الدرس الخامس

فضيلة الشيخ د. فهد بن سليمان الفهيد

إحصائية السلسلة

2056 12
الدرس الخامس

فضل الإسلام

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء العلمي، وأرحبُ بفضيلة الشيخ الدكتور/ فهد بن سليمان الفهيد. فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشيخ}.
حيَّاكم الله، وحيَّا الله الإخوة جميعًا.
{نشرع في هذه الحلقة -بإذن الله- من قول الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (باب وجوب الاستغناء بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه.
وقول الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: 89].
 روى النسائي وغيره عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- أنه رأى في يد عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ورقة من التوراة فقال: «أمتهوكون يا ابن الخطاب؟ لقد جِئتُكم بها بيْضاء نَقيَّة، ولو كان موسى حيًا واتبعتموه، وتركتموني ضللتم». وفي رواية: «ولو كان موسى حيًا ما وسعه إلا اتباعي». فقال عمر: "رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيا")
}.
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
في هذه الحلقة نقرأ من كتاب "فضل الإسلام" للشيخ محمد بن عبد الوهاب -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- هذا الباب المهم "باب وجوب الاستغناء بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه".
وهذا الباب جديرٌ بأن نتأمَّل النُّصوص الشَّرعيَّة الواردة فيه، وأيضًا النُّصوص التي لم يُوردها الشيخ وتدل على هذا المعنى.
والمراد: أنَّه يجب على أهل الإسلام أن يكتفوا ويستغنوا بالقرآن العظيم، وكذا بسنَّة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- الكريم محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- لأنها الوحي الثاني، كما قال تعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم 1- 4]، اللهم صلِّ وسلِّم عليه.
وقد أمر الله -عَزَّ وَجلَّ- بطاعة رسوله في القُرآن في مواضع كثيرة جدًّا، فقال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31]، وقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُو﴾ [الحشر: 7].
إذن؛ مُتابعة الكتاب -وهو القرآن- توجب عليك -أيها المسلم- مُتابعة الرسول الذي أُنزل عليه هذا الكتاب، ومُتابعة الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- بالاتباع لسنَّته، وسنَّته -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- محفوظةٌ مكتوبةٌ معلومةٌ، حُفظَت وضُبِطَت، ونقلها الثِّقات بدءًا من الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- وهم أعدل جيل وأفضل جيل، ثم التابعون لهم بإحسانٍ، والمراد بهؤلاء هم رواة الحديث الذين عُرفوا بالحفظ والضبط والإتقان، وهؤلاء الرواة عرفَ المتخصِّصون شدَّة ضبطهم وحفظهم، وهكذا أتباع التابعين، وأتباع تابعي التابعين ومَن بعدهم من رواة الحديث المعروفين بالحفظ والضَّبط، فإذا جاء الحديث عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- بنقل الثقة العدل الضابط عن مثله بسندٍ مُتصلٍ غير مُنقطع؛ وجب على كل مَن بلغه هذا الحديث قبوله، وقد كُتبت أحاديث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- في الصِّحاح مثل: البخاري ومسلم، وفي السنن مثل: سنن أبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، والمسانيد كمسند أحمد وموطَّأ مالك، وغيرها من كتب الحديث التي ضبطت أحاديث رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- فعرف المسلمون أحكام الصلاة والزَّكاة والحج والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسائر ما يحتاجون إليه؛ فيجب أن نستغني بالكتاب عن كلِّ ما سواه.
وهذا فيه إبطال الرجوع إلى الآراء الفاسدة والمذاهب الباطلة والأهواء المنحرفة وأقاويل الناس واستحسانات العقول؛ فهذه يجب اطِّراحها، والاكتفاء بما في الكتاب والسنَّة؛ فإنَّ فيه الكفاية وفيه ما يغني المسلم.
قال: (باب وجوب الاستغناء بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه)، أورد الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- آيةً وحديثًا، وهذا الباب يتضمَّن عدَّة نصوص، ولكن الشيخ اقتصرَ على آية وحديث من باب الاختصار.
قال: (وقول الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: 89])، فيه أنَّ القرآن منزَّلٌ من عند الله، وأن الله -عَزَّ وَجلَّ- في العلو، وأنه -سبحانه وتعالى- فوق العرش، فالقرآن نزلَ من عند الله، وهذا فيه فائدتان:
الأولى: إثبات علو الله على خلقه.
الثانية: أنَّ القرآن من عند الله -عَزَّ وَجلَّ- وليس من عند غيره، فهو كلام الله ووحيه.
قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾، أي: على النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وقال تعالى في سورة الشعراء: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: 193- 195]، فالواسطة بين الله تعالى وبين الرسول محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- هو جبريل، وهو أعظم الملائكة وأفضلهم، وهو الموكَّل بالوحي، فسمع جبريل وحي الله -عَزَّ وَجلَّ- ونزلَ به على قلب محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ-، ثم قرأه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- على الناس، قال تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلً﴾ [الإسراء: 106] .
فهذا القرآن من عند الله؛ إذن يجب عليك أن تكتفي به، وأن تفرح به، وأن تحمد الله على هذه النعمة، الله الذي خلقكَ وخلق كل هذه الخلائق هو الذي تكلَّمَ بهذا الكلام، فهذا وحيه.
قوله: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾، الكتاب هو القرآن، فالقرآن يُطلق عليه "الكتاب"، ويُطلق عليه "الوحي"، وهو كتاب مبين، وقرآن مبين، وهو كلام الله المنزَّل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، تكلَّمَ الله به حقيقة.
وهذا القرآن العظيم أنزل على النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- كما في قوله: ﴿تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾، ففيه وصف القرآن بأنَّ فيه التِّبيان، و"تبيان" مصدر، أي بيان لكل ما يحتاجه العباد من الجنِّ والإنس في أمور دينهم وآخرتهم، فيما يتعلق بصلاحهم وسعادتهم ونجاتهم في الدنيا وفي الآخرة؛ فهذا موجودٌ في القرآن، فأمور الدين كلها تؤخَذ من القرآن والسُّنَّة، قواعد الدين وأصوله العظام تُؤخَذ من القرآن والسُّنَّة.
وتضمَّن القرآن والسنة فوائد أخرى لا تُحصَى، في اللغة والتاريخ وفيما يحتاجه الناس في معاشهم، وفي صلاح أبدانهم وفي شؤونهم الأخرى، ولكن الشَّأن كل الشَّأن فيما يتعلق بعبادة الله وتوحيده، وما يتعلق بالآخرة وما فيها من أمور الغيب؛ فهذا القرآن بيَّن الله -عَزَّ وَجلَّ- فيه كل ما يحتاجه العباد؛ فليس هناك شيء يحتاجه العباد إلا وفي القرآن بيان هذا المعنى من أمور الدين ومن أمور الآخرة، ومما يتعلق بالصلاح والسعادة والنَّجاة.
وليس معنى هذا أنَّ القرآن مُشتمل على معجم أو كل أسماء المخلوقات، وكل أسماء المأكولات، وكل أسماء المشروبات؛ كما يظنه بعض الجهلة، فأنواع ما خلقه الله -عَزَّ وَجلَّ- من المخلوقات وما ذرأ في أرضه ليس في القرآن، وبعضهم يتكلَّف تكلُّفاتٍ باطلةٍ فينسب للقرآن أنَّ فيه أسماء بعض القُرى، وأسماء بعض المدن، وأسماء بعض الفواكه! ويقع في ضلال عظيم في هذا الباب.
والواجب أن نعرف أنَّ المراد بذلك: أنَّ القرآن تبيانٌ لكل ما يحتاجه الناس في أمور دينهم وآخرتهم وصلاحهم نجاتهم، وليس فيه ذكر أسماء الفواكه أو أسماء المأكولات؛ فيجب أن يُنزَه القرآن عن مثل هذا.
قال: (روى النسائي وغيره عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- أنه رأى في يد عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ورقة من التوراة فقال: «أمتهوكون يا ابن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيًا واتبعتموه، وتركتموني ضللتم». وفي رواية: «ولو كان موسى حيًا ما وسعه إلا اتباعي». فقال عمر: "رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيا").
اللهم صلِّ على نبيِّنا محمدٍ.
هذا الحديث حديثٌ صحيحٌ، وفيه فائدة عظيمة لأهل الإسلام تتعلق بالنَّظر في الكتب السابقة، وهنا عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كان في يده ورقة من التوراة، والتوراة هي الكتاب الذي أنزل على موسى -عليه الصلاة والسلام- وأتباع موسى أول الأمر كانوا على الإسلام، ثم حدث فيهم بعد ذلك الشرك والضلال والانحراف، ثم بعث الله عيسى بن مريم، فآمن به مَن آمنَ، ثم بعد مدَّة حدث الشرك والانحراف في أتباعه، ثم بعث الله محمدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وهو خاتم الأنبياء والرسل، فلا نبي بعده ولا رسل بعده، ويجب على جميع اليهود والنصارى وسائر الجن والإنس اتباع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ.
وهنا أنكر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- على عمر أنه ينظر في التوراة، فقال له: «أمتهوكون يا ابن الخطاب؟».
المتهوِّك: اسم فاعل، والمصدر: التَّهوُّك وهو التَّحيُّر والتَّردُّد.
والمعنى: هل أنت مُتحير؟ هل أنت مُتشكك في أن ما أُنزل على محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- فيه الكفاية وفيه الهدى والنور، وفيه ما يُغنيكم؟ لماذا تنظر في هذه التوراة؟ هل تريد شيئًا أعظم مما في القرآن؟ هل تريد شيئًا مزيدًا على ما في القرآن؟
كل خيرٍ وكل هُدَى، وكل ما فيه سعادتك ونجاتك هو موجودٌ في القرآن، ويُغني عمَّا في التوراة.
قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «لقد جئتكم بها بيضاء نقية».
البيضاء: يعني الصَّافية، ليس فيها سواد الظُّلمات والبدع والشرك، وهذا فيه إشارة إلى التحريف الذي وقع في التوراة، فأول ما أُنزلت التورة كانت بيضاء سليمة، فهي كلام الله، فإن الله -عَزَّ وَجلَّ- كتب التوراة بيده كما جاء عن ابن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في السُّنة، فالتوراة كلام الله، ولكن بعد ذلك غُيِّرَ وحُرِّف، قال تعالى: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ [النساء: 46]، فالأحبار استحفظوا على كتاب الله، ولكن حصل منهم التقصير وحصل منهم النسيان، وحصل من كثير منهم التحريف والتَّلاعُب، قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ [البقرة: 79]، فكيف لك -أيها المسلم- أن تُميِّز وتعرف هذا غُيِّرَ أم لا؟! ثم حدثت الترجمة وحصل فيها أخطاء.
إذن؛ القرآن صافٍ، ليسَ فيه هذه الأخطاء، وليس فيه هذه التغيرات، وليس فيه هذه البدع، وليس فيه هذه الإضافات، بالإضافة إلى أنه كافٍ.
وقوله: «نقيَّة»، يعني ما فيه شوائب، وهذا فيه إشارة إلى أن أهل التوراة بدَّلوا وغيَّروا وأدخلوا شوائب، ولهذا قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «لقد جئتكم بها بيضاء نقية»، يعني شريعة الإسلام والقرآن والسنَّة صافية، وهذا يدلُّك على أنَّك تستغني بها وتكتفي بها، وتحمد الله -عَزَّ وَجلَّ- عليها، فلا يلتفت قلبك إلى ما عداها، فهذا من نقص المعرفة ونقص العلم، لأنَّ التفات القلب إلى ما عدا القرآن والسنَّة سببه أن الإنسان لا يرى الكفاية في القرآن والسنة، وهذا لجهله العظيم لِمَا احتواه هذا الكتاب العظيم -القرآن- والسنة والمطهَّرة من العلم العظيم الكافي الشافي، فيذهب إلى التوراة ويذهب إلى الإنجيل مع ما فيها من التبديل والتحريف والتغيير؛ فهذا محل إنكار من النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- على مَن فعل ذلك.
إذن؛ الأمر الأول: هل أنت متحير متشكك؟!
الأمر الثاني: أنَّ الشريعة بيضاء نقية، وهذه ليست كذلك.
الأمر الثالث: قوله: «ولو كان موسى حيًا واتبعتموه، وتركتموني ضللتم».
موسى نبي الله وكليم الله، من أولي العزم من الرسل، ومع هذا لو كان حيًّا في وقت مبعث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- لم يجُزْ لنا أن نتَّبع موسى ونترك النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ-؛ بل يجب علينا أن نتَّبع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ-، بل قد أُخخِذَ الميثاق على موسى وعلى جميع الرُّسل والأنبياء أنَّهم إن بُعث محمدٌ وهم أحياء أن يتَّبعوه، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ﴾، يعني جاءكم محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وأنتم أحياء. قال: ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: 81]، وقد أجمع المفسرون على هذا المعنى، ودلَّت عليه السنة، وهو أنَّ الأنبياء كلهم أُخذ عليهم الميثاق لئن بُعث محمد وهم أحياءٌ ليتَّبعونه وينقادون لشرعه ودينه -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ.
وهذا صُرِّح به هنا في الحديث: «ولو كان موسى حيًا واتبعتموه، وتركتموني ضللتم»، فوجب على أهل الأرض جميعًا أن يتَّبعوا محمدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- ولا يجوز لأحد أن يخرج عن شريعة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- قال تعالى: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: 158]، وربنا يقول: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، ويقول: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هود: 17]، وقال: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85]، وقال: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ومن السنة أيضًا يقول -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- كما في الصحيح: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»[18].
وقوله: «مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ»، يعني: من أمَّة الدعوة، وهم كل من بلغته رسالة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ، فكل مَن وُلِدَ بعدَ مبعث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- فإنه يعتبر من أمَّة الدَّعوة، فيجب عليه أن يتبع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وهو داخل في خطاب الدعوة إلى الإسلام.
أمَّا مَن مات قبل مبعث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- فليس من أمة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ.
والأمَّة تُطلق في الشريعة ويُراد بها أمَّتان:
- أمة الدعوة: وهم كل مَن هو مخاطب باتباع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وهم مَن وُلدوا بعدَ مبعث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- إلى قيام الساعة، وهؤلاء يجب عليهم أن يدخلوا الإسلام؛ فهم مخاطبون بدعوة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ.
- وأمة الإجابة: وهم الذين استجابوا للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- ودخلوا في الإسلام، فهؤلاء هم أمَّته.
والنصوص تأتي أحيانًا بمعنى أمَّة الإجابة، وأحيانًا بمعنى أمَّة الدعوة.
وفي هذا الحديث قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ»، يعني أمَّة الدعوة. قال: «ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»، وهذا محل إجماع، وحكى هذا الإجماع جماعات العلماء قديمًا وحديثًا، فيجب على أهل الأرض جنهم وإنسهم، عربهم وعجمهم، نسائهم ورجالهم؛ أن يدخلوا في دين النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ-، ومن خرج عن شريعة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- فهو من الكفار، وهو من أهل النار.
ولهذا يعتبرون من نواقض الإسلام مَن اعتقدَ أنَّ بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى، فموسى لم يُبعَث إلى الناس كافَّة، أمَّا نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- بُعث إلى الناس كافَّة، والذي يقول: إن التكاليف تسقط عن بعض الصالحين أو العباد إذا بلغ منزلة معينة في التعبُّد، فهؤلاء من خرافيي الصوفيَّة ضُلَّال، أو من بعض غلاة الرافضة الذين يقولون إنَّ الأئمة -أو السَّادة- تسقط عنهم بعض التَّكاليف؛ فهؤلاء خرجوا عن شريعة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ.
قال عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بعد هذا التوجيه من النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: "رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيا".
هذه الكلمات من جوامع الكلم، وقد جاء فضلها أن تُقال في الصباح والمساء، وجاء من فضلها أنها تُقال مع الأذان بعد قول المؤذن: "أشهد أن محمدًا رسول الله"، فيُجيبه ويقول: "وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله، رضيتُ بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- نبيًّا".
هذه الجملة وحدها تحتاج إلى شرح، وقد تستغرق وقتًا طويلًا في شرحها؛ لأن الرضا بالله ربًّا والرضا بالإسلام دينًا، والرضا بمحمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- نبيًّا يتضمَّن معانٍ عظيمة جدًّا، لو تدبر المسلم الرضا بالله ربًّا؛ فإنه يقوده إلى:
§       الرضا بالقضاء والقدر.
§       أن لا يحسد أحدًا على نعمة أعطاها الله له.
§       أن يقنع بما قسمه الله له.
§       أن يرضى بشر ع الله ويسلم لدين الله.
والرضا بالإسلام دينًا أن يرضى بقلبه وبلسانه وبجوارحه، فيعمل بالإسلام، ويستجيب لأوامر الإسلام، وينتهي عن نواهي الإسلام، وينقاد للإسلام.
والرضا بمحمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- نبيًّا يتضمَّن معانٍ كثيرة جدًّا، ومن هذه المعاني ما ساقه المصنف هنا وبوَّب عليه "باب وجوب الاستغناء بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه"، فمن ضمن المعاني: أنَّك تستغني بالله، وبكلامه وبكتابه وبرسالة نبيه وبسنة نبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- عن كل ما سواه من الآراء والأشياء الأخرى، وهذا فيه القبول للشريعة، والقبول لسنة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ-، والقبول لأحكام الإسلام، قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمً﴾ [النساء: 65] .
فانظر -أخي المسلم وأختي المسلمة- هل هذا موجود في قلبك ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمً﴾ منشرح الصدر لأحكام الإسلام حتى لو كانت عليك؟
يعني: لو قضى القاضي الشرعي بحكمٍ موافقٍ للشرع عليك وأنت تستحق هذا شرعًا؛ فلا تغضب من حكم الإسلام، بل يجب عليك أن ينشرح صدرك لحكم الله -عَزَّ وَجلَّ- ونسأل الله -جل وعلا- أن يجعلنا ممَّن رضيَ بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- نبيًّا.
ومما يدل على هذا المعنى: قول الله -عَزَّ وَجلَّ: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الجاثية: 18، 19]؛ فقفْ مع هذه الآية العظيمة وقفة، وفكِّر فيها.
يقول الله لأشرف الخلق محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ﴾، هي شريعة الإسلام، القرآن، السنة، هذا الوحي من عند الله كله؛ جعل الله نبيه على هذه الشريعة، وهذا المنهاج وهذا الطريق، في العقيدة، في الحلال والحرام، في الأخلاق، في العبادات، في سائر أمور الدين؛ فالله يقول لنبيه ﴿فَاتَّبِعْهَ﴾، والاتباع هو: السير والتَّمسُّك والعمل، فعلًا للمأمور وتركًا للمحظور.
قال تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾، وهذا يأتي في القرآن كثيرًا، قال تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: 50]، وهنا قال: ﴿فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ﴾؛ إذن هذا فيه التَّمسُّك بالسُّنن وترك البدع.
قال بعض السلف: كل من ابتدع في الدين بدعة فإنَّه تركَ سنَّة من سنن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ.
وقوله في هذه الآية: ﴿اتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾، إذن هذه الشريعة تكفيك أهواء الذين لا يعلمون، هوى العلماني، هوى الرافضي، هوى الباطني، هوى الخارجي، هوى المعطل لأسماء الله وصفاته، هوى الشيوعي، هوى المنحل عن الدين، هوى المتشدد في الدين والغالي فيه، هوى النصراني، هوى الملحد، هوى الفليسوف المنحرف، هوى الغاوي الذي يبحث عن الفواحش، أهوء ما لها حصر، فاتركْ هؤلاء، صراط الله واحد فاتبعه، وفي هذا غنًى لك وكفاية لك، فإذا اتبعت هذه الشريعة التي أنزلها الله -عَزَّ وَجلَّ- تغنيك عن هذا، وصُرِّحَ بهذا المعنى في الآية، قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئً﴾، فإن اتبعت أهواء فلن تغني عنك من الله شيئًا، ولن تنفعك عند الله، وأنت مثل الذي يشرب من ماء البحر، كلما شرب عطش، أما هذا الوحي فهو ماء معينٌ رقراقٌ يقودك إلى جنَّات النَّعيم، فهذا هو الذي رضيه الله، وهذا هو وحي الله، وهذا هو الذي أنزله على محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ.
وفي الآية وعيد لمن يتبع هذه الأهواء، ملل الكفر والضلال، وهؤلاء مجتمعون على محاربة الحق وأهله، قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الجاثية: 19]، فلا تخشَ منهم لأنَّك مع الله، فإذا كنتَ مع الله متبع لوحيه ولسنة نبيه؛ فالله وليُّكَ.
ولهذا ترى سائر أهل البدع يُعادون السنَّة وأهلها، ويجتمعون على حرب السنة؛ بل تجد كفرة النصارى وكفرة العمانيين والملاحدة أشد ما عليهم هم أهل السنة والجماعة، فيُعادون السنَّة ويُحاربونها، ولهذا قال تعالى: ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾، فاجتماعهم على عداوتنا لا يُخيفنا، لأن الله ولي المتقين، فإذا كنتَ متَّقٍ متبعًا متمسكًا بالوحي فتوكل على الله وأبشر بالخير.
فهذه آية عظيمة ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئً﴾، فموضوع الاستغناء بالكتاب والسنَّة عن كل ما سواه قاعدة معروفة، ولكن التفاصيل قد يقع فيها الغلط، بعض الناس إذا جاء يقول: أنا أريد رقَّة القلب ودمع العين؛ فيذهب إل القصائد الملحنة حتى يرق قلبه! يقول: أنا لا أجد الشعور إلا إذا سمعت القصائد المحلنة التي تبكيني، وبهذه الطريقة يرق قلبي!
لا، أنت أعرضتَّ عن القرآن، فالقرآن فيه الهدى والنور، وفيه الكفاية، وهذا غلط، لأنَّ هذا من أهواء الذين لا يعلمون، فلا تتبعها.
بعض الناس يقول: أريد أن أستمع للأناشيد! ومنذ أن يُصبح إلى أن يمسي يستمع من نشيد إلى نشيد، ومن شعر إلى شعر؛ فامتلأ قلبه بالشعر والنشيد، وقلبه خاوٍ من القرآن! فهذا إعراضٌ عن القرآن، املأ قلبكَ بالقرآن يا مسلم، فلا بأس بالإنشاد في مواضعه، كالإنشاد في الطريق ونحوه، وعند النساء فيما بينهن في العرس، وعند الأطفال ونحوه، ولكن في حدود، أمَّا أن يستغني الرجل العاقل بالأناشيد عن القرآن فهذا غلط!
وآخر يقول: أريد الحكمة والآراء السديدة والمقولات المختصرة! وتجده يكتب في الإنترنت وتويتر وفيسبوك: قال الفيلسوف...، وقال كذا...، ويأتي بحكمٍ لأناسٍ كفار من أهل النار من حطب جهنم! فيأتي بحكمهم ويعرض عن القرآن!
والله -عَزَّ وَجلَّ- هو الذي يؤتي الحكمة، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ [الأحزاب: 34]، فكيف تعرض عن حكمة القرآن والسنة إلى حكمة أناسٍ كفروا بالله وبرسوله.
وآخر يقول: أريد ضبط الأمور الغيبية والإلهيات؛ فيذهب إلى آراء المعتزلة الكاسدة، يذهب إل العقليات ويدع النصوص ويدع كلام الله!
وآخر يريد التفقه في الدين؛ فيذهب إلى التَّعصب للشيخ الفلاني والمذهب الفلاني حتى لو كان مخالفًا لصريح الكتاب والسنة، فيُوافقه على تعصُّبه، حتى قال أحدهم -نسأل الله العافية والسلامة: الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر! فهذا أحد المتعصِّبة.
وقال آخرون: لا يتزوَّج الذي يتَّبع المذهب المالكي من امرأة شافعية! فهذا من التعصب، فهؤلاء فرَّقوا بين المسلمين، وفرَّقوا بين أنفسهم، وأعرضوا عن القرآن والسنَّة في باب التَّفقُّه.
وآخرون يطلبون معرفة الأحوال والقصص والروايات، والله -عَزَّ وَجلَّ- يقول: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ [يوسف: 3]، فهذا القرآن العظيم الذي فيه قصص الأنبياء وقصص يوسف، وقصص الأولين، وقصص الحكماء كلقمان وغيره، وقصص الملوك الصالحين كذي القرنين؛ أو قصص روايات فاسدة كاسدة كتبها أناسٌ أهل فواحش وأهل خبثٍ وضلالٍ منحلُّون لا يركعون لله ركعة؟!
قال تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾، بعض البنات الآن يقرأنَ روايات وتعرض المسكينة الجاهلة عن القرآن!
فهذا هو باب "وجوب الاستغناء بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه"، بعض الناس يأتي بقصص مكذوبة حتى يؤثر في الجمهور، ويقول بعضهم: يجوز الكذب في القصص لأجل الدعوة إلى الله. فهذا ضلالٌ عظيم، وليس من شريعة الإسلام في شيء!
وتجد بعضهم يتكلَّم في محاضرة فكرية -مثلًا- فمن أول ما يبدأ إلى أن يختم لا يذكر آية واحدة ولا حديث؛ كلها أقوال وكلمات يصفصفها ثم يظن أنه أتى بشيء!
يقول الصحابة: النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- كان إذا خطب الجمعة كان يقرأ آيات، وخطب عمر الجمعة فقرأ سورة الحج كاملة؛ فيجب على الخطيب والواعظ والذي يريد التأثير في الناس أن يذكر الناس بالقرآن، قال تعالى: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ق: 45]، فالقرآن أعظم مؤثر.
يقول عثمان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "والله لو صحت قلوبنا ما شبعت من القرآن"، فكيف نأتي إلى غيره!
ولذلك جاء النَّص الصَّريح في النَّهي عن النَّظر في التوراة، والنهي عن النَّظر في الإنجيل والكتب السابقة؛ لأنهم أخفوا وبدَّلوا، وتعرفون -أيُّها الإخوة الكرام- أن آية رجم الزاني مُنزلة في التوراة، أنَّ اليَهُودَ جَاؤُوا إلى رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَذَكَرُوا له أنَّ رَجُلًا منهمْ وامْرَأَةً زَنَيَا، فَقالَ لهمْ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ما تَجِدُونَ في التَّوْرَاةِ في شَأْنِ الرَّجْمِ». فَقالوا: نَفْضَحُهُمْ ويُجْلَدُونَ، فَقالَ عبدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ إنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فأتَوْا بالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أحَدُهُمْ يَدَهُ علَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ ما قَبْلَهَا وما بَعْدَهَا، فَقالَ له عبدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقالوا: صَدَقَ يا مُحَمَّدُ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فأمَرَ بهِما رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَرُجِمَا[19].
فهؤلاء غيروا وبدلوا وأخفوا وكتموا؛ فكيف تنظر في كتبهم!
فإذا كان هذا الوعيد الشديد فيمن نظرَ في التوراة والإنجيل؛ فما بالك بمَن نظرَ بكتب الملاحدة والفلاسفة وأهل الضلالات من غلاة الصُّوفيَّة، فمن باب أولى أن نقول بعدم جواز النظر في هذه الكتب، وأن نكتفي بالقرآن والسنة عن هذه الضلالات ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾، ويُستثنى من هذا مَن أراد الرَّد عليهم من العلماء الذين عندهم قدرة وعندهم تمكُّن، فهذا جهاد في سبيل الله، فلا بأس أن ينظر في هذه الكتب ويستخرج منها، ويُبيِّن الأخطاء، ويُبيِّن التَّناقضات التي عندهم، أما عموم الناس فلا، حتى من أهل العلم ما يلزم أن ينظر في مثل هذه الكتب.
وهذا مثل الجهاد في سبيل الله، فيجب عليه أن يكون مُتقيًا، فالمجاهد في سبيل الله والجندي الذي يُقاتل العدو ما ينزل ويُقاتل وهو أعزل، فلابد أن يكون مستعدًّا، وهكذا الذي ينزل لمنازلة ومقارعة خصوم الإسلام وأعدائه، مثل المستشرقين والمنصِّرين، ومثل العلمانيين الحاقدين، والشيوعيين، ومثل الخوارج الغلاة، وكذلك المعتزلة والمعطلة للأسماء والصفات؛ فهذا إن أراد الرَّد عليهم يلزم أن يكون عنده استعداد علمي، ولهذا قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- لمعاذ بن جبل: «إنَّكَ تَأْتي قَوْمًا مِن أهْلِ الكِتابِ، فادْعُهُمْ إلى شَهادَةِ أنَّ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأَنِّي رَسولُ اللهِ»[20]، يعلمه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- الاستعداد لنوع مَن سيُقابل، حتى يستعد للمحاجة والرد على أهل الباطل.
وبهذا يتضح لنا أنه يجب علينا أن نستغني بالكتاب والسنة عن كل ما سواهما.
هل معنى هذا أنَّنا لا ندرس العلوم النافعة كالرياضيات أو الفيزياء، والهندسة، والكيمياء، والطب، وأنواع الصناعات والتكنولوجيا؟
هذه ليس فيها شيء وهي جائزة؛ بل قد تكون مشروعة ومندوب إليها إذا نفعت المسلمين، ونفعت الدَّارس، وقد تكون واجبة إذا ترتَّبَ عليها مصالح للمسلمين، فإذا تُرِكَت مَن يتولَّاها!
وهذه العلوم لا تعارض الشريعة، ولو وُجدَ فيها ما يُعارض كلام الله وكلام رسوله فلا نقبله ونُصحِّحه، ولله الحمد نجد اليوم من طلبة العلم ومن المتخصصين في هذه العلوم غير الدينيَّة مَن برز حتى علا أولئك النصارى.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر كتاب "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" مسألة مهمَّة، وهي أنَّ هذه العلوم قد يدرسها بعض الزنادقة المنتسبين للإسلام فيبرزون فيها، فإنهم بما عندهم من علوم القرآن والسنة التي وصلتهم عن طريق المسلمين وبما عندهم من السلامة والصحة في عقولهم؛ صاروا متقدمين حتى على كفرة أهل الكتاب.
ولعل تأتي مناسبة في هذه الدروس لنقرأ نص كلام الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- لنبيِّن أنَّ دراسة لالعوم التي تعتبر غير شرعية ولكنها مفيدة للمسلمين؛ هذا مأمور به، ولا ضرر على المسلمين فيها؛ ولكن العلوم المضادة للشريعة مثل علوم السَّحرة وعلوم المعادين للإسلام كعلوم الباطنية، وكذلك العلوم التي تشتمل على المحرمات مثل الموسيقى والعزف، والعلوم التي تشتمل على الفواحش؛ فهذه كلها يجب محاربتها وتطهير بلاد المسلمين منها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام.
وقوله تعالى: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَ﴾ [الحج: 78].
 عن الْحَارِثَ الأشْعَرِيَّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- أنه قال: «آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: السَّمْعُ، وَالطَّاعَةُ، وَالْجِهَادُ، وَالْهِجْرَةُ، وَالْجَمَاعَةُ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلا أَنْ يُراجِع وَمَنْ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّم». فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ ؟ قَالَ: «وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ والْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ». رواه أحمد والترمذي، وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وفي الصحيح: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ». وفيه: «أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟». قال أبو العباس: " كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية، بل لما اختصم مهاجري وأنصاري فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار! قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟»، وغضب لذلك غضبًا شديدًا. انتهى كلامه، رحمه الله)
}.
 
ربما لا نتمكَّن من شرح هذا الباب كاملًا في هذا المجلس، ولكن نأخذ شرح العنوان وبعض ما ورد في هذا الباب.
قال الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام).
ما معنى (دعوى الإسلام)؟
دعوى الإسلام أي: اسم الإسلام، وصف الإسلام.
إذا سُئلتُ أنا أو أنتَ أو أي شخص ينتسب لهذا الدين: من أنت؟
تقول: أنا مسلم، تنتسب لهذا الإسلام، فهذه دعواك -أي عنوانك- وهذا وصفك ولقبك "أنا مسلم" أو "أنا من المسلمين"؛ فهذا اسم يُطلَق عليك، وصار هذا دعوى -أو سِمة أو وصف- وليست بمعنى الدَّعوى -التي هي ادعاء الكاذب- ولكن الدعوى هنا يعني الاسم والسمة والوصف الذي يُطلق عليك.
فدعوى الإسلام، أي: وصف واسم الإسلام، لا تخرج عن هذا الوصف إلى أوصاف أخرى، لا تترك هذا الوصف وتقول هذا ناقص، وكل الناس هكذا، وأنا أريد وصف جديد ليميزني عن الناس! لا؛ هذا اسمٌ يسعكَ ويكفيك، وهو نعمة كبرى عليكَ وعليَّ وعلى كل مَن انتسبَ لهذا الدين، لأنَّ من البلايا العظيمة أنَّ بعض الناس لا يكتفي باسم الإسلام فيذهب يأتي بوصفٍ آخر يعتزي إليه، وينتسب إليه، ويتفاخر به، ويزدري اسم الإسلام، ويخرج عن وصف الإسلام ولا يراه شيئًا إلى أسماء مبتدعة مخترعة لا خير فيها.
فهذا هو موضوع هذا الباب، وذكر الشيخ هنا فضل الإسلام، وذكر أمورًا عمليَّة، فهذا أمر حياتي -أي في حياة الناس-، ما الاسم الذي يُطلَق عليهم؟ ما الوصف الذي يرتضونه؟ هل يصح أن نأتي بأوصاف أخرى؟
فكتاب فضل الإسلام اشتمل على هذه اللفتات الجميلة جدًّا، والحقيقة ما في أحد يستغني عن هذا الموضوع، أن يُنبَّه عليه ويُذكَّر به.
وأتى الشيخ بقول الله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الحج: 78].
وهنا نقف وقفة في قول الله تعالى: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾، من الذي سمَّى المسلمين بهذا الاسم؟
المفسرون في هذا الموضع اختلفوا على قولين:
القول الأول: لما قال: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ﴾، فقال بعضهم: إنَّ إبراهيم هو سمَّى من يتبع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- بالمسلمين.
القول الثاني وهو الراجح: قوله -عَزَّ وَجلَّ: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾، الضمير عائد على لفظ الجلالة "الله"، وهذا هو الأرجح والله تعالى أعلم.
وفي هذا الفرح باسم المسلمين، فالله -عَزَّ وَجلَّ- هو الذي سمَّانا "مسلمين"؛ فنفرح بهذا الاسم، ونرضى بهذا الاسم، ولا نخرج عن هذا الاسم، ولا نظن أن هذا الاسم قليل الأهميَّة أو قليل الفائدة فنبحث عن ألقاب أو أسماء أخرى، فأشرف وأعظم نعمة عليك أنك مسلم، والله هو الذي سمَّاكَ بهذا الاسم.
قال تعالى: ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ أي: في اللوح المحفوظ.
وقوله ﴿وَفِي هَذَ﴾، أي: فيما أُنزل على النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وهو القرآن العظيم.
وبهذا نعرف فضل الإسلام، ونعمة الإسلام، وأنها منَّةٌ كبرى على الإنسان، قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران: 164]، قال تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: 127- 129]، يعني أمَّة محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ. قال: ﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾.
فنسأل الله -جل وعلا- أن يثبتنا على الإسلام، وأن يجعلنا ممن رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينا، وبمحمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- نبيًّا.
نقتصر على هذا المقدار لانتهاء وقت الحلقة، وإن شاء الله تعالى نكمل شرح هذا الباب في حلقةٍ قادمة، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
{شكر الله لكم فضيلة الشيخ على ما تقدِّمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم.
وفي الختام هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج، ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر. إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
-----------------------------
[18] صحيح مسلم (153).
[19] صحيح البخاري (3635).
[20] صحيح البخاري (1395)، صحيح مسلم (19).

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك