الدرس الحادي عشر

سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ

إحصائية السلسلة

10468 11
الدرس الحادي عشر

كتاب لمعة الاعتقاد

{الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات، في درسٍ من دروس العقيدة وهو شرح كتاب "لمعة الاعتقاد"، للإمام الموفق ابن قدامة -رحمه الله تعالى.
ومع شرح سماحة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حفظه الله تعالى.
مرحبًا بكم سماحة الشيخ}.
حياكم الله.
{كنا -أحسن الله إليكم- قد توقفنا عند قول المصنف: (وَالْمُؤْمِنُونَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ بِأَبْصَارِهِمْ وَيَزُورُونَهُ, وَيُكَلِّمُهُمْ, وَيُكَلِّمُونَهُ)}.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللَّهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين، وبعد.
هذا المقطع مفصلٌ في بيان رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة.
اتفق أهل السنة والجماعة على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة عيانًا، يرونه كما دلَّ عليه الكتاب والسنة، رؤيةً حقيقيةً بصريةً، لا إشكال فيها، دلَّ عليها الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
وهي أعلى نعيم أهل الجنة، أعلى نعيمهم وأشرفه وأجله وأعظمه رؤية ربهم -جلَّ وعلَا، فإنها أعلى النعم.
ولهذا نقول: جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يُنادِي منادٍ يقول القيامة:
 
يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدًا لن يخلفه، قالوا: ألم يبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة، وينجينا من النار؟
قال: بلى، فيكشف الحجاب، فينظرون وجه الله، فما أُعطي أهل الجنة نعيمًا أفضل من هذا النعيم.
فهذا يثبت الرؤية الحقيقة لله -جلَّ وعلَا، وأنها من نعم الله، وأنها أعظم نعمةٍ أنعم الله بها على عباده المؤمنين يوم القيامة.
 
{قوله: (وَيَزُورُونَهُ)}.
ويزورونه، جاء في حديث ابن مسعود أنَّ المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة، وأن أقربهم إلى الله منزلةً أقربهم إلى الحضور يوم الجمعة، قال ابن مسعود لما دخل المسجد، ورأى ثلاثة نفرٍ، قال: وما رابع أربعةٍ ببعيدٍ، فسمعت النبي يقول: «يدنو المسلمون من ربهم يوم القيامة على قدر قربهم من الإمام».
{هذا لا يُقال من قِبَل الرأي أحسن الله إليكم}.
نعم.
{قال: قال الله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: 23]}.
هذه الآية ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ دليلٌ على رؤيتهم الرب يوم القيامة؛ لأنه قال: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَ﴾ فعدَّه بـ "إلى" يدل على أنها رؤيةٌ حقيقيةٌ، ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَ﴾ أي: تنظر إلى ربها نظرًا حقيقيًّا لا إشكال فيه، ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ أي: بهيةٌ، تدل على البهاء والحسن والجمال، من رؤية ربها -جلَّ وعلَا، والوجه معه العينان.
فدل ذلك على أن الرؤية حقيقيةٌ، لا إشكال فيها، ويزدادون سرورًا بعد النظر إلى وجه الله الكريم، فيزدادون حسنًا وسرورًا.
 
{قال: (قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين: 15])}.
يقول الله -جلَّ وعلَا- في "المطففين" في حق الكافرين: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾ أي: أنهم يوم القيامة عند ربهم محجوبون، ولا يرون الله، ولا ينظرون إليه عقوبةً لهم، كما في الآية: ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: 174]، ﴿وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 77]، فهم محجوبون عن رب العالمين، لا يرونه، فإذا حُجِبَ الكفار عقوبةً لهم، دل مفهومه على أن المؤمنين يرون ربهم، وهذا فهم الصحابة، وقد دلت السنن على هذا، أن الكفار عوقبوا بحجبهم عن رؤية الله، إذن فغيرهم من المؤمنين يُسَرُّون بالنظر إلى وجه الله، وحُجِبَ الكفار عنها لرغبتهم عن عن الله، ومُنحها المؤمنون يوم القيامة، ليسروا بها كل صباح ومساء.
 
{قال: (فَلَمَّا حَجَبَ أُولَئِكَ فِي حَالِ اَلسُّخْطُ، دَلَّ عَلَى أَنَّ اَلْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ فِي حَالِ اَلرِّضَى، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ)}.
لما حُجب الكفار من العقوبة عليهم، دَلَّ على أنَّ المؤمنين يرونه، عكسهم، لأنهم يسرون بهذه الرؤية، ولأن الكفار حُجبوا، فالمؤمنون غير محجوبين، بل ينظرون إلى ربهم -جلَّ وعلَا-، قال الله -جلَّ وعلَا: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: 26]، وقال: ﴿لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [ق: 35] أي: النظر إلى وجه الله -جلَّ وعلَا.
{(وكذلك قوله تعالى: ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ﴾ [المطففين: 23])}.
من النظر إلى وجه الله -جلَّ وعلَا.
{ثم قال -أحسن الله إليكم: (وَقَالَ اَلنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا اَلْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ»، حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)}.
يقول -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا اَلْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ»، هذا حديثٌ صحيحٌ، من الأحاديث الثابتة، في رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة، إنكم ترون ربكم، إنكم على التأكيد، سترون ربكم تأكيدٌ ثانٍ، عيانًا أي لا إشكال فيه، بل رؤيةٌ حقيقيةٌ، لا علميةٌ كما يقول أهل البدع والضلال.
{قال: (وَهَذَا تَشْبِيهٌ لِلرُّؤْيَةِ بالرؤية، لَا لِلْمَرْئِيّ بالمرئي، فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى لَا شَبِيهَ لَهُ، وَلَا نَظِيرَ)}.
نعم، شبَّه الرؤية بالرؤية، يعني شبَّه وضوح نظرهم لوجه الله كوضوح القمر ليلة البدر وهم في الدنيا، فكما أن القمر ليلة البدر قُوُّته وإضاءته، فكذلك من ينظرون إلى ربهم، كما ينظرون إلى القمر، لا يجتمعون، بل كلٌّ يراه في مكانه، بغير مشقةٍ تلحقهم، لا يضامون في رؤيته، ولا يجتمعون على ذلك، بل هو أمرٌ واسعٌ لهم، وهم في أماكنهم في غرفهم، والأحاديث متواترةٌ جاءت في السنة، وجمعها الدارقطني في كتاب "الرؤية" بأسانيدها جميعًا، وليس مع المخالفين له أي دليلٍ يأتون به، إنما التكلف والتنطع، وانتحال الشُّبه الباطلة، فليس معهم أي دليلٍ.
{الآن أنكر رؤية المؤمنين ربهم طائفتان}.
أهل السنة بإجماعهم أن المؤمنين يرون ربهم، وأن الرؤية حقيقيةٌ لا إشكال فيها، أما مخالفهم من أهل البدع، الجهمية، والمعتزلة، أنكروا هذه الرؤية، وقالوا: إن الله يقول لموسى: ﴿لَن تَرَانِي﴾، ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي﴾ [الأعراف: 143]، وقالوا: لو أثبتنا الرؤية لأثبتنا له جهةً، وهذا من الأمثلة التي عندهم، وكلها باطلةٌ، ويردها السنة، بل ثبت في السنة، النظر إلى الله -جلَّ وعلَا- في الدار الآخرة، ولكن يُحجب عنها هؤلاء الضالون المضلون.
أما الأشاعرة، فهم يقولون: يُرى لا في جهةٍ، لأنهم ينكرون العلو كالجهمية، فيقولون: إن الله يُرى لا في جهةٍ معينةٍ، وكل هذا من التكلُّف، بل الصحيح أنه يُرى في موضعٍ معينٍ في الجنة، ينظرون إلى ربهم في الجنة في أي مكانٍ، فهذا هو مذهب المسلمين الحقيقيين.
أما مذهب الأشاعرة في أن يُنظر يعني: يرونه لا في جهةٍ معينةٍ، فهذا إنكارٌ للعلو، وهذا كله خطأٌ، فالعلو والاستواء ثابتٌ بلا إشكالٍ.
الأشاعرة يقولون: رؤيةٌ علميةٌ، وهذا خطأٌ، أهل العلم لا يقولون علميةٌ، بل رؤيةٌ حقيقيةٌ ثابتةٌ واضحةٌ.
 
{والعلم يحصل في الدنيا أحسن الله إليكم.
أشار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم إلى أن الخلاف بين الأشاعرة والجهمية خلافٌ لفظيٌّ؛ لأن الكل مُجمعون على إنكار العلو، والاستواء على العرش، منكرون، وإثبات الأشاعرة للرؤية لا على غير جهةٍ، أيضًا كله تخبُّطٌ وضلالٌ؛ لأن أصلهم يُنكرون علو الله، واستواءه على عرشه.
 
{قولهم: ﴿لَن تَرَانِي﴾، قالوا: إن "لن" هذه للتأبيد}.
هذه للتأبيد، لن تراني في الدنيا فقط، لأنه قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ﴾، قال: ﴿لَن تَرَانِي﴾ في الدنيا، لأن الدنيا ما يطيق أبصار المؤمنين إلى رؤية وجه الله، لكن في الجنة، يُعطون من قوة الأبصار واستعدادها، ما يمكن أن ينظروا إلى وجه الله -جلَّ وعلَا.
 
{هل يلزم من الرؤية الإحاطة؟}.
لا يلزم، قال -تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ [الأنعام: 113]، لا، رؤيةٌ بغير إحاطةٍ.
 
{فالإدراك هنا المراد به الإحاطة}.
نعم.
 
{هنا سؤالٌ أحسن الله إليكم، يقول: هل رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه في الدنيا؟}.
اختلف العلماء في ليلة أُسري به، هل رأى ربه، هو سمع كلام الله بلا شكٍّ، كلمه الله بألفاظ الصلوات، كلمه الله من  فوق سبع سماواتٍ، وهذا من التكريم، لكن الرؤية اختلفوا فيها، فمن قائلٍ بإثباتها ومن قائلٍ بنفيها، فعائشة -رضي الله عنها- مع من ينفون رؤية الله في الدنيا، وتقول: "من زعم بأن محمدًا رأى ربه فقد افترى" وابن عباس يقول: رؤيةٌ قلبيةٌ، يراها النبي بفؤاده، المهم أن الصحيح أن الله -جلَّ وعلَا- لا يُرى في الدنيا، وإنما رؤيةٌ قلبيةٌ، ويقينٌ صادقٌ، لكن في الآخرة يمكن الرؤية؛ لأن الله يعطيهم من قوة أبصارهم ما يقتدرون به على النظر إلى وجه ربهم.
 
{هذا سائلٌ يسأل يقول: ما هي أقسام الناس في رؤية الله -عزَّ وجلَّ- يوم القيامة؟}.
الكافرون لا يرونه مطلقًا، والمؤمنون يرونه مطلقا، والمنافقون يرونه ثم يُحجب عنهم.
 
{المؤمنون رؤيتهم تكون في العرصات}.
في العرصات وفي الجنة مطلقًا، والمنافقون في العرصات، ثم يُحجب عنهم.
 
{شكر الله لشيخنا ما أفاد به، وجعله في موازين حسناته، إنه جوادٌ كريمٌ، والشكر موصولٌ إليكم أيها الإخوة المشاهدون، وإلى لقاءٍ آخر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
--------------------------
[10] الترمذي : تفسير القرآن (3320) وأبو داود : السنة (4723).

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك

سلاسل أخرى للشيخ