الدرس الثاني عشر

فضيلة الشيخ د. فهد بن سعد المقرن

إحصائية السلسلة

2585 12
الدرس الثاني عشر

أصول الإيمان (1)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المُشاهدين الأَعِزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ مِن حلقاتِ البناء العلمي، وأُرحبُ بفضيلة الشَّيخ الدكتور/ فهد المقرن، فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشَّيخ}.
حيَّاك الله يا شيخ عبد الرحمن، ووفقنا الله وإيَّاك للعِلمَ النَّافع والعملَ الصَّالح.
{سنبتدئ في هذه الحلقة -بإذن الله- من كتاب "أصول الإيمان" للشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- من عند قول المؤلف –رحمه الله: وعن عائشة - رضي اللَّه عنها - قالت: «تلا رسول اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ فقرأ إلى قوله: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ قالت: قال: «إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ». متفق عليهِ)}.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيُّه من خلقِهِ، وصلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا وبعد:
فهذا الحديث العظيم حديث عائشة، فيه أنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تلا هذه الآية من سورة البقرة، وقد سبق الكلام عن معنى المُحكَم والمتشابه، ومن باب إعادة ما ذُكر حتى يكون الشرح واضحًا فقد بينًّا وقلنا:
إنَّ المُحكَم: هو البيِّن الواضح الذي لا يلتبس، وهو الغالب والأعم، وهو أصل الكتاب.
والمتشابه: هو الذي يشتبه أمره على بعض النَّاس دون بعض، فيعلمه العُلماء دون غيرهم، ومنه ما لا يعلمه إِلَّا الله -عَزَّ وَجَلَّ.
وذكرنا أنَّ من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله -عَزَّ وَجَلَّ- مثل: كيفيَّة اتِّصاف الرَّب -سبحانه وتعالى- بالصِّفات، كما قال الإمام مالك عن الاستواء: "والكيفُ مجهولٌ".
وذكرنا أنَّ من المتشابه منه ما هو حقيقي، ومنه ما هو نسبي، وقلنا:
المقصود بالنِّسبي: ما يَشتبه على بعضٍ دون بعض، فقد يشتبه عليك وتظنُّه من المتشابه ولا تعرف معناه، فترده إلى المحكم.
وقد لا يشتبه هذا النَّص عليك، فيكون ليس داخلًا في دائرة المتشابه، وتكلمنا عن هذا، وذكرنا أنَّ التَّشابه يقع في كلام الله -عَزَّ وَجَلَّ- بنصِّ هذه الآية، ويقع كذلك في كلام الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي كلام العلماء؛ بل وفي كلام النَّاس بعضهم لبعض، وهذا واضح وبيِّن.
ولهذا قال الله -عَزَّ وَجَلَّ- في الآية: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ [آل عمران: 7]، الله -عَزَّ وَجَلَّ- يمتنّ على هذه الأمة، ويمتنّ على النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأنَّه أنزل على نبيهم هذا الكتاب العظيم، وأخبر أنَّ من الآيات ما هو مُتشابه، الذي نزل جبريل به على قلب محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾، وأمّ الكتاب يعني: أصل الكتاب، فأصل الكتاب قد بانَ بالمُحكمَات.
قلنا: أصل الكتاب هو أركان الإسلام وشرائعه العظام قد بانت بالمُحكمات، ولا اشتباه فيها. ولهذا فأغلب ما في القرآن هو المُحكَم وليس المتشابه، فالمتاشبه هو الأقل، والأكثر هو المحكم، وقواعد الإسلام بانت بهذه المحكمات.
وأمَّا المتشابهات فقد تقع في كلام الله -عَزَّ وَجَلَّ- فقال تعالى: ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ﴾، يعني: بعض الآيات مُشتبها ومتشابهات؛ فهذه الآيات المتشابهات قال الله -عَزَّ وَجَلَّ- عن موقف الناس منها: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾، يعني: من كان في قلبه انحراف وضلال ﴿فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾، هذه قاعدة من قواعد أهل السُّنَّة لابدَّ أن تُعلَم، وأنَّ أهل السنة هم أهل المحكمات، وأهل البدعة هم أهل المتشابهات، فلهذا أخبر الله -عَزَّ وَجَلَّ- وقال: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾، إمَّا لغرض إيقاع الفتنة بين أهل الإيمان، وإيقاع الشِّرك، فالفتنة يدخل في معناها الشرك والانحراف، وتفريق كلمة المسلمين، وما شاكل ذلك من المعاني التي تدخل في معنى الفتنة.
