الدرس الأول

فضيلة الشيخ د. فهد بن سليمان الفهيد

إحصائية السلسلة

2055 12
الدرس الأول

فضل الإسلام

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء العلمي، وأرحبُ بفضيلة الشيخ الدكتور/ فهد بن سليمان الفهيد. فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشيخ}.
حيَّاكم الله، وحيَّا الله الإخوة جميعًا، ونسأل الله أن يجعل هذا الفصل الدراسي مباركًا على الجميع.
{اللهم آميــن.
في هذا الفصل سيُعلِّق فضيلة الشيخ -بإذن الله تعالى- على متن كتاب "فضل الإسلام" للإمام المجدِّد محمد بن عبد الوهاب -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
فضيلة الشيخ؛ لو تعطينا نُبذة عن هذا الكتاب وعن مؤلفه -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى}.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعدُ؛ فنحمد الله -سبحانه وتعالى- أن هيَّأ هذه المجالس، ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يجعلها مجالس علمٍ وخيرٍ وبركةٍ علينا وعلى إخواننا المسلمين.
هذا الكتاب الذي بين أيدينا هو كتاب "فضل الإسلام" للإمام العالم العلَّامة شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وقبل الحديث عن الكتاب؛ نذكر بعض ما يتعلق بمؤلف هذا الكتاب، وهو الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي الحنبلي النَّجدي، وُلد سنة 1115 هـ، وتوفي سنة 1206 هـ عن إحدى وتسعين سنة، رحمة الله عليه رحمةً واسعة، وجزاه الله عمَّا قدَّم للمسلمين خير الجزاء.
الشيخ محمد بن عبد الوهاب ألَّفَ مجموعة من المؤلفات، وهذه المؤلفات مطبوعة وموجودة ومتداولة، وهذا الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- عُرفَت نشأته، وعُرِفَ أينَ درسَ، وعُرِفَ مشايخه، وعُرفَت كلمته، وعُرِفَ منهجه من أوَّل حياته إلى وفاته -رحمه الله- ورسائله وكتبه كلها موجودة ومطبوعة، فلا يجوز لمن أرادَ أن يسأل عن شخصٍ أن يذهب إلى الأعداء المخالفين للشريعة الإسلامية والمعادينَ للدين الإسلامي، أو لأهل البدع المعادين لسنَّة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- فيأخذ عنهم؛ وإنَّما يأخذ عن الشَّخص نفسه وعن مؤلفاته، فيعرف منهجه، ويعرف طريقته.
نقول هذا الكلام حتَّى يُعرف أنَّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليس عنده ما يُستنكَر -ولله الحمد- فهو قد جرى على طريقة أهل العلم؛ بل هو من أئمة أهل العلم، ومؤلفاته تشهد بإمامته واتِّباعه للكتاب والسُّنَّة وتمسُّكه الشديد بذلك، وحضِّه للمسلمين على ذلك، وليست دعوته سياسيَّة، وليست دعوته قَبَليَّة، وليست دعوته مذهبيَّة، وليست له مآرب ومطالب ماليَّة، فهو -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- رجل دعوةٍ، وإمام سُنةٍ، وناصحٍ لعباد الله، رحمةُ الله عليه، وجزاه الله عنَّا وعن المسلمين خير الجزاء.
ونشأ في أكناف والده، وفي بيت علم، فكان أبوه من القضاة، ودرسَ العلم على والده، ثم رحل إلى المدينة ومكَّةَ ودرسَ العلم عند أكابر علماء مكة والمدينة، ومنهم الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف، وكذلك الشيخ محمد حياة السندي، ودرس في مكَّة على علمائها، وسافر بعد ذلك إلى العراق، ودرسَ على علمائها، ومنهم الشيخ المعروف محمد المجموعي -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- وذهب إلى الأحساء ودرس على علمائها، ومنهم الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، ودرس على غير هؤلاء وتلقَّى العلم عنهم.
ثم رجع إلى بلده وجلسَ للتَّدريس والتَّعليم والدَّعوة إلى الله، وهو يرى ما عليه كثيرٌ من الناس وكثير من البلدان بحكم ذهابه إلى مكَّة ثم المدينة ثم الأحساء والعراق؛ فاطَّلعَ على أحوال العالم الإسلامي وعرف أحوال المسلمين، ورأى أمورًا مخلَّة بالشَّريعة، وقد تكلَّم علماء عصره عنه وشهدوا له بصحَّة المنهج وسلامة الدَّعوة، وحسن الطَّريقة؛ ولكنهم كانوا يعتذرون بأنَّه يسَّر الله له ولاة أمرٍ أعانوه وشجَّعوه، بينما نحنُ لم يتيسَّر لنا.
ومن المعلوم أنَّ الشيخ في أوَّل أمره لم يكن يحظَى بالنُّصرة من ولاة الأمر في دعوته، بل وجدَ من بعض الحكَّام المناوئة والمعادة وتعب في هذا، وسيرته مشهورة لمن أراد التَّوسُّع فيها، ولكنَّه صبرَ حتَّى هيَّأَ الله له الإمام محمد بن سعود -رحمة الله عليه- ونصرَ الدَّعوة، ونصر هذا الدين ونشره، حتَّى يقول الشَّوكاني -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- وهو من علماء اليمن: "من دخل تحت حوزة آل سعود أقام الصلاة والزَّكاة والصيام، وسائر شعائر الإسلام"، ثم قال عن هؤلاء: "وصاروا مُقيمين لفرائض الدين، بعد أن كانوا لا يعرفون من الإسلام شيئًا".
انتبه! الشَّوكاني ليس من تلامذة محمد بن عبد الوهاب، وربما لم يرَه كما هو الظَّاهر، فهو يتكلَّم عن أوضاع المسلمين، وهو من علماء اليمن الكبار المعروفين -رحمة الله عليه- فقال: "صاروا مقيمين لفرائض الدين بعدَ أن كانوا لا يعرفون من الإسلام شيئًا، ولا يقومون بشيءٍ من واجباته إلَّا مجرَّد التَّكلم بلفظ الشهادتين على ما في لفظهم بها من عوجٍ".
يقول: حتَّى الشَّهادتان يلفظون بها بعوجٍ، يعني بعاميَّةٍ مكسرة حتى لا تكاد تفقه هذه الكلمة.
قال: "وبالجملة، فكانوا في جاهليَّتهم جُهلاء، كما تواترت بذلك الأخبار لدينا، ثم صاروا الآن يُصلُّون الصلوات لأوقاتها، ويأتون بسائر الأركان الإسلامية على أبلغ صفاتها".
وهذه ليست شهادة واحدة من عالمٍ واحدٍ؛ فهناك شهادات أخرى من سائر الأمصار، فمحمد بشير السهسواني من اليمين، والآلوسي وأسرته العلمية في العراق، عبد الرحمن الجبرتي في مصر، الصنعاني في اليمن، وعلماء الشَّام، ومنهم ناصر الدين الحجازي الأثري نزيل دمشق، ومنهم أبو اليسار الدمشقي الميداني، والشيخ محمد بن بهجت البيطار -مؤخَّرًا- والأمير شكيب أرسلان وهو من أهل الشام، والشيخ عمران بن علي رضوان اللانجي -من أهل لنجة وهي من بلاد فارس- وكذلك عشرات من العلماء، وكذلك صديق حسن خان أمير بهوبال في الهند؛ فكــل هؤلاء لا يُمكن أبدًا أن يتَّفقوا على الكذب أو على الشهادة بزور، فقد شهد هؤلاء الأثبات المعروفون -والذين تشهد لهم مؤلفاتهم- للشيخ محمد بصحَّة منهجه، وسُرُّوا بدعوته، وفرحوا بما جاء به.
وسوف يأتي في ثنايا الدروس الرد على الشبهات التي يُثيرها الأعداء حول الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولكن المقصود أنَّنا نعرف أنَّ هذا الرَّجل معروف النِّشأة، معروفٌ أينَ درسَ، ومعروفةٌ مؤلفاته، وهذه المؤلفات موجودة، فلا داعي لتَّشويش، ولا داعي للكذب على هذا العالم الجليل أو الافتراء كما يصنع المعادون لدعوة الإسلام ودعوة التَّوحيد، نسأل الله العافية والسلامة.
الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- توفي عام 1206 هـ بعدَ جُهدٍ جهيدٍ في الدعوة إلى الله، واستمرَّ طلابه وتلامذته في الدعوة إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- وفي نُصرة الدين الإسلامي، وفي نُصرة التَّوحيد.
والشيخ له مُؤلفات كثيرة، طُبعت في مجموع حوالي ثلاث عشر مجلد، وبعد الطبعات اختُصرَت وضُغِطَت في ست مجلدات لكنَّها مرصوصة بعنوان "مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب"، فيها في العقيدة وفيها في الفقه، وفيها في الحديث، وفيها في سيرة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وفيها الرسائل الشخصية وهي المراسلات التي بينه وبينَ العلماء أو رؤساء البلدان الذين حوله في نجد أو غيرها، مراسلات ومناصحات كلها تشهد بأنَّ هذا الرجل رجل علم وإمام، كلماته عليها نور الكتاب والسُّنَّة.
ويُحكَى أنَّ بعض المعادين كانت تصله الأخبار المشوَّهة من أعداء الدَّعوة من غُلاة الصُّوفيَّة الذين يُريدون إبقاء ما هم عليه من النَّشوة واهتمام النَّاس بهم وتبرُّك الناس بأيديهم وتقبيلهم وإعطائهم النُّذور؛ فخشوا أن يذهب هذا عنهم؛ لأنَّ دعوة الحق ترفض هذه الخرافات، وترفض هذه الخزعبلات والهالات التي يضعها هؤلاء؛ فصاروا يُعادونَ داعية التَّوحيد، ويصفونهم بأنهم يُبغضون النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- ولا يُصلُّون على النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وينسبون إليهم كذبًا وزورًا ألفاظًا لم يقلها مسلم فضلًا عن أن يقولها عالم مثل هذا الرجل، مثل أن يقول: "عصاي خير من محمد" -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ-، فهل يقول هذا مسلم؟! ما يقول هذا إلَّا كافر زنديق، فينسبون هذه الكلمات للشيخ محمد، وأنه يُكفِّر الناس!!
فكان هذا الرجل الذي يُدرِّس في الهند يأمر طلابه بسبِّ الشيخ ولعنه، فيقول: العنوا الوهابيَّة، العنوا محمد بن عبد الوهاب.
فأتى أحد الطلبة بكتاب التَّوحيد منزوع غلافه حتى لا يُعرَف مَن هو مؤلفه، وزار الشيخ في بيته ووضع الكتاب، ومن عادة المدرسين وأهل العلم أنَّهم إذا رأوا كتب العلم أنَّهم يهتمون بها.
فأخذ صاحب الدار يُقلِّب في هذا الكتاب ويقول: ما أجمل هذا الكتاب، هذا يُشبه البخاري في تبويباته، هذا نفس عالم كبير، هذا عالم جليل. مَن الذي ألفه؟ أظنه البخاري أو من كبار علماء المسلمين.
فقال الطالب: يا شيخ، هذا محمد بن عبد الوهاب.
قال: الملعون؟!
قال: اتَّقِ الله يا شيخ، لا تسمع كلام الأعداء والخصوم فيه، فهذه كتبه.
فرجع الشيخ لنفسه، وزوَّده الطالب بمجموعة من كتبه، وأخذَ يقرأ ويقول: سبحان الله!
ومن أبرز مؤلفات الشيخ: كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، وهو من أنفس الكتب.
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "ما أُلِّفَ في توحيد العبادة مثل كتاب التوحيد".
ولو نظرتَ إلى كتاب "التوحيد" لوجدتَّ أنَّه يقتصر على الآيات والأحاديث فقط، لا تكاد تتجاوز كلمات للشيخ محمد بن عبدالوهاب عدد الأصابع، فالكتاب فقط عبارة عن آيات وأحاديث، والتبويب لها، مثل: باب ما جاء في الذبح لغير الله، قال الله تعالى...، قال الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ...، باب ما جاء في الخوف، باب ما جاء في الاستغاثة...، وهكذا. فهو كتاب عظيم أنصح طلبة العلم بحفظه وضبطه ومراجعته وتدريسه.
وكذلك من مؤلفات الشيخ: هذه الرسالة التي بين أيدينا وهي "فضل الإسلام"، وهذه الرسالة بيَّنَ فيها مجموعة من النُّصوص الشَّرعيَّة من الآيات والأحاديث في فضل هذا الدين والشَّريعة الإسلاميَّة السَّمحة، وبيان محاسن الدين الإسلامي.
والحديث عن فضل الإسلام ومحاسن الدين الإسلامي يدعو المسلم إلى التَّمسك بحقيقة هذا الدين كما جاء صافيًا عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- دون الشَّوائب التي أُلحقت من البدع والزيادات التي زادها المبتدعون؛ فهذه لا حاجة لنا بها، فمَن أخذ بهذا الدين كما أنزل صافيًا عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وهو محفوظ بحفظ الله؛ فقد تحقق له الفوز والسعادة في الدنيا وفي الآخرة.
فشرائع الإسلام كلها حسنة، وكلها خير، وكلها بركة، فشرائع الإسلام كلها من التوحيد والعقيدة، وكذلك العبادات والمعاملات والأخلاق، وما يتعلق بالحقوق الزَّوجيَّة، وما يتعلق بالحقوق مع الآخرين، وما يتعلق بالعقوبات والتَّعزيرات؛ فأحكام الإسلام كلها خير وبركة.
وتذكُّر هذه النِّعم، وتذكُّر فضل الإسلام وبيانه ممَّا يُثبِّت المسلم على هذا الدين، وممَّا يُشجِّع غير المسلمين على الدخول في الإسلام، وكم والله دخل في دين الله أفواجًا وأُناسًا تعرَّفوا على بعض محاسن الدين الإسلامي!
فمحاسن الدين الإسلامي من أسباب دخول الناس في دين الله أفواجًا، والإسلام كله محاسن ولله الحمد، وكل مسلم ومسلمة إذا تنبَّه لمحاسن الدين وما فيه من خير عظيم وتحدَّث بذلك؛ صـار هذا سببًا في إدخال الناس في دين الله، وتشجيعهم على الإسلام، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33].
وهناك رسالة للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في محاسن الدين الإسلامي، وهي رسالة قيِّمة جدًّا، وله رسالة أخرى بعنوان: "الوسائل المفيدة في الحياة السعيدة"، وهي أيضًا تصب حول هذا الموضوع، وتبيِّن ما في الإسلام من معانٍ جليلةٍ وعظيمةٍ تجعل مَن يعتنق هذا الدين في خيرٍ وسعادةٍ دائمًا.
كذلك الشيخ عبد العزيز بن محمد السَّلمان -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- له رسالة مشهورةٍ ومطبوعة بعنوان "محاسن الدين الإسلامي"، والشيخ بدأها وصنَّفها على كتب الفقه، فبدأ بكتاب الطَّهارة، وانتهى بكتاب الإقرار، كما هو ترتيب كتب الفقه عند الفقهاء، فيذكر كتاب الطهارة، ثم الصلاة، ثم الحج، ثم الجهاد، والبيوع والمعاملات، إلى آخره...، فيذكر كل كتاب وما يتضمَّنه من محاسن.
أمَّا رسالة الشيخ عبد الرحمن السعدي فكانت بالإجمال، المعاملات، العبادات، الأخلاق، الحلال والحرام، إلى آخره.
فينبغي أن نتذاكر هذه الرسائل مع أنفسنا وأولادنا ومَن حولنا، وأن نستشعر نعم الله علينا، فهذا كله يشجع المسلم على الثَّبات على الحق، والعزوف عن الباطل وأهله؛ وهذا يُقوِّي الإيمان ويثبت الإسلام.
واليوم بعض الناس ينبهر بالغرب أو الشرق، وينبهر ببعض الكفار؛ فكل هذا ناتج عن جهله بحقيقة الكفر وظلمته وقبحه، ونور الإسلام وعظمته وفضله ونوره، فتذكُّر المسلم فضل الإسلام هذا هو محور الكتاب.
والشيخ هنا ذكر فضل الإسلام أولًا، ثم ذكر الأمور العمليَّة الحياتيَّة في الإسلام، يعني المنهج الذي يسير عليه المسلم، فإذا دانَ به وسار عليه سلم من البدع والضلالات -بإذن الله تعالى- فالكتاب يعتبر تطبيق منهج عملي للمسلم، فنسأل الله أن يجزي المؤلف محمد بن عبد الوهاب خير الجزاء على هذا الكتاب، وأن يرحمه ويغفر له، ونسأل الله أن يعيننا وإيَّاكم على فهم هذه النصوص الشرعية التي ترد في الكتاب.
والكتاب مكوَّن من عدَّة أبواب، بدأها بباب "فضل الإسلام" ثم يتسلسل في التبويب، فذكر:
باب وجوب الإسلام، باب تفسير الإسلام.
باب قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].
باب في وجوب الاستغناء بمتابعته -يعني القرآن.
باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام.
باب وجوب الدخول في الإسلام كله.
باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر.
باب ما جاء أن الله احتجزَ التوبة على صاحب البدعة.
باب قول الله تعالى: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ﴾ [آل عمران: 65].
باب قول الله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفً﴾ [الروم: 30].
باب ما جاء في غربة الإسلام وفضل الغرباء.
باب التَّحذير من البدع.
فهذه هي أبواب الكتاب، وكلها -كما سنرى إن شاء الله- آيات وأحاديث وآثار عن الصحابة والتَّابعين.
نبدأ بعون الله تعالى في القراءة والتعليق، ونسأل الله -جل وعلا- أن يرزقنا العِلم النَّافع والعمل الصَّالح، وأن يهدينا للتي هي أقوم، إنه -سبحانه وتعالى- سميع مجيب الدعاء.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (باب فضل الإسلام
وقول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينً﴾ [المائدة: 3]. وقوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾ [يونس: 104]. وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحديد:28].
وفي الصحيح عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ صلاة الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ؟ فَأَنْتُمْ هُمْ. فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَالُوا: مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقَلَّ عَطَاءً؟ قَالَ: هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شيئا؟ قَالُوا: لا، قَالَ: ذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ».
وفيه أيضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- َ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «أَضَلَّ اللَّهُ عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ ولِلنَّصَارَى يَوْمُ الأحَدِ، فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالأوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وفيه تعليقًا عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- أنه قال: «أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ».
وعن أبي بن كعب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: "عَلَيْكُمْ بِالسَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ عَلَى سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ ذَكَرَ الرَّحْمَنَ عَزَّ وَجَلَّ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَتَمَسَّهُ النَّارُ، وَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ عَلَى سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ ذَكَرَ الرَّحْمَنَ، فَاقْشَعَرَّ جِلْدُهُ مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلا كَانَ مَثَلُهُ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ يَبِسَ وَرَقُهَا فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ إِذْ أَصَابَتْهَا الرِّيحُ فَتَحَاتَّتْ عَنْهَا وَرَقُهَا، وَإِلا تَحَاتَّتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا تَحَاتَّ عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ وَرَقُهَا، وَإِنَّ اقْتِصَادًا فِي سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ خَيْرٌ مِنَ اجْتِهَادٍ فِي خِلافِ سَبِيلِ اللَّهِ وَسُنَّتِهِ".
وعن أبي الدرداء -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: "يَا حَبَّذَا نَوْمُ الْأَكْيَاسِ وَإِفْطَارُهُمْ، كَيْفَ يَعِيبُونَ سَهَرَ الْحَمْقَى وَصِيَامَهُمْ، وَلَمِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ بِرٍّ مِنْ صَاحِبِ تَقْوًى وَيَقِينٍ أَفْضَلُ وَأَرْجَحُ وَأَعْظَمُ مِنْ أَمْثَالِ الْجِبَالِ عِبَادَةً مِنَ الْمُغْتَرِبِينَ")
}. 
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: (باب فضل الإسلام
وقول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينً﴾ [المائدة: 3]. وقوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾ [يونس: 104]. وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحديد:28])
.
ثم حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- وحديث أبي هريرة، والحديث الثالث المعلَّق «أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ»، ثم ذكر أثر أُبي بن كعب، وأثر أَبي الدرداء.
إذن؛ عندنا ثلاث مواضع من القُرآن استدلَّ بها الشيخ، وعندنا ثلاثة أحاديث ذكرها الشيخ، وعندنا أثران ذكرهما الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
قبل أن نبدأ الشرح في كل نصٍّ من هذه النُّصوص الشرعية؛ أحاول أن ألفت انتباه المشاهد الكريم والطالب الذي يُريد الفائدة؛ اُنظر للآية مرَّةً بعدَ مرةٍ، من أين تستخرج منها بيان فضل الإسلام؟
الآية الأولى في سورة المائدة واضحة جدًّا، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينً﴾ [المائدة: 3].
الآية الثانية قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾ [يونس: 104].
إذن؛ أنا لستُ في شكٍّ من ديني، فالإسلام دين يقينٍ وليس فيه شك.
الآية الثالثة قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾، يعني ضعفين من رحمته.
وزيادة على هذا ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحديد:28]. فهذا ثوابٌ عظيم مترتِّبٌ على الإسلام، كفلين من رحمته، ونورٌ تمشون به، ويغفر لكم؛ كل هذا جزاء للمسلم الذي دخل الإسلام. الله أكبر!
أمَّا حديث ابن عمر فهو صريح في مُضاعفة أجور مَن اتَّبعَ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ-، وحديث أبي هريرة في فضل الجمعة، وأنَّ الله هدى أهل الإسلام ليوم الجمعة وهم الآخرون في الزَّمن وتاريخ الأمم، فهم آخر الأمم الآن هم أمَّة محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- ولكنَّهم هم الأوَّلونَ يوم القيامة.
إذن؛ كل هذه الأحاديث تدلُّ على فضل الإسلام، وأنَّه حنيفي سمح ليس فيه شدَّة.
ويؤكِّد هذا آثار الصحابة، كأثر أبي بن كعب وأثر أبي الدرداء في فضل الإسلام، وفضل الاقتصاد -يعني عدم التَّكلُّف- لأنَّ الإسلام ما فيه تكلُّف، وأنَّ الإنسان إذا ثبتَ على السُّنَّة الواردة عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- من غير زيادة ولا نقص فإنَّه على خير عظيم، فعندما تدخل في دين الإسلام فلا تحتاج أن تشدد على نفسك في العبادة، فالإسلام يرفض الآصار والأغلال والغلو.
إذن؛ كل هذه الأمور تشهد على فضل الإسلام.
النَّص الأول: قول الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينً﴾ [المائدة: 3].
هذه منَّةٌ من الله -سبحانه وتعالى- امتنَّ بها على عباده، فهذا الدين الإسلامي فضَّله الله بفضيلةٍ عظيمةٍ جدًّا، وهي أنَّه كامل، ولا يحتاج إلى زيادة من أحدٍ كائنًا مَن كان، فقد أتمَّ الله هذا الدين وأكمله، وأتمَّ النِّعمة على المسلمين، فإكمال الدين وإتمام النِّعمة وأنَّ الله رضيه لنا، فهو دين مرضي لله -عَزَّ وَجَلَّ- مقبول عند الله؛ فإذا دنتَ به رضي الله عنك، وإذا دنتَ بغيره لم يرضَ عنكَ ولم يقبل منكَ.
قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾.
متى نزلت هذه الآية؟
سمع يهودي عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يقرأ هذه الآية، فقال اليهودي: لو أنَّا معشر اليهود نزلَت علينا هذه الآية لاتَّخذنا ذلك اليومَ عيدًا.
فقال عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "إنِّي أعلم أيَّ يومٍ نزلت. نزلت يوم الجمعة عشيَّة عرفة في حجَّة الوداع، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- واقفُ بعرفة".
إذن؛ هذا اليوم هو يومٌ مُعظَّمٌ عند المسلمين، وهو يومٌ له شأنٌ كبيرٌ عند الله -عَزَّ وَجَلَّ-، فكان يوم عرفة يوم جمعة وهو عيد الأسبوع.
وقوله -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "عشية عرفة"، أي: بعدَ الزَّوال، فالعشي يُقال لِمَا بعد الزَّوال إلى ما قبل غروب الشَّمس.
متى كانت حجَّة الوداع؟
كانت في آخر حياة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- في السنة العاشرة، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- توفي في أول السنة الحادية عشرة في الثاني عشر من ربيع الأوَّل، ويوم عرفة كان يوم تسعة، فإذا حسبتَ الأيام تجدها تقريبا تسعين ليلة، فبعد تسعين ليلة من نزول هذه الآية توفى اللهُ نبيَّنا محمدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- بعد ما أتمَّ الدين.
فوائد من قوله تعالى: ﴿أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾.
الفائدة الأولى: هذه منَّةٌ، أنَّ الدين كامل؛ لأنَّ في الأمم السابقة كان الله -عَزَّ وَجَلَّ- يُتابع عليهم الأنبياء والرسل لحاجتهم إليهم، حتى يعرفوا أحكامه، أمَّا في هذه الأمَّة فقد أكمل الله -عَزَّ وَجَلَّ- الدين، وأتمَّ هذه النعمة.
الفائدة الثانية: أنَّ هذه الآية حُجَّة لكل سُنِّيٍّ على مَن ابتدع في دين الله، فالمبتدع إذا ابتدع عقيدة فاسدة، أو ابتدع عبادةً ضالَّة، أو ابتدع ذكرًا أو أي شيء من البدع؛ يقول له السُّنيُّ: لماذا ابتدعتَ هذه البدعة؟
فيقول المبتدع: أتعبدُ وأتقرَّب إلى الله.
فهل هذا في القرآن وفي السنَّة وأجمع عليه الصحابة؟
إن قال في القُرآن والسنة فعلى العين والرأس، أي شيء في القرآن والسنة يجب علينا أن نطيع الله ورسوله فيه، لكن البدع ليست في القرآن ولا في السنة، فإذا كانت ليست في القرآن ولا في السنة ولم يفعلها الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- فهذه بدعة، وليست من الدين في شيء؛ لأنَّ الله يقول ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾.
فإذا قال: هذه بدعة حسنة.
فنقول: ليس في الدين الذي أكمله الله -عَزَّ وَجَلَّ- بدعة حسنة؛ لأنَّه إن كان من الدين الذي أنزله الله فهو ليس بدعة وليس إضافة، وإن كان ليس من الدين فلا حاجة لنا به.
فإذا قال: نحتاجها لنكمِّل الدين.
نقول: هل الدين ناقص؟ هل يجرؤ مسلم أن يقول إنَّ الدين ناقص؟!
لا يجرؤ مسلم أن يقول إن الدين ناقص، وإذا صرَّحَ بهذا وقال إنَّ الدينَ ناقص وأنا كمَّلته فقد كذَّبَ قول الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾.
على سبيل المثال: يأتي بعض الناس في يوم الثاني عشر من ربيع الأول ويقيم احتفالًا لمولد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وذكرى ميلاد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- ذكرى جميلة، فنجلس في المسجد أو في المجالس وننشد الأشعار ونوزِّع الحلوى، ونضع الأنوار، ونقرأ الأحاديث والسيرة، ونصلي ما شاء الله من الصلوات.
لماذا يفعلون هذا؟ هل فعله النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ؟ هل فعله أبو بكر؟ هل فعله عمر؟ هل فعله عثمان؟ هل فعله علي؟ هل فعله الخلفاء والملوك بعدهم؟!
لم يفعلوا هذا؛ لأنه ليس من الدين، ولا حاجة لنا به، نحنُ نحب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- ونذكره ونقرأ أحاديث طوال السنة وليس في يومٍ واحدٍ.
ولو قال آخر: الليلة الرَّجبيَّة، أو ليلة النصف من شعبان، أو كذا وكذا...، فنفس القياس، ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾، فهذه الآية حجَّة لكل سنِّي على المبتدعة.
الفائدة الثالثة: قوله ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾، هنا إشعارٌ للمسلم بنعمة الإسلام، والله -عَزَّ وَجَلَّ- أضافها لنفسه المقدسة، وهذا يدل على شرفها، فأنتَ لمَّا تدين بدين الإسلام فأنت الآن قد أعطاك الله شرفًا عظيمًا ونعمةً كبرى، فمما يدل على شرفها أنَّ الله أضافها لنفسه، فهي تامَّة، وليست بحاجة إلى تكميلٍ، ولكن الشَّأن أن تجتهد في العمل بما هو من هذا الدين.
الفائدة الرابعة: قوله تعالى: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينً﴾، في الآية مفهوم صريح -منطوق- للآية، ومفهوم مخالفة.
أما مفهوم المنطوق: هو أنَّ الإسلام رضيه الله دينًا، فمَن دانَ به فإنَّ الله يرضى عنه، ولا يرضى الله -عَزَّ وَجَلَّ- إلَّا به.
ومفهوم المخالفة: أنَّ مَن لم يأتِ بالإسلام فلن يرضَى الله عنه، فمن لقيَ الله وهو يهودي، ومن لقيَ الله وهو نصراني أو مجوسي أو مُلحد، أو غيرهم من الكفَرَة؛ فإنَّ الله لا يرضى عنه، وهو محل سخط الله، وهذا يؤكده قول الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].
وقوله تعالى: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينً﴾ مثل قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «مَنْ أحْدَثَ في أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»[1]، لأن الإسلام المنزَّل على محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- إذا عملت به يرضى الله عنك، أمَّا الإضافات التي تحدثها والبدع التي تزيدها لن تُقبَل منك وهو قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «مَنْ أحْدَثَ في أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ».
إذن الدين المرضي هو الإسلام، وهو ما أنزله الله على محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ-، اطلبه تجده في القرآن وفي صحيح السُّنَّة وما كان عليه الصحابة.
إذن؛ صارت أدلة القرآن وأدلة السنَّة متوافقة على هذا المعنى الجليل العظيم.
الآية الثانية: قول الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [يونس: 104].
يعني: أنا على يقينٍ تامٍّ، وعلى إيمانٍ لا شكَّ فيه بالله -عَزَّ وَجَلَّ- وأنَّه هو المستحق للعبادة، وأنا متبرِّئ من كل شرك كفر، فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله، وهذا الكلام الذي أُمِرَ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- أن يقوله يجب على المسلمين أن يقولوا مثله وأن يعتقدوه.
قوله: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي﴾، أي: إن كنتم في شكٍّ من الإسلام دين النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- فنحن لسنا في شكٍّ من دين الإسلام، فنحن على يقين.
قال تعالى: ﴿فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾، فنحن لا نعبد الذين تعبدون من دون الله، فلا نعبد عيسى ابن مريم، ولا نعبد جبريل ولا ميكائيل، ولا نعبد الأولياء، ولا نعبد غيرهم ممَّن يُعبد من دون الله.
قال تعالى: ﴿وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾، فيه دلالة على الأمور الرُّبوبيَّة، فلا أحد يدفع الموت عن نفسه لا من الجن ولا من الإنس، قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران: 185]، ولو أُتيَ بأمهر الأطباء والمستشفيات وأراد الله لرجل أن تُقبَض روحه فلا يستطيعون إمساكها أو تأخير الموت، فهذه آية ربَّانيَّة تدلُّ على ربوبيَّة الله، فهو الذي يُحيي ويُميت، ولكن هنا يُبيِّن أن توحيد الألوهيَّة مرتبطٌ بالربوبيَّة، فمن أتى بالرُّبوبيَّة يلزمه أن يُوحِّد الله في ألوهيَّته، لكن المشركين يتناقضون، فهم يعرفون الرُّبوبيَّة ويُنكرون الألوهيَّة، وهنا الآية للرَّد عليهم في قوله: ﴿وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾، فقد قهركم -جلَّ وعَلا- وقهر جميع العباد، فهو الذي يُحيي ويُميت، وهو القاهر -سبحانه وتعالى- فوق عباده.
فالرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وأتباعه ليسوا في شكٍّ من الإسلام، ولا يقعون في الشِّرك، وهذه الآية مثل قول الله -عَزَّ وَجَلَّ- في سورة الكافرون: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) [سورة الكافرون].
ويُستفاد من هذه الآية:
- أن دين الإسلام دين يقين لا شكَّ فيه.
- ليس في عقائد الإسلام تناقض، الإيمان وأركانه الستَّة والإسلام وأركان الخمسة والإحسان وهو ركنٌ واحد؛ كل أمور العقيدة من إسلام وإيمان وإحسان ليس فيها تناقض ولا تنافر ولا اضطراب ولا تضاد، ولا هي متضاربة فيما بينها؛ بل هي مؤتلفة متَّفقة متجمعة موافقة للعقول السَّليمة والفِطَر المستقيمة، والحمد لله على هذه النِّعمَة، فهذه نعمة في دين الإسلام.
وأما الملاحدة فهم مضطربون، نفس الملاحدة يتلاعنون فيما بينهم، هم مدارس مختلفة متناقضة متضاربة، وكذلك بقيَّة كفَرَة أهل الأرض، فهم في شتاتٍ عظيمٍ، تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتَّى، فالحمد لله الذي أكرمنا بالإسلام ومنَّ علينا بهذا الدين العظيم.
الآية الثالثة: قول الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحديد:28].
كل هذه الفضائل تحصل إذا آمنت بالله وبرسوله محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- واتَّقيتَ الله، فإذا دخلتَ في دين الإسلام وثبتَّ عليه؛ فكل هذه الفضائل والأجور تحصلُ لك:
﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾، أي: ضعفين.
﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾، أي: نور الكتاب والسنَّة، وهو نور القرآن العظيم، به تعرف الحق من الباطل، وتعرف الهدى من الضَّلال، تعرف السُّنَّة من البدعة، تعرف الطاعة من المعصية، فهو فرقان تعرف به الحق والباطل، وتعفر به الضلالات فتحذرها، وهذا النور العظيم بعض الناس فقدَه فلا يدري ما هي السنة وما هي البدعة، وما يدري ما هو الكفر والإيمان، ولا يدري ما هو الحق والباطل -نسأل الله العافية والسلامة- فأهل الأهواء وأهل الشُّبهات وأهل الضلالات اشتبهت عليهم الأمور، وتاهوا وحاروا ؛ فسووا بين المعاصي والطاعات حتَّى جعلوا الذي يعصي الله مثل الذي يُطيعه، وجعلوا الذي يفعل البدعة مثل الذي يفعل السنة، بل إنَّ بعضهم قدَّم الباطل على الحق، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
ولا يتأتَّى للإنسان معرفة الهُدى والحق ومعرفة السنة ومعرفة الطاعة إلَّا بنور الكتاب والسنة، فيتعلَّم ويدرس على حسب ما يعطيه الله -عَزَّ وَجَلَّ- من العلم، ولكن من فقدَ هذا النور فوالله لا يُمكن أن يُفرِّق، فيضل ويتيه -نسأل الله العافية والسلامة.
وبعض الناس يُسوِّي بين المسلمين والمجرمين، والله تعالى يقول: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم: 35، 36]، فالمسلم له مكانة بإسلامه وتوحيده، ولا يُمكن أن يُساوى بالكافر النَّصراني أو الكافر اليهودي أو الكافر المجوسي أو الكافر المُلحد، قال تعالى: ﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ [ص: 28].
فهذا النور تجده في الإسلام، فاحمد الله يا مسلم على هذه النِّعمة، فأهل الأهواء وأهل البدع وأهل الضلالات وأهل الغفلة وأهل الشرك لا يفرقون، وأنت تُفرِّق، فهؤلاء الضُّلَّال إذا مرض المريض منهم ربَّما يذهبون به إلَّا السَّاحر، ولا يدرون أنه يزداد مرضًا ويزداد فسادًا في عقيدته وضلالًا في دينه، فيأتي الساحر ويقول له: اذبح وافعل...؛ فيستجيبون للسَّحرة والكُهَّان، ويُصدِّقون المنجِّمينَ، ويصدِّقونَ الأبراج!
أمَّا أنت أيها المسلم فقد أنعم الله عليكَ بهذا النور، فتعرف أنَّ هذه الأشياء محرَّمة وباطلة، ولا تنفع شيئًا، فاحمد الله أن منَّ عليكَ بهذا النور.
قوله: ﴿نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾، فلو أنَّك الآن تمشي في الطريق وبه حُفر وعقارب سامَّة وحيَّات لادغة قاتلة، وأضرارٌ متنوِّعة؛ وأنت عندك نورٌ تُبصر به أن توضع قدمك حتَّى تتقي هذه الضلالات، وهكذا المسلم الموحِّد الذي أنعمَ الله عليه بنور الكتاب والسُّنَّة.
وبعض الناس الآن يُقلِّب في صفحات التَّواصل الاجتماعي، ويذهب يَمنةً ويسرَةَ، ويتيه بين ما يُسمُّونه ثقافات الأمم، وإنَّما هم يجلبون أشدَّ ما عند من الكفر من الأصنام وتعظيم الأوثان، من التصديق بالنجوم، ومن التَّصديق بالسَّحرة؛ ويسمُّونَ هذا ثقافات، وأنت معك نور الإسلام لتتقي به هذه الضَّلالات، فالحمد لله على نعمة الإسلام، فاثبت عليه وتعلمه وتمسَّك به.
قال تعالى: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، فكلنا نرجوا أن يغفر الله لنا، وفي الحديث القدسي يقول الله -عَزَّ وَجَلَّ: «يَا ابْنَ آَدَمَ إِنَّكَ لَو أَتَيْتَنِيْ بِقِرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لقِيْتَنِيْ لاَتُشْرِك بِيْ شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقِرَابِهَا مَغفِرَةً»[2].
إذن؛ كــل هذه فضائل الإسلام دلَّت عليها الآيات، وليس المقصود من المؤلف محمد بن عبد الوهاب -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أن يحصُر جميع الآيات التي فيها فضل الإسلام، ولكنَّه أعطانا ثلاث مواضع من القرآن كلها تدل على فضل الإسلام، وفضل هذه النِّعمة، وإذا تدبَّر الإنسان هذه الآيات وتفكَّر في نفسه وفيمَن حوله عرفَ نعمة الإسلام التي أنعم الله بها عليه.
نسأل الله -جل وعلا- أن يثبتنا على الإسلام، وعلى سنَّة النبي -عليه الصلاة والسلام- وأن يفقهنا في الدين، ونواصل -إن شاء الله- الشرح في الحلقة القادمة، وبالله التوفيق، وصلَّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
{أشكركم فضيلة الشيخ على ما تقدِّمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم.
وفي الختام هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج، ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر. إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
----------------------
[1] أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718) واللفظ له.
[2] أخرجه الترمذي (3540) واللفظ له، وأحمد (13493).

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك