{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ مِن حلقاتِ البناء
العلمي، وأرحب بفضيلة الشَّيخ الدكتور/ عبد العزيز بن محمد السَّدحان، فأهلًا
وسهلًا بكم فضيلة الشَّيخ}.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
حيَّاكم الله، وحيَّا الله المشاهدين والمستمعين، وحياك الله أنت يا شيخ عبد
الرحمن.
{في هذه الحلقة -بإذن الله- سنأخذُ نُبذَةً عن أسماء سور القرآن الكريم.
فضيلة الشيخ؛ لو تعطوا الإخوة المشاهدين مقدِّمَة عن أسماء السُّور}.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّمَ وبارك على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله
وصحبه أجمعين.
ذكرَ أهلُ العلم في هذا المبحث كلامًا طويلًا، خلاصته في قرائتي القاصرة: أنَّ
أسماء السُّور يُمكن تقسيمها إلى أقسام:
القسم الأوَّل: قسم توقيفي، سمَّاه النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن
ذلك: الفاتحة "أم القرآن"، والبقرة وآل عمران "الزَّهراوين"، وسورة الكهف، وفيها
حديث: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ...»[42]، حسَّنه
بعضهم، وكذلك سورة هود، وفيها حديث «شَيَّبَتْنِي هودٌ وأَخَواتُه»[43]، وفيه
التَّنصيص على أسماء سور بأعيانها.
القسم الثَّاني: ما سمَّاه الصَّحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- وهو الغالب؛ لأنَّ
الصَّحيح أنَّ السُّور بعضها توقيفي وأكثرها اجتهادٌ من الصَّحابة -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُم.
القسم الثَّالث: يدخل في القسم الثَّاني، وهو أنَّ بعض السُّور لها اسمين، مثل سورة
التوبة تُسمَّى سورة "براءة"، وسورة الإسراء تُسمَّى "سورة بني إسرائيل"، وسورة
غافر تسمى سورة "المؤمن".
القسم الرَّابع: سور لها اسمين ولكن الاسم الثَّاني غير مشهور، مثل سورة فاطر
تُسمَّى سورة "الملائكة"، وسورة فصِّلت تسمَّى سورة "المصابيح"، وسورة طه تسمَّى
سورة "موسى".
القسم الخامس: سور لها أسماء كثيرة، مثل سورة الفاتحة، وسورة الإخلاص، وأذكر أنَّ
السيوطي في الإتقان ذكر قرابة عشرين اسمًا للفاتحة، وذكر كذلك فيما يتعلَّق بسورة
الإخلاص.
وبكل حالٍ؛ قال أهل العلم: لم يأتِ دليل يُبيِّن أنَّ الرسول -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سمَّى كلَّ سورِ القرآنِ الكريم، ولكن بالاستقراء سمَّى بعضَها
وسمَّى الصَّحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- أكثرها، والأمر في ذلك واسعٌ، ففي بعض
التَّفاسير يذكرون أسماءً للسُّورِ سمَّاها بعض التَّابعين أو بعض القراء، فهم
ينظرون إلى كلمة بارزة في السُّور بحيث تكون السورة متميِّزة بهذه الكلمة، مثل سورة
سبأ، فكلمة "سبأ" ليس لها شبيه في القرآن الكريم، فيسمُّون السُّورة باسم كلمة
مفرَدة، أو تُسمَّى بموضوع السورة، فسورة محمد تسمَّى سورة "القتال".
المقطع الأول من سورة الأعراف: ﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ
رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ
أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ
الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا
يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا
كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ
اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ
تَحْزَنُونَ﴾ [الأعراف 46 - 49].
الآيات فيها موضوعين:
الموضعُ الأوَّلُ: الحديث عن الأعراف.
الموضوعُ الثَّاني: أصحاب الأعراف.
الأعراف: ذكر بعضُ أهلِ التَّفسير أنَّه المكان المرتفع، فذكرَ بعضهم أنَّه جبل،
وذكر بعضهم أنَّه سورٌ، وذكر آخرون أنَّه حاجز الله أعلم بكيفيَّته، المهم أنَّه
حاجز بين أهل الجنَّة وأهل النار.
وسُمِّي بالأعراف؛ لأنَّه مأخوذٌ من العُرف، وهو المكان المرتفع، فيُقال: عُرف
الدِّيك، وهو الجزء الذي على رأسه، ويُقال: عُرف الفَرَس. وسُمِّي المكان المرتفع
"عُرْفًا" لأنَّه يُعرَف بينَ الأماكن المنخفضة.
وأمَّا أصحاب الأعراف: فذكرَ أهل العلم أنَّهم قومٌ تساوت حسناتهم وسيئاتهم، وذكر
آخرون متَّكئينَ على حديثٍ أنَّهم قومٌ خرجوا إلى الجهاد دون إذن الوالدين، فخروجهم
للجهاد من أعمال أهل الجنَّة، وعدم استئذان والديهم هذه معصية، فمنعهم ذهابُهم
للجهادِ دخولَهم في النَّار، ومنعهم عصيانُ والديهم دخولَ الجنَّة، فذكرَ أهلُ
العلمِ أنَّهم يقفونَ على الأعرافِ فترةً ثم يدخلونَ الجنَّة.
وبعضهم يُقسِّم النَّاس إلى أقسامٍ ثلاثةٍ:
· قومٌ غلبَت حسناتُهم سيئاتِهم: وهم أهلُ الجنَّة.
· قومٌ طفحت سيئاتُهم على حسناتِهم: فهؤلاء ليسوا من أهل الجنَّة.
· قومٌ تساوت حسناتُهم وسيئاتُهم: وهم أصحابُ الأعرافِ.
المقطع الثَّاني من سورة الأنفال: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ
الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ
بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال:
1].
الأنفال: جمعُ نفل، ويُطلَق النَّفلُ على معانٍ، منها: الغنيمة، والفضل،
والزِّيادة، يقول لبيد في نظمٍ له:
إنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيرُ نَفَلْ ** وبإذْنِ اللّهِ رَيْثي وعَجَلْ
أي: خيرُ غنيمة.
والأنفال هي غنائم الحروب، وسمَّاها بعضهم الزِّيادة؛ لأنَّ الله تعالى حرَّمها على
مَن كان قبلنا، وزادها لهذه الأمَّة، ولهذا جاء في الحديث: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ
يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي»، وعدَّ منها «وأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ»[44]،
فالغنائم كانت محرَّمَة على مَن قبلِه مِن الأنبياءِ، فكانت تُجمَع ثم تُحرَق،
فأحلَّها الله لهذه الأمَّة، فأصبحت زيادةً على ما أحلَّ لهم من المكاسب.
وفرَّق بعضهم وقال:
الغنيمة: ما أُخِذَت بحربٍ.
والفيء: ما أخذ بلا حربٍ.
المقطع الثالث: من سورة الحجر: ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ
الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81)
وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ
الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾
[الحجر 80 - 84].
الحِجُر: يُطلق على أشياء، منها:
· البناء المقوَّس مثل الكعبة، وقد يُسمِّيه البعض "حجر إسماعيل"، وبعض
العلماء من المتأخِّرين مثل الشَّيخ ابن عثيمين لا يرتضي هذا الاسم؛ لأنَّ هناك
روايات باطلة أنَّ إسماعيل -عليه السلام- دُفِنَ في هذا المكان، والصواب أن يُسمَّى
"الحجر" أو "الحطيم".
· الحاجز والمانع: فمن أسماء العقل "الحِجْر"، ومنه قوله تعالى: ﴿هَلْ فِي
ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾ [الفجر: 5]، أي: لذي عقل، لأنَّ العقل يحجر صاحبه عن
فعل ما يُستقبح.
ومنه قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورً﴾ [الفرقان:
53]، أي: حاجزًا ومانعًا.
أمَّا في الآية فيُقصَدُ بالحِجْر: أصحاب النَّبي صالح -عليه الصَّلاة والسَّلام-
وديارهم معروفة مشهورة، وأوتوا قوَّة في النَّحت، وبيوتهم باقية حتى الآن، والاسم
الصَّحيح لها "الحِجْر" ويُسمِّييها بعضهم: "مدائن صالح".
وهناك حقيقة تاريخيَّة ترتَّب على جهلها نقل مسمَّيات إلى غير ما أُطلِقَت عليه،
فيسمُّونها "مدائن صالح"، وهناك "حجر ثمود" المعروف الآن في العُلى، وهو البيوت
المنحوتة في الجبال، وهناك "مدائن صالح"، فــ"مدائن صالح" نسبة إلى صالح الهاشمي من
نسل العباس بن عبد المطلب، كان له بيوت قريبة من "حِجْر ثمود"، وتلك المزارع التي
تخصُّ صالح العباسي الهاشمي اندثرت وزالت، فلتشابه اسم النَّبي "صالح" عليه
السَّلام مع اسم "صالح العباسي"؛ ظنُّوا أنَّ المراد بمدائن صالح ديار النبي صالح،
ولكن التَّسمية الشَّرعية "أصحاب الحجر" لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ
الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ﴾ ، ونبَّه على هذا ابن ناصر الدين، فقال: إنَّ مدائن صالح
كانت في القرن الثالث أو الرابع.
المقطع الرابع من سورة طه ﴿طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى
(2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾ [طه 1-3].
الشَّائع عند كثيرٍ من النَّاس أنَّ "طه" من أسماء الرَّسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وهذا لم يأتِ فيه دليلٌ، ولعلَّ مَن جَعله اسمًا للنَّبي -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عطف الضَّمير على ما سبقه في قوله: ﴿طه (1) مَا أَنْزَلْنَا
عَلَيْكَ﴾ ، فجعل الضمير "عليك" عائد على "طه"، وجعله اسمًا للنبي -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والصَّواب الذي عليه المُحقِّقون: أن "طه" من جُملة الحروف المقطَّعة، مثل ى"حم -
الم - الر - عسق".
المقطع الخامس من سورة لقمان: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ
اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ
فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ
يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾
[لقمان 12، 13].
لقمان: اسمُ علمٍ لرجلٍ، وقد ذكرَ بعضهم أنَّه نبي، وهذا القول لعلَّ ممَّن تفرَّدَ
به عكرمة كما ذكر بعض أهل التفسير.
والقول المتَّفق عليه: أنَّ لُقمَانَ رجلٌ حكيمٌ؛ لأنَّ الله تعالى وصفه بالحكمة في
قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾ ، ولو كان نبيًّا فالنُّبوَّة
أعلَى منزلة، فكلُّ نبيٍّ حكيمٍ، وليس كلُّ حكيمٍ نبي، فوصفُه بالحكمَة دليل على
عدم نبوَّته.
ويؤكِّد هذا أنَّ الله تعالى ذكر الأنبياء في كتابه الكريم، فتارةً ذكر مجموعة منهم
كما في سورة الأنعام، وذكرَ أخبارَهم متواليةً في سورةِ الصَّافات والشُّعراء،
وتارةً ذكرهم مُتفرِّقين، ولم يُذكر لُقمان معهم، وإنَّما وُصِفَ بالحكمة.
ووصاياه التي أخبر الله بها تدلُّ على أنَّ الرَّجل له عقل كما وصفه ربُّنا، وأنَّ
حكمته عظيمة.
المقطع السَّادس من سورة الأحزاب: ﴿يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا
وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ
يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا
قَلِيلً﴾ [الأحزاب: 20].
الأحزاب: جمعُ حزب، والتَّحزُّب هو التَّجمُّع، سواء كان التَّجمُّع على حقٍّ أو
على باطل.
والمراد بالأحزاب هنا: الأقوام الذين اجتمعوا وتحالفوا وتكاتفوا على حرب النَّبي
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
المقطع السَّابع من سورة سبأ: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ
جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ
بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ [سبأ: 15].
