{بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ مِن حلقاتِ البناء
العلمي، وأرحبُ بفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد العزيز بن محمد السدحان، فأهلًا وسهلًا
بكم فضيلة الشيخ}.
حيَّاك الله وبيَّاكَ، وحيَّا الله المشاهدين والمستمعين وبيَّاهم.
{تكلَّمنا في الحلقة الماضية مع فضيلتكم عن بعضِ المقدِّمات في علومِ القرآن، لو
راجعنا فضيلة الشيخ على بعض المسائل..
ما الفرق بين القرآن وغيره من الكتب السَّابقة؟}.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلم وباركَ على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه
أجمعين.
تكرار العلم وإعادته من باب التَّرسيخ، ولهذا يكون العلم إمَّا تأكيدًا لمعلومٍ أو
أن يكون تأسيسًا لمجهول، والمراجعة هي التَّأكيد للمعلوم السابق وتزيد من رسوخه في
ذهن المتكلم وفي ذهن السامعين.
وذكر أهل العلم فروقًا بين القُرآن الكريم والكتب السابقة، وهذه الفروق في بعضها
عليه مأخذ لأهل العلم، ولكن من أشهرها:
الفرق الأوَّل: أنَّ القرآن الكريم مُعجزٌ في نظمه وتلاوته، بخلاف الكتب السَّابقة.
الفرق الثَّاني: ذكره بعض المفسرين عند قوله تعالى في سورة الفرقان: ﴿وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾
[الفرقان: 32]، فقالوا: إنَّ الكتب السَّابقة كانت تنزل جملة واحدة، بينما القرآن
الكريم نزل مُنجَّمًا مُفرَّقًا.
الفرق الثَّالث: أنَّ القرآنَ الكريم محفوظٌ كما ذكر الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، فقد تكفل الله تعالى
بحفظه، أما الكتب السَّابقة فقد وُكِلَت إلى علمائهم، قال تعالى: ﴿بِمَا
اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾ [المائدة: 44]،
ولهذا تعرَّضت الكتب الأخرى للتَّبديلِ والتَّحريفِ والتَّقديمِ والتَّأخيرِ.
{من المسائل المهمَّة التي ينبغي مُراجعتها -أحسن الله إليكم: ما الفرق بين القرآن
والحديث القدسي؟}.
الحديث القدسي هو ما يُصدَّر بقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قال
الله تعالى، أو يقول الله تعالى، أو فيما يرويه عليه الصلاة والسلام عن ربه تبارك
وتعالى".
والفرق بين الأحاديث القدسية والقرآن الكريم:
أولًا: أنَّ القرآن الكريم مُتواترٌ مِن أوله لآخره، بينما الأخبار القدسية فيها
الصَّحيح وفيها الضَّعيف وفيها الموضوع.
ثانيًا: القرآن الكريم مُتعبَّد بتلاوته، بمعنى أنَّه لو جاء شخص وقال: أنا سأقرأ
في الصَّلاة بحديث قدسي بعدَ الفاتحة؛ لأنَّه كلام الله. فيُقال له: لا، المتعبَّد
بتلاوته هو القرآن الكريم.
ثالثًا: القرآن الكريم معجِزٌ في نظمه وسياقه، بخلاف الحديث القدسي.
{لو حدثتمونا فضيلة الشَّيخ عن الفرق بين السُّور المكيَّة والسُّور المدينة}.
سأذكر علامات السُّور المكيَّة، ويُفهم منها بعض علامات السُّور المدنية:
- كل سورة فيها كلمة "كلا" فهي مكيَّة، فيضبط السامع والمشاهد اشتراك الكلمتين في
حرف الكاف "ك- مكي، ك -كلا".
وفائدة هنا تُضاف إلى هذا المبحث: أنَّ كلمة "كلا" مذكورة في النِّصف الأخير من
القرآن الكريم، فمن سورة الفاتحة إلى منتصف الكهف ليس فيها كلمة "كلا".
ولهذا قال الناظم:
وما نزلت "كلا" بيثرب فاعلمن ** ولم تأت في القرآن في نصفه الأعلى
إذن؛ كل سورة فيها كلمة "كلا" فهي مكيَّة.
- كل سورة فيها سجدة فهي مكيَّة.
- كل سورة مفتتحة بحروف مقطَّعة فهي مكيَّة، باستثناء البقرة وآل عمران.
- كل سورةٍ فيها قصَّة آدم وإبليس فهي مكيَّة، باستثناء سورة البقرة.
وذكروا علامات للسُّور المدنيَّة وهي:
- التي فيها الحديث عن النِّفاق، وعلامات المنافقين، لأنَّ النِّفاق كانَ في
المدينة.
- التي فيها الحدود الشَّرعيَّة وأحكام الفرائض، فكانت كلها في المدينة بعدما
استقرَّ الأمر.
{في هذه الحلقة سنتحدَّث -بإذن الله عن علامات الرُّسل وما يتعلق بهذا.
لو ذكرتم لنا تعريف ومعنى كلمة "الرسل والأنبياء"}.
لأهل العلم كلام في كتب اللغة وفي كتب علوم القرآن، أذكر -حسب علمي القاصر- أنهم
قالوا: إنَّ النبي مأخوذٌ من النَّبوة، وهي المكان المرتفع، لعلو مكانته.
وقيل: مأخوذ من النَّبأ الذي يُخبر، قال تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ
النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ [النبأ: 1، 2]
وهناك تعاريف كثيرة، ولكن هذا بعض منها.
{أحسن الله لكم شيخنا؛ هل يتفاضل الرسل -عليهم الصلاة والسلام؟}.
تفاضل الرُّسل جاء في سورة البقرة في قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا
بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [البقرة: 253].
وهنا أفيد نفسي وإيَّاكم مسألة، وهي: التَّفاضل في الأزمنة والأمكنة والأشخاص
التَّفاضل الشَّرعي مردُّه إلى الشَّرع، وذكروا في كتب العقيدة هذه المسألة؛ لأنَّ
من مفاتيح أبواب البدع الخلل في هذه المسألة، فيُقال: تفاضل الرسل -عليهم الصَّلاة
والسَّلام- بعدما يُقرَّر بأنَّهم صفوة خلق الله، وهم المصطفين الأخيار، والأنبياء
والرُّسل هم أفضل البشر قاطبة، كما قال -جَلَّ وَعَلَا: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ
الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج:
75].
والاصطفاء هو الاختيار والاجتباء، إلى آخره.
قال أهل العلم: الأنبياء يتفاضلون، والصَّحابة يتفاضلون، والقرآن الكريم بعضه يفضل
على بعض من حيث الأجر، فآية الكرسي أفضل من غيرها، وقراءة الإخلاص أفضل من غيرها.
وبما أنَّ الحديث عن تفاضل الرسل؛ فقد جاءت الآية في سورة البقرة في قوله -جَلَّ
وَعَلَا: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [البقرة: 253]،
والآية صريحة الدلالة في تفضيل الرُّسل، فهم في الذروة العليا من الفضل، لكنَّهم في
فضلهم ومكانتهم يتفاضلون، فأفضلهم -كما قال أهل العلم- أولو العزم، وأفضل أولو
العزم محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{أحسن الله إليكم، حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تُفَضِّلوني
على يُونُس بن مَتَّى»[9]}.
ذكر أهل العلم الجمع بين ما ظاهره التَّعارض، فقالوا في هذا المقام: إنَّ النبي
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال هذا الحديث قبل عِلمه بأنَّه أفضل الرُّسل
-عليهم الصَّلاة والسَّلام.
وقيل: إنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال ذلك من باب التَّواضع،
وأنَّه هو أفضل الرسل -عليهم الصلاة والسلام..
وقيل: إذا كان المقام مقام تعصُّب وغضوبة فلا ينبغي التَّفضيل حتى لا يُقدَح في
أحدٍ من المفضَّلين أو من المفضَّل عليهم.
{أحسن الله إليكم.
لو ذكرتم لنا بعضًا من خصائص الأنبياء -عليهم الصَّلاة والسَّلام}.
ليس كل ما سمي "خاصًّا بالرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسلَّم به؛ لأن
بعض أهل العلم يتحفَّظ وله ملحوظات ونظر واعتراض على بعض الخصائص، وألَّفَ
السُّيوطي كتابًا سماه "الخصائص الكبرى"، لكن لم يُسلَّم له -رَحِمَهُ اللهُ- بكل
ما فيه.
ومما أعرفُ مِن خصائصِ الأنبياء -عليهم الصَّلاة والسَّلام:
أولًا: أنَّهم يُوحَى إليهم دونَ غيرهم.
ثانيًا: يُخيَّرون عند الموتِ، يختار البقاء أو يختار الموت، فاختاروا جميعًا
الموت.
ثالثًا: أنَّهم -عليهم الصَّلاة والسَّلام- يُدفنون في المكان الذي ماتوا فيه،
ولهذا لما اختلف الصَّحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- في دفن النَّبي -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال بعض الأنصار: يُدفَن في المدينة، وقال بعض المهاجرين
يُدفَن في مكَّة موطن آبائه وأجداده، فجاء الصديق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وقال:
سمعتُه يقول: «إنَّه لم يُدْفَنْ نَبيٌّ قَطُّ إلَّا حيثُ قُبِضَ»[10].
رابعًا: أنَّهم لا يتركون ميراثًا، قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»[11].
خامسًا: أنَّهم أحياء في قبورهم يُصلون، وهذه حياة برزخيَّة الله أعلم بها.
سادسًا: أنَّ الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجسادهم.
{أحيانًا يُشكل إذا قيل أنَّ الأنبياء أحياء في قبورهم، فهل معنى هذا أنها
حقيقيَّة؟ لأنَّ الناس أيضًا أحياء في قبورهم، فما الفرق؟}.
الناس يُبعثون من القبور حينما يأذن الله بذلك، أمَّا الأنبياء فلهم استثناء -وجاء
في بعض الأخبار الشهداء- ولهم حياة برزخيَّة، وجاء النص النبوي: «الْأَنْبِيَاءُ
أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ»[12]. كيف ذلك؟ وهل هي على ظاهر اللفظ أم
أنَّ هناك أمور لا نعلمها؟
الله أعلم! ولكن جاء النَّصُّ هكذا «الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ
يُصَلُّونَ» -عليهم الصلاة والسلام.
والقاعدة في الأمور الغيبية هذه أن يؤخَذ بالنَّص ويُنظر في كلام أهل العلم من أهل
السنَّة والجماعة ويُكتفى بذلك.
{لو ذكرتم لنا بعض خصائص نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ}.
من خصائص الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي تفرَّدَ بها عن الأنبياء
واجتمعت في حديث: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ مِنَ الأنْبِيَاءِ
قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا
وطَهُورًا، وأَيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ،
وأُحِلَّتْ لي الغَنَائِمُ، وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً،
وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ كَافَّةً، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ»[13].
{أحسن الله إليكم.
هل صيغة "عليهم السلام" خاصَّة بالأنبياء دون غيرهم؟}.
يذكر أهل العلم أنَّها خاصَّة على الدَّوام بالأنبياء والملائكة -عليهم الصلاة
والسلام- ولا مانع من أن تُطلَق على غيرهم أحيانًا، ومن ذلك قوله -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما رأى صدقةً أتى بها أحد الناس إلى النبي -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يقسمها على الفقراء، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «صدقة من هذه؟»، قالوا: صدقة ابن أبي أوفى. فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ علَى آلِ أبِي أوْفَى»[14].
وأذكر أني سألت شيخي الوالد الكريم عبد الله بن محمد بن حميد -رَحِمَهُ اللهُ- هذا
السؤال نفسه، فقال -رَحِمَهُ اللهُ: "نعم، كما لو قيل: اللهم صلِّ على أخينا عبد
العزيز السَّدحان"، وهذه لا أنساها منه -رَحِمَهُ اللهُ تعالى.
والصلاة هنا بمعنى الدعاء، وجاء في الحديث: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ، فَلْيُجِبْ،
فإنْ كانَ صَائِمًا، فَلْيُصَلِّ»[15]، والصلاة يُطلب بها ذكرهم في الملأ الأعلى
الذكر الحسن.
{بعضهم إذا جاء ذكر علي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يقول: "علي عليه السلام" أو "فاطمة
عليها السلام". فما الحكمها؟}.
الشيعة يذكرون في علي صيغ ثلاث:
§ الأولى: "عن علي عليه السلام".
§ الثانية: "عن علي كرم الله وجهه".
§ الثالثة: "عن علي الإمام"، فيقولون: من خطب أبي بكر الصديق...، من خطب
عمر...، من خطب عثمان...، من خطب الإمام علي...
هذه الأوصاف الثلاثة لا ينبغي أن يُخصّ بها علي، فالصِّديق وعمر وعثمان أفضل
الصحابة، فلا يُخص أحد إلا بوصفٍ خصَّه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
به، ولو كان علي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يسمع هذا لأبى أن يُقال في حقِّه ما لم
يُقَل في الشيخين وعثمان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم جميعًا.
{هل يوجد في النساء نبيَّة؟}.
في سورة يوسف آية فيها الحجيَّة وقطع النِّزاع في ذلك، قال تعالى: ﴿وَمَا
أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا
تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف: 109].
هذه الآية قاطعة بأن جميع الرسل من الرجال، وزاد بعضهم تعليلًا فقال:
أولًا: من حكمة الله تعالى من عدم إرسال نساء أنَّ نفوس الرجال تأنف من اتِّباع
المرأة، ولذلك جاء في الحديث: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ ولَّوْا أمْرَهُمُ
امْرَأَةً»[16].
ثانيًا: أنَّ النساء لديهن ما يضعف أبدانهنَّ من العذر الشرعي والنفاس وما شاكله.
ثالثًا: أنَّ النساء أكثر نسيانًا من الرجال، ولهذا خصَّ الله النُّبوَّة للرجال.
{يذكر كثير من المفسرين أخبارًا عن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فهل جميع ما
يُذكر صحيح؟}.
كتب التفسير متنوعة، فبعض المفسرين يذكر أخبارًا ويسوقها سردًا دون أن يعرِّجَ على
بيان الصحيح من الضعيف، فيغتر القارئ ويأخذ كل ما يقرأ ويسمع، وبعض المفسرين يخلي
تفسيره من هذه الأخبار، وبعضهم يقيد بعضها وينقضها، فكتب التفسير مليئة، ولهذا أفرد
بعضهم مصنفات خاصَّة في الأكاذيب والموضوعات في كتب التَّفسير، وأذكر في هذا المقام
كتاب للشيخ محمد محمد أبو شهبة، سمى كتابه: "الإسرائليات والموضوعات في كتب
التفسير"، والحقيقة أن هذا الكتاب مليء بالفوائد، ومن ميزة هذا الكتاب أنه يورد
الوجه الضعيف والمكذوب والمنكر، ثم يُبيِّن علَّته، وفي المقابل يأتي بالوجه
الصحيح، فهو يذكر الروايات الباطلة، ثم يذكر بطلانها سواء البطلان في إسنادها أو
متنها، ثم يورد الصحيح، وبهذا يستفيد طالب العلم أو القارئ أو السامع استفادة
كاملة، عرف أنَّ هذا الخبر باطل، وعرف سبب بطلانه، وعرف الصحيح من ذلك.
والأخبار في هذا كثيرة، وقد أحضرت معي بعض الأخبار أو بعض ما قرأتُ من باب إفادة
السَّامع والمشاهد.
قال تعالى في سورة البقرة: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ
عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 37]، ذكر بعض المفسرين
حديثًا أنَّ آدم -عليه السلام قال: "أسألك بحق محمد"، فقال الله -وهو أعلم: وما
أدراك ما محمد؟ فقال: يا ربي رفعتُ رأسي وجدتُّ اسمه مكتوبًا على العرش.
هذا أورده بعض المفسرين وقال: إنَّ هذه هي الكلمات "بحق محمد..." التي سأل آدم ربه
بها، فتاب الله تعالى عليه.
وهذا الحديث -كما يقول أهل العلم- ضعيف، بل أوصله بعضهم إلى البطلان، وقالوا: لا
يصح؛ لأنَّ في إسناده مجاهيل، وخصوا في إسناده رجلًا اسمه عبد الرحمن بن زيد بن
أسلم، قال عنه البخاري: منكر الحديث، وإذا قال البخاري في الرجل: "منكر الحديث" فلا
تحل الرِّواية عنه.
وهنا فائدة في مصطلح الحديث: كلمة "منكر الحديث" يذكرها جمع كثير من المحدثين،
كالبخاري ومسلم والترمذي والنسائي..، ولكن تختلف اصطلاحاتهم في إطلاقها، قد يكون
فيه قاسم مشترك لضعف، ولكن عند بعضهم ضعف نسبي، وبعضهم ضعف كبير، فإذا قال الإمام
أحمد "منكر الحديث" يعني يتفرَّد عن أقرانه أو قليل الرِّواية.
الشَّاهد: إذا قالها البخاري فهي مُهلكةٌ للرجل.
والصحيح أنَّ الكلمات التي تلقاها آدم من ربه هي ما جاء في الآية: ﴿قَالَا رَبَّنَا
ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23]، هذه هي الكلمات التي تلقاها آدم -عليه السلام- وأما
ما قيل من كونه رأى اسم محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكل هذا من
الأباطيل والمنكرات والغلو في مقام النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
آية أخرى في سورة البقرة: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ
سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا
يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ
هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا
نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ
بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا
بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ
عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا
شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 102].
هذه الآية جاء في تفسيرها في بعض الكتب أخبار، كما قال ابن حزم في موضع آخر:
"بطلانها يغني عن إبطالها، وسقوطها يغني عن إسقاطها، ونكارتها تغني عن إنكارها".
ذكروا أنَّ الملائكة قالوا لله -والله تعالى أعلم- كما في الرواية: يا ربنا خلقتَ
هؤلاء لعبادتك فعصوك، وكفروا بك وأشركوا معك، وارتكبوا ما حرَّمتَ، وتركوا ما
أحللتَ"، ولم يعتذروا لهم، فأخبرهم الله أنَّه ركَّبَ فيهم الشَّهوة وأنه...،
وأنَّه...، فكأن الملائكة -كما تقول الرواية- نقضوهم ولم يعذروهم ودخلهم العجب،
فطلب الله منهم أن يختاروا ملكين اثنين، فاختاروا هاروت وماروت، ورُكِّبَت
الشَّهوة، فلما نزلوا إلى الأرض رأوا امرأة فاتنة الجمال فوقعت في نفسيهما، فجاهدوا
نفسهما، ثم لمَّا لم يستطيعوا فرجعت لهما مرة أخرى، ولما أرادوها وقالت لهما: حتى
تكونان على ديني، فأبوا ذلك.
وبعد حينٍ رجعت، فلما فأرادوها قالت: إمَّا الخمر أو الرجوع عن الدين. فاختارا
الخمر، فشربا الخمر، فوقعا على المرأة وفعلا الفاحشة، ثم مرَّ رجل فخشيا الفضيحة
فقتلاه، فلما أفاقا علما خطيئتهما، فخيَّرهما الله بين عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة،
فقالا: عذاب الدنيا ينقطع أما الآخرة فدائم، فاختارا عذاب الدنيا، فهما الآن
مُعلَّقانِ في باب من أرجلهما.
هذه القصة ذكرها بعض المفسرين، وهذا كلام ساقط لا قيمةَ له؛ بل حتى قال العراقي شيخ
ابن حجر -عليهما رحمة الله: "من قال إنَّ هاروت وماروت ملكان يُعذَّبان لخطيئتهما؛
فهو كافر مرتدٌّ"، فالملائكة معصومون، لقول الله تعالى: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا
أَمَرَهُمْ﴾ [التحريم: 6].
أما الخبــــــــر الصحيح:
في عهد النبي سليمان -عليه السلام- أشاعوا أنَّ ما يأتي سليمان من الأخبار ليس من
الوحي، ولكنَّه من السَّحرة، يعلِّمونه أخبار الرجل بالغيب ويُملون عليه الأقاويل،
ويُملي هو عليهم، فأنزل الله ملكين يعلمان الناس الفرق بين السِّحر وبين النُّبوَّة
حتى لا يقع لَبس، وليس هذا مشاعًا لكل أحدٍ إلَّا مَن كان قادرًا على التَّمييز،
فإذا أتاهم الشخص فيقولان له: إنَّما نحن فتنة فلا تكفر.
فتنة: يعني محلَّ بلاء، ونحن فتنة نعلم الناس الفرق بين السحر وبين الوحي، وليس كل
أحدٍ قادر على التَّمييز، ولهذا جاء في الحديث: «مَن سَمِعَ بالدَّجَّالِ فليَنْأَ
عَنْهُ»[17]، فليس كل الناس يستطيع أن يُحاجج، فإنَّ الرجل يأتيه ويريد أن يُحاجَّه
فلا يستطيع.
الشاهد: بطلان خبر أنَّ هاروت وماروت فعلا الفاحشة وشربا الخمر وقتلا النفس
المعصومة؛ وكل هذا كلام لا قيمةَ له ولا زمام له وخطام.
وفي سورة الأعراف قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ
حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا
لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا
صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا
يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: 189، 190].
ذكر بعض أهل العلم من المفسرين عند هذه الآية: أنَّ حواء كلَّما جاءها مولدٌ ماتَ،
فطاف بهما الشيطان -هي وآدم- وقال لهما: سمياه عبد الحارث -والحارث من أسماء
الشيطان كما في بعض الأخبار- فسمياه عبد الحارث فعاشَ، فعاتبهما الله بهذا.
هذا الحديث من رواية الحسن بن سمُرَةٍ، وقد ذكر أهل العلم أنَّ التَّحقيق الصَّحيح:
أنَّ هذا الحديث لا يصح، وهذا لأمور:
أولًا: لأنَّ آدم -عليه السلام- في خبر الشفاعة الطويل لَمَّا ذكر خطيئته ذكر الأكل
من الشَّجرة، ولو كان هذا الأمر -طاعة الشيطان والتَّعرُّض للشرك معاذ الله-
لذكَرَه، وهو أكبر من الأكل من الشَّجرة.
ثانيًا: الحسن البصري راوي الحديث سُئل عن الآية ففسَّرها بغير تفسير الحديث، ولو
كان الخبر ثابتًا عنده لَمَا عدلَ عن الحديث.
وذكر بعض اهل العلم أنَّ الآيتين ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ
حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا
لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا
صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا
يُشْرِكُونَ﴾ متصلتان لفظًا مختلفتان في المعنى.
فالآية الأولى: خاصَّة بالأبوين أنهما مخلوقان من نفس واحدة، وآخر الآية التي تفيد
بوقوع الشِّرك إنَّما هو من ذريَّة آدم -عليه السلام.
بمعنى أنَّ عصمة الأنبياء تكون من الوقوع في الشرك، وأن الخبر باطل سندًا ومتنًا،
وأنَّ الإمام الحسن البصري من أئمة أهل العلم والحديث، ومع ذلك لم يفسر الآية بما
روى من الحديث، ولو كان الخبر ثابتًا عنده لَمَا عدلَ عنه، وكما قلتُ لكَ آنفًا:
إنَّ آدمَ لَمَّا ذكر خطيئته في خبر الشفاعة ما ذكر إلَّا أنَّه أكلَ من الشَّجرة،
ولو كان هذا الخبر قد وقع منه لذكره؛ لأنَّه أعظم خطيئة من أكله من الشَّجرة، والله
تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
{ما الباعث على مثل هذه القصص التي تُذكَر في كتب التفسير أو كتب المواعظ؟ ولماذا
يوردها أهل العلم في كتبهم؟}.
قد يكون المصنف جاهلًا في علم الحديث، ليس عنده بضاعة كافية بحيث يحذر من الضعيف
والموضوع، فهو كما يُقال: "حاطب ليل"، وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن بعض التفاسير
فذكر أنَّ بعضهم يُورد ما هبَّ ودبَّ كحاطب الليل.
وبعض المفسرين قد يكون قلَّدَ أحدًا قبله فنقل من كتاب تفسير آخر، وقد يرى هذا
المقلَّد من أئمة مذهبه أو قد يكون درسَ عليه؛ فأخذَ ما نقله.
وقلت لك: إنَّ بعضهم يتعمَّد ذكر هذه الروايات من باب التَّحذير، وقد يُحتاج إلى
هذا العلم إذا عمَّت البلوى بانتشار أخبار مكذوبة، فأنت تستبق الأحداث وتقول:
"وأيضًا من الأخبار المكذوبة كذا وكذا..." فيما لو وصلت لهم أو قرؤوها أو سمعوها
يكون عندهم رصيد علمي بأنَّ هذا الخبر مكذوب.
ولهذا يحسُن إذا كان الخبر مكذوبًا أو يورَد الصَّحيح؛ لأنَّ معرفة كون الخبر
باطلًا ومكذوبًا يكفي، ولكن يزيد في ردِّه وإبطاله أن تعطي السَّامع -أو السائل-
الخبر الصَّحيح.
نمثل بمثالٍ قريبٍ: هناك على ألسنة الناس أحاديث شائعة يروونها ويتواردون على
ذكرها، ولعلَّ السبب أنَّ بعضها موجود في كتب الوعظ؛ ولأنَّ بعض الوُعَّاظ او بعض
كتَّاب الصَّحافة يذكرها من باب أنها حديث، لكنه لا يعلم الصِّحة من الضعف، حتى
أنَّ بعض الأمثال الشَّعبيَّة تُروَى على أنَّها حديث.
تجد الواحد يقول: يخلق من الشَّبه تسعة وثلاثين.
فيُصَحَّح له ويُقال: يخلق من الشبه أربعين؛ حتى لا يُحرِّف في الحديث!
وهذا ليس حديثًا، وهذا وجدته بعد البحث في كتب الأمثال الشَّعبيَّة، فقد يخلق الله
على صورة الشخص شخصًا واحدًا، وقد لا يُخلق على صورة الشخص أحد، الله أعلم!
ومثل ما اشتُهر على بعض الألسنة: السَّاكت عن الحق شيطان أخرس.
والعجيب لَمَّا كنَّا صغارًا وحتى الآن بعض الناس تقول له جزء من الحديث الضعيف؛
فيُكمله، لكنه لا يعرف الصحيح.
مثل قولهم: "الفتنة نائمة لعن الله مَن أيقظها، أجرأكم على الفتيا أجرأكم على
النار، لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، اطلبوا العلم ولو في الصين، أكرموا
عمتكم النخلة فإنها خلقت من الطين"، وهذه كلها لا تصح، وفي الصَّحيح ما يغني عنها،
وقيدَّ الله أئمة في الحديث من المتقدمين ومن المعاصرين ومن آخرهم العلامة الألباني
-رَحِمَهُ اللهُ- في كتبه السلسلة الضعيفة، وضعيف الجامع، وكذلك سمتحة الشيخ ابن
باز؛ فهؤلاء بيَّنوا أنَّ هذه الأحاديث وبيَّنوا عللها، وهناك -والحمد لله-
مصنَّفات الضعيف وما يقوم مقامه من الصَّحيح.
{هل هناك أحاديث ضعيفة لها معنًى صحيح مثل: "أجرأكم على الفتيا أجرأكم على النار"،
أم أنَّ هذا في باب معي؟}.
نُفرِّق بين فضائل الأعمال وبينَ الأحكام، وذكروا أنَّ الإمام أحمد قال: "إذا روينا
الأحكام شدَّدنا". وقال ابن المبارك -رَحِمَهُ اللهُ: "في صحيح الحديث ما يُغني عن
سقيمه".
لو وجدت مئات الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ ستجد في كتاب الله وفي الصحيح من السُّنة
-سواء كان لصحيح لذاته أو لغيره أو حسن لذاته أو لغيره- من الأحاديث والفضائل
والأجور العظيمة ما يُغطي الضعيف أضاعفًا مضاعفَة، ولكن دَرَج الناس على الضعيف.
ونلاحظ في الأعوام الأخيرة -والحمد لله- صار فيه كثير يسأل ويتقبَّل، يعني: إذا قلت
له هذا الحديث ضعيف؛ تجده يستغفر الله، وتجنَّبَ ذكر وحَذِرَ منه وحذَّرَ غيره.
وأقوال دائما: ينبغي التنبيه والتحذير في المراحل الأوليَّة للصغار من هذه
الأحاديث؛ لأنَّهم يتلقَّفونَ هذه الأحاديث وينشؤون على ذكرها، ولا يتساهل الأب أو
المعلم، بل يقول: يا أبنائي هذا حديث لا يصح عن الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ويحذرهم من مغبَّة الكذب عن الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
والكلام بلا علم، ويبيِّن لهم الصحيح.
ومن اللطائف أن أخبرني الأفاضل أنَّه وهو صغير ذكر له الأستاذ حديث «الْجَنَّةُ
تَحْتَ أَقْدَامِ الأمَّهَات»، والحديث ورد بلفظ «الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ
الْجَنَّةُ»[18]، وطبعَا ردَّ بعضهم هذا الحديث وضعَّفه، وقال ابن تيمية: ليس له
إسناد ثابت بهذا اللفظ.
يقول: كنتُ في الثانية ابتدائي، فالمدرس قال حديث «الْجَنَّةُ تَحْتَ أَقْدَامِ
الأمَّهَات»؛ فدخلت على والدتي بعدَ المدرسة فأتيت أرفع قدمها، فقالت: خير إن شاء
الله. فقلت: أرى الجنَّة يا أمي!
فالمدرس لَمَّا تركَ الحديث على ظاهره ألبَسَ على الطُّلَّاب.
وأذكرُ أنني كنت أقرأ مرةً حديثًا على بعض الناس، وسبب الحديث أنَّ الصحابة كانوا
في غزوة الأوطاس وسبوا جوارٍ، فالرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهاهم أن
يطؤوا الجواري حتى تستبرئ الجاري بحيضة ويبرأ الرَّحم، فقال النبي -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ»[19]، يعني لا يُعاشر الجارية حتى
تبرأ.
فسمع بعضهم هذا الحديث فقال كيف ذلك، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يأمر بإكرام الجار، وهذا يقول لا؟! فهو فهم الحديث على ظاهره!
فينبغي لطالب العلم أنَّه إذا ذكر شيئًا موهمًا وبخاصَّة عند العامَّة أن لا يُفارق
المجلس حتى يُبيِّن، وكما ذكرتُ لكم في الحلقة الماضي الرجل الذي صلَّى خلفي لما
قرأت سورة يوسف، في قوله تعالى: ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ﴾ ، فقال لي
بعد الصلاة: ما مصير أخي يوسف "نكتل"؟ فظنَّ أنَّ الفعل اسم!
فينبغي على طالب العلم أن يحرص بيان الضَّعيف وضعفه.
{جزاكم الله خيرًا.
شكر الله لكم فضيلة الشيخ على ما تقدمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين
حسناتكم.
هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر،
إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله
وبركاته}.
-------------------
[9] لم نقف على هذا اللفظ، وإنما اللفظ الصحيح هو ما رواه البخاري (3234) ومسلم
(6310) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا يَنْبَغِى
لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى عَلَيْهِ
السَّلاَمُ)، وفي رواية للبخاري (من قال أنا خير من يونس بن متّى فقد كذب) .
[10] البداية والنهاية (8/ 136).
[11] صحيح البخاري (2926).
[12] أخرجه البزار (6888)، وأبو يعلى (3425)، وابن عدي في ((الكامل في الضعفاء))
(2/327)، حسنه شعيب الأرناؤوط في سنن أبي داود.
[13] أخرجه البخاري (438) واللفظ له، ومسلم (521)
[14] صحيح البخاري (1497).
[15] صحيح مسلم (1431).
[16] صحيح البخاري (4425).
[17] أخرجه أبو داود (4319)، وأحمد (19968)
[18] سنن ابن ماجه (2781)، أخرجه الطبراني (8/372) (8162).