الدرس الخامس

سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ

إحصائية السلسلة

10468 11
الدرس الخامس

كتاب لمعة الاعتقاد

{بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في درسٍ من دروس العقيدة وهو شرح كتاب "لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد" للإمام الموفق ابن قدامة رحمه الله تعالى.
ومع فضيلة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، فمرحبًا بكم سماحة الشيخ.}
حيَّاكم الله.
{كنا قد توقفنا -أحسن الله إليكم- عند قول المؤلف:
(فمما جاء من آيات الصفات قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ [الرحمن:27]، وقوله: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة: 64]، وقوله إخبًارا عن عيسى عليه السلام، أنه قال: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ﴾ [المائدة: 116]).}
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، أشرف الأنبياءِ، وأشرف المرسلينَ، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى مَنْ تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وبعد.
قبل أن نشرع في الآيات نقول:
إنَّ الصفات لها اعتباراتٌ، أولًا: باعتبار النفي والإثبات.
بالنسبة للسلف الصالح يُثبتون الصفات إثباتًا مُفصلًا، وينفون عن صفات الله كل نقصٍ أو عيبٍ نفيًا مجملًا ﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ﴾ [البقرة: 255].
الثاني: الصفات منها: فعليةٌ، وذاتيةٌ، وفعليةٌ ذاتيةٌ.
فالصفات الذاتية هي: ما يتعلق بالله جلَّ وعلَا، كـ "حياته، وعِلمه، وسمعه، وبصره، وكلامه، وقدرته، .. " كل هذه مُتعلقٌة بالله جلَّ وعلَا، مُلازمةٌ له أبدًا.
أمَّا الصفات الفعلية: فهي التي عند وجود السبب ومقتضاها، كـ "النزول، والعلو، .. " ونحو ذلك.
أما النوع الثالث: الصفة الذاتية الفعلية كـ "الكلام" فهو ذاتيٌّ باعتبار أنه من الضروري. كـ: سمع الله وبصره، وما يجد به عند الحصول، فهو فعليٌّ.
المهم، سواء السابق منه أو المجدد كل من عند الله، وأنه متكلمٌ كيف يشاء إذا شاء.
 
{(فمما جاء من آيات الصفات قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ [الرحمن: 27])}
﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: 27].
أولًا: هذه الآية تدل على إثبات صفة الوجه لله، وأنَّ لله وجهًا حقيقيَّا كما يليق بالله جلَّ وعلَا، لا يعلم كيفه إلا الله، لكن نُثبته إثباتًا قطعيًّا، ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾، ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ [القصص: 88].
هذا دليلٌ على أنَّ هذه الصفة ثابتةٌ لله بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين على ذلك.
 
{ أحسن الله إليكم: المؤولة أحسن الله إليكم ماذا يقولون في صفة الوجه؟}.
يقولون عن الوجه: إنه الذَّات.
يرون أنَّ الوجه هو الذات، مع أنَّ هذه الصفة مُستقلةٌ، وهذا خطأٌ منهم؛ لأن الله له وجهٌ حقيقيٌّ، أما ما يزعمون من وجهٍ على ما يواجه الإنسان، تأويلٌ باطلٌ ويقولون: وجه ما واجه الإنسان، ولله وجهٌ كما يليق بجلاله وكما أخبر عن نفسه.
 
{أحسن الله إليكم، (وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾)}.
هذه الآية تتعلق بإثبات اليد لله -جلَّ وعلَا، كما قال الله: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾، وقال: ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾، وقال: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾ [يس:71]، فدل على إثبات اليد لله حقيقةً، وقال جلَّ وعلَا: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾، فهذا يدل على إثبات اليد لله، وأنها صفةٌ حقيقيةٌ، كما ورد في كتابه، وهي صفةٌ ذاتيةٌ.
أمَّا تأويلها بالنِّعمة أو بالرحمة أو بالنعمة والخير، فهذا تأويلٌ خاطئٌ؛ لأن هذا مخالفٌ للكتاب والسنة، ولما عليه سلف الأمة، فكأن يقولون: القدرتين النعمتين، وأيضًا بالقدرة، الله خلق كل الخلق بقدرته، لكن بيده، هذا دل على إثبات اليد، وأن هذا من خصائص آدم -عليه السلام- حيث خلقه الله بيده، ولقد علم الجميع، لكن تخصيص آدم كان تكريمًا له إذ خلقه الله بيده.
 
{(قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾ [الذاريات:47])، هل هذه -أحسن الله إليكم- تدل على دليل اليد؟}.
لا، يكون هذا بقوةٍ.
{المراد ﴿ بِأَيْدٍ﴾ القوة، ليس جمع اليد، وإنما المراد بها القوة}.
 
{وقوله -عزَّ وجلَّ- إخبارًا عن عيسى -عليه السلام- أنه قال: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ [المائدة: 116]}.
معناها: أنَّ هذا يدل على إثبات النفس لله -جلَّ وعلَا، والنفس هل هي الذات أم صفة مستقلة؟
الصحيح أنها صفة مستقلة، قال: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ﴾، وقوله: «يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي».
صفات الله وأسماؤه توقيفيةٌ، لا يجوز لنا أن نصف الله إلا بما وصف به نفسه، وبما سمى به نفسه، ولا يجوز لنا أن نضيف لله صفةً أو اسمًا؛ لأنَّ الله أعلمَ بنفسه، وبأسمائه وصفاته.
 
فابن الموفق لما ساق الآيات؛ ليدل على أنها توقيفيةٌ، لا مكان للرأي فيها والعقل، يعني: الآيات الخبرية كالغضب، والرضا، والرحمة، ونحو ذلك.
الخلاف بينهم وبين أهل السنة، أنَّ أهل السنة يثبتون لله الغضب، والرضا، والرحمة، والمغفرة، على ما يليق بجلال الله، لا يؤولونها.
الأشاعرة أولوا الرحمة إلى المعنى العام، والكراهة إلى غير ذلك، وربما نفوها كلها، أو أثبتوها إثباتًا فارغًا من معانيها، وكل هذا خطأ؛ فيجب أن نثبت لله الصفات إثباتًا حقيقيًّا، كما يليق بجلاله وعظمته، لا زيادة ولا نقصان، بل إثباتٌ حقٌّ، لا إشكال فيه.
الصفات الفعلية ثابتةٌ، والذاتية ثابتةٌ، ومن أنكر شيئًا منها، فقد أنكر الكتاب والسنة وأدلتهما.
فالموفق يقول: الأشاعرة أقسامٌ، منهم من وافق المعتزلة في نفي الصفات الفعلية، ومنهم من أثبت شيئًا منها دون آخر، وأثبتوا سبع صفاتٍ منها بالعقل، فكلام الأشاعرة كلامٌ مغلوطٌ.
 
{شكر الله لشيخنا ما أفاد به من هذا الشرح الممتع، وجعله الله في ميزان حسناته، والشكر موصول لكم أيها الإخوة المشاهدون، وإلى اللقاء في حلقةٍ قادمةٍ -إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك

سلاسل أخرى للشيخ