الدرس الثاني
فضيلة الشيخ أ.د. فهد بن سليمان الفهيد
إحصائية السلسلة
{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء
العلمي، وأرحب بفضيلة الشَّيخ الدكتور/ فهد بن سليمان الفهيد. فأهلًا وسهلًا بكم
فضيلة الشيخ}.
حيَّاكم الله، وحيَّا الله الإخوة الكرام.
{سنشرع في هذه الحلقة -بإذن الله- في فصل: "صفات أولياء الله تعالى" من كتاب
"الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان".
قال المصنف -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ النَّاسَ فِيهِمْ
"أَوْلِيَاءُ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءُ الشَّيْطَانِ " فَيَجِبُ أَنْ يُفَرَّقَ
بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كَمَا فَرَّقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بَيْنَهُمَا
فَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى
﴿أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ *
الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ «يَقُولُ اللَّهُ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي
بِالْمُحَارَبَةِ - أَوْ فَقَدْ آذَنْته بِالْحَرْبِ - وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ
عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ عَبْدِي
يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت
سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي
يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا فَبِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ
وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي. وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنهُ وَلَئِنْ
اسْتَعَاذَ بِي لَأُعِيذَنهُ وَمَا تَرَدَّدْت عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ
تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ
مُسَاءَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ». وَهَذَا أَصَحُّ حَدِيثٍ يُرْوَى فِي
الْأَوْلِيَاءِ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ
مَنْ عَادَى وَلِيًّا لِلَّهِ فَقَدْ بَارَزَ اللَّهَ بِالْمُحَارَبَةِ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «وَإِنِّي لَأَثْأَرُ لِأَوْلِيَائِي كَمَا يَثْأَرُ
اللَّيْثُ الْحَرِبُ»، أَيْ: آخُذُ ثَأْرَهُمْ مِمَّنْ عَادَاهُمْ كَمَا يَأْخُذُ
اللَّيْثُ الْحَرِبُ ثَأْرَهُ وَهَذَا لِأَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ هُمْ الَّذِينَ
آمَنُوا بِهِ وَوَالَوْهُ فَأَحَبُّوا مَا يُحِبُّ وَأَبْغَضُوا مَا يُبْغِضُ
وَرَضُوا بِمَا يَرْضَى وَسَخِطُوا بِمَا يَسْخَطُ، وَأَمَرُوا بِمَا يَأْمُرُ،
وَنَهَوْا عَمَّا نَهَى، وَأَعْطَوْا لِمَنْ يُحِبُّ أَنْ يُعْطَى، وَمَنَعُوا مَنْ
يُحِبُّ أَنْ يُمْنَعَ؛ كَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ «أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ:
الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ»، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ رَوَاهُ أَبُو
داود قَالَ «وَمَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ
لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ»)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتد بهداه.
هذا كتاب "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان"، وهذا الفصل يُبيِّن فيه
المؤلف -رَحَمَهُ اللهُ- أنَّه يجب على المسلم أن يُفرق بين هؤلاء وهؤلاء، والتفريق
بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان أصلُ الإسلام، وهذ معنى ومُقتضى "لا إله إلا
الله"، فإنَّ مُقتضاها أن تتبرأ من الشِّرك، فإنِّها تتضمن نفيًا وإثباتًا، فقولك:
"لا إله إلا الله"، فيه نفي وإثبات.
فبدخولك الإسلام وقولك لهذه الكلمة؛ تعرف أنَّ ما عداه من الأديان باطل، وتتبرأ
منه، وتثبت على الإسلام، قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ
بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ [البقرة/256]، وهذا
التفريق يكون إجمالًا ويكون تفصيلًا، بحسب ما يُعطي الله -عزَّ وَجلَّ- مِنَ العِلم
والفَهم عنه وعن رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ويكون هذا الفرقان بينَ أولياء الرحمن وأولياء الشيطان عند المسلمين جميعًا واجب،
ومَن جهل فليتعلم، ويكون هذا الفرقان عند أهل العلم والبصيرة والرُّسوخ في العلم
أظهر وأظهر من غيرهم، في خاصَّة المسائل ودقيقها، فإنَّ بعض الأمور تكون من المسائل
الإجماليَّة التي تُعرَف إجمالًا، ومنها ما يُعرَف تفصيلًا.
وإذا كثُرَ اللبسُ في آخر الزمان، وكثرت الفتن، وكثر الابتداع، وكثر الضَّلال؛
احتاج المؤمنون إلى مَن يدلُّهم ويُبصرهم مِن أهلِ العِلم ومِن أهلِ البَصيرة،
ولهذا قال: (فَيَجِبُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ)، يعني: بين
أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
قال: (كَمَا فَرَّقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بَيْنَهُمَ)، هذه حُجَّة عظيمة، وهي أنَّ
الله -عزَّ وَجلَّ- فرَّقَ بينَ الطَّائفتين، فيجب على المؤمن أن يُفرِّقَ بينَ
أولياءِ الرَّحمن وأولياء الشيطان.
قال: (فَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ كَمَا قَالَ
تَعَالَى: ﴿أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾)، فالإيمان والتقوى
خاصَّتهم وصِفَتهم، الإيمان بالله -عزَّ وَجلَّ- وبكل ما يجب الإيمان به مما جاء في
القرآن والسنَّة، والتقوى بفعل ما أمر الله، وترك ما حرم الله -عزَّ وَجلَّ- ويدخل
في هذا فعل جميع الفرائض، وترك جميع المحرمات.
إذن هذه هي صفة أولياء الله -عزَّ وَجلَّ- وستتكرر معنا هذه القاعدة الكبيرة
المذكورة في هذه الآية.
ثم ذكر ابن تيمية -رَحَمَهُ اللهُ- الحديث الذي رواه البخاري وغيره فقال: (وَفِي
الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي
بِالْمُحَارَبَةِ - أَوْ فَقَدْ آذَنْته بِالْحَرْبِ»)، رواية: «مَنْ عَادَى لِي
وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْته بِالْحَرْبِ»، رواية صحيحة ثابتة في البخاري. أمَّا رواية
«فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ»، وردت عند غير البخاري، ولعلَّ المؤلف يكتب
من حفظه، فإنه حافظٌ إمامٌ، وقد يذكر من حفظه الرِّوايات ويجمعها.
يقول العلماء: هذا الحديث هو أشرف حديث جاء في الأولياء وفي صفة الولي.
فالولي: هو المؤمن التَّقي، فهذا أشرف شيء جاء فيه، وهو أنَّ الله -عزَّ وَجلَّ-
جعل منزلته عالية.
قوله: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّ»، يعني: مَن آذاه وتسلَّطَ عليه واعترض عليه
بالظُّلم والإيذاء والاعتداء بجميع أنواع الاعتداء.
قال: «فَقَدْ آذَنْته بِالْحَرْبِ»، أي: هذا المعتدي على ولي الله فهو مُهدَّدٌ
ومتعَّدٌ بهذا الوعيد الشديد، وهو أنَّ الله -عزَّ وَجلَّ- آذنه بالحرب -آذنه أي:
أعلمه- ومن يكون مُحاربًا لله فإنَّه خاسرٌ لا محالة، وهالك لا محالة -نسأل الله
العافية والسلامة.
ولهذا يجب احترام أهل الإيمان وتقديرهم، ويجب على المسلم أن يحترم أصحاب النَّبي
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنهم خيرة الأولياء، كذلك يحترم التَّابعين
وأتباعهم وأئمة الإسلام، وكذلك العُلماء الصَّالحين أهل السنَّة، وكذلك العباد وأهل
التَّقوى وأهل الدين؛ خلافًا لما عليه الكفار الذين قال الله -عزَّ وَجلَّ- عنهم:
﴿وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ﴾ [المطففين/30]، وقال -عزَّ وَجلَّ- في قصة
نوح: ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ
سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا
تَسْخَرُونَ﴾ [هود/38].
ثُمَّ قال الله -عزَّ وَجلَّ- في الحديث القدسي: «وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي
بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ»، هذا يُبيِّن صفة الولي، وهو أنَّه قَام
بالفرائض، فلا يُمكن أن يكون وليًّا وقد ضيَّع الفرائض، وهذا يدل على أنَّ الفريضة
أحب إلى الله -عزَّ وَجلَّ- من النَّافلة، سواء في الصَّلاة أو في الصَّوم أو في
الحجِّ، أو في العُمرة، أو في الزكاة، أو في غير ذلك من الأعمال الصَّالحة كبرِّ
والدين، وصلة الرحم؛ فيُقدِّم الفريضة على النَّافلة، ويعتني بما هو واجبٌ قبل ما
هو مُستحب.
ثم قال: «وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى
أُحِبَّهُ»، هذا يُبيِّن أيضًا أنَّ من صفة الولي أنَّه يجتهد في الطَّاعات، وهذا
من أعظم أسباب نيل محبَّة الله -سبحانه وتعالى- نسأل الله أن يرزقنا وإياكم محبَّة
ربنا.
قال: «فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي
يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا
فَبِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي»، يعني أنَّ الله
-عزَّ وَجلَّ- يسدده في بصره، ويسدده في سمعه، ويسدده في يده، ويسدده في رجله
ومشيه، فمن كان مُسدَّدًا محبوبًا لله -عزَّ وَجلَّ- فإنه لا يسمع إلا ما يُرضي
الله، ولا يقع بصره إلا على ما أباحَ الله أو ما شرع، ولا يبطش بيده أو يمشي برجله
إلَّا على ما يُحبه الله؛ لأن هذا من التَّسديد، لأنه صار محبوبًا لله -عزَّ
وَجلَّ- فبمقتضى هذه المحبَّة وفَّقه الله وسدَّده.
قال: «وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَ بِي لَأُعِيذَنهُ»،
يعني: أنَّ الله يُجيب دعاءه، وإذا وصل العبد إلى هذه المنزلة يكون مجاب الدعوة.
وإجابة الدَّعوة فضل مِنَ الله على العبد، لكن لا يَعني أنَّها إن لم تُجب فإنَّ
العبد ليس على خير، فقد لا تُجاب الدَّعوة من الأنبياء، فالرسول -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا ربَّه -عزَّ وَجلَّ- في بعض الدعوات، فأنزل الله -عزَّ
وَجلَّ: ﴿ليس لك من الأمر شيء﴾ [آل عمران/128]، فمعنى هذا أن إجابة الدُّعاء فَضْل
من الله على عبده، لكن إذا تخلَّفت الإجابة في الدُّنيا فإنها تكون مُدَّخرَة له في
الآخرة، أو قد صُرِف عنه في الدُّنيا من الشَّرِّ بمثل ما دعاه.
إذن إجابة الدعوة مُتحققة، ولكن ليس بمعنى حصول المقصود في الدُّنيا، فقد يحصل
المقصود في الدُّنيا وهذه نِعمة مِنَ الله على عبده المؤمن، وقد لا يحصل هذا، ولكن
يُصرَف عنه مِنَ الشَّر مثلها، أو يُدخَّر له في الآخرة من الأجرِ مثلها.
ثم قال: «وَمَا تَرَدَّدْت عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ
نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا بُدَّ
لَهُ مِنْهُ»، يعني: أنَّ الله -عزَّ وَجلَّ- يَكره ما يَكرهه عبده المؤمن الذي
يُحبه الله -عزَّ وَجلَّ.
فمن عناية الله بعبده ورحمته وإحسانه وفضله وجوده أنَّه يكره ما يَكرهه العبد، حتى
الموت الذي يكرهه العبد فإنَّ الله -عزَّ وَجلَّ- يقول: «وَمَا تَرَدَّدْت عَنْ
شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ
يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ»، فلا يُريد
الله -عزَّ وَجلَّ- للعبد أن يقع منه ما يسوءه، وهذا من عظيم إحسان الله بعبده
المؤمن -نسأل الله الكريم من فضله.
فمعنى التردد هنا: ليس التردد النَّاشئ عن خَفاء أو عن شَكٍّ، أو عن جَهلٍ
بالعواقب؛ كلا والله، فالله يعلم السِّر وأخفى، ويعلم ما كان وما سيكون.
