{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء العلمي، وأرحبُ بفضيلة الشيخ الدكتور/ فهد بن سعد المقرن. فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشَّيخ}.
حيَّاك الله، وحيَّا الله الإخوة المشاهدين والمشاهدات، ونسأل الله للجميع العلم النافع والعمل الصالح.
{نشرع في هذه الحلقة -بإذن الله- من قول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي: (القاعدة الخامسة والستون: قد أرشد القرآن إلى المنع من الأمر المباح إذا كان يفضي إلى ترك الواجب، أو فعل محرم)}.
بسم الله والحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
هذه قاعدةٌ عظيمةٌ ولطيفةٌ، وذكرَ الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أنَّها مذكورةٌ في كلام الله -عَزَّ وَجَلَّ.
وهذه القاعدة يُقعِّدُ لها علماءُ الأصولِ والفقهاءُ بقاعدة: "الوسَائلُ لها أحكامُ المقاصد"، وتارة يُعبِّرون فيقولون: "الأمورُ بمقاصدها"، وهذا في الشَّريعة الإسلاميَّة، فما يُفضي إلى محرَّمٍ وإن كانَ مباحًا؛ فإنَّ هذا المباحُ ينقلبُ إلى محرَّمٍ، وما يفضِي إلى أداءِ واجبٍ فإنَّه يكونُ واجبًا، وهكذا فالوسائل لها أحكام المقاصد.
وهذه القاعدةُ الشَّرعيةُ قاعدةٌ إسلاميَّةٌ، قاعدةٌ لها اعتبارات ولها آثار، بخلاف القواعد التي يُقعِّد لها أهل الدنيا وأهل الماديَّات، وعلى رأسهم بعض السَّاسة المنحرفين عن الصراط المستقيم، الذين لم يعرفوا قيمة الوحي، منهم صاحب كتاب "الأمير" الذي يقول فيه: "الغاية تبرر الوسيلة".
فما يُفضي إلى محرَّمٍ وإن كانَ مباحًا؛ فإنَّ هذا المباحُ ينقلبُ إلى محرَّمٍ، وما يفضِي إلى أداءِ واجبٍ فإنَّه يكونُ واجبًا، وهكذا فالوسائل لها أحكام المقاصد.
والإسلامُ ليس فيه أنَّ الغاية تبرِّر الوسيلة، إنَّما الوسائل لها أحكام المقاصد، وكون الغاية شريفة لا يُبرِّر أن تكونَ الوسيلة محرمة، ولابدَّ أن يُراعى هذا.
السؤال الأول:
...... هي قاعدة إسلامية عظيمة ينقلب المباح فيها إلى مُحَرَّم إذا أَفضى إلى مُحرَّم.
الغاية تُبرر الوسيلة - الوسائل لها أحكام المقاصد – كلاهما صواب
وذكرَ الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أمثلةً لذلك، وكذلك الفقهاء -رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى- ذكروا أمثلة، مثلًا: بيع السلاح وقت الفتنة، فذكروا أنه في الزمان السابق كان كل إنسان يبيع سلاحًا، وما كان فيه تنظيمات، ولكن يحرم ذلك في وقت الفتنة؛ لأن هذا السلاح سوف يُستخدم في الفتنة، فإنه يُمنَع منه، ولا يُقال إنه مباح، فهكذا يتحول الأمر المباح إلى محرَّم.
وذكروا كذلك من الصور: مَن كان عنده عنبًا وأراد أن يشتري شخصٌ منه، وهو يعلم أنه سيتَّخذ هذا العنب خمرًا؛ فإنه لا يجوز له أن يبيعه؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، فالأمر قد يكون مباحًا ويتحوَّل إلى محرَّم.
وذكر الله -عَزَّ وَجَلَّ- فيما يتعلق بالعقائد في سبِّ آلهة المشركين، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: 108]، فمن عقيدة المؤمن الكفر بآلهة المشركين، قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ [البقرة: 256]، البراءة منهم، ولكن الإعلام والإعلان بسبِّ آلهتهم وهم يسمعون ذلك الأصل أنه مباحٌ، وأنه من الكفر بالطاغوت، وإعلان ذلك مطلوب، ولكن إذا ترتَّبَ على ذلك أن هذا السَّب سيعود على أنهم يتجرَّؤون على سب رب العالمين؛ فعند ذلك يكون هذا الإعلان بسبِّ آلهتهم محرَّم ومنهيٌّ عنه.
وذكر الله -عَزَّ وَجَلَّ- ما يتعلَّق بزينة المرأة، فقال: ﴿وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: 31]، فالضَّربُ بالأرجلِ وبالزِّينةِ الخفيَّةِ، وكونها تضرب بخلخالها الذي في رجلها لتُسمِع الرِّجال فتُحرِّك الغرائز فهذا ممَّا منعه الله وحرَّمه، فالأصل أنَّ اتِّخاذ الزينة مباح للمرأة، لكن إذا كان هذا يترتَّب عليه مفسدة فيُمنَع منه.
السؤال الثاني:
مَنْ كان يبيع السكين وتَيَقَّن أنَّ من يشتريه سوف يستخدمه في غضب الرحمن تعالى، فعليه أن لا يبيعه.
صواب
فهذه قواعد شرعيَّة جاء القرآن باعتبارها وبالتَّنبيه عليها، وهذا يدلُّك على أنَّ هذا الدين دينٌ قويمٌ، دينُ الأخلاقِ الفاضلة، دينُ المعاملة الحسَنة مع الجميع، دينُ حفظِ الحقوقِ وأداءِ الحقوق، ودينُ الطَّهارة، وتحريمُ كل وسائل الخداع والتَّحايُل على الناس.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (القاعدة السادسة والستون: من قواعد القرآن أنه يستدل بالأقوال والأفعال على ما صدرت عنه من الأخلاق والصفات)}.
بيَّن الشيخ هذه القاعدة الجليلة، فذكر أن أكثر الناس يقصُر نظره على اللفظ دون أصله ومنشأ الأمر، وأن اللبيب ينظر إلى الأمرين، وقد تقدَّم ما يُقارب هذا المعنى، يعني أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- يُبيِّن صفات وهو يُريد معانٍ أخرى زائدة على هذه الصفات.
ثم ذكر الشيخ صفات عباد الرحمن، ولم يذكر صفات عباد الرحمن إلَّا ليتأسَّى أهل الإيمان بهؤلاء الذين أثنى الله عليهم في كتابه، قال -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامً﴾ [الفرقان: 63]، فهذه معانٍ لوقارهم وحلمهم وأخلاقهم الفاضلة، وهي أنهم يمشون على الأرض هونًا، وهذا الهون يتضمَّن معانٍ كثيرةٍ جدًّا قد لا يتَّسع المقام إلى ذكرها من الأخلاق الفاضلة، ومن حسن الكلام ولينه، وعدم إيذاء الناس بالغمز أو باللمز، وبعدم رفع الصوت، والتَّعالي على الناس، معاني كثيرة جدًّا.
وكذلك ذكر الله -عَزَّ وَجَلَّ- عن أهل الإيمان: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ [القصص: 55]، هذا يدل على حسن الخُلُق، ونزاهة أنفسهم، وسعة عقولهم، وعظيم الحلم الذي عندهم، وأن عقولهم راشدة، وفيهم من الرَّزانة ومن الوقار ما يبعث على إكبارهم وما هم عليه من الأخلاق الفاضلة التي يتمثَّلونها تمثُّلًا حقيقيًّا تؤثِّر في قبول عقائدهم وما هم عليه من الاعتقاد الصَّحيح، لأنَّ الأخلاق الفاضلة لا تصدر إلَّا عن اعتقادٍ صحيحٍ، ولهذا قد يُسوَّق للباطل بإظهار الأخلاق الفاضلة، ولكن هذا التسويق ينقطع، أما أهل الإيمان وأهل العقيدة الصَّحيحة فإنهم يتَّخذون هذه الأخلاق الفاضلة ديانة.
مثال: قد يُسوِّق البائع سلعته بالصِّدق وهو لا يُؤمنُ به عقيدة، وإنما يُؤمن به دنيا؛ لأن الصدق أنفع وأنفق لسلعته، لكن المؤمن يصدق أولًا لأن الله -عَزَّ وَجَلَّ- أمره بالصِّدق، فالباعث مختلف جدًّا، وهكذا الأمانة.
السؤال الثالث:
إذا سَوَّقَ البائع سلعته بالصدق وهو لا يؤمن به عقيدةً فقد حقق الإيمان.
خطأ
ولهذا فإن القوانين في الدول المختلفة هي التي تربط سلوك الناس، ولكن هذه القوانين قد تتعرَّض في أي وقت من الأوقات إلى السُّقوط تحت تأثير أي واقع سياسي أو فوضى أو مظاهرات وما شاكل ذلك، فيتحول الناس إلى وحوش، لأن هذه الأخلاق لم تكن في القلوب، أما المؤمن في قلبه يجد الشيء الذي تستهويه نفسه فيمتنع عنه، ولو وجد أموالًا طائلة بين يديه فغنه لا يأخذها لأنه يعلم أن هذا من التعدي، فهذه أخلاق صادرة عن اعتقاد، فهذا هو الفرق بين أهل الإيمان وبين غيرهم، ولهذا فإن الإسلام انتشر في جهة الشرق الأقصى وما شاكله بسبب الأخلاق الفاضلة الصادرة عن تجار المسلمين، وهكذا الإسلام ينتشر بمثل هذا، فالإسلام عقيدة ومنهاج واخلاق، لابد للإنسان أن يترسَّمها وأن يتعامل بها، وأن يأطر نفسه إلى هذا ويُصابر على هذا الطريق حتى يغنم من جهة الهداية للناس، ومن جهة نفسه، ومن جهة هذا الدين القويم الذي يتمنَّى أن ينتشر في أرجاء المعمورة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (القاعدة السابعة والستون: يرشد القرآن إلى الرجوع إلى الأمر المعلوم المحقق، للخروج من الشبهات والتوهمات)}.
هذه القاعدة مهمَّة جدًّا قد يغفل الإنسان عنها في تعامله مع الأحداث والوقائع والمواقف الشخصيَّة، فلابد أن يكون الإنسان على غاية الذُّكر لها.
يقول الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: (يرشد القرآن إلى الرجوع إلى الأمر المعلوم المحقق)، يعني: الثَّابت.
وقوله: (للخروج من الشبهات والتوهمات)، فالشُّبهة ليست بحق، والوهم ليس بحق، ولهذا يُقعِّدون ويقولون: "الموهوم لا يدفع المعلوم"؛ فلابد أن تكون مواقفك ناتجة عن يقينٍ، وكذلك قاعدة "والمجهول لا يعارض اليقين"؛ فهذه قواعد معتبرة، وقاعدة "اليقين لا يزول بالشَّك".
ولهذا قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَ﴾ [آل عمران: 7].
وعاتب الله -عَزَّ وَجَلَّ- أهل الإيمان في قصَّة الإفك والافتراء على عائشة بنت الصديق -رضي الله عنها وأرضاها- فقال: ﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾، [النور: 12]، لاحظ هنا، الرجوع إلى الأصل في السلامة والبراءة والظَّن بها -رَضِيَ اللهُ عَنْها- فإذا علمتَ أنتَ من نفسكَ أنَّها لا تقع منك؛ فكيف بها المؤمنة الصِّديقة بنت الصديق، على أمر مشكوك موهوم، ولهذا قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [النور: 15]، فهذه أمور لابدَّ للإنسان أن يعتبر بها، وأن يعرفها، وأن يُغلِّب حسنَ الظَّنِّ، ويُغلِّب اليقين، أما كون الإنسان يتلقَّى الأمور ويُسقط القواعد والاعتبارات بأي واردٍ يرد عليه؛ فهذا من الجهل ومن قلَّة العلم ومن سفه العقل، فالإنسان لابد أن يكون رزينًا في مواقفه، وهذا ما أمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- به، ولهذا قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُو﴾ [الحجرات: 6]، فأمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- بالتَّبيُّن، وهذا التَّبيُّن فيه تريُّث وعدم استعجال، قال: ﴿أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ﴾، وهذا بسبب عدم التَّبيُّن، ثم يعقب ذلك: ﴿فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾، فعاقبة عدم التَّبيُّن هي النَّدم، وعاقبة إعمال الشَّك النَّدم، وعاقبة إعمال المجهول مع وجود المعلوم النَّدم والحسرة، ووقوع ما لا يُحمَد عقباه من المواقف والتصرُّفات، فهكذا ينبغي للإنسان أن يتأدَّب بآداب القرآن وبما وجَّه الله -عَزَّ وَجَلَّ- في كتابه -سبحانه وتعالى- أهل الإيمان إلى أن يلزموه.
السؤال الرابع:
قوله: ﴿فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ يدل على أنَّ عاقبة عدم التَّبيُّن وإعمال الشَّكِّ هي الندم.
صواب
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (القاعدة الثامنة والستون: ذكر الأوصاف المتقابلات يغنى عن التصريح بالمفاضلة إذا كان الفرق معلومً)}.
وهذا في القرآن كثير، يعني أن يذكر الله -عَزَّ وَجَلَّ- أوصاف المتقابلات، وهذه المتقابلات يُغني عن التَّصريح بالمفاضلة، ليجعل السامع والقارئ يتَّصوَّر التَّصوُّر والنَّتيجة من نفسه.
قال الشيخ: (ويذكر تباين الأوصاف التي يعرف العقلاء بالبداهة التفاوت بينها ويدع التصريح بالمفاضلة)، ومن ذلك قول الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [يوسف: 39]، ما في جواب هنا، ولكن الجواب ببداهة العقول أنَّ مَن يعبد الوحد الأحد خير من أن يعبد أربابًا متفرقة.
قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿آللَّهُ خَيْر أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل: 59]، فالعقل ببداهته يُدرك أن المعبود الواحد خير من الآلهة المتعددة.
السؤال الخامس:
لم يأت الجواب في قوله: ﴿أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾؛ لأن العقول تدركه بداهة.
صواب
وبيَّن الله أنَّ سلوك الإنسان الذي يعبد أكثر من معبودٍ فيه تشتت في النفس، قال -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلً﴾ [الزمر: 29]، يعني مَن يعبد إلهًا واحدًا لا يستوي هو ومَن يعبد آلهة مُتعددة، كمن له سيدٌ واحد ومَن له عدَّة أسياد؛ كلٌّ يُريد منه طلب، فمن له سيد واحد لا شكَّ أن يسعى في رضاه، وهذا مطلوب أهل التوحيد، فأهل التوحيد ما يعبدون إلا الواحد الأحد، فيطلبون رضى الواحد، ويعلمون أن النفع والضر منه، فيتوكلون عليه، ويُخبتون إليه، ويلتجئون إليه، ويعلمون أنَّ الضُّرَّ والنَّفعَ بيده -سبحانه ونتعالى- وهذا بخلاف مَن يُشرك مع الله آلهةً غيره.
قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلً﴾ [هود: 24]، ما يستويان! ولا شكَّ أنه ثَمَّ فرق عظيم.
قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الملك: 22]، وهذا كثير جدًّا في القرآن، فإن الله -عَزَّ وَجَلَّ- يُقارن بين حال أهل الشرك وبين حال أهل التوحيد، وبين مَن يعبد غير الله -عَزَّ وَجَلَّ- ومَن يعبد الإله الواحد الأحد -سبحانه وتعالى.
وبهذا يظهر فضل التوحيد، ففضل التوحيد عظيم جدًّا، ففيه الاستقرار النفسي، والرَّاحة النفسيَّة، والمطلوب من العبد معلومٌ وظاهرٌ، بينما هذا يتنازعه مطالب متعددة ممن يعتقد فيه الألوهية ويلتجئ إليه، وهكذا أصحاب القبور الذين يتمسَّحون بعتباتها، ويطوفون بها، ويطلبون من أصحابها المدد والعون، ويتركون مَن بيده الضر والنفع -سبحانه وتعالى- أليس هذا هو الضلال! ولكن كما قال تعالى: ﴿وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس: 101]، نسأل الله السلامة والعافية.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (القاعدة التاسعة والستون: من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه)}.
هذه القاعدة وردت في القرآن، وهي من القواعد التربوية التي اشتمل عليه كتاب "القواعد الحسان"، ولابدَّ للإنسان أن يعتقد هذه القاعدة اعتقادًا قلبيًّا، وأن يصبر على هذا الأمر، وأن يعلم أنَّه ما من شيءٍ تتركه لله -عَزَّ وَجَلَّ- إلَّا والله يُعوِّضك عنه خيرًا، وهذا الخير قد يكون شيئًا معنويًّا، وقد يكون شيئًا حسِّيًّا، وما عند الله -عَزَّ وَجَلَّ- في الآخرة خير وأبقى، فكنْ يا عبد الله -وطوني يا أمة الله- على هذه القاعدة من ذُكرٍ ومعرفةٍ ويقينٍ.
والله -عَزَّ وَجَلَّ- قصَّ لنا أخبار هؤلاء الذين تركوا أشياء عظيمة لله -عَزَّ وَجَلَّ- كالمهاجرين الذين تركوا الأموال والأولاد وذهبوا إلى المدينة؛ فعوضهم الله -عَزَّ وَجَلَّ- بالرزق الواسع في الدنيا وبالعز والتَّمكين، وهم ليسوا كلهم على ميزانٍ واحدٍ، ولكن فيه نماذج كعبد الرحمن بن عوف، فإنه كان من أغنى أهل المدينة، وعثمان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الذي جهَّزَ جيش العسرة، كذلك بلال الحبشي وما وقع عليه من الأذى الجسدي في مكَّة، ثم بعد ذلك عوَّضه الله -عَزَّ وَجَلَّ- بأن كان مؤذن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وله الذكر الحسن والتَّرضِّي من إلى يوم القيامة من أهل الإيمان، مع أنه كان عبدًا مملوكًا، ولكن انظر ماذا عوَّضه الله -عَزَّ وَجَلَّ- وغيرهم.
وقد لا يُؤتَى الإنسان شيئًا من الدنيا لكرامته عند الله -عَزَّ وَجَلَّ- وما يعده الله -عَزَّ وَجَلَّ- له في الآخرة، ومن هؤلاء مصعب بن عمير، فلما قُدِّم الطعام إلى عبد الرحمن بن عوف، وكان فيه أصنافًا من الطعام، فتذكَّر ما كان عليه الحال في أول أمر الإسلام وفي غزوة أُحد لَمَّا لم يجدوا ما يُكفنون به مصعب بن عمير -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فتذكر ما كانوا عليه من العسر والفقر، فلما رأى انبساط الدنيا قال: "أخشى أن تكون عُجِّلَت لنا طيباتنا في هذه الحياة الدنيا"، فاللهم ارضَ عنه.
والإنسان دائمًا يحتسب الأجر عند الله -سبحانه وتعالى-، ويُدرك أن ما عند الله هو خير وأبقى، وقد يُعطيك الله -عَزَّ وَجَلَّ- هذا الشيء أمرًا حسيًّا، وقد يكون أمرًا لا يُقاس بالأمور المادية، كحلاوة الإيمان والطمأنينة والسكينة التي وجدها مصعب بن عمير، وجعله يتر التَّرف الذي كان فيه، ويصبر على خشونة العيش، ويموت مقبلًا غير مدبرٍ في سبيل الله، ثم لا يجد أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- ما يُكفِّنونه فيه، وكان من أعطر شباب مكَّة، ومن أكثر الناس رفاهيةً، وهذا يدل على أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- عوَّضه بهذا الإيمان الذي عمرَ قلبه، فجعلت هذه الدنيا لا قيمة لها.
وإبراهيم الخليل -عليه صلوات ربي وسلامه- قال الله -عَزَّ وَجَلَّ- عنه: ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّ﴾ [مريم: 49]، وهكذا الله -عَزَّ وَجَلَّ- يعوض أهل الإيمان خيرًا، فكل ما ترك ما تهواه نفسه من الشهوات واللذائذ لله -عَزَّ وَجَلَّ- فإن الله يُعوضه، وهذا العوض قد يكون شيئًا معنويًّا، وقد يكون شيئًا حسِّيًّا، وما عند الله -عَزَّ وَجَلَّ- في الآخرة أعظم، وهذا الذي ينبغي أن يكون مراد أهل الإيمان، وهو أنهم يحتسبون الأجر والثواب، لأن الدنيا ليست دار جزاء، وإنما دار امتحان، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- يخبر عن الله -عَزَّ وَجَلَّ- يقول: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولَا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ» .
السؤال السادس:
قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّ﴾ يحقق القاعدة:
من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه – الغاية تبرر الوسيلة - الأمورُ بمقاصدها
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (القاعدة السبعون: القرآن كفيل بمقاومة جميع المفسدين ولا يعصم من جميع الشرور إلا التمسكُ بأصوله وفروعه وتنفيذ شرائعه وأحكامه)}.
هذه القاعدة يختم بها الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فيقول: (قد تقدم من الأدلة على هذا الأصل الكبير في دعوة القرآن إلى الإصلاح والصلاح)، وهذه قاعدة ينبغي للمسلم أن يترسَّمها وأن يعرفها غاية المعروف، فالقرآن كفيلٌ بمقاومة جميع المفسدين، ولا يُعصَم من جميع الشرور إلَّا مَن تمسَّكَ بأصوله وفروعه، وهذا القرآن إذا تمسَّكتَ به فإنَّه ستجد فيه العلاج لمشكلات الناس.
يقول الشيخ: (ولكن نزيد هنا بعض التفصيلات، فنقول: أهل الشر والفساد نوعان:
أحدهما المبطلون في عقائدهم وأديانهم ومذاهبهم الذين يدعون إليها، ففي القرآن من الاحتجاج على هؤلاء وإقامة الحجج والبراهين على فساد قولهم شيء كثير)، ولهذا قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرً﴾ [الفرقان: 33]، منكرو البعث، مَن نسب لله -عَزَّ وَجَلَّ- الولد، مَن يدعو غير الله -عَزَّ وَجَلَّ- ؛ ستجد في القرآن من الحِجاجِ ما يُبطل ما هم عليه من هذا الاعتقاد الفاسد، والمطلوب من أهل الإيمان أن يترسَّموا القرآن، وأن يتعلموا ما فيه من الحجاج ليردُّوا به على أهل الباطل.
السؤال السابع:
لم يَرُدُّ القرآن على أهل الباطل من منكري البعث بسبب ضعف حجتهم.
خطأ
قال الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (النوع الثاني: من المقومين للأديان والدنيا والسياسات).
الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- ألَّفَ كتاب "القواعد الحسان" في وقت شاعت فيه الشيوعيَّة والماركسيَّة، والمطالبة بإلغاء الملكيَّة الفرديَّة، وبدعوى باطلة.
ثم بيَّن الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أن الشيوعيون الذين انتشر شرهم وتفاقم أمرهم؛ في القرآن ما يردهم على أعقابهم، ففي زعمهم أنهم أنصار الفقراء، فلن تجد تشريعًا يُنصف الفقراء ويحمي الأغنياء مثل تعاليم القرآن؛ لأن الله -عَزَّ وَجَلَّ- شرع الزَّكاة، هذه الشريعة العظيمة التي فيها مصالح الناس، وفيها إعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه، وأن الله -عَزَّ وَجَلَّ- أحلَّ البيع وحرَّم الرِّبا، أمور كثيرة جدًّا ستجدها في التشريع الإسلامي.
السؤال الثامن:
أعظم تشريع عمل على إنصاف الفقراء وحماية أموال الأغنياء هو تشريع ......
الشيوعية – الإلحاد – الإسلام
الإسلام
ونقول: إن هذه الأفكار الوافدة الآن من الأفكار الإلحادية لأهل الباطل هي أفكار تدعو إلى إقصاء الدين عن حياة الناس، وجعل الدين في المسجد فقط، والدين ليس له علاقة في البيع ولا في الشراء ولا في التعاملات؛ كل هؤلاء كَذَبَة أهل باطل، لا يبنون دنيا ولا دين، وهم أسباب الفساد في الأرض، فيحتاج أهل الإيمان أن يردُّوا عليهم بالحجاج وبالجدال بالتي هي أحسن، وببيان ما هم فيه من التَّهافُت ومن التَّناقض، ومن مخالفة الفِطَر السليمة، ومن مخالفة الحق، وبأنَّهم غارقونَ فيما مادِّيَّاتهم ولا ينظرون إلى مسألة أن حياة الإنسان مركَّبة من روح وجسد، وأن الإمداد للجسد فقط لا يُحقق التوازن النفسي الذي هو من أسباب التعاسة التي يعيشها العالم من القلق والاكتئاب والأمراض العظام؛ لأن هذه الرَّوحانيَّات لا تجدها عندهم؛ لأنهم غارقون في ماديَّاتهم، مهما فعلوا فإن الإسلام يُحقق التوازن بين جوانب الروح وجوانب الجسد، فالإسلام هو دين الفطرة، يسوِّي بين الناس، يُعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، لن تجد التَّكافل الاجتماعي إلَّا في هذا الدين القويم الذي هو صالحٌ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ.
قال الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وإذا تسرب هؤلاء الأشرار لتوسط الأخلاق الرذيلة وانحلال الآداب الجميلة ووجدوا مسلكًا في هذا الطريق يعينهم على تنفيذ باطلهم)، يعني الدَّابة التي يركبونها هؤلاء الماديون الذين يُريدون إقصاء الدين عن الحياة، والذين يُريدون أن يشيعوا الإلحاد والكفر بالله -عَزَّ وَجَلَّ- شهوات؛ لأن النفوس تريد هذه الشهوات، فطبع الإنسان أن يريد هذه الشهوات، يريد الانفلات عن القيم، يريد الانفلات عن أي شيء يحبس تصرفاته.
ولاحظ الآن الإعلام الغربي والسوشيال ميديا وشبكات التواصل، فالدَّابَّة التي توصلهم إلى مآربهم هي اللذائذ والشهوات، ولهذا يسوقون لما هم عليه من الاقتصاد بأشياء ماديَّة، وهذه الحضارة التي تراها خاوية وفقيرة كل الفقر من الأخلاق.
ودائمًا نقول لأنفسنا ولإخواننا ولأبنائنا ولبناتنا: إن الحياة الطيبة لن تجدها إلا في الإيمان بالله -عَزَّ وَجَلَّ- قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل: 97]، وما يعرض لك من ضيق النفس ومن الوحشة؛ كل ذلك بسبب إغفالك لهذه الروحانيات، وهذا الإيمان الذي إذا عمر قلبكَ عشتَ هذه الحياة الطيبة.
وهذا الإيمان لا يكون إلا بمجاهدة وبمصابرة وبالثبات، وبالظن بالله -عَزَّ وَجَلَّ- الخير، والصبر على هذا الطريق الذي لا تدري متى يحل عليك الأجل فيه وتنتهي رحلتك من الحياة، فلك عمر معدود، وهذا لا يكون إلا بأن نطلب ما عند الله -سبحانه وتعالى- ونسأل الله أن يوفقنا لذلك، لأن هذا توفيق من الله -عَزَّ وَجَلَّ- وهداية من الله، فالإنسان يطلب من ربه الهداية والثبات على هذا الطريق المستقيم، وأن يجنِّبه الله طريق الضالين والمغضوب عليهم، وأن يُلزمه الصراط المستقيم، لأن الإنسان لابد أن يعرض له ما يعرض، فنسأل الله السلامة والعافية.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (القاعدة الواحدة السبعون: في اشتمال كثير من ألفاظ القرآن على جوامع المعاني)}.
هذا كثيرٌ جدًّا في القرآن، فألفاظ القرآن وقواعد القرآن محكَّمة، وهذا كلام الله -عَزَّ وَجَلَّ- الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه، فينبغي للإنسان أن يعرف هذه القواعد القرآنية التي هي قواعد مكَّمة، وهي من عند الله -عَزَّ وَجَلَّ- والذي هو يملك التدبير -سبحانه وتعالى.
وذكر الشيخ أمثلة لهذه القاعدة من كتاب الله، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَ﴾ [فصلت: 46]، فهذه قاعدة، فإذا أنت عملت صالحًا فهذا لنفسك، وإذا عملت سيئًا فهذا لنفسك؛ لأنه لن يُجزَى أحد إلا بعمله، فلن تُحاسَب على أعمال الآخرين، وإنما تحاسب على عملك، فإن أنت عملت صالحًا فستجد هذا العمل الصالح، قال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: 88، 89]، فأنت في سيرك إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- لابدَّ أن تدخر من الحسنات ومن الأعمال الصالحات، ومن الأعمال الزَّاكيَّات التي تنساها وتبقى في ميزانك، ولهذا قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: 26]، فالذين أحسنوا يجزيهم الله -عَزَّ وَجَلَّ- بالحسنى، من عمل صالحًا، مَن آمنَ، مَن صبرَ على الطاعات وأَلِفَ عن هذا الحق ودافع عن هذا الحق، وبذل في سبيل هذا الحق، وصبر على ما فيه من العوائق؛ فله الحسنى عند الله -عَزَّ وَجَلَّ.
وقوله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن: 60]، فالله -عَزَّ وَجَلَّ- يجزي المحسنين، وأنت حينما تحسن ستجد هذا الإحسان، والله -عَزَّ وَجَلَّ- لا يظلم أحدًا.
ومن القواعد المُحكَّمة: أن تعرف أنَّ أهل الفساد لا دوام لهم، وأن أصحاب الشر وأصحاب الباطل والذين يريدون أن يفرقوا بين أهل الإيمان بالقيل والقال وبالنَّمائم وبالدَّسائس والمكر والخديعة؛ فإنَّ مآلهم إلى أن يسقط هذا البنيان، لأن الله -عَزَّ وَجَلَّ- قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: 81]، فمهما عملوا من أعمال فإن الله سيأتي عليه بالدمار والوبال، وإن طال الزمان فمصيرهم إلى اضمحلال.
ومن القواعد المحكَّمة قول الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16]، فالله -عَزَّ وَجَلَّ- ربط التقوى بالاستطاعة، وليس معنى ذلك أن الإنسان يفعل جزءًا منا لعمل ويترك، فالله -عَزَّ وَجَلَّ- لا يكلف نفسًا إلا وسعها، فتبذل غاية الوسع، فإذا انقطعت عن ذلك فانتَ اتَّقيتَ الله -عَزَّ وَجَلَّ- على حسب استطاعتك، وفي حديث عمران بن حصين النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- يقول: «صَلِّ قَائِمًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» ، فأحكام الإسلام مربوطة بالاستطاعة، وهكذا فيما أمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- به من الواجبات، فانت تفعل ما يسعك أن تفعله من القدرة والإمكان.
ومن القواعد المحكَّمة التي ينتفع بها الناس جميعًا ويجعلونها شعارًا لأهل الإيمان قوله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة: 120]، فعداوة اليهود والنصارى باقية مهما فعل أهل الإيمان من ترضٍّ لهم ومن طلب رضاهم أو من موافقتهم، فإنهم لن يرضوا عن أهل الإيمان حتى يوافقونهم على الاعتقاد، مهما قدَّم أهل الإسلام من تنازلات وأشياء كثيرة فلن يرضوا، ولهذا قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ [النساء: 89]، فلا يزال هذا الاطراد وهذه المعركة قائمة، ولكن ينبغي لأهل الإيمان أن يجعلوا هذه القواعد موازين لهم يزنون بها علاقاتهم مع بعضهم البعض ومع الآخرين، فهي قواعد من عند الله -سبحانه وتعالى.
السؤال العاشر:
من القواعد المحكَّمة معرفة أنَّ عداوة اليهود والنصارى باقية مهما فعل وبذل أهل الإيمان.
صواب
وهذا القرآن العظيم الذي ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: 42] ؛ مَن تمسَّك به نجا، ومَن اعتصمَ بما فيه من القواعد تحقَّقَ له البُنيان، وتحقَّقَ له التَّمكين، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئً﴾ [النور: 55]، فقواعد النصر موجودة في القرآن، وقواعد التَّمكين موجودة في القرآن؛ فعلى أهل الإيمان أن يأخذوا بهذا القرآن العظيم، وأن يتمسَّكوا به، وأن يتمسَّكوا بعقيدة أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وبما جاء به محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- من الاعتقاد من القرآن وسنَّة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وعمل الصحابة واعتقادهم، فلا نجاة لهذه الأمَّة ولا فلاح لها إلا بسنَّة المصطفى -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- كما قال الزهري -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "السُّنَّة كسفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومَن تخلَّف عنها غرق".
فأسأل الله أن يرزقنا وإيَّاكم التَّمسُّك بهذه السُّنَّة، والصبر عليها والثبات، وأن يجعلنا من أنصار توحيده، ومن أنصار دينه، وأن يتوفانا مسلمين، غير خزايا ولا مفتونين، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد.
{وفي ختام هذا الفصل أشكركم فضيلة الشيخ على ما تقدمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم.
وفي الختام هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج، ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر. إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.