل- والخطباء، أصحاب الفضيلة، أن يزينوا خطبهم بالأدلة من القرآن والسنة، فإن فيها البركة، حتى بو رأيت الناس لا يقبلون الإقبال الواضح، ولكن يتأثرون أبدًا، وإني ضارب لك مثالًا: أنا لو قلت لك مثلًا: البارحة نزلنا من الطائرة فوجدنا رجلا تحت السلم ماسكًا رأسه ويصيح، فجاءت الشرطة وكذا. ثم قطعت الحديث! فأنت ستقول لي: أكمل أكمل، ماذا حدث بعد ذلك؟
ولكن لما أنهيت القصة بأن الرجل كان معتوهًا وهكذا، ماذا استفدت أنت؟ ما الفائدة؟ نعم أنت تشوقت ولكنك لم تستفد شيئًا. ولكن لو قلت: قال الله تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ تعبد الله وتبر والديك، فلربما يكون هذا الكلام على النصف من القصة السابقة، ولكن في النفع العظيم، ولذلك نقول لأصحاب الفضيلة من الأئمة والخطباء، الله الله في الأدلة، فالأدلة هي النافعة، قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾، فالخير كله في القرآن.
والقرآن فيه بركة فعليك الاعتناء به، فاعتن بالقرآن بنفسك، واحفل به، وخذه، ثم بإذن الله -عز وجل- تستطيع أن تبلغ. إذن ﴿لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾.
{أحسن الله إليكم.
(قال الله تعالى: ﴿فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً﴾ [الفرقان:٥٢])}.
الله -عز وجل- ينهى رسوله محمد ﷺ أن يطع الكافرين، فهم كانوا يعرضون عليه بعض الاقتراحات، كنها مثلا، يقولون: نعبد إلهك سنة، وتعبد إلهنا سنة، وكانوا يقولون: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾، وانتبه لأن المشركين لم ينكروا عبادة الله، ولكنهم أنكروا إفراد الله بالعبادة، ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا﴾ فهم ليس لديهم مانع من عبادة الله -عز وجل- ولكنهم أرادوا عبادة الأصنام معه، فاقترح الكافرون، والكافرون في كل عصر وفي كل زمان يقترحون اقتراحات فلا تطعهم، واثبت على دينك، وجاهدهم به جهادا كبيرا، جاهدهم بالقرآن، ولا يمكن الجهاد بالقرآن إلا إذا اخذنا القرآن فهما وعملا تدبرا، وحفظناه ثم دعونا به.
(وقال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل:٨٩])}.
﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ أي: شيئًا فشيئًا ﴿تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ فالقرآن فيه كل شيء، كل ما نحتاجه في أمر ديننا فهو موجود، ﴿وَهُدىً﴾ أي: دلاله للناس، ﴿وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ فهو يبشر المسلمين العاملين به بالخير في الدنيا والآخرة.
فإن قيل: هل القرآن تبيانا لكل شيء؟ نقول: نعم، ولكن اعلم أن البيان قد يكون تفصيليًا وقد يكون إجماليًا، فالقرآن فيه إجماليات يفهم منها، ومن اللطائف وقد سمعتها من شيخنا أنَّ الشيخ أحمد شاكر المصري -رحمه الله- كان في بعض البلاد -وكان في فرنسا- وكان في مطعم يأكل، فجاءه رجل -قس نصراني- فأتى على سبيل الاعتراض وقال: هل قرآنكم فيه كل شي؟
قال: نعم. قال: بين لي كيف هذا أصلحه. قال: موجود، قال: أنا قرأت القرآن، فقال أنت ما قرأته على سبيل الاستفادة، وإنما قرأته للبحث عن أخطاء كما يقولون.
ثم قال: القرآن موجود فيه كل شي، قال: أين؟ أنا قرأت القرآن، قال: يا جرسون كيف طبخت الأكل هذا؟ قال: فعلت كذا وكذا، فقال الشيخ: ألم أقل إن كل شيء موجود في القرآن، وأنك لم تقرأه. قال القس: أنا أسأل عن الطريقة في القرآن، قال الشيخ: قال الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ وها نحن سألنا أهل الذكر فيما تسأل عنه.
وهذا يعني أنك لا تتوقع أن القرآن فيه روشتة لكل شيء، بل فيه إجماليات يفهم منها التفاصيل.
{أحسن الله إليكم.
(قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة:٤٨])}.
﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ هذا أيضًا من الامتنان على النبي ﷺ.
﴿الْكِتَابَ﴾ لم ينزل على النبي ﷺ جملة واحدة، بل نزل مفرقًا منجمًا شيئًا فشيئًا، وإن كان نزل على الصحيح إلى بيت العزة في السماء الدنيا في ليلة القدر كاملًا.
وهذه المسألة أنبه عليها، حيث كان شيخنا -رحمه الله- يرى أولًا: أي، رأيه الأول، أنَّ القرآن نزل شيئًا فشيئًا، ابتداء من الله -عز وجل- ما نزل جميعًا، وإنما نزل أوله، ثم نزل شيئًا فشيئًا، والله -عز وجل- تكلم به في حينه، ورأي الجمهور -وهذا رأي ابن عباس رضي الله عنهما- أنَّ القرآن كله نزل في ليلة القدر إلى بيت العزة، ثم أخذه جبريل -عليه السلام بإذن الله-؛ لأنه لم يكن ليأخذه ينفسه بل أخذه بإذن الله، إذ أمره الله عز وجل فينزل عليه شيئًا فشيئًا.
ثم في آخر حياة شيخنا -رحمه الله- رجع عن هذا القول، وقد صرح بذلك في آخر كتاب شرحه عام 1420هـ في جسر الربيع، وهو كتاب: "الأربعون النووية" والكتاب موجود ومطبوع، وقد صرح فيه الشيخ أنه رجع لهذا القول، أنَّ القرآن نزل جملة إلى بيت العزة، ثم أخذه جبريل -عليه السلام- شيئا فشيئا.
﴿بِالْحَقِّ﴾ أي: مصحوبًا بالحق، وهو حق وصدق، فأخباره كلها صدق، وأحكامه عدل.
﴿مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ من ماذا؟ من الكتب، فالقرآن مصدق لِمَا بين يديه، وقد صدق القرآن الكتب السابقة من ثلاثة أوجه:
الأول: أنه جاء بمثل ما جاءت، فجاء بالتوحيد، وجاء بالأخبار، وجاء بالأحكام، فدعوة الرسل كلها واحدة وإن كانت الشرائع مختلفة، فأصل الدعوة لجميع الرسل واحدة، وهو توحيد الله -عز وجل- بالعبادة، أي: إفراده، ثم أيضا امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، هذا اتفق فيه الجميع، ولكن الشرائع من الصلوات، الصوم، كيفية ذلك، هذا مختلف.
الثاني: أن القرآن ذكر هذه الكتب، فذكر أن التوراة نزلت على موسى عليه السلام، وأن الإنجيل نزل على عيسى عليه السلام، إذا فهو صدقها من هذا الوجه.
الثالث: أنه نزل حسب مواصفات الكتب السابقة، إذن فالقرآن صدق هذه الكتب من هذه الأوجه، ودعا إلى مثل ما دعت إليه، أنه صدقها وذكرها، وأنه جعل الوصف الذي وصفته به، إذا فهو مصدق لها من هذه الأوجه.
﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ﴾ يعني من الكتب، ﴿وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ﴾ يعني: مصيطرًا وحاكما وناسخًا، ولذلك فبعد القرآن لا يقبل إلا هو، فنحن نؤمن بالتوراة والإنجيل أنها كانت حقا، ولكن الان ما نقبلها؛ لأن فيها تحريف، فلو صدقناها صدقنا ما هو محرف، ولو كذبناها فقد نكذب ما هو من كلام الله -عز وجل-، لأن الموجود الآن قد يكون فيه من كلام الله.
فإذا قال قائل: لماذا لا ندرس التوراة والإنجيل وننقحها؟ نقول: النبي ﷺ غضب لما رأى مع أحد الصحابة -رضي الله عنهم- صفحة أو ورقة من التوراة، وقال: «يا ابنَ الخطَّابِ، أمُتَهَوِّكون أنتُم، لقد جِئتُكُم بها بَيضاءَ نَقيَّةً»، وقال: «لَوْ كَانَ مُوسَى وَعِيسَى حَيَّينِ؛ لَمَا وَسِعَهُما إلا اتِّباعِي»، ولذلك يأتي يوم القيامة موسى -عليه السلام- مع اليهود من أهل الجنة، حتى إن النبي ﷺ حسبهم أمته لكثرتهم، كانوا متبعين لموسى -عليه السلام-.
وكذلك عيسى -عليه السلام-، فالحواريون ترى من أهل الجنة، هم أصفياء عيسى -عليه السلام-.
طيب إذا لم يقبلوا القرآن لآن، قال ﷺ: «والذي نفْسُ محمدٍ بيدِهِ، لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمةِ، لا يهودِيٌّ، ولا نصرانِيٌّ، ثُمَّ يموتُ ولم يؤمِنْ بالذي أُرْسِلْتُ به، إلَّا كان من أصحابِ النارِ» .
﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ يعني: يحكم بين المسلمين، وكذلك أهل الكتاب لو جاءوا إليناـ، فلو جاءوا إلينا نحكم بينهم بالقرآن.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (والقرآن الكريم مصدر الشريعة الإسلامية التي بعث بها محمد ﷺ إلى كافة الناس، قال الله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾ [الفرقان:١]، ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيد﴾ [ابراهيم:١-٢])}.
القرآن مصدر الشريعة الإسلامية، أي: الدين الإسلامي، والدين الإسلامي يشمل عقيدة وشريعة، والعقيد هي الإيمان، والإيمان مبني على أصول ستة، وهي: الإيمان بالله، والملائكة، والكتب، والرسل، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
والشريعة المراد بها العمل، مثل: الصلاة، الزكاة، الصوم، الحج، الطلاق، أحكام النكاح وهكذا، فكلها من القرآن. وأيضًا السنة مصدر آخر، كما سيذكر الشيخ رحمه الله.
ثم استدل بآيتين، قال الله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾ وتبارك، أي: تعاظم بره، وكثر خيره، وهذا الفعل بالمناسبة لا يطلق إلا في حق الله -عز وجل- تبارك، أبارك، نبارك، إنما يطلق على الله، فلا يجوز أن نقول: فلان بارك الحفل، أو أبارك لكم، هذت خطأ؛ لأن البركة ما معناها؟
معناها: كثرة الخير وزيادته واستقراره، وهذا لا يكون إلا لله -عز وجل-، ولذا قال النبي ﷺ: «البركة من الله».
﴿الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ﴾ وسمي القرآن فرقانًا؛ لأنه يفرق بين الحق والباطل، وبين المسلمين والمجرمين، وبين الخير والشر.
﴿عَلَى عَبْدِهِ﴾ أي: محمد ﷺ، وسماه الله -عز وجل- عبدًا؛ لأن هذا أشرف الأوصاف، ولذلك وصف الله نبيه محمدًا ﷺ بالعبودية في مواقف العز والإكرام، وهذا مقام التنزيل، وهذا شرف أن ينزل القرآن عليه.
أيضًا ليلة الإسراء، والتي نقول: هي أعظم ليالي النبي ﷺ، حيث أُسري به من مكة إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى السماء، حتى فتحت أبواب السماوات السبع، وكلّمه الله -عز وجل- مباشرة، ووصل إلى سدرة المنتهى، بل وصل مقاما مكانا سمع فيه صريف الأقلام، ما معنى صريف الأقلام؟ يعني: صوتها في الكتابة -في ورق- أقلام القدر تكتب بأمر الله -عز وجل- وفرض الله -عز وجل- عليه الصلوات الخمس، وسماه تلك الليلة عبدًا، فقال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾.
إذًا العبوديّة شرف، ولذلك علينا أن نقر بهذين الأمرين: أن محمدًا ﷺ رسول الله، وأنه عبد الله، ولذلك لَمَّا جاءه أُناس لتوهم أسلموا مدحوه وأثنوا عليه وقالوا: أنت خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وبن سيدنا، قال ﷺ: «يا أيُّها النَّاسُ قولوا بقَولِكُم ولا يستَهْوينَّكمُ الشَّيطانُ»، وفي لفظ: «لا يستجرينكم الشيطان أنا محمَّدٌ عبدُ اللَّهِ ورسولُهُ ما أُحبُّ أن ترفَعوني فَوقَ مَنزِلَتي الَّتي أنزلَني اللَّهُ عزَّ وجلَّ».
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وسنة النبي ﷺ مصدر تشريع أيضاً كما قرره القرآن، قال الله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً﴾ [النساء:٨٠] ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً﴾ [الأحزاب:٣٦] ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر:٧] ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران:٣١])}.
قوله -رحمه الله-: (وسنة النبي ﷺ مصدر تشريع أيضا) السنة هنا هي كل ما جاء به النبي ﷺ من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ، كلها من السنة، ثم قول شيخنا -رحمه الله-: (وسنة النبي ﷺ مصدر تشريع أيضا) يعني: هي كالقرآن في الأحكام، ولا نقول: إنها المصدر الثاني، بل نقول: هي مصدر ثان أيضًا، وإن كانت السنة قد تعبر عن القرآن وتفسره وتقيد مطلقه، وتخصص عامة، ولكن أيضًا يأتي فيها أحكام ليست في القرآن، مثلًا: حكم الحمر الأهلية أين هو في القرآن؟ لا يوجد، ولكنه في السنة، ولذلك حرم النبي ﷺ لحوم حمر الاهلية؛ لأنها رجز.
أيضًا المتعة، وهي أن يتزوج الرجل المرأة مدة معينة، مثل: أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، هذا ليس في القرآن، بل ربما يفهم من القرآن جوازها، ولكن ثبت عن النبي ﷺ من أحاديث كثيرة، عمّار -رضي الله عنه- بل من حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- نفسه أن النبي ﷺ حرّمها، كما حرّم الحمر الأهلية.
إذن فالسنّة قد تأتي بأحكام غير القرآن، أيضا مثلا السّواك، يقول ﷺ: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسّواك عند كل صلاة»، وفي حديث آخر «مع كل وضوء» هل السّواك في القرآن؟ لا. إذن فالسنّة مصدر آخر من مصادر الشريعة، وإن كان كلام النبي ﷺ كلام مخلوق، بينما كلام الله -عز وجل- غير مخلوق.
قال الله تعالى: ﴿مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء:80]، يعني: يا أيها الرسول إن عليك إلا للبلاغ، وقال: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً﴾ فمن أطاع الله ورسوله أفلحـ ومن عصى الله ورسوله ضلَّ وغوى، وقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾، وبهذه الآية وأمثالها نرد على من يسمون بالقرآنيين، والقرآنيون هكذا يقولون: وإلا فهم ليسوا قرآنيين، وهم أناس ينتسبون إلى هذه الصفة ليحسنوا موقفهم فقط، ماذا يقولون؟ يقولون: نحن نأخذ بالقرآن فقط والقرآن يكفينا، فهو كلام الله -عز وجل-
ويقولون: السنة فيها الصحيح والضعيف، ونحن ما نميز وما ندري وما نعرف، وقد يكون فيها الضعيف. نقول: هذا خطأ.
نقول: أولا كذبتم، وأنتم لستم بقرآنيين، لو كنتم قرآنيين فعلا لاتبعتم النبي ﷺ، أليس الله -عز وجل- يقول: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾، ولو كنا نستغني بالقرآن عن السنة، فكيف نأخذ ما جاء به الرسول ﷺ، القرآن كان يكفينا، إذًا فالقرآن يدل على السنة.
ثم نقول تعالوا: إن كنتم تجهلون السنة، فهناك من يعلمها، فاسكتوا خير لكم واتبعوا أهل العلم، والله -عز وجل- قد مدح أهل العلم، وأمر بالرد إليهم، قال الله -عز وجل-: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ وقال: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ﴾ يعني في حياته، ﴿وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ﴾ يعني: بعد موت النبي ﷺ ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ فإن كنتم جهلة بالسنة فغيركم يعلم.
ثم أيضًا نقول تعالوا: لو استغنينا بالقرآن بزعمكم، أين أنصباء الزكاة في القرآن؟ أين في الذهب ربع العشر؟ وأين في الركاز الخمس؟ وأين فيما يخرج من الأرض العشر أو نصف العشر؟
أين في القرآن تجد أن صلاة الفجر ركعتين؟ أين في القرآن أن المغرب ثلاث ركعات؟ وهكذا.
إذن فهؤلاء أبطلوا دينهم، ولذلك قال العلماء: هذه دعوة لإبطال الشريعة وليست دعوة لاتباع القرآن في الواقع.
قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ما أجمل هذه الآية والقرآن كله جميل، ولكن انظر إذا أردنا محبة الله، ومن منا لا يريد محبة الله؟ لا يوجد من لا يريد محبة -عز وجل- حتى الآن غير المسلمين يقولون: حب الله ولكن ما صدقوا، نقول: إن كنتم صادقين فاتبعوا النبي ﷺ، ولذلك نقول للمسلمين: بقدر اتباعكم للنبي ﷺ تكون محبته الله -عز وجل-؛ لأن الحكم إذا عُلق بوصف زاد بزيادته ونقصه ونقصانه، فبقدر اتباعك للنبي ﷺ تكون محبة الله -عز وجل- لك.
نسأل الله -عز وجل- أن يحبنا وأن يغفر لنا ذنوبنا.
{أحسن الله إليكم.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: (نزل القرآن أول ما نزل على الرسول ﷺ في ليلة القدر في رمضان، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر:١]، ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان: ٣-٤] ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة:١٨٥])}.
نزول القرآن نوعان: نزول أولي، ثم النزول المنجم المفرق، أمَّا نزول الأولي فابتدئ في ليلة القدر، وقد نزل من الله -عز وجل- إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وتقدم لنا أن هذا رأي ابن عباس وجمهور العلماء، وأن هذا رأي شيخنا أخيرا، وقد رجع إليه.
وأما النزول المفرق فكان على ثلاث وعشرين سنة، وكان ابتداء ما نزل على النبي ﷺ الخمس آيات الأولى من سورة اقرأ -سورة العلق- ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾.
ثم نزل بعد ذلك إلى آخر ما نزل من القرآن واختلف العلماء في آخر ما نزل، هل هو قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة:3] أو غيرها.
ثم إن النزل في ليلة القدر، وليلة القدر في رمضان، بدليل هذه الآية: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، وقوله: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة:185] وآية الدخان: ﴿إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ ليلة القدر مباركة كثيرة الخير، ﴿إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ ما معنى يُفرق؟ يعني: يفصل. قال العلماء: يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتب التي في أيدي الملائكة، فالله -عز وجل- يأذن للملائكة في ليلة القدر أن تكتب من اللوح المحفوظ ما يكون من المقادير تلك السنة في الصحف التي في أيديها.
ولذلك قال العلماء: إن الكتابة التي كتبها الله -عز وجل- أربعة:
الكتابة الأولى: في اللوح المحفوظ، قال ﷺ: «كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قالَ: وَعَرْشُهُ علَى المَاءِ» .
الكتابة الثانية: الكتابة العمرية، وهي أنه إذا مضى أربعة أشهر على الجنين في بطن أمه، يكون أربعين يوما نطفة، ثم أربعين علقة، ثم أربعين مضغة مخلقة أو غير مخلقة، وبعد أربعة أشهر يعني بعد مائة وعشرين يومًا يُرسل الله إليه مَلكًا، فيكتب رزقه وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، وينفخ فيه الروح.
الكتابة الثالثة: هذه في سورة الدخان، ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ يعني: تفصل الملائكة من اللوح المحفوظ بأمر الله وبإذن الله إلى الصحف التي في أيديها.
الكتابة الرابعة: كتابة الآنية، قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ فملك عن اليمين، وملك عن الشمال، والملك الذي على اليمين يكتب الحسنات، والذي على اليسار يكتب السيئات.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وكان عمر النبي ﷺ أول ما نزل عليه أربعين سنة على المشهور عند أهل العلم، وقد روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وعطاء وسعيد بن المسيِّب وغيرهم. وهذه السِّن هي التي يكون بها بلوغ الرشد وكمال العقل وتمام الإدراك)}.
كان عمر النبي حينما نزل القرآن أربعين سنة، فكان قبل ذلك ليس نبيًا، ولكن مع ذلك فنبينا محمد ﷺ قبل النبوة كان في غاية الكمال في الأخلاق والصفات، وغاية الكمال البشري بدون نبوة، ولذلك ما سجد لصنم، ولا ذبح له، ولا عاقر خمرًا، ولا أكل ميتةً، ولا فعل من الأشياء التي تنقص الرجل، أو تنقص منزلته عند الناس، ولذلك ما عيب أبدًا حتى بعد النبوة ما عيب بشيء أبدًا، بل كانوا قبل النبوة يسمونه الأمين، وكانوا يثقون به ﷺ قبل النبوة، فكيف بعد النبوة؟
فلما بلغ أربعين، وهي سن الرشد، وسن الكمال البشري، أنزل الله -عز وجل- عليه هذا القرآن، فازداد كمالا إلى كماله، صلوات ربي وسلامه عليه.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (والذي نزل بالقرآن من عند الله تعالى إلى النبي ﷺ، جبريل أحد الملائكة المقربين الكرام، قال الله تعالى عن القرآن: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء:١٩٢-١٩٥])}.
الذي نزل بالقرآن من السماء هو جبريل -عليه السلام- وهو رسول الوحي، ولذلك ورقة بن نوفل في حديث أول النبوة، وسوف يأتينا -إن شاء الله في كلام شيخنا رحمه الله-، وقد نتكلم عنه كاملًا، لَمَّا أخبره النبي ﷺ بما حصل له قال: هذا الناموس الأكبر، والناموس يعني: صاحب السر، فكان جبريل -عليه السلام- ينزل إلى أنبياء الله الكرام السابقين بالوحي، فنزل إلى نبينا ﷺ بالوحي، فهو رسول الله الملكي، كما أن محمدًا ﷺ رسول الله البشري.
{أحسن الله إليكم.
قال -رحمه الله-: (وقد كان لجبريل -عليه السلام- من الصفات الحميدة العظيمة، من الكرم والقوة والقرب من الله تعالى والمكانة والاحترام بين الملائكة والأمانة والحسن والطهارة؛ ما جعله أهلاً لأن يكون رسول الله تعالى بوحيه إلى رسله قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِين﴾ [التكوير:١٩-٢١])}.
شيخنا -رحمه الله- ذكر هنا صفات جبريل -عليه السلام- الواردة في القرآن، والحكمة من وصف جبريل -عليه السلام- بهذه الأوصاف حكمتان والله أعلم.
أولا: هو يستحق ذلك، فالله -عز وجل- جعل له صفات عظيمة، ولذلك قال بعض العلماء: إنَّ جبريل -عليه السلام- أفضل الملائكة، وهو في الملائكة بمنزلة محمد ﷺ في البشر، كما أن رسول الله ﷺ خير البشر، وخير الناس أجمعين، وخاتم النبيين، فجبريل -عليه السلام- منزلته عظيمة في السماء، ولا نعلم مًلكًا كجبريل -عليه السلام-، قد يكون هناك غيره، الله تعالى أعلم.
ولكن الذي نعلمه بالأدلة مكانة ومنزلة وصفات عظيمة لجبريل -عليه السلام-، لكن قال العلماء: إن الله -عز وجل- وصف جبريل بهذه الصفات تعظيمًا للقرآن؛ لأن العظماء لا يرسلون إلا بالعظيم، ولذلك كان هذا في الواقع عناية بالقرآن.
{أحسن الله إليكم.
قال الله تعالى: (﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى﴾ [النجم:٥-٧]، وقال: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل:١٠٢].
وقد بين الله تعالى لنا أوصاف جبريل الذي نزل بالقرآن من عنده، وتدل على عظم القرآن وعنايته تعالى، فإنه لا يرسل من كان عظيما إلا بالأمور العظيمة)}.
هذه الصفات التي ذكر الله -عز وجل- لجبريل -عليه السلام- يقول الله تعالى: ﴿إنه لقول رسول كريم﴾ الصفة الأولى: الكرم، ﴿ذي قوة﴾ يعني: صاحب، و "ذو" من الأسماء الخمسة، ﴿عند ذي العرش﴾ أي: عند الله -عز وجل-، فعند الله "فوق" ﴿مكين﴾ أي: له مكانة عظيمة ومزلة كبيرة، ﴿مطاع ثم﴾ أي: في الملائكة، فهو مطاع في الملائكة، أمين، فكم صفة هذه؟ ست صفات لجبريل -عليه السلام- في هذه الآية.
فإن قيل: هل القرآن كلام الله أم كلام جبريل؟ نقول: هو كلام الله ابتداء، وكلام جبريلا تبليغا، وفي آية أخرى: ﴿إنه رسول كريم﴾ أي: النبي ﷺ لكن أيضًا تبليغًا.
قال: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ هو جبريل عليه السلام، ﴿ذُو مِرَّةٍ فَاستَوَى﴾ أي: ذو هَيئة حَسَنَة، ﴿فَاستَوَى﴾ أي: كَمُل، ورآه النبي ﷺ على صورته في ذلك الحين، قد رأه مرتين، مرةً في الأرض، ومرةً في السماء، عند سدرة المنتهى.
وقال: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ فالقرآن نزل عن طريق جبريل عليه السلام ليثبت الله -عز وجل- به النبي ﷺ ويثبت به المسلمين، وهو هدى وبشرى لهم، فدل على عظمة جبريل، بل دل على عظمة القرآن، نسأل الله -عز وجل- أن يمتعنا بالقرآن، وأن ينزقنا فهمه والعمل به.
{اللهم أمين. جزاكم الله خير الجزء شيخنا وكتب الله أجركم، نتوقف إلى هنا، ونستكمل -بإذن الله- في حلقة قادمة، والشكر موصول لكم مشاهدين الكرام على حسن استماعكم، ونراكم -بإذن الله- في حلقات أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله}.
سلاسل أخرى للشيخ
-
7657 12