الدرس الثالث

سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ

إحصائية السلسلة

7422 11
الدرس الثالث

كتاب لمعة الاعتقاد

{بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في درسٍ من دروس العقيدة وهو شرح كتاب "لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد" للإمام الموفق ابن قدامة رحمه الله تعالى.
ومع سماحة مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء، سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، حفظه الله تعالى.
مرحبًا بكم سماحة الشيخ.}
حيَّاكم الله.
{يقول المؤلف رحمه الله تعالى:
(وَمَا أَشْكَلَ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ إِثْبَاتُهُ لَفْظًا، وَتَرْكُ اَلتَّعَرُّضِ لِمَعْنَاهُ، وَنَرُدُّ عِلْمَهُ إِلَى قَائِلِهِ، وَنَجْعَلُ عُهْدَتَهُ عَلَى نَاقِلِهِ، اِتِّبَاعًا لِطَرِيقِ اَلرَّاسِخِينَ فِي اَلْعِلْمِ، اَلَّذِينَ أَثْنَى اَللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِهِ اَلْمُبِينِ بِقَوْلِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَ﴾ [آل عمران: 7])}
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وعلى صحابته أجمعين.
يقول الشيخ رحمه الله: (وَمَا أَشْكَلَ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ إِثْبَاتُهُ لَفْظًا، وَتَرْكُ اَلتَّعَرُّضِ لِمَعْنَاهُ)، يقول ما أشكل من الصفات لم يتضح لنا أمره، نُمرُّه لفظًا، مع ترك التعرض للمعنى، بمعنى: أن الصفات ما أشكل منها علينا لفظه، ولم نحط به علمًا، نُمره على ظاهره مع اعتقاد أن له معنى لكننا لا نعلم معناه.
هذا الكلام للمصنف، يقول بعضهم: لعل فيه إشارةً إلى المفوضة الذين يثبتون لفظًا، ولا يتعرضون للمعنى، يقولون بإثبات الأسماء بألفاظها، لكن لا ندري معانيها، فإن كانت تعني: المعاني بمعنى الكشف عن الحقيقة والكيفية، فهذا حقٌّ، وإن كان معناه بمعنى، إن كان المقصود أنه إذا أشكل لفظها نُمرها مع اعتقاد حقيقتها على ما يليق بالله فهذا حقٌّ، وإن كان المقصود نُمرها لفظًا، ونقول لا نفهم معناه ولا نعرفه فهذا خطأٌ؛ لأن الله جلَّ وعلَا ما أنزل في كتابه إلا ما نعلمه، قال جلَّ وعلَا: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَ﴾ [الأعراف: 180]، أمرنا أن ندعوه بهذه الأسماء الحسنى، كما نسأله بصفاته جلَّ وعلَا، «اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت المنان ..» إلى آخر الحديث.
المهم ما أشكل علينا لفظه، أما معناه فنقول معناه أن نفوض الأمر إلى الله، بمعنى نفوض الكيفية والصفة الحقيقية إلى الله، لا أننا نقول: إننا لا نفهمها، لا، إن الله استوى على العرش، فلا نقول لا نفهم معناه، لكن له معنى عندنا، هو علوه وارتفاعه على خلقه، وهكذا نعتقد أن كل صفة لها معنى يناسبها، الله أعلم بحقيقة ذلك، إلا أن نثبت اللفظ، ونُمر المعنى إلا أن المعني الذي نفوضه، هو المعنى الذي هو حقيقة الأمر وكيفيته.
{أحسن الله إليكم..
قال: (وَنَرُدُّ عِلْمَهُ إِلَى قَائِلِهِ)}
ونرجو أن يكون المؤلف رحمه الله يريد أن يثبت المعنى لفظًا، مع عدم التعرض للكيفية؛ لأنه من أهل السنة والجماعة، نحسن الظن به، وفي الأثر: لا تظن بأخيك سوءًا وأنت تجد له على الخير محملًا، وهو رجلٌ من أهل السنة والجماعة،  ومن علماء المسلمين، فجزاءه الله خيرًا ورحمه الله.
{أحسن الله إليكم..
قال: (وَنَرُدُّ عِلْمَهُ إِلَى قَائِلِهِ، وَنَجْعَلُ عُهْدَتَهُ عَلَى نَاقِلِهِ)}
ونرد علمه إلى قائله، نرد علم حقيقة الصفات إلى قائلها، الذي قال لنا: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: 76]، والذي قال لنا: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة: 64]، هذه الأمور نُمرها، ونعتقد معناها، وحقيقة ما دلت عليه، مع الإعراض عن الكيفية؛ لأن الكيفية لا تدركها عقولنا، علمٌ كبيرٌ لا نستطيع أن ندركه، إنما علينا الإيمان باللفظ، واعتقاد أن لهذا معنى، وأن هذا معناه هو الذي يعرف حقيقة رب العالمين، أن نعرف أن لها معنى، ونعتقد أن لها معنى، لكن هذا المعنى لا يعلم حقيقته وكنه إلا الله جلَّ وعلَا، ولهذا قال الله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]، ليس له شبيهٌ ولا مثلٌ، ثم أثبت السمع والبصر، دل على أن سمعه وبصره مثبتان ليس لهما شبيهٌ في حقيقة أمرهما.
{أحسن الله إليكم..
قال: (اِتِّبَاعًا لِطَرِيقِ اَلرَّاسِخِينَ فِي اَلْعِلْمِ، اَلَّذِينَ أَثْنَى اَللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِهِ اَلْمُبِينِ بِقَوْلِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَ﴾ [آل عمران: 7])}
الآية ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَ﴾ [آل عمران: 7]، بيَّن تعالى أن انقسام الناس حول أسمائه وصفاته جلَّ وعلَا، وأن الزائغين اتبعوا المتشابه، واعتمدوا عليه، وألغوا المحكم.
وأما الثابتون، آمنوا بالمحكم إيمان حقٍّ، وآمنوا بالمتشابه على ما يليق بالله، المتشابه عندهم ما شابه بالجملة، كتشابه على من لا علم عنده، فقاصر العلم لا علم عنده، فلا يؤمن بمتشابهه، يعمل بالمحكم والمتشابه مع اعتقاد المعنى، لكنه لا يفهمه ولا يدرك حقيقة ذلك، والراسخون في العلم يعرفون المتشابه وأنه تشابهٌ نسبيٌّ؛ لأن البعض لا يستطيع أن يفهم شيئًا من الصفات، إنما يفهمها لفظًا، ولا يستطيع أن يصورها، فلذلك أهل الإيمان يُمرون الصفات على وضعها، معتقدين معناها على ما يليق بالله، معرضين عن التعرض لها بأي تأويلٍ من قريبٍ أو بعيدٍ.
والقرآن كله محكمٌ، غير متناقضٍ، وكله متشابه في الترغيب والترهيب والحلال والحرام، والأوامر والنواهي، هو متشابهٌ من حيث معانيه العظيمة، التي جاء بها، والمحكم، والأمر واضحٌ جليٌّ، أما المتشابه فهو متشابهٌ في لفظه، لكن مع اختلاف المعاني، إلا أن فيه الحلال والحرام والأمر والنهي، والوعد والوعيد، كل هذا في القرآن، فهو متشابهٌ من حيث أنواع علومه، ومن حيث معانيه، وهو تشابهٌ نسبيٌّ بمعنى أن يتشابه عند بعض الناس، لأن الله قال: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ﴾، فيدل على أنَّ الراسخ في العلم يعلم حقيقة التأويل، وهو التأويل بمعنى إثبات المعاني لا التأويل الذي معناه إثبات الكيف.
{أحسن الله إليكم..
قال: (فَجَعَلَ اِبْتِغَاءَ اَلتَّأْوِيلِ عَلَامَةً عَلَى اَلزَّيْغِ)}
فجعل ابتغاء التأويل علامةً على الفتن، قال جلَّ وعلَا: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ﴾، فالذين يقولون بالزيغ ضربوا القرآن بعضه ببعضٍ، وقالوا لا يمكن يكون الله على عرشه، وينزل آخر الليل، وينزل يوم عرفة، إلى آخر ذلك، فحاولوا تعطيل الصفات بإنزالها على صفات المخلوق، وبمشابهتها بالمخلوق، وضلوا وأضلوا، والله كونه على عرشه، بائنٌ من خلقه، ينزل آخر الليل نزولًا يليق بجلاله وينزل يوم عرفة نزولًا يليق بجلاله، ولا يمكن أن نتخذ من هذا الموقف ردًا للصفات وننكر النزول أو العلو، لا، العلو ثابتٌ، والنزول ثابتٌ، وكونك تقيس البشر على الخالق هذا خطأٌ، الله جلَّ وعلَا أكبر من كل شيءٍ، وأعظم من كل شيءٍ، لا يمكن أن تدركه الأبصار، ﴿لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ﴾ [الأنعام: 103]، لا يمكن أن تحيط به علمًا، ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ﴾ [البقرة: 255]، إلا بما أطلعهم عليه، أما أن نقيس الخالق بالمخلوق، فنقول العلو ينافي النزول، والنزول ينافي العلو، إلى آخره، أو نحاول أن ننكر الصفات، فنقول: لدينا النعمة وننكرها، أو ننكر الأسماء والصفات، ونزعم أننا إذا أثبتنا الأسماء والصفات شبهنا الله بخلقه، وإذا نفينا نزهنا الله عن شبه خلقه، كل هذا من الجور والضلال، بل نثبت لله صفاتٍ وأسماء، على ما يليق بجلال الله، وبمعنى على ما يليق بجلال الله، نؤمن بذلك وإن لم نعرف كيفيتها.
{(ثم حجبهم عما أملوه)}.
حجبهم عما أملوه، حجب أفهامهم عما أملوه من ادعاءٍ إيمانهم بالصفات، ومحاولة إنكارها أو تأويلها، أو صرفها عن حقيقتها إلى معانٍ أخرى، حجب عما أملوه، وسد الطريق عليهم، وقد حجبهم الله عما أملوه من ذلك؛ لأن الله -جلَّ وعلَا- أخبر ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَ﴾ [آل عمران: 7]، فالعلماء الراسخون آمنوا بذلك، وحققوا الإيمان بذلك، آمنوا بما أنزل الله، وصدقوا رسوله -صلى الله عليه وسلم، أثبتوا ما أثبته لنفسه، ونفوا ما نفى عن نفسه، ولم يصرفوها إلى ألفاظٍ غير ذلك.
{(قَالَ اَلْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ حَنْبَلٍ فِي قَوْلِ اَلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اَللَّهَ يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ اَلدُّنْيَ»[1] و «إِنَّ اَللَّهَ يُرَى فِي اَلْقِيَامَةِ» وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ اَلْأَحَادِيثِ نُؤْمِنُ بِهَا، وَنُصَدِّقُ بِهَا، لَا كَيْفَ، وَلَا مَعْنَى، وَلَا نَرُدُّ شَيْئًا مِنْهَا، وَنَعْلَمُ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ اَلرَّسُولُ حَقٌّ، وَلَا نَرُدُّ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم، وَلَا نَصِفُ اَللَّهَ بِأَكْثَرَ مِمَّا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، بِلَا حَدٍّ وَلَا غَايَةٍ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11] وَنَقُولُ: كَمَا قَالَ، وَنَصِفُهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، لَا نَتَعَدَّى ذَلِكَ، وَلَا يَبْلُغُهُ وَصْفُ اَلْوَاصِفِينَ)}.
الإمام أحمد -رحمه الله- ممن ابتُلي في هذا المقام، حيث في زمانه ظهر الجهمية الضالة والمعتزلة الذين أنكروا أسماء الله وصفاته، فيقول لما سُئل عن نزول الله في الدنيا، وعن رؤيته يوم القيامة، قال: نؤمن بهذا على حقيقته، ويوم القيامة يرى المسلمون ربهم بأبصارهم، والكفار يحجبون عنه، والمؤمنون يرونه رؤية كاملة في عرصات القيامة، ويرونه في الجنة عيانًا كما دل الكتاب والسنة عليه.
فيقول الإمام أحمد: نؤمن بنزول الله، ورؤية الله، وأنه ينزل، وأن يُرى يوم القيامة إيمانًا صادقًا، لا تشبيه ولا تمثيل، إيمانًا كاملاً، نؤمن به حق الإيمان، لا نشبه، ولا نمثل، ولا نكيف، بل نتبع ما جاءنا عن الله، وما جاءنا عن رسوله -صلى الله عليه وسلم-، بلا زيادةٍ ولا نقصانٍ، وبهذا يسلم المسلم عقيدته، ويسلم له خيره، ويبقى على إيمانه، إذا سلم لله.
قال الشافعي: آمنا بالله، وما جاء على مراد الله، وآمنا برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، لا نخالف القرآن ولا الحديث.
{قال: (نُؤْمِنُ بِالْقُرْآنِ كُلِّهُ مُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ، وَلَا نُزِيلُ عَنْهُ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ لِشَنَاعَةٍ شُنِّعَتْ، وَلَا نَتَعَدَّى اَلْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ، وَلَا نَعْلَمُ كَيْفَ كُنْهُ ذَلِكَ إِلَّا بِتَصْدِيقِ اَلرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- وَتَثْبِيتِ اَلْقُرْآنِ)}.
يقول: (نُؤْمِنُ بِالْقُرْآنِ كُلِّهُ)، إيمانًا جازمًا أنَّ هذا كتاب الله، الذي أنزله على رسوله -صلى الله عليه وسلم، سمعه جبريل من ربنا -جلَّ وعلَا، بلغ جبريل نبينا -صلى الله عليه وسلم، وبلغ نبينا -صلى الله عليه وسلم- أصحابه وأمته، وتناقل أمته جيلًا بعد جيلٍ ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود:1]، وقال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:9]، وقال: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾ [الشعراء: 192 - 195]، فهذا نؤمن به بألفاظه ومعانيه، تصديقًا جازمًا، وبما أخبر به، نصدق بأخباره ونؤمن بها، ونطبق أحكامه، ونتخلق بأخلاقه، ونعتقد أنه حقٌّ، وأنه محكمٌ لا يتناقض، وأنه واضحٌ لا شبهة فيه، لا اشتباه فيه، ولا تناقضٌ في أخباره، ولا في أحكامه ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنعام: 115].
فنقول: نؤمن به، ونصدق ما جاء من أسمائه وصفاته، ولا نصِف الله بغير ما وصف به نفسه، ولا نصِفه بغير ما وصفه به محمدٌ -صلى الله عليه وسلم، فباب الصفات منتقاةٌ من الكتاب والسنة، وما عداه لا يُقبل، إنما تلقينا من كتاب ربنا، وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، معتقدين حقيقة ذلك، بإيماننا الجازم، الذين نرجوا الله أن نلقاه عليه -إن شاء الله.
{ثم قال -رحمه الله تعالى: (قَالَ اَلْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ اَلشَّافِعِيُّ آمَنْتُ بِاَللَّهِ وَبِمَا جَاءَ عَنْ اَللَّهِ عَلَى مُرَادِ اَللَّهُ، وَآمَنْتُ بِرَسُولِ اَللَّهِ، وَبِمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ، عَلَى مُرَادِ رَسُولِ اَللَّهِ)}.
هذا أيضًا الشافعي -رحمه الله: آمنت بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، آمنت بأسمائه وصفاته، كما أمرني الله، على ما يليق بالله، لا على تصوري وفكري وعقلي، لا، إنما إيماننا إيمانٌ جازمٌ، بما جاء عن الله، وعن رسول الله، إيمانًا صادقًا، من غير تأويلٍ ولا تحريفٍ، بل نُمرها كما جاءت عن الكتاب والسنة، معتقدين حقيقة ما يليق بربنا، منزهين الله عن الأشباه والنظائر، بل نعتقد أن القرآن حقٌّ، وما جاء به حقٌّ، نؤمن إيمانًا جازمًا، ونرد شبه المشبهين، والضالين.. القرآن، المشككين فيه، الزاعمين أن...
{قال: (وَعَلَى هَذَا دَرَجَ اَلسَّلَفُ، وَأَئِمَّةُ اَلْخَلَفِ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمْ)}.
يعني: وعلى مذهب الشافعي، الإيمان بالله، وبما جاء عن الله، على مُراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله، أن هذا درج السلف الصالح، تلقاه الأئمة جيلاً بعد جيلٍ، خلفًا عن سلف، كلهم على طريقٍ مستقيمٍ، إلا من شذ من أهل البدع والضلالات، فأزاغ الله قلوبهم، وصدهم عن سبيل الله، ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: 146]، إلى آخر الآيات، فهذا هو الذي صَمَّ قلوبهم، وحجبها عن فَهمِ القرآن، هم الذين حرفوا، أما المؤمنون آمنوا لفظًا ومعنى، وجعلوا الإيمان باللفظ والمعنى جميعًا واجبين، وأن الإيمان بالحقيقة على ما يليق بوجه الله، لا على ما يصوره البشر.
{قال: (كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى اَلْإِقْرَارِ، وَالْإِمْرَارِ، وَالْإِثْبَاتِ لِمَا وَرَدَ مِنْ اَلصِّفَاتِ فِي كِتَابِ اَللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَأْوِيلِهِ).
ثم قال: (وَقَدْ أُمِرْنَا بِالِاقْتِفَاءِ لِآثَارِهِمْ، وَالِاهْتِدَاءِ بِمَنَارِهِمْ، وَحُذِّرْنَا اَلْمُحْدَثَاتِ، وَأُخْبِرْنَا أَنَّهَا مِنْ اَلضَّلَالَاتِ، فَقَالَ اَلنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ اَلْخُلَفَاءِ اَلرَّاشِدِينَ اَلْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ اَلْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»[2])}
كلٌّ متفقون على إمرار اللفظ، وإقرار المعنى، غير مُشبهين ولا مُؤولين، ولكن إثباتٌ حقيقيٌّ، على ما يليق بجلال الله وعظمته.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ اَلْخُلَفَاءِ اَلرَّاشِدِينَ اَلْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ اَلْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ» ولاشك أن من خرج عن الكتاب والسنة فهو مبتدعٌ، وسالك طريق أهل الابتداع، وطريق النجاة هو كتاب الله، وسنة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم.
 
{شكر الله لشيخنا ما أفاد به من هذا الشرح، وجعله في موازين حسناته، والشكر موصولٌ لكم أيها الإخوة المشاهدون، ونلقاكم في حلقةٍ قادمةٍ إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
--------------------
[1] أحمد (4/81) والدارمي: الصلاة (1480)
[2] أبو داود : السنة (4607) والدارمي : المقدمة (95)

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك

سلاسل أخرى للشيخ