ومعنى التردد موضَّح في الحديث وهو في قوله: «تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ
عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ»، فالموت لابدَّ له
منه، ومساءة العبد لا يُريدها الله -عزَّ وَجلَّ- لكن لابدَّ من الموت، فصار معنى
التردد هنا: أنَّ الله -عزَّ وَجلَّ- يَكره هذا الشيء الذي يَكرهه المؤمن.
ولا يجوز أن نحرف المعنى إلى معانٍ فاسدة، أو نردَّ الحديث كما صنع بعض أهل البدع،
فهذا الحديث صحيح ثابت رواه البخاري، وله طرق كثيرة يشد بعضها بعضًا، ولهذا اعتمده
البخاري في صحيحه، والبخاري -رَحَمَهُ اللهُ- يعتني بشدة في الأحاديث التي ينتقيها
في الصحيح، وقد تلقَّى أهل العلم ما ذكره البخاري في صحيحه بالقبول، ولهذا أجمعت
الأمَّة على أنَّ ما رواه البخاري ومسلم متلقًى بالقبول، فلا التفات إلى مَن يُشكك
في صحيح البخاري أو في صحيح مُسلم من أهل الأهواء، ولا حُجَّة عندهم؛ بل ليس عندهم
إِلَّا محض الجهل، أو محض الادعاء.
وهذا حديث قدسي؛ لأنه من كلام الله -عزَّ وَجلَّ.
والحديث القدسي: منسوب إلى الله -عزَّ وَجلَّ- فيقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «قال الله -عزَّ وَجلَّ:... كذا وكذ»، أو «يقول الله -عزَّ وَجلَّ:...
كذا وكذ»، فهذا الحديث القدسي من أشرف الأحاديث التي رُويَت في فضل الأولياء، وفي
فضل المؤمنين الصَّالحين، نسأل الله -عزَّ وَجلَّ- أن يجعلنا وإياكم وسائر إخواننا
المسلمين منهم؛ فإن هذا يتحقق بالقيام بالفرائض وترك المحرمات، والاستكثار من
النوافل، ولا يُزكي الإنسان نفسه؛ بل يرجو ويخاف، فيجمع بين الخوف والرجاء. قال:
(فَبَيَّنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ مَنْ عَادَى
وَلِيًّا لِلَّهِ فَقَدْ بَارَزَ اللَّهَ بِالْمُحَارَبَةِ).
واللفظ الآخر للحديث: «فَقَدْ آذَنْته بِالْحَرْبِ»، يعني: أنَّ الله -عزَّ وَجلَّ-
أعلمه بالحرب.
وهذا معناه: أنَّ هناك فرق بين ولي الله وبين عدو الله، فالذي يُعادي أولياء الله
ويُعادي أهل الإسلام ويُعادي أهل العلم والتَّقوى؛ فهذا عدو لله -عزَّ وَجلَّ.
انتبه! فهذه مسألة مهمة؛ أنَّ هذا من الفُرقان ومن العلامات التي لا تغيب عن بال
المسلم؛ فإذا رأيت الرجل حريضًا كلَّ الحرص على إيذاء المؤمنين وإيذاء الصَّالحين،
وإيذاء أهل التَّقوى، وإيذاء أهل السُّنَّة والجماعة وسبِّهم وظُلمهم، والسَّعي في
الإيقاع بهم؛ فبتصرفه هذا صارَ عدوًّا لله -عزَّ وَجلَّ- ومُحاربًا لله وليس
لهؤلاء، قال تعالى: ﴿فأذنوا بحرب من الله ورسوله﴾ [البقرة/279]، نسأل الله العافية
والسَّلامة.
قال: (وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «وَإِنِّي لَأَثْأَرُ لِأَوْلِيَائِي كَمَا يَثْأَرُ
اللَّيْثُ الْحَرِبُ»، أَيْ: آخُذُ ثَأْرَهُمْ مِمَّنْ عَادَاهُمْ كَمَا يَأْخُذُ
اللَّيْثُ الْحَرِبُ ثَأْرَهُ)، هذا الحديث فيه ضعف، ولكنَّه أراد به الاستئناس
وليس الاعتماد، وإلا فإنَّ الحديث السَّابق يوضِّح المعنى، وهو قوله: «مَنْ عَادَى
لِي وَلِيًّ».
وقد شرح هذا الحديث الشَّوكاني في كتاب مَطبوع مُتداول، فيُمكن أن يَرجع إليه طالب
العلم، وهناك عدَّة كتب حول هذا الموضوع كتبها أهل السنة والجماعة.
ثم بيَّن -رَحَمَهُ اللهُ- السبب فقال: (وَهَذَا لِأَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ هُمْ
الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَوَالَوْهُ فَأَحَبُّوا مَا يُحِبُّ، وَأَبْغَضُوا مَا
يُبْغِضُ، وَرَضُوا بِمَا يَرْضَى، وَسَخِطُوا بِمَا يَسْخَطُ، وَأَمَرُوا بِمَا
يَأْمُرُ، وَنَهَوْا عَمَّا نَهَى، وَأَعْطَوْا لِمَنْ يُحِبُّ أَنْ يُعْطَى،
وَمَنَعُوا مَنْ يُحِبُّ أَنْ يُمْنَعَ)، فهذا كله يدلُّ على أنهم وافقوا مُراد
الله ووافقوا شرع الله، وهذا سبب محبَّة الله لهم، فإذا عاداهم مُعادٍ عُلِمَ أنَّه
مخالف لشرع الله، وأنَّه عدوٌّ لله؛ فهؤلاء قاموا بأوثق عُرى الإيمان، فقد جاء في
الحديث: «الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ»، وجاء في الحديث الآخر:
«وَمَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ
فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ».
إذن هذه من علامات الفرقان بينَ أولياء الرحمن وأولياء الشيطان:
أولياء الرحمن: موافقون للشَّرع، يُحبون ما يحبه الله، ويعملون به، ويدعون إليه،
ويأمرون به، ومبغضون لما يبغضه الله، وينهون عمَّا ينهى عنه الشَّرع، فهذا علامة
أولياء الله، فمن يُعاديهم ويُبغضهم لأجل هذا فهو عدوٌّ لله -عزَّ وَجلَّ.
ويُمكن أن نرى في الزمن المعاصر واقع الناس اليوم الذين يُبغضون أهل الصَّلاة،
ويُبغضون أهل القرآن، ويُبغضون أهل السُّنَّة وأهل الحديث، ويُبغضون المتمسكين
بمنهج السَّلف الصَّالح الذين ساروا على نهج الصَّحابة والتَّابعين، ويُبغضون من
يُطيع الله ورسوله، وفي المقابل يسعون في إيذائهم والإيقاع بهم، وعدواتهم وسبِّهم،
وتشويه صورتهم، فهؤلاء قد عادوا الله -عزَّ وَجلَّ- وصاروا من أولياء الشيطان.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (وَ"الْوِلَايَةُ " ضِدُّ الْعَدَاوَةِ وَأَصْلُ
الْوِلَايَةِ الْمَحَبَّةُ وَالْقُرْبُ وَأَصْلُ الْعَدَاوَةِ الْبُغْضُ
وَالْبُعْدُ.
وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْوَلِيَّ سُمِّيَ وَلِيًّا مِنْ مُوَالَاتِهِ لِلطَّاعَاتِ
أَيْ مُتَابَعَتِهِ لَهَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَالْوَلِيُّ الْقَرِيبُ فَيُقَالُ: هَذَا يَلِي هَذَا أَيْ يَقْرُبُ مِنْهُ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ
بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» أَيْ
لِأَقْرَبِ رَجُلٍ إلَى الْمَيِّتِ. وَأَكَّدَهُ بِلَفْظِ "الذَّكَرِ" لِيُبَيِّنَ
أَنَّهُ حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ وَلَا يَشْتَرِكُ فِيهَا الذُّكُورُ
وَالْإِنَاثُ كَمَا قَالَ فِي الزَّكَاةِ «فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ».
فَإِذَا كَانَ وَلِيُّ اللَّهِ هُوَ الْمُوَافِقُ الْمُتَابِعُ لَهُ فِيمَا
يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَيُبْغِضُهُ وَيُسْخِطُهُ وَيَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ
كَانَ الْمُعَادِي لِوَلِيِّهِ مُعَادِيًا لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَا
تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ
بِالْمَوَدَّةِ﴾ فَمَنْ عَادَى أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فَقَدْ عَادَاهُ وَمَنْ
عَادَاهُ فَقَدْ حَارَبَهُ فَلِهَذَا قَالَ «وَمَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ
بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ»)}.
هذا تعريف الولاية، (ضِدُّ الْعَدَاوَةِ وَأَصْلُ الْوِلَايَةِ الْمَحَبَّةُ
وَالْقُرْبُ)، ويُضاف إليها أيضًا: النُّصرة، ولكن أصل المعنى من هذين الكلمتين:
المحبة والقُرب.
وعكسها: العداوة، قال: (فَأَصْلُ الْعَدَاوَةِ الْبُغْضُ وَالْبُعْدُ).
وذكر الشيخ -رَحَمَهُ اللهُ- المعنى الثاني: أنَّ الولاية سُميت بذلك لأجل
الموالاة، فهذا موالٍ لهذا؛ أي: يلي هذا، فهو متتالٍ.
ومنه: الموالاة في الوضوء، وهي من أركان الوضوء السِّتَّة.
فيقول: (وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ)، يعني: المعنى الأول أصح، وهو أنَّ الأصل في
الولاية: ليس الموالاة في الطاعات وتتابعها طاعةً بعدَ طاعة؛ وإنما المراد لغة
وكذلك يتبعه شرعًا: المحبَّة والقُرب.
وذكر ما يشهد لهذا من النُّصوص، مثل قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى
رَجُلٍ ذَكَرٍ»، قوله «أولى»، يعني: أقرب. فمعنى الولاية: القُرب، وليس التتابع
وموالاة الطاعات ببعضها لبعض.
وقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ»، هنا استطردَ
الشيخ -رَحَمَهُ اللهُ- استطرادًا جميلًا فقال: (أَيْ لِأَقْرَبِ رَجُلٍ إلَى
الْمَيِّتِ. وَأَكَّدَهُ بِلَفْظِ "الذَّكَرِ" لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ حُكْمٌ
يَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ وَلَا يَشْتَرِكُ فِيهَا الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ)، والحكم
الذي يختص بالذكور هنا هو التَّعصيب.
فإنَّ المواريث إمَّا فرض وإمَّا تعصيب؛ فالعصبة حكمٌ يختص بالذكور فقط، ولا يشترك
فيه الذكور والإناث.
ثم أكَّد هذا بحديث: «فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ»، ليُبيِّن أنَّ المراد في الحديث
السابق أن الحكم يختص بالذكور.
وذكر المعنى السَّابق، وهو تأكيد لما مرَّ ذكره؛ أنَّ وليَّ الله هو: (الْمُوَافِقُ
الْمُتَابِعُ لَهُ فِيمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَيُبْغِضُهُ وَيُسْخِطُهُ
وَيَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ، وكَانَ الْمُعَادِي لِوَلِيِّهِ مُعَادِيًا
لَهُ)، ولهذا فإذا رأيت بعض الناس يُعادي أهل الإسلام فاعرف أنَّه عدوٌّ لله وليٌّ
للشيطان، وذكر المؤلف الآية والحديث ليؤكِّد هذا المعنى.
سينتقل المؤلف إلى بيان مَن هو أفضل أولياء الله، ولا شكَّ أنَّ هذه المسألة يدخل
تحتها الرَّد على طوائف فضَّلُوا بعض الناس على الأنبياء والرُّسل، وجعلوهم أولياء،
وقد كذبوا في ذلك.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (وَأَفْضَلُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ هُمْ أَنْبِيَاؤُهُ
وَأَفْضَلُ أَنْبِيَائِهِ هُمْ الْمُرْسَلُونَ مِنْهُمْ وَأَفْضَلُ الْمُرْسَلِينَ
أُولُو الْعَزْمِ: نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٌ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ تَعَالَى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا
وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ
إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا
فِيهِ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ
وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا
مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ
لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمً﴾.
وَأَفْضَلُ أُولِي الْعَزْمِ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَإِمَامُ
الْأَنْبِيَاءِ إذَا اجْتَمَعُوا، وَخَطِيبُهُمْ إذَا وَفَدُوا، صَاحِبُ الْمَقَامِ
الْمَحْمُودِ الَّذِي يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ، وَصَاحِبُ
لِوَاءِ الْحَمْدِ، وَصَاحِبُ الْحَوْضِ الْمَوْرُودِ، وَشَفِيعُ الْخَلَائِقِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَصَاحِبُ الْوَسِيلَةِ وَالْفَضِيلَةِ الَّذِي بَعَثَهُ
بِأَفْضَلِ كُتُبِهِ، وَشَرَعَ لَهُ أَفْضَلَ شَرَائِعِ دِينِهِ، وَجَعَلَ
أُمَّتَهُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَجَمَعَ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ مِنْ
الْفَضَائِلِ وَالْمَحَاسِنِ مَا فَرَّقَهُ فِيمَنْ قَبْلَهُمْ، وَهُمْ آخِرُ
الْأُمَمِ خَلْقًا وَأَوَّلُ الْأُمَمِ بَعْثًا، كَمَا قَالَ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «نَحْنُ الْآخَرُونَ السَّابِقُونَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا
وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ؛ فَهَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ
-يَعْنِي يَوْمَ الْجُمْعَةِ- فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ: النَّاسُ لَنَا تَبَعٌ
فِيهِ غَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَد لِلنَّصَارَى».
وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ
الْأَرْضُ» وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آتِي بَابَ الْجَنَّةِ
فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ. فَأَقُولُ أَنَا مُحَمَّدٌ
فَيَقُولُ بِك أُمِرْت أَلَّا أَفْتَحَ لِأَحَدِ قَبْلَك».
وَفَضَائِلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفَضَائِلُ أُمَّتِهِ
كَثِيرَةٌ، وَمِنْ حِينِ بَعَثَهُ اللَّهُ جَعَلَهُ اللَّهُ الْفَارِقَ بَيْنَ
أَوْلِيَائِهِ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ، فَلَا يَكُونُ وَلِيًّا لِلَّهِ إلَّا مَنْ
آمَنَ بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ، وَاتَّبَعَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَمَنْ ادَّعَى
مَحَبَّةَ اللَّهِ وَوِلَايَتَهُ وَهُوَ لَمْ يَتْبَعْهُ فَلَيْسَ مِنْ أَوْلِيَاءِ
اللَّهِ ; بَلْ مَنْ خَالَفَهُ كَانَ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَأَوْلِيَاءِ
الشَّيْطَانِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ
اللَّهُ: "ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللَّهَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ
الْآيَةَ مِحْنَةً لَهُمْ"، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ فِيهَا أَنَّ مَنْ اتَّبَعَ
الرَّسُولَ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ، وَمَنْ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللَّهِ وَلَمْ
يَتَّبِعْ الرَّسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَيْسَ مِنْ
أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَظُنُّونَ فِي
أَنْفُسِهِمْ أَوْ فِي غَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَلَا
يَكُونُونَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، فَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَدَّعُونَ
أَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ
مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ
مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾
الْآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ
هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن
كُنتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ
فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.
وَكَانَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَهْلُ اللَّهِ لِسُكْنَاهُمْ
مَكَّةَ وَمُجَاوَرَتِهِمْ الْبَيْتَ، وَكَانُوا يَسْتَكْبِرُونَ بِهِ عَلَى
غَيْرِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ
فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ﴾ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا
تَهْجُرُونَ﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿و وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ
اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ
آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا ۙ إِنْ
هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ
هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ
السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ
عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ ۚ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ
إِلَّا الْمُتَّقُونَ ﴾ فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَيْسُوا
أَوْلِيَاءَهُ وَلَا أَوْلِيَاءَ بَيْتِهِ إنَّمَا أَوْلِيَاؤُهُ الْمُتَّقُونَ)}.
يُبيِّن -رَحَمَهُ اللهُ- أنَّ أفضل الخلق هُم الأنبياء والرُّسل، وأفضلهم الرُّسل،
وأفضل الرُّسل هُم أولو العزم وذكر الآيتين في ذكر أولي العزم، الآية التي في سورة
الشورى، والآية التي في سورة الأحزاب، والله -عزَّ وَجلَّ- ذَكَرَ أولي العزم في
سورة الأحقاف: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾
[الأحقاف/35]، وذكر في سورة الشورى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ
نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى
وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾، إذن هم خمسة. وذكر
في سورة الأحزاب قوله تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ
وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظً﴾.
وأفضل أولي العزم: رسول الله محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وذكر المؤلف عددًا من فضائل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأوصافه،
فقال: (خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ
وَإِمَامُ الْأَنْبِيَاءِ إذَا اجْتَمَعُوا، وَخَطِيبُهُمْ إذَا وَفَدُو)، أي: إذا
وفدوا على الله -عزَّ وَجلَّ- يوم القيامة، قال تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ
الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابً﴾ [النبأ/38]، فيأذن الله للنبي -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال: (صَاحِبُ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الَّذِي يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ
وَالْآخَرُونَ)، المقام المحمود هو: الشفاعة العُظمَى، عندما يعتذر الأنبياء آدم
ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى، ثم يُؤذن لنبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فيخرُّ ساجدًا تحت العرش، فيفتح الله عليه بمحامد، ثم يُقال: «يَا مُحَمَّدُ
ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ»[4]،
فيأذن الله -عزَّ وَجلَّ- له بالشفاعة فيشفع لفصل القضاء بين العباد، فيظهر فضله
على العَالمين.
قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن
يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودً﴾ [الإسراء/79]، قال عبد الله بن عمر كما
في صحيح البخاري: "﴿مَّحْمُودً﴾، أي: يحمده الخلائق كلها".
قال: (وَصَاحِبُ لِوَاءِ الْحَمْدِ)، هذا اللواء يكون يوم القيامة.
قال: (وَصَاحِبُ الْحَوْضِ الْمَوْرُودِ، وَشَفِيعُ الْخَلَائِقِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، وَصَاحِبُ الْوَسِيلَةِ وَالْفَضِيلَةِ)، وهذا في الحديث «آتِ محمدًا
الوسيلة والفضيلة»[5].
قال: (الَّذِي بَعَثَهُ بِأَفْضَلِ كُتُبِهِ، وَشَرَعَ لَهُ أَفْضَلَ شَرَائِعِ
دِينِهِ، وَجَعَلَ أُمَّتَهُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَجَمَعَ لَهُ
وَلِأُمَّتِهِ مِنْ الْفَضَائِلِ وَالْمَحَاسِنِ مَا فَرَّقَهُ فِيمَنْ
قَبْلَهُمْ)، فالحمد لله! هذه مناقب للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأمة
النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم قال: (وَهُمْ آخِرُ الْأُمَمِ خَلْقًا وَأَوَّلُ الْأُمَمِ بَعْثًا، كَمَا قَالَ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «نَحْنُ
الْآخَرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»)، يعني: أنَّنا الآخرون في الخلق،
السَّابقون يوم القيامة.
قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْدَ أَنَّهُمْ»، يعني: غيرَ أنَّهم.
«أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ ; فَهَذَا
يَوْمُهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ - يَعْنِي يَوْمَ الْجُمْعَةِ - فَهَدَانَا
اللَّهُ لَهُ: النَّاسُ لَنَا تَبَعٌ فِيهِ غَدًا لِلْيَهُودِ»، يعني: يوم السبت.
«وَبَعْدَ غَد لِلنَّصَارَى»، يعني: الأحد.
فصرنا -ولله الحمد- بفضل الله -عزَّ وَجلَّ- ومنَّته على نبيه -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعلى هذه الأمة؛ صرنا الآخرون السَّابقون، فنحن الآخرون في
الخلق والوجود، والسَّابقون يومَ القيامة، وكذلك هدانا الله إلى يوم الجمعة، وهو
قبل السبت والأحد.
ومن فضائل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ
تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ» وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آتِي
بَابَ الْجَنَّةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ. فَأَقُولُ
أَنَا مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ بِك أُمِرْت أَلَّا أَفْتَحَ لِأَحَدِ قَبْلَك».
قال الشيخ: (وَفَضَائِلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفَضَائِلُ
أُمَّتِهِ كَثِيرَةٌ)، وقد أُلِّفَت في هذا كتبٌ، مثل: كتاب "الشفاء في حقوق
المصطفى" للقاضي عياض، و"نهاية السول في تفضيل الرسول" وغيرها من الكتب.
قال: (وَمِنْ حِينِ بَعَثَهُ اللَّهُ جَعَلَهُ اللَّهُ الْفَارِقَ بَيْنَ
أَوْلِيَائِهِ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ، فَلَا يَكُونُ وَلِيًّا لِلَّهِ إلَّا مَنْ
آمَنَ بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ، وَاتَّبَعَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرً).
بعض الناس يتَّبع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الظاهر، وهو في
الباطنِ مُكذِّب للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهؤلاء هم المنافقون،
فلابدَّ أن يُصدِّقَ به، ويتَّبعه في ظاهره وباطنه.
أيضًا هناك مَن يقول: أنا موافق للرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
الباطن، فأعتقدُ أنه حق، وأنَّ ما جاء به حق؛ ولكن في الظَّاهر لا يَلزمني
اتِّباعه! فهذا ليس بمؤمنٍ؛ بل إنَّه كافر.
ولهذا قال الشيخ: (آمَنَ بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ، وَاتَّبَعَهُ بَاطِنًا
وَظَاهِرً)، فالإيمان الظاهر: يكون باتِّباع الأعمال الظاهرة مثل: الصلاة والزكاة
وغيرها. والأعمال الباطنة: هي ما يقوم بالقلب من اعتقادات وأعمال.
قال: (وَمَنْ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللَّهِ وَوِلَايَتَهُ وَهُوَ لَمْ يَتْبَعْهُ
فَلَيْسَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ)؛ وهذا علامة ظاهرة بيِّنة، أنَّ اتِّباع النبي
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شعارٌ وعلامة على وليِّ الله، ومخالفة هدي النبي
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومخالفة سنَّته ونهجه شعارٌ ودليلٌ ظاهرٌ على
أنَّه عدوٌّ لله، قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [آل عمران/31].
فَمَنْ خَالَفَ هَدي النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستحسنَ هديَ غيره
فهو عدوٌ لله ومن أولياء الشيطان، فهذا برهانٌ وعلامةٌ لا ينبغي أن تفوتَ على
المسلم.
ثم ذكر كلام الحسن البصري على هذه الآية، وأنَّها محنة -أي اختبار- لمن ادَّعى
أنَّه يُحبُّ الله، يقول: (وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَظُنُّونَ فِي
أَنْفُسِهِمْ أَوْ فِي غَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَلَا
يَكُونُونَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ)، هذه الجملة يدخل تحتها أنواع كثيرة، فكثير
من الناس يظنُّ أنَّه وليٌّ لله -عزَّ وَجلَّ.
وضرب الشيخ لذلك أمثلة:
أولًا: اليهود والنَّصارى، كما قال الله عنهم في سورة المائد: ﴿وَقَالَتِ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾، فردَّ الله
-عزَّ وَجلَّ- عليهم فقال: ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم
بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ﴾، يعني لمن يستحق المغفرة من
المؤمنين. ﴿وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ﴾، فردَّ الله -عزَّ وَجلَّ- عليهم هذه الدَّعوى
الكاذبة، وهي أنَّهم أولياء لله، مع أنهم عصوه وخالفوا رسله.
ومثلها قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا
أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ
صَادِقِينَ (111) بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ
أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. فمن
اتَّبع عيسى في وقت بعثته -عليه الصلاة والسلام- وآمن به واستقام على شرعه في ذلك
الزمان، وأسلم وجهه لله وأخلص؛ فإنَّه يدخل الجنَّة، وأمَّا مَن استمرَّ على
التَّبديل الذي وقع فيه النَّصارى وخالف الرسول محمدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ولم يُؤمن به؛ فإنَّه كافر وهو من أهل النار.
وكذلك اليهودي: إذا آمن بموسى في زمن بعثته -عليه الصَّلاة والسَّلام- وأسلم وجهه
لله فهو مِن أهل الجنة؛ لأنَّه متَّبِعٌ لشرعِ الله، وأمَّا إذا استمرَّ على
التَّكذيب بأنبياء الله وبنبينا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يدخل
في دينه -حتى لو لم يكذبه- فهو من أعداء الله، فلا تصح دعواهم أنهم أولياء الله،
وقد كذبهم الله -عزَّ وَجلَّ- كما سمعنا في هاتين الآيتين.
والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ
بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ
نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلاَّ
كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»[6].
ثانيًا: المشركون -كفار قريش- ظنُّوا أنهم أولياء لله -عزَّ وَجلَّ؛ لأنهم سكنوا
مكَّة، فقالوا: نحن أهل الله، وأهل الحرم، جاورنا البيت؛ فيستكبرون ويتفاخرون بهذا
على غيرهم من القبائل، فقال الله تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ
فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ* مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا
تَهْجُرُونَ﴾، يعني مستكبرين بالحرم وبمكَّة.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ
يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ
الْمَاكِرِينَ﴾، انظر إلى استكبارهم وظنَّهم أنَّهم أهل الله وأحبابه، فقالوا: ﴿
وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ
عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا
كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ
مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ
اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا
أَوْلِيَاءَهُ ﴾ [الأنفال/32]، فهم ادَّعوا أنَّهم أولياء للمسجد الحرام، وأنهم
أولياء الله لمجاورتهم للبيت.
فقال الله تعالى لهم: ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
وبالتالي نعرف قاعدة كبيرة، وهي: ليست العبرة بالدَّعوى، فليس مَن أظهر الولاية
وأظهر علامات وشكل المتدينين والصَّالحين، أو أظهر الاسم وانتسب إليه؛ فليس هذا
بدليل على أنَّه وليٌّ لله؛ بل قد يكون عدوًّا لله كما فعل اليهود والنَّصارى
والمشركون، وكما يفعل الملاحدة من الاتحاديَّة وغيرهم.
فهذه الجملة تُبيِّن لنا قاعدة كبيرة مذكورة في القرآن، وهي أنَّ أقوامًا ادَّعوا
الولاية وادَّعوا المعرفة، وادَّعوا أنَّهم وصلوا إلى الله، وأنهم وصلوا إلى
الحقيقة؛ فكذَّبهم الله -عزَّ وَجلَّ- فمن كان على نسقهم فهو مُلحَقٌ بهم.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ العاص
-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ جِهَارًا مِنْ غَيْرِ سِرٍّ: «إنَّ آلَ فُلَانٍ لَيْسُوا لِي
بأولياء - يَعْنِي طَائِفَةً مِنْ أَقَارِبِهِ- إنَّمَا وَلِيِّي اللَّهُ وَصَالِحُ
الْمُؤْمِنِينَ» وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ
مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ
ظَهِيرٌ﴾ الْآيَةَ.
وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ: هُوَ مَنْ كَانَ صَالِحًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُمْ
الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ. وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ أَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَسَائِرُ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ
الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ،
وَكُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ
تَحْتَ الشَّجَرَةِ»، وَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «إنَّ أَوْلِيَائِي
الْمُتَّقُونَ أَيًّا كَانُوا وَحَيْثُ كَانُو».
كَمَا أَنَّ مِنْ الْكُفَّارِ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ وَلِيُّ اللَّهِ وَلَيْسَ
وَلِيًّا لِلَّهِ ; بَلْ عَدُوٌّ لَهُ، فَكَذَلِكَ مَنَّ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ
يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ، يُقِرُّونَ فِي الظَّاهِرِ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ
إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ مُرْسَلٌ إلَى
جَمِيعِ الْإِنْسِ ; بَلْ إلَى الثَّقَلَيْنِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَيَعْتَقِدُونَ
فِي الْبَاطِنِ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ)}.
إذن هنا أكَّدَ -رَحَمَهُ اللهُ- بحديث عمرو بن العاص: «إنَّ آلَ فُلَانٍ لَيْسُوا
لِي بأولياء - يَعْنِي طَائِفَةً مِنْ أَقَارِبِهِ - إنَّمَا وَلِيِّي اللَّهُ
وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ»، ثم ذكر الآية: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ
وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، فيدخل في ذكر الصحابة الكرام، فقال:
(وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَسَائِرُ
أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ)، وذكر فضلهم.
فهؤلاء هم خيرة الأولياء وأفضلهم، وهؤلاء لم يدَّعوا وخالفوا؛ بل إنهم قاموا بأمور
الإيمان والتَّقوى فاستحقُّوا هذا الوصف، فليس هذا دعوى من الصَّحابة أو غيرهم كما
يفعل النَّصارى والمشركون.
انتقل الشيخ بعد أن ذكر المشركين وذكر اليهود والنَّصارى الذين ادَّعوا الولاية إلى
ذكر المنافقين، فقال: (كَمَا أَنَّ مِنْ الْكُفَّارِ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ وَلِيُّ
اللَّهِ وَلَيْسَ وَلِيًّا لِلَّهِ ; بَلْ عَدُوٌّ لَهُ، فَكَذَلِكَ مَنَّ
الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ)، يُظهرون الإسلام وهم في
الباطن يعتقدون خلاف ذلك.
إذن المنافقين فعلوا مثلما فعل اليهود والنَّصارى، ادَّعوا الولاية وهم ليسوا لها
بأهل، بل هم أعداء، وذكر لذلك أمثلةً.
والشَّيخ هنا يشير بهذه الأمثلة إلى ما وقع فيه الاتِّحادية من غلاة الصُّوفيَّة
كابن الفارض، وابن عربي الطَّائي، والصدر القنوي تلميذ ابن عربي، وابن سبعين،
والتِّلمساني؛ فهؤلاء تلامذة لابن عربي، وقد نشروا الإلحاد والنِّفاق في الأمَّة في
ذلك الوقت، فهم يزعمون استغناءهم عن الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأنَّ لهم طرق، وذكر الشيخ أمثلة من مقالتهم الفاسدة، وكذلك غيرهم من المنافقين،
كالذين يتَّبعون المناهج الفلسفية وغيرها وصبغوها بصبغة الإسلام، وسيذكرهم الشيخ
لاحقًا.
وهذه الأمثلة التي ستسمعونها -أيها الإخوة الكرام- هي أمثلة لمقولات غلاة
الصُّوفيَّة، وهم ما يسمون الاتِّحاديَّة.
{قال الشيخ: (مِثْلُ أَلَّا يُقِرُّوا فِي الْبَاطِنِ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ
وَإِنَّمَا كَانَ مَلِكًا مُطَاعًا سَاسَ النَّاسَ بِرَأْيِهِ مِنْ جِنْسِ غَيْرِهِ
مِنْ الْمُلُوكِ)}.
هذه أحد المقالات الخبيثة التي تنتشر عند غلاة الصوفية، وعند بعض الفلاسفة، وعند
بعض المعاصرين ممَّن ينتحل المذاهب الأرضية مثل الديموقراطيَّة والليبراليَّة
والعلمانيَّة؛ فهم يقولون عن الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا الكلام
الخطير، أنَّه ليس برسولٍ، وإنَّما شأنه شأن الملوك؛ فهؤلاء من أهل النِّفاق الأكبر
المرتدين عن الإسلام.
{قال الشيخ: (أَوْ يَقُولُونَ إنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إلَى الْأُمِّيِّينَ دُونَ
أَهْلِ الْكِتَابِ، كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، أَوْ
أَنَّهُ مُرْسَلٌ إلَى عَامَّةِ الْخَلْقِ، وَأَنَّ لِلَّهِ أَوْلِيَاءَ خَاصَّةً
لَمْ يُرْسِلْ إلَيْهِمْ وَلَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ ; بَلْ لَهُمْ طَرِيقٌ إلَى
اللَّهِ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ)}.
هؤلاء هم الاتِّحاديَّة غُلاة الصُّوفيَّة، فيقولون: إنَّ الرسول ليس رسولًا إليهم؛
لأنهم هُم خاصَّة البشر، ولا حاجة لهم إلى الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فهؤلاء منافقون!
{قال: (كَمَا كَانَ الْخَضِرُ مَعَ مُوسَى، أَوْ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ عَنْ
اللَّهِ كُلَّ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ وَيَنْتَفِعُونَ بِهِ مِنْ غَيْرِ
وَاسِطَةٍ، أَوْ أَنَّهُ مُرْسَلٌ بِالشَّرَائِعِ الظَّاهِرَةِ وَهُمْ مُوَافِقُونَ
لَهُ فِيهَا، وَأَمَّا الْحَقَائِقُ الْبَاطِنَةُ فَلَمْ يُرْسَلْ بِهَا، أَوْ لَمْ
يَكُنْ يَعْرِفُهَا، أَوْ هُمْ أَعْرَفُ بِهَا مِنْهُ، أَوْ يَعْرِفُونَهَا مِثْلَ
مَا يَعْرِفُهَا مِنْ غَيْرِ طَرِيقَتِهِ)}.
هذه كلها مقولات خبيثة، فيقولون: إنَّ الْخَضِر كان مُستغنيًا عن موسى، فنحن نستغني
عن الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما استغنى الْخَضِر عن موسى -عليهما
السلام.
أولًا: الخضر نبي، وقال لمُوسَى: "إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ
عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ لَا
أَعْلَمُهُ"، فهذا لا حُجَّةَ لهم فيه، وسيأتي ذكره في هذا الكتاب مرارًا، والرَّد
على شبهات غلاة الصوفيَّة.
ويقول بعض هؤلاء الاتِّحاديَّة الذين خرجوا عن الإسلام: إنهم يأخذون عن الله
مُباشرة مِن غَير واسطة، وأنتم تقولون: حدثني فلان عن فلان عن رسول الله -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الله...، وأنا أقول: حدَّثني قلبي عن ربِّي! وكل هذا
ممَّا يوحيه الشيطان إليهم.
أو يقول بعضهم: إنَّ الرسول مرسلٌ بالشَّرائع الظَّاهرة وليست الحقائق الباطنة.
وبعضهم يقول: إنَّ الأعمال الباطنة -وهي أعمال القلوب والمعارف- لا يعرفها الرسول
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن نعرفها!
وهذا كلُّه من الأقوال الكفريَّة التي تفوَّه بها المنافقون في عهد الشيخ -رَحَمَهُ
اللهُ تعالى.
وعلى كلِّ حالٍ؛ فالمقصود بهذا: الإشارة إلى أنَّ هؤلاء أعداء الله، وأنَّهم
مُنافقون، حتى لو ادَّعوا الولاية والصَّلاح -نسأل الله العافية والسلامة.
سنكمل في الدَّرس القادم -إن شاء الله- بقيَّة هذه المقولات، والرَّد على هذه
الضلالات، ونسأل الله -جل وعلا- أن يوفقنا وإياكم للعلم النَّافع والعمل الصالح،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
{وفي الختامِ نشكركم فضيلة الشَّيخ على ما تقدِّمونَه، أسألُ الله أن يجعلَ ذلك في
موازين حسناتِكم.
هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريقِ البرنامج، ومنِّي أنا محدثِّكم عبد الرحمن بن أحمد
العمر، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائِعَه، والسَّلام عليكم
ورحمةُ اللهِ وبركاته}.
----------------------
[4] رواه البخاري (7510)
[5] رواه البخاري 579
[6] رواه مسلم (153)
سلاسل أخرى للشيخ
-
12803 18
-
16750 9
-
34826 6
-
3050 13
-
3132 12
-
4154 11
-
5557 12