سبأ: اسم رجل جاء في حديث ولكن لا يصح، ولكن اشتُهر عند المؤرِّخين والمفسِّرين
أنَّ له عشرة من الولد، ستَّة تيمَّنوا جهة اليمن، وأربعة تشاءموا جهة الشام.
وقيل: إنَّ "سبأ" سُمِّيَ بهذا الاسم؛ لأنَّه أوَّل مَن اتَّخذَ السَّبيَ.
وقال بعضهم: إنَّ "سبأ" اسم قبيلة.
ولا تعارض، فهذا الرجلُ ونسلُه وأحفادُه وأحفادُ أحفادِه صاروا قبائل، حتى ذكر بعضُ
أهلِ النَّسب والتَّأريخ أنَّ نِصفَ القبائل العربيَّة تقريبًا تعودُ إلى هذا
الرَّجل.
وسبأ مملكةٌ في اليمن، وقيل إنَّ مكانها "مأرب" وذكر بعض الأخباريين أنَّها كانت في
القرن العاشر أو الحادي عشر قبل الميلاد، واشتُهرَت هذه القبيلة بكثرةِ عددِ
أفرادها، وبقوَّة بنيانها، وبواسع تجارتها، وسيطرتها على طرق التِّجارة، وكانوا
يعبدون الشَّمس والكواكب، ومصداق ذلك ما ذكره الله -جلَّ وَعلَا- عن ملكتهم.
المقطع الثَّامن من سورة فاطر: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ
وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ﴾ [فاطر: 1].
من لطائفِ ما رُوي في اسم "فاطر" ما ذكره المفسرون أنَّ ابن عباس -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- قال: "خفي عليَّ معنى فاطر، حتى اختصم لي أعرابيَّان في بئرٍ، فقال أحدهما:
أنا الذي فطرتها"، يعني: أنشأتها وبدأتها وشققتها.
وقالوا مِن معاني "فاطر": إذا شقَّ ناب البعير سُمِّيَ "فاطر"، وهذا المصطلح معروف
عند أهل الإبل.
والله -عزَّ وَجلَّ- قال: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ﴾ [الانفطار:1]، وفي الآية
الأخرى: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾ [الانشقاق: 1]؛ فبيَّن أنَّ مِن معاني
الانفطار: الابتداع والابتداء، وكأنَّه شقَّها، أي: أخرجها لأوَّل مرَّة.
وهذه السورة -كما تقدَّم- تُسمَّى سورة "الملائكة"، ولكن هذا الاسم غير مشهور،
وأخذوا هذا من قوله تعالى: ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلً﴾ .
{بعض الأئمة في دعاء القنوت يأتي بأول السورة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...﴾ ، كنوع من تسبيح لله -عزَّ وَجلَّ- فما حكم ذلك؟}.
ليس هذا مأثورًا، ولكن ذكر الصَّنعاني كلمةً لطيفةً في مقامِ الدُّعاء، فقال:
"يستحب في الدُّعاء تقديم الرسائل بين يدي المسائل".
المراد بالرسائل: جمل الثَّناء على الله -عز وجل.
والمسائل: جُمَل الطَّلب.
وذكر أنَّ الفاتحة أوَّلها رسائل وآخرها مسائل، قال تعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ﴾ هذه جُمل ثناء، ثم يأتي بعدها ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
(6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا
الضَّالِّينَ﴾ .
المقطع التَّاسع من سورة يس: ﴿يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ
الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ
(5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ [يس 1- 6].
يس: أيضًا كما سبق في اسم "طه"؛ جعله بعضهم اسمًا للرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
والصَّواب أن يُقال فيه كما قيل في "طه"، أنَّه من جملة الحروف المقطَّعة، مثل "طه
- ص - عسق - الر - حم".
المقطع العاشر من سورة الزُّمر: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى
الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ
خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر: 73].
الزَّمر: جمعٌ مفرده زَمْرَة.
والمراد به: جماعات من النَّاس يُساقون إلى الجنة جماعة بعدَ جماعة، جعلنا الله
والمشاهدين والسَّامعين من أهل الفردوس الأعلى.
وهناك -عياذًا بالله- جماعات تُساق زُمرًا جماعات بعد جماعات إلى النار.
المقطع الحادي عشر من سورة الزُّخرف: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً
وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ
فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا
وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا
مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾
[الزخرف 33 - 35].
الزَّخرف: هو الزِّينة.
فإذا قيل: هذا الاستوديو مُزخَرف بهذه النُّقوشات؛ فيعني أنَّه مُزيَّنٌ.
وخصَّ بعضُهم الزِّينةَ في هذه السُّورةِ بالذَّهبِ؛ لأنَّه سبقَ ذكرُ الفضَّة في
الآية التي قبلها، فكأنه من باب التعقيب كما في قوله: ﴿أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ
مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ﴾ [الإسراء: 93].
فالزَّخرف يُطلَق على كلِّ زينة، وتُعرف الزِّينة بحسب الرُّؤية أو بحسب سِياقِ
الكلامِ، فقيل: إنَّ المراد به هنا في هذه الآية الذَّهب.
المقطع الثَّاني عشر من سورة الجاثية: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ
أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
[الجاثية: 28].
يوم القيامة يومٌ مشهود يُحشَر فيه الخلائق أجمعون، وكل أمَّة تُدعَى إلى كتابها.
قوله: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾ ، قيل إنَّ معنى الجثُو:
· الاجتماع، فترى كل أمَّة مجتمعة مع أصحابها وأفرادها
· أن يجلس على ركبتيه، فيُقال: جثا على ركبتيه: أي: نصب ظهره وصُلبَه وجثا
على ركبتيه.
وقد يجتمع الوصفان، فقد تكون مجتمعة والجميع كلهم قد جثوا على ركبهم.
المقطع الثَّالث عشر من سورة الأحقاف: ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ
قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ
خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ
يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأحقاف: 21].
الأحقاف: جمعُ حقف، وهو المائل.
يُقال: ظبيٌّ حاقف، أي عنقه مُنثَنِية مائلة.
والمراد بالأحقاف: الجبال الرَّملية المائلة، لها طول مع اعوجاج، فتطول هذه الجبال
وتعوجُّ قليلًا، وهذه هي ديار قوم عاد -عليه الصلاة والسلام.
ولم يأتِ في القرآن نصٌّ على مكانها، ولكن قال بعض الأخباريين وأهل التاريخ: إنَّ
موقعها بين اليمن وبين عمان.
المقطع الرابع عشر من سورة الحجرات: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ
الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى
تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ﴾ [الحجرات:4-5].
سورة الحُجُرات -بضمَّ الحاء والجيم- ويُقال: الحُجَرات -بضمِّ الحاء وفتح الجيم-
ويُقال: الحُجْرات -بضمِّ الحاء وسكون الجيم.
والحجرات: جمع حجرة، والمراد بها في الآية حجرات زوجات النبي -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكان لكل واحدةٍ حجرة.
وجاء في طبقات ابن سعد -أو غيرها- أنَّ الليث بن سعد قال: "دخلتُ إحدى الحجرات فكان
رأسي يُلامس السَّقف".
فهذه هي بيوت أزواج النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفيها كان يُقيم صاحب
النُّبوَّة -عليه الصَّلاة والسَّلام- وكان يتنزَّلُ فيها الوحي، وفيها نزلت العلوم
العظيمة، وكانت -إن صحت العبارة- جامعات مُتجاورة، صغيرة الحجم عظيمة النَّفع،
رفيعة القدر والمكانة.
وفي قوله -عزَّ وَجلَّ: ﴿يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ﴾ ، قيل: لعلهم
كانوا مُتفرقين، كل قوم من هؤلاء الذين جاؤوا للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خلف حُجرَة، أربعة هنا وأربعة هنا وأربعة هناك.
وقيل: كانوا خلف حُجرةٍ واحدةٍ، ولكن جُمعت "الحجرات" إجلالًا لمقام الرسول -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والحُجرات: كلُّ بناء مربَّعٍ، أو كل بناء محجور، أي: محوط بحجارة.
المقطع الخامس عشر من سورة ق: ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ
جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ [ق 1،
2].
ق: كسائر الحروف المقطَّعة، مثل "ص - يس - طه - الم - حم".
ومن باب الفائدة فقد جاءت أحاديث -كما قال ابن حزم أنَّ سقوطها يُغني عن إسقاطها،
وبطلانها يُغني عن إبطالها، ونكارتها تُغني عن إنكارها- فتجزم أنَّها باطلة من
المبالغة، فقيل إنَّ الله تعال خلق خلف هذه الأرض بحرًا، وهذا البحر على جبل، وهناك
جبل عظيم اسمه جبل "ق" فوقه الجميع!
وكما قال ابن كثير: إنَّ هذا من وضع زنادقة بني إسرائيل بالتَّدليس على الناس
ولغشِّهم وتشويه معالم دينهم.
ولا ينبغي أن يُؤخَذ كل ما يقرأه الإنسان في التفسير، فبعض الناس يُحب روايات
الغرائب، لا شكَّ أن الغرائب تُثير الشَّوق لسماعها، لكن ليس كل ما يأت في الغرائب
يُذكَر، وبخاصَّة في مقام تفسير القرآن الكريم والأحكام العقديَّة، فهناك تفاسير
أصحابها يجمعون الغثَّ والسَّمين، وهناك كتاب فيه نفعٌ كبير لمن يهتم بعلم التفسير
هو كتاب "الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير" للشيخ المصري محمد محمد أبو شهبة
-رَحِمَهُ اللهُ- جمع فيه الإسرائليات والموضوعات في كتب التَّفسير، وكان لهذا
الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ- برنامج يقرأ فيه البخاري، وكان -رَحِمَهُ اللهُ- له صوتٌ
مؤثِّرٌ في القراءة، وبيَّن في كتابه هذا أباطيل كثيرة، من ضمنها ما يتعلَّق بهذا
الكلام عن سورة ق.
والصَّواب أن يُقال: إن "ق" حرف من الحروف المقطَّعة، يُقال فيه ما قيل في "ص -
حم"، وغيرها.
المقطع السَّادس عشر من سورة الذاريات: ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1)
فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ
أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ﴾
[الذاريات:1-6].
الذَّاريات لها معان، منها: أنَّها الرياح تذرو التراب، أي: تنقله من مكانه إلى
مكان أعلى، أو تنقله من العلو ثم تُنزله بأمر الله تعالى.
ويُقال: ذروة سنام البعير، أي: أعلاه. وجاء في الحديث «وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ
الْجِهَادُ»[45]، أي: أرفعه وأعلاه.
المقطع الثَّامن عشر من سورة الطور: ﴿وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي
رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)
وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ [الطور 1- 6].
الطُّور: قيل هو الجبل إذا كان فيه شجر، وإذا كان عاريًا أو خالٍ يُسمَّى جبلًا.
والمراد بالطُّور هنا كما قال بعض أهل العلم: إنَّه الطُّور الذي كلَّمَ الله عليه
موسَى، قال تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ
وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّ﴾ [مريم :52].
قال أبو هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "لقيني أبو بكرة، فقال: من أين أقبلتَ؟ فقلت:
من الطُّورِ حيثُ كلَّم الله تعالى موسى".
فالطُّور معناه الجبل، وخصَّه بعضهم بالجبل المشجَّر.
المقطع التاسع عشر من سورة التغابن: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ
يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا
عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ
يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ
بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التغابن 7 - 9].
قيل إنَّ التَّغابُن هو: النَّقص والخسارة، وخسارة يوم القيامة لا ربح بعدها، وهي
الخسارة الكبرى الحقيقيَّة.
ويُقال باعَ فلانٌ سلعته بغبنٍ، يعني: باعها ليس بقيمتها الحقيقيَّة، فهو خسر في
بيعه.
وبعضهم يقول: اشترى فلان السِّلعة مغبونة، يعني: خسر ما له ودفع مالًا كثيرًا في
سلعةٍ تستحق القليل.
فقد يكون الغَبن في الشِّراء، وقد يكون في البيع، ويكون بمعنى النُّقصان.
وقد جاء في الحديث: «نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ:
الصِّحَّةُ والفَراغُ»[46]، قال بعض الشُّراح: وإنَّما خصَّ الصِّحةَ والفراغ لأنَّ
أكثرَ النَّاس قد فرَّطَ فيها وخَسِرَ.
المقطع العشرون من سورة الحاقَّة: ﴿الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا
أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ﴾ [الحاقة
1-4].
الحاقَّة: من أسماء يوم القيامة، وأسماء يوم القيامة كثيرة، منها: "الغاشية،
الواقعة، الطَّامَّة، الصَّاخَّة، السَّاعة".
وقيل: سُمِّيَ يوم القيامة بالحاقَّة؛ لأنَّ الأمورَ تظهر وكلٌّ يُجازَى على حقيقة
ما فعل، وتظهر ما وعدَ الله تعالى به من الثواب والعقاب حقيقةً، وتحقُّ بها الأمور،
فترى كلَّ شيءٍ واضحًا على ما أخبر الله تعالى به، وعِلمُ السَّاعة سيراه الناس
بأعينهم حقيقةً كما أُخبِرُوا به، سواء كان وعدًا أو كانَ وعيدًا.
المقطع الحادي والعشرون من سورة المزمِّل: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ
اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ
زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلً﴾ [المزمل 1- 4].
العرب أحيانًا تقول كلمات وتُدغم حرفًا في حرف، أو تُنقِصُ من الكلمة حرفًا، فأصل
كلمة "المزمِّل" المتزمِّل، فأُدغم حرف التَّاء فأصبح "المُزَّمِّل".
وأحيانًا يُسقطون الحرف الأخير، ويُسمَّى التَّرخيم، مثل "عائشة - عائش، فاطمة -
فاطم".
وأصل المزمِّل: هو المتلفِّفُ في ثيابه، فلمَّا أُوحي إلى النَّبي -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أوَّل أمره جاء إلى بيت خديجة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- وقال
«زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي»[47].
وقوله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلً﴾ ، ذكر البغوي في تفسيره أثرًا
لطيفًا عن عبد الله بن مسعود -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عند تلاوة هذه الآية، فقال: "لا
تنثروه نثرَ الرَّمل، ولا تهذُّوه هذَّ الشِّعر، قفوا عند عجائبه، وحرِّكوا به
القلوب، ولا يكن همُّ أحدكم آخر السورة".
وهذا أثرٌ عظيمٌ، وكأنَّ ابن مسعود -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يصف حال كثير من الناس،
فبعض النَّاس همُّه أن يقرأ القرآن بسرعةٍ وينثره نثرَ الرَّملِ أو يهذُّه هذَّ
الشِّعر حتى يختم الصَّفحة أو السُّورة! وهذا يتنافى مع التَّدبُّر والتَّأمُّل
فيما يقرأ.
المقطع الثاني عشر من سورة المدثِّر: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ
فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ
فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾ [المدثر
1-7].
أصل المدَّثر: المتدثِّر، فالتَّاء أدغمت مع الدَّال.
وقالوا: المتدثِّر في ثيابه، فهناك البدن، وهناك الشِّعار، وهناك الدِّثار.
فالشِّعار: هو ما يلي البدن، وفوقه يكون الدِّثار، وقال النبي -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ»[48]، يعني هم أقرب
إليَّ وإلى خاصَّتي من غيرهم من الناس.
وكما ذكرنا في سورة المزمِّل، أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمَّا
جاءه الوحي أتَى إلى بيته قال « دَثِّرُونِي»[49].
المقطع الثالث والعشرون سورة العاديات: ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1)
فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا
(4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)
وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)
أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي
الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)﴾ .
﴿الْعَادِيَاتِ﴾ : هي الخيل إذا عَدَت وأسرَعَت بأصحابها.
﴿ضَبْحًا:﴾ ، الضَّبح: صوت النَّفَس.
﴿فَالْمُورِيَاتِ قَدْحً﴾ : حوافر الخيل إذا احتكَّت بالحجرِ تُحدثُ شررًا من
النَّار.
﴿فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحً﴾ ، أي تُغيرُ بمَن عليها من الفرسانِ صَباحًا.
﴿فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعً﴾ : الغبار.
﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعً﴾ : تتوسَّط بأصحابها جُموع المقاتلين.
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾ : قيل الكنود هو مَن إذا أصابته مصيبةٌ
عدَّدَ النِّقَم ونسيَ النِّعم.
المقطع الرابع والعشرون سورة القارعة: ﴿الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ
الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ
ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ
مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ
حَامِيَةٌ (11)﴾ .
القارعة: من أسماء يوم القيامة، كالحاقَّة، والصَّاخَّة، والواقعة، والطَّامَّة.
سُمِّيَت بالواقعة لأنَّها تقرع النُّفوس وتذهلها، مثل مَن يَقَرَع على حديدٍ أو
على طبلٍ أو على جرسٍ، ويُقال: قَرَع الباب؛ حتَّى يتنبَّه مَن في البيتِ، وقَرْعُ
يوم القيامة أشدُّ وأعظم.
وجاء في السُّورة ﴿وَمَا أَدْرَاكَ﴾ مرتين، وهناك ضابط ذكره بعض أهل العلم أنَّ كل
آية في القرآن جاء فيها ﴿وَمَا أَدْرَاكَ﴾ يأتي الجواب بعدها، وكل آية جاء فيها
﴿وما يُدريكَ﴾ قد أخفَى الله جواب.
المقطع الخامس والعشرون سورة الكوثر: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)﴾ .
الكوثر في اللغة: هو الخير الكثير.
قيل لأعرابيَّة قد رجع ولدها إلى السَّفر: هل آبَ ولدكِ.
قالت: نعم، آبَ ولدي.
قالوا: بِمَ آبَ؟
قالت: آبَ بكوثرٍ.
والمراد بالكوثر في الآية: هو الحوض الذي أعطاه الله تعالى لنبينا محمدٍ -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
المقطع السادس والعشرون سورة المسد: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا
أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)﴾ .
تُسمَّى سورة "المسد"، وسورة "تبَّتْ"، وسورة "اللَّهب".
أمَّا اللَّهب فمعروف، وأمَّا "تبَّت" يعني هلَكَت، امرأةٌ تابَّةٌ أي هالكة، يعني
كبيرة في العمر، والمرأة الشَّابَّة هي الصَّغيرة.
وتُسمَّى سورة "المسد" لقوله تعالى: ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ ، وقيل:
المسدُ هو الحبلُ الخشنُ من اللِّيفِ، وقيل مِن الصُّوف؛ يُربَط الحبلُ في عنقها
شدَّة ونكالًا في عذابها.
{شكر الله لكم فضيلة الشيخ على ما تقدمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين
حسناتكم.
وفي الختام هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن
أحمد العمر، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسَّلام عليكم
ورحمة الله وبركاته}.
----------------------
[42] صححه الألباني في الصحيح الجامع (6470).
[43] أخرجه البزار (92) باختلاف يسير، وابن مردويه كما في الجامع الصغير للسيوطي
(2/17) واللفظ له، وابن عساكر في تاريخ دمشق (4/169) مطولاً، وصححه الألباني في
صحيح الجامع (3721).
[44] متفق عليه ، البخاري (335)، مسلم (15797).
[45] أخرجه الترمذي (2616)، وابن ماجه (3973)، وأحمد (22069)، والنسائي في السنن
الكبرى (11394)، صححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3224).
[46] صحيح البخاري (6412).
[47] أخرجه البخاري (3)، ومسلم (160).
[48] صحيح البخاري (4330).
[49] أخرجه البخاري (4922)، ومسلم (161).