قال: ﴿وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾، يعني: طائفة منهم تحملهم معرفة معنى المتشابه إلى اتِّباع المتشابه وعدم ردِّه إلى المحكَم، ولهذا قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾.
وقوله: ﴿وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ قال بعض أهل العلم: يعني تحريفه عن معناه، لأنَّهم يبتغون تحريفه.
وقال بعضهم: يبحثونَ عن تفسيره، فقد تكون طائفة تريد التَّحريف، وطائفة تريد معرفة هذا المتشابه فلا تلزم الجادَّة، وتأويله يكون بردِّه للمحكَم.
ولهذا كان قول الجمهور أنَّ الوقف يكون عند لفظِ الجلالة: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾، فهذا هو قول الجمهور.
وبعض أهل العلم يرى الوقف على قوله ﴿وَالرَّاسِخُونَ﴾.
والأقرب: هو الوقف على لفظ الجلالة: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾، فهذا هو قول الجمهور، ويكون ما بعدها استئناف ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾، وهذا هو واجب أهل الإيمان.
والمراد بالتَّأويل في قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾:
 تارة يُراد به التفسير، كما جاء في دعاء النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لابن عباس: «اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» .
 وتارة يُراد به: الحقيقة التي يؤول إليها الشَّيء، مثلما أخبر الله -عَزَّ وَجَلَّ- به من نعيم الجنة، فإن حقيقته لا تُعلَم إلا بدخول الجنة.
 وتارة يُراد به: صرف اللفظ عن معناه الظَّاهر -أو معناه الرَّاجح- إلى معنى غير ظاهر -غير مرجوح- لديللٍ أو قرينة.
فلابدَّ أن يُعلَم أن التأويل قد يُراد به هذا وذاك ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾.
وكما قلنا: إنَّ آيات الصِّفات مُحكمةُ المعنى، ولكن مِن جهة الكيفيَّة هي من المتشابه.
وكذلك ممَّا ينبغي أن يُعلَم: أنَّ الأصل في القرآن وفي السُّنة هو المحكمات، وقواعد الإسلام بانت بالمحكمات.
ثُمَّ ذكرنا أنَّ في كلِّ بابٍ من أبواب العلم لابدَّ لطالب العلم وللمعلم أن يُعلِّم النَّاس بالمحكمات قبل المتشابهات؛ لأنه إذا تعلم المتشابه قبل أن يتعلَّم المحكم لم يستطع أن يرد المتشابه إلى المحكم، ففي كل باب من أبواب العلم ثَمَّ محكمات هي الأصول والقواعد الكبرى.
على سبيل المثال: في باب القضاء والقدر قلنا: إنَّ ثَمَّ أمور محكمَة، منها:
 أنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لا يظلم.
 وأنَّ القدرَ سرُّ الله في خلقه.
 وأنَّ تفاصيلَ القدرِ لا يعلمها إلى الله.
وهكذا من الأمور التي يُركَّز في التَّعليم عليها، حتى يقع القلب على الثَّبات، فيستقر بهذا، وهذه طريقة أهل العلم في التَّعليم، كما قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: 79]، جاء في تفسير ابن عباس: "الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ" ، ومن صغار العلم -يعني: من قواعده- ليس المسائل السَّهلة، وإنَّما القواعد الكبرى، فيتعلمها الإنسان، كتعلم أركان الإسلام، يتعلم أنواع التوحيد، فهذه أصول، ثم تأتي المشتبهات، وعند المشتبهات يرد المتشابه إلى المحكم.
وأعظم أسباب الضَّلال للفِرَق الوعيديَّة الذين قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنهم: «وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً» ، فمن أعظم أسباب الضلال: اتِّباع المتشابه، ولهذا فإن الإمام أحمد في كتابه "الرد على الزنادقة والجهمية" قال في مقدمة الكتاب: "يتكلَّمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهَّال الناس بما يُشبِّهونَ عليهم".
إذن عمدتهم هو المتشابه، فالقاسم المشترك بينَ أهل الأهواء كلهم: أنهم يتبعون المتشابه، ولا يأخذون بالمحكم، كما قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فإِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ».
على سبيل المثال: ضلَّت الخوارج في مسألة الفاسق الملِّي، وأن مرتكب الكبيرة كافر؛ ضلَّت باتِّباع المتشابه من النُّصوص، فأخذوا بما جاء في سورة النساء: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمً﴾ [النساء: 93]، الآية.
فالمعنى الذي اشتبه عليهم في هذه الآية هو قوله: ﴿خَالِدًا فِيهَ﴾، فلم يعلموا أنَّ الخلود خلود إلى أمد وخلود إلى أبد، فأخذوا بهذا النَّص وتركوا غيره من النُّصوص، مثل قول الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَ﴾ [الحجرات: 9]، فأثبتَ لهم اسم "الإيمان".
أيضًا تركوا قول الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 116]، وتركوا قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ»، قال أبو ذر: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ» .
وأعرضوا عن نصوص كثيرة جدًا من كتاب الله، ومن كلام رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحينما استمسكوا بهذا النَّص الذي تبادر إلى أذهانهم منه معنًى متشابه، فجعلوه أصلًا، وأعرضوا عن بقية النُّصوص.
وهذا ليس لهم وحدهم؛ بل كل الطَّوائف، فالذين قدحوا في أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكفَّروهم وزعموا أنَّهم ارتدوا فهم يتبعون المتشابه، ومن المتشابه الذي اتبعوه: حديث الحوض الذي قال فيه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنه ليُزاد عنه أُناس، فأقول أصحابي!! فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ» ، وفي رواية «إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ»، هذا الحديث جعلوه في أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا المعنى الذي اعتقدوه هو معنى مُتشابه، والواجب أن يُفسَّر كما فسره أهل العلم، وأهل العلم فسَّروا الحديث وبيَّنوه، فهو غير مُشتبه عليهم، وليس من المتشابه، فقالوا: هذا الحديث في الذين ارتدوا بعد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي أهل النِّفاق، وذكروا أجوبة أخرى، ففهموا هذا النَّص وفق النُّصوص الأخرى، أمَّا هؤلاء فجعلوه أصلًا وهو المتشابه، ولم يردوه إلى المحكم.
أمَّا الواحد من أهل السُّنَّة إذا اشتبه عليه النَّص ولم يعرف معناه ولم يعرف كلام أهل العلم فيه؛ فالواجب عليه أن يرده إلى المحكم، فالمحكم هو النُّصوص الكثيرة التي فيها ثناء على أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كقوله تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: 29]، وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ [الفتح: 18]، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة جدًّا التي يطول المقام بذكرها.
ولهذا قلنا: إنَّ الاشتباه قد يكون نسبيًّا، فهذا النَّص إذا اشتبه عليك ولم تعرف الجواب عليه فلا تأخذ به وتجعله الأصل؛ بل رُدَّ هذا النَّص إلى المحكم.
وأذكر أنَّه كان هناك مُؤتمر عن الآل والأصحابِ وقدَّمتُ فيه بحثًا عن "المحكم والمتشابه في علاقة النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأصحابه" دراسة عقديَّة تطبيقيَّة، يعني: نُطبق موقفنا من النُّصوص، فهذا النَّص مُشتبه، كيف نجيب عنه؟ وكيف نرده إلى المحكم؟.
وهذا ليس في نصٍّ واحدٍ؛ بل في نُصوصٍ كثيرة، فلا يُشبِّه عليك أحد، فيأتيك بنصٍّ ويُريد أن يضرب به قاعدة من قواعد الإسلام العِظَام، فإذا اشتبه عليك النَّص رُدَّه إلى المحكم.
ثم تبحث عن تفسيره، وأجوبة أهل العلم على هذا النص، وهذا يُسميه أهل العلم "الأحاديث المُشكِلَة" وعندهم إجابات على هذه الأحاديث، أمَّا أن يجعل الإنسانُ ديدنَهُ وعُمدَته أن يتَّبع المتشابه؛ فلا شكَّ أن ذلك يُوقعه في الزَّيغ، وهذا ليس مُتوقِّف حتى في مسائل باب الأسماء والأحكام؛ بل حتى إلى قواعد الإسلام الكبرى.
إذن ما تشابه عليك رُدَّه إلى المُحكَم، حتى في مسائل الفقه، وقواعد الشريعة العظام؛ تردها إلى المُحكَم.
وعمدة أهل النِّفاق هو الأخذ بالمتشابه، فمثلًا تجد في باب العلاقات، كعلاقة الرجل بالمرأة؛ تجد أنَّ بعض النَّاس يُريد أن يُشبِّه على النَّاس بقصَّةٍ أو بقضيةِ عينٍ ليضرب بها قواعد الشَّريعة العظيمة، وكمسائل الحجاب وما شاكل ذلك؛ لابدَّ أن يعلمها الناس جميعًا، ألا تكون بضاعتهم وعدتهم اتِّباع المتشابه.
وطريقة أهل العلم وأهل الرُّسُوخ هي التي تُبيِّن لك ذلك، فإنَّ فتاوى أهل العلم من المتقدمين ومن المتأخرين قد بُنيَت على هذه الأصول العظيمة، وأهل السُّنَّة هم أهل المحكمات، وأهل البدعة هم أهل المتشابهات.
هذا ما يتعلَّق بالحديث السابق.
{قال -رحمه الله: (وعن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ»، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذِهِ سُبُلٌ مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: 153]. رواه أحمد: والدارمي والنسائي)}.
هذا بيان من النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأهل الصِّراط المُستقيم، وهذا يُسمى عند أهل التربية الحديثة "وسيلة إيضاح"، فالنَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُوضح لأصحابه هذه الأمور بكل وسيلة، ومن الوسائل: أنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطَّ لهم خطًّا وقال: «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ»، وهو الصِّراط المستقيم، وهؤلاء الذين على هذا السبيل هم أهل السنة والجماعة، وهم أهل الأثر والحديث، أتباع منهج السلف؛ فهذه أوصاف لهم، وإلا فهي فرقة واحدة وإن تباعدت أقطارهم؛ لأنَّ الميزان عندهم والمنهج قائمٌ على الكتاب والسُّنة بفهم سلف هذه الأمَّة، وهم الغُرباء في كل زمانٍ ومكان، وهم الفرقة النَّاجية والطَّائفة المنصورة.
فهي الفرقة النَّاجية: لقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً»، فهم الواحدة؛ لأنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئل عنها فقال: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» ، فمن أراد أن يعرف نفسه هل هو من الفرقة النَّاجية أو لا؛ فلينظر هل هو ممَّن يأخذ الكتاب والسنة بفهم السلف أو لا؟ فإن كان على هذا النَّحو فهو على هذا السَّبيل، ويسأل الله الثَّبات والاستقامة عليه.
ولهذا فهم لا شِعَار لهم إلا "اتِّباع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمَّة"، وهذا السَّبيل هو السَّبيل الموصل للجنَّة، ولا يُمكن أن يتوحَّد المسلمون على غير هذا السبيل؛ لأنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- ما وحَّدهم إلا على هذا، قال الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُو﴾ [آل عمران: 103]، فدلَّ على أنَّ الاعتصام يكون بحبل الله وبكتاب الله وبسنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال عن أهل الاختلاف: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ [البقرة: 176]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرً﴾ [النساء: 115].
إذن؛ لا سبيل إلى وحدة المسلمين واجتماع كلمتهم إلا باجتماعهم على كِتابِ الله وهو بينَ أيديهم، وسنَّة نبيهم محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بفهم سلف هذه الأمَّة.
وباستقراء تاريخ المسلمين استقراءً تامًّا خلال أربعة عشر قرنًا لم نجد أنَّ أهل الإسلام قامَ لهم شأنٌ وصارت لهم راية وشَوكة ضدَّ أعدائهم إلا بتوحِّدهم على كتاب الله، وسنة نبيه محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بفهم سلف هذه الأمَّة، فلا يُمكن أن يتوحَّد المسلمون إلا على هذا، والتَّاريخ شاهدٌ بهذا.
ولهذا فإنَّ مِن الشَّواهد العظيمة على ما أقول: أنَّ هذه البلاد الجزيرة العربية قبل قيام دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته وألحقنا به في جناته- كانت الجزيرة في فُرقةٍ عظيمةٍ، لكلِّ بلدٍ أمير، بل إنَّ البلدة الواحدة قد يتنازع فيها الناس، فكانت فُرقة عظيمة، فدعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب هي التي جمعت فرقتهم، بمناصرة الإمام محمد بن سعود بن مقرن -رحمه الله تعالى وأجزل له المثوبة- على قيامه بنصرة هذه الدعوة المباركة، فتوحَّد الناس، وحصل اجتماع الكلمة، ولهذا فإنَّ دعوة الشيخ -رحمه الله- قامت على الإجماع وعلى المحكمات، ولهذا فإن الشيخ يقول: "إنما دعوتُ الناس على ما أجمع عليه العلماء"، أي: مسائل الإجماع، وهي المحكمات من كتاب الله ومن سنة نبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فلا يظنَّ أحدٌ أنَّ الأمَّة يُمكن أن تجتمع إلا على هذا، فالاجتماع الصُّوري قد يقع، ولكن التَّنافر عظيم؛ لأنَّه لا يُمكن أن تجمع النَّاس وهم يُخالفون في أصولِ الدين، وهذا إنما هو من العبث، أن تجمع النَّاس على ما يجتمعون عليه.
والواجب على المسلمين أفرادًا وجماعات: أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى كتاب الله، وإلى سنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بفهم الصَّحابة والتابعين، ولهذا ما في أحد مِن المخالفين ينفر عن هذا لو كان يُريد أن يتَّبع الحق، لأنَّ الذي يدعوه لا يدعوه إلى رأيه، وإنما يدعوه إلى كتاب الله، وإلى سنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بفهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وسائر أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا محل اتِّفاق ومحل إجماع بين المسلمين، فالواجب عليه أن يترك الرجال، وأن يصير إلى هذا الاجتماع الحقيقي، ولهذا فالنَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ»، هذه السُّبل هي البدع والشَّهوات المحرمة -في قول بعض أهل العلم- والشيطان هنا يشمل الإنسي والجني، ويتظاهر شياطين الإنس والجن بدعوة النَّاس إلى هذه السبل التي تحرفهم عن الصِّراط المستقيم، فتوقعهم في النَّار -أعاذنا الله وإيَّاكم من ذلك.
ولهذا نقول: أهل السُّنة هم أهل الصِّراط المستقيم، وهم الفرقة النَّاجية، وهم الطَّائفة المنصورة، يعني منصورة في الدُّنيا، لأنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصفها بأنَّها منصورة بالحق الذي معها، فقال: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» ، فقد يُخذلون، وقد يُخالَفون، وهذه بُشرى لأهل هذه الطَّائفة، أنَّهم منصورون بنصر الله -عَزَّ وَجَلَّ- وبوعد نبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهم، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئً﴾ [النور: 55]، ولهذا لما قامت دعوة الإمام المجدد على التوحيد حصلَ التَّمكين، وحصل الاجتماع، وحصل الرَّخاء، وتحصل الناس خيري الدنيا والآخرة، فهذه للمسلمين جميعًا في كل مكانٍ وزمانٍ، فإذا أرادوا أن يجتمعوا فعليهم أن يجتمعوا على هذه الكلمة العظيمة، وعلى هذا الصِّراط المستقيم، عل كتاب الله، وسنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بفهم سلف هذه الأمَّة، أما أن يجتمعون على أسماءٍ ومسميات أخرى؛ فلا يُمكن!
وذكرت لكم أنَّ استقراء التَّايخ التام يدلُّ على هذا، ولهذا فلو أنَّ أحدًا درسَ التاريخ بتمعُّنٍ وبقراءةٍ فاحصة يجد أنَّ الأمَّة لا يُمكن أن تتوحَّد ولا يكون لها شَوكَة ولا غلبة على أعدائهم إلا باجتماعهم على هذه الأصول العظيمة، وأمَّا ما عداه فزيفٌ وتزوير.
{قال -رحمه الله: (وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: كان ناس من أصحاب النبي صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم يكتبون من التوراة فذكروا ذلك لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم فقال: «إنَّ أحمقَ الحُمقِ وأضَلَّ الضَّلالَةِ قومٌ رغِبوا عمَّا جاء بهِ نبيُّهُمْ إلى نبيٍّ غيرِ نبيِّهِمْ ، وإلى أمَّةٍ غيرِ أمَّتِهِمْ» ثمَّ أنزلَ اللَّهُ -عزَّ وجلَّ: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [العنكبوت: 51]. رواه الإسماعيلي في "معجمه" وابن مردويه.

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ فِيهِ مَوَاضِعُ مِنَ التَّوْرَاةِ، فَقَالَ: هَذِهِ أَصَبْتُهَا مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَعْرِضُهَا عَلَيْكَ.
فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغَيُّرًا شَدِيدًا لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطُّ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ لِعُمَرَ: أَمَا تَرَى وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا.
فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «لَوْ نَزَلَ مُوسَى فَاتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ، أَنَا حَظُّكُمْ مِنَ النَّبِيِّينَ، وَأَنْتُمْ حَظِّي مِنَ الْأُمَمِ». رواه عبد الرزاق وابن سعد والحاكم في الكُنَى)
}.
الحديث الأوَّل فيه ضعف، والحديث الثَّاني حسنٌ بمجموع طُرقِهِ، ويدل على أصول مهمَّة جدًّا نذكرها على سبيل الإيجاز:
لابدَّ أن يُعلم أنَّ هذه الأحاديث تتحدَّث عن مسائل:
المسألة الأولى: أصل الديانات السَّماويَّة واحد؛ لأنها من عند الله، قال تعالى: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾ [آل عمران 3، 4].
ولابد أن يُعلَم أنَّ شريعة الإسلام جمعَت محاسن الرسالات السَّابقة، فكل خير في الكتب السابقة قد جُمِعَ في الإسلام، وفي كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ.
ولابدَّ أن يُعلم أنَّ القواعد العامَّة واحدة للكتب السَّابقة كالتوارة والإنجيل وصحف إبراهيم وموسى، والزبر، وما شاكل ذلك ممَّا ذكر الله -عَزَّ وَجَلَّ- من الكتب؛ فمثلًا: وجوب العدل وتحريم الظلم، موجود في كل الشرائع، قال تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم 36 - 39]، فهذا موجود في كل الكتب.
وكذلك الأمر بالمعروف وإنكار المنكر، قال تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة 78، 79].
وأما تشابه شريعة الإسلام مع الشرائع السَّابقة هو في الاسم فقط دون المضمون، فما أخبر به الله -عَزَّ وَجَلَّ- من الصلوات ومن الطهارة إنما هو متشابه في الاسم، أمَّا المضمون فمختلف؛ لأنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- قال: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجً﴾ [المائدة: 48].
فالصَّلاة عند اليهود في أصلها كان فيها ركوع وسجود، ولكن حدث فيها تغيير، وأخذت أطوارًا مختلفة، وقبلة اليهود مختلفة عن قبلة أهل الإسلام، وما شاكل ذلك من هذه الأمور.
حديث النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينما أصاب عمر ذلك الكتاب من أهل الكتاب وقرأ فيه؛ فكان يريد الخير، وجاء في بعض الرويات أنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لعمر بن الخطاب: «أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً»، يعني: شريعة الإسلام. قال: «لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا، مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي» ، فَدَلَّ على أنَّ واجب الأمة اتباع النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واتباع النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو إيمانٌ بما جاء به الأنبياء السَّابقون؛ لأنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- أخذ على أهل الكتاب وعلى الأنبياء أنَّه لو بُعث محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيهم أن يتبعوه، ولهذا قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: 81].
إذن أخذ الله الميثاق على النَّبيين السَّابقين، وهذا الميثاق يشمل أمم الأنبياء السَّابقين، فيجب على أتباع موسى -عليه الصلاة والسلام- وأتباع عيسى أن يتبعوا النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنَّه أرسله الله -عَزَّ وَجَلَّ- خاتم النبيين، وأمرهم باتباعه، وكل الخير في اتباع هذا النبي الرحيم، الذي أرسله الله -عَزَّ وَجَلَّ- للناس كافة، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، فدين الرَّحمة هو دين الإسلام، وواجب الأمم جميعًا أن يؤمنوا بمحمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولهذا قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر: «أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟»، أي: أمتحيرون؟.
فهذا الحديث وما أخبر به النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوجب على أهل الإسلام أن يعلموا أنَّ الخير فيما جاء به محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنَّ الكتاب الذي حفظه الله -عَزَّ وَجَلَّ- من التَّحريف هو كتاب واحد، وهو القرآن، قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9].
إذن الكتاب المحفوظ هو القُرآن، وهو الذي يجب على الأمَّة وعلى البشريَّة أن يتبعوه؛ لأنَّ فيه الهدى والنُّور، أمَّا الكتب السَّابقة فقد حصل فيها التَّحريف في معانيها وفي ألفاظها، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ﴾ [البقرة: 75]، بل إنَّ الكتب السَّابقة -التَّوراة والإنجيل- وما يُسمونه بالعهد القديم والعهد الجديد حصل فيه التَّحريف؛ لأنَّها نزلت باللغة العبرانيَّة، ثم نُقلت وتُرجِمَت، حتى أنَّ علماءهم يشهدون بوقوع التَّحريف والتَّبديل، فكلها ترجمات لما كان، ووقع التَّحريف والتَّغيير في هذه الكتب، وبالتَّالي يجب على أهل الإسلام أن يعرفوا أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- كفاهم بهذا الكتاب عن غيره، ولا ينظروا إلى ما عند الكتب السَّابقة، وما فيها من أخبارٍ أو معانٍ، ولا يطلبون الحكمة، أو ما شاكل ذلك؛ فإنَّ الخير كله في كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ- ولهذا فلا يجوز القراءة لا في التَّوراة ولا في الإنجيل إلا لمن يريد أن يرد الباطل الذي عندهم، ويُلزمهم بالحق الذي معهم، أن يؤمنوا بمحمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه هو الرسول الخاتم، الذي أمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن يؤمنوا به، ولهذا فقد ورد في الحديث أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غضِبَ؛ لأن هذا سيفتح بابَ شرٍّ على أهل الإسلام، وإنما فعل عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ذلك بحسن نيَّة، فنهاه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومَن هذا قال أهل العلم: لا يجوز القراءة في كتب أهل البدع والضَّلال، ولا يجوز القراءة في الكتب التي توقع الإنسان في الحيرة والشكَّ؛ لأنَّك على الحقِّ المبين، وسلوكك لهذا المسلك هو انحرافٌ عن الجادَّة، وأنتَ أيُّها المؤمن، وأنتِ أيتها المؤمنة- بحاجة عظيمة إلى أن يُعمَر القلب بالقرآن العظيم، وأن يُعمَر قلب المؤمن والمؤمنة بالحق الذي جاء به محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهذه قواعد عظيمة فيما يتعلَّق بما يجب على أهل الإيمان من أن يكتفوا بما في القرآن وسنَّة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فما من خير إلا وفي القرآن، وقد قال النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رواية «لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً».
كما أنَّ شريعة النبي محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رفع الله بها الآصار والأغلال التي كانت على الأمم السَّابقة، فلو نظرتَ عند اليهود لوجدت أنَّ ثَمَّة اشتداد في عباداتهم وذبحهم، وعندهم أمور شديدة رفعها الله -عَزَّ وَجَلَّ- عن أهل الإسلام، فالحق كله فيما جاء به محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهذه قواعد عظيمة، ولهذا قال عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لما رأى في وجه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التَّغيُّر: (رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّ).
ومقتضى الرضا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبيًا: الاكتفاء بما جاء في القرآن وفي السُّنَّة.
وهذا يشمل مَن يطلب صَلاح أحواله وصَلاح قلبه بأمورٍ محدثات ليست في كلام الله، ولا في كلام رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبعض الناس يطلب الاهتداء -أو ما يسمونه بالسَّلام الدَّاخلي أو الطمأنينة- بغير ما جاء في الإسلام، وكل هذا يسير على النَّسَق السَّابق، وهو طلب الاهتداء في غير كلام الله، وفي غيرِ كلام رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إذن؛ لا حياة للقلب، ولا اهتداء للقلب؛ إلا باتِّباع ما جاء به محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 124]، فإذا أرادت الأمة العزة والتَّمكين، وإذا أراد الإنسان أن يعيش الطمأنينة؛ فعليه بكلام الله، وبكلام رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولهذا فلا حياة للقلوب إلا بهذا القرآن العظيم، قال تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَ﴾ [الأنعام: 122]، فكل هذه قواعد وثوابت يحثُّ بها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهل الإسلام على الاستقامة على هذا، فليس عند اليهود ولا عند النَّصارى هدى؛ بل عندهم التَّحريف والضَّلال، والله -عَزَّ وَجَلَّ- أخذ عليهم الميثاق، وأخذ على أنبيائهم أن يؤمنوا بمحمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهم يعرفون وصفه، ويعرفون أنَّه النَّبي الخاتم، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 146]، ولهذا فإنَّ وصفَ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موجودٌ في كتبهم بوصفٍ دقيقٍ، ومع ذلك أعرضوا عن متابعة النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولهذا فواجب كل الأمم السابقة ممَّن أرسل الله لهم الرسل: أن يتَّبعوا النَّبي الخاتم، ودين محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس دين جنسٍ مُعيَّن؛ بل هو دين البشريَّة جميعًا، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13]، فلا فرق لعربيٍّ على أعجميٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، فهذا هو تمام المساواة، فلا أحد أعلى من أحدٍ في الإسلام، وليس هذا خاصّ بالعرب؛ بل هو للناس جميعًا، وهذا موجود بين دفَّتي هذا المصحف العظيم، فلا تجد فيه إلا المساواة بينَ الناس، ومساواة عظيمة لا تجدها في غير دينِ الإسلام، فهي مساواة حقيقيَّة.
ولهذا تجد الصلاة -مثلًا- من شعائر هذا الدِّين، فيها مُساواة بينَ الناس، فلا أحد أعلى من أحد في الصلاة، فجميع الناس يقومون بعبادةٍ واحدةٍ على هيئةٍ واحدة، وكذلك الصيام من شعائر الإسلام الظاهرة، يلزم المسلمين جميعًا، فلا أحد يفطر قبل أحد، ولا أحد يصوم قبل أحد في الإسلام، كل مسلم يلزمه ذلك، ولا يُفرَّق بين هذا ولا ذاك في شرائع الإسلام، وكذلك الحج، جميع النَّاس، الملك والمملوك والغني والصعلوك؛ كلهم يقومون بنفس الشَّعائر، وهذا لا تجده إِلَّا في شريعة الإسلام؛ فدلَّ هذا على أنَّ الإسلام للنَّاس جميعًا، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرً﴾ [سبأ: 28].
فكافَّة الناس يلزمهم الإيمان بمحمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واتِّباع ما جاء به من الهدى والنُّور، وما جاء به محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- محفوظ لم يحصل له التَّغيير ولا التَّبديل، فالقرآن محفوظ، وسنَّة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي نقرأ شيئًا منها الآن هي محفوظة، ولهذا فلا يُعرَف لأمَّة من الأمم ما لهذه الأمَّة المحمَّديَّة من حفظِ أحاديث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهم لا يقبلون هذه الأحاديث إلا بالسَّندِ المتَّصل عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن اتُّهِمَ في أحد الأسانيد بأنَّه سيء الحفظ فإنَّهم لا يقبلون أحاديثه، ومَن اتُّهِمَ بأنَّ كذَّاب رُدَّ حديثه، وكل هذا من حفظ الله -عَزَّ وَجَلَّ- لهذا الدين.
ولهذا فإنَّ القرآن والدين الإسلامي هو كما أنزله الله -عَزَّ وَجَلَّ- غضًّا طريًّا كما أُنزِلَ على محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يرث اللهُ الأرضَ ومَن عليها، وحتى ينزل عيسى بن مريم -عليه الصلاة والسلام- ليحكم بشريعة محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا يحكم إلا بشريعة محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا يدلُّ على أنَّ هذا الدين سيكون محفوظًا من التَّحريف والتَّبديل إلى أن ينزل عيسى بن مريم من السَّماء إلى الأرض ليحكم بشريعة محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذه بشرى لأهل الإيمان وأهل الإسلام، أنَّ العاقبة لأهل الإسلام، وأنَّ الغلبة والتَّمكين لأهل الإسلام.
وواجبنا: أن نكون من أهل هذا الطَّريق، وأن نستقيم على هذا الصِّراط المستقيم، لأنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- أمرنا بذلك، والنَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصَّانَا بذلك، وحثَّنا على ذلك، ولهذا قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ نَزَلَ مُوسَى فَاتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ، أَنَا حَظُّكُمْ مِنَ النَّبِيِّينَ، وَأَنْتُمْ حَظِّي مِنَ الْأُمَمِ».
فكل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة يسأل ربَّه أن يكون من أتباع محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الاتِّباع الحقيقي، وذلك بمتابعة ما جاء به النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كلامه بفهم الصحابة والتابعين.

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا من أتباع هذا النَّبي الكريم، وأن يجمعنا به في جنَّات النَّعيم، وأن يجعلنا مِن أنصارِ دينه الذين يذودون عن هذا الدِّين، ويبذلون ما يملكون في سبيل نشر هذا الدِّين الذي هو رحمة للعالمين، فهذا هو دين الرحمة، ودين السَّلام، ودين الطَّمأنينة، ودين العزَّ والتَّمكين، لا آصار فيه ولا أغلال، فيه الخير كلَّه.
أسأل الله أن يجعلنا من أهل الثَّبات على هذا الدِّين القَويم حتى يتوفانا، فاللهم توفَّنا مسلمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين وقائمين وراقدين، ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين، وصلَّى الله وسلم على نبيِّنا محمد.

{في ختام هذا الفصل المبارك أشكركم فضيلة الشَّيخ على ما تُقدمونه، وأسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم.
هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج، ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر.
إلى أن نلقاكم في الفصل القادم -بإذن الله- إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسَّلام عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك