الدرس الثاني

فضيلة الشيخ أ.د. فهد بن سليمان الفهيد

إحصائية السلسلة

2972 13
الدرس الثاني

العقيدة الحموية

{بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أرحب بكم أعزائي المشاهدين في حلقة جديدةٍ من حلقات البناء العلمي.
في هذه الحلقة نستكمل ما بدأناه من شرح الرسالة الحموية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فنرحب باسمي وباسمكن جميعًا بفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ فهد بن سليمان الفهيد، عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ}.
حيَّاكم الله، وحيَّا الله الإخوة جميعًا، وأهلًا وسهلًا بكم.
{في هذه الحلقة نستكمل ما بدأناه من شرح الرسالة الحمويَّة الكبرى لشيخ الإسلام، ووصلنا عند قول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَسَبَبُ ذَلِكَ اِعْتِقَادُهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي نَفْسِ اَلْأَمْرِ صِفَةٌ دَلَّتْ عَلَيْهَا هَذِهِ اَلنُّصُوصُ لِلشُّبُهَاتِ اَلْفَاسِدَةِ اَلَّتِي شَارَكُوا فِيهَا إِخْوَانَهُمْ مِنْ اَلْكَافِرِينَ)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أمَّا بعدُ؛ فتقدَّم في الحلقة الماضية الكلام على هذه الرسالة -الفتوى الحموية الكبرى- لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- وتقدَّم الكلام على أوَّل هذه الرسالة، ووصلنا عند بيان الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- لضلالات وقع فيها كثيرٌ من أهل الكلام من قولهم وظنهم الفاسد في السلف الصالح، أنَّ طريقة السلف أسلم، وأنَّ طريقة الخلف أعلم وأحكم؛ وظنُّوا أنَّ طريقة السَّلف هي القراءة للنُّصوص مجردًا دون فهمٍ، ودون معرفةٍ للمعاني، وأنَّ الخلف هم الذي عرفوا المعاني، وهذا كلام فاسد، وتقدَّم أنَّ الحق أن نقول: "طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم"، وطريقة الخلف من المتكلمين وممَّن سلكَ مسالك أهل الكلام والفلسفة أخطر وأجهل وأسفه، والحمد لله الذي أظهر الدين، ونصر سنة نبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ.
وذكر الشيخ فيما تقدَّم أن هذا الظن الفاسد كذبوا فيه على طريقة السلف، وضلوا في تصويب طريقة الخلف، وجمعوا بين الجهل بطريقة السلف والكذب عليه، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف.
ثم أراد الشيخ أن يُبيِّن السبب في هذا الانحراف الخطير الذي وقع فيه هؤلاء من علماء الكلام ومَن تأثَّر بهم، فقال: (وَسَبَبُ ذَلِكَ اِعْتِقَادُهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي نَفْسِ اَلْأَمْرِ صِفَةٌ دَلَّتْ عَلَيْهَا هَذِهِ اَلنُّصُوصُ)، نسأل الله العافية والسلامة، فهذا الكلام حقيقي، وهذا الكلام يُبيِّن لك أصل المشكلة، وهو أنَّ علماء الكلام من المعتزلة وقبلهم الجهميَّة ومَن تأثَّر بهم من الأشاعرة خصوصًا فيما حرفوه، أما فيما أثبتوه من الأسماء وبعض الصِّفات فالأمر قريب، ولكن فيما نفوه وحرفوه فهم يعتقدون أنَّ هذه النُّصوص لم تدل على صفةٍ أصلًا، وليس هناك صفة، ثم انقسموا إلى فريقين، فريق قال: السلف سكتوا عنها فسَلِموا، والخلف نفوها صراحةً وأوَّلوها بالمجازات فصاروا أهل علم وحكمة.
فهذا هو السبب، ولذا قال الشيخ: (اِعْتِقَادُهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي نَفْسِ اَلْأَمْرِ صِفَةٌ دَلَّتْ عَلَيْهَا هَذِهِ اَلنُّصُوصُ)، فإذا وُجِهُوا بهذا الكلام، سيعترف الشجاع منهم أنهم ينفون الصِّفات ولا يثبتونها، وأما غير الشجاع فسيقول: نحن ما ننفي الصِّفات.
مثال ذلك: صفة السمع عند المعتزلة، فإنهم يقولون: إن الله -عز وجل- لا يوصف بالسمع، إذًا فما قولكم في قوله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [المجادلة: 1]، وآيات كثيرة؟! فهم في الحقيقة ينفون الصفة تمامًا، ولكنهم يدورون بالتَّأويل.
والأشاعرة عندهم أغلاط في هذا المقام -نسأل الله لنا ولهم الهداية- فيقول بعضهم في صفة الاستواء على العرش، وفي قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 5]، حقيقة الأمر أنه لم يستوِ على العرش، فالشُّجاع منهم يصرِّح بذلك، ويقول: إنَّ الاستواء له معنًى ثانٍ، ثم يُحرف الاستواء بالمجاز، أي: استولى ومَلَك.
نقول: الْمُلك كله لله، وهل هذا يعني أنه استوى على الجبال وعلى السماء؟!
يقول الشيخ: (وَسَبَبُ ذَلِكَ اِعْتِقَادُهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي نَفْسِ اَلْأَمْرِ صِفَةٌ دَلَّتْ عَلَيْهَا هَذِهِ اَلنُّصُوصُ)، أي النصوص التي فيها أسماء الله وصفاته.
فهم عندهم أسباب وهي شبهات فاسدة، كخوفهم من التشبيه، يقولون: لو قلنا إنه استوى للزم منه أنه يستوي مثل المخلوق!
نقول: لا، قل: استواءً يليق بجلال الله، كما تقول: ذات تليق بجلال الله، وسمع يليق بجلال الله، وعلم يليق بجلال الله؛ فقل هذا في كل الصِّفات.
وعندهم شبهة ثانية تسمَّى: التَّركيب.
فهذه شبهات ألقتها عليهم شياطين الإنس والجن، فتجرؤوا على النصوص ونفوها -نسأل الله العافية والسلامة.
ولهذا قال الشيخ: (لِلشُّبُهَاتِ اَلْفَاسِدَةِ اَلَّتِي شَارَكُوا فِيهَا إِخْوَانَهُمْ مِنْ اَلْكَافِرِينَ)، يعني: بسبب هذا الضلال العظيم صار بينهم أُخوَّة مع الفلاسفة الذين كذَّبوا الشرع أصلًا، أو القرامطة الباطنيَّة، ومنهم ابن سينا القرمطي، وفلسفة ابن سينا مُعتمدة عند كثير من المتأخرين، وهو من بيت باطني، فيجعلون شخصًا إلهًا وهو الحاكم بأمر الله، ويعبدونه من دون الله؛ فلا شكَّ في كفر هؤلاء الباطنيَّة.
وكيف أنتم يا من تظهرون الإسلام وتظهرون السنة ومحبة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- ثم تشاركون القرامطة والباطنية وأنواع الكفرة في إنكار أسماء الله وصفاته كلها أو بعضها؟!
فهذا هو السبب الذي أردى بهم وأهلكهم -نسأل الله السالمة والعافية.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (فَلَمَّا اِعْتَقَدُوا اِنْتِفَاءَ اَلصِّفَاتِ فِي نَفْسِ اَلْأَمْرِ -وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ لَا بُدَّ لِلنُّصُوصِ مِنْ مَعْنًى- بَقَوْا مُتَرَدِّدِينَ بَيْنَ اَلْإِيمَانِ بِاللَّفْظِ وَتَفْوِيضِ اَلْمَعْنَى - وَهِيَ اَلَّتِي يُسَمُّونَهَا طَرِيقَةَ اَلسَّلَفِ- وَبَيْنَ صَرْفِ اَللَّفْظِ إِلَى مَعَانٍ بِنَوْعِ تَكَلُّفٍ - وَهِيَ اَلَّتِي يُسَمُّونَهَا طَرِيقَةَ اَلْخَلَفِ- فَصَارَ هَذَا اَلْبَاطِلُ مُرَكَّبًا مِنْ فَسَادِ اَلْعَقْلِ وَالْكُفْرِ بِالسَّمْعِ، فَإِنَّ اَلنَّفْيَ إِنَّمَا اِعْتَمَدُوا فِيهِ عَلَى أُمُورٍ عَقْلِيَّةٍ ظَنُّوهَا بَيِّنَاتٍ وَهِيَ شُبُهَاتٌ، وَالسَّمْعُ حَرَّفُوا فِيهِ اَلْكَلَامَ عَنْ مَوَاضِعِهِ)}.
بيَّن لك الشيخ أن السبب في ضلالهم أنَّهم يرون أنَّ الصِّفات غير ثابتة، ثمَّ لما جاؤوا عند نصوص الكتاب والسُّنَّة بقوا مترددين حائرين ماذا يفعلون، فالنصوص لابد لها من معنًى، وهم قالوا: إن طريقة السلف أنهم يقرؤونها بدون فهمٍ، ثم جاء المتأخرون وعلموا الناس المعنى! وعرفنا بطلان هذا الكلام.
فزعموا أن الصَّحابَة كانوا مشغولين بالجهاد والفتوحات، ولم يتكلموا في الصِّفات، ثم جاء الخلف فتكلموا فيها، مثل: الرازي وابن فورك، فهؤلاء من المتأخرين المنحرفين الذين عندهم أغلاط، فلا نأخذ عقيدتنا من هؤلاء ونترك الأخيار الذين حطوا رحالهم في الجنة.
ثم انتقل الشيخ إلى مسألة أخرى، وهي أنهم أمام النصوص بقوا حائرين مترددين ماذا يفعلون، فالنصوص لابد لها من معنًى، ولهم طريقتين في هذا:
الأولى: يأخذون اللفظ ويفوضون المعنى، فكأن الكلام لا معنًى له، فهؤلاء هم المفوِّضة، وهذا من شر المذاهب حقيقةً، ومع الأسف ينسبون السلف إليه.
الثانية: يأخذون المعاني المتكلَّفة البعيدة الصَّعبة الغامضة ويقولون إنها هي المرادة! ويسمونها طريقة الخلف.
فصار هذا الباطل مركبًا من شيئين:
الأول: فساد العقل، فكيف يكون لفظ واضح المعنى في سياقه وشواهده، والآيات والأحاديث تؤيده وتدل على معناه، ثم تقولون: هذا غير مُراد، أو تقولون: إن الألفاظ كلها مجرَّدة من دون معنى!
فكل هذا فساد في العقل.
الثاني: الكفر بالسَّمع، وهو تكذيب للأدلة الشرعيَّة، والمقصود بالسمع: القرآن والسنة، وهو ما كان مسموعًا من الوحي؛ فهؤلاء جعلوا الأدلة السَّمعيَّة لا قيمة لها من جهة معاني أسماء الله وصفاته.
قال الشيخ: (فَإِنَّ اَلنَّفْيَ إِنَّمَا اِعْتَمَدُوا فِيهِ عَلَى أُمُورٍ عَقْلِيَّةٍ ظَنُّوهَا بَيِّنَاتٍ وَهِيَ شُبُهَاتٌ)، يعني اعتمدوا في نفي صفات الله على أشياء يتوهَّمونها، وهذا من أقوى البراهين في بطلان مذهب النُّفاة على درجاتهم.
فنقول: أعطونا آية يقول فيها الله: لا تؤمن بهذه الصِّفات ولا تقر بهذه الصِّفات، أعطونا حديثًا عن الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- يقول فيه: يا أيها المسمون لا تثبتوا لله هذه الصِّفات!
فلا تجد عندهم شيء! ولهذا كل المعول عندهم على العقل، يقولون: إن العقل يمنع من هذا.
نقول: عقلك أنت فاسد، وتصوراتك مغلوطة، فافهم طريقة السلف وسترى أنها موافقة للعقل، فصحح عقلك أولًا.
قال الشيخ: (وَالسَّمْعُ حَرَّفُوا فِيهِ اَلْكَلَامَ عَنْ مَوَاضِعِهِ)، فيأتون إلى أحاديث مكذوبة ويقولون: هذه لا يقبلها عقل! أو يأتون إلى أحاديث لم يفهموها على وجهها، فيفسرونها تفسيرات باطلة ويجعلونها المعول في النفي لجميع النصوص الشرعية.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (فَلَمَّا اِنْبَنَى أَمْرُهُمْ عَلَى هَاتَيْنِ اَلْمُقَدِّمَتَيْنِ الْكُفْرِيَّتَيْنِ كَانَتْ اَلنَّتِيجَةُ: اِسْتِجْهَالَ اَلْأَوَّلِينَ، وَاسْتِبْلاَهَهُمْ، وَاعْتِقَادَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا أُمِّيِّينَ، بِمَنْزِلَةِ اَلصَّالِحِينَ مِنْ اَلْعَامَّةِ، لَمْ يَتَبَحَّرُوا فِي حَقَائِقِ اَلْعَلَمِ بِاَللَّهِ، وَلَمْ يَتَفَطَّنُوا لِدَقَائِقِ اَلْعِلْمِ اَلْإِلَهِيِّ، وَأَنَّ اَلْخَلَفَ اَلْفُضَلَاءَ حَازُوا قَصَبَ اَلسَّبْقِ فِي هَذَا كُلِّهِ)}.
وهذا حقيقة وقد صرَّحوا به، فلما قرَّروا هذا الكلام صارَ من مؤدَّى هذا الكلام أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وخيار البشر بعد الأنبياء يجهلون هذه الأشياء؛ لأنهم لم يتكلموا بها، وإنما تكلم بها الخلف، وصاروا يعتقدون أن هؤلاء الأخيار الفضلاء أمِّيين، صالحين فيهم خير ويُجاهدون في سبيل الله، ونصروا الدين، وأسلموا مع الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وانتهى الموضوع ودخلوا الجنة، ولكن هذه الأمور ما يفهمونها، بل يفهمها هذا المتأخِّر بزعمهم!
والله إنَّ هذه الكلمة خطيرة وسوف يُسألون عنها يوم القيامة -نسأل الله العافية- فكم صدُّوا عن سبيل الله بهذا؟! وظنوا بالصَّحابَة هذا الظَّن؟!
إذًا الأمر خطير، وينبني على هذا تجهيل الصَّحابَة والسلف واستبلاههم، وقد قرأتُ هذا لبعض من تأثر بعلم الكلام المذموم، فهو لا يقول: إنهم جهَّال أو بلهاء؛ وإنما يقول: هؤلاء طيبون وفيهم خير وجاهدوا في سبيل الله، وهذه الأمور كانوا مشغولين عنها، وما توسَّعوا وما انشغلوا بها، وما كان لها أثر في حياتهم!
نقول: اعرف كلامك، فهذا كلام عن رب العالمين وعن صفاته وعن أفعاله، كيف ما عرفوها ولا فهموها!
وهذا في حدِّ ذاته يدلُّ على شدَّة خطر علم الكلام المذموم.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (ثُمَّ هَذَا اَلْقَوْلُ إِذَا تَدَبَّرَهُ اَلْإِنْسَانُ وَجَدَهُ فِي غَايَةِ اَلْجَهَالَةِ، بَلْ فِي غَايَةِ اَلضَّلَالَةِ، كَيْفَ يَكُونُ هَؤُلَاءِ اَلْمُتَأَخِّرِينَ -لَاسِيَّمَا وَالْإِشَارَةُ بِالْخَلَفِ إِلَى ضَرْبٍ مِنْ اَلْمُتَكَلِّمِينَ- اَلَّذِينَ كَثُرَ فِي بَابِ اَلدِّينِ اِضْطِرَابُهُمْ، وَغَلُظَ عَنْ مَعْرِفَةِ اَللَّهِ حِجَابُهُمْ، وَأَخْبَرَ اَلْوَاقِفُ عَلَى نِهَايَاتِ إِقْدَامِهِمْ بِمَا اِنْتَهَى إِلَيْهِ مِنْ مَرَامِهِمْ حَيْثُ يَقُولُ:

لَعَمْرِي لَقَدْ طُفْتُ اَلْمَعَاهِدَ كُلَّهَا ... وَسَيَّرْتُ طَرْفِي بَيْنِ تِلْكَ اَلْمَعَالِمِ
فَلَمْ أَرَ إِلَّا وَاضِعًا كَفَّ حَائِــرٍ ... عَلَى ذَقَنٍ أَوْ قَارِعًا سِنَّ نَادِـــــمِ)
}.

هذا التَّجهيل للصَّحابة والشَّهادة بأن المتأخرين هم الأفضل؛ هو غاية الضَّلالة، فكيف يكون المتأخرون أفضل من الصَّحابَة!
والإشارة بالمتأخرين ليس إلى الطائفة المنصورة أو أهل العلم بالحديث؛ إنما الإشارة إلى ضربٍ من المتكلمين معروفين عند الناس بأنهم أبعد الناس عن الكتاب والسنة، حتى عند أصحابهم، فأبو المعالي الجويني يُجمعون على أنَّه لا يُؤخَذ بترجيحاته ولا بأقواله في الفقه الشافعي -مع أنه شافعي- وكذلك الرازي والغزالي والشهرستاني، فهؤلاء من علماء الكلام، ويشيرون إليهم في مدحهم والثناء عليهم، وهم في هذه المقامات لا يؤخَذ بأقوالهم، ولا يُعرَف عنهم الاشتغال بالحديث، بل إن الرازي يصف البخاري ومسلمًا بأن الملاحدة روَّجوا عليهم بعضَ الأحاديث فرووها! فهذا لا يدري ما يقول، ولا يعرف مَن هو البخاري، ولا يعرف طريقة أهل الحديث، وأقل ما نقول فيهم: إنهم يجهلون تمامًا طرق أهل العلم.
ثم يأتي ويقول: هؤلاء هم المرجع، وهم مَن حازوا قصْبَ السَّبق!
قال الشيخ: (كَثُرَ فِي بَابِ اَلدِّينِ اِضْطِرَابُهُمْ، وَغَلُظَ عَنْ مَعْرِفَةِ اَللَّهِ حِجَابُهُمْ، وَأَخْبَرَ اَلْوَاقِفُ عَلَى نِهَايَاتِ إِقْدَامِهِمْ بِمَا اِنْتَهَى إِلَيْهِ مِنْ مَرَامِهِمْ حَيْثُ يَقُولُ:

لَعَمْرِي لَقَدْ طُفْتُ اَلْمَعَاهِدَ كُلَّهَا ... وَسَيَّرْتُ طَرْفِي بَيْنِ تِلْكَ اَلْمَعَالِمِ
فَلَمْ أَرَ إِلَّا وَاضِعًا كَفَّ حَائِــرٍ ... عَلَى ذَقَنٍ أَوْ قَارِعًا سِنَّ نَادــــــِمِ)
.

وهذه الأبيات تنسَب للشهرستاني.
فقوله: "لَعَمْرِي لَقَدْ طُفْتُ اَلْمَعَاهِدَ كُلَّهَا" يعني: ذهبتُ إلى المدارس التي يدرسون فيها العلم.
قوله: "وَسَيَّرْتُ طَرْفِي بَيْنِ تِلْكَ اَلْمَعَالِمِ"، يعني أطلقتُ نظري.
وهو يقصد معاهد ومدارس المتكلمين، ويقول: إنهم حيارى ومتهوِّكون ونادمون.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَأَقَرُّوا عَلَى نُفُوسِهِمْ بِمَا قَالُوهُ مُتَمَثِّلِينَ بِهِ أَوْ مُنْشِئِينَ لَهُ فِيمَا صَنَّفُوهُ مِنْ كُتُبِهِمْ كَقَوْلِ بَعْضِ رُؤَسَائِهِمْ:

نِهَايَةُ إِقْدَامِ اَلْعُقُــــــــولِ عِقَـــــــالُ ... وَأَكْثَرُ سَعْيِ اَلْعَالَمِيـــنَ ضَلَالُ
وَأَرْوَاحُنَا فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِنَا ... وَغَايَةُ دُنْيَانَـــا أَذًى وَوَبَــــــالُ
وَلَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمْرِنَا ... سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلَ وَقَالُوا

يقول: لَقَدْ تَأَمَّلْتُ اَلطُّرُقَ اَلْكَلَامِيَّةَ، وَالْمَنَاهِجَ اَلْفَلْسَفِيَّةَ، فَمَا رَأَيْتُهَا تَشْفِي عَلِيلًا، وَلَا تَرْوِي غَلِيلًا، وَرَأَيْتُ أَقْرَبَ اَلطُّرُقِ طَرِيقَةَ اَلْقُرْآنِ.
أَقْرَأُ فِي اَلْإِثْبَاتِ ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 5]، ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: 10]، وَأَقْرَأُ فِي اَلنَّفْيِ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: 11]، ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمً﴾ [طه: 110]، وَمَنْ جَرَّبَ مِثْلَ تَجْرِبَتِي عَرَفَ مِثْلَ مَعْرِفَتِي.
وَيَقُولُ اَلْآخَرُ مِنْهُمْ: وَلَقَدْ خُضْتُ اَلْبَحْرَ اَلْخِضَمَّ، وَتَرَكْتُ أَهْلَ اَلْإِسْلَامِ وَعُلُومَهُمْ، خُضْتُ فِي اَلَّذِي نَهَوْنِي عَنْهُ، وَالْآنَ إِنْ لَمْ يَتَدَارَكْنِي رَبِّي بِرَحْمَةٍ مِنْهُ فَالْوَيْلُ لِفُلَانٍ، وَهَا أَنَا ذَا أَمُوتُ عَلَى عَقِيدَةِ أُمِّي.
وَيَقُولُ اَلْآخَرُ مِنْهُمْ: أَكْثَرُ اَلنَّاسِ شَكًّا عِنْدَ اَلْمَوْتِ أَصْحَابُ اَلْكَلَامِ)
}.
هذه النُّقول معروفة وموجودة في كتب هؤلاء.
النَّقل الأول عن الشهرستاني، وهو من علماء الكلام، ومعروف بأنه مشى على طريقة المتكلمين.
النَّقل الثاني وهي الأبيات المذكورة، فإنَّهم تمثَّلوا بها، والمتكلم بهذا هو فخر الدين الرازي، وهذا الكلام نسبه إليه أتباعه والمعجبون به، وذكر المحقق هنا الدكتور محمد التويجري، فقال: "انظر طبقات الشافعية للسبكي"، والسبكي من المعجبين بطريقة أهل الكلام والسائرين عليها.
وذكر أهل العلم أنَّ هذا في أول كتابٍ له اسمه "أقسام اللذات"، فذكر ذلك في المقدمة، وذُكر أنه لم يُطبَع بعد.
والرازي من علماء الأشاعرة، بل هو العمدة عند الأشاعرة المتأخرين، وخالف الطبقة الثانية من الأشاعرة في أشياء، وزاد انحرافًا، وخالف هو والطبقة الثانية من الأشاعرة الطبقة الأولى من الأشاعرة، فأبو الحسن الأشعري ليس مثل هؤلاء.
يقول الرازي:

نِهَايَةُ إِقْدَامِ اَلْعُقــــــُولِ عِقَـــــــــالُ ... وَأَكْثَرُ سَعْيِ اَلْعَالَمِينَ ضَـــلَالُ
وَأَرْوَاحُنَا فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِنَا ... وَغَايَةُ دُنْيَانَا أَذًى وَوَبَــــــــــالُ
وَلَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمْرِنَا ... سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلَ وَقَالُوا
فَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا مِنْ رِجَـــــالٍ وَدَوْلَةٍ ... فَبَادُوا جَمِيعًا مُسْرِعِيـنَ وَزَالُوا
وَكَمْ مِنْ جِبَالٍ قَدْ عَلَتْ شُرُفَاتِهَــا ... رِجَالٌ، فَزَالُوا وَالْجِبَالُ جِبَـــالُ

ثم قال الرازي: "لَقَدْ تَأَمَّلْتُ الطُّرُقَ الْكَلَامِيَّةَ، وَالْمَنَاهِجَ الْفَلْسَفِيَّةَ، فَمَا رَأَيْتُهَا تَشْفِي عَلِيلًا، وَلَا تُرْوِي غَلِيلًا".
الحمد لله! شهد شاهدٌ من القوم على فساد هذه الطرق الكلامية والمناهج الفلسفيَّة، وقد تبحَّر فيها وكتب فيها وألَّف فيها.
قال: "وَرَأَيْتُ أَقْرَبَ الطُّرُقِ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ، اقْرَأْ فِي الْإِثْبَاتِ: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طَهَ: 5]، وقوله: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فَاطِرٍ: 10]. وَاقْرَأْ فِي النَّفْيِ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشُّورَى: 11]، ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمً﴾ [طَهَ: 110]، وَمَنْ جَرَّبَ مِثْلَ تَجْرِبَتِي عَرَفَ مِثْلَ مَعْرِفَتِي".
فهذا اعتراف مهم ونصٌّ جيد، يُبيِّن لنا أن هذا الرجل ندم في آخر حياته، وأنَّه على ما قدَّم لم يروِ غليلَه ولم يشفِ عليله.
يقول الرازي في طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: "وأقول من صميم القلب، ومن داخل الروح، إني مُقر بأنَّ كل ما هو الأكمل والأفضل والأعظم والأجل فهو لك، وكل ما هو عيبٌ ونقصٌ فأنت منزَّهٌ عنه".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تعليقه على هذا النَّص: "وهو صادقٌ فيما أخبر به، أنه لم يستفد من بحوثه في الطُّرق الكلاميَّة والفلسفة سوى أجمع قيلَ وقالوا، وأنه لم يجد فيها ما يشفي عليلًا ولا يروي غليلًا، فإنَّ مَن تدبَّر كتبه كلها لم يجد فيها مسألة واحدة من مسائل أصول الدين موافقة للحقِّ الذي يدل عليه المنقول والمعقول، بل يذكر في المسألة عدَّة أقوال، والقول الحق لا يعرفه فلا يذكره"، منهاج السنة لابن تيمية، المجلد الخامس، ص: 272.
فهذا النص مُهم جدًّا؛ لأنَّ الرازي يعتد به كل المتأخرين من الأشاعرة، وله كتاب اسمه: "تأسيس التقديس"، في مقدمته يمدح أرسطو، ويقول فيما معناه: "من أراد أن ينظر في المعارف الإلهيَّة فليمحُ الفطرة"، ثم قال: "وهذا كلام أرسطو موافق للوحي والنبوة". ثم في وسط الكتاب يتكلم عن البخاري ومسلم بما يدل على أن الملاحدة روَّجوا عليهم أحاديث!
ولهذا ألَّف ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- كتابًا عظيمًا اسمه "نقض تأسيس الجهميَّة"، ونقض هذا الكتاب نقضًا عظيمًا وأبطله، فرحم الله ابن تيمية، وهذا الكتاب كبير في الرد على مَن ضلَّ في هذا المقام.
وهذا كلام الرازي شاهد على فساد طريقة أهل الكلام، وكذلك الشهرستاني.
ثم نقل الشيخ كلام أبي المعالي الجويني -وهو إمام الحرمين- فقال: (وَلَقَدْ خُضْتُ اَلْبَحْرَ اَلْخِضَمَّ)، أي: دخلت في العلوم الكلاميَّة والفلسفية وتغوَّصْتُ في هذه الأشياء.
قال: (وَتَرَكْتُ أَهْلَ اَلْإِسْلَامِ وَعُلُومَهُمْ، وخُضْتُ فِي اَلَّذِي نَهَوْنِي عَنْهُ)، يعني: أهل العلم ينهون عن علم الفلسفة وعلم الكلام، والخوض فيما لا يعني، والنظر في كتب أهل الباطل؛ لأن الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- يقول: «إذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ما تَشَابَهَ منه، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ» ، ويقول -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ، مِمَّا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ» ، لِمَا معه من الشبهات، والرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- يقول: «تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين شعبة، كلهم في النار إلا واحدة» . قالوا: يا رسول، من هي؟ فقال: «من كان على مثل ما أنا عليه أنا واصحابي»، ولم يقل لهم: اعرفوا هذه الفرق، وماذا قالوا، وماذا اعتقدوا، وكيف قالوا، ولماذا قالوا!
فأهم شيء أن تعرف الحق، وتعرف طريقة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- والصَّحابَة، وطريقة أهل السنة والجماعة.
وَلَمَّا نظر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- إلى عمر وكان بيده صحيفة من التوراة، فما قال له: وسِّع ثقافتك، وزدْ في علمك، ولا بأس؛ بل أنكرَ علهي النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- بشدَّة، وقال: «أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ»، أي: أمتحيِّرٌ ومتشكِّك يا ابن الخطاب؟ قال: « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا، مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي» ، وفي رواية: « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي»، وفي رواية ثالثة: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَصْبَحَ مُوسَى فِيكُمْ ثُمَّ اتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ». فقال عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- نبيا"، فهذا هو الواجب على كل مسلم، أمَّا أن نشغل أنفسنا بضلالات المتفلسفة، وماذا قال الفيلسوف الفلاني، وماذا قال الضَّال الفلاني...؛ فلا، إلَّا احتيج إلى ذلك من أهل العلم للرد عليهم، فينبري لذلك طائفة من المتخصصين المؤهَّلين المأمونين، العارفين بالكتاب والسنة، فهذا لا بأس به لأنه من الجهاد في سبيل الله.
قال الجويني: "وَالْآنَ إِنْ لَمْ يَتَدَارَكْنِي رَبِّي بِرَحْمَةٍ مِنْهُ فَالْوَيْلُ لِفُلَانٍ"، يقصد أبا المعالي.
قال: "وَهَا أَنَا ذَا أَمُوتُ عَلَى عَقِيدَةِ أُمِّي"، هذا النص ذُكر في ترجمة الجويني، وفي نصٍّ آخر يقول: "أموت على عقيدة عجائز نيسابور".
والمقصود من هذا: أن كبار السن من عوام المسلمين يسمعون الآيات ويسمعون الأحاديث عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- فيستقر في قلوبهم الحق الموافق للفِطَر، إن لم يأتِ أحد يُشوِّه هذه الفِطرة ببدع وضلالات وشركيَّات وخرافات، فإذا سلموا من ذلك فإنهم يبقون على هذه الفطرة، وغالبًا أن أبا المعالي وأمثاله وعلماء الكلام ما يجلسون مع عامَّة الناس ولا يتقبَّلهم عوام الناس لصعوبة كلامهم وانزعاجهم من هذه التفصيلات الشَّديدة والتَّحريفات، وبعدهم عن المعنى الواضح السهل الذي في الكتاب والسنة، ولهذا فإن عوام المسلمين -ولله الحمد- الذين يُظن أن المذهب الأشعري ينتشر بينهم؛ تجدهم بما سمعوه من الآيات والأحاديث يستقر في قلوبهم الحق والفطرة، فلا يكن لهذا الكلام الفلسفي أثر كبير على العوام.
إذًا قوله: "وَهَا أَنَا ذَا أَمُوتُ عَلَى عَقِيدَةِ أُمِّي"، ليس معناه أن أموت على الجهل، إنَّما على عقيدة الفطرة والتسليم والقبول للكتاب والسنة.
وبعض المشتغلين بالعلم من هؤلاء لا يتقبَّل ما يُقرِّره هو بنفسه، وأذكر لك قصَّة وقعت مع ابن تيمية في هذا المقام:
كان أحد الأشاعرة مِمَّن يُنكر علو الله على خلقه، فيقول: الله ليس فوق العالم وليس فوق العرش.
يقول ابن تيمية: فنصحته فلم يرجع، فجاءني مرة لحاجة، فأخَّرته عمدًا حتى تبرَّم وضاق، ثم رفع رأسه وقال: يا الله! فقلت له: لماذا ترفع رأسك؟ ما من شيء فوقك، فأنت تقول: إن الله ليس فوق العالم! فدُهِشَ، فنصحته وقرأت عليه الآيات والأحاديث، فتاب من ساعته ورجع إلى أهل السنة والجماعة. والحمد لله رب العالمين.
واقرأ كتاب "اجتماع الجيوش الإسلامية" فإنَّ فيه فوائد كثيرة.
قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَيَقُولُ اَلْآخَرُ مِنْهُمْ: أَكْثَرُ اَلنَّاسِ شَكًّا عِنْدَ اَلْمَوْتِ أَصْحَابُ اَلْكَلَامِ)، وهذا القول يُنسَب إلى الخونجي، صاحب "كشف الأسرار" في المنطق، وذُكر عن الآمدي هذا أيضًا.
وكثير من علماء الكلام -بل من حذَّاقهم- يندمون على إضاعة أوقاتهم في هذا العلم الفاسد والضار.
ورحم الله الشافعي عندما قال: "حكمي في أهل الكلام: أن يُضرَبوا بالجريد والنعال، ويُطاف بهم في العشائر والأسواق، ويُقال: هذا جزاء مَن أعرض عن الكتاب والسنَّة وأقبل على علم الكلام".
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (ثُمَّ هَؤُلَاءِ اَلْمُتَكَلِّمُونَ اَلْمُخَالِفُونَ لِلسَّلَفِ إِذَا حُقِّقَ عَلَيْهِمْ اَلْأَمْرُ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُمْ مِنْ حَقِيقَةِ اَلْعِلْمِ بِاَللَّهِ وَخَالِصِ اَلْمَعْرِفَةِ بِهِ خَبَرٌ.
وَلَمْ يَقِفُوا مِنْ ذَلِكَ عَلَى عَيْنٍ وَلَا أَثَرٍ، كَيْفَ يَكُونُ هَؤُلَاءِ اَلْمَحْجُوبُونَ الْمَنْقُوصُونَ اَلْمَسْبُوقُونَ اَلْحَيَارَى اَلْمُتَهَوِّكُونَ أَعْلَمَ بِاَللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَأَحْكَمَ فِي بَابِ آيَاتِهِ وَذَاتِهِ مِنْ اَلسَّابِقِينَ اَلْأَوَّلِينَ مِنْ اَلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَاَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ، مِنْ وَرَثَةِ اَلْأَنْبِيَاءِ وَخُلَفَاءِ اَلرُّسُلِ، وَأَعْلَامِ اَلْهُدَى وَمَصَابِيحِ اَلدُّجَى، اَلَّذِينَ بِهِمْ قَامَ اَلْكِتَابُ وَبِهِ قَامُوا، وَبِهِمْ نَطَقَ اَلْكِتَابُ وَبِهِ نَطَقُوا، اَلَّذِينَ وَهَبَهُمْ اَللَّهُ مِنْ اَلْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ مَا بَرَزُوا بِهِ عَلَى سَائِرِ أَتْبَاعِ اَلْأَنْبِيَاءِ، فَضْلًا عَنْ سَائِرِ اَلْأُمَمِ اَلَّذِينَ لَا كِتَابَ لَهُمْ، وَأَحَاطُوا مِنْ حَقَائِقِ اَلْمَعَارِفِ وَبَوَاطِنِ اَلْحَقَائِقِ بِمَا لَوْ جُمِعَتْ حِكْمَةُ غَيْرِهِمْ إِلَيْهَا لَاسْتَحْيَا مَنْ يَطْلُبُ اَلْمُقَابَلَةَ.
ثُمَّ كَيْفَ يَكُونُ خَيْرُ قُرُونِ اَلْأُمَّةِ أَنْقَصَ فِي اَلْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ-لَاسِيَّمَا اَلْعِلْمِ بِاَللَّهِ وَأَحْكَامِ آيَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ- مِنْ هَؤُلَاءِ اَلْأَصَاغِرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ أَمْ كَيْفَ يَكُونُ أَفْرَاخُ اَلْمُتَفَلْسِفَةِ وَأَتْبَاعُ اَلْهِنْدِ وَاَلْيُونَانِ، وَرَثَةُ اَلْمَجُوسِ وَالْمُشْرِكِينَ وَضُلَّالُ اَلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ وَأَشْكَالُهُمْ وَأَشْبَاهُهُمْ، أَعْلَمَ بِاَللَّهِ مِنْ وَرَثَةِ اَلْأَنْبِيَاءِ وَأَهْلِ اَلْقُرْآنِ وَالْإِيمَانِ !.
وَإِنَّمَا قَدَّمْتُ هَذِهِ اَلْمُقَدِّمَةَ لِأَنَّ مَنْ اِسْتَقَرَّتْ هَذِهِ اَلْمُقَدِّمَةُ عِنْدَهُ عَلِمَ طَرِيقَ اَلْهُدَى أَيْنَ هُوَ فِي هَذَا اَلْبَابِ وَغَيْرِهِ، وَعَلِمَ أَنَّ اَلضَّلَالَ وَالتَّهَوُّكَ إِنَّمَا اِسْتَوْلَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ اَلْمُتَأَخِّرِينَ بِنَبْذِهِمْ كِتَابَ اَللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَإِعْرَاضِهِمْ عَمَّا بَعَثَ اَللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- مِنْ اَلْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، وَتَرْكِهِمْ اَلْبَحْثَ عَنْ طَرِيقِ اَلسَّابِقِينَ وَالتَّابِعِينَ وَالْتِمَاسِهِمْ عِلْمَ مَعْرِفَةِ اَللَّهِ مِمَّنْ يَعْرِفُ اَللَّهَ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلِشَهَادَةِ اَلْأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَبِدَلَالَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَلَيْسَ غَرَضِي وَاحِدًا وَإِنَّمَا أَصِفُ نَوْعَ هَؤُلَاءِ، وَنَوْعَ هَؤُلَاءِ)
}.
هذا الكلام مثل الخاتمة لما سبق، ويتعجَّب النَّاظر في حال هؤلاء المنتسبين لعلم الكلام الذين خالفوا السلف الصالح، والذين يعترف كبارهم في آخر حياتهم بجهلهم، بل تجد الواحد منهم يُمدَح فيقول: مات والبخاري على صدره؛ كأنه رجع عن كتب أهل الكلام وصار يرجع إلى هذه الأحاديث، فكيف تُقدِّم هذا على مَن كانت حياته كلها في الكتاب والسنَّة؟!
ثم يقول الشيخ: إنهم إذا حُقِّقَ عليهم الأمر وفُحِصُوا ونُظِرَ في كلامهم بالدِّقةِ البالغة تجد أنَّهم ليس عندهم معرفة بالله ولا علم بالله، وليس عندهم في ذلك لا عين ولا أثر ولا شيء يُفيد النَّاظر، فكل تقريراتهم ضعيفة بعيدة.
فهؤلاء إذا أرادوا أن يَدلوا الناس على الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فيأتون إلى طُرق وأدلَّة -دليلين أو ثلاثة- إذا لم تفهمها لن تدخل الإسلام كما ينبغي، وبعضهم يقول: أنت مقلِّد! وهذه الطُّرق وعرة وصعبة، ثم إن هذه الطُّرق هم يدخلون الشُّكوك عليها، يقولون: فإن قيل كذا...، فإن قيل كذا...؛ فهذا أدل شيء على بُعد هذا المنهج عن الصواب.
فعلماء الكلام يقولون: لا يصلح إيمانك إلا إذا أتيت عندنا!
وهل عندكم آيات وأحاديث، وكلام الله وكلام رسوله؟
لا؛ بل يقولون لك: خذْ الدليل الأول، وهذا الدليل عليه ثلاث إيرادات، الإيراد الأول كذا...، والإيراد الثاني كذا...، فإذا لم تفهم الأدلة فأنت مُقلِّد، وإيمان المقلِّدين مشكوك فيه!
أيشٍ هذا! نحن في غنى عنكم وعن كلامكم، نحن عندنا الكتاب والسنة ومنهج الصَّحابَة، فما أحدثوا هذه المحدثات، وما ابتدعوا هذه المبتدعات.
فهؤلاء يقول الشيخ عنهم: (كَيْفَ يَكُونُ هَؤُلَاءِ اَلْمَحْجُوبُونَ الْمَنْقُوصُونَ اَلْمَسْبُوقُونَ اَلْحَيَارَى اَلْمُتَهَوِّكُونَ)، فهو نفسه يشك في الله، فهذا الآمدي يصرِّح بانه يشك في الله، حارَ لأنه اشتغل بعلم الكلام المذموم.
وهذه نصيحة أوجهها لكل مسلم: أن يحذر من علم الكلام ومن الفلسفة، وأن يحذر من هذه البدع المضلَّة، وأن لا يلتفت إلى من يُغريه بها، فهؤلاء الذين يغرونك بها سوف يضيعون حياتك، فعليك بالكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة، وتلقَّ العلم عن الراسخين من أهل العلم، وأبشر بخير، فكنْ مع أهل السنة والتوحيد الخالص لله رب العالمين، فكيف تفضِّل طريقة هؤلاء الحيارى المتهوِّكون والمتشكِّكون؟! أم كيف تقول: إن هؤلاء أعلم بالله وبأسمائه وبصفاته وأحكام شرعه وأحكام دينه من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتَّبعوهم بإحسان، والشيخ يصفهم ويقول: (مِنْ وَرَثَةِ اَلْأَنْبِيَاءِ وَخُلَفَاءِ اَلرُّسُلِ، وَأَعْلَامِ اَلْهُدَى وَمَصَابِيحِ اَلدُّجَى)، أي: مصابيح في الظُّلمات، أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ، الذين بهم قام الكتاب، فلولا أنهم حفظوا القرآن ما وصل إلينا، وقاموا به أحسن قيامٍ وامتثلوه، فأقوم الناس بكتاب الله هم الصَّحابَة.
قال: (وَبِهِمْ نَطَقَ اَلْكِتَابُ وَبِهِ نَطَقُو)، نطق بهم الكتاب لأن الخطاب الذي جاء في القرآن من قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُو﴾ ، فالخطاب للصحابة أولًا ثم للأمَّة، وفي قوله تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ [الفتح: 29]، فالصَّحابَة يدخلون في معيَّته، فهؤلاء نطق الكتاب بهم وسمَّاهم، فكيف نتركهم ونذهب لكم أيها المتكلمون وأيها الفلاسفة! فهل نعرض عن الصَّحابَة ونأخذ كلامكم أنتم؟!
قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (اَلَّذِينَ وَهَبَهُمْ اَللَّهُ مِنْ اَلْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ مَا بَرَزُوا بِهِ عَلَى سَائِرِ أَتْبَاعِ اَلْأَنْبِيَاءِ)، ولله الحمد، فإنَّ أفضل الخلق هم الرسل والأنبياء، وأفضل الناس بعد الأنبياء والرسل هم أتباعهم، وأفضل أتباع الأنبياء هم أصحاب محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- ورضي اللهم عنهم.
يقول: (فَضْلًا عَنْ سَائِرِ اَلْأُمَمِ اَلَّذِينَ لَا كِتَابَ لَهُمْ)، فهناك أمم ليس لهم كتب معروفة، فأفضل الأمم هي الأمم التي لها كتاب، وأفضلها أمَّة محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ-، فلا مُقارنة بينهم وبين الأمم التي ليس لها كتاب، ومع ذلك تجد بعض الشباب والشابات ينغرُّون بعلوم هؤلاء الوثنيين في الهند أو في اليابان، أو في تايلاند، وتُروَّج لهم بأسماء جديدة! فلا مقارنة بين ما جاء به الصَّحابَة وما كانوا عليهم فيما عليه هؤلاء.
قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَأَحَاطُوا مِنْ حَقَائِقِ اَلْمَعَارِفِ وَبَوَاطِنِ اَلْحَقَائِقِ بِمَا لَوْ جُمِعَتْ حِكْمَةُ غَيْرِهِمْ إِلَيْهَا لَاسْتَحْيَا مَنْ يَطْلُبُ اَلْمُقَابَلَةَ.
ثُمَّ كَيْفَ يَكُونُ خَيْرُ قُرُونِ اَلْأُمَّةِ أَنْقَصَ فِي اَلْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ -لَاسِيَّمَا اَلْعِلْمِ بِاَللَّهِ وَأَحْكَامِ آيَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ- مِنْ هَؤُلَاءِ اَلْأَصَاغِرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ)
، وصف أهل البدع بالأصاغر.
قال: (أَمْ كَيْفَ يَكُونُ أَفْرَاخُ اَلْمُتَفَلْسِفَةِ)، وصدق الشيخ في وصفهم، فكلامهم موجع للقلوب عندما يصرفون الناس عن الكتاب والسُّنَّة.
يقول: أنت تُقدِّم فرخًا من أفراخ المتفلسفة الضالة المنحلَّة، يقول سيدهم أرسطو أنه ليس ثَم إله، وهو نفسه يعبد أوثانًا، وتخرجوا على فلسفته، وجاء ابن سينا وسوَّغها وروَّجها لهم، وعطَّرها الفرابي وأمثاله؛ ثم جئتم تسوقونها وتلبسونها! فعشتم في هذه العشش الضَّالَّة، فأنتم أفراخًا من أفراخ المتفلسفة.
قال: (وَضُلَّالُ اَلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ وَأَشْكَالُهُمْ وَأَشْبَاهُهُمْ، أَعْلَمَ بِاَللَّهِ مِنْ وَرَثَةِ اَلْأَنْبِيَاءِ وَأَهْلِ اَلْقُرْآنِ وَالْإِيمَانِ!)، هؤلاء الذين تربوا على هذه المناهج الفاسدة أعلم من الصَّحابَة، وأعلم من ورثة الأنبياء وأهل القرآن والإيمان؟!
فمن يستمع إلى هذا الكلام يُدرك الحق، ومن أراد الحق فهو باتِّباع محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وما جاء به ومَن كان على منهاجه ومَن سارَ عليه، أمَّا هذا المنهج الفاسد فلا.
قال الشيخ: (وَإِنَّمَا قَدَّمْتُ هَذِهِ اَلْمُقَدِّمَةَ لِأَنَّ مَنْ اِسْتَقَرَّتْ هَذِهِ اَلْمُقَدِّمَةُ عِنْدَهُ)، يعني فهمها جيدًا.
قال: (عَلِمَ طَرِيقَ اَلْهُدَى أَيْنَ هُوَ فِي هَذَا اَلْبَابِ وَغَيْرِهِ، وَعَلِمَ أَنَّ اَلضَّلَالَ وَالتَّهَوُّكَ إِنَّمَا اِسْتَوْلَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ اَلْمُتَأَخِّرِينَ بِنَبْذِهِمْ كِتَابَ اَللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَإِعْرَاضِهِمْ عَمَّا بَعَثَ اَللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- مِنْ اَلْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى)، وأقبلوا على مَن أقرَّ على نفسه بالجهل وبالضَّلال، وأقر علماء الأمَّة عليه بالانحراف، وبدلالات كثيرة في كتبه يُقر على نفسه بهذا.
ثم يقول الشيخ: أنا لا أقصد الرازي أو أقصد فلانًا؛ وإنما أصف الطريق الفلسفي وأصف الطريق النبوي السلفي السنِّي، وأمَّا المتساقطون في طريق الكلام فكثير، ولكن هذه أمثلة، فقال: (وَلَيْسَ غَرَضِي وَاحِدًا وَإِنَّمَا أَصِفُ نَوْعَ هَؤُلَاءِ، وَنَوْعَ هَؤُلَاءِ)، فطريق أهل الكلام وأهل الفلسفة ليس هو مصدر التَّلقِّي، ولا هو الطريق المحمود؛ بل هو طريق مذموم.
بهذا نكون قد وصلنا إلى موقفٍ جيد ونختم به هذه الحلقة، ونكمل في درسٍ جديدٍ -إن شاء الله تعالى.
{جزاكم الله خيرًا شيخنا الفاضل على ما قدَّمتم، كما أشكر السَّادة المشاهدين على طيب المشاهدة والمتابعة، متمنِّيًا للجميع التوفيق والسَّداد، وإلى حلقةٍ قادمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك