الدرس التاسع

فضيلة الشيخ د. فهد بن سعد المقرن

إحصائية السلسلة

2586 12
الدرس التاسع

أصول الإيمان (1)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المُشاهدين الأَعِزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ مِن حلقاتِ البناء العلمي، وأُرحبُ بفضيلة الشَّيخ الدكتور/ فهد بن سعد المقرن، فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشيخ}.
حيَّاك الله يا شيخ عبد الرحمن، وأرحبُ بالإخوة المشاهدين والمشاهدات، وأسأل الله -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- العلمَ النَّافع والعملَ الصَّالح وأن يوفِّقنا لما يُرضيه سُبحانه.
{اللهم آمين..
في هذه الحلقة -بإذن الله- نشرعُ في أحاديثِ وصفِ الملائكة.
قال المؤلِّف -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى: (وعن جابرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: قال رسول اللَّه -صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ، مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ». رواه أبو داود والبيهقي في "الأسماءِ والصِّفاتِ" والضِّياء في "المختارة")}.
نُعلِّق الآن على كلِّ حديثٍ باعتبارِ أنَّ الشَّيخَ -رَحِمَهُ اللهُ- ساقَ الأحاديثَ وتكلَّمَ عليها، فلهذا نعلِّقُ بتعليقٍ وجيزٍ على كلِّ حديثٍ.
وهذا حديثُ جابر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الذي رواه أبو داود والبيهقي في "الأسماء والصِّفات"، والضِّياء المقدسي في "المختارة"؛ حديثٌ قد صحَّحهُ جمعٌ مِن أهلِ العلمِ، ويتضمَّن هذا الحديث وصفًا لأحدِ حمَلةِ العرشِ، ولهذا قال النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُذِنَ لِي»، فدلَّ على أنَّ ثَمَّ إذنٌ مِنَ الله -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- للحديثِ -يعني: للخَبَرِ- عن هذا المـَلَك مِن ملائكة الرَّحمن، وهو مِن حملةِ العَرشِ، والنَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصفَ عِظَمَ خَلقِ هذا المـَلَك مِن حملةِ العرش فقال: إنَّ ما بينَ شحمةَ أذنِهِ إلى عاتِقهِ مَسيرة سبعمائة عام، وهذا الحديث -كما ذكرنا- صحَّحه جمعٌ من الأئمَّة، كالذَّهبي وابن كثير وابن حجر والألباني من المتأخِّرين.
السؤال الأول:
ولو تأمَّلنا هذا النَّصَّ عن النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لوجدنا أنَّ هذا يدلُّ على عِظَمِ خلقِ الملائكةِ، ونعودُ ونؤكِّدُ على ما ذكرناه سابقًا من أنَّ النُّصوصَ تأتي بما تُحار به العقولُ لا بما تحيله العقول، وهذا يدلُّ على أنَّ خَلقَ الملائكةِ عظيمٌ، والله -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- هو خالقُ هذا الكون وخالُق ما فيه مِن مخلوقاتٍ عظيمةٍ، وممّا نرى مِن خَلقِ الله -عزَّ وجلَّ- هذه الكواكب والمجرَّات والنُّجوم، فالله -عز وجل- هو -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- أعلمُ بخلقِهِ كيفَ يُصوِّرهم، وكيف يكون.
فهذا الحديث -كما ذكرنا- يدلُّ على عِظَمِ خَلقِ هذا المـَلَك مِن ملائكةِ الرَّحمن.
{قال -رحمه الله: (فمِن سَادتِهم جَبرائيل عليه السَّلام، وقد وَصَفَه اللَّه تعالى بالأمَانةِ وحُسنِ الخَلق والقوَّة، فقال تعالى: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى﴾. ومِن شدَّة قوَّتِهِ أنَّه رَفَعَ مَدائِن قومِ لُوطٍ عليه السلام -وكنَّ سبعَا- بمَن فيهنَّ مِنَ الأمَمِ وكانوا قريبًا من أربعمائة ألف، ومَا مَعهم مِن الدوابِّ والحيواناتِ، وما لِتلكَ المدائنِ مِن الأراضي والعِمَارات؛ على طَرفِ جَنَاحِه، حتّى بلغَ بِهِنَّ عنانَ السَّماء، حتى سَمِعَت الملائكة نِباح كلابِهم وصِياحَ دِيكتِهِم، ثمّ قَلَبها فَجَعَل عَالِيها سَافِلَها. فهذا هو ﴿شَدِيدُ الْقُوَى﴾.
وقوله: ﴿ذُو مِرَّةٍ﴾، أي: ذو خَلقٍ حَسنٍ وبِهاءٍ وسناءٍ وقوةٍ شديدةٍ. قال معناها ابن عباس - رضي اللَّه عنهما- وقال غيره: ذو مرة، أي: ذو قوة)
}.
الإمامُ المجدد محمد بن عبد الوهاب -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- يُبيِّنُ أنَّ مِن ساداتِ الملائكة وأعظمهم ومقدَّمهم: جِبريل -عليه السلام.
وَمَرَّ معنا أنَّه هو الرُّوح في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ۖ﴾ [النبأ: 38]، ولهذا ذَكَرَ الشَّيخ أنَّ قَوله: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ [النجم: 5]، دلَّ على أنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- وهَبَ له القوَّة العظيمة.
ثُمَّ ذكرَ الشَّيخُ الأثرَ عن مجاهد الذي أخرجَه الطَّبريُّ عنه في تفسيره، وفيه أنَّ هذا المـَلَك -وهو جبريل- الذي أُمِرَ أن يَرفع مَدائنَ قومِ لوطٍ، فرفعها حتى بَلغَ بها عنان السَّماءَ، ثُمَّ جَعَلَ عَالِيها سَافلها، وهم مِن القَومِ الذين عذَّبهم الله -عَزَّ وَجَلَّ- وهذا دليلٌ على قوَّة هذا المـَلَك، فالله -عَزَّ وَجَلَّ- يَهَبُ القوة لملائكتِه وِفقَ حكمته -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
ولهذا قال الشَّيخ -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- إنَّ قوله: ﴿ذُو مِرَّةٍ﴾ يعني: ذو خلق حسن، ولهذا جاءَ في بعض الرِّوايات -كما سيذكر المؤلف رَحِمَهُ اللهُ تعالى- وصف هذا المـَلَك، فقد رآه النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صورته، كمَا سَيأتي مِنَ الآثارِ والأحاديث التي ساقها المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- لبيان عِظَمِ خَلقِ الله -عَزَّ وَجَلَّ- لهذه الملائكة التي أخبر الله -عَزَّ وَجَلَّ- أنهم: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].

{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وقال غيره: ذو مرة، أي: ذو قوة)}.
قوله ﴿ذُو مِرَّةٍ﴾. قيل: ذو خلقٍ حسنٍ. وقيل: ذو قوَّةٍ؛ فهو تَوكيد لهذه القوَّة، وهذا قول للسلف.
{(وقال تعالى في صفته: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ - مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ أي: له قوّةٌ وبأسٌ شديدٌ، وله مَكَانَةٌ ومنْزلةٌ عَاليةٌ رَفيعةٌ عَندَ ذي العرش ﴿مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ أي: مُطاع في الملأِ الأعَلى ﴿أَمِينٍ﴾ ذي أمانة عظيمة، ولهذا كان هو السَّفير بينَ اللَّه وبين رُسلِه. وقد كَان يَأتِي إِلى رسول اللَّه -صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم- في صِفاتٍ متعدِّدة، وقد رَآهُ على صِفتِهِ التي خَلَقَه اللَّه عليها مَرتين وَلَه ستمائة جناح. روى ذلك البخاري عن ابن مسعود - رضي اللَّه عنه)}.
جبريل -عليه السَّلام- هو الواسطة بين الله -عَزَّ وَجَلَّ- ورُسُلِه في تبليغِ الوحي، ولهذا وَصَفه الله تَعَالى بأنَّه الأمين، فهو الواسطة، وكان يَأتي النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أنحاءٍ مُتعدِّدَةٍ، وهذا الذي سيذكره المؤلِّف، وربَّما لم يذكره؛ لأنَّه كان يأتي في صُورة دِحيَةَ الكلبيّ ، وكان دحية مشهورًا بحسنِ الخَلقِ، فكانَ نَظِرًا وحَسِنَ الخَلقِ، فكانَ يأتي جبريل في صورتِه، ومرةً جاء إلى النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على هيئةِ رجلٍ مُسافرٍ كما في حديث عُمر بن الخطَّاب الذي فيه بيان الإيمان والإسلام والإحسان، وهو الحديث المشهور بحديث جبريل، وهو من رواية عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .
هذه ليست الصِّفات التي خَلقَه الله -سبحانه وتعالى- عليها، ولكن مِن تمكين الله -عَزَّ وَجَلَّ- ومِن مواهبِ اللهِ لملائكتِه أنَّ لهم القُدرة على التَّشكُّل، فهم أجسامٌ نورانيَّة أعَطاهم الله هذه القُدرة العَظِيمَة على التَّشكُّلِ.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وقد كَانَ يَأتي إِلى رَسول اللَّه -صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم- في صفاتٍ مُتعدِّدة، وقد رَآه عَلَى صِفتِه التي خَلَقَه اللَّهُ عَليها مَرتين ولَه سِتمائة جناح. روى ذلك البخاري عن ابن مسعود - رضي اللَّه عنه)}.
رآه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما جاء وكما سيسوق المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تعالى؛ أنه رآه بين السَّماءِ والأرضِ وقد سدَّ الأفق في بعضِ الرِّوايات، وله سُتمائة جناح، فدلَّ على أنَّه خلق عظيم، ودلَّ على أنَّ الملائكةَ لها أجنحةٌ، فهي أجسامٌ نورانيَّةٌ، وهبها الله -عَزَّ وَجَلَّ- هذه الأجنحة بحسبِ ما يُعطيهم الله -عَزَّ وَجَلَّ، وجبريل أعطاه الله هذا العدد الهائل مِن الأجنحةِ الذي لا يَقْدرُ قَدْرَه إلا اللهُ تَعالى ومَن رَآه.
{(وروى الإمام أحمد عن عبد اللَّه قال: «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ، وَلَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ، كُلُّ جَنَاحٍ مِنْهَا قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ، يَسْقُطُ مِنْ جَنَاحِهِ مِنَ التَّهَاوِيلِ وَالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ». إسناده قوي)}.
هذا خبرٌ عن رؤيةِ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لجبريل، وسَبق أن قلنا: إنَّ «التَّهَاوِيلِ»، يعني: ما يَهول مِن الدُّرِّ والياقوتِ مَا الله به أعلم؛ فدلَّ على أنَّه على هيئةٍ عظيمةٍ، وعلى هيئةٍ جميلةٍ، وهذه الأجنحة سدَّت الأفقَ، والله -عَزَّ وَجَلَّ- قادرٌ على كلِّ شيءٍ، فالإنسان يرى في الكواكبِ والنُّجومِ ما لا يتصوَّره الإنسان إذا رآه في هذه الصُّور والكواكب، فتجد لها أشكالًا ويُحيط بها هالات لا يعلمها إلا الله -عَزَّ وَجَلَّ- فيراها الناس الآن عبر التلسكوبات، فالله يخلق ما يشاء -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
والواجب الإيمان بهذه الرِّوايات التي صحَّت عن النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والنَّبي يُخبر وهو الصَّادق المصدوق عن هذا، والله -عَزَّ وَجَلَّ- قادرٌ على كلِّ شيٍء.
{(وعن عبد اللَّه بن مسعود - رضي اللَّه عنه - قال: «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ فِي حُلَّةٍ خَضْرَاءَ قَدْ مَلأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ». رواه مسلم)}.
هذا الحديث كالذي قبلَه، وهو وصفٌ لجبريل أنَّه توشَّى بهذه الحُلَّة الخضراء، وهذا من علم الغيب، ولهذا ففي بعض الرِّويات -كما سيسوق المؤلف- «عَلَيْهِ ثِيَابُ سُنْدُسٍ»، والواجب الإيمان بهذه الآثار وهذه الأحاديث وِفقَ ما جاءت به، وكما أخبرَ به النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإن كنَّا -كما ذكرنا- لا يُمكن للإنسان من خلال الخبر أن يتصوَّر التَّصور الكامل لمثل هذا، ولكن نُؤمن بها كما جاءت، ونعرفُ أنَّ خلقَهم عظيمٌ.
{(وعن عَائشة - رَضِيَ اللَّهُ عنها - أنَّ رسول اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ مُهْبِطًا، قَدْ مَلأَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ، عَلَيْهِ ثِيَابُ سُنْدُسٍ، مُعَلَّقٌ بِهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ». رواه أبو الشَّيخ.
ولابن جريرٍ عن ابن عبّاسٍ - رضي اللَّه عنهما- قال: "جبرائيل عبد اللَّهِ وميكائيل عبيد اللَّه وكلّ اسمٍ فيه إِيل فهو عبد اللَّه")
}.
جبريل، وجبرائيل، وجبرين، وجبرل؛ فيه ثلاثة عشر لغة، كلُّها للدَّلالة على أنَّ هذا المـَلَك من ملائكة الله -عَزَّ وَجَلَّ.
{(قال: جبرائيل عبد اللَّهِ وميكائيل عبيد اللَّه وكلّ اسمٍ فيه إِيل فهو عبد اللَّه)}.
"إيل" هو اسمُ الله -عَزَّ وَجَلَّ- بالعبرانية -أو العبرية.
{(ولَه عن علي بن الحسين مثله، وزادَ: وِإسرافِيل عبد الرحمن.
وروى الطَّبراني عَن ابن عبّاسٍ - رضي اللَّه عنهما - قال: قال رَسول اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَفْضَلِ الْمَلائِكَةِ: جِبْرِيلُ»)
}.
هذا أفضل الملائكة كما صرَّحت الأحاديث، وكما جاء في النصوص في قوله: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّ﴾ [النبأ: 38]، جاء تفسير السَّلف أنَّه جبريل.
وعبد الله بن سلام لما جاء إلى النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأراد أن يُسْلِم سأله عن ثلاثِ مَسائل لا يعلمهن إلا نبي:
مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟
وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟
وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أَخْوَالِهِ؟
فأخبره النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث، فتعجَّب عبد الله بن سلام، فقال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ» ، فقال عبد الله بن سلام: "ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ"، فاليهود يُعادون هذا المـَلَك الكريم الذي هو جبريل، ولهذا لما قال اليهود: ذاك عدونا من الملائكة أنزل الله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة97-98].
وهذا يطرح سؤالًا: لماذا يُعادي اليهود جبريل؟
قال جمعٌ مِن أهلِ العلمِ والمفسِّرين: كانت عداوتهم لجبريل لأنَّ جبريلَ ينزلُ بالعذاب، وميكائيل بالقَطر مِن السَّماء!
وهذا لعِظَمِ جَهلِهم، فإنَّه لا ينزلُ بالعذابِ إلا بأمرِ الله -عَزَّ وَجَلَّ- فهم ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].
وقيل: إنَّ عداوةَ اليَهود لجبريلِ لزَعمِهم أنَّ جبريلَ تمثَّل لرجلٍ يُريد أن يقتل بختنصَّر الذي كان خراب بيت المقدس على يديه، فحالَ بينه وبينَ قَتلِه جبريل، ولهذا فهم يُعادون جبريل -كما يزعمون!
وقيل: إنَّ عداوةَ اليهودِ لجبريل لأنَّهم يزعمون أنَّ جبريلَ عدَلَ بنبوَّة النَّبي الخاتم وهو محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي كانَ ينتظره اليَهود، ويتوعَّدون الأوسَ والخزرجَ في طَيبة الطَّيِّبة -يثرب أو المدينة- بأنَّه سيكون فيهم النَّبي وسيظهرون على مَن حولهم، فعدلَ جبريل بالنُّبوَّة عن بني إسرائيل إلى بني إسماعيل، ولهذا يُعادونه! وهذا ذكره مُقاتل في تفسيره لعداوة اليهود لجبريل -عليهم السَّلام.
وهذا مِن جَهلِهم وعَظيمِ جِنَايتِهم، ولا يُستغرَب عليهم، فهم ينسِبونَ القبائحَ لله تعالى، فلا يُستغرَب عليهم أن يُعادون أولياءَ الله ورسله، فكما أنَّهم عادوا جبريل -عليه السَّلام- فقد نسبوا القبائح لله -عَزَّ وَجَلَّ- وتعالى الله عما يقولون، فقالوا: إنَّ الله فقير، وقالوا يد الله مغلولة! تعالى الله عمَّا يقولون.
وهم عادوا النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد رأوا الآيات بين يديه ومع ذلك عادوه، فلا يُستغرَب منهم، لأنَّ الله ذكرَ أنَّهم هم الطَّائفة الغضَبيَّة، والمسلمُ يستعيذُ مِن مَنهجهم ومِن طريقتهم، قال تعالى: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: 7]، لأنَّهم عَلِموا الحقَّ وترَكُوه -نسأل الله السَّلامة والعافية.
{أحسنَ الله إليكم يا شَيخ..
ذَكرتم أنَّ اليهودَ يكروهونَ جِبريل لأنَّه عدَلَ بالنُّبَّوة مِن بني إسرائيل إلى بني إسماعيل، وبعض طوائف الرَّافضة يكرهونَ جبريل أيضًا، لِزَعمِهم أنَّه عدَلَ بالنُّبوة مِن علي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ}.
نعم، لأنَّ بعضَ الطَّوائف الضَّالَّة تشابه اليهود في أفعالهم وأخلاقهم، والنَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» ، في الهدي الظَّاهر، وفي مُوافقتهم في أمور، وكذلك في عَقَائِدِهم، ولهذا أخلاق اليهود قد تَظهر على بعضِ النَّاس -نسأل الله السَّلامة والعافية- مِن معارضة النُّصوص، ومعارضة الحقِّ والافتراء والحَسَد؛ فكلُّ هذه أخلاق مَذمومة قد يقعُ فيها آحادِ الأمَّة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وعن أبي عِمران الجوني أنه بلغه أنّ جبرائيل أتى النبي صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم وهو يبكي، فقال له رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم: «ما يبكيك؟».
قال: "وما لي لا أبكي فواللَّه ما جفت لي عين منذ خلق اللَّه النَّار، مخافة أن أعصيه فيقذفني فيها". رواه الإمام أحمد في "الزّهد")
}.
الأئمَّة -رحمهم الله- قد يتجوَّزون في ذكرِ بعضِ الأحاديث في كتابِ الزُّهد، ومنهم الإمام أحمد، فإنَّه يسوق ما في الباب للدَّلالة على أصلٍ، وهذا الأثرِ عن أبي عمران الجوني مرسل، لأنَّه فيه "بلغني" فالانقاطع واضحٌ فيه، فلا يصحُّ، وبعض المعاصرين حكم عليه بالوضع كالألباني.
وأمَّا عدم صحَّته من جهة السَّند: فهو مُرسل مُنقطع، كما هو ظاهر في إسناده.
ومن جهة المتن: فإنَّ في مَتنه نكارة، من جهةِ أنَّ الملائكة ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6]، فالله -عَزَّ وَجَلَّ- جبَلَ الملائكةَ على طاعتِهِ وعدمِ عصيانِهِ، وليسوا هم موضع تكليفٍ.
وسَوْقُ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب هو على طريقة المصنِّفين مِن المتقدِّمين من سلف هذه الأمَّة، الأئمَّة كلهم كالدَّاقطني وغيره وغيره؛ فهذه طريقتهم، فإنَّهم يسوقون كلَّ ما في الباب، الصَّحيح والحسن والضَّعيف؛ لأنَّهم يُقرِّرونَ الأصلَ، فيسوقون كلَّ مَا في البابِ، وهذا لا عيبَ عَليهم فيه؛ لأنَّ الأصلَ في هذا أنَّ طالبَ العلمِ يُميِّزُ وأنَّ شارح الكتاب يُبيِّن الدَّلالة عليه؛ ولأنَّ الضَّعيف قد يَنجبر، ولهذا لا يسوقون قصدًا الأحاديثَ الموضوعة، وإنما ربَّما تأتي ظنًّا منهم أنَّ ضعفها ينجبر، فهذا لا شيء فيه، والإمام -رَحِمَهُ اللهُ- سار على هذه الطريقة.
{(وللبخاري عن ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - قال: قال رسول اللَّه -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لجبرائيل: «ألا تزورنا أكثر مما تزورن» فنزلتْ ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَ﴾ الآية [مريم: 164])}.
هذا دليلٌ على أنَّهم يأتمرونَ بأمرِ الله -عَزَّ وَجَلَّ- فلا يحصلُ منهم التَّنزُّلُ، ولهذا فالنَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تشوَّقَ لزيارةِ جبريل -عليه السَّلام- ولا شكَّ أنَّ زيارته فيها أنسٌ للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخيرٌ، لأنَّه يأتي بالوحي، والوحيُ كلُّه خير لهذه الأمَّة، فأخبرَ جبرائيل النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّه لا يتحرَّك ولا يتنزَّل ولا يفعل إلا بأمر الله -عَزَّ وَجَلَّ.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ومِن سَادَاتهم مِيكائيل -عليه السَّلام- وهو موُكَّلٌ بِالْقطْر والنباتِ)}.
قوله: (ومِن سَاداتهم ميكائيل)، سبقَ أنَّه موكَّلٌ بالقَطرِ والنَّبات وبحياةِ الحيوانِ، ولهذا قال المصنف (عليه السَّلام)، والسلام على الملائكة مشروع، وفي قوله في دعاء التَّحيَّات «السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ» ، يشملُ ويعمُّ كلَّ عبدٍ صالحٍ في السَّماءِ والأرضِ، ومنهم الملائكة، فالتَّسليم عليهم مَشروع، وليسَ في ذلك شَيء.
{قال: (وروى الإمام أحمد عن أنسٍ - رضي اللَّه عنه - أن رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم قال لجبرائِيل: «مَا لِي لَمْ أَرَ مِيكَائِيلَ ضَاحِكًا قَطُّ ؟ قَالَ: مَا ضَحِكَ مِيكَائِيلُ مُنْذُ خُلِقَتِ النَّارُ»)}.
طبعًا الحديث فيه مَقال؛ لأنَّه مِن رواية إسماعيل بن عيَّاش، ورواية إسماعيل بن عياش عن غيرِ الشَّاميين فيها ضعفٌ، ولهذا ضعَّفه جملة مِن أهل العلم، الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- يُحسِّنه برواية أخرى في مسند الروياني من غير رواية إسماعيل، ولكن لم نقف على هذا، ولكن ربَّما صححه برواية أخرى.
عمومًا؛ ما أخبر النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حق إذا صحَّ الحديث، ويجري هذا مثلما جرى أنَّ جبرائيل متوشٍّ بحلَّة خضراء أو ما شابه ذلك، لأنها -كما قلنا- أجسامٌ نورانيَّة لا يعلم عظم خلقها ولا قدرها إلا الله -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ومن ساداتهم إسرافيل عليه السلام، وهو أحد حملة العرش وهو الذي ينفخ في الصور)}.
هؤلاء هم سَادة الملائكة: جبرئيل، وميكائيل، وإسرافيل.
أمَّا جبرائيل: فقد تقدَّم أنَّه مُوكَّل بالوحي.
وأمَّا ميكائيل: فمُوكَّل بالقطر -يعني بالمطر- والنبات.
فدلَّ على أنَّه لا تكون حركةٌ في هذا العالم علويه وسفليه إلا بأمرِ الله وتدبيرِ الملائكة، فهي ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرً﴾ [النازعات: 5].
وأمَّا إسرافيل: فهو أحدُ حَمَلةِ العرشِ، والعرشُ محمولٌ بالملائكةِ، وإسرافيل هو الذي ينفخُ في الصُّور فيقعُ فيه الصَّعقة التي يحصلُ بها الموت، ثم بعدَ ذلك ينفخ في الصُّور...، إلى غير ذلك ما جاءت به النُّصوص.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (روى التِّرمذِي -وحسنه- والحاكم عن أبي سعيد الخدْرِيِّ - رضي اللَّه تعالى عنه - قال: قال رسول اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَنْعَمُ؟ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ، وَأَصْغَى السَّمْعَ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ فَيَنْفُخُ. قالوا: فما نقول يا رسول اللَّه؟ فَقَالَ لَهُمْ: قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَ» )}.
هذا الحديث بين فيه أنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «كَيْفَ أَنْعَمُ»، يعني: كيف يحصلُ لي التَّنعُّم في هذه الدُّنيا ونهايتها قريبة، وصاحبُ القَرن الذي سينفخ في الصُّور «قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ، وَأَصْغَى السَّمْعَ»، وهذا كما ذكرنا- أنَّه وصفَ لهؤلاء الملائكة، ولهذا لا مقايسةً بين هذه المسمَّيات وبينَ الخلقِ، لأنَّ هيئتها على غيرِ هيئةِ خلقِ الإنسانِ، لا مُقايسةً وإن اتفقوا في الأسماء، فإنَّ الحقائقَ تختلفُ تمامًا، فهم عالمٌ غيبيٌّ، ولهذه فإنَّ هذه الملائكة -كما ذكرنا- أجسامٌ نورانيَّةٌ، خلقها الله -عَزَّ وَجَلَّ- من نور، والله حجبهم عنَّا كما حَجَبَ الجنَّ، فعالم الجنِّ هو عالمٌ غيبيٌّ لا نعلم عنه إلا ما أعلمنا الله -عَزَّ وَجَلَّ- مع أنَّهم يعيشون معنا في مكان واحد، ومَع ذلك لا نراهم، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف: 27].
وهنا ملحظٌ مهم جدًّا في مسألة الغيبيَّات: أنَّه ليس كلُّ ما لا يُرى ليسَ له حقيقة، إنما يقول ذلك الملاحدةُ من السُّوفسطائيين وغيرهم مِن الذين لا يؤمنونَ إلا بالحسيَّات، فهناك طائفةٌ مِن الفلاسفة يقولون: لا نؤمن إلا بشيءٍ محسوسٍ!
وكلامهم هذا باطلٌ عقلًا وشرعًا.
ولهذا نقرِّب للنَّاس ونقول: أحيانًا الإنسان يقولُ كيف لا أرى الجنَّ أو الملائكة، والنُّصوص تخبرنا أن الملائكة على هذا النَّحو!
فنقول: سبحان الله! هل كلُّ ما لا يُرى ليس له حقيقة! الآن العلم الحديث أثبت أنَّ هناك مخلوقات عظيمة ومع ذلك لا نراها، نحن نقطع أنَّها موجودة، ولهذا لمَّا توصَّل العلم الحديث لاكتشافات مثل: المجهر والتِّلسكوب والميكروسكوب وما شاكلَ ذلك مِن الآلات التي تُقرِّب الصورة التي على نحوٍ صغيرٍ وتكبِّرها تكبيرًا عظيمًا؛ رأينا مخلوقاتٍ لم نَرَها، نحن لا نراها بأعيننا، فهل معنى ذلك أنها غير موجودة؟!
هي موجودة، كالفيروسات، والجراثيم، والبكتيريا؛ بل أعظم من ذلك أنَّ فيه حشرات الآن لا تُرى بالعينِ المجردةِ، منها حشرة العثِّ، لو رأيتَها في صُورتها التي تُكبَّر تعجَّب أنَّها موجودة في الغُبار مثلًا، خلق عظيم جدًّا ومع ذلك لا تراه، وهذا مِن رحمةِ الله -عَزَّ وَجَلَّ- بالخلقِ؛ لأنَّهم رأوا كلَّ هذه المخلوقات لا يمكن أن يتنعَّمون في حياتِهم، ولهذا فإنَّ الله حَجَبَ عنهم شيئًا مِن المرئياتِ موجودة الآن، وحَجَبَ عنهم شيئًا مِن المسموعَات رحمةً بهم، حتى تكونَ هذه الدَّار دار معيشة، وإلا لو أراهم الله -عَزَّ وَجَلَّ- هذه المخلوقات لربَّما لا يحصل لهم قوامُ العيشِ.
إذن ليسَّ كل ما لا تراه أنَّه ليسَ له حقيقة، فالعلم الحديث -يا مَن يؤمن بالعلم الحديث- أثبتَ هذا، وهذا يزيدكَ إيمانًا، ويزيدكَ يقينًا بما أخبرَ الصَّادق المصدوق -عليه الصَّلاة والسَّلام- ولهذا قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: 53]، فنحن حينما نَرَى هذا الخلقَ العظيم فهذا يبعثنا على التَّعظيمِ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ.
إذن ثَمَّ شيء من المسموعات لا نسمعه، وثَمَّ شيء مِن المرئيات لا نَراه، ولو أرانا الله -عَزَّ وَجَلَّ- كلَّ شيءٍ مِن خلقه ولو أسمَعَنا كلَّ شَيءٍ لَمَا حصلَت معيشة في هذه الدُّنيا، فالله -عَزَّ وَجَلَّ- حكيم عليم -تقدَّسَ في ملكوته.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وعن ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - أن رسول اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «إِنَّ مَلَكًا مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ يُقَالُ لَهُ إِسْرَافِيلُ، زَاوِيَةٌ مِنْ زَوَايَا الْعَرْشِ عَلَى كَاهِلِهِ، قَدْ مَرَقَتْ قَدَمَاهُ فِي الأَرْضِ السُّفْلَى وَمَرَقَ رَأْسُهُ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الْعُلْيَ» رواه أبو الشيخ وأبو نعيم في "الحِلية")}.
هذا الحديث فيه كلام، ومِن الأئمَّة مَن أعلَّه كالدارقطني، والظَّاهر من الحديث الضَّعف.
{قال: (وروى أبو الشّيخ عن الأوزاعي قال: ليس أحدٌ مِن خَلقِ اللَّه أحسن صوتًا من إسرافيل، فإِذا أخذَ في التَّسبيحِ قَطَعَ على أهلِ سَبعِ سماواتٍ صَلاتهم وتَسبِيحَهُم.
ومِن سَاداتهم مَلكُ الموتِ -عليه السلام:
ولم يجئ مصرحًا باسمِه في القرآنِ ولا في الأحاديثِ الصَّحِيحَة وقد جاءَ في بَعضِ الآثَارِ تسميته بعزْرائِيل فاللَّه أعلم)
}.
الشَّيخ -رَحِمَهُ اللهُ- أحسن في هذا، وتوقَّف في نِسبة هذا الاسم له، والظَّاهر أنَّ اسم "عزرائيل" لا يصح، إنما هو في رواياتٍ لآثارٍ إسرائيلية لا توجب أن نُؤمن بهذا الاسم، لأنَّ الله تعالى لم يسمِّه بهذا الاسم، معَ تسميته لبعضِ الملائكة بأسمائِهِم، فدلَّ على أنَّ اسمه الذي سمَّاه الله -عَزَّ وَجَلَّ- به هو "ملك الموت"، ولهذا قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ﴾ [السجدة: 11]، ما قال "عزرائيل" فالأولى والأصح أن يُسمَّى بما سمَّاه الله -عَزَّ وَجَلَّ.
بينما جبريل -عليه السَّلام- وميكائيل وإسرافيل؛ جاءت تسميتهم.
{قال: (وقد جَاءَ في بَعضِ الآثَارِ تَسميته بعزْرائِيل فاللَّهُ أعلمُ قاله الحافظ ابن كثير. وقال: إنَّهم بالنِّسبة إِلى ما هيأهم له أقسامٌ:
فمنهم حملة العرش)
}.
الآن الشَّيخ -رَحِمَهُ اللهُ- يُبيِّن أنَّ للملائكة وظائف، وماذا يقومون به.
{قال: (فمنهم حملة العرش، ومنهم الكروبيِّون الذين هم حول العرش وهم مع حملة العرش أشرف الملائكة وهم الملائكة المقربون كما قال تعالى: ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾)}.
هذا المسمى "الكروبيون" لا أصلَ له في السنَّة الصَّحيحة، إنَّما جاء في بعض الأحاديث الضَّعيفة، وضعفها شديدٌ، وبعضُها موضوعٌ، ولهذا فإنَّ التَّسميةَ أمرٌ غيبيٌّ يتوقَّف فيها على ما ثبتَ عن النِّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنَّما سُمُّوا بهذا الاسم كما جاء في بعض الآثار لما يلحقهم من الكَربِ من حَملِ عرشِ الرَّحمن، ولهذا ساَق المؤلف قوله تعالى: ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾، وهذا فيه إشارةٌ إلى توحيد العبادة، الشَّيخ -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- له عنايةٌ شديدةٌ بتوحيدِ العبادةِ، وألَّف مصنَّفه العظيم الذي هو "كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد" الذي أحسنَ وأجادَ -رَحِمَهُ اللهُ- في هذا الكتاب العظيم، فهو يقول: إنَّ هؤلاء الملائكة مع أنَّهم مقرَّبون وأنَّهم قريبون مِن الله -عَزَّ وَجَلَّ- فاللهُ بيَّن أنَّهم عباد، وأنَّهم لا يُدعَونَ مِن دونِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- ودُعاءُ الملائكة ودُعاءُ الأنبياء أو الاستغاثةُ بالملائكةِ أو الاستغاثةُ بالأنبياء يُناقِضُ معنى "لا إله إلا الله"، وهو من الشِّرك الأكبر الذي لا يغفره الله -عَزَّ وَجَلَّ- لمَن مَات عليه، والذي يُحبط الله -عَزَّ وَجَلَّ- عمله لمَن وقعَ فيه -نسأل الله السَّلامة والعافيةِ من الشِّرك ومِن أسبابِهِ.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (ومنهم سكان السماوات السبع يعْمرونها عِبادة دائمة ليلا ونهارا صباحا ومساء كما قال تعالى: ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾)}.
إذن الملائكة لا ينقطعونَ عن التَّسبيحِ، وهذا إن دلَّ فإنَّما يدلُّ على أنَّ الربَّ -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- غنيٌّ عن عبادةِ خلقِهِ، فله عبادٌ مكرمونَ لا ينقطعونَ عن عبادتِهِ -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- وإنَّما أمر بعبادتِهِ إحسانًا لنَا ورحمةً لنا، نسألُ الله أن يوفقنا إلى عبادته -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- على الوجه الذي يُرضيه.
{(ومنهم الذين يتعاقبون إلى البيت المعمور)}.
مرَّ معنا أنَّ البيتَ المعمورَ حيالَ الكعبةِ، ويَدخلُهُ كلَّ يومٍ سبعونَ ألفَ مَلَك لا يعودون إليه.
{(قلت: الظاهر أن الذين يتعاقبون إِلى البيت المعمور سكان السماوات)}.
هذا مِن كلام المؤلِّف الإمام محمد بن عبد الوهاب -رَحِمَهُ اللهُ.
{قال: (ومِنهُم مُوكَّلون بالجِنانِ وإعِدَاد الكَرامَات لأهلِهَا وتهيئة الضِّيافة لسَاكنيها؛ من مَلابس ومَآكِل ومَشَارِب ومَصاغٍ ومَسَاكِن وغيرِ ذلك ممَّا لا عينٌ رَأَت ولا أُذنٌ سَمعت ولا خَطَر عَلى قلبِ بَشَرٍ)}.
يعني أنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- حَجَبَ هذه الجنَّة وهي مخلوقة الآن، كما حَجَبَ النَّار وهي مخلُوقة الآن، فالجنَّة تقومُ عليها الملائكة في العِناية بها والإعداد لِضيَافةِ أهلِ الجنَّة إذا دَخَلُوها، والله -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- أعدَّ هذه دارِ كرامته لمَن مَات على التَّوحيد، نسألُ الله أن يُميتنا على هذا التَّوحيد وأن يدخلنا الجنَّة بمنِّه وفَضْلِهِ والمشاهدين والمشاهدات.
{قال: (ومنهم الموكلون بالنَّار- أعاذنا اللَّه منها- وهم الزبانية ومقدموهم تسعة عشر وخازنها مالك)}.
أحسنَ المؤلفُ -رَحِمَهُ اللهُ- حينما قال (الموكلون بالنَّار- أعاذنا اللَّه منه)، وهذا هو المطلوب مِن المؤمن أن يتعوَّذ عند ذكر النَّار، وهذه مِن المواقف التَّربويَّة التي يُربِّي بها المؤلف والشَّيخ، فإذا جاءت هذه المواقف أن يكونَ فيها التَّنبيه، فالمؤلف قال: (أعاذنا الله منه).
قال: (وهم الزبانية ومقدموهم)، يعني المقدَّمون من هذه الملائكة.
قال: (تسعة عشر)، ولهذا قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [المدثر: 31]، ولهذا لمَّا أنزل الله هذه الآية قال أحدُ الجُهَّال مِن كفَّار المشركين: أنا أكفيكم سبعة عشر واكفوني أنتم الباقي!
هذا -والعياذ بالله- سقوط وخبث -نسأل الله السلمة والعافية.
ولهذا قال الله -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾، لأنَّ عدَّة خزنة النَّار في الكتب السَّابقة -التَّوراة والإنجيل- أنَّها تِسعة عشر، فوافق ما جاء في القرآن، وهذا تَصديقٌ لما جاءَ في الكُتُبِ، وهذا دلَّ على أنَّه وحيٌ مِن عندِ الله، وهذا يدلُّ على أنَّ خبرَ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موافق لما جاء في الكتب السَّابقة، وهذا حُجَّة عَلَيهِم.
قال الشَّيخ: (ومقدموهم)، يعني هؤلاء هم القائمون عليها، ولهذا ثَمَّ ملائكة موكَّلة بالنَّار، ولكن هؤلاء هم الرُّؤساء المقدَّمون، ولهذا في الصَّحيح: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَ» .
{(وخازنها مالك وهو مقدم على الخزنة، وهم المذكورون في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ﴾ وقال تعالى: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ - وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً﴾ إلى قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾.
ومنهم الموكلون بحفظ بني آدم كما قال تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾
قال ابن عباس: ملائكةٌ يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء أمر اللَّه خلوا عنه)
}.
وظائفُ الملائكةِ متعدِّدةٌ جدًّا، وهذا مَا أعلمَنا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِه ومَا لا يعلمنا به لا نعلمه.
{(وقال مجاهد: ما من عبد إِلّا وملك موكل بحفظه في نومه ويقظته من الجنّ والإنس والهوامِّ، فما منها شيءٌ يأتيه يريده إِلا قال له: وراءك إِلّا شيءٌ يأْذن اللَّه تعالى فيه فيصيبه)}.
قوله (وراءك)، يعني: ارجع وراءك.
إذا وقعَ القَضاء وأذِنَ بِه اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- زالت هذه الأمور، لأنَّ الإنسان له أجلٌ محدَّدٌ الذي سينزل به.
{(ومنهم الموكّلون بحفظ أعمال العباد؛ كما قال تعالى: ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يعلمون ما تفعلون﴾)}.
وهذا يوجبُ الحذرَ والتَّوقِّي، فإذا عَلِمَ الإنسان أنَّه مُؤاخَذٌ بما يقول ومكتوبٌ عليه وأنَّ الملائكة تكتب كلَّ شيء؛ فهذا يوجبُ على الإنسان أن يكونَ في غايَة الحذَرِ.
{(روى البزّار عن ابن عباس - رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ عَنِ التَّعَرِّي فَاسْتَحْيُوا مِنْ مَلائِكَةِ اللَّهِ الَّذِينَ مَعَكُمُ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ الَّذِينَ لا يُفَارِقُونَكُمْ إِلا عِنْدَ إِحْدَى ثَلاثِ حَالاتٍ: الْغَائِطِ وَالْجَنَابَةِ وَالْغُسْلِ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ بِالْعَرَاءِ فَلْيَسْتَتِرْ بِثَوْبِهِ، أَوْ بِجِذْم حَائِطٍ، أَوْ بِبَعِيرِهِ»)}.
الحديثُ ضَعْفُه شديدٌ، والأصلُ في التَّعرِّي ممَّا تكرهه الفِطَر السَّليمة، ولا يجوز التَّعرِّي إلا عندَ حالاتٍ ذَكرها أهل العلم، وهي: التَّخلِّي لقضاءِ الحاجة، والجِمَاع، والغُسل؛ وأمَّا الباقي فالأصل فيه كراهة التَّعري.
{(قال الحافظ ابن كثير: ومَعنى إكرامِهِم أن يَستَحِي منهم، فلا يُملي عليهم الأعمَال القَبيحة التي يكتبونها، فإنَّ اللَّه خَلَقَهم كِرامًا في خَلْقِهِم وأخْلَاقِهِم.
ثمَّ قالَ مَا معناه: إنَّ مِن كَرَمِهِم أنَّهم لا يَدخلون بيتًا فِيهِ كلبٌ ولا صُورةٌ ولا جُنبٌ ولا تمثالٌ ولا يصحبونَ رفقةً مَعهم كَلبٌ أو جَرَسٌ)
}.
طبعًا زيادة قوله «الجُنُب» فيها نظر، وأما كون الملائكة لا تدخل بيت فيه كلب أو صورة، وفي بعض الرِّويات «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ تَمَاثِيلُ أَوْ تَصَاوِيرُ»، هذا يجعل المؤمن على غايةِ الحذرِ مِن اقتناءِ مِثلِ هذه التَّماثيل أو التَّصاوير، وفتنةُ التَّصاوير الآن عظُمَت، فإذا عَلِمَ الإنسانُ أنَّ الملائكةَ تجتنب مثلَ هذه الأماكن فعليه أن يتوقَّى، ولهذا لمَّا سُئل الشَّيخ ابن باز عن رواية «الجُنُب»، قال: "فيها نظر" وإن كانت مِن رواية أبي داود، لأنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يبيت وهو جُنب وكان يتوضَّأ، وبينه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو أفضل البيوت.
وقوله «كَلْبٌ أَوْ جَرَسٌ»، أما الكلب فواضح.
وأما الجرس: لأنَّ له صوتٌ مع مَشي الدَّوابِّ فلَه حكم المعازف.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وروى مالك والبخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - أن رسول اللَّه -صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم- قال: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ».
وفي رواية أن أبا هريرة قال: اِقرأوا إن شئتم: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودً﴾)
}.
هذا فيه البُشري للمحافظين على صلاةِ الفَجرِ والعَصر.
{قال: (وروى الإمام أحمد ومسلم حديث: «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتَعَاطَوْنَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»)}.
«السَّكِينَةُ»: هي الطُّمَأنينية.
«غَشِيَتْهُمُ»، أي: غطَّتهم الرَّحمة.
«حَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ»، بأجنحتها، إمَّا لأنَّها تحبُّ هذه المجالس، أو لمحبَّتها لأولئك الذين يتعلَّمون العلم.
{هل الحفُّ هنا حقيقي أم مجازي؟}.
الأصلُ في اللفظ أنَّه على الحقيقة وليسَ على المجازِ.
وفي الحديث: بركات مجالس الذِّكر.
وفي بعض الرِّويات: «أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. فَيَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ فِيهِمْ فُلانُ وَلَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، قَالَ: هُمُ الْجُلَسَاءُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ» .
ولعلَّ مجلسنا هذا -إن شاء الله- يا شيخ عبد الرحمن والمشاهدين والمشاهدات من مجالسِ الذِّكرِ التي بعموم فضل الله -عَزَّ وَجَلَّ- أنَّ الإنسان قد يكون داخلًا في فضِلِه.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وفي المسند والسنن حديث: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ»)}.
وهذا فيه: البُشرى أنَّ الملائكة تُحب العمل الطيب، ومنه طلبُ العلمِ والاستماعِ للعلم، وبحمدِ الله الآن تيسَّر سماعَ البرامجِ النَّافعةِ، وسماعَ القرآنِ، وسماعَ أحاديثِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فالملائكة إذا سمعت المؤمن والمؤمنة على هذا النَّحو تضع لهم أجنحتها محبَّةً لما يصنع.
{قال: (والأحاديث في ذكرهم عليهم السلام كثيرة جد)}.
نعم، فالمصنَّفات في هذا كثيرة، والعلماء -رحمهم الله- في المسانيد وثَمَّ مصنفات أخرى، فالسُّيوطي له مصنَّفٌ وغيره مِن المتأخرينَ حتى الشَّيخ عمر الأشقر له مصنف جميل في الإيمان بالملائكة، جمع فيه أحاديث، فالحمد لله.
انتيهنا الآن فيما يتعلَّق بالملائكة، ونُكمل -إن شاء الله- في الحلقات القادمة.
{وفي الختامِ نشكركم فضيلة الشَّيخ على ما تقدِّمونَه، أسألُ اللهَ أن يجعلَ ذلك في موازينِ حَسَناتِكُم، ولا أنسَى أن أشكركم أنتم أيُّها المشاهدون على حسنِ إنصَاتِكُم واستماعِكُم.
إلى أن نلقاكم في حلقةٍ قادمةٍ، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسَّلام عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك