الدرس الحادي عشر

فضيلة الشيخ أ.د. فهد بن سعد المقرن

إحصائية السلسلة

3179 12
الدرس الحادي عشر

الفصول في سيرة الرسول

{السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بكم -أيُّها المشاهدون الكرام- في حلقةٍ جديدةٍ من برنامجكم "البناء العلمي".
نستكمل وإيَّاكم في هذه الحلقة شرح كتاب "الفصول من سيرة الرَّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" للإمام ابن كثير -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
ضيفنا في هذه السِّلسلة فضيلة الشَّيخ الأستاذ الدكتور/ فهد بن سعد المقرن، باسمي وباسمكم جميعًا نرحب بفضيلة الشَّيخ}.
حيَّاكَ الله أخي الشَّيخ محمد، وحيَّا الله الإخوة المشاهدين والمشاهدات، ونسأل الله للجميع العلم النَّافع والعمل الصَّالح، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
{كنَّا قد وقفنا عد حديث المؤلف عن نزول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى مكَّة واغتساله في بيت أم هانئ.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ونزل -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة واغتسل في بيت أم هانئ وصلى ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين، فقيل إنها صلاة الضحى، وقيل: صلاة الفتح.
قال السهيلي: وقد صلَّاها سعد بن أبي وقاص في إيوان كسرى، إلا أنَّه صلَّى ثماني ركعات بتسليم واحد، وليس كما قال، بل يسلم من كل ركعتين كما رواه أبو داود)
}.
الصَّح أنَّ صلاة الليل مثنى مثنى، وصلاة النَّهار مثنى مثنى، فصلاته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيت أم هانئ كانت مثنى.
وهذا يدعونا إلى التَّعريف بسيرة أم هانئ، قيل إنَّ اسمها: فاختة، وقيل: هند بنت أبي طالب.
أسلمت عام الفتح، وهي ابنة عم رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما هو ظاهرٌ من نسبها، رُويَ أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطبها، فقالت: "أنتَ أحبُّ إليَّ من سمعي وبصري، وإنِّي قد كبرتُ، وحقُّ الزَّوج عظيم، ولي صبيةٌ وولد"؛ فلهذا امتنعت، وإذا صحَّت هذه الرِّواية فهذا يدلُّ دلالة عظيمة على أنَّ من أعظم أسباب زواج النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو تطييب النُّفوس، وإطفاء العداوات بالمصاهرة، وهذا ظاهرٌ من نكاح النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما مرَّ معنا كثيرًا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وخرج -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى البيت فطاف به طواف قدوم، ولم يسع، ولم يكن معتمرًا، ودعا بالمفتاح، فدخل البيت وأمر بإلقاء الصور ومحوها منه)}.
وهذا يدلُّ على أنَّ أهل الشِّرك فعلوا إحداثات في البيت، منها:
- وضع الأصنام حول الكعبة، وذكر أنَّه أُحيطَ بالكعبة ما يُقارب ثلاثمائة وستين صنمًا، وكذلك صنم "إيساف ونائلة"، وكان الطَّائف يطوف بهما، أو يستلم "إيساف" وينتهي بـ"نائلة"، فهذا من الإحداثات التي أحدثوها، وهو من تغيير دين إبراهيم الذي ابتدأه عمرو بن لحي الخزاعي -كما مرَّ معنا.
- أنَّهم رسموا على جدار الكعبة رسومات، وربما يمرُّ معنا أنَّهم رسموا شخصيَّة إبراهيم -عليه السلام- وإسماعيل، وهما يستقسمان بالأزلام، وهذا كله من الافتراء والكذب، ومن التَّغيير لدين إبراهيم الذي وقع، حتَّى جاء الله بمحمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعاد هذه الحنيفيَّة إلى ما كانت عليه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وأذن بلال يومئذ على ظهر الكعبة)}.
أثر أذان بلال من مراسيل عروة بن الزبير.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ثم رد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المفتاح إلى عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، وأقرهم على السدانة، وكان الفتح لعشر بقين من رمضان.
واستمر -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مفطرًا بقية الشهر يصلي ركعتين، ويأمر أهل مكة أن يتموا، كما رواه النسائي بإسناد حسن عن عمران بن حصين -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)
}.
هذه سنَّة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهي التَّرخُّص برخص السَّفر، فكان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصلي بهم ويأمر أهل مكَّة بالإتمام، ويقول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» ، أي: مسافرون، والمسافر له أن يترخَّص ما دام أنه لم ينوِ الإقامة في البلد.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وخطب -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الغد من يوم الفتح فبين حرمة مكة وأنها لم تحل لأحد قبله ولا تحل لأحد بعده، وقد أحلت له ساعة من نهار، وهي غير ساعته تلك حرام)}.
يعني خلاف هذه الساعات فهي حرام.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وبعث -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السرايا إلى من حول مكة من أحياء العرب يدعوهم إلى الإسلام)}.
بنو "جَذِيمة" بفتح الجيم، وهو الأشهر والأصح؛ وهؤلاء بطن من قبيلة كنانة، ومساكنهم في منطقة يُقال لها "الغميصاء" شمال "الليث" الآن من جهة يلملم -وهو ميقات أهل اليمن- وتبعد تقريبا خمسة وأربعين كيلو عن مكَّة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وكان في جملة تلك البعوث بعث خالد إلى بني جذيمة الذين قتلهم خالد حين دعاهم إلى الإسلام. فقالوا: صبأنا، ولم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فوداهم رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتبرأ من صنيع خالد بهم)}.
وداهم: يعني دفع ديَّاتهم.
والقصَّة مجملة في سياق ابن كثير وفيها ملابسات، وهذا هو سياق الرواية الصَّحيحة، وفي بعض الرِّوايات أنَّهم لَمَّا جاءهم خالد بن الوليد -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كانوا يحملون السلاح ويقولون: "صبئنا صبئنا" ولم يُحسنوا أن يقولوا: أسلمنا! فهم قد تأخَّر إسلامهم، ولم يعلم خالد بإسلامهم، وظنَّ أنَّهم لم يُسلموا، وخاصَّة أنَّهم أشهروا ذلك، فوقع من خالد -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الغلظ في هذا، ولهذا تبرأ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من صنيع خالد، وأمرَ بوأدهم ودفع الديات لهم.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وكان أيضًا في تلك البعوث بعث خالد أيضًا إلى العزى)}.
من خلال السياق التاريخي فيما يظهر أنَّ خالد -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- رجل عسكري وقائد محنَّك، وله من الشَّجاعة ومن حُسن التَّدبير ما جعل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعدَ فتح مكَّة يُوكِلُ له تلك المهمَّات العظيمة، ومنها: بعثه إلى بني جذيمة، وقبل ذلك بعثه إلى العُزَّى.
والعُزَّى هذا من الأوثان المعظَّمة.
والعُزَّى: تأنيث "الأعز" مثل الكُبرى تأنيث "الأكبر".
وفيما يظهر من كلام المؤرخين وما ذكر ابن الكلبي في كتابه "الأصنام" وغيره من المؤلفين: أنَّ "العزَّى" ثلاث شجرات مُعظَّمة من شجر السَّمُر، وهو شجر ينبت في جبال مكَّة وهو معروف.
قال: (بيت)، يدل على أنَّها بُنيَ عليها حائط، ولم نقل: "بناء" لأن البناء يمنع وصول الشَّمس إلى المكان، فيبدو أنَّه كان حائطًا؛ لأنَّ الشجر لا ينبت إذا حُجِبَ عن الشَّمس، فكان هذا البيت معظَّمًا، وجُعِلَ له سدَنَة، والآن -بحمد الله- ما لها آثار، وكان هذا في منطقة وادي نخلة، وتكلَّمنا عن وادي نخلة وأنَّه كان من الأماكن المعظَّمة عند قريش، وكل هذا -والعياذ بالله- من وحي الشيطان.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وكان بيتًا تعظمه قريش وكنانة وجميع مضر، فدمرها، رضي الله عنه من إمام وشجاع)}.
في بعض السياقات التَّاريخيَّة أنَّه لَمَّا قطعها وأزالها وأحرقها خرجت عجوز شمطاء تولول، فسُئل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك فقال: «تِلْكَ الْعُزَّى» .
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فصل: وكان عكرمة بن أبي جهل قد هرب إلى اليمن، فلحقته امرأته وهي مسلمة وهي أم حكيم بنت الحارث بن هشام، فردته بأمان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأسلم وحسن إسلامه، وكذا صفوان بن أمية كان قد فرَّ إلى اليمن، فتبعه صاحبه في الجاهلية عمير بن وهب بأمان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرده، وسيَّره -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعة أشهر، فلم تمض حتى أسلم وحسن إسلامه -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)}.
ذكر ابن كثير شخصيتين: عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أميَّة، وكلاهما كان لآبائهما المعارضة والمعاندة للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومع ذلك قبِلَ منهم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإسلام وعفا عنهم، وحسنَ إسلامهم.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فصل ـ غزوة حنين
ولَمَّا بلغ فتح مكة هوزان جمعهم مالك بن عوف النصري، فاجتمع إليه ثقيف)
}.
قبيلة "ثقيف" تسكن الطائف، وقبيلة "هوازن" تسكن ما جاور الطائف، وهاتان القبيلتان من أهل الشَّوكة والقوَّة، ولم يُسلموا بعد، فلا شك أن تأمين هذه المنطقة لمكَّة من الضَّرورات المهمَّة، والآن سوف يأتي معنا -إن شاء الله- في سياق غزوة حنين، وهي من الغزوات العظيمة التي غزاها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان فيها مواقف تاريخيَّة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فاجتمع إليه ثقيف وقومه بنو نصر بن معاوية).
مالك بن عوف النَّصري: نسبة إلى أحد أجداده نصر بن معاوية
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وبنو جشم، وبنو سعد بن بكر، ويسير من بني هلال بن عامر، وقد استصحبوا معهم أنعامهم ونساءهم لئلا يفرُّوا، فلما تحقَّق ذلك دريد بن الصِّمة شيخ بني جشم، وكانوا قد حملوه في هودج لكبره تيمنًا برأيه)}.
يعني: يحتاجون رأيه. وهذا هو الصَّحيح، وعمر بن الخطاب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يقول: "رأيُ الشَّيخ أحبُّ إليَّ من مشهد الغلام". وسيظهر لك الآن قوَّة رأي دريد بن الصُّمَّة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (أنكر ذلك على مالك بن عوف النصري وهجنه)}.
هجَّنه: أي وبَّخه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وقال: إنها إن كانت لك لم ينفعك ذلك، وإن كانت عليك فإن المنهزم لا يرده شيء)}.
وهذا موقف تاريخي، فمالك بن عوف ما أجد ما يدل على تاريخ سنِّه وعمره في تلك المعركة، لكن الظاهر أنَّه كان يُقارب من السبع وعشرين إلى السبع والثلاثين، أمَّا دريد بن الصُّمَّة فكان قد بلغ المائة، وأُوتي به وكان لا يرى، إمَّا أنَّه أُصيب بالعمى، أو لأنَّه من كبر سنِّه لا يُبصر. فقال: "ما لي أسمع رواء البعير وثغاء الشاة، وبكاء الصبي". فقال له عوف: إنَّما سقتهم معي لأجل أن لا يرجع الناس، ويُقاتلون على ما أشد ما يكون القتال.
وهذه الكلمة عجيبة جدًّا وتدل على قوَّة رأي دريد، وفعلًا وقع مثلما قال: "إنها إن كانت لك لم ينفعك ذلك"، يعني إن كانت الغلبة لك فلن ينفعونك؛ لأنهم سيكونون حملًا ثقيلًا عليك، أن تقاتل وهم وراءك، وربما تنشغل بهم. قال: "وإن كانت عليك فإن المنهزم لا يرده شيء"، يعني: في حال الهزيمة حينما يُريد النَّجاة لنفسه ما يردُّه شيء، فكان رأي دريد رأيًا عجيبًا، وهذا دلَّ على أنَّه من أهل الذَّكاء، بينما عوف -مع أنه أسلم رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لكن كان في ذاك الوقت كان رأيه مجانبًا للصواب، خاصًّة فيما يتعلق بهذه القضية.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وحرَّضهم على ألا يقاتلوا إلا في بلادهم، فأبوا عليه ذلك واتَّبعوا رأي مالك بن عوف، فقال دريد: هذا يوم لم أشهده ولم يغب عني)}.
وفي بعض الروايات: "لم اشهده ولم يفتني"، ويقصد أنَّه ما حضرَ المحاربة، وكان له رئاسة، ولكن لكبر سنِّه وُضعَت لعوف، ولهذا كان محمولًا على هودج، ويقول: إنِّي شهدتُّ هذا، ولكن شهودي كان ناقصًا، لأنِّي أعطيتُ رأيي ولم يستجب لي.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وبعث -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي فاستعلم له خبر القوم وقصدهم، فتهيأ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للقائهم، واستعار من صفوان بن أمية أدراعًا، قيل: مائة. وقيل: أربعمائة. واقترض منه جملة من المال)}.
صفوان بن أميَّة هو ابن أمية بن خلف، هربَ ثم أجاره عمير بن وهب، ثم بعد الإجارة مكثَ في مكَّة أربعة أشهر، وأعار النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه الأدرع، فيبدو من سياق القصَّة أن صفوانًا كان يتَّجر بالسِّلاح، فهذه الأدرع كانت من ضمن التِّجارة التي كانت عنده، فاستعارها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لأنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاتل معه في حنين عدد كبير جدًّا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وسار إليهم في العشرة آلاف الذين كانوا معه في الفتح، وألفين من طلقاء مكة)}.
يعني اثنا عشر ألفًا، وهو عدد كبير جدًّا في مقابل هوازن.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وشهد معه صفوان بن أمية حنينًا وهو مشرك، وذلك في شوال من هذه السنة، واستخلف على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص أمية بن عبد شمس، وله نحو عشرين سنة.
ومر -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مسيره ذلك على شجرة يعظمها المشركون يقال لها ذات أنواط، فقال بعض جهال العرب: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال: «قلتم ـ والذي نفسي بيده ـ كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة، لتركبن سنن من كان قبلكم»)
}.
هذه قصَّة عجيبة، وجاء من رواية أبي واقد الليثي أنَّهم مروا وهم في طريقهم إلى الطائف بهذه السِّدرة، ويُقال لها: "ذات أنواط"، أي: ذات تعاليق.
والأنواط: جمع نوط، وهو كل شيءٍ يُعلَّق.
وهذا الطَّلب كان من بعض الطلقاء والحدثاء ممن أسلم من العرب، وهذا الطلب خطير جدًّا؛ لأنهم قالوا: "اجعَلْ لنا ذاتَ أَنْواطٍ، كما لهم ذاتُ أَنْواطٍ"، فهذه السدرة -أو الشجرة- يُمارَس عندها طقوس، من ضمن الطقوس:
- تعليق السلاح للبركة، فيعلقون الأذرع والسيوف لأجل البركة، والبركة هي: طلب الخير وكثرة النماء لهذا السلاح، حتى يكون قويًّا ولا ينكسر في يده، إلى غير ذلك من الاعتقادات.
- كذلك كان يُذبَح عندها.
- وكان يعكفون عندها، والعكوف عند الأماكن المعظَّمة كان عادة معروفة عندهم، فمَن كان في عقله أو عنده مرض كان يعكف عند هذه السدرة طلبًا لهذه البركة، ولهذا النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «قُلْتُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه ِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً، إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ، إِنَّهَا لَسُنَنٌ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّة» ، وهذا في قوله تعالى: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [الأعراف: 138].
ومعنى الحديث: أنَّكم طلبتم مثل ما طلب بنو إسرائيل من موسى، وهذا يدل على أن الجمهور والكثرة يحتاجون إلى تربية وتصفية؛ لأنَّ وجود السَّواد الأعظم يكون فيه الخُلَّص، ولكن هؤلاء الجموع لابد لها من قيادة وتوجيه وتعليم.
وهذا يستوقفنا! إن كان هذا وقع من بني إسرائيل، ووقع من حدثاء الإسلام في حُنين؛ كيف أنَّ الأمور تعود إلى ذلك في هذا الزمان! فالله -عَزَّ وَجَلَّ- أنعم علينا بالعقيدة، لكن إذا ضعُفَ التَّوحيد وضعُفَ العلم جاءت هذه الأمور في ظلِّ العلم والحداثة والعلم والعصرانيَّة وغيرها.
ومن قريب جاء ما يُسمَّى بمشروع شجرة الأمنيات، وهو مشروع غربي، ويُظنُّ أنَّه مشروع تربوي، وفي الحقيقة هو تربية على التعلُّق بغير الله -عَزَّ وَجَلَّ- ومشابه للصورة التي نتكلم عنها، وبعض الدول سمَّتها "سدرة الأمنيات"، سبحان الله! حتى لفظ "السدرة" استُعير واستُخدِم، فكان الطفل يضع له أمنية معيَّنة، ثم يُعلِّقها، ويبدأ يسعى في تحقيق هذا الهدف، وكل هذا من الأمور الخطيرة جدًّا، والتي تُشابه كثيرًا هذه الصورة التي حذَّر منها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سدَّ كل الذَّرائع المفضية للشرك، ولا يعتقد أحد أنه معصوم من الشرك، لأنَّ الشرك يأخذ ألوانًا وأبعادًا مختلفة، لأنَّه من كيد الشيطان ووحيه، فلا تظن أنك معصوم من دخول الشرك عليك، وكيف تكون لك العصمة وأنت تتلو كلام الله -عَزَّ وَجَلَّ- وتسمع دعاء إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام- وهو مَن كسَّر الأصنام بيده، وهو يقول: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾ [إبراهيم: 35، 36]، وكما قال إبراهيم التَّيمي في البخاري: "إذا كان إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- إمام الحنفاء، ومَن كسَّر الأصنام بيده يخشى على نفسه وعلى بنيه في الوقوع في الشرك، فمَن يأمن البلاء بعدَ إبراهيم!"، يعني: ليس ثَم أحد معصوم من الوقوع في فتنة الشيطان، فالشيطان يأتي للقلوب ويؤثر فيها، والمصيبة كل المصيبة والرَّزيَّة كل الرَّزيَّة أن تُصابَ في عقيدتك وتوحيدك الذي هو رأس مالك، والذي هو من أسباب نجاتك من النار، ونجاتك من الخلود في النار، فلا شكَّ أنَّ الإنسان ينبغي أن يعتني بهذا الأمر غاية العناية، وأن لا يعتقد لنفسه العصمة، ويسأل ربَّه أن يُجنِّبَه مثل هذه الأمور، ويحرص على سدِّ الذَّرائع المفضية، فبعض الناس يتصوَّر أن الأمر بسيط! لا، النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالغَ في النَّكير عليهم، وحذَّر من أن نسلك كما سلكَت الأمم من قبلنا من اليهود والنصارى، كما هو واقع الآن، فإنَّ الشرك يضرب أطنابه في دينهم، والله -عَزَّ وَجَلَّ- خلَّص دين الإسلام من هذه الأمور، فهو التَّوحيد الخالص الذي أراده الله -عَزَّ وَجَلَّ-، ولهذا لا يُتساهَل في مثل هذه الأمور، وتُسد الطُّرق كلها المفضية للفتنةِ.
والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حذَّر في أمور كثيرة، فمنهج النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في التَّحذير من الذَّرائع كثير جدًّا:
- ففيما يتعلق بالقبور: نهى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن تجصيصها وعن رفعها، وعن البناء عليها، وعن وضع السُّرُج؛ كل هذا لأجل حماية التَّوحيد، وسد الذَّرائع الْمُفضية له، وحماية جناب التوحيد؛ لأنَّ جناب التوحيد مُعظَّم، وهو أعظم مَا يملكه المسلم، وأول ما يُسأل عنه في قبره، فالملكان حينما يسألان الميت أول ما يُدفن يقولان: مَن ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟
هذه الثلاثة أسئلة يُجيب الإنسان عنها بما كان عليه من التوحيد، نسأل الله أن يُميتنا على التوحيد، وأن يعصمنا من الشرك ومن أسبابه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ثم نهض -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوافى حنينًا، وهو واد حدور من أودية تهامة)}.
يعني منحدر من جبال السروات إلى تهامة، وتهامة هي السهل المحاذي للبحر، ويمتد من اليمن إلى ما يقارب الشام، وهذا الوادي ضيق، وتقريبًا يبعد عن مكة ستة وعشرين كيلو، وهذا الوادي منحدر -مثل المدرج- فدخله النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعه هؤلاء.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وقد كمنت لهم هوازن فيه)}.
يعني من يسير في الوادي يجد على ضفتي الوادي أماكن حجارة متارس يتترَّس بها، وهذا من أسباب وقوع الخلل في الغزوة مع هؤلاء الذين كانوا مع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهناك أسباب كثيرة، فهوازن كمنوا لهم بين هذه الحجارة ومعهم النَّبل، ففاجؤوهم مع بداية ظهور الفجر.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وذلك في عماية الصبح)}.
يعني في بداية الصباح، فكمنوا بين هذه المتارس والحجارة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فحملوا على المسلمين حملة رجل واحد، فولى المسلمون لا يلوي أحد على أحد، فذلك قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} وذلك أن بعضهم قال: لن نغلب اليوم من قلَّة)}.
سواد الجيش كان فيه الطُّلقاء والحُدثاء، وهذا التَّولِّي لم يصدر من الصَّحابة؛ لأنهم تربوا على يد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنَّما من تأخر إسلامهم ما استقر الإيمان في قلوبهم، ولذلك صدر منهم أمرين:
الأمر الأول: لَمَّا قالوا: اجعل لنا ذات أنواط.
وذكر الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب في مسائله: "المنتقل من الباطل الذي اعتاده لا يأمن أن يبقى في قلبه شيء"، فيحتاج إلى فترة ووقت؛ لأنَّه قد يعود به الشيطان إلى ما كان عليه.
الأمر الثاني: لَمَّا قالوا: لن نُغلَب اليوم من قلَّة؛ لأنَّ عددهم كان كبيرًا جدًّا، والعرب تعرف أن عدد اثني عشر في العادة لا يُغلّب من قلَّة.
وهذا فيه الالتفات إلى الأسباب، فأراد الله أن يُربِّي أهل الإيمان، وأنَّكم لا تُنصَرون لا بالعدد ولا بالعُدَّة، وإنَّما تُنصَرون بوجود النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معكم، وبما في قلوبكم من الإيمان.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وثبت رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يفر، ومعه من الصحابة: أبو بكر، وعمر، وعلي، وعمه العباس، وابناه: الفضل، وقثم، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب)}.
الحارث بن عبد المطلب هو ابن عم رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وابنه جعفر، وآخرون.
وهو -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومئذ راكب بغلته التي أهداها له فروة بن نوفاسة الجذامي)
}.
فروة الجذامي أهدى للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه البغلة، وكان له رئاسة على "معان" في منطقة الأردن، وكانت رئاسته لحماية الرُّومان في ذلك الوقت، وذكر أنَّه أسلم، وأهدى للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه البغلة، وقيل: إنَّ الرومان قتلوه لأجل إسلامه.
وربما يتساءل السامع: ما المقصود بالبغلة؟
البغلة: حيوان هجين من تزاوج الفرس والحمار، وهو عقيم، وقد يكون فيه الذكر والأنثى، لكن ما يكون له نسل.
والهدف من هذا التَّهجين: احتساب الصفات الحسنة للحمار والخيل، فيجمع بينهما، فالحمار مشهور بالصبر والمصابرة. وكان "البغل" في القديم من الأشياء التي تُهدَى، وتكون من الزِّينة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وهو يركضها إلى وجه العدو، والعباس آخذ بحكمتها يكفها عن التقدم، وهو -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينوه باسمه يقول: «أنا النبي لا كذب.. أنا ابن عبد المطلب». ثم أمر العباس، وكان جهير الصوت)}.
جهير الصوت: مثل الآن مكبرات الصَّوت، وفيه موقف مفاجئ حصلَ وما حُسِبَ له حساب، وهو هذا الكمين في الوادي الضَّيِّق، وهؤلاء تترسوا، وهوازن وثقيف أهل جبل، فلا شك أنَّهم فعلوا شيئًا عظيمًا جدًّا في جيش رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولكن الأمر استُدرِك، وكانت المنَّة من الله -عَزَّ وَجَلَّ-، قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَ﴾ [التوبة: 26]، فكانت المنَّة من الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وكان درسًا للصحابة ولمن كان معهم ممَّن أسلم متأخِّرًا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ثم أمر العباس، وكان جهير الصوت أن ينادي: يا معشر الأنصار، يا معشر أصحاب الشجرة، يا معشر أصحاب السمرة)}.
المقصود: الشجرة التي حصلت عندها بيعة الرضوان؛ لأنَّهم بايعوا على أن لا يفرُّوا، وكان عددهم ألف وأربعمائة، فلا شكَّ أن مُقتضى البيعة الآن أن لا يرجعوا.
ودائمًا الجموع والجيوش تؤثر فيها حركة واحدة، ولهذا كان يٌسَّم الجيش إلى ميمنةٍ وميسرةٍ ورايات؛ وذلك لحماية ذلك الأمر، وربما تذكر في غزوة أحد كيف حصلت الوقيعة بالمسلمين، وكانت بسبب موقف بسيط جدًّا، وهو نزول الرُّماة، وتنبَّه خالد لهذا ثم استدار، ثم وقع الخلل، فدائمًا حال المعركة تكون الحالة النفسيَّة مضطربة؛ لأن الإنسان يكون بين الحياة والموت، ولا يثبت الله -عَزَّ وَجَلَّ- إلَّا أهل الثبات وأهل الإيمان في مثل هذه المواقف العسيرة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فلما سمعه المسلمون وهم فارون كروا وأجابوه: لبيك لبيك، وجعل الرجل إذا لم يستطع أن يثني بعيره لكثرة المنهزمين، نزل عن بعيره وأخذ درعه فلبسه)}.
مَن شاهدَ الوادي وشاهد المكان يتصوَّر المشهد على حقيقته، فهذا الودي كان ضيِّقًا، وكان الجيش يمشي على صفوف، فلما ينهزم جزء منهم فلا شك أن يكون ذلك مُؤثرًا، وإذا كان فيه حشود ويخرج واحد أو يهرب واحد فهذا يؤثر في المجموع كله، فإدارة الحشود إدارة ليست باليسيرة، وهذا يقع في الحج، فربما موقف بسيط من أحد الناس يحصل به الخلل، فيحتاج إلى تنظيم وترتيب، فهذا توصيف للمعركة حتى يتصورها المشاهد والمشاهدة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وأخذ سيفه وترسه، ويرجع راجلًا إلى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى إذا اجتمع حوله عصابة منهم نحو المائة، استقبلوا هوزان فاجتلدوا هم وإياهم، واشتدت الحرب، وألقى الله في قلوب هوازن الرعب حين رجعوا، فلم يملكوا أنفسهم، ورماهم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقبضة حصباء بيده، فلم يبقَ منهم أحد إلا ناله منه)}.
هذا الرمي من النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حدثَ، ولكن هذا ليس سبب نزول الآية ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ﴾.
ولاحظ الآن: اثنا عشر ألف، ومائة فقط هم الذين ثبتوا مع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والقوة والغلبة وتغيُّر سير المعركة وقع على أيدي فئة قليلة جدًّا، فدلَّ على أن أهل الإسلام لا يُنصَرون بالعدد والعتاد فقط، وإنَّما بالقوة الإيمانيَّة، مع أنَّ اتَّخاذ العدد والعتاد مُهم جدًّا، لكن ليس هو الأهم.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وفسر قوله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ﴾ بذلك، وعندي في ذلك نظر؛ لأن الآية نزلت في قصة بدر كما تقدم.
وتفر هوازن بين يدي المسلمين، ويتبعونهم يقتلون ويأسرون)
}.
انظر كيف أنَّ الأمرَ تغيَّر على يد عصبةٍ قليلةٍ، فثبتوا، ثم بعد ذلك صارت الغلبة لأهل الإسلام.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فلم يرجع آخر الصحابة إلى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا والأسارى بين يده، وحاز -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أموالهم وعيالهم، وانحازت طوائف من هوازن إلى أوطاس)}.
أوطاس: شمال شرق ذات عرق -الميقات المعروف- فوادي الذي حدثت فيه المعركة يتَّجه إلى وادي حنين ويتَّصل بوادي أوطاس، فانحازت هوازن إليه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فبعث -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهم أبا عامر الأشعري واسمه عبيد ومعه ابن أخيه أبو موسى الأشعري حاملا راية المسلمين في جماعة من المسلمين، فقتلوا منهم خلقًا، وقتل أمير المسلمين أبو عامر، رماه رجل فأصاب ركبته، وكان منها حتفه، فقتل أبو موسى قاتله، وقيل: بل أسلم قاتله بعد ذلك، وكان أحد إخوة عشرة قتل أبو عامر التسعة قبله، فالله أعلم.
ولما أخبر أبو موسى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك استغفر -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي عامر. وكان أبو عامر رابع أربعة استشهدوا يوم حنين، والثاني أيمن بن أم أيمن، والثالث يزيد بن زمعة بن الأسود، والرابع سراقة بن الحارث بن عدي من بني العجلان من الأنصار -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
وأما المشركون فقتل منهم خلق كثير، وفي هذه الغزوة قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» في قصة أبي قتادة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)
}.
السَّلَب: ما يلبسه المحارب وما يحمله.
وقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» لا يدخل في قسمة الغنيمة، وإنَّما يأخذه مَن قتل القتيل، وهذا كالجُعْل وكالجائزة والتَّشجيع لأصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فصل ـ غزوة الطائف ـ
وأما ملك هوازن وهو مالك بن عوف النصري فإنه حين انهزم جيشه دخل مع ثقيف حصن الطائف)
}.
انهزم الجيش الآن، ودخل في حصن الطَّائف، والطائف كانت لثقيف، وهي محصَّنة كما هو معلوم، فهي منطقة جبليَّة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ورجع -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من حنين فلم يدخل مكة حتى أتى الطائف فحاصرهم)}.
يعني حاصر هذا الحصن.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فقيل: بضع وعشرون ليلة، وقيل: بضعة عشرة ليلة. قال ابن حزم وهو الصحيح بلا شك.
قلت: ما أدري من أين صحح هذا؟ بل كأنه أخذه من قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهوازن حين أتوه مسلمين بعد ذلك: «وقدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بكُمْ. ... فأقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً»، وفي الصحيح عن أنس بن مالك -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: "فحاصرناهم أربعين يومًا -يعني ثقيفًا- فاستعصوا وتمنعوا، وقتلوا جماعة من المسلمين بالنبل وغيره.
وقد خرب -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثيرًا من أموالهم الظاهرة وقطع أعنابهم، ولم ينل منهم كبيرهم شيء، فرجع عنهم فأتى الجعرانة، فأتاه وفد هوازن هنالك مسلمين، وذلك قبل أن يقسم الغنائم، فخيرهم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين ذراريهم وبين أموالهم، فاختاروا الذرية)
}.
الأموال والذريَّة صاروا من الغنائم، فخيَّرهم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينهما، فاختاروا الذَّراري وهم: النساء والأطفال، حتى لا يكون عليهم استرقاق.
والرِّق يُعرفه العلماء أنه: عجزٌ حُكميٌّ سببه الكفر.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم»، قال المهاجرون والأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)}.
يعني من الغنيمة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وامتنع الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وقومهما حتى أرضاهما وعوضهما -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)}.
الأقرع بن حابس التَّميمي، وهو خطيب وشاعر ومن المؤلفة قلوبهم، أسلم قبل حنين.
وعيينة بن حصن الفزاري من غطفان، من فزارة التي ترجع إلى غطفان.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وأراد العباس بن مرداس السلمي أن يفعل كفعلهم)}.
يمتنع مثلهما.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فلم توافقه بنو سليم، بل طيَّبوا ما كان لهم لرسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرُدَّت الذرية على هوازن، وكانوا ستة آلاف)}.
يبدو أن الرَّد كان للذريَّة، ولهذا كان المال خارج القسمة، فامتناع الأقرع وعيينة كان على هذا النَّحو، حتى أرضاهم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعوَّضهم عن الذرية، فكانوا يُريدون الاسترقاق لهؤلاء، وكان عددهم كبيرًا جدًّا كما يذكر ابن كثير.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فيهم الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى من بني سعد بن بكر بن هوزان، وهي أخت رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الرضاعة، فأكرمها وأعطاها، ورجعت إلى بلادها مختارةً لذلك، وقيل: كانت هوازن متُّوا إلى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برضاعتهم إياه)}.
لا شكَّ أنَّ رضاع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندهم شرف لهم إلى يوم القيامة، وشرف لحليمة السَّعديَّة وكرامة لها، كما مرَّ معنا، وكانت عادة قريش أنَّهم يسترضعون أولادهم في البادية، فكان من نصيب حليمة السَّعديَّة -نسبة لبني سعد- أن كان في قسمها رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى أنَّها تُذكَر إلى اليوم بهذا الشَّرف العظيم، بمجرد هذه الرضاعة، وهذا من بركة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ثم قسم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقيته على المسلمين، وتألَّف جماعةً من سادات قريش وغيرهم، فجعل يعطي الرجل المائة بعير، والخمسين، ونحو ذلك)}.
هذا كرم ما عهدته العرب، فلم تعهد العرب شخصًا يُعطي بهذا العطاء، ولهذا أحد الأعراب رجع إلى قومه فقال: "أَيْ قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَوَاللَّهِ إنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً ما يَخَافُ الفَقْرَ" صلوات ربي وسلامه عليه، كرم عظيم جدًّا، ليس ثَمَّ أكرم من رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فلمَّا يُعطي المائة والخمسين، ويُعطي غنمًا بين جبلين؛ فكل هذا العطاء له هدف واحد في غزوة حنين، وهو تأليف القلوب للإسلام، فهذا من رحمته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأمته وبالعرب وبالناس، فهو يعلم أنَّ إسلام هؤلاء سيكون سببًا في إسلام غيرهم؛ لأنَّ الناس لهم طاعة لأسيادهم، فكان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعطيهم عطاء مَن لا يخشى الفقر، وكان هذا العطاء مُلفتًا للنَّظر، وكانت له مواقف تاريخيَّة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وفي صحيح مسلم عن الزهري أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطى يومئذ صفوان بن أمية ثلاثمائة من الإبل)}.
هذا شيء ضخم جدًّا! ويعتبر في هذا الزمان عددًا مَهولًا يُقارب الملايين، وأعطى للأَقْرع بْن حَابِسٍ مائة، وأعطى مائة لعُيَيْنة بن حِصْن.


{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وعتب بعض الأنصار، فبلغه، فخطبهم وحدهم)}.
اللهم ارضَ عن الأنصار، ومحبَّة الأنصار من علامات الإيمان، فهم مَن آوى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهاجر لهم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونصروه عظيم النُّصرة، فالأنصار لهم حق على كل مؤمن، التَّرضي عنهم ومحبَّتهم، وذكرهم بالخير -رضي الله عنهم وأرضاهم.
وفي رواية: أن العتب كان من بعض شباب الأنصار وليس من كبار الأنصار، فإنَّهم وجدوا في أنفسهم، فرأوا النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعطي هؤلاء، ولم يعطهم هم، والصغار لا يستوعبون مثل هذا الموقف، فكأنَّهم وجدوا في أنفسهم، والطَّبيعة البشريَّة تُؤثر في الإنسان مهما كان.
ولاحظ موقف النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في استدراك الموقف وتطييب وجبر الخواطر ومعالجة الموقف؛ لأنَّ الإنسان بشرٌ ويتأثَّر، فرُوي أنَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمعهم في مكان مُعيَّنٍ، ثم خطبهم وأثنى عليهم، وقال مقولة أثَّرت في الأنصار، فجعلوا يبكون، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلاَ تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ فِي رِحَالِكُمْ؟»، فبكوا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- وكان موقفًا مؤثرًا جدًّا، ساقه البخاري ومسلم.
فالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خصَّ الأنصار وأثنى عليهم -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- وجزاؤهم عند الله -عَزَّ وَجَلَّ- في جنات النعيم، وهو الجزاء الحقيقي، لأنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرهم أنَّهم سيرون بعده أثرة، يعني لا يُعرَف لهم حق، وهذا هو الحق العظيم الذي على كل مسلم ومسلمة، فإذا كانت قريش عادت النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنَّ الأنصار -الأوس والخزرج- نصروه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وآووه، فلهم كل هذه الفضائل العظيمة التي هي حق على كل مسلم، فرضي الله عن الأنصار وأرضاهم، وجمعنا بهم في جنَّات النَّعيم.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وامتن عليهم بما أكرمهم الله من الإيمان به، وبما أغناهم الله به بعد فقرهم، وألَّف بينهم بعد العداوة التَّامة، فرضوا وطابت أنفسهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
وطعن ذو الخويصرة التميمي، واسمه حرقوص -فيما قيل- على النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قسمته تلك)
}.
تعيين اسم "ذو الخويصرة" محل نظر، والروايات مختلفة في اسمه، ولكن فيما يظهر لي أنَّه لُقِّبَ ولم يُذكر اسمه، وهذا الموقف مشين، وليس للصحابة عناية بتتبُّع هذا، هل هو ذو الخويصرة الذي كان مع أهل النَّهروان أو غيره؛ فهذا مما لا تتعلق به الهمم في معرفته. والمقصود أنَّه رجلٌ يُقال له: "ذو الخويصرة".
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وصفح عنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحلم)}.
لأنَّ القسمة كانت في الظَّاهر غير متساوية، فكان هدفها التَّأليف، فأعطى سادة القوم حتى يُسلم أقوامهم، ووكل أهل الإيمان -الأنصار- لإيمانهم، فهم يعلمون أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما فعل ذلك إلَّا من باب التَّأليف، وهم أغناهم الله -عَزَّ وَجَلَّ- بالإسلام والإيمان وبوجود النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معهم.
{هل في هذا دليل على أن العدل لا يقتضي المساواة؟}.
صحيح، وهذا يكون في مواضع، والمؤلَّفة قلوبهم ممن ذُكِرُوا في أصناف الزَّكاة، ولاحظ عظمة الإسلام في تأليف القلوب، لن تجد دينًا يُعطي مَن هو أقل منزلة في الدين، إلَّا دين الإسلام، فإنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُريد بهذا العطاء إسلام هؤلاء، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يأسى على عدم إيمانهم، ولهذا عاتبه الله -عَزَّ وَجَلَّ- في موضعين في القرآن، قال: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفً﴾ [الكهف: 6]، وقال: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: 3] ؛ فكان -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُهلك نفسه أسًى لأجل أنَّهم لا يؤمنون، فكان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتشوَّف أن يُسلم الناس جميعًا في جزيرة العرب، حتى يكون هذا الإسلام عامًّا، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، فهذا هو دين الرَّحمة -صلوات ربي وسلامه عليه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وصفح عنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحلم بعد ما قال له بعض الأمراء: ألا نضرب عنقه؟ فقال: «ل»)}.
جاء في بعض الروايات أن ذو الخويصرة اعترض على قسمة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقيل إن ذلك كان في غزوة حنين، وقيل في موضع آخر، أنَّ عليًّا جاء للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذُهَيْبةٍ في حجرها -يعني لم تستخلص بعد- فقال ذو الخويصرة: هذه قسمة ما أُريد بها وجه الله!
وفي رواية أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ!»، فإذا كان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو أمين في الوحي، فكيفَ لا يُؤمَن على المال؟! وإذا لم يعدل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمن يعدل؟!
وهذا المعترِض على قسمة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الظاهر أنَّه كان من المنافقين، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبر أنَّه سيخرج قومٌ يقرؤون القرآن لا يُجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّمية، وهـم الخوارج، وأعظم شعار يرفعه الخوارج هو الاعتراض على مثل هذه الأمور، ومعارضة النَّص بالرَّأي، فهو لم يجعل مجالًا للسؤال وقال: كيف تعطي فلانًا؟ وإنَّما قال: أنتَ لم تعدل! وهذا افتراء وكذب على النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ثم قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم»)}.
نكتفي بهذا القدر، ونكمل إن شاء الله الحلقة القادمة.
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، وشكر الله لكم ونفع بعلمكم الإسلام والمسلمين.
وفي ختام هذه الحلقة نشكركم أيُّها المشاهدون على طيب المشاهدة، ونلقاكم -بإذن الله- في حلقة قادمة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك