{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
مرحبًا بكم إخواننا المشاهدين في حلقة مع سماحة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله آل
الشيخ، في شرح هذا الكتاب المسمى بـ "لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد" للإمام
الموفق ابن قدامة رحمه الله تعالى.
نبتدئ اليوم الحلقة الأولى إن شاء الله مع الشيخ.
بسم الله الرحمن الرحيم.
قال الشيخ الإمام العلامة موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة عليه رحمة الله:
(بِسْمِ اَللَّهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلْمَحْمُودِ بِكُلِّ لِسَانٍ, اَلْمَعْبُودِ فِي كُلِّ
زَمَانٍ, اَلَّذِي لَا يَخْلُو مِنْ عِلْمِهِ مَكَانٌ, وَلَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ
عَنْ شَأْنٍ, جَلَّ عَنْ اَلْأَشْبَاهِ وَالْأَنْدَادِ, وَتَنَزَّهَ عَنْ
اَلصَّاحِبَةِ وَالْأَوْلَادِ)}
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد أشرف الأنبياء
وأشرف المرسلين، وعلى آله وعلى صحابته أجمعين،وعلى من تبعهم بإحسان وسار على طريقهم
إلى يوم الدين، وبعد..
فيا أيها الإخوة المشاهدون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، في هذا اليوم الثلاثين
من ذي حجة، وليالي العام القادم الجديد 1438، تبتدئ هذه الندوة المباركة،
الأكاديمية الإسلامية، هذه الأكاديمية جزء من الدعوة إلى الله، ولا شك أنَّ الدعوة
إلى الله لأنها تشتمل على تعليم مواد علمية، ففي العقيدة وفي الفقه وفي السياسة
الشرعية، وفي اللغة العربية، تعلم من كان جاهلا بها، وبعيد عن الجامعات، فيلتقطها
المسلم في أي بقاع الأرض، يشاهدها ويستفيد منها، وجزى الله القائمين عليها بخير.
ولا شك أن للأميرة العنود الفضل بعد الله في تأسيس هذه الأكاديمية، ثم الشيخ صالح
أيضًا مزيد الشكر والتكريم على رئاسة هذه الأكاديمية، وتوجيهه إِيَّاها، أسأل الله
للجميع التوفيق والرشاد.
وأخونا الشيخ راشد الزهراني وفقه الله جاد ومجتهد في ذلك، وما زال معنا منذ أشهر
يحاول إقناعنا بحضور هذه المواد العلمية؛ فاستجبنا لقوله لأنه -وفقه الله- كان
حريصًا على ذلك، مما يدل على أنه شاهد لها أهمية ونتيجة طيبة.
مادة توحيد الأسماء والصفات، هذه الأسماء والصفات، هي لمعة الاعتقاد إلى سبيل
الرشاد، هذه النبذة في توحيد أسماء الله وصفاته، العلماء الأوائل ألفوا في الفقه
والحديث والتفسير، لكن تحديد موضع الأسماء والصفات والتأليف فيها إنما وقع منهم لما
انتشرت البدعة الضالة من جهمية ومعتزلة وقدرية وجبرية وغير ذلك من أهل البدع، اضطر
السلف الصالح إلى أن يضعوا منهجًا إسلاميًا في صفاتِ الله جَلَّ وَعَلا وأن يُبينوا
للنَّاس أنَّ الأسماء والصفات أمر ضروري يجب الإيمان به إيمانًا كاملاً.
والتصديق به والعمل بمقتضاه، وأنَّ هذا هو التَّوحيد الثَّاني؛ لأنَّ التَّوحيد
الأول هو الربوبية واعتقاد أنَّ الله الخالق الرازق المدبر، وتوحيد الألوهية وأنه
هو المعبود بحق، وتوحيد الأسماء والصفات يكون بالإيمان بأسماء الله وصفاته.
هذه نبذة من الإمام موفق الدين ابن قدامة عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة
المقدسي ؟؟؟، وهو من أعمال نابلس بالأردن، رحمه الله رحمة واسعة، ولد سنة خمسمائة
وأربعين وتوفي ستمائة وعشرين، أي بلغ عمره ثمانين سنة، وله نشاط علمي كبير، وهو من
مشاهير العلماء ومن الفضلاء رحمه الله، وتجاوز عن سيئاتي وسيئاته.
{(اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلْمَحْمُودِ بِكُلِّ لِسَانٍ)}
الحمد لله المحمود بكل لسان، الحمد لله، الثناء على الله بما يستحقه فإن الله أحق
أن يثنى عليه، ولا أحد أحب إليه الثناء من الله ومن أجل ذلك أثنى على نفسه، فالحمد
لله، المحمود بكل لسان، الحمد لله الذي يحمده كل لسان، ناطق أو جامد، كل يحمده جل
وعلا، ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن
مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ
إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُور﴾ [الإسراء: 44].
وفي صفات الجوارح ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا
أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يس: 65]، المقصود
محمود بكل لسان، أعجمي عربي، جمادي حيواني، كل شيء يسبح بحمده ويثني عليه ويعظمه جل
وعلا، هو المحمود بكل لسان، العربي والعجمي، الحيوان والجماد، الأشجار والأحجار،
كلها تحمد ربها وتثني عليه، ولكن كما قال الله: ﴿وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ
تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُور﴾.
لكن الله يعلمه ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: 7].
{قال: (اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلْمَحْمُودِ بِكُلِّ لِسَانٍ)}
المعبود في كل زمان، يعني: أن كل الأزمنة من أولها إلى آخرها فالله هو المعبود بحق
دون سواه، وهو المعبود بحق دون غيره، فإن الخلق منذ خُلِقَ آدم وإلى أن يرث الله
الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، إنما وجدوا لأجل توحيد الله وإخلاص الدين لله،
وعبادة الله وإذا فقد هذا الأمر من الأرض قامت الساعة، فالساعة لا تقوم حتى لا
يقال: "الله الله"، بمعنى ما دامت العبادة موجودة فالناس في خير، ﴿جَعَلَ اللَّهُ
الكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الحَرَامَ
وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ﴾ [المائدة: 97].
فما دام الحج والعمرة فالناس في خير، والمساجد يُصلى فيها والشعائر ظاهرة فالناس في
خير؛ لأنَّ فيهم مَن يَعبد الله، فإذا خلت الأرض من عبادة الله، ولم يبقَ فيها معظم
لله ولا عباد لله فعندها تقوم الساعة، إذ لا خير في وجود الخلق، إذ وجودهم لأجل
عبادة الله، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:
56].
{قال: (اَلَّذِي لَا يَخْلُو مِنْ عِلْمِهِ مَكَانٌ)}
الذي لا يخلو من علمه مكان، يعني: بمعنى أنه جل وعلا محيط علمه بكل أحوال العباد،
﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ
مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا
يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ
وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ [يونس:
61]، فكل أحوال الخلق يعلمها الله جل وعلا ويطلع عليها، لا يخلو من عِلْمِهِ مكان،
قال الله عز وجل: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ
اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْم﴾ [الطلاق: 12]، فعلمه الكامل محيط بكل
شيء، ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر: 19]، فكل
أحوالنا، وما ننطق بألسنتنا، ونعمل بأيدينا أو بأرجلنا، أو نفكر فيه في أنفسنا،
فالله مطلع على ذلك، ﴿إِن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ
اللَّهُ﴾ [آل عمران: 29].
والله جل وعلا محيط علمه بكل مكان، لا يمكن الاحتجاب عنه والستر عنه، بل هو مطلع
عليك، على سرك وعلانيتك، لا يخفى عليه شيء.
قال بعض السلف: لا تنظر إلى المعصية كمعصية ولكن انظر إلى مَن عصيت، فإنه مطلع
عليك، وعالم بسرك وعلانيتك، تخفي عليه ما تخفي، قال الله ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ
النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ﴾ [النساء: 108]، فالله
جل وعلا علمه محيط بكل شيء، بكل مكان، وبأي مكان، يعلم النملة السوداء على الصخرة
الصماء في ظلمة الليل، لا يخفى عليه شيء، كل شيء بأمره وتدبيره، فعلمه.. ولا يحيط
شيء من خلقه إلا إذا أعلمه، وإلا فهو محيط بعلم كل شيء، لا يخفى عيه شيء في الأرض
ولا في السماء، وهو السميع العليم.
قال: {قال: (وَلَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ)}.
ولا يشغله شأن عن شأن، يدبر الخلق كله، لا يشغله هذا عن هذا، ﴿يَسْأَلُهُ مَن فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن: 29]، يقول: «يا
عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا على صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل
واحد مسألته، ما نقص ذلك من عندي، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر»، فالمهم أن
الله -جل وعلا- يعطي هذا، يغني هذا، يفقر هذا، الأمر كله بيده، لا يشغله شأن عن
شأن، الخلق كله بيده، لو أن أولكم وآخركم، قاموا في صعيد واحد سألوني، فأعطيت كل
مسألته إلى آخر الحديث، فالمهم أن علم الله -جل وعلا- بكل شيء، وأنه لا يشغله شأن
عن شأن، هذا يسأله الرزق، وهذا يسأله العمل الطيب، كل يسأل سؤاله، والخلق كلهم
يسألوا ويجيبه، ما تغير علم الله، فعلمه محيط بنا، بكل أحوالنا، فلهذا يجب أن نطيعه
ونتقيه ونخافه ونحذره، ونعلم أنه مطلع علينا، لا يخفى عليه شيء من أمرنا، فلا
نتجاهل أنفسنا، بل علمه محيط بنا ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا
كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار: 10- 12].
{قال: (جَلَّ عَنْ اَلْأَشْبَاهِ وَالْأَنْدَادِ)}.
جل عن الأشباه والأنداد، فلا شبيه له، قال -جل وعلا: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]، فلا شبيه له، في الأحوال كلها، وإن
تشابهت الأسماء مع اسم الرب -جل وعلا- فاسم الرب ما يليق به، واسم المخلوق ما يليق
به، أما التشابه بمعنى.. حاشا وكلا، الله عليم، والمخلوق يوصف بأنه عليم، لكن عِلم
الله ليس كعلم الخلق، علم الخلق قاصر، وعلم الله شأن عام، فعلمه علم كل شيء، لا
يمكن أن يشابهه أحد في ملكه، ولا ند له، لا شريك في عبادته، قال الله -جل وعلا:
﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 22]، وجعلوا
لله شركاء ونظراء، فإن الله -جل وعلا- ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، ولا يمكن
أن يعدل غيره به -جل وعلا، بل هو العالم بكل شيء، المحيط بكل شيء، القادر على كل
شيء.
{قال: (وَتَنَزَّهَ عَنْ اَلصَّاحِبَةِ وَالْأَوْلَادِ)}.
قال -جل وعلا: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ
يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص]، فتنزه عن الصاحبة، وعن
الولد؛ لأنه خالق الخلق -جل وعلا-، خلقهم بغير مثال سابق، خلق الخلق كلهم، كلهم
عبيده.. وقدره ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ فلا ولد له، قال -جل وعلا: ﴿قُلْ إِن كَانَ
لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ [الزخرف: 81]، فالله -جل وعلا-
لم يكن له ولد، ولا زوجة، ولا شريك، ولم يلد، ولو يولد، هو أول بلا بداية، وآخر بلا
نهاية، وهو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم، يجب الإيمان بهذا
إيمانًا صادقًا راسخًا لا إشكال فيه.
{قال: (وَنَفَذَ حُكْمُهُ فِي جَمِيعِ اَلْعِبَادِ)}.
ونفذ حكمه في جميع العباد، حكمه نافذ في العباد، يخلق ويحيي ويميت، ويخلق ويرزق،
ويغني ويفقر، ويعز ويذل، حكمه ماضٍ في أمر خلقه، لا راد لحكمه، ولا مُغير لأمره،
فالحكم ماضٍ في خلقه -جل وعلا- على ما يريد -جل وعلا، وله الحكمة في ذلك، فكل حُكم
من أحكامه، أو قضاء من قضائه.. هو من كمال العلم، وكمال رحمته، وكمال العدل، وكمال
العلم والحكمة، والعدل والرحمة، يقول -جل وعلا: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الحجر: 85]، فحكمه ماضٍ في كل
الخلق، لا يرده شيء أبدًا، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
{قال: (لَا تُمَثِّلُهُ اَلْعُقُولُ بِالتَّفْكِيرِ)}.
لا تمثله العقول بالتفكير، العقول.. بالتفكير فيها، فكر أو لم يفكر، لن تستطيع أن
تنفذ في علم الله، ولا أن تعرف شيء، علمك مقصور ومحدود، فكرك في عقلك لا يمكن أن
تحيط بشيء من علم الله، أنَّ عبدًا من عبيد الله، مخلوق مربوب،... تملكها، لا
تستطيع أن تشاهد الله بها، ولا أن.. فالتفكير فيها غير سليم، وأنه يجب الاعتبار
والتفكر بخلق من مخلوقات الله، لنستدل على بها على عظمة الله -جل وعلا: ﴿أَوَلَمْ
يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..﴾ [الأعراف: 185] إلى آخر
الآية، فنظر المخلوقات لنستدل به على عظمة خالقنا، لكن نمثل الله في عقولنا أو
بأفكارنا، لا، لا في فهمنا ولا في أفكارنا، ولا في أقوالنا، الأمر أعظم وأجل قدرًا،
وأعلى شأنًا من أن يمثله أحد في فكره أو رأيه.
{قال: (وَلَا تَتَوَهَّمُهُ اَلْقُلُوبُ بِالتَّصْوِيرِ)}.
يعني: ما تتوهمه العقل، تقول: سمعه كذا وذاته كذا، لا تستطيع، أنت أأمن به ربًا
وخالقًا، أما كُنه صفاته وحقائقها، فهذا الأمر يستغرب لعلمه، لا تدري عن شيء أبدًا،
لا الأنبياء، ولا الملائكة ولا المرسلون، كل منهم لا يتصور الرب -جل وعلا، إنما
عليك الإيمان به، وبأسمائك وصفاته التي أرشدك إليها، أمَّا أن تزيد أن تخرج عن حدك
فلا، فلا يمكن أن تتصور عظمة الرب -جل وعلا.
الكون سماؤه وأرضه، وجباله وبحاره كله بيده، يمسك السماوات والأرض أن تزولا، كيف
يتوهم هذا الشيء؟! كله من الخطأ، بل أأمن به إيمانًا كاملاً مطلقًا أنه على كل شيء
قدير، محيط بالخلق أجمعين، الخلق كلهم مضطرون إليه، وهو الغني الحميد عنهم، ما
خلقهم من ذل، ولا.. من قل، ولا من ضعف، إنما خلقهم ليعبدوه وحده.
{قال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾}.
ليس كمثله شيء مطلقًا، ثم قال: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، فأثبت له السمع
والبصر يليق بجلاله، ثم قال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾، فليس كمثله شيء يعني:
مطلقًا، لا يمكن أن يشبه الله -عز وجل- بخلقه، لا يمكن أن نتصور شيئًا من.. الله
أبدًا، ولكن.. فقال: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، فأثبت له السمع والبصر، وسمعه
لائق به، فغير مشابه لخلقه، من يسمع دبيب النمل، على الصخرة السوداء، من يسمع
الداعي، ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ
عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ
إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87]، قال الله: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ
وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: 88].
فـ "ذا النُّون" دعا ربه في ظلمة البحر، في ظلمة الحوت، ولكن يسمع كلامه، ويعلم
حاله... بإكرامه وإعزامه، صلوات الله وسلامه على النبي يونس -عليه السلام-.
المهم أنه سمع ندائه، وهو فوق عرشه، وهو في بطن الحوت في البحار، سمع أنينه ودعاءه،
فاستجاب دعاءه، حتى الملائكة قالوا: صوت معروف، في مكان غريب، قال: «ذاك عبدي
يونس»، ثم أنقذه الله وأخرجه من البحر، كما قال الله: ﴿فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ
وَهُوَ سَقِيمٌ﴾ [الصافات: 145] إلى آخر الآيات.
فالمقصود أن لا يمكن أن نتصور شيئًا، ولا يمكن أن نفكر، بل علينا الإيمان والتقيد
والسمع والطاعة، والكف عن ما لا يعنينا، والوقوف على ما يعنينا.
{شكر الله لشيخنا ما أفاد به من هذا الشرح الممتع، وأسأل الله -عز وجل- أن يجعله في
ميزان حسناته، إنه جواد كريم، ونلتقيكم إخواننا المشاهدين في الحلقة القادمة -إن
شاء الله تعالى- والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.