الدرس الثاني عشر

فضيلة الشيخ د. عبدالعزيز بن محمد السدحان

إحصائية السلسلة

7888 12
الدرس الثاني عشر

تفسير جزء تبارك

السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
غُرة ربيع الثَّاني، مِنَ العَام التَّاسع والثَّلاثين بَعد المائة الرَّابعة والألف للهجرة النَّبوية، على صاحبها أَتَمُّ الصَّلاة والتَّسليم.
حيَّا الله الإخوة الحاضرين الكرام، الشيخ سعيد، والشيخ صهيب، والشيخ عبد الكريم، والسعد مالك، وحيَّا الله المُشاهدين والسَّامعين، هذا اليوم هو خاتمة مَجالس التفسير لهذا المستوى، ونبدأ -إن شاء الله تعالى- مع سورة الْمُزَّمِّلُ، سنسمع السورة ثُمَّ نَسمع مَا يَسَّرَه الله مِن الكلام عليها.
وهذه السَّورة الكريمة، أي: سُورة الْمُزَّمِّلُ، اشتهرت وَعُرِفَتْ بهذا، ولم يَذْكُر حَسب بَحثي أهل علوم القرآن سوى هذا الاسم.
وسورة الْمُزَّمِّلُ سورة مكية، وعدد آياتها عشرون آية. ومِن بَاب التنبيه ورد في المكتبة الشاملة في تفسير القرطبي أنَّ عدد آياتها سَبْع وَعشرون آية، ولعلَّ هَذا خَطأ مِن النَّاسخ، أو مِن الطَّابع.
وَرَدَ في فضل سورة الْمُزَّمِّلُ حديثٌ لا يَصح، وهو: "من قرأ سورة الْمُزَّمِّلُ، دفع الله عنه العسرى في الدنيا والآخرة"[105]، وهذا الحديث لا يَصح سنده، وقد تقدَّم مِرارًا أنَّه لا يَلزم أن يَرِدَ حَديثٌ في فَضل كُلِّ سُورة، فالفضل العام لقراءة القرآن مَعروف وَمَشهور والحمد لله.
لكن هناك سُور جاء فيها فَضْل مُستقل، وجاءت أحاديث في الجمع بين سورتين في فَضْل مُستقل، وجاءت أحاديث في فَضْل آية مُستقلة، أو في فَضْل آيتين، أو في فَضْل آيات، وَقَد تَقدَّم ذِكرُ أمثلة على ذلك.
شيخ سعيد، اذكر لي مثالاً لحديث في فضل سورة معينة؟
{أحسن الله إليك. سُورة البقرة}.
حديث في فضل آية معينة؟
{آية الكرسي}.
نسمع الآن المقطع الأول مِن سورة الْمُزَّمِّلُ.
بسم الله الرحمن الرحيم.
﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلً﴾ .
قيل إنَّ أَصل الكلمة: يا أَيُّها المُتزمل، فأدغمت التَّاء في الميم، مثل: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ [المدثر: 1] أصلها: المُتَدثر، فأُدغمت التَّاء في الدال.
﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ المُراد به النَّبي -صلى الله عليه وسلم المتزمل في ثيابه، وهنا ذكروا أنَّ الْمُزَّمِّلُ هو المدثر، وقال بعض أهل التفسير: إنَّ المُدثر كان خِطابًا له في أول النبوة، فَلَمَّا مَضَى فَترة، تَزَمَّل في ثيابه، فَخُوطب بالقيام لصلاة الليل، ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ .
وهُنا ذَكَرَ بعض أهل العلم كالسُهيلي وغيره، أنَّ بَعضهم جَعَلَ مِن أسماء الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- الْمُزَّمِّلُ، وهذا خطأ، فالْمُزَّمِّلُ كانَ وَصفًا مُؤقتًا، مثل: المدثر، وقالوا: إنَّ النِّداء بالْمُزَّمِّلُ والمدثر، كان في أَول النبوة، ثُمَّ جاءت النِّداءات الأخرى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم﴾ [الأنفال: 70]، ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ﴾ [المائدة: 41].
وقال البعض وهذا من اللطائف أيضًا: إنَّ لفظ الْمُزَّمِّلُ فيه عِناية لَطيفة بالنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام، وقالوا في المَثَلْ: إِذَا نُودِي الشَّخْصُ بِحَال كان عَليها، دلَّ ذلك على مَحَبة المُنَادِي للمُنَادَى، واللطف به".
ومَنْ تَدَبَّرَ وَجَدَ أنَّ هذا قد حَصَلَ لمَّا غَاضَبَ عَلي فَاطمة -رضي الله عنهما- فذهب عليٌ وَنَامَ على التُّراب، فقال له النَّبي -صلى الله عليه وسلم: «قُمْ أَبَا تُرَابٍ»[106]، يعني: قُم يا أبا تراب، وفيه سقوط العتاب واللطف والمحبة.
وكذلك هذا مِثل مَا قَاله النَّبي صلى الله عليه وسلم لحذيفة: «قُمْ يَا نَوْمَانُ»[107].
فأنت الآن إذا نَاديتَ شَخصًا وكان على هيئة مُعينة ليس فيها محذور فهذا من باب التَّحَبُّب له، ولعلَّ المُنادى عَليه يعلم أنَّ هذا النِّداء، سواء  كان مِن أب أو معلم أو غيرهما هو مِن باب التَّحَبُّب، ومن باب إظهار مقامه وقدره.
﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلً﴾ قالوا: إنَّ قِيام الليل كان واجبًا على النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام، بل وعلى أصحابه، وخصَّه بعضهم بأنه كان من الخصائص النَّبوية، واستمر -عليه الصَّلاة والسَّلام- يقوم الليل حتى تَوفاه الله تعالى.
﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلً﴾ قيام الليل بجميع ساعاته فيه مَشقة، ولهذا قال الله تعالى: ﴿نِصْفَهُ﴾ أي: نَصِّفْ الليل ﴿أَوِ انقُصْ﴾ أي: انقُص مِنَ النِّصف قَليلًا، فيكون الثُّلُث، ﴿أَوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾ زد على النِّصف، فيكون المجموع قُرابة الثُّلُثَين، ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلً﴾ .
قالوا: إنَّ الأمر بِقيام الليل في أَول النِّبوة، والكثرة من الصَّلاة والمناجاة فيه قوة، وفيه نوع من زيادة الثبات، والتلذذ بالمناجاة الإلهية، وهذا مما يعطي صاحبه قوة بدنية، وقوة معنوية، ولهذا تَرَى طَالب العِلم إذا كان صَاحِب قِيَام ليلٍ، وصاحب تلاوةٍ، وصاحب تحنُّث، وللعبادة مكان من وقته لا تؤثر على دعوته، يكون أكثر نشاطًا مِن غَيره.
وأذكر في كتاب "طبقات الحنابلة" أنَّ أحد طُلاب العِلم كان يُكثر مِن العِناية بالحديث، وكان يُقلل مِن تِلاوة القُرآن الكريم، فَحَثَّه أحد أشياخه على العِنَاية بالتلاوة، فكأنَّ لسان حاله يقول: "لا أجد وقتًا للتلاوة وكتابة الحديث تَكفيني، فإذا قَرأت سَيَقِلُّ وقت طلب الحديث، ولكنه لما اعتنى بقراءة القرآن، انظر ماذا قال، قال: فلما عنيت بالقراءة كتبت أكثر من ذي قبل"، ولهذا كانت قراءة القرآن الكريم بتدبر وتأمل مما يُعين الإنسان على ممارسة أموره الدينية والدنيوية.
كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله تعالى عنهم- يَقومون الليل، وكانوا لا يَعلمون مِقدار الوقت، فكانوا يَقومون مِن بَاب التَّغليب، حتى يُحظوا بما جاءت به الآيات، فَشَقَّ ذلك عليهم، حتى جاء في بعض الروايات، أنَّهم قاموا ثمانية أشهر، وانتفخت أقدامهم مِن طُول القيام، طَمَعًا في إدراك الوقت الذي ذكره الله تعالى. لعلنا نسمع المقطع مرة أخرى.
بسم الله الرحمن الرحيم.
﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلً﴾ .
قِراءة القُرآن الكريم على أقسام، وعند هذه الآية بالتَّحديد ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلً﴾ ، جاء أثرٌ عن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- في تفسير البَغوي، الأثر فيه ضعف يَسