الدرس الثاني

سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ

إحصائية السلسلة

7430 11
الدرس الثاني

كتاب لمعة الاعتقاد

{الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات مع درسٍ من دروس العقيدة وهو شرح كتاب "لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد" للإمام الموفق ابن قدامة رحمه الله تعالى.
ومع سماحة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، مفتي عام المملكة، ورئيس هيئة كبار العلماء.
مرحبًا بكم أيها الشيخ.}
حياكم الله.
{يقول المؤلف رحمه الله تعالى:
(لَهُ اَلْأَسْمَاءُ اَلْحُسْنَى, وَالصِّفَاتُ اَلْعُلَى)}
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين، وعلى آله وعلى صحابته أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد..
يقول الشيخ: (لَهُ اَلْأَسْمَاءُ اَلْحُسْنَى)، قال جلَّ وعلَا: ﴿اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى﴾ [طه: 8]، وقال: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَ﴾ [الأعراف: 180]، فالحسنى هي الكاملة، لا يلحقها نقصٌ ولا عيبٌ، أسماءٌ كاملةٌ دالةٌّ على الله جلَّ وعلَا، أسماءٌ حسنى لا شرَّ فيها، بل هي خيرٌ كلها، ويشتق من هذه الأسماء صفات الله جلَّ وعلَا، فله الأسماء الحسنى والصفات العلى، فصفاته كلها عُليا، لا يلحقها نقصٌ ولا عيبٌ، بل هي عاليةٌ في معانيها، وما دلت عليه.
{(والصفات العُلى، ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: 5- 7])}
جاء المصنف بهذه الآية مثالًا على إثبات الصفات لله جلَّ وعلَا، فقال: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 5]، استوى على العرش فوق سبع سمواتٍ، إن الله استوى على عرشه، ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾ العرش مخلوقٌ لله جلَّ وعلَا، وهو من أعظم مخلوقات الله جلَّ وعلَا، السموات والأرض مع عظيم شأنها كأنها حلقةٌ ألقيت في فلاةٍ من الأرض، فالعرش خلقه الله واستوى عليه جلَّ وعلَا، مستوٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه.
﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾ استواءً حقيقيًّا، خلقه فاستوى عليه، وليس كما يقول المبتدعة: إنه استولى، بل هو جلَّ وعلَا الذي خلقه فاستوى عليه، وعرش الرحمن -جلَّ وعلَا- عرشٌ كريمٌ ذو شأنٍ عظيمٍ، كما قال الله تعالى: ﴿ذُو العَرْشِ المَجِيدُ * فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ [البروج: 15، 16].
فالعرش مجيدٌ كريمٌ، استوى عليه الرَّبُّ جلَّ وعلَا، وكل هذه الصفات إنما علينا الإيمان بها، وأن الله مستوٍ على عرشه استواءً يليق بجلاله، ولا يمنع استواؤه على عرشه نزوله في آخر الليل، ومساء يوم عرفة؛ لأن الله جلَّ وعلَا عليٌّ في دنوه، قريبٌ في علوه، فنؤمن بهذا إيمانًا جازمًا، نصدق الله جلَّ وعلَا عندما قال: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾، ولا ننظر إلى الضُلَّال الذين يؤولون العرش الطاعنين فيه والمنكرين له، كل هذا كلامٌ باطلٌ، الكلام صريحٌ في ذلك، في أن العرش لله عزَّ وجلَّ، استوى الله عليه، علوَّا وارتفاعَّا، علو قدرٍ وعلو قهرٍ وعلو مكانٍ، هو جلَّ وعلَا عالٍ فوق خلقه، والمنكرون للاستواء فرقةٌ من الضُلَّال أنكروا ذلك، بناءً على عقولهم السخيفة، وآرائهم الشاذة، أنكروا بها لفظ القرآن الصريح، وقالوا "استولى" كل هذا من الأخطاء التي قالها بعض المبتدعة وخرجوا بها عن الصراط المستقيم.
﴿لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾، أي: لله ما في السموات والأرض ملكًا وقهرًا، وهو مالكها وخالقها.
﴿وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى﴾ أي كل شيءٍ فالله مالكه وخالقه ومقدره وموجده، لا شريك له في ذلك، هذا يجب الإيمان به إيمانًا صحيحًا.
﴿وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ يعلم السر وأخفى من السر، يعلم ما يجول في خاطرك وفكرك ﴿وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: 284]، فالله مطلعٌ علينا، وعلى أسرارنا وعلانيتنا، ولا يخفى عليه شيءٌ من أمرنا قلَّ أو كثُر، ﴿لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ [سبأ: 3].
{أحسن الله إليكم،
قال: (أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمً)}
علمه أحاط بكل شيءٍ؛ لأنه خالق الأشياء، خالقها وموجدها ومقدرها، عَلم ما العباد عاملون، وكتب هذا العلم قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، فعلمه محيطٌ بكل شيءٍ، قال جلَّ وعلَا: ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ﴾ [البقرة: 255]، فعِلم الله أحاط بكل شيءٍ، أي أحاط علمه بجميع الأشياء، قليلها وكثيرها، سرها وجهرها، قال جلَّ وعلَا: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [المجادلة: 7].
فعِلم الله محيطٌ بنا، وبجميع أحوالنا، ما مضى وما هو حاضرٌ، وما سيحدث إذا حدث، وكيف يحدث، ما كان وما يكون، فالله عالمٌ بذلك كله ومحيطٌ به كله، يعلم ما العباد عاملون، وما هو مريدون.
وما تهوى أنفسهم، وله الحجة البالغة عليهم، وإن الله أخبرهم بعلوه، فإذا علمنا ذلك وجبت طاعة الله -جلَّ وعلَا- على عباده، واعتقاد أنه الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحدٌ، نؤمن بعلوه على عرشه، وكمال علمه، وإحاطة علمه بالأشياء كلها.
{قال: (وَقَهَرَ كُلَّ مَخْلُوقٍ عِزَّةً وَحُكْمً)}.
وقهر كل مخلوقٍ عزةً وحكمًا، فالخلق كلهم تحت تصرفه ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ [آل عمران: 83]، فالخلق كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره، وعَلم الله تعالى ما يعملون، ولا يحيطون هم به علما.
قال: (عِزَّةً وَحُكْمً)، أي: بكمال عزه، وكمال حكمته، خلق الخلق كلهم، وهو حكيمٌ عليمٌ، قضاؤه وقدره، على كمال الحكمة، وكمال الرحمة، والعدل والعلم، وهو محيطٌ بكل شيءٍ، والجامع لكل شيءٍ.
{قال: (وَوَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمً)}.
وسع علمه كل شيءٍ بدون استثناءٍ، أي: علمه وسع كل شيءٍ رحمةً، قال النبي -صلى الله عليه وسلم، قال الله -عزَّ وجلَّ: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾، «لله مائة رحمةٍ، أنزل في الأرض واحدةً، بها ترفع الدابة حافرها عن ولدها، خوف أن تطأه، وأمسك تسعًا وتسعين رحمةً».
فرحمته وسعت كل شيءٍ، هو الرحمن الرحيم، ومن رحمته خلْقُ العباد، وإحسان خلقهم، وإكمال خلقهم، ومن نعمته يرزقهم من الثمرات، ومن رحمته بهم أرسل الرسل فيهم، ومن رحمته بهم إنزال الكتب على الأنبياء، فإن الله قال لمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، هو رحيمٌ بالعالمين، بما جاء من دين الحق، وبما دحض من الشرك والضلال، فرحمة الله واسعةٌ لكل شيءٍ، وسع كل شيءٍ علمًا، فعلمه محيطٌ بها، ورحمته وتدبيره على أحسن ما يكون، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون.
{قال: (﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ولَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمً﴾ [طه: 110])}.
﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ الماضي والحاضر، يعلمه كله، محيطٌ بعلمه، لا يخفى عليه شيءٌ من ذلك، ﴿ولَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمً﴾ أي: لا يحيط خلقه بعلمٍ إلا ما علمهم، ولهذا قال: ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ﴾ [الجن: 27] الآية، فلا يعلم من علمه إلا ما علَّمهم، ما لم يعلمهم فلن يعلموه، وقال: إنما يعلم ما علمهم الله -جلَّ وعلَا- ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَ﴾ [البقرة: 31]، فما علَّمهم علِموه، وما خفيَ عنهم لا يستطيعون الاطلاع عليه، فهو محيطٌ بكل شيءٍ.
{قال: (مَوْصُوفٌ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ اَلْعَظِيمِ, وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ اَلْكَرِيمِ)}.
موصوفٌ بما وصف به نفسه في كتابه العظيم، وعلى لسان نبيه الكريم، يعني: أن صفات الله توقيفيةٌ، دل القرآن والسنة عليها، فما دل القرآن أثبتناه لله، وما جاءنا من خلال السنة، أثبتناه كذلك؛ لأن الله -جلَّ وعلَا- لا يعلم حقيقته إلا هو، هو الذي وصف نفسه، وسمى نفسه، فصفاته توقيفيةٌ على ما دل الكتاب والسنة عليها، كل صفةٍ ليس لها دليلٌ من الكتاب، أو من السنة، فإنها باطلةٌ، فالله سمى نفسه، ووصف نفسه، فلنسمه بأسمائه الحسنى، ولنصفه بصفاته العلى، نقبلها، ولا نردها، ونؤمن بها، وبحقيقتها، ونرد علمها إلى الله، نعلم ظاهرها وحقيقتها، وأن لها كيفٌ بالله -جلَّ وعلَا، لا نعلمها نحن، نعلم أنه استوى على عرشه، كيف الاستواء؟
قال: الاستواء معلومٌ، والكيف مجهولٌ، والإيمان به واجبٌ، والسؤال عنه بدعةٌ، فنحن نؤمن باستوائه على عرشه، لكن كيف استوى؟
لا نعلمها، إنما نعلم ظاهر النصوص، وأن لها معانيَ خاصةً، تليق بجلال الله، لا يعلمها إلا هو، أو ما أطلعه الله لأحدٍ من خلقه على علمه، فما بيناه من صفات دعوناه بها، قال الله -جلَّ وعلَا: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الإسراء: 110]، إلى آخر الآية، فنحن إن لم نؤمن بالصفات كلها، الثابتة في الكتاب والسنة، ضللنا وضِعنا، لابد أن نؤمن بالكتاب والسنة، نؤمن بها، ونقبلها على ما يليق بالله، ونرفض ما سوى ذلك، لا بأهوائنا ولا بآرائنا، وإنما على خبر الله -جلَّ وعلَا- فإن الله يخبرنا عن نفسه، ولا نبتغي شيئًا من أنفسنا..
{قال: (وَكُلُّ مَا جَاءَ فِي اَلْقُرْآنِ, أَوْ صَحَّ عَنْ اَلْمُصْطَفَى -عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ- مِنْ صِفَاتِ اَلرَّحْمَنِ وَجَبَ اَلْإِيمَانُ بِهِ, وَتَلَقِّيهِ بِالتَّسْلِيمِ وَالْقَبُولِ, وَتَرْكُ اَلتَّعَرُّضِ لَهُ بِالرَّدِّ وَالتَّأْوِيلِ, وَالتَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ)}.
كل ما جاء من السنة وجب الإيمان به، وعلى التغيير والتحرير والتبديل، بل نُمرُّه كما جاء، معتقدين حقيقة المعنى، على مراد الله -جلَّ وعلَا، فلا نُحرِّف الكلم عن مواضعه، ولا نبدل، ولا نزيد أوننقص، بل نتقيد بالكتاب والسنة، كما دل الكتاب والسنة عليه، فنؤمن بالألفاظ ومعانيها، وأنه سبحانه أعلم بها، لكننا لا نعلم حقيقة الأمور؛ لأنه خفي علينا، فما أخفي عن علمه، فلا استطاعة لإدراكه.
{شكر الله لشيخنا ما أفاد به من هذا الشرح الممتع، وجعله الله في موازين حسناته، إنه جواد كريم، والشكر موصول لكم أيها الإخوة والأخوات، ونستودعكم الله -إن شاء الله تعالى- في حلقةٍ قادمةٍ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك

سلاسل أخرى للشيخ