الدرس العاشر
فضيلة الشيخ أ.د. فهد بن سليمان الفهيد
إحصائية السلسلة
{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء
العلمي، وأرحب بفضيلة الشَّيخ الدكتور فهد بن سليمان الفهيد. فأهلًا وسهلًا بكم
فضيلة الشَّيخ}.
الله يُحييكم ويُحيي الإخوة الكرام جميعًا.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله
وصحبه أجمعين.
حتى نربط هذا الدَّرسَ بالدَّرسِ السَّابقِ في الأسبوع الماضي؛ فقد ذكر -رَحِمَهُ
اللهُ- في فصلٍ عقدَه يُبيِّن فيه أنَّ العِصمَة ليست شرطًا في الولاية، فأولياء
الله -عزَّ وَجلَّ- لا يُشتَرط فيهم أنهم معصومون، بل قد يقع منهم الخطأ، وذكر ما
يدل على هذا، وذكر أنَّ بعضَ الناس يغلط في هذا المقام غلطًا شنيعًا.
ثمَّ بيَّنَ أنَّ عُمر أفضل من جميع مَن يُدَّعَى فيه الولاية ممَّن جاء بعدَ
الصَّحابة، ومع ذلك فإنَّ عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وقعَ منه الغلط في بعض
المسائل، وقد نبَّهه عليها الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر
أيضًا، وكان عمر يتَّخذ مجلسًا من الصَّحابة للمشاورة، وما يقول لهم أنا مُحدَّث أو
مُلهَم واسمعوا ما أقول! فهذا غير صحيح، فإذا كان هذا في شأن خلفيةٍ راشدٍ من
الخلفاء الراشدين وأمير مؤمنين وفاروق؛ فما بالك بمَن جاء بعدَه من الصَّالحين،
فالشيخ ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ- يُبيِّن أنَّ هذا من مسائل الفرقان بينَ أولياء
الرحمن وأولياء الشيطان، فأيُّ واحدٍ يدَّعي لنفسه أو يدَّعي له أصحابه أنَّه وليٌّ
لله وأنَّه مُخاطَب ومُحدَّث ومُلهَم، ولا يُعتَرض عليه ويجب قبول ما عنده؛ فهؤلاء
ضالُّونَ مخالفون للكتاب والسُّنَّة.
وذكر -رَحِمَهُ اللهُ- وجوب الإيمان بما أنزل الله -عزَّ وَجلَّ- ومن ذلك ما جاء به
الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكر كلام بعض المتقدَّمين من العبَّاد
والصَّالحين، وإلى هنا وصلنا في القراءة في الدرس الماضي، واليوم -إن شاء الله
تعالى- نكمل القراءة في هذا الفصل النافع.
{قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ: (وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَغْلَطُ
فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَيَظُنُّ فِي شَخْصٍ أَنَّهُ وَلِيٌّ لِلَّهِ، وَيَظُنُّ
أَنَّ وَلِيَّ اللَّهِ يُقْبَلُ مِنْهُ كُلَّ مَا يَقُولُهُ، وَيُسَلِّمُ إلَيْهِ
كُلَّ مَا يَقُولُهُ وَيُسَلِّمُ إلَيْهِ كُلَّ مَا يَفْعَلُهُ، وَإِنْ خَالَفَ
الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، فَيُوَافِقُ ذَلِكَ الشَّخْصُ لَهُ، وَيُخَالِفُ مَا
بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ
تَصْدِيقَهُ فِيمَا أَخْبَرَ، وَطَاعَتَهُ فِيمَا أَمَرَ، وَجَعَلَهُ الْفَارِقَ
بَيْن أَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ، وَبَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ،
وَبَيْنَ السُّعَدَاءِ وَالْأَشْقِيَاءِ)}.
يعني: كيف تُوافق شخصًا وتترك النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! وتوافقه في
كل ما يقوله وفي كل ما يفعله وتُخالف مَن ألزمك الله وفرض عليك طاعته واتِّباعه
والإيمان بما جاء به، وجعله الله -عزَّ وَجلَّ- الفارق بين أوليائه وأعدائه، فمَن
اتَّبعه فهو من أولياء الله، ومَن أعرَض عنه فهو من أعداء الله، كيف هذا؟!! هذا لا
يمكن.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فَمَنْ اتَّبَعَهُ كَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ
الْمُتَّقِينَ وَجُنْدِهِ الْمُفْلِحِينَ وَعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَمَنْ لَمْ
يَتْبَعْهُ كَانَ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ الْخَاسِرِينَ الْمُجْرِمِينَ،
فَتَجُرُّهُ مُخَالَفَةُ الرَّسُولِ وَمُوَافَقَةُ ذَلِكَ الشَّخْصِ أَوَّلًا إلَى
الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالِ، وَآخِرًا إلَى الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، وَيَكُونُ لَهُ
نَصِيبٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ
يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى
لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ
بَعْدَ إذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولً﴾)}.
وجه الشَّاهد قوله: ﴿يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا
وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ
الذِّكْرِ﴾ الذكر هُنا هو القُرآن والوحي ويدخل فيه السُّنَّة.
وقوله: ﴿لَقَدْ أَضَلَّنِي﴾ لقد أضلَّني هذا الخليل، فكلُّ مَن اتَّخذَ شخصًا
يُصدِّقه ويتَّبعه غير الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فله نصيبٌ من هذا.
وتقدَّم معنا في درسٍ ماضٍ أنَّ الشيخ عَلَّق على قوله تعالى: ﴿وَمَن يَعْشُ عَن
ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف:36]،
وبيَّن أنَّ المراد بذكر الرحمن: القُرآن، وليس مجرد الأذكار.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وقَوْله تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي
النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا *
وَقَالُوا رَبَّنَا إنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا
السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا
كَبِيرً﴾)}.
انظر! هؤلاء يحكي الله مقالتهم وهم في النَّار، تُقلَّب وجوههم في النَّار -نعوذ
بالله من النار- وسبب ذلك أوضحه الله -عزَّ وَجلَّ- عنهم، فقال: ﴿يَقُولُونَ يَا
لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إنَّا
أَطَعْنَا سَادَتَنَ﴾ وهم السَّادة. ﴿وَكُبَرَاءَنَ﴾ وهم القادة والكِبار.
﴿فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ﴾، ثم يدعون عليهم: ﴿رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ
الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرً﴾، وهذا من الحسرات التي يجدونها، قال
تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ﴾
[البقرة:167].
إذن طاعة السَّادة وطاعة الكُبراء -حتى وإن قيل: إنَّهم أولياء- إذا خالفوا الكتاب
والسُّنَّة؛ فأنتَ محاسبٌ على اتِّباعهم ولا تُعذَر بطاعتك لهؤلاء ومخالفتك لكلام
الله وكلام رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ
دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا
أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ
أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إذْ
تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ
وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ
لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ
اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ
النَّارِ﴾)}.
نسأل الله العافية والسَّلامة!
انظُر إلى تبرُّؤ الأتباع من المتبوعين، قال: ﴿إذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا
مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُو﴾ فهؤلاء المتبوعين -القادة- تبرؤوا من أتباعهم الذين
اتَّبعوهم، فجاء الأتباع وقالوا: ليتنا نرجع للدنيا حتى نتبرَّأ منك.
وهذه موعظة لكل عاقل، أنَّه لا يتَّبع في الضَّلالة أحدًا كائنًا مَن كان، حتى لو
ادُّعيَت فيه ولاية الله.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَهَؤُلَاءِ مُشَابِهُونَ لِلنَّصَارَى الَّذِينَ قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا
مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا
إلَهًا وَاحِدًا لَا إلَهَ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾. وَفِي
الْمَسْنَدِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ
هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا سُئل النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَنْهَا فَقِيلَ:مَا عَبَدُوهُمْ! فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أَحَلُّوا لَهُمْ الْحَرَامَ، وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ الْحَلَالَ
فَأَطَاعُوهُمْ، وَكَانَتْ هَذِهِ عِبَادَتَهُمْ إيَّاهُمْ»)}.
ولهذا لا يجوز مُتابعة الأمراء والعُلماء في تحريم الحلال أو تحليل الحرام، فهذا هو
ما فعله بنو إسرائيل، وهلكوا! وقال الله في شأنهم: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ
وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا
أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا إلَهًا وَاحِدًا لَا إلَهَ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ
عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾، لَمَّا تلاها النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على
عدي بن حاتم وكان نصرانيًّا قبل أن يُسلم، فقال عدي: لم يعبدوهم! فقال النبي
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَلُّوا لَهُمْ الْحَرَامَ، وَحَرَّمُوا
عَلَيْهِمْ الْحَلَالَ فَأَطَاعُوهُمْ، وَكَانَتْ هَذِهِ عِبَادَتَهُمْ إيَّاهُمْ».
إذن؛ لا يجوز أن نجعل العَالِم أو الأمير أو العابد أو الولي الصَّالح؛ معيَارًا في
تحليل الأحكام أو تحريم الحلال، فالتَّحليل والتَّحريم حق الله ورسوله، فما حرَّمه
الله ورسوله فهو الحرام، وما أحله الله ورسوله فهو الحلال، ولا نُغيِّر هذا لأجل
قول عالمٍ غلط أو وليٍّ صالحٍ ضلَّ، أو أميرٍ خرجَ عن الشَّرع؛ فلا طاعة لمخلوق في
مَعصية الخالق.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَلِهَذَا قِيلَ فِي مِثْلِ هَؤُلَاءِ: إنَّمَا حَرَّمُوا
الْوُصُولَ بِتَضْيِيعِ الْأُصُولِ؛ فَإِنَّ أَصْلَ الْأُصُولِ تَحْقِيقُ
الْإِيمَانِ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ
الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِيمَانِ
بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى
جَمِيعِ الْخَلْقِ، إنْسِهِمْ وَجِنِّهِمْ، وَعَرِبِهِمْ وَعَجَمِهِمْ،
عُلَمَائِهِمْ وَعُبَّادِهِمْ، مُلُوكِهِمْ وَسُوقَتِهِمْ، وَأَنَّهُ لَا طَرِيقَ
إلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لِأَحَدِ مِنْ الْخَلْقِ إلَّا بِمُتَابَعَتِهِ
بَاطِنًا وَظَاهِرًا، حَتَّى لَوْ أَدْرَكَهُ مُوسَى وَعِيسَى وَغَيْرُهُمَا مِنْ
الْأَنْبِيَاءِ لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ اتِّبَاعُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ
أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ
ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ
وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إصْرِي
قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ *
فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا
إلَّا أَخَذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقَ، لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَيٌّ
لِيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرُنَّهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى أُمَّتِهِ
الْمِيثَاقَ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهْم أَحْيَاءٌ لِيُؤْمِنُنَّ بِهِ
وَلَيَنْصُرُنَّهُ")}.
وهذا هو الواجب، وهو معنى شهادة أنَّ محمدًا رسول الله، وهذا أصل الأصول، يقول
الشيخ: (فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِيمَانِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، إنْسِهِمْ وَجِنِّهِمْ)،
فالإنس جميعًا والجن جميعًا يجب عليهم طاعة الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
قال: (وَعَرِبِهِمْ وَعَجَمِهِمْ، عُلَمَائِهِمْ وَعُبَّادِهِمْ، مُلُوكِهِمْ
وَسُوقَتِهِمْ)، كل هؤلاء يجب عليهم اتباع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
والآن جميع أهل الأرض من أوَّلهم لآخرهم يجب عليهم الدخول في دين النبي -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن أبَى فهو من الكافرين، ولهذا يقول الله -عزَّ
وَجلَّ: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعً﴾
[الأعراف:158]، وقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾
[الأنبياء:107]، وقال: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ
وَمَن بَلَغَ﴾ [الأنعام:19]، وقال: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا
فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران:85]،
وقال: ﴿الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ [آل عمران:19]، فدين النَّصارى
المحرَّف ودين اليهود والمجوس وسائر الأديان الباطلة كلها كفرٌ وضلالٌ؛ ولا يجوز
المطالبة بالمقاربة معها، أو التَّوحُّد فيما بينها، وأن يكون هناك ملَّة
إبراهيميَّة تجمع الملل، فنحنُ أتباع محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وهؤلاء أتباع عيسى، وهؤلاء أتباع موسى؛ هذا كلام كفري وخروج عن الإسلام، مَن قال
بهذا يجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يُجدِّدَ إسلامَه، فإنَّ الإسلام هو مُتابعة
النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والدُّخول في دينه، واعتقاد أنَّ أيَّ
دينٍ غيرَ دين النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كفرٌ وضلالٌ، مَن شكَّ في
هذا فهو من الكافرين بإجماع علماء المسلمين، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هذِهِ
الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي
أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»[23].
وذكر الشيخ هنا (العلماء والعبَّاد)، حتى لا يقول عابدٌ: إنَّه مُستثنًى من اتِّباع
الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه مشغولٌ بالعبادة، أو لأنَّ لديه
حقيقة وأنتم عندكم الشريعة، لا؛ فالجميع مُطالب باتِّباع الرسول -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والفقهاء مُطالبون باتِّباع الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ولا يقول: إني أُقلِّد العالم الفلاني أو المذهب الفلاني ولا أبالي
بالحديث، لا؛ فالحديث على العين والرأس يجب اتباعه إذا صحَّ عن رسول الله -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان الأئمة الأربعة يقولون: "إذا صحَّ الحديث فهو
مذهبي"، وكلامهم في هذا مشهورٌ.
وقوله: (إلَّا بِمُتَابَعَتِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرً) تقدَّم الكلام عنه، والمتابعة
الظَّاهرة كالصَّلاة والأذان، والمتابعة الباطنة كأعمال القلوب ونحوها.
وممَّا يدلُّ على عموم الرِّسَالَة وأنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- هو خاتم الأنبياء والرُّسل: أنَّه لو بُعث موسى والنبي -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيٌّ لوجبَ على موسَى اتِّباع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وعيسى سينزل في آخر الزَّمان ويتَّبع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ويصلي خلف إمام المسلمين كما جاءت بذلك الأخبار عن رسول الله -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ
يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ
قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ
يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا *
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ
رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إذَا
أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ
بِاللَّهِ إنْ أَرَدْنَا إلَّا إحْسَانًا وَتَوْفِيقًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ
يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ
لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلَّا
لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ
فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ
تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا
شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمً﴾)}.
هذه الآيات الكريمة في سورة النِّساء تدلُّ أمور:
الأمر الأول: تدل على وجوب التَّحاكم إلى سنَّة الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وإلى شرع الله ودينه، وأنَّ مَن أبَى فقد تحاكم إلى الطَّاغوت.
الأمر الثاني: تدل على أنَّ الْمُعرِض عن الله -عزَّ وَجلَّ- وعن كتابه وعن سُنَّة
رسوله هو من المنافقين، قال تعالى: ﴿رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ
صُدُودً﴾.
الأمر الثالث: تدل على أنَّ الرسول ما أرسله الله إلَّا ليُطاع -بإذن الله عزَّ
وَجلَّ- في شرعه؛ لأنَّه يُوحَى إليه من الله -عزَّ وَجلَّ- وهذا هو معنى الإيمان
بأنَّه رسولٌ من عند الله.
الأمر الرابع: تدل على نفي الإيمان على مَن لم يتحاكم إلى الرسول -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندَ النِّزاعات التي تنشأ بينَ الناس، سواء في العقائد أو في
السُّلوك، أو في الأعمال، أو في الخصومات بينَ الناس، قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ
لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا
فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمً﴾.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ شَيْئًا مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ
مُقَلِّدًا فِي ذَلِكَ لِمَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ وَلِيُّ اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ بَنَى
أَمْرَهُ عَلَى أَنَّهُ وَلِيٌّ لِلَّهِ، وَأَنَّ وَلِيَّ اللَّهِ لَا يُخَالِفُ
فِي شَيْءٍ وَلَوْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ أَكْبَرِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ،
كَأَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ؛ لَمْ يُقْبَلْ
مِنْهُ مَا خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ،
وَتَجِدُ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ عُمْدَتُهُمْ فِي اعْتِقَادِ كَوْنِهِ وَلِيًّا
لِلَّهِ أَنَّهُ قَدْ صَدَرَ عَنْهُ مُكَاشَفَةٌ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، أَوْ
بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ، مِثْلِ أَنْ يُشِيرَ إلَى شَخْصٍ
فَيَمُوتَ، أَوْ يَطِيرَ فِي الْهَوَاءِ إلَى مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ
يَمْشِيَ عَلَى الْمَاءِ أَحْيَانًا، أَوْ يَمْلَأَ إبْرِيقًا مِنْ الْهَوَاءِ،
أَوْ يُنْفِقَ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ مِنْ الْغَيْبِ، أَوْ أَنْ يَخْتَفِيَ
أَحْيَانًا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، أَوْ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ اسْتَغَاثَ بِهِ
وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ مَيِّتٌ فَرَآهُ قَدْ جَاءَهُ فَقَضَى حَاجَتَهُ، أَوْ
يُخْبِرَ النَّاسَ بِمَا سُرِقَ لَهُمْ، أَوْ بِحَالِ غَائِبٍ لَهُمْ، أَوْ
مَرِيضٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ
الْأُمُورِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهَا وَلِيٌّ لِلَّهِ، بَلْ قَدْ
اتَّفَقَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ طَارَ فِي الْهَوَاءِ
أَوْ مَشَى عَلَى الْمَاءِ لَمْ يُغْتَرَّ بِهِ حَتَّى يَنْظُرَ مُتَابَعَتَهُ
لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمُوَافَقَتَهُ لِأَمْرِهِ
وَنَهْيِهِ)}.
إذن كل مَن خالف شيئًا ممَّا جاء به النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسبب
تقليده لواحدٍ يظنُّ أنَّه ولي؛ فنقول له: لو قُدِّرَ أنَّ هذا الشَّخص الذي أحببته
وظننتَ أنَّه ولي من أكابر أولياء الله وأنَّه من الصَّحابة؛ فإنَّه لا يجوز لك
متابعته في هذا، فكيف وهم يُتابعون أشخاصًا ليسوا من الصَّحابة ولا من التَّابعين
ولا من العلماء الراسخين من أهل السُّنَّة والجماعة؛ بل يُتابعون أشخاصًا لمجرد أن
حدثت لهم بعض الأمور ذكرها الشيخ، وهي:
- قوله: (مُكَاشَفَةٌ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ)
معنى المكاشفة: أنَّه يطَّلع على شيءٍ لم يطَّلع عليه النَّاس؛ كأنَّه ينظر فيرى
مكانًا بعيدًا أو شيئًا من هذا، فهذا ليس بدليل على ولايته، هذا أمرٌ خارق للعادة
ولكن ليس بدليل على صحَّة الطَّريقَة التي يسير عليها هذا الشَّخص.
- قوله: (أَوْ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ، مِثْلِ أَنْ
يُشِيرَ إلَى شَخْصٍ فَيَمُوتَ)، فهؤلا تُعاونهم الشَّياطين، فربما تنفث الشَّياطين
في قلب الشَّخص فتوقف الدَّم أو تفعل شيئًا فيسبب له الموت.
- قوله: (أَوْ يَطِيرَ فِي الْهَوَاءِ إلَى مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَ)، وكانت تطير
بهم الجن ويظنون أنَّ هذا كرامة وأنَّه أمرٌ خارقٌ للعادة، ويقولون: سلِّموا لنا،
ألم نَطِرْ ونفعلْ كذا..
قوله: (أَوْ يَمْشِيَ عَلَى الْمَاءِ أَحْيَانًا، أَوْ يَمْلَأَ إبْرِيقًا مِنْ
الْهَوَاءِ)، يأتي بإبريقٍ فارغٍ ويضع فيه الهواء ويمتلئ ماءً، فيتعجَّبونَ من هذا
ويقولون: إنَّ هذا ولي، وهكذا يغترُّونَ بهم.
قوله: (أَوْ يُنْفِقَ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ مِنْ الْغَيْبِ)، وفي النُّسخة الأخرى
للكتاب جاء (أَوْ يَنْطِق بَعْضَ الْأَوْقَاتِ مِنْ الْغَيْبِ)، يعني: يتكلَّم
بأشياء غيبيَّة، مثل أن يقول: سيحدث غلاء في الأسعار، أو فلان سيموت فيموت، فهذا
نطق بشيء من الغيب.
وهذه النسخة هي الصواب وهي ما عليه العُلماء في شروحاتهم، وهي لفظة (يَنْطِق)، يعني
يتكلم.
قال: (أَوْ أَنْ يَخْتَفِيَ أَحْيَانًا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ)، وهذا ما يقع
لبعضهم، كأن يكون معهم أمس ويختفي فجأة، خطفته الشَّياطين أو شيء، فيغترون بهذا.
قال: (أَوْ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ اسْتَغَاثَ بِهِ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ مَيِّتٌ
فَرَآهُ قَدْ جَاءَهُ فَقَضَى حَاجَتَهُ)، بعض الجهلة يستغيث بغير الله -عزَّ
وَجلَّ- من الخلوقين ويقول إنَّ هذا ولي، فيستغيث به ويراه أمامه، فيقول: سبحان
الله! كيف جاءني وهو يسكن بعيدًا!!
أو يستغيث بميِّتٍ فيراه أمَامه فيتعجَّب، وهؤلاء الشياطين تعينهم، الدجال في آخر
الزمان تُعينه الشَّياطين، فيقول للأعرابي: سأحيي أباك وأمَّك، فيتمثَّلانِ له،
فيظن أنَّهما أبواه، وإنَّما هم جن تمثَّلوا.
قال: (أَوْ يُخْبِرَ النَّاسَ بِمَا سُرِقَ لَهُمْ، أَوْ بِحَالِ غَائِبٍ لَهُمْ،
أَوْ مَرِيضٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ)، كل هذه التَّصرفات والأشياء
الغريبة يقول عنها الشيخ: (وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مَا يَدُلُّ
عَلَى أَنَّ صَاحِبَهَا وَلِيٌّ لِلَّهِ، بَلْ قَدْ اتَّفَقَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ
عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ طَارَ فِي الْهَوَاءِ أَوْ مَشَى عَلَى الْمَاءِ لَمْ
يُغْتَرَّ بِهِ حَتَّى يَنْظُرَ مُتَابَعَتَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمُوَافَقَتَهُ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ)، فهذا هو المعيار،
وليست هذه التَّصرُّفات، فلا تغرَّنَّكم هذه الأشياء، ومع الأسف لا تزال هذه الأمور
سبب للفتنة، فإذا رأى بعض الناس شيئًا غريبًا خارقًا للعادة عند شخصٍ قال هذا ولي!
فانتبه!
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَكَرَامَاتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ مِنْ
هَذِهِ الْأُمُورِ، وَهَذِهِ الْأُمُورِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ
قَدْ يَكُونُ صَاحِبُهَا وَلِيًّا لِلَّهِ فَقَدْ يَكُونُ عَدُوًّا لِلَّهِ،
فَإِنَّ هَذِهِ الْخَوَارِقَ تَكُونُ لِكَثِيرِ مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ
وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقِينَ وَتَكُونُ لِأَهْلِ الْبِدَعِ وَتَكُونُ
مِنْ الشَّيَاطِينِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ
مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ أَنَّهُ وَلِيٌّ لِلَّهِ، بَلْ يُعْتَبَرُ أَوْلِيَاءُ
اللَّهِ بِصِفَاتِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا
الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَيُعْرَفُونَ بِنُورِ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ،
وَبِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ الْبَاطِنَةِ وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ)}.
هذه مسألة مهمَّة، وهي أنَّه ليس من علامات أولياء الله -عزَّ وَجلَّ- حدوث خوارق
للعادة حتى لو سمُّوها كرامة؛ لأنَّ هذه الخوارق تحدث لوليِّ الله -بل أعظم منها
يحدث- وتحدث لعدو الله، فتحدث أيضًا للكفَّار والمنافقين والمشركين، فلا يجوز أن
يُظن فيمَن حدثت له أنَّه وليٌّ لله بمجرَّد حدوثها، بل يقول الشيخ: (بَلْ
يُعْتَبَرُ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ)، يعني: حدُّهم ومعرفتهم وصفتهم بما وردَ في الكتاب
والسُّنَّة من صفاتهم وأفعالهم وأحوالهم، وما يُعرفون به من نور الإيمان والقرآن؛
فهذا هو الذي يُعرَف به وليُّ الله من عدو الله، فلا تُجعَل هذه الأمور الخارقة
للعادة علامة على الولاية، فانتبهوا لأنَّ هذه مسألة مهمَّة جدًّا، وهذا من أساس
الكتاب الفرقان بينَ أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الْمَذْكُورَةَ
وَأَمْثَالَهَا قَدْ تُوجَدُ فِي أَشْخَاصٍ وَيَكُونُ أَحَدُهُمْ لَا يَتَوَضَّأُ،
وَلَا يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةَ، بَلْ يَكُونُ مُلَابِسًا
لِلنَّجَاسَاتِ مُعَاشِرًا لِلْكِلَابِ، يَأْوِي إلَى الْحَمَّامَاتِ والقمامين
وَالْمَقَابِرِ وَالْمَزَابِلِ، رَائِحَتُهُ خَبِيثَةٌ لَا يَتَطَهَّرُ
الطَّهَارَةَ الشَّرْعِيَّةَ، وَلَا يَتَنَظَّفُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جُنُبٌ
وَلَا كَلْبٌ»، وَقَالَ عَنْ هَذِهِ الأخلية: «إنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ
مُحْتَضَرَةٌ»، أَيْ: يَحْضُرُهَا الشَّيْطَانُ.
وَقَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ الْخَبِيثَتَيْنِ فَلَا
يَقْرَبَن مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى
مِنْهُ بَنُو آدَمَ».
وَقَالَ: «إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبً»، وَقَالَ: «إنَّ
اللَّهَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ»، وَقَالَ: «خَمْسٌ مِنْ الْفَوَاسِقِ
يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْغُرَابُ
وَالْحِدَأَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «الْحَيَّةُ
وَالْعَقْرَبُ».
وَأَمَرَ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ- بِقَتْلِ الْكِلَابِ وَقَالَ:
«مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَا يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلَا ضَرْعًا نَقَصَ مِنْ
عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ». وَقَالَ: «لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً
مَعَهُمْ كَلْبٌ»، وَقَالَ: «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ
فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ».
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ
يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ *
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ
مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ
وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ
الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ
وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
فَإِذَا كَانَ الشَّخْصُ مُبَاشِرًا لِلنَّجَاسَاتِ وَالْخَبَائِثِ الَّتِي
يُحِبُّهَا الشَّيْطَانُ، أَوْ يَأْوِي إلَى الْحَمَّامَاتِ وَالْحُشُوشِ الَّتِي
تَحْضُرُهَا الشَّيَاطِينُ، أَوْ يَأْكُلُ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ
وَالزَّنَابِيرَ، وَآذَانَ الْكِلَابِ الَّتِي هِيَ خَبَائِثُ وَفَوَاسِقُ، أَوْ
يَشْرَبُ الْبَوْلَ وَنَحْوَهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ الَّتِي يُحِبُّهَا
الشَّيْطَانُ، أَوْ يَدْعُو غَيْرَ اللَّهِ فَيَسْتَغِيثَ بِالْمَخْلُوقَاتِ
وَيَتَوَجَّهَ إلَيْهَا أَوْ يَسْجُدُ إلَى نَاحِيَةِ شَيْخِهِ، وَلَا يُخْلِصُ
الدِّينَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، أَوْ يُلَابِسُ الْكِلَابَ أَوْ النِّيرَانَ، أَوْ
يَأْوِي إلَى الْمَزَابِلِ وَالْمَوَاضِعِ النَّجِسَةِ، أَوْ يَأْوِي إلَى
الْمَقَابِرِ، وَلَا سِيَّمَا إلَى مَقَابِرِ الْكُفَّارِ مِنْ الْيَهُودِ
وَالنَّصَارَى أَوْ الْمُشْرِكِينَ، أَوْ يَكْرَهُ سَمَاعَ الْقُرْآنِ وَيَنْفِرُ
عَنْهُ وَيُقَدِّمُ عَلَيْهِ سَمَاعَ الْأَغَانِي وَالْأَشْعَارِ، وَيُؤْثِرُ
سَمَاعَ مَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ عَلَى سَمَاعِ كَلَامِ الرَّحْمَنِ؛ فَهَذِهِ
عَلَامَاتُ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ لَا عَلَامَاتُ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ)}.
هذه الجملة عظيمة جدًّا، ضربَ الشيخُ -رَحِمَهُ اللهُ- هنا المثال ليتَّضح المقال،
وهذه الأمثلة التي ذكرها الشيخ يجب أن نتدبَّرها جميعًا، وننظر في أحوال النَّاس.
نعيد القراءة مع البيان:
قال: (مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الْمَذْكُورَةَ وَأَمْثَالَهَ)،
يعني: الخوارق، كأن يطير أو يختفي أو يُخبر ببعض المغيَّبات.
قال: (قَدْ تُوجَدُ فِي أَشْخَاصٍ وَيَكُونُ أَحَدُهُمْ لَا يَتَوَضَّأُ، وَلَا
يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةَ، بَلْ يَكُونُ مُلَابِسًا لِلنَّجَاسَاتِ
مُعَاشِرًا لِلْكِلَابِ، يَأْوِي إلَى الْحَمَّامَاتِ والقمامين وَالْمَقَابِرِ
وَالْمَزَابِلِ، رَائِحَتُهُ خَبِيثَةٌ لَا يَتَطَهَّرُ الطَّهَارَةَ
الشَّرْعِيَّةَ، وَلَا يَتَنَظَّفُ)، هذه الأشياء تضر؛ لأنَّ الذي لا يُصلِّي كافر،
والذي لا يتوضَّأ لا تصح صلاتُه، فكيف تدَّعي أنَّه وليٌّ لله بمجرَّد حدوث خرق
العادة، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا
تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جُنُبٌ وَلَا كَلْبٌ»، والكلب لم يُرخَّص
فيه إلَّا لثلاثة: الزرع، والحراسة، والماشية؛ فهذه الأشياء مأذون فيها، أمَّا ما
عداها كمعاشرة الكلاب فهو منهي عنه.
قال الشيخ: (وَقَالَ عَنْ هَذِهِ الأخلية: «إنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ»،
أَيْ: يَحْضُرُهَا الشَّيْطَانُ)، والحش في الأصل هو البستان، ولكن صارَ يُطلَق على
موضع قضاء الحاجة.
قال: (وَقَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ الْخَبِيثَتَيْنِ
فَلَا يَقْرَبَن مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى
مِنْهُ بَنُو آدَمَ»)، فنهى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن قربان
المسجد لمَن أكل من الثُّوم أو البصل أو الكُرَّاث؛ لخبث رائحته.
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ
إلَّا طَيِّبً»، فالواجب ألَّا يأكل الخبائث وألَّا يفعل ما يُوجب الرَّوائح
الخبيثة.
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ اللَّهَ نَظِيفٌ يُحِبُّ
النَّظَافَةَ»، وَقَالَ: «خَمْسٌ مِنْ الْفَوَاسِقِ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ
وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْكَلْبُ
الْعَقُورُ»، فأمرَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقتل الكلب العقور والحيَّة
والعقرب في الحلِّ والحرم.
ثم قال الشيخ: (فَإِذَا كَانَ الشَّخْصُ مُبَاشِرًا لِلنَّجَاسَاتِ وَالْخَبَائِثِ
الَّتِي يُحِبُّهَا الشَّيْطَانُ، أَوْ يَأْوِي إلَى الْحَمَّامَاتِ وَالْحُشُوشِ
الَّتِي تَحْضُرُهَا الشَّيَاطِينُ، أَوْ يَأْكُلُ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ
وَالزَّنَابِيرَ، وَآذَانَ الْكِلَابِ الَّتِي هِيَ خَبَائِثُ وَفَوَاسِقُ، أَوْ
يَشْرَبُ الْبَوْلَ وَنَحْوَهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ الَّتِي يُحِبُّهَا
الشَّيْطَانُ)، فكلُّ هذه الخبائث مُحرَّمَة في الشَّرع، ووُجدَ مَن يفعل هذا.
قال: (أَوْ يَدْعُو غَيْرَ اللَّهِ فَيَسْتَغِيثَ بِالْمَخْلُوقَاتِ وَيَتَوَجَّهَ
إلَيْهَا، أَوْ يَسْجُدُ إلَى نَاحِيَةِ شَيْخِهِ، وَلَا يُخْلِصُ الدِّينَ لِرَبِّ
الْعَالَمِينَ)، أي: يتَّجه إلى شيخه في مكانه الذي فيه ويسجد له، فهذا مشرك ولا
يُخلص لدين الله ربِّ العالمين.
قال: (أَوْ يَكْرَهُ سَمَاعَ الْقُرْآنِ وَيَنْفِرُ عَنْهُ وَيُقَدِّمُ عَلَيْهِ
سَمَاعَ الْأَغَانِي وَالْأَشْعَارِ، وَيُؤْثِرُ سَمَاعَ مَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ
عَلَى سَمَاعِ كَلَامِ الرَّحْمَنِ؛ فَهَذِهِ عَلَامَاتُ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ
لَا عَلَامَاتُ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ)، أو يسكن في المقابر؛ فهذه كلها علامات
أولياء الشيطان، وليست علامات أولياء الرحمن.
وهذه الأمور تقع من هؤلاء ويُدَّعى فيهم أنَّهم أولياء! سبحان الله العظيم!
بعضهم ممَّن يقوم بهذه التَّصرُّفات السَّابقة إمَّا مجنون فاقد لعقله، أو دجَّال
كذَّاب كاهن مُفترٍ على الله -عزَّ وَجلَّ- يقع منه هذا الشَّيء، أو كهَّان وسحَرَة
ومشعوذين، فكيف يُدَّعى فيهم أنَّهم سادة ويُعتَقَد فيهم أنَّهم أولياء؟!
وذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب كشف الشُّبهات كلامًا عظيمًا حول هذا
المعنى، وقال: إنَّ المشركين المتأخرين أخبث وأشد وأظلم من المشركين المتقدِّمين
بعدَّة أوجه، من ضمنها: أنَّ المشركين الأوائل كانوا يعبدون مع الله جمادات أو
يعبدون أناسًا صالحين، يعبدون عيسى، أو يعبدون شجرة ليست طائعة ولا عاصية، وأمَّا
المشركون المتأخرون في زماننا يعبدون أناسًا ويستغيثون بهم ويتبرَّكون بهم
ويعتقدونَ فيهم الولاية وهم يعلمون أنَّهم يقومون بالسَّرقة والفواحش وترك
الصَّلوات، فلا شك أنَّ شِرك المتأخرين صار أقبح مِن شِرك المتقدمين، وذكر الشيخ
وجهًا آخر غير هذا، فهؤلاء أولياء الشيطان وليسوا أولياء الرحمن.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَا
يُسْأَلُ أَحَدُكُمْ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا الْقُرْآنُ فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ
الْقُرْآنَ فَهُوَ يُحِبُّ اللَّهَ وَإِنْ كَانَ يُبْغِضُ الْقُرْآنَ فَهُوَ
يُبْغِضُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)}.
يعني: هذا علامة على معرفة قلبك وحالك، فانظر إلى حالك مع القرآن، تقول كيف وضعي في
الإسلام؟ وكيف مقامي عند الله؟ انظر لمقامك أنت مع القرآن، هل تحب القرآن وتحب
سماعه؟ وتؤمن به وتعمل به وتتحاكم إليه؟ أم أنَّ القرآن ثقيل عليك، فمقدار محبَّتك
للقرآن هو مقدار محبتك لله -عزَّ وَجلَّ- ومحبة الله لك، قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ
لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ [فصلت:41]، فلا ينال شرف هذا الكتاب ولذَّته ومعرفة فضائله إلا
مَن أحبَّه الله -عزَّ وَجلَّ.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عفان -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "لَوْ
طَهُرَتْ قُلُوبُنَا لَمَا شَبِعَتْ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"، وَقَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ: "الذِّكْرُ يُنْبِتُ الْإِيمَانَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ
الْمَاءُ الْبَقْلَ وَالْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ
الْمَاءُ الْبَقْلَ")}.
هذا كلام عظيم يا إخواني! وفيه تنبيه لنا ألَّا نملأ قلوبنا بالشِّعر أو بالأناشيد،
ولا نملأ قلوبنا بالأشياء الضَّارة مثل الأغاني والمعازف؛ لأنَّها تضر القلوب، وأن
نملأ قلوبنا بسماع أحاديث الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال تعالى:
﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرً﴾ [الأحزاب:34]، فالذكر -الذي هو القرآن-
يُنبت الإيمان في قلبك ويُقوِّي الإيمان ويُنبته، وفضل القرآن عظيمٌ جدًّا وأثره
مباركٌ جدًّا، بخلاف الأغاني والمعازف والموسيقى فإنَّها تُنبت النِّفاق في القلب،
كما قال أطباء هؤلاء، وأعلم الناس بالشَّريعة وبالقلوب وبما يُصلح الناس هم أصحاب
النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهم أقوم الناس بالدِّينِ، فهذا كلامهم.
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "الذِّكْرُ يُنْبِتُ الْإِيمَانَ فِي الْقَلْبِ كَمَا
يُنْبِتُ الْمَاءُ الْبَقْلَ وَالْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا
يُنْبِتُ الْمَاءُ الْبَقْلَ"، فالبقوليات تُنبت بسرعةٍ في الماء، فالغناء والمعازف
لها أثرها السيء على قلب الإنسان، فالذي يُعرض عن القرآن ويُقبل على المعازف
والأغاني هذا ليس من أولياء الرحمن، فكيف إذا كان يتعبَّد بها؟! فهذا عاصٍ لله
ومبتدع في الدِّين، كما يفعل ضلَّال الصُّوفيَّة.
قال: (وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ خَبِيرًا بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ الْبَاطِنَةِ،
فَارِقًا بَيْنَ الْأَحْوَالِ الرَّحْمَانِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ،
فَيَكُونُ قَدْ قَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ مِنْ نُورِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ
يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾)}.
كيف تكون خبيرًا بحقائق الإيمان الباطنة؟
الجواب: أنَّك تكون خبيرًا بحقائق الإيمان الباطنة إذا آمنتَ وعرفتَ كلامَ الله
وكلام رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصرتَ خبيرًا حافظًا للقرآن عاملًا،
حافظًا للسُّنَّةِ عاملًا بها، ومن آثار حفظك للقرآن وحفظك للسُّنَّة وعملك بها
وتدبُّركَ لها أنَّ الله -عزَّ وَجلَّ- يُبيِّن لك في قلبك الفُرقان، فنفرق بينَ
الأحوال التي يُحبها الرحمن، والأحوال الشيطانيَّة، فلا تلتبس عليك الأمور، بخلاف
ما إذا كنتَ جاهلًا بحقائق الإيمان؛ فقد تلتبس عليك.
المقصود: أنَّ هذه الآية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ﴾ دليل تقوى الله -عزَّ وَجلَّ- هي: فعل ما أوجب الله وترك ما
حرَّم، والإيمان برسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقتضي اتِّباعه -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيكون الجزاء والثواب ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ
رَحْمَتِهِ﴾، يُضاعَف لكم الأجر.
وكان ممَّن قبلنا من الأمم عملوا فأعطاهم الله -عزَّ وَجلَّ- أجرهم، عملت اليهود من
الصباح حتى الظَّهر على قيراط، وعملت النَّصارى من الظهر حتى العصر على قيراط، وعمل
المسلمون من العصر إلى أن غربت الشمس فأعطاهم الله قيراطين كما جاء عن النبي
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال تعالى: ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ
رَحْمَتِهِ﴾، ثم جعل لهم ثوابًا آخر وهو: ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ
بِهِ﴾، فأنت لو مشيت في طريقٍ مُظلمٍ وليس معك نور فإنَّك تُخطئ، ولكن إذا كان معك
نور الإيمان ونور القُرآن ونور السُّنَّة عرفتَ الطَّريق، فاتَّقيتَ المواضع التي
فيها خطر ومشيت في الطريق الصحيح.
والجزاء الثالث: قوله: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾، نسأل الله أن يغفر لنا، وأن يجعل لنا
نورًا نمشي به، وأن يؤتينا كفلين من رحمته.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا
مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ
جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَ﴾، فَهَذَا مِنْ
الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ جَاءَ فِيهِمْ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ»،
قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ
قَالَ فِيهِ: «لَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى
أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ
الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي
يَمْشِي بِهَا، فَبِي يَسْمَعُ، وَبِي يُبْصِرُ، وَبِي يَبْطِشُ، وَبِي يَمْشِي،
وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنهُ، وَمَا
تَرَدَّدْت فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي فِي قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي
الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ
مِنْهُ»)}.
أورد الشيخ بعد آية الحديد الآية التي في سورة الشُّورى، وفيها: ﴿وَلَكِنْ
جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَ﴾، وهذا تأكيد للمعنى
السابق.
وهكذا الحديث الذي عند الترمذي: «اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ، فَإِنَّهُ
يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ»، وهذا الحديث في سنده مقال، ولكن معناه موافق لما
تقدَّم.
ثم ذكر الحديث الذي في البخاري، وفيه: «كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ،
وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ
الَّتِي يَمْشِي بِهَ»، فيُوفَّق في السمع، ويُوفَّق في البصر، ويُوفَّق في
البطشِ، فهذا من توفيق الله للمؤمن، وهذا يُسمَّى الفراسَة، والفراسة -كما هو معروف
عند العلماء- أنَّها فِراسَة خَلقيَّة رياضيَّة، وفِراسَة علميَّة شرعيَّة.
عندنا الفراسة العلميَّة الشَّرعية: أن تعرف الأمور هل هي صواب أو خطأ في الشَّرع،
وهذه فراسة تنتج عن قوَّة الدَّراسَة الشَّرعيَّة والتَّعلُّم الصَّحيح على أيدي
الرَّاسخين من أهل العلم، فإذا تعلَّمتَ العلم حصل لك هذا التمييز، وهذه الفراسة
تهجم على قلبك، فتعرف أن هذا القول غلط وهذا القول صواب، ليس تألٍّ، وليسَ تحكمًا
لعقلك، وإنَّما ناتجٌ عن مَا علَّمكَ الله -عزَّ وَجلَّ- من العلم الذي درستَه
وتلقَّيتَه من كلام الله وكلام رسوله وكلام الصحابة.
ومن آثار الفراسة: أنَّك تُفرِّق بينَ أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وهذا من
توفيق الله -عزَّ وَجلَّ- للمؤمن.
ونقول في هذا المقام: إنَّ قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ
لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ [الحجر:75]، يُقصد به التَّفرُّس، ولكن لا يُعتمَد عليها،
وإنَّما يُستأنس بها ويُستفاد منها.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ مِنْ هَؤُلَاءِ فُرِّقَ بَيْنَ
حَالِ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ، كَمَا يُفَرِّقُ
الصَّيْرَفِيُّ بَيْنَ الدِّرْهَمِ الْجَيِّدِ وَالدِّرْهَمِ الزَّيْفِ، وَكَمَا
يُفَرِّقُ مَنْ يَعْرِفُ الْخَيْلَ بَيْنَ الْفَرَسِ الْجَيِّدِ وَالْفَرَسِ
الرَّدِيءِ، وَكَمَا يُفَرِّقُ مَنْ يَعْرِفُ الْفُرُوسِيَّةَ بَيْنَ الشُّجَاعِ
وَالْجَبَانِ، وَكَمَا أَنَّهُ يَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّبِيِّ الصَّادِقِ
وَبَيْنَ الْمُتَنَبِّئِ الْكَذَّابِ؛ فَيُفَرِّقُ بَيْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ
الْأَمِينِ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَمُوسَى وَالْمَسِيحِ وَغَيْرِهِمْ
وَبَيْنَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَالْأَسْوَدِ العنسي وطليحة الأسدي
وَالْحَارِثِ الدِّمَشْقِيِّ وَبَابَاهُ الرُّومِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ
الْكَذَّابِينَ، وَكَذَلِكَ يُفَرِّقُ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ
وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ الضَّالِّينَ)}.
هذا ناتج عن هذا العلم الشرعي، وعن الاتباع للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ولمنهج الصَّحابة، فإذا كان العبد من هؤلاء فرَّقَ بين حال أولياء
الرحمن وأولياء الشيطان.
قال الشيخ: (كَمَا يُفَرِّقُ الصَّيْرَفِيُّ بَيْنَ الدِّرْهَمِ الْجَيِّدِ
وَالدِّرْهَمِ الزَّيْفِ)، فبعض الناس يأتي ليصرف الدراهم، فيقول الصيرفي له: هذا
درهم مُزيَّف، وإنَّما عرف هذا بالخبرة، أو تأتي إلى صاحب الذَّهب ويقول لك: هذا
الذهب مغشوش، وهذا ناتج عن الممارسَة وعن الضبط؛ فأتقنَ.
وهكذا الذي يعرف الشريعة ويدرسها دراسةً صحيحة على أيدي الراسخين من أهل العلم،
ويتبع منهج سلف الأمَّة يُوفَّق بإذن الله.
وضرب الشيخ مثلًا بالفارس الشجاع والجبان؛ وهكذا يُفرَّق بينَ النبي الصَّادق محمد
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكذلك موسى والمسيح -عليهم السَّلام- وبينَ
المدَّعين الكذَّابين، وذكر الشيخ أمثلة لهم فقال: (وَبَيْنَ مُسَيْلِمَةَ
الْكَذَّابِ وَالْأَسْوَدِ العنسي وطليحة الأسدي وَالْحَارِثِ الدِّمَشْقِيِّ
وَبَابَاهُ الرُّومِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْكَذَّابِينَ)، سبحان الله! كيف صار
لهؤلاء أتباع! بل بعض هؤلاء كان مسلمًا فارتدَّ وصارَ يدَّعي النُّبوَّة، وهذا
يُبيِّن لك عظَم الحاجة إلى هذا الفرقان، نسأل الله أن يثبتنا على الدين الإسلامي
الحق، وعلى سنَّة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونعوذ بالله من مضلَّات
الفتن ما ظهر منها وما بطنَ، وهذا من الفتن إن يُفتَن بعضُ النَّاس فيُصدِّق
الكذَّابين -نسأل الله العافية والسَّلامة.
والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو خاتَم الأنبياء والرُّسل ولا نبيَّ
بعدَه، ولا رسول بعدَه، ورسالَته عامَّة لجميع الثَّقلين، فمن خرج عن هذا كان من
الكافرين.
هذا ما تيسَّر في هذا المجلس، وإن شاء الله تعالى في الدرس القادم نقرأ الفصل الذي
يلي هذا، ونسأل الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصَّالح، وآخر دعوانا أن الحمد
لله ربِّ لاعلمين، وصلى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه
أجمعين.
{وفي الختامِ نشكركم فضيلة الشَّيخ على ما تقدِّمونَه، أسألُ الله أن يجعلَ ذلك في
موازين حسناتِكم.
هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريقِ البرنامج، ومنِّي أنا محدثِّكم عبد الرحمن بن أحمد
العمر، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائِعَه، والسَّلام عليكم
ورحمةُ اللهِ وبركاته}.
سلاسل أخرى للشيخ
-
12803 18
-
16750 9
-
34826 6
-
3050 13
-
3132 12
-
4154 11
-
5557 12