الدرس العاشر

سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ

إحصائية السلسلة

7419 11
الدرس العاشر

كتاب لمعة الاعتقاد

{الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات في درسٍ من دروس العقيدة وهو شرح كتاب "لمعة الاعتقاد" للإمام الموفق ابن قدامة رحمه الله تعالى.
ومع شرح سماحة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حفظه الله تعالى.
مرحبًا بكم سماحة الشيخ.}
حيَّاكم الله.
{يقول المؤلف رحمه الله تعالى:
(وَمِنْ كَلَامِ اَللَّهِ -سُبْحَانَهُ- اَلْقُرْآنُ اَلْعَظِيمُ وَهُوَ كِتَابُ اَللَّهِ اَلْمُبِينُ، وَحَبْلُهُ اَلْمَتِينُ، وَصِرَاطُهُ اَلْمُسْتَقِيمُ، وَتَنْزِيلُ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ اَلرُّوحُ اَلْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِ سَيِّدِ اَلْمُرْسَلِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، مِنْهُ بَدَأَ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ)}
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ على نبينا محمدٍ وعلى آله وعلى أصحابه أجمعين.
من كلام الله جلَّ وعلَا القرآن الكريم، هذا القرآن الكريم المعجزة الخالدة لنبينا صلى الله عليه وسلم، كما قال صلى الله عليه وسلم: « مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلاَّ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيَّ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، أوحاه الله إليه، وهو كلام الله العظيم، وصراطه المستقيم، وحبله المتين، هو كلام رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين، بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ، هذا بإجماع الأمة الإسلامية على ذلك، وأن القرآن الكريم هو كلام الله، منزلٌ غير مخلوقٍ، بدأ منه -جلَّ وعلَا- بالوحي إلى جبريل، وإليه يعود، أي: في آخر الزمان يرفع إليه من صدور الرجال ومن المصاحف، عندما يعطل الناس العمل به، والتحاكم إليه؛ لقوله جلَّ وعلَا في سورة الأعراف: ﴿أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ﴾ [الأعراف: 54]، فانظر كيف فرق بين الخلق والأمر.
فالخلق خلق المخلوقات، والأمر الكلام، لهذا قال أحمد -رحمه الله: "هذا دليلٌ على أن الكلام غير مخلوقٍ"؛ لأن الله فرق بين الخلق والأمر، فالأمر هو كلامه، والخلق هو خلق المخلوقات، ولم يكن القرآن من المخلوقات، وإنما هو كلام رب العالمين.
 
{نعم، أحسن الله إليكم..
قال: (وَهُوَ سُوَرٌ مُحْكَمَاتٌ، وَآيَاتٌ بَيِّنَاتٌ، وَحُرُوفٌ وَكَلِمَاتٌ)}
هو سورٌ محكماتٌ، وآياتٌ بيناتٌ، قال جلَّ وعلَا: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ﴾ [آل عمران: 7]، وقال: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ﴾ [العنكبوت: 49].
{نعم، قال: (وَحُرُوفٌ وَكَلِمَاتٌ)}
بحروفٍ وكلماتٍ، وحي الله الذي تكلم به، تكلم بصوتٍ سمعه منه جبريل، حتى بلغه النبي صلى الله عليه وسلم، كما أخبر في كتابه.
{الآن أحسن الله إليكم بعض المصاحف يكتب في آخرها عند ذكر سند آخذ القرآن يقولون: عن جبريل عن اللوح المحفوظ}
ما يجوز، القرآن مَكتوب في اللوح المحفوظ، كما قال جلَّ وعلَا: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾ [البروج: 21، 22]، لكن جبريل لا يأخذ من اللوح المحفوظ، وإنما يتلقاه من رب العالمين مشافهةً، فيسمع جبريل من الله،  ويبلغ جبريل محمدًا صلى الله عليه وسلم، ونقول السند عن محمدٍ صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن رب العالمين، أما عن جبريل عن اللوح المحفوظ خطأٌ، لأن جبريل سمعه من رب العالمين مشافهةً، وبلغه النبي صلى الله عليه وسلم في حينه مشافهةً، كما في المجادلة: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾ [المجادلة: 1]، فسمع الله صوتها.
 
وتقول عائشة: "سبحان من يسمع الأصوات، أنا في آخر حجرتي ما سمعت كلامها، وقد سمع الله كلامها من فوق سبع سمواتٍ".
إذن ما في القرآن فهو أمورٌ:
أولًا: كتاب الله محفوظٌ.
ثانيا: هو كلام رب العزة أنزله على النبي صلى الله عليه وسلم.
{والإنزال على النبي صلى الله عليه وسلم بعدما بعث النبي صلى الله عليه وسلم}
نعم.
{هذا فيه ردٌّ على الذين يقولون: كلام الله -عزَّ وجلَّ- قديمٌ.
نعم، قال: من قرأه فأعربه فله بكل حرفٍ عشر حسناتٍ، له أولٌ وآخرٌ، وأجزاءٌ وأبعاضٌ}
من قرأه فأعربه فله عشر حسناتٍ،ألا إني لا أقول الم حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ، والقرآن يبدأ من فاتحة الكتاب، وآخره قل أعوذ برب الناس، حسب الترتيب العثماني المجمع عليه.
{نعم، أحسن الله إليكم..
وأجزاءٌ وأبعاضٌ، هل يفهم منها أن القرآن يتفاضل}
نعم يتفاضل، النبي صلى الله عليه وسلم قال في سورة قل هو الله أحدٌ، لما كان الصحابي يقرأ بها، قال: سلوه، قال: إنها سورةٌ أحبها، قال: «حبك إياها أدخلك الجنة».
وقال: «إنها تعدل ثلث القرآن»، وقال في الفاتحة: إنها خير سور القرآن، وأعظم آيةٍ، آية الكرسي، كل هذا يدل على تفاضل السور والآيات، وكله كلام الله لكن بعضه أفضل من بعضٍ.
 
{نعم.. أحسن الله إليكم..
قال: (مَتْلُوٌ بِالْأَلْسِنَةِ، مَحْفُوظٌ فِي اَلصُّدُورِ)}
متلوٌّ بالألسنة، محفوظٌ في الصدور، التلاوة تلاوة القاري، والكلام كلام الباري، متلوٌّ بالألسنة محفوظٌ في الصدور، جاء في شأن أمة محمد أنهم أمة أناجيلهم في صدورهم، والله يقول: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17].
{نعم.. (مَسْمُوعٌ بِالْآذَانِ)}
تسمع كلام الله عزَّ وجلَّ يقرأه القاري، وأنه كلام الله الذي لا تجد الأسماع أفضل ولا أطيب منه ولا أكمل منه.
{نعم.. (مَكْتُوبٌ فِي اَلْمَصَاحِفِ)}
هذه المصاحف مكتوبٌ فيها القرآن، القرآن كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ما جُمع، ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قلق الصحابة، خاف عمر على القرآن أن يذهب بذهاب أهله، فأشار على الصديق بجمع القرآن، فجمعه على جميع ما أنزل، فلما توفي الصديق وعمر، وجاء عثمان، اختلف الناس في القراءة، كلٌّ يقرأ، هذا يقرأ بقراءة ابن مسعود، وهذا يقرأ بقراءة أبيّ بن كعب، اختلفوا في بعض القراءات، فخاف عثمان أن يتفرقوا، فجمعه على العرضة الأخيرة التي عرضها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، وأجبر المسلمين على ذلك.
 
{(فِيهِ مُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ، وَنَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ، وَخَاصٌّ وَعَامٌّ، وَأَمْرٌ وَنَهْيٌ)}
فيه محكمٌ ومتشابهٌ، كما قال الله: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ [آل عمران: 7]، فالمحكم المتقن الذي لا يلحقه نسخٌ ولا تخصيصٌ، والمتشابه قد يلحقه التخصيص والنسخ، أما المحكم لا يحلقه شيءٌ.
وناسخٌ ومنسوخٌ، لأن الله جلَّ وعلَا قال: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَ﴾ [البقرة: 106]، ففي القرآن ناسخٌ ومنسوخٌ، وقد ألف العلماء مؤلفاتٍ في بيان الناسخ والمنسوخ في القرآن، على اختلافٍ في الروايات.
{قال: (وَخَاصٌّ وَعَامٌّ)}
فيه خاصٌّ وعامٌ، فالعام الشامل يخص منها هذا العام جزءٌ من الأجزاء.
{نعم.. (وَأَمْرٌ وَنَهْيٌ)}
فيه أمرٌ ونهيٌ، أوامر ونواهٍ وحرام؛ لأن هذا القرآن مشتملٌ على منهج حياة الأمة، التي تؤمن بربها، وقضاء الإنسان في نفسه، وقضايا المجتمع المسلم، فالقرآن دستور الأمة، فيه خيرٌ وهو صلاح دينها ودنياها، سواءً في أحكامه، أو في أوامره ونواهيه، أو في مواعظه وقصصه، كله خيرٌ وهدى.
{قال: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ولَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: 42])}.
نعم،.. ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ولَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ لا يأتيه الباطل من بين يديه من أمامه، ولا من خلفه، بل هو محكمٌ محفوظٌ بحفظ الله ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، فحفظ الله له حفظٌ لألفاظه، وحفظٌ لمعانيه، لايمكن لأهل الباطل أن يغيروا أو ينقصوا فيه، رغم العداوة القائمة، إلا أن الله حال بينهم وبين ما يريدون.
{(وقوله تعالى: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرً﴾ [الإسراء: 88])}.
أول ما تحداهم، بسورةٍ، بعشر سورٍ، ثم قال: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ﴾، يعني الثقلان جميعًا، لو اجتمعوا، وصاغوا عبارةً للقرآن، لن يستطيعوا، ولن يجدوا سبيلاً، فإنه كلام الله، أمر الله محفوظٌ بحفظ الله له.
{وقال: (وهذا هو الكتاب العربي الذي قال فيه الذي كفروا: ﴿لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ﴾ [سبأ: 31]، وقال بعضهم: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ [المدثر: 25]، فقال سبحانه: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ [المدثر: 26])}.
نعم، ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾، نسبوا القول إلى النبي، قال الله: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ لأنه كذب على الله، وجعل هذا من كلام البشر، وهو من كلام رب العالمين.
{قال: (وقال بعضهم: هو شعرٌ، فقال الله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ﴾ [يس: 69])}.
العرب اختلفوا في القرآن، قالوا: إنه شعر، والشعر حرفٌ وصوتٌ، كذا؟ حروفٌ وألفاظٌ، كلماتٌ وألفاظٌ وحروفٌ وأصواتٌ، فقولهم: شعرٌ، لأنه كأنه كلامٌ فارغٌ، ولكن الحقيقة أن الشعر متكونٌ من حروفٍ وكلماتٍ.
{قال: (فلما نفى الله عنه أنه شعر، وأثبته قرآنًا، ولم يبق شبهة لذي لُبٍ في أن القرآن هو هذا الكتاب العربي، الذي هو حروفٌ وكلماتٌ وآياتٌ، لأن ما ليس كذلك، لا يقول أحدٌ أنه شعرٌ)}.
يعني إذا تأملت القرآن حق التأمل، لا يمكن أن تقول عليه شعرٌ، بل حتى العرب، وقبيلة قريش، أتقنت الشعر، هزله وجده إلى آخر ذلك، لم أجد أحدا يقول إنه بشعرٍ ولا بكهانةٍ، ما يدل على أنه يؤمن بهذا، كما قال الله: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: 33].
{قال: (وقال الله -عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 23]، ولا يجوز أن يتحداهم بالإتيان بمثل ما لا يُدرى ما هو ولا يُعقل)}.
لما نزل القرآن تحداهم أن يأتوا بمثله، ولم يجدوا لذلك سبيلًا، ولا يستطيعون، وحاروا، وهم أهل بيانٍ، وأهل قدرةٍ، وإن كانوا أفصح الناس لسانًا، وأفقههم لغةً وبيانًا، فلو كان يستطيعون لبذلوا، لكنهم يعرفون عجزهم عن ذلك.
{قال: (وقال تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ﴾ [يونس: 15])}.
انظر، ﴿تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ﴾، "تتلى" ما قال: مخلوقٌ، تتلى، مما يدل على أنه غير مخلوقٍ، ﴿قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ﴾ أي: ائت بكلامٍ غير هذا الكلام أو بدله، قال الله: ﴿قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي﴾ [يونس: 15]، إن هذا كلام الله ليس كلامي، فلا أستطيع أن أبدل، ولا أنقص فيه.
{قال: (فأثبت أن القرآن هو الآيات التي تتلى عليهم، وقال تعالى: ﴿بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم﴾، وقال تعالى: ﴿إنه لقرآنٌ كريمٌ في كتابٍ مكنونٍ لا يمسه إلا المطهرون﴾، بعد أن أقسم على ذلك)}.
﴿فلا أقسم بمواقع النجوم.. في كتابٍ مكنونٍ﴾.
{أحسن الله إليكم، قال: (وقال تعالى: ﴿كهيعص﴾ ﴿حم عسق﴾، وافتتح تسعًا وعشرين سورةً بالحروف المقطعة)}.
مما يدل على أنه كلامٌ غير مخلوقٍ.
{(وقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «من قرأ القرآن فأعربه، فله بكل حرفٍ منه عشر حسناتٍ، ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرفٍ حسنةً»، حديث صحيح)}.
يعني فضل من قرأ القرآن وأتقه، وأداه بكمال حروفه، واضحًا غير ملحونٍ فيه، فله بكل حرف عشر حسناتٍ، ومن قرأه متتعتعًا فيه مقلاً يعني غير قادرٍ، فله حسنةٌ واحدةٌ.
{(وقال -عليه الصلاة والسلام: «اقرءوا القرآن قبل أن يأتي قومٌ يقيمون حروفه إقامة السهم، لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون أجره ولا يتأجلونه»)}.
قال: «لا يجاوز تراقيهم» يعني الخوارج، يعني معنى أن حظهم في القرآن التلاوة، لكن لا أجر لهم؛ لأنهم استعجلوه في الدنيا، وقرأوه رياءً وسمعةً، لم يتلوه حبًّا مع تعظيم لله، ولا تقربًا إلى الله بعبادته، وإنما أرادوا به الرياء والسمعة، ولهذا تعجلوا ثوابه، فهو لا يجاوز تراقيهم، كالخوارج، الذين عطلوا العمل به، واستحلوا به دماء المسلمين، فلهذا القرآن لا يجاوز تراقيهم، إنما فقط مجرد تلاوةٍ لا عمل ولا إيمان بها.
{قال: (وقال أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما: "إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه")}.
إتقانه، وفهم معانيه، ولو كان أكثر من حفظ كثيرٍ بغير فهمٍ له، ولذا قال الله: ﴿أفلا يتدبرون القرآن.. اختلافًا كثيرً﴾.
{(وقال عليٌّ -رضي الله عنه: "من كفر بحرفٍ منه، فقد كفر به كله")}.
لابد أن نؤمن بأن القرآن كاملٌ، المصحف، نؤمن بدايته إلى آخره، من أنكر حرفًا منه، أو جحده كفر، فهو كافرٌ، لأن هذا كلام الله، بإجماع الأمة، الذي تلقوه من رسول الله مشافهةً، وأثبتوه في المصاحف بإجماعهم -رضي الله عنهم وأرضاهم-، أن هذا كلام الله، فمن شك في شيء منه، فهو ضالٌّ مضلٌ.
{قال: (واتفق المسلمون على عد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه، ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورةً، أو آيةً، أو كلمةً، أو حرفًا متفقًا عليه، أنه كافرٌ، وفي هذا حجةٌ قاطعةٌ على أنه حروفٌ)}.
وهذا بخلاف الشواذ في القراءات، فإن المتفق عليها يكون صحيحًا أما القراءة الشاذة، التي قد تكون ضعيفةً، فإن منكرها قد لا يكون كافرًا، وإنما يُعلَّم أنها قراءةٌ شاذةٌ.
{جزى الله سماحة شيخنا خير الجزاء على ما أفاد به، وجعله في موازين حسناته، والشكر موصولٌ لكم أيها الإخوة المشاهدون، وإلى لقاءٍ في حلقةٍ قادمةٍ -إن شاء الله تعالى-، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك

سلاسل أخرى للشيخ