{الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا
محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في درسٍ من دروس العقيدة وهو شرح كتاب "لمعة
الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد" للإمام الموَفق ابن قدامة -رحمه الله تعالى.
ومع سماحة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حفظه الله.
فمرحبًا بكم سماحة الشيخ.}
حيَّاكم الله.
{كنا -أحسن الله إليكم- قد توقفنا عند قول المصنف رحمه الله:
(وقوله سبحانه: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ [الفجر: 22]، وقوله تعالى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ
إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغَمَامِ﴾ [البقرة: 210])}
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عَبدِكَ وَرَسُولِكَ محمدٍ،
أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين، وعلى آله وعلى صحابته أجمعين، وبعد.
سبق لنا التحدث عن الصفات الذاتية التي تقوم بربنا جلَّ وعلَا لا انفكاك لها عنه،
كـ: "حياته، وعلمه، وسمعه وبصره، وقدرته، إلى آخر ذلك".
والثاني الصفات الفعلية، صفاتٌ فعليةٌ مُتعلقةٌ بالرَّبِّ جَلَّ وَعلَا، وهي صفات
مجددةٌ، فهي فعليةٌ متعلقةٌ بمشيئة الله وإرادته.
﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾، فيه صفة المجيء لله يوم القيامة، ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ
صَفاًّ صَف﴾ [الفجر: 22]، فإذ جاء ربك يوم القيامة يفصل بين عباده، والقضاء بين
عباده حينما يشتد الكرب، ويعظم الهول، يشفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه أن
يفصل بين عباده، فيأتي للفصل بين عباده.
ونحن نؤمن بمجيء الله يوم القيامة، وإتيانه للفصل والقضاء إتيانًا ومجيئًا على ما
يليق بجلاله، اقرأوا الحديث، فإنه مجيءٌ حقًّا، وإتيانٌ حقًّا، دون أن نكيف؛ لأنَّ
هذا أمرٌ مجهولٌ لنا، لم نُحط به علمًا، إنما نُحط علمًا بأن الله سيجيء يوم
القيامة، لكن كيفية هذا المجيء والإتيان الله أعلم به، إنما هو إتيانٌ حقيقيٌّ لا
إشكال فيه، وكل من تأوله بغير ذلك، فقد أخطأ وضل سواء السبيل، وأتى بما يخالف
الكتاب والسنة، وما عليه سلف هذه الأمة.
{أحسن الله إليكم..
قال المصنف رحمه الله تعالى: (وقوله تعالى: ﴿رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا
عَنْهُ﴾ [المائدة: 119])}
هذه أيضًا من الصفات الاختيارية، وهي التي تأتي عند حدوث سببها، ﴿رَّضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾، أي: أنَّ الله -جلَّ وعلَا- يرضى عن المؤمنين ويرضون
عنه، قال -جلَّ وعلَا: ﴿رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾، فهو يرضى عن
المؤمنين، وهم يرضون عنه بما ينالون من ثوابٍ عظيمٍ وعطاءٍ جزيلٍ.
فنثبت ذلك لله -جلَّ وعلَا- إثباتًا حقيقيَّا لا إشكال فيه، إثباتٌ لا تأويل فيه.
{(وقوله تعالى: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: 54])}.
وقوله تعالى: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ هذا إثبات المحبة، وأن الله جلَّ وعلَا
يحب عباده المؤمنين ويحبونه، قال جلَّ وعلَا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن
يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ
وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: 54]، فأثبت أنه يحبهم، فأثبت محبته لهم ومحبتهم له.
وكل هذا من حفظ الله لهم، فهم يحبون الله ويحبهم الله على فضلٍ عظيمٍ كونهم يحبون
الله وكون الله يحبهم، ففضلٌ عظيمٌ، وفضلٌ كبيرٌ، الأحاديث تأتي من السنة، تخبر عن
الله -عزَّ وجلَّ- أنَّ من يحب الله ورسوله يحبهم الله ورسوله.
فهذا دليلٌ على أنَّ المحبة مِن صفات الله جلَّ وعلَا، أنه يُحِب ويُحَب.
أمَّا تفسيره بإرادة الإنعام والرضا، كل هذا خطأٌ؛ لأنه خلاف ما دلَّ الكتاب والسنة
عليه، فالرضا حقًا والمحبة حقيقة والرضا حقيقة، تفسيره بالإنعام والإفضال والرحمة
كلها تأويلاتٌ خاطئةٌ ابتدعًا من تلقاء أنفسهم لا دليل عليها.
{التأويل أحسن الله إليكم هنا بالإرادة ما يكون هنا قد وقعوا في الشيء الذي فروا
منه وهو إثبات صفة ..}
إلا لأن الإرادة صفة لله جلَّ وعلَا، هم يثبتون من العموم فوقعوا مما فروا منه.
{والقول في الصفات كالقول في البعض الآخر أحسن الله إليكم..
قال المصنف رحمه الله تعالى: (وقوله تعالى في الكفار: ﴿وَغَضِبَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ﴾ [الفتح: 6])}.
إثبات الغضب لله، وأنه يغضب على مَن خَالف أمره، قال عن آل فرعون: ﴿ فَلَمَّا
آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الزخرف: 55]، أي:
أغضبونا، فالغضب يصير في حق الله -جلَّ وعلَا- يُعاقب مَن يَشاء منهم بعدله.
مَنْ غَضِبَ اللهُ عَليهِ فإنه قد نال سُوءًا عَظيمًا وشرًّا كبيرًا، مِن غَضِبَ
الله عليه وأعرض عنه، من غضب الله عليه عذبه وانتقم منه، فالغضب لله ثابتٌ، والكره
لله جلَّ وعلَا والسخط لله ثابتٌ، والسخط والغضب صفتان لله جلَّ وعلَا تأتي عند
وقوع أسبابهما، والكفر بالله والإعراض عن دينه، يغضب الله على هؤلاء.
قول النبي صلى الله عليه وسلم: يوم القيامة إذا جاء الخلائق للأنبياء يستشفعون بهم؛
ليفصل الله بينهم القضاء، فيأتون آدم ونوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى، وكلهم يقول:
«إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ
وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ»، إلا أنَّ النَّبي يشفع لهم عند ربه، ويجيب
شفاعته، ويأتي للفصل بين الخصوم يوم القيامة.
{(وقوله تعالى: ﴿اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ﴾ [محمد: 28])}.
ذمَّهم بأنهم يتبعون ما أسخط الله والله جلَّ وعلَا يسخط بالشرك، ويسخط بالكفر
والضلال، ولا يحب المفسدين والمشركين، يسخط الأعمال السيئة كلها، فالمنافق يتبع ما
أسخط الله ﴿اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ﴾، كفروا بالله وبرسوله، كرهوا رضوان
الله، وكرهوا ثواب الله فأحبط الله أعمالهم، باتباع ما أسخط الله وكرهوا رضوان الله
جلَّ وعلَا عليهم.
«اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك» الحديث.
{فسر أحسن الله إليكم المؤولة هنا صفة السُخط والغضب بإرادة الانتقام}
هذا قاصرٌ، فالغضب حقيقته الإبعاد عن رحمة الله جلَّ وعلَا، ﴿غَضِبَ اللَّهُ
عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ﴾ [النساء:93]، تفسيره بالانتقام تفسيرٌ قاصرٌ، بل تفسيره
الحقيقي بالغضب على حقيقته أبلغ بالزجر، أما أن نؤول بإرادة الانتقام، كما أول
الرضا بإرادة الإنعام فهذا تأويلٌ باطلٌ، يخالف السنة، وسلب لصفات الله عن معناها
الحقيقي والزيادة عليها.
{نعم، أحسن الله إليكم..
قال المصنف رحمه الله: (وقوله تعالى: ﴿كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ﴾ [التوبة: 46])}
إثبات الكره لله جلَّ وعلَا، ﴿كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ﴾، كره الله خروجهم؛
لأنهم ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا
خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ﴾ [التوبة: 47]، دَلَّ على إثبات الكره لله،
وأنه يكره من يشاء، يكره من خلقه من يكره، كما يحب من يحب، فالكراهية إنما هي لأن
هؤلاء عطلوا أوامره، وارتكبوا نواهيه، ورغبوا دينه وشرعه، كره الله أعمالهم.
الصفات الاختيارية هي الصفات التي تأتي عند وجود مسببها، وهي على قسمين:
اختياريةٌ متعديةٌ، ولازمةٌ.
فالمتعدية متعلقةٌ بالخلق، ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الرعد: 16].
واللازمة متعلقةٌ بذات الرب جلَّ وعلَا كنزوله وعلوه على عرشه.
{شكر الله لشيخنا ما أفاد به من هذا الشرح، وجعله في موازين حسناته، والشكر موصولٌ
لكم أيها الإخوة المشاهدون ونلتقيكم إن شاء الله في حلقة قادمة إن شاء الله والسلام
عليكم ورحمة الله.