الدرس الخامس
فضيلة الشيخ د. عبدالحكيم بن محمد العجلان
إحصائية السلسلة
السَّلام عليكم ورحمةُ الله وبركاته.
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا الله، وحدَه
لا شَريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وصَفيُّه مِن خَلقِه، وعلى آلِه
مِن بعدِه وصَحبِه وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدِّينِ، أمَّا بعدُ:
فأسألُ الله -جلَّ وعلا- أن يجعلَنا وإيَّاكم مِن عبادِه الموفَّقينَ المسدَّدينَ،
وألَّا يجعلَنا مِن المفتونيَن المخذُولِينَ، وأن يحفظَنَا مِن أمرِ الدُّنيا
وفِتَنِها وبلائِها، إنَّ ربَّنا جوادٌ كريمٌ.
أيُّها الإخوةُ الكرامُ، لم تَزلْ هذه المجالس -بإذنِ اللهِ جلَّ وعَلا- متَّصِلةٌ،
مليئةٌ بالخيرِ بما يُذكر فيها مِن قولِ اللهِ -جلَّ وعَلا- وقولِ رسُولِه -صلى
الله عليه وسلم- واللهَ نسألُ أن يُلهِمَنا الصَّوابَ، وأن يُوفِّقَنا للحقِّ، وأن
يُرشِدَنا إليه، وألا يَكِلَنا إلى أنفسِنا طَرفةَ عيٍن، ولا أقلَّ مِن ذلك.
ربَّما كانَ حديثُنا في المجلسِ الماضي أتَى على جملةٍ مِن الأمورِ التي لا ينفكُّ
الدَّاعيةُ إلى الله -جلَّ وعَلا- المُتسلِّم لواءَ هذه الوظيفة إلى أن يَستحضِرَ
مثلَ هذه المعاني مِن الرَّحمةِ والشَّفَقةِ واللِّينِ، واستحضارِ المعاني التي هي
سبيلٌ إلى قبولِ دعوتِه، والتَّوفيق لطلبتِه، فإنَّه لن يُوفَّق مَن لم يصبر، ولن
يبلغَ الغايةَ مَن لم يكن حليمًا شفيقًا رحيمًا بمَن يدعُوهم، ولذلك كانت هذه صِفة
نبيِّنا -صلى الله عليه وسلم-
﴿لَقَدْجَاءَكُمْرَسُولٌمِّنْأَنفُسِكُمْعَزِيزٌعَلَيْهِمَاعَنِتُّمْحَرِيصٌعَلَيْكُمبالْمُؤْمِنِينَرَءُوفٌرَّحِيمٌ﴾[التوبة:
128]، لذلك النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ما خُيِّرَ بينَ أمرينِ إلا اختارَ
أيسرهما ما لم يكن إثمًا .
النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يقولُ يومَ القيامةِ وعلى الصِّراطِ: «يَا رَبِّ
أُمَّتِي أُمَّتِي» ، وقال-صلى الله عليه وسلم: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ
مُسْتَجَابَةٌ يَدْعُو بِهَا وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً
لِأُمَّتِي فِي الْآخِرَةِ» .
هذه المعاني، وهذه الأحاديث، وهذه الدِّلالات، كلُّها تدلُّ على عظيمِ رحمةِ
النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بأمَّتِه، وشَفقتِه عليهم، وحرصِه على أن يكونوا
أهدى سبيلًا، وأصلحَ حالًا، وأرشدَ في استقامَتهِم واسْتِنَانِهم بسُنَّة نبيِّهم
-صلى الله عليه وسلم- وأيسرَ عليهم، فإنَّه كان يشقُّ عليه أن يأتيَهم التَّكليفُ
عليهم وفيه مشقَّةٌ، أو ربَّما أدركَتهم فيه صعوبةٌ، وفي ذلك حوادثٌ معلومةٌ
محفوظةٌ، مِن أعظمها أمرُ الصَّلاة، لمَّا كان يَطلب التَّخفيفَ من ربِّه ، وما
يتعلَّق بصلاةِ التَّراويح لما خَشِيَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن تُفرضَ
على أمَّتِه .
لو تحدَّثنا في هذا الحديثِ فلربَّما استغرقنَا كلَّ هذه الحلقات، وليسَ ذلك
بكثيرٍ؛ لأنَّ الإنسانَ أعظمَ ما يكونُ يلينُ قلبُه تَطيبُ نفسُه ويستعد لدعوتِه،
كلَّمَا استزادَ واستنارَ واستحضرَ عظيمَ الشَّفقَةِ، وكان كثيرَ الأناةِ،
فالنَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- تحمَّل الأذى، يأتي الرجلُ ويجذبُ النَّبيَّ -صلى
الله عليه وسلم- بردائِه حتى يؤثِّرَ فيه، ويقول: أعطني يا محمد، ويعطيه .
وفي مثل ذلك أحاديث عظيمة، لكن كما قلنا أنَّ الحديثَ ذو شجونٍ، ورُبَّ إشارةٍ تغني
عن كثيرٍ مِن العبارةِ، فما بدٌّ مِن الانتقالِ إلى عنصرٍ مِن عناصرِ هذه اللقاءات
المباركَة -بإذنِ الله جلَّ وعَلا- وهو عنصرُ الحكمةِ في الدَّعوةِ إلى الله
-سبحانه وتعالى-.
أظنُّ أنَّ الإخوةَ المشاهدين -وأنتم- كثيرًا ما يتردَّدُ على مسامِعنا وأحاديثِنا
أمرَ الحكمةِ واستحضارها، وكونها أساسًا مِن الأساساتِ في الدَّعوةِ إلى الله -جلَّ
وعلا- وهذا أمر لا إشكالَ فيه، وهو أمرٌ بيِّنٌ، وهو أمرٌ ظاهرٌ، هو أمرٌ محسومٌ؛
لأنَّه جاء في كتابِ الله، قول الله -جلَّ وعلا:
﴿ادْعُإِلَىسَبِيلِرَبِّكَبِالْحِكْمَةِوَالْمَوْعِظَةِالْحَسَنَةِ﴾[النحل: 125]،
فلن تكونَ دعوةٌ إلا بحكمةٍ، ولن تكونَ دعوةٌ إلا بموعظةٍ حسنةٍ، ولن تكونَ
الدَّعوةُ إلا على منهاجِ النُّبوَّة، مهما جُعلَ لها مِن ركائزَ، أو أسسٍ، أو
أصولٍ، أو نُظِّرَ لها مِن تنظيرٍ حديثٍ أو غير حديثٍ، أو عبرَ الدَّوراتِ
التَّدريبيَّة أو غيرها، إذا لم يكن مِن مَعِينِ النُّبوَّة، وإذا لم يكن
مُستمَدًّا مِن الكتابِ، وإذا لم يكن مجتمعًا فيه حالُ النَّبيِّ -صلى الله عليه
وسلم- وسيرتُه، وطريقتُه، وهديُه في دعوتِه لأمَّتِه، وهدايتِه لهم؛ فلن يكونَ فيه
سلامةٌ وهدايةٌ، ولن يكونَ فيه خيرٌ وإعانةٌ إلى الهدى والتَّوحيدِ، وإنَّما هو
بلاءٌ وفتنةٌ لأصحابِها.
لكن أيضًا هذا المعنى -الذي هو الحكمة- كثيرًا ما يتردَّدُ على وجهٍ إما أن نقول
أنَّه ناقصٌ، وإمَّا أن يكونَ مقلوبًا، وإمَّا أن يُستدلَّ به في غيرِ موضعِه،
فلأجلِ ذلك أيضًا هذا ممَّا يُحتِّم الحديثَ عن الحكمةِ، وحُسنِ تقريرها على وِفقِ
ما جاءت به الأدلَّة، وعلى وِفقِ ما جاءَ في تفسيرِها عندَ علماء الملَّة، وأهلِ
الفقهِ والعلمِ، وأيضًا ما تتابعَ عليه علماءُ السَّلفِ وأهلُ الفقهِ والتَّقوى
والوَرَعِ.
طبعًا إذا جئنا إلى قوله
﴿ادْعُإِلَىسَبِيلِرَبِّكَبِالْحِكْمَةِوَالْمَوْعِظَةِالْحَسَنَةِ﴾[النحل: 125]،
فهذا يسترعي أسماعَنا إلى أن نتذكَّر ما مرَّ بنا مِن أنَّ الدَّعوةَ واجبةٌ، وأنَّ
الله -جلَّ وعلا- أمرَ بها، وأنَّ هذا في كتابِ الله -جلَّ وعلا- كثيرٌ وظاهرٌ
بيِّنٌ، ثم إنَّه لابدَّ للدَّاعية أن يستحضرَ الحكمةَ، والحكمةُ كما فسَّرها غيرُ
واحدٍ مِن أهلِ التَّفسيرِ إن رجعتَ إلى تفسيرِ ابن جرير، أو ابن كثير، أو البغوي،
أو ما سطَّره أهل العلم في مختلف كتب التَّفسير؛ سترى أنَّهم ينصُّونَ على أنَّ
الحكمةَ هي الكتاب والسُّنَّة، فالدَّعوةُ إلى الحكمةِ هي دعوةٌ إلى الكتابِ
والسُّنَّةِ، هي دعوةٌ إلى القرآنِ، وهي دعوةٌ إلى آياتِ الله -جلَّ وعلا- وهي
دعوةٌ إلى سنَّةِ نبيِّنا -صلى الله عليه وسلم.
كيفَ ذلك مَع أنَّ الحكمةَ في معناها اللُّغوي: هي وضعُ الشَّيِء في موضعِه اللائق
به؟
فيُفهم مِن هذا: أنَّ الحكمةَ هي التُّؤَدَةُ في الدَّعوة، والرِّفقُ فيها،
واللِّينُ، وعدمُ الإسراعِ، أو الغضبِ، أو التَّنفيرِ، أو البداءة بما لا يُحسِنُ
البداءةُ به، أو دعوةُ الإنسان إلى ما قد يحصلُ له به فتنة، وقد يكونُ له به شرٌّ،
كلُّ ذلك معانٍ صحيحة؛ لأنَّها داخلةٌ في الدَّعوةِ إلى الله القرآن، والدَّعوَةِ
بالقرآنِ، والدَّعوَةِ إلى السُّنَّةِ، والدَّعوَةِ بالسُّنَّةِ.
فنحن ندعوا إلى كتابِ الله -جلَّ وعلا- وسُنَّةِ نبيِّه -صلى الله عليه وسلم- ولن
يكونَ طريقٌ ولا سبيلٌ أتمُّ ولا أكملُ مِن أن تكونَ الدَّعوَةُ على نحوِ ما جاءَ
في كتابِ اللِه -جلَّ وعلا- وسُنَّةِ نبيِّه -صلى الله عليه وسلم- فبهما نتأسَّى
ونقتدِي، وبهما ندعوا ونقتدي، ولا نطلبُ طريقًا أخرى، ولا نحتاجُ إلى آراءٍ وأفكارٍ
وتنظيراتٍ عقليَّةٍ مجردةٍ، ولا أن نأخذَ بعضَ الحضاراتِ القديمة، كطريقةِ أصحابِ
الفلسفةِ وغيرهِم في دعواتِهم وفي مرئياتِهم في طريقِ تحصيلِ الخيرِ أو تكثيرِهِ أو
نحوِ ذلك؛ كلُّ ذلكَ لا نحتاجُ إليه، هذا كتابُ اللهِ -جلَّ وعَلا- مُلِئَ هِداية
وعِلمًا وتوفيقًا إلى الحقِّ والهدى، وهذا كتابُ الله -جلَّ وعلا- فيه مِن
الدَّلائل وفيه مِن المعاني التي تُعينُ الدَّاعيةَ على الصَّبرِ والمصابَرةِ على
الرَّحمة واللِّينِ، على الشَّفقَةِ والإحسانِ، على المبالغةِ في الدَّعوَةِ، على
استنفاذِ الوُسعِ في ذلك والتَّضحيةِ، وعلى ما يكونُ مِن البداءةِ بالأهمِّ
فالمُهم، وهكذا فيه مَا يستجمعُ به الإنسانُ جميعَ أبوابَ الخيرِ.
فإذا جَمَعْتَ إلى ذلكَ سُنَّة نبيِّنا -صلى الله عليه وسلم- فستجدَ فيها مِن
المآثرِ ومِن القَصصِ ومِن الأحداثِ ومِن الأحوالِ ومِن المَعِينِ الذي لا يَنضبُ؛
كلُّه مُفصِّل لِما جاء مُجملًا فستجد بذلك التَّوفيقَ والنَّورَ.
هنا مسألة! وهي أنَّ بعضَ النَّاسِ قد يَفهمُ مِن الحكمةِ أنَّها خلافُ الحزمِ، أو
أنْ لا يكونَ في الحكمةِ أيُّ معنًى مِن معاني القوَّة أو الحزم أو العزيمة، أو
أحيانًا تعظيم الأمرِ، ومعاتبة مَن فعلَ ضدَّه أو نحو ذلك، وهذا ليسَ بصحيح. لماذا؟
لأنَّ التَّفسيرَ ودلائلَ الحديثِ قد جاءَ فيهما ما يدلُّ على شيءٍ من هذا، ففي
بعضِ ألفاظِ الآياِت ودلالاتِها ما يدلُّ على حزمٍ وحسمٍ، كقوله تعالى:
﴿وَياقَوْمِمَالِيأَدْعُوكُمْإِلَىالنَّجَاةِوَتَدْعُونَنِيإِلَىالنَّارِ﴾[غافر:
41]، يعني لا مقاربة.
وحينما قالوا: نعبدُ ربَّك سَنةً، وتعبد إلهنا سَنةً ، وفيها شيء مِن تلفيقِ
الأمورِ، فأنزلَ الله -جلَّ وعلا- كتابًا يُتلى إلى يوم القيامة:
﴿قُلْيَاأَيُّهَاالْكَافِرُونَ*لَاأَعْبُدُمَاتَعْبُدُونَ*وَلَاأَنتُمْعَابِدُونَمَاأَعْبُدُ*وَلَاأَنَاعَابِدٌمَّاعَبَدْتُمْ*وَلَاأَنتُمْعَابِدُونَمَاأَعْبُدُ*لَكُمْدِينُكُمْوَلِيَدِينِ﴾[الكافرون]،
فليس في هذه السورة صدٌّ لهؤلاء الكفار عن دين الله -جلَّ وعلا-، وإنما فيه ردٌّ
عليهم، وأنَّ مَا ذَكَروه غيرُ حاصلٍ، وأنَّه ممتنع، وأنَّ هدايتَكم إمَّا
بالاستقامَةِ على دينِ اللهِ -جلَّ وعَلا- وإلا فَدينُكم لا يُمكن أن يكونَ فيه
مؤاربة أو مقارَبة معَ دينِ أهلِ الإسلامِ، وتوحيدِ أهلِ الإيمانِ، وعبادةِ اللهِ
الواحدِ الدَّيانِ.
مثل ذلك أيضًا في دلالاتِ السُّنَّة حتى مع المسلمين، لمَّا جاءَ ذلك الرجل، وقال:
إنِّي أصومُ فلا أُفطر، وقال الآخر: إنِّي أقومُ فلا أنام، قال الآخر: إنِّي لا
أتزوجُ النِّساء، مع أنَّهم رَامُوا خيرًا وأقبلوا عليه، وحمَلُوا أنفسَهم على
الجدِّ، واجتهدوا فيه، وقطعوا دابرَ الشَّهواتِ والرَّغبة فيها، ماذا قال لهم
النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم؟
خطبَ خطبةً عظيمة، قال: «أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ
وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ،
وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» ، ومثل
ذلك حوادث كثيرة للصَّحابةِ، ولِمَن بعدِهم تدلُّ على شيءٍ مِن الحزمِ في بعضِ
المواضعِ.
ابنُ مسعود -رضي الله تعالى عنه- لمَّا دخلَ على أولئكَ القوم الذين كانوا مجموعات،
وكلُّ مجموعةٍ لها قائد، فيقول: سبِّحوا الله مائة، فيسبحون الله مائة، فيقول:
احمدوا الله مائة، فيحمدوا الله مائة، ماذا قال لهم ابن مسعود؟
قال: "مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ
لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ
أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْ مُفْتَتِحُو
بَابِ ضَلَالَةٍ "، قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا
أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: " وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ
يُصِيبَهُ" .
فإذن، لمَّا كانَ الموضعُ يستدعي الحزمَ في ذلك حَزَمَ؛ لأنَّهم وإن كانوا يذكرون
الله -جلَّ وعلا- لكن لمَّا كان ذكرُهم عَلى حالٍ أو هيئةٍ لم تكن مَشروعة، أرادَ
ابن مسعود أن يحذِّرَهم؛ لأنَّ ذلك مِن مسالكِ الشَّيطانِ، في أنَّ يدعوهم إلى غيرِ
سُنَّة، حتى يتقرَّبُوا إلى اللهِ -جلَّ وعلا- ببدعةٍ، فيأنَسوا بها، فيذهبَ عليهم
عملُهم أو جملتُه.
إذن، الحكمة هي تُؤَدَةٌ ولينٌورِفقٌ، هي نَظَرٌ في حالِ المدعو، لكن لا يعني ذلك
استبعادُ الحزمِ والقوَّةِ مِن كلِّ وجهٍ، بل قد يُحتاج فيه إلى شيءٍ من هذا،
ولأجلِ هذا ذكرنا في ما مضى أنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكرِ بابٌ مِن
أبوابِ الدَّعوَةِ إلى اللهِ -جلَّ وعلا- ومع ذلك ماذا يقول فيه النَّبيُّ -صلى
الله عليه وسلم- في الظَّالم–أو المسيء؟«ولَتَأْخُذُنَّ عَلَى يدَيِ الظالِمِ،
وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرً» ،يعني ما فيه إلا حزم، وما فيه العقاب
لمن تخلف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولمَّاقيل للنبي –صلى الله عليه
وسلم: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ» .
فكلُّ هذا يدلُّ على أنَّه لابدَّ من الحزم أحيانًا، ومِن ذلكَ قصةُ أبي سعيد لما
روى حديثَ النَّبيِ -صلى الله عليه وسلم- عند مسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره
بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» .
إذن، ثَمَّ بابٌ مِن أبوابِ الدَّعوَةِ فيه حزمٌ، وفيه قوَّةٌ، وفيه أخذٌ على
يَدِالظَّالمِ، وفيه تعليمٌ وتوجيهٌ وإرشادٌ، وإن كانَ ذلكَ على خلاف اللِّينِ.
واللِّينُ والشَّفقةُ والرَّحمةُ والتُّؤَدَةُ، وعدمُ الإسراعِ، أو التَّنفيرُ على
المدعو؛ ظاهرٌ في جملةِ الأدلَّةِ، ويُؤخذ ذلك مِن هذه الآية:
﴿ادْعُإِلَىسَبِيلِرَبِّكَبِالْحِكْمَةِ﴾[النحل: 125]، فإنَّ الحكمةَ شيءٌ من
التُّؤَدَةِ والشَّفقَةِ بالمدعو، ورحمته وتعليمه، وذلك يحتاجُ إلى وقتٍ، ودلالاتُ
النُّصوصِ كثيرة في هذا، فكما جاءَ في قول الله -جلَّ وعلا:
﴿فَقُولَالَهُقَوْلًالَّيِّنًالَّعَلَّهُيَتَذَكَّرُأَوْيَخْشَى﴾[طه: 44]، وهو
فرعون الذي قالَ: أنا ربكم الأعلى. ولذلك يقول أبو يزيد الرقاشي: "هذا قولك لمن
يعاديك، فكيف بمن يحبك ويناديك". فالله -جلَّ وعَلا- أمرهما أن يَقولا له قولًا
لينًا، والله -سبحانه وتعالى- قال لنبيه:
﴿فَبِمَارَحْمَةٍمِّنَاللَّهِلِنتَلَهُمْوَلَوْكُنتَفَظًّاغَلِيظَالْقَلْبِلَانفَضُّوامِنْحَوْلِكَ﴾[آلعمران:
159].
فهذا إذن فيه إشارةٌ إلى هذا المعنى، ودلالاتُ النُّصوصِ كثيرةٌ، وحالُ النَّبيِّ
-صلى الله عليه وسلم- أشهرُ وأكثرُ مِن أن يُذكرَ، ومِن أشهر ذلك، وهي قصَّةٌ
لطيفةٌ عظيمةٌ يَرى فيها الإنسانُ العَجَبَ مِن حالِ النَّبيِّ -صلى الله عليه
وسلم- في دعوتِه، لمَّا كانَ مِن حالِ عُتبة بن أبي ربيعة -أبو الوليد- أنَّه قال:
أكفيكم أمره، وأعادَ النَّظرَ مع وُجهاءِ قريش، ورؤسائها، فجاءَ إلى النَّبيِّ -صلى
الله عليه وسلم- فذَّكرَه ببعضِ أمورِهِ، وقال له: إنَّك مِن أرفعنا، وأوجهنا، أمال
تريده فنعطيك؟! نجمعُ لكَ مِن أموالِنا حتى تكونَ أكثرنا مالًا، أو نجعلك أوجهنا،
فلا نقطعَ أمرًا حتى نستأمرك فيه، ألكَ رئيٌ مِن الجنِّ لا تستطيعُ دفعه فنطلب لك
الطِّبَ ولو دفعنا جميع أموالنا.
فعرَضَ عليه كلَّ شيءٍ، فقال: «فَاسْمَعْ مِنِّي» ، فابتدأ سورة فصلت، قول الله
-جلَّ وعلا:
﴿حم*تَنزِيلٌمِّنَالرَّحْمَنِالرَّحِيمِ*كِتَابٌفُصِّلَتْآيَاتُهُ﴾[فصلت: 1- 3]،
فقرأ عليه هذه الآيات، حتى وصلَ السَّجدةَ فسَجَدَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-
ثمَّ قامَ، ذكر أنَّ هذا وحيُ اللهِ -جلَّ وعلا- وأنَّه يدعو إليه، فلمَّا رجعَ
إليهم أبو الوليد، رجعَ بغيرِ الوجهِ الذي ذَهَبَ بِه، قالوا: والله ما هذا الوجه
الذي ذَهَبَ بِه، سَحَرَهُ محمد.
فتأمَّل هذه الدَّعوَة، وتلاوة هذه الآيات، ترقيقُ قلبِه بكتابِ الله -جلَّ وعلا-
هذا يدلُّ على مَا ينبغي أن يكونَ عليه للداعية مِن أن لا يستعجلَ على المدعو، وأن
لا يستعظمَ منه الأمرَ العظيمَ، فالوليد بن المغيره اتَّهم النَّبيَّ -صلى الله
عليه وسلم- أنَّه صاحبُ مالٍ، أو مريدُ للجاهِ، أو أنَّه كاذبٌ، أو أنَّه يتخبَّطُه
الجنُّ، ومع ذلكَ لم يَزدْ على أن تَلا عليه تِلكُم الآيات.
فإذن هذا أوَّلُ ما يتعلَّق بمعنى الحكمة، وذكرَ أهلُ العلمِ وذكرَ ذلك بعض
المفسرين، وجمعها الإمام السعدي -رحمه الله تعالى- في تفسيره المختصر وهو لطيف،
قال: "إنَّ الحكمةَ تَشمَلُ كلَّ مَا ذُكرَ مِن القرآنِ والكتابِ والسُّنَّةِ،
والبَدَاءةَ بالأهمِّ، والدَّعوَةُ بالعلمِ لا بالجهلِ، والنَّظرَ في حالِ المدعُو،
ومراعاة ما يُمكنُ أن يُقرِّبَ قلبَه، وما يَعلمه"، وذكر في ذلك معانٍ متقاربة،
أصلُها ما ذُكر في كلامِ السَّلفِ مِن أنها دعوةٌ إلى كتابِ الله -جلَّ وعلا-
وسُنَّةِ نبيِّه -صلى الله عليه وسلم.
إذن، هذا هو الأمر الأول.
الأمرُ الثَّاني: الموعظة الحسنة.
الموعظةُ الحسنةُ قالَ أهلُ العلمِ وأهلُ التَّفسيرِ: هي التَّرغيبُ والتَّرهيبُ،
والتَّرغيبُ والتَّرهيبُ مِن أعظمِ مَا يكونُبه هدايةُ الخلقِ، ولذلك كانت رِسالةُ
النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بشارةً
ونذارةً﴿إِنَّاأَرْسَلْنَاكَشَاهِدًاوَمُبَشِّرًاوَنَذِيرً﴾[الفتح: 8]، مبشرًا
بالخيرِ، ونذيرًا من الشَّرِّ، أليس كذلك؟
والبشارة أكثر ما تستَعمَل في الخيرِ، لكن قد تُستعمَل في
الشَّرِّ﴿فَبَشِّرْهُمبعَذَابٍأَلِيمٍ﴾[الانشقاق: 24]، لكن يقول أهلُ العلمِ: أنَّ
هذا على سبيلِ التَّهكُّمِ، وإلا فالأكثر أنَّ البشارةَ تكونُ بالخيرِ.
فإذن دعوةُ النَّبِّي -صلى الله عليه وسلم- بشارةٌ ونِذارةٌ، وهذا في كتابِ الله
-جلَّ وعلا- كثير، ذِكرُ الجنَّةِ وما فيها مِن النَّعيمِ، ومَا أعدَّ اللهُ -جلَّ
وعلا- لعبادِه المتَّقين ﴿إِنَّالْمُتَّقِينَفِيمَقَامٍأَمِينٍ﴾[الدخان: 51]،
﴿إِنَّالْمُتَّقِينَفِيجَنَّاتٍوَنهَرٍ*فِيمَقْعَدِصِدْقٍعِندَمَلِيكٍمُّقْتَدِرٍ﴾[القمر:
54، 55]، آياتٌ كثيرة في ذِكرِ الجِنانِ ومَا فيها مِن الرَّحماتِ، وفضلِ الله
-جلَّ وعلا- العظيم، كما في سورة الرحمن
﴿وَلِمَنْخَافَمَقَامَرَبِّهِجَنَّتَانِ﴾[الرحمن: 46]، فذكرَ أنواعًا من النِّعم
والنَّعيم الذي يتنعَّمُ به أهلُ الجنَّة.
أيضًا مَا جاء في حالِ أهلِ الجَحيمِ -نعوذ بالله من حالهم- فإنَّ فيها مِن الآيات
التي تقشعرُّ منها الأبدان، مِن وعيدِ الله -جلَّ وعَلا- لعبادِه إذا أخلُّوا، وإذا
أساؤوا
﴿يَوْمَتَشْهَدُعَلَيْهِمْأَلْسِنَتُهُمْوَأَيْدِيهِمْوَأَرْجُلُهُمبمَاكَانُوايَعْمَلُونَ﴾[النور:
24].
أيضًا في قولِ الله -جلَّ وعَلا: ﴿ذُقْإِنَّكَأَنتَالْعَزِيزُالْكَرِيمُ﴾[الدخان:
49]، لمَّا ذكرَ اللهُ -جلَّ وعَلا- مِن الزَّقومِ ومَا فيهِ، فجاءَ على سبيلِ
السُّخريَة، والامتهانِ، والإذلال له، ﴿ذُقْإِنَّكَأَنتَالْعَزِيزُالْكَرِيمُ﴾.
ففي كتابِ الله -جلَّ وعَلا- في مواضع كثيرةٍ ما هو مُحرِّك للقلبِ، ولذلك ألَّفَ
المنذري كتاب "التَّرغيب والتَّرهيب" في الدِّلالةِ على هذا.
وجاء في حديث عائشة في البخاري، قالت: "وكان أول ما نزل من القرآن ذكر الجنة
والنار، حتى إذا ثابت القلوب-يعني رجعت- جاء الأمر والنهي، ولو أن ما نزل هو الأمر
والنهي لما استجاب الناس" ، أو كما قالت -رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
فهذا يدلُّ على عِظَمِ أمرِ التَّرغيبِ والتَّرهيبِ، ودعوةِ النَّاسِ بالخيرِ.
وهنا مَلحظٌ مِن الملاحِظِ المهمَّة! وهو أنَّ بعضَ أهلِ الدَّعواتِ عن حُسنِ
نيَّةٍ أو عن جهلٍ تلقَّوهُ عَن بعضِ مُقَدَّمِيهِم؛ لا يرونَ الدَّعوَة إلا
بالتَّرغيبِ والتَّقريبِ، وينسون جانبَ التَّرهيبِ، أو يتركونَه، أو يؤخِّرونَه
بأيِّ تأويلٍ فعلوا، فإنَّ ذلك كلامٌ باطلٌ، وطريقةٌ مردودةٌ، وخلافُ مَا جاءَ في
الكتابِ والسُّنَّةِ، وما كان عليه سلف الأُمَّة، فلابدَّ مِن التَّرغيبِ، ولابدَّ
مِن التَّرهيبِ، والقلوبُ بين هذا وذا في رجاءٍ وخوفٍ، وإقبالٍ وإدبارٍ، وتحريكٍ
للنُّفوسِ؛ حتى تُشحذَ الهِمَمُ، وتُحرَّكَ النُّفوس، وتَنقادَ إلى الخيرِ،
وتَأطِرَ نفسها عليه، وتُباعدَ الشَّهواتِ، وتمتنعَ منها، وتعرفون أنَّ هذا مسلكًا
مِن المسالكِ الموجودة في الواقعِ، ويلجأ إليه أناسٌ آفتهم في ذلك التَّلقِّي عَن
بعضِ مُقَدَّمِيهِم، ومن وثِقوا به، ويتعلَّلون بعلَلٍ كلها عليلة، وكلها مخالِفة
لِما جاءَ بِه الكتابُ والسُّنَّة.
وينبغي هنا أن يُعلمَ أنَّه مهما وُجدَ مِن أثرٍ لهذه الدَّعوَةِ، أو قُربٍ لها، أو
رأينا بعضَ آثارِها في توبَةِ العاصينَ، وإقبالِ المدبرينَ، وهدايةِ الخمارينَ،
والحشَّاشينَ، وأهلِ الفواحشِ ونحوها، فإنَّ ذلك ليسَ بدالٍّ على صِحتِها
وسلامَتِها؛ لأنَّنا إنَّما نحن متَّبِعونَ، وبالكتابِ مهتدونَ، وبِسُنَّة نبيِّنا
-صلى الله عليه وسلم- مُتأسُّون، فلا ينبغي للإنسانِ أن يُحاكِم الكتابَ والسُّنَّة
إلى أعمالِ أولئك، وإنَّما أعمالُ كلِّ الخليقةِ والبشرِ محكومة بكتابِ الله -جلَّ
وعَلا- وسُنَّة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم.
جانب الوعظ والتَّذكير ثَمَّ طرفانِ فيه ووسطٌ، فمِن النَّاس مَن يجدُ نفسَه أكبرَ
مِن الوعظِ والتَّرغيبِ والتَّرهيبِ، وأنَّه وَصَلَ إلى مراحلٍ في النَّظرِ في
فنونِ العلم، ودقائقِ المسائلِ، والتَّبحُّرِ فيها، والتَّفرغِ لها، حتى يرى أنَّ
وقوفَه أو جلوسَه، أو استماعَه لبعضِ تلك المواعظ إنَّما هو انقطاعٌ له عن طريقِه
الذي سَلكَ فيه مسلكًا رفيعًا، وهذا لاشكَّ أنَّها مِن وساوسِ الشَّيطانِ، فإنَّ
التَّرغيبَ والتَّرهيبَ محرِّكٌ للقلوبِ ومُصلحٌ لها، ولذلك قال الله -جلَّ وعلا-
في كتابِه:
﴿يَاأَيُّهَاالنَّاسُقَدْجَاءَتْكُممَّوْعِظَةٌمِّنرَّبِّكُمْوَشِفَاءٌلِّمَافِيالصُّدُورِوَهُدًىوَرَحْمَةٌلّلْمُؤْمِنِينَ﴾[يونس:
57]، ثم قال الله:
﴿قُلْبِفَضْلِاللَّهِوَبِرَحْمَتِهِفَبِذَلِكَفَلْيَفْرَحُواهُوَخَيْرٌمِّمَّايَجْمَعُونَ﴾[يونس:
58]، وفضلُ الله -جلَّ وعلا- هو كتابُه، اتباعُ سُنَّة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-
فمَن لم يجعلْنفسَه تُوعَظُ بكتابِ الله، وتُحرَّكُ بسُنَّةِ رسولِ الله، وتُدعَى
إلى الخيرِ، وتُرغَّبُ فيه، وتحذر من الشَّرِّ؛ فإنَّه يوشِك أن يقعَ في البلاءِ،
وأن يُقارِبَ الشَّرَّ.
فكونك تعلم أنَّ هذا الحكمَ حرامٌ، مثل: الربا، فإنَّه لا يمنعك أن تقعَ فيه إلا
إذا علمتَ أنَّ الله لعنَ آكلَه، وأنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ذكرَ أنَّ«
الرِّبَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ بَابًا، أَدْنَاهَا مِثْلُ إِتْيَانِ الرَّجُلِ
أُمَّهُ» ، فإنَّ هذا أمنع للإنسانِ أن يقعَ فيه، وهكذا قل في مسائل كثيرة. فلأجلِ
ذلك ينبغي أن تُحرَّكَ القلوبُ وتُوعظ.
وثمَّ أناسٌ يدعون بالوعظِ والبِشَارة والنِّذارة حتى يغرقوا فيها بدونِ ما إبانةٍ
بالعلمِ، وهدايةٍ للحقِّ، وتبصيرٍ بالأعمالِ والعباداتِ، فربَّما حملَه ذلكَ على
الرَّهبانيَّة، أو الانكفاء والصُّوفيَّة، أو سَلَكَ مَسالِكَ ملتويَّة، فحرَّمَ
على نفسِه حلالًا، أو حملَ نفسَه على بلاءٍ أو شِدَّةٍ، ولذلك النَّبيُّ -صلى الله
عليه وسلم- لمَّا رأى زينب وقد علَّقت حبلًا في المسجد، فقال: «لِيُصَلِّ
أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ» .
فلولا العمل لما تبصَّروا، ولولا العلم ما عرفوا، ولربَّما شقَّ الإنسانُ على
نفسِه، مثل مَن نَذَرَ أن يحجَّ ماشيًا، أو حافيًا، فليمشِ وليركب، فكل ذلك يدلُّ
على أنَّ العلمَ بصيرةٌ، فإذا كانَت الدَّعوةُ وعظًا وتذكيرًا وزيادةً فيه بدون ما
إشارةً إلى الهُدى والحقِّ والصَّوابِ والسُّنَّةِ فربَّما حملَه على خللٍ أو خطأ،
فلأجلِ ذلك بابُ الوعظِ والتَّذكيرِ موجودٌ، وأصلٌ أصيلٌ، وهو جزءٌ ممَّا جاءت به
النُّصوص، في كتابِ الله -جلَّ وعلا- وسُنَّة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-فإذا
اجتمع وعظُ القلوبِ وتحريكهابالبشارةِ والنِّذارةِ، وانضمَّ إلى ذلك هدايةُ
النَّاسِ إلى السُّنِّنِ، وتبصيرُهم بالأحكامِ، وتعليمُهم ما يلزمهم مِن أمورِ
دينهم، إن كان ذلك في العباداتِ أو المعاملاتِ، أو ما يتجدَّد إليهم مِن حاجةٍ في
أمورٍ أخرى؛ فإنَّه سيكون ذلك أتمُّ لهم في الخيرِ وأقومُ لهم في الهدى.
﴿وَأَنَّهَذَاصِرَاطِي﴾[الأنعام: 153] الإشارة إلى معلوم أو مجهول؟
{معلوم}.
إلى موجود أو معدوم؟
{موجود}.
هذا صراطُ الله -جلَّ وعَلا- قد رسمَه نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- بما أُنزلَ
عليه من الكتابِ، وبِما استنارت قلوبُ هذه الأُمَّة بسُنَّة نبيِّها -صلى الله عليه
وسلم- فمَن أرادَها طلَبَها، ومَن سَلَكَها وُفِّق لها، فليبشر -بإذن الله جلَّ
وعَلا- بفوزٍ عظيمٍ، وجنَّةٍ عاليةٍ، وهدايةٍ في الدُّنيا والآخرةِ.
هذا مِن الأمور التي تتعلق أيضًا بما نحن بصدده من الحديث عن الحِكمَةِ والموعِظَةِ
الحسنةِ، فهي مِن مكملاتِ الحِكمَةِ، ولذلك جاءت في آيةٍ واحدةٍ، فإن شئتم أتممناها
بقول الله -جلَّ وعلا- أو بتمامِ الآية ﴿وَجَادِلْهُمبالَّتِيهِيَأَحْسَنُ﴾[النحل:
125]، وفي آية أخرى:
﴿وَلَاتُجَادِلُواأَهْلَالْكِتَابِإِلَّابِالَّتِيهِيَأَحْسَنُ﴾[العنكبوت: 46].
على كلِّ حالٍ، الجدالُ أصلًا في كثيرٍ مِن دلالاتِ الأدلَّةِ غيرُ مرغوبٍ فيه، ولا
محبَّبٍ ولا مطلوبٍ، وعلى هذا دلَّت دلالاتُ الكتابِ والسُّنَّةِ، فالنَّبيُّ -صلى
الله عليه وسلم- قال: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ
الْمِرَاءَ، وَإِنْ كَانَ مُحِقًّ» ، فالمراء والجدال والخصومات دائمًا أو غالبًا
ما تُنفِّر النُّفوسَ، وتؤجِّجُ العداواتِ، وتُظهِرُ النِّزاعَاتِ، وينتقلُ الإنسان
مِن إظهارِ الحقِّ وإبانَته، إلى الانتصارِ إلى نفسِه وإظهارِها، وإرادةِ تقزيمِ
صاحبِه، والتَّقليلِ مِن شأنِه واحتقارِه.
فلأجلِ ذلك كان الأصلُأن يُبعَدَ عن الجِدال ولا يُطلَب إلا في حالةٍ مختصَّة،
ولذلك يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- عند هذه الآية: "هذه الآية جاءت بتقسيمِ
الدَّعوَةِ إلى ثلاثةِ أمورٍ:
أولًا: دعوةٌ وهدايةٌ بالحكمةِ، يعني إلى الكتاب والسُّنَّة.وهذا للجاهل.
والحالة الثَّانية: الموعظة الحسنة، هو بالتَّرغيبِ والتَّرهيبِ.
والحالة الثَّالثة: جِدالٌ للمُعرضينَ والمعاندينَ".
وهنا نستذكرُ قولَ الإمامِ مالك لمَّا قِيل له: يا إمام، تكون عندي السُّنَّة
أُجادل عليها؟ يعني يسأل يقول: أجادل عليها، يقول: أنا أجادل عن السُّنَّة؟ قال:
"لا، أخبر بها، فإن قُبلت منك، وإلا فاسكت".
هذا الذي جاءَ عن الإمامِ مالك هو أيضًا في هذا المسار، وهو إشارةٌ إلى الجدالِ
المعهودِ الذي هو مذموم، والذي فيه حضورِ النُّفوسِ، وحضورِ الشَّيطانِ، وشيءٍ من
إرادةِ الانتصارِ والانتقامِ والتَّشفِّي في المخالفِ، وإرادةِ بيانِ جهلِهِ، أو
التَّقليلِ مِن شأنِه إلى غيرِ ذلك.
فلا يكونُ الجِدالُ إلا إذا احتيج إليه لمعارضٍ أو لمعاندٍ، فإذا وُجدت شبهةٌ
كَشَفَهَا، وإذا أوردَ حجَّةً أبطلَها، وإذا كانَ ثَمَّ مانعٌ بيَّن عدمِ امتناعه،
فيكونُ ذلكَ أهدَى للحقِّ، وأدلَّ على الصَّوابِ، ولذلك يقول السَّلفُ، ويقول أهلُ
التَّفسيرِ: فإن جادَلَهم فليكن ذلك بالوجهِ الطَّلِقِ، وبالرِّفقِ واللِّينِ،
وبحُسنِ الخطابِ، كما ذكر ذلك ابن كثير وغيره.
فلمَّا يجادل الإنسانُ بوجهٍ منطلقٍ، وبرفقٍ ولينٍ، وبحسنِ خطابٍ، فيكونُ الأمر
لازالَ متعلقًا بكشفِ الشُّبهَةِ، وإزالَةِ الإشكالِ، وحلِّ ما ذُكر مِن المانعِ،
وإبطالِ حجَّةِ المخالِفِ.
لأجلِ ذلك لو تأمَّلتَ في نصوصِ القرآنِ والسُّنَّةِ، لم ترَ كثيرًا مِن
المجادَلَة، وسترى أنَّ كثيرًا مِن أنبياءِ الله -جلَّ وعَلا- ورسُلِه يُعرضونَ عن
الجدالِ، وينذِرونَ أقوامَهم، ينبهونَهم ثم لا يزيدون، هذا إن شئتموه فهو الحقُّ،
وإن تركتموه تركتم الحقَّ، ولذلك ترى ما يكون مِن حديث الله -جلَّ وعَلا- وكلامِه
في قصَّة نوح، أو في قصَة شعيب، أو غيرها، يدعوهم، ثم يريدون ما يريدون، فيجيبُ
عنهم وتُختم بذلك الآيات، ليس فيه بعدها، أنَّا نبي الله كيف تخالفونني! أنا كذا!
لا، إنَّما هي إبانةٌ للحقِّ، ودفعٌ للإشكالِ، وترقيقٌ للقلوبِ. بعد ذلكتأتي من
الآيات ما فيها من الوعظ، وينتهي عند ذلك الحديث، ويُقَصُّ حالٌ مِن حالِ الأنبياء
مثل ذلك، سواء جئت إلى الآيات في سُورةِ الأعرافِ، أو في سُورة هود، أو في سورة
الشُّعراءِ، كلُّها متقاربة في هذا.
وحالُ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لم يكن لِيجادلَ المشركين، وما ذكرناه في
قصَّتهم لمَّا قالوا: تعبد إلهنا عامًا، ونعبد إلهك سنة، أن نَزلَت الآية وانتهى
عند ذلك.
إذا جئت أيضًا إلى حالِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في مواطنَ متعدِّدةٍ مع
قومِه، فقصته مع أبي الوليد مثلما ذكرنا، أيضًا لما دعاهم قال: «إِنِّي إِنَّمَا
أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَتُؤَدِّي
إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ»، فأنزل الله -جلَّ وعلا- حال المشركين،
قالوا: نعم وعشر أمثالها، قال: «لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ» ، ماذا بعد ذلك؟ سبُّوه
وشتَمُوه، وقالوا:
﴿أَجَعَلَالْآلِهَةَإِلَهًاوَاحِدًاإِنَّهَذَالَشَيْءٌعُجَابٌ﴾[ص: 5]، هل زاد؟ هل
جاء عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه انتقَصَهم؟ أو سبَّهم؟ أو عارضَهم؟ أو
أمعَنَ في إبَانةِ سوءهم؟ لا.
فيأتيه ملك الجبال ينزل عليه، ويقول: أتريد أن أطبق عليهم الأخشبين؟ قال: «بَلْ
أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ
لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئً» .
هذه كلُّها تدلُّ على أنَّ المجادلَة تكون بالتي هي أحسن، وأنَّ هذا هو الذي جاء به
الشَّرع، وأنَّه لا يُزادُ في ذلك البتَّة، وعلى هذا كانَ مسلك علماء الإسلام مِن
الصَّحابةِومَن بعدَهم.
هذا يسترعي الكلام عن بعض الوقائعِ، مثل: بعض المناظرات، فقد تكون بعض الأحداث التي
يكون فيها مسلمٌ وكافرٌ، يهوديٌّأو نصرانيٌّ، ثمَّ يتراجعون بالحُجَجِ والبراهين،
فهذه المناظرات إذا كان مبدؤها هو انتقاصُ المخالفِ، فهذه لا فائدة فيها، وليست
طريقة شرعيَّة، ولذلك ما جاء كتابُ الله -جلَّ وعلا- ولا سُنَّة نبيِّه -صلى الله
عليه وسلم- بتتبُّعِ كتبِ السَّابقينَ في التَّوراةِ والإنجيلِ للإبانَة عن
بطلانِها أو تناقضها، أو حصول التَّبديلِ فيها، مَع أنَّ الله -جلَّ وعلا- قرَّر في
كتابِه أنَّه حصَلَ فيها تبديلٌ، لكن لا فائدة مِن ذكرِ هذا، وأيضًا بعض النَّاس قد
يَظنُّ أنَّه بمثلِ إظهارِ هذه التَّناقُضَاتِ أو اختلافِ النُّسخِ أو غيرها، أنَّ
هذا إبطال لأصلِ دينِهم، لا، فنحن نعترفُ بما بَعثَ الله بِه موسى، ومَا بَعثَ الله
بِه عيسى، وما بعثَ به جميعَ أنبيائِه ورسلِه، ونؤمنُ بذلك، لكن نعلم أنَّ هذه
الرِّسالةَ هي خاتمةُ الرِّسالاتِ، وأنَّ هذا الكتابَ مهيمنٌ عليها، وأنَّ الله
-جلَّ وعَلا- قد نَسَخَ أن يُتَّبع دينٌ غير دينِ الإسلام، وغير شِرعة محمد -عليه
الصلاة والسلام.
فمثل هذه المناظرات أكثر ما فيها أنَّها قد تُظهرُ الشُّبَه، وقد تُسوِّقُ لها، قد
يَقفُ أو يُحرَجُ أو يَنقطعُ يَهوديٌّ أو نصرانيٌّ في ذلك الحوار، لكن ما الذي
يدريك أنَّه ربَّما تلقَّى بعضُ المسلمين أو غيرهم شبهةً فعلِقَت بقلوبهم فأفسدت
عليهم؟!
فعند ذلك نقول: إنَّ هذه المناظرات إنَّما يُحتاج إليها على وجهٍ، أوَّلُ شيءٍ
لإرادة هدايتهم للحقِّ، إذا كانَ مَا يمنعه مِن الاستجابةِ ما حَفِظَ مِن أنَّ هذا
هو الصَّحيح، فيُبيَّن له هذا، ثم يُنتَقَل منه إلى ما في دينِ الإسلامِ من كونِه
ناسخًا، وكونِه هو القاضي والحاكم على سائرِ الأديانِ.
ثم أيضًا إذا احتيجَ إليها -أي: إلى المناظرات- فإنَّها لا تكون بحضورِ العوامِّ،
وحضور مَن هبَّ ودبَّ، واجتماعِ النَّاس، ثم إعادة نشرها، فإنَّه ليس في ذلك إلا
-كما قلنا- تسويقٌ لبعضِ هذه الشُّبَه، وما يُدريكَ أنَّ الشُّبهَة قد تَعْلَقُ في
قلبِ المؤمن فيَلحَدَ، أو تقرَّ في قلبِ الموحِّدِ فيرتابَ، ويبقى طِيلةَ حياتِه في
شُبَهٍ وأهواءٍ، وفي ضلالاتٍ وفي مِحَنٍ، فلأجلِ ذلك لا ينبغي أن يُجعل ذلك طَريقًا
ولا مِنهاجًا.
فالمناظرات يُحتاج إليها، ويُؤخذ بها، ويُستَفادُ منها، قد تكون في محيطٍ خاصٍّ، أو
في مجتمعِ أهلِ علمٍ يُحتاج إلى دفعِ شبهةٍ، أو إلى منعِ ما يُسوَّقُ له بعضُ أهلِ
الإشراكِ، وبعضُ أهلِ عبَّادِ الأوثانِ، كبعضِ البوذيين، وبعض اليهود، وبعض
النَّصارى، هذا صحيح، لكن لا يُمكن أن يكونَ أصلُ الدَّعوَةِ بالمناظرة
والمجادلَةِ، وإنَّما بالهدايَةِ والدِّلالَةِ، ومثل هذا لا يُوفَّق له إلا
مُوفَّقٌ.
ونحن حينما نقول مثل ذلك نعرف لِمن شُغِلَ بمثل هذا قدره فضله، ندعوا له بأن
يسدِّدَه الله -جلَّ وعلا- لكن لابدَّ مِن إبانةِ الطَّريقِ الأقومِ، والسَّبيلِ
الأحقِّ، وأنَّ الخللَ يُصلَح، وأنَّ الخطأ يُقوَّم، وأنَّ السَّبيلَ ينبغي أن
تُطلبَ.
ولأجلِ ذلك جرى التَّنبيه على هذا، وكما قلنا تعرفون سِيرَ أهلِ العلمِ، وسِيَرِ
السَّلفِ، وسِيَرِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ فيما كانوا عليه من البُعدِ عن تلقِّي
الشُّبَه أو سماعِها، حتى إنَّ بعضَهم وقد بلغَ في العلمِ مبلغَه، لَيضعُ يديه في
أصبعيه امتناعًا من سماعِ بعضِ الشُّبَهِ، لئلا تَعلَقَ بالقلوبِ، وفي كتبِ علماءِ
أهلِ الإسلامِ إذا جاءت الشُّبهَة، أخذوها مجملَةً، وفصَّلوا الجوابَ عنها، أمَّا
تفصيلُ الشُّبهَةِ هو كالتَّسويقِ لها، ففي هذا مَلاحِظٌ قد لا ينتبه لها إلا أهل
العلم، فلأجلِ ينبغي لطالبِ العلمِ أن لا يُعنَى بالجدالِ، ومَواقع التَّواصلِ،
وهذه البرامج الجديدة تدعو إلى الأخذِ والرَّدِّ، وأنت ما خلقَكَ الله لهذا، فطالبُ
العلمِ والدَّاعية إلى الله -جلَّ وعلا- يُبيِّنُ الحقَّ، يقرِّبُه إلى النَّاس،
يتحبَّبُ إليهم به، يُظهِرُه في أحسنِ حُلَّة، وفي أكملِ صورةٍ، وفي أسهلِ عبارةٍ،
وكلٌّ بما يناسبه، ثم يدفعُ الإشكالَ إن استشكلَ، ويطلبُ ما يؤيِّدُ ما يذكره من
الحقِّ، ثم بعدَ ذلك يقف عن الأخذِ والرَّدِّ، والقيلِ والقالِ، والدُّخولِ في
تفاصيلِ الكلامِ، وهذا يحصُل به -بإذنِ الله جلَّ وعلا- خير كثير.
أمَّا الجدالات لا تجد بها إلا مرضَ القلوبِ، وفسادها، وجفاء النُّفوس، ثم بعد ذلك
قد يَعلَقُ الباطلُ في قلبك، وقد يقربُ منك الشَّرُّ، وقد يفوتُ عليك خيرٌ كثيرٌ،
وهذا في الواقع ِكثير فيمن شُغِلُوا بالأحاديثِ والمراجعاتِ، والمجادلاتِ، وربَّما
وقع لهم انحراف، أو طُمِسَ على قلوبِهم، أو ضَعُفُوا عن الحقِّ، ورَكَنُوا إلى
أنفسهم بعد ذلك، فلا للدَّعوةِ أدُّوا، ولا للبُعدِ عن البلاءِ حَصَلوا، فاجتمع
عليهم شرٌّ كثيرٌ.
هذه إشارةٌ مهمَّةٌ في معرضِ الحديثِ عن الدَّعوَةِ إلى اللهِ -جلَّ وعلا- بالحكمةِ
وذكرِ الموعظةِ الحسنةِ، والإشارةِ إلى الجدالِ بالتي هي أحسن.
كان بودِّي أن نستزيدَ في عناصرَ أخرى، لكن لعلَّ فيها غُنيَةٌ وبركةٌ-بإذن الله
جلَّ وعلا.
أسألُ اللهَ أن يجزيَكم خيرَ الجزاءِ، ربَّما كانت لكم أسئلة، أو للإخوة المشاهدين،
لعلَّكم أن تجعلوها في مقدِّمَة المجلسِ القادمِ؛ لأنَّ الوقتَ قد أزفَ أو انتهى.
أسألُ اللهَ لي ولكم وللإخوة جميعًا دوامَ التَّوفيق والسَّداد، والإعانة على
الخيرِ والرَّشادِ، وأن يرزقنَا الإخلاصَ أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا، وألا
يخذلنا إنَّ ربَّنا جوادٌ كريمٌ.
شكرَ الله لكم، وللإخوة القائمينَ على هذا البناء العلمي، وجعلَه الله -جلَّ وعلا-
بناءً وصرحًا متينًا باقيًا مَا بقيَ الزَّمانُ، ونافعًا على مَرِّ الشُّهورِ
والأعوامِ، وأن ينفعَ به القَاصي والدَّاني، إنَّ ربَّنا جوادٌ كريمٌ، وبالإجابةِ
جديرٌ، وصلَّى الله وسلَّم وباركَ على نبيِّنا محمدٍ.
سلاسل أخرى للشيخ
-
13400 33
-
17107 27
-
23749 18
-
78693 18
-
5037 6
-
2908 22
-
2730 24
-
2683 12
-
5748 12
-
8845 12
-
10684 24
-
11545 13