الدرس الأول

فضيلة الشيخ د. فهد بن سليمان الفهيد

إحصائية السلسلة

2551 12
الدرس الأول

الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعِزَّاء في مَطلعِ هذا الفصل المبارك، أسأل الله أن يجعله فصلا مُباركًا على الجميع، وأُرَحِبُ بفضيلة الشيخ الدكتور/ فهد بن سليمان الفهيد. فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشيخ
 حياكم الله وحيا الله الإحوة الكرام
سيشرح في هذا الفصل -بإذن الله تعالى- متن "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وستتولون شيخنا -حفظكم الله- التعليق عليه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -وعلى آله وأصحابه ومن أهتده بهداه، أما بعد،،
فكتاب "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" لمؤلفه شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبدالسلام بن تيمية الحراني المولود سنة إحدى وستين وستمائة من الهجرة، والمتوفى سنة ثمانٍ وعشرين وسبعمائة من الهجرة، هذا الإمام العالم العَلَم العَلامة شيخ الإسلام له مؤلفات نافعة جدًّا ومفيدة، وكل من اطلع على مؤلفاته عَرَفَ غزارة علمه واستحضاره لنصوص الكتاب والسُّنة، وَفَهمه الثَّاقب، وإدراكه  -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- لِمَا قَرَّرَه الصَّحابة والتَّابعون لهم بإحسان، ومعرفته الشديدة بأقوال أهل العلم المتقدمين إلى المتأخرين في زمنه.
وقد أَلَّف -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- مُؤلفات كثيرة في نُصرة العقيدة السلفية والدفاع عنها، والرد على من خالفها.
والحديث عن هذا العَلَم يطول، لكني أحيل الإخوة الكرام إلى ترجمته في كُتب التراجم مثل: البداية والنهاية لابن كثير، وما ذكره الذهبي عنه في تاريخ الإسلام والسير وغيرها من الكتب، وكذلك ما ترجم له الأئمة، فقد خُصصت له كتب حافلة بمؤلفات وبحياته والعلمية والعملية، فرحمه الله وَغَفَر له.
ومِن ضِمن مُؤلفاته النَّافعة والعظيمة النفع والفائدة: هذا الكتاب الذي بين أيدينا، كتاب "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان".
وتوطئة لهذا الكتاب؛ أذكر إخواني بأنَّ الزَّمن الذي عاش فيه شيخ الإسلام ابن تيمية وقبله قد انتشرت الاتحادية من طوائف الصوفية، وكذلك الباطنية، وكذلك انتشرت مذاهب الفلاسفة المعطلة المنكرة للخالق؛ فانتشرت بين أوساط المسلمين،  وظهرت مقالة ابن عربي الذي هو من الملاحدة ولكنه يتظاهر بالإسلام، وكذلك ظهرت مقالات أخرى لابن سبعين والنوي والتلمساني، وغيرهم؛ فهذه المقالات ظهرت قبل الشيخ بثلاثين أو أربعين سنة ظهورًا واضحًا، وهي القول بوحدة الوجود، وأنَّ الخالق والمخلوق شيء واحد، وكان هؤلاء الباطنية وتلامذتهم أعوانًا لأعداء الله من التتار الذين هجموا على المسلمين، وقتلوا وفتكوا بالمسلمين في بغداد وغيرها، وكان هؤلاء الأعداء يستنصرون بهؤلاء الضُّلال وبأتباعهم، فعمَّت الفتنة، واشتدَّ البلاء على المسلمين بسبب هؤلاء، فالتبس الأمر، واختلط الحابل بالنابل، فصار الخرافيون مِن الصوفية وغيرهم يتظاهرون بالتَّديُّن والإمامة، ويرجع جهلة الناس إليهم؛ فالتبست الأمور، ولم يفرق كثير من الناس بين المؤمن واالكافر، وبين السُّنِّي والمبتدع، وهكذا بقية الأمور التبست على كثيرٍ من النَّاس؛ فاحتاجوا إلى فُرقان.
وهذه التوطئة تُبيِّن لنا أهميَّة إدراك هذه المعلومات التي سوف ندرسها -إن شاء الله- لأنها سوف تكون بإذن الله قائدةً لطالب العلم، ليفرق بين الحق والباطل، فيتبع الحق ويتمسك به، ويترك الباطل ويجتنبه، خصوصًا في أزماننا هذه التي أيضًا تكررت فيها نفس المآسي السَّابقة، فصار كثير من أعداء الإسلام يستنصرون بالمنافقين، ويستنصرون بأعداء الملة والدين الذين يحاولون تشويه الإسلام، ويحاولون تشويه أدلة الكتاب والسُّنة وصرفها عمَّا أُنزلَت لأجله وما جاءت به، فهذا الالتباس وهذا الاشتباه يزول بالعِلم النَّافع وبالعمل الصَّالح وبالفرقان.
والفرقان: هو أن تفرق بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكفر، وبين السُّنة والبدعة، والهُدى والضَّلال، والطَّاعة والمعصية، وهكذا. فهذا الفرقان لا يأتي إلا بعلم، ومن ذلك تدبر نصوص الكتاب والسنة.
ومن أسباب وجود الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان عند طالب العلم: أن تستقر معاني النُّصوص ودلائلها في قلبه، فيفهم معناها مع فهمه للفظها ويعمل بمضمونها.
ومن الوسائل أيضًا لهذا: ذكر الأمثلة، فإنَّ ذكر الأمثلة لطالب العلم ينبهه من غفلته، فإنَّ كثيرًا من المنتسبين للعلم يغفل، فيسوي بين ولي الرحمن وولي الشيطان، أو يظن أنَّ ولي الشيطان هو ولي للرحمن، فإذا ذكرت له الأمثلة التي في الكتاب والسُّنة عن أولياء الشيطان انتبه.
ومن وسائل الفرقان: ذِكْرُ لوازم القول الباطل الذي يقوله هؤلاء، فإذا عرف طالب العِلم لوازمه عرف أنَّه مِنْ دَرْبِ الشَّيطانِ، ومن طُرق أعداء الله الكفار أو الضُّلال أو المبتدعة، فَذِكْرُ لزوازم القول يُبيِّن له فساده.
كذلك من وسائل الفرقان: ذِكْرُ مَصادر القول وموارده، فالأقوال الفاسدة والأقوال الباطلة إذا عرفت مصادرها ومواردها عرفت بطلانها، وهذا ما ذكره الشيخ هنا عن  كثيرٍ من هؤلاء الذين التبست عليهم الأمور.
ومن وسائل الفرقان بين الحق والباطل: ذِكْرُ ما يحدث من هؤلاء الضُّلال من التعاون مع أعداء الله الكفرة، فَإِذَا عَرَفَ المسلم هذا عَرَفَ حقيقة مَا هُم عَليه.
وهذه التفصيلات التي سمعتم بعضها هي نماذج، وإلا فأسباب وجود الفرقان وأصله العِلم النَّافع  والوحي، والكتاب والسُّنة، والإقبال عليه بصدق، وتدبر الكتاب والسُّنة بصدق، فمن ألقى سمعه وقلبه وصدق وطلب الهدى من القرآن ومن السُّنَّة وُفِّقَ وهداه الله -عز وجل- مع الدُّعاء والتَّضرع إلى الله -سبحانه وتعالى.
وجاء في حديث عائشة أم المؤمنين -رَضِيَ اللهُ عَنْها- قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قام يستفتح صلاته في الليل يقول: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»[1]، فلابد من هذا حتى ينجو المؤمن، قال تعالى: ﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران:8]، وهذا يُبين لك أنَّ الهداية هِبة من الله وتوفيق من الله، وليس ذكاءً من العبد، فالعبد حتى ولو كان ذكيًّا قد يكون ضالًّا، وقد يكون كافرًا؛ فالعبرة بتوفيق الله وهدايته واصطفائه لعبده بأن يكون من المؤمنين ومن أوليائه، نسأل الله -جلَّ وعَلا- أن يُوفقنا وإيَّاكم حتى نكون من أولياء الرحمن، وأن يبصرنا بطريق أولياء الشيطان فنجتنبه، قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام:55]، فإذا استبانت لك سبيل المجرمين تركتها وتركت أهلها وأبغضتهم وتبرأت منهم.
قال الله -عزَّ وجلَّ- عن موسى -عليه السلام: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ﴾ [القصص:17]، فبعض النَّاس هو ظهير للمجرمين،وظهير لأعداء الله، ظهير ضد القرآن وضد السُّنة وضد الدين الإسلامي وضد الصَّحابة؛ فهذا سلك طريق المجرمين -نسأل الله العافية والسلامة- فالمؤمن عليه أن يَعتني بهذا الأمر العظيم بطلب العلم والتَّلقي عن الرَّاسخين في العلم، والبُعد عن أهل الأهواء وأهل الفتن.
هذا الكتاب مُشتمل على أربعة عشر فصلًا، وإن شاء الله نعلق على ما يتيسر لنا وبما يفتح الله لنا، ونسأل الله أن يهدينا وإيَّاكم وأن يُعلمنا ما يَنفعنا.
وأحب أن أبيِّن لكم أنَّ النُّسخ التي بين النَّاس اليوم نُسَخٌ متداولة -ولله الحمد- لهذا الكتاب؛ نظرًا لأهميته، فهناك رسالة محققة مطبوعة للشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد الكريم اليحيى، وهي محققة على ست نُسخ خطِّيَّة، وكذلك هناك رسالة من طباعة المكتب الإسلامي قديمًا، وأيضًا هناك شرح مطبوع لشيخنا الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان، وهو مأخوذ من درسه، ثم فُرِّغَ وراجعه الشيخ وطُبع في مجلدين، وهناك شرح لمعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، وكلا الشرحين نفيسان جدًّا ومُفيدان لطالب العلم، فيمكن أن يستفاد مِن هَذين الشرحين أيضًا.
ونبدأ بعون الله بالقراءة والتعليق، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.
{قال المصنف -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا
أَرْسَلَهُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا فَهَدَى بِهِ مِنْ الضَّلَالَةِ وَبَصَّرَ بِهِ مِنْ الْعَمَى وَأَرْشَدَ بِهِ مِنْ الْغَيِّ وَفَتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا، وَفَرَّقَ به بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالرَّشَادِ وَالْغَيِّ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ، وَالسُّعَدَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالْأَشْقِيَاءِ أَهْلِ النَّارِ وَبَيْنَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَاءِ اللَّهِ)
}.
هذه هي دعوة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (وفَرَّقَ به)، أي: بالرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبالقُرآن الذي جاء به.
قوله: وَفَرَّقَ به بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالرَّشَادِ وَالْغَيِّ، والمؤمنين والكفار، والسعداء أهل الجنة، والأشقياء أهل النار، وبين أولياء الله وأعداء الله)، هذا توطئة لهذا الموضوع المهم، فجعلها من أوصاف الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو كذلك.
{قال: (فَمَنْ شَهِدَ لَهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَمَنْ شَهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ)}.
هذه قاعدة، كيف نعرف أنَّ الرَّجُلَ ولي للرحمن أو ولي للشيطان؟ وأنت كيف تعرف نفسك؟
جاء في الكتاب والسنة أنَّ مَن قَام بالأعمال التي يحبها الله ورسوله والأقوال التي يُحبها الله ورسوله، والعقائد التي يُحبها الله ورسوله؛ فمن قام بها قولًا وعملًا واعتقادًا صار وليًّا للرحمن، ومن قام بضدها من الكفر والفسوق والشِّرك والإلحاد صار مِن أولياء الشيطان.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لِلَّهِ أَوْلِيَاءَ مِنْ النَّاسِ وَلِلشَّيْطَانِ أَوْلِيَاءَ فَفَرَّقَ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ، فَقَالَ تَعَالَى:
﴿أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾)
}.
هذه الآية فيها بيان صفة أولياء الرحمن، قال تعالى: ﴿أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ ثم ذكر صفتهم، وهي: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾، فالإيمان والتقوى من أخص صفات أولياء الرَّب -سبحانه وتعالى، وذكر جزاءهم في الآخرة وهو البُشرى في الحياة الدُّنيا وفي الآخرة.
هذه الآية فيها ذكر لصفة أولياء الرحمن، وسيذكر المقابل لهم.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وقال تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ  وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ  أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ  هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾)}.
إذن هُنا ذكر أولياء الله وأولياء الطاغوت -وهم أولياء الشيطان.
قوله تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُو﴾ الذين آمنوا هم أولياء الله.
وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُو﴾، أي: أنَّ الكفار بجميع أصنافهم أولياء للشيطان.
إذن القرآن والسنة قد وضَّحا هذه المسألة، وسيذكر الشيخ أمثلة كثيرة.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةً عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾)}.
الله أكبر! هذه الآيات العظيمة في سورة المائدة واضحة ومُهمَّة أن المؤمن يتدبرها مرَّةً بعدَ مرَّةٍ.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾، فهؤلاء اليهود والنَّصارى هُم أولياء الشَّيطان، ولا يجوز للمؤمن ولا للمسلم أن يتَّخذهم أولياء.
قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، هذا وعيدٌ شديدٌ وتحذيرٌ واضحٌ، وبيان حُكم مَن تولاهم التَّولي المُطلق، إذا رَضِيَ بِدِينهم أو رَضِيَ بعقيدتهم؛ فقد صار منهم وفيهم ومثلهم، قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ﴾، وهذا هو التَّولِّي الكامل.
أمَّا إذا وَالاهُم ببعض الأعمال المحرَّمة أو بعض الأمور دون بعض ولم يرضَ بدينهم، ولكن والاهم وصار بينه وبينهم مَودَّة فهذا أتى كبيرة من كبائر الذنوب، فربنا -سبحانه وتعالى- نهانا عن مُوالاة أعداء الله اليهود والنَّصارى، وبيَّن أنَّ مَن فعل ذلك فقد صَار معهم ومنهم.
وقوله: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ﴾ يُبيِّن لك أنه كافر مثلهم، قال ابن جرير الطبري -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- عند هذه الآية: "فَإِنَّهُ لَا يَتَوَلَّى مُتَوَلٍّ أَحَدًا إِلَّا وَهُوَ بِهِ وَبِدِينِهِ، وَمَا هُوَ عَلَيْهِ رَاضٍ، وَإِذَا رَضِيَهُ وَرَضِيَ دِينَهُ فَقَدْ عَادَى مَا خَالَفَهُ وَسَخَطَهُ، وَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ"[2]، فإذا وافقهم في دينهم، وقال: دينكم حسنٌ وحقٌّ فهذا صار كافرًا وصار من أولياء الشيطان.
ثُمَّ ذكر الله -عز وجل- المنافقين بعد اليهود والنَّصارى، فقال: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾، وهو مرض النفاق، فهؤلاء أولياء الشيطان.
وحالهم: ﴿يُسَارِعُونَ فِيهِمْ﴾ يعني: في أعداء الله يريدون رضاهم ونصرتهم، ويريدون أن يتخذوا عندهم يدًا ليهربوا إليهم.
لماذا؟ ﴿يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ﴾، أي: لو صار شيءٌ لجأنا إليهم واحتمينا بهم، وصرنا معهم، وهذا فعل المنافقين وليس فعل المؤمنين أولياء الله  -عزَّ وجلَّ.
قوله: ﴿فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ﴾، إذن مَن فَعَلَ هذا فإنه عَمَلَهُ يُحبط، فالمؤمنون يتعجبون من هؤلاء المنافقين الذين يُقسمون لأهل الإسلام جهد أيمانهم إنهم مع أهل الإسلام، ولكنهم في الحقيقة إذا أسروا لبعضهم قالوا: نريد أن نتخذ يدًا عند الكفار واليهود والنَّصارى حتى لا تصيبنا دائرة؛ فَيَلْحَقُون بالكفار فيقعون في الرِّدة.
قال الله بعد ذلك: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةً عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ﴾، هذه صفات أولياء الرحمن:
أولًا: قوله: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ أولياء الرحمن يُحبون الله والله يحبهم، وهذا دليل على أنهم قاموا بالأعمال والأقوال والعقائد التي يُحبها الله.
ثانيًا: قوله: ﴿أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، يعني يتواضعون لأهل الإيمان،  ولا يستكبرون على إخوانهم  المسلمين.
ثالثًا: قال: ﴿أَعِزَّةً عَلَى الْكَافِرِينَ﴾، أي: إنهم يُظهرون العزة والفرح بدين الإسلام والاعتزاز بهذا الدين، ولا يذلون لأعداء الله الكفرة.
قال: ﴿يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، فمِن صفة أولياء الله أنهم يُجاهِدون في سبيله.
وقوله: ﴿وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ﴾، هناك من يُعزِّل ويلوم ويُخذِّل، فأولياء الله لا يلتفتون لهذا.
ثُمَّ قال الله -عزَّ وجلَّ: ﴿إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾، إذن هذه صفات أولياء الرحمن.
عَرَفنَا إذن أنَّ تارك الصَّلاة وليٌ للشيطان، والمانع للزكاة وليٌ للشيطان، والممتنع عن الركوع لله وليٌ للشيطان.
فهذه الآية الكريمة تبيِّن لك الولاء والبراء، فالولاء والبراء عَقيدة قَرَّرَها القُرآن، لكن هُناك مَن ضلَّ سواء بالغلو كالخوارج الذين يمنعون مِنَ التَّعامل مع الكفار، ويريدون قَتلهم على أي حال حتى لو كانوا مُستأمنين أو مُعاهدين؛ فهؤلاء الخوارج وقطَّاع الطرق وأشباههم، كما أنَّ بعضهم يُحرم حتى البيع والشِّراء معهم، وهذا كله مُخالف لهدي النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومَن فعل ذلك فَهُو مِن أولياء الشَّيطان حتى لو ادَّعى أنه يفعله تديُّنًا.
القسم الثاني: الذين أذابوا الولاء والبراء وميَّعوه، وصار عندهم الولاء والبراء لا حاجة له، يقولون: يجب أن نمحوا هذا المصطلح ونمسحه، نظرًا لأننا في عصرٍ جديد، فنتسامح، ولا فرق بين المسلم واليهودي والنَّصراني؛ كلهم سواء، وكلهم بشريَّة، وكلهم إنسانيَّة؛ فلا نفرق بين الأديان، ولا نقول: إنَّ هذا الدين أفضل مِن هذا الدين، ولا نتبرأ من الكفار؛ وهذا كلامٌ فاسدٌ، وكلام كفر وضلال وخروج عن الصِّراط المُستقيم، وهؤلاء مقابل الخوارج، وهذا المذهب كثيرًا ممن ينتسب إليه المذهب العلماني والليبرالي الانحلالي، المنحل عن الدين يسلك هذا المسلم الفاسد بدعاوى مُتعددة.
إذن يجب على طالبِ علمٍ وعلى كل مسلمٍ أن يُفَرِّقَ بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان بالنظر لآيات الله وسنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كذلك هناك من يُحاول إلغاء الجهاد في سبيل الله، انظر إلى قوله: ﴿يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، فيأتي بعض المغترين والمفسدين فيقول: يجب أن نزيل الجهاد عن مناهج المسلمين!
نقول له: ما تستطيع، هذا دين الله باقٍ ومنصور، والجهاد مع ولاة أمور المسلمين، وليس فوضى.
ولكن ما يطمح إليه هؤلاء هو أن يُزيلوا الجهاد، ومصطلح الجهاد، ومسمى الجهاد، من الكتب؛ فهذه طريقة أولياء الشيطان، ومن يفعل هذا صار وليًا للشيطان، فكيف يلتبس على الناس أمره!
الجهاد دين لا يزول، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «ذِرْوَةُ سَنَامِ الإِسْلامِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»[3]، فهؤلاء الذين يَسعون بهذه الوسائل عندهم شبهات وحيل، فكل طالب علمٍ وكل مسلم يجب أن ينتبه لهؤلاء، ويعرف الحق، فلا يلحق بركب الخوارج الغُلاة، ولا ينحط مع هؤلاء المنحلين.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ: (وَقَالَ تَعَالَى: ﴿هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبً﴾.
وَذَكَرَ "أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ" فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفً﴾.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلً﴾.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينً﴾.
وقال تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَ﴾ إلَى قَوْلِهِ: ﴿إنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾.
وَقَالَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿يَا أَبَتِ إنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ﴾ الْآيَاتِ إلَى قَوْلِهِ: ﴿إنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾)
}.
هذه الآيات الكريمات في مَواضع من كتاب الله -عزَّ وجلَّ- أوردها الشيخ على سبيل المثال، لا على سبيل الحصر، يُبيِّن فيها -رَحَمَهُ اللهُ- أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- ذَكَرَ في القرآنِ أولياء الرحمن كما ذكر أولياء الشيطان.
فالآية الأولى: ﴿هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبً﴾.
الوَلاية -بفتح الواو- غير الوِلاية -بكسر الواو.
الوَلاية: المحبَّة.
قوله: ﴿هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبً﴾، أي: هي التي تبقى، وما عدا ذلك يزول.
والآية الثانية: قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾، هاتان صفتان من صفات أولياء الرحمن: الإيمان والتوكل على الله.
ثم قال: ﴿إنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾، وهذه علامات أولياء الشيطان.
الآية الثالثة: قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفً﴾، فهؤلاء هم أولياء الشيطان، ذكرهم الله تعالى في القرآن وذكر صفاتهم.
الآية الرابعة: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلً﴾، فإبليس هو رأس أعداء الله.
قال تعالى: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ﴾، يعني: الأبالسة والشياطين.
قال: ﴿أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾، فهناك مِن البَشَر مَن اتخذ إبليس عدو الله، واتخذ ذريته أولياء من دون الله -عزَّ وجلَّ- فقال الله فيهم: ﴿بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلً﴾.
الآية الخامسة: قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينً﴾.
وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾، يعني يخوفكم بأوليائه، أو يخوف أولياءَه هو فيخافون منه. قال تعالى: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ وعلى كلا الوجهين فالشيطان له أولياء، فكفار قريش الذين قاتلوا النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أُحد هم من أولياء الشيطان.
الآية التي بعدها: قال تعالى: ﴿إنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَ﴾ إلَى قَوْلِهِ: ﴿إنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾.
سبب نزول هذه الآيات: أنَّ الكفار في مكة كانوا يأمرون مَن أتى من خارج الحَرم أن يخلع ثيابه، وأن يلبس ثياب أحمسي ويطوف بها، فإن لم يجد فإنه يطوف بالبيت عُريانًا، وهذا لا شَكَّ أنه من أقبح ما يكون! فيتعبدون بالتَّعرِّي، ويقولون: إنَّ الله أمرنا بذلك، ولقد وجدنا عليها آباءنا؛ فكذبهم الله -عزَّ وجلَّ- في قولهم: ﴿وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَ﴾ وَأَقَرَّهم على قولهم: ﴿وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَ﴾، فأمَّا كَونُكم وجدتم عليها آباءكم فليس هذا بحجَّةٍ.
وقوله: ﴿يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَ﴾، فالشيطان حريص على التَّعرِّي وإبداء العورات، وهذا من قديم الزَّمان إلى الآن، وأولياء الشيطان يحرصون على تعرِّي المرأة وسفورها وتبرجها، فإذا رأيت من يدعو إلى هذا عرفتَ أنَّه وليٌّ للشيطان حتى ولو ادَّعى الإسلام، فالذي يدعو إلى السُّفور والتَّبرُّج ويقول للنساء: اجلسنَ مع الرِّجال الأجانب واختلطنَ وتضاحكن، ولا نريد منكن التَّحجُّر؛ فهذا يسعى في مسائل هؤلاء المتقدمون الذين قال الله عنهم: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَ﴾ فهم يحتجُّون بالآباء، ويقولون: كنَّا قبلَ سنين كذا وكذا...، فهذا ليس بحجَّة، وإنَّما الحجَّة ما قاله الله وقاله رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد أمر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النِّساء في الصَّلاة أن يُصلين آخر الصفوف، ويتقدمهم الرجال، والله -عزَّ وجلَّ- قال: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب:53]، فلا نهمل الآيات ونتَّبع هؤلاء المفسدين الذين هُم مِن أولياءِ الشَّياطين.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾، هذا مهم أن ننتبه له!
هذه الآية في سورة الأنعام نزلت في شأن شُبهة ألقاها كُفار قُريش على بعض المسلمين، فردَّ الله عليهم هذه الشبهة، وإلى الآن أولياء الشيطان يُلقون الشُّبَه!
وكانت الشُّبهة في أكل الميتة التي ماتت حتفَ أنفها؛ فيقولون: هذه قتلها الله، فكيف تأكلون ممَّا قتلتم، ولا تأكلون ممَّا قتل الله!
فقال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾، فهناك من يبث الشبهات؛ ليحلل مَا حَرَّم الله أو يحرم ما أحل الله، فلا نلتفت لهم؛ لأنَّ هؤلاء هُم أولياء الشَّيطان، وشبهاتهم تصبُّ في هذا الجانب.
ثُمَّ قال تعالى في سورة مريم على لسان الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿يَا أَبَتِ إنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّ﴾، فكان والد إبراهيم للشيطان وليَّا لمَّا لم يتبع النبي إبراهيم -عليه الصلاة والسلام.
الآية الأخيرة في سورة الممتحنة وهي صريحة جدًّا في بيان فريقين، قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ  وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ... ﴾، إلى آخر الآيات.
فإذا تأمَّلتَ هذه الآيات وأعدَّت قراءتها مرة بعدَ مرَّة عرفت صفات أعداء الله -عزَّ وجلَّ- وأعداء المؤمنين.
ومن هنا نقول لإخواننا المسلمين ولإخواننا المهتمِّين بالعلم الشَّرعي: لا يلتبس عليكم أمر أعداء الله، ولا يُمكن أبدًا لمن ذاق طعم القُرآن والسُّنة، واستقر بقلبه طعم الإيمان أن يُوالي أعداء الله -عزَّ وجلَّ- ولا أن يكون سببًا في نيل أعداء الله مُرادهم؛ فيجب أن تفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشَّيطان، انزل إلى صفاتهم وأحوالهم وكلماتهم؛ فكثير منهم يصرِّح بالكلمات الكفريَّة التي فيها مُعارضة الكتاب والسنَّة، ثُمَّ يلفُّ يمينًا ويسارًا ولا يتوب ولا يرتدع، وإذا جاء عند المؤمنين أظهر لهم بعض الكلام لِيُرضيهم، وإذا رجع للكافرين أخذ يذكر لهم بعض الكلام، فلا نلتفت لهؤلاء.
وانظر إلى ما يريدون وما يهدفون! فمن المصائب العظيمة أنَّ بعض النَّاس المنتسبين للعلم الشرعي لا يُدرك خطورة بعض أولياء الشيطان؛ بل لا يعرف أنهم أولياء للشيطان، بل ربما صار مُساندًا لهم، وهذا إذا استمر على هذا المسلك قد تنزلق به القدم إلى ما لا تُحمَد عُقباه -نسأل الله العافية والسَّلامة.
فمن الواجب على المؤمن أن يتبصَّر، وأن يعرف طريق الحق فيلزمه، وأن يجتنب طريق الباطل وأهله، وعليه أن يُكثر الدُّعاء، وعليه أن يطَّرحَ الدُّنيا؛ فإنَّ الدنيا من أسباب الفتنة، كما سمعنا في الآيات في قوله: ﴿يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ﴾، فيريدون أن يتَّخذوا عندهم يدًا ونحو ذلك، فالدُّنيا من أسباب الفتنة، والاغترار بزينتها وزخرفها، وهي فانية، فكيف تترك الباقية لأجل الفانية! فهذه الأمور أمورٌ مهمَّة جدًّا.
انتيهنا من المقدمة، وسنبدأ في الفصل الذي فيه التفريق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ونجعله في مطلع الدرس القادم -إن شاء الله تعالى.
وخلاصة هذا الدرس:
أنَّ القَاعدة تقول: أن من شهد له الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشهد له القرآن بأنَّه من أولياء الرحمن فهو وليُّ الرحمن، ومن شهد له الكتاب والسنَّة بأنه ولي للشيطان فهو ولي للشيطان.
إذن علينا أن نتَّبع ونتتبَّع الآيات والأحاديث ونستقرئها جيِّدًا فسيظهر لنا مَن هُم أولياء الرحمن ومَن هُم أولياء الشيطان، وفي هذا الكتاب سوف نطلع على جملةٍ كبيرة جدًّا من هذا.
ذكر الشيخ بعد هذا الأمثلة من كتاب الله -عزَّ وجلَّ- على أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وهذا ليس على سبيل الحصر، بل هو على سبيل المثال.
هذا ما تيسر في هذا الدرس، ونسأل الله -جلَّ وعلا- للجميع التوفيق والسداد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
{وفي الختام نشكركم فضيلة الشَّيخ على ما تقدمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم.
هذه تحيَّة عطرة من فريق البرنامج، ومني أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
--------------------
[1] مسلم (1295)
[2] تفسير الطبري
[3] الجهاد لابن أبي عاصم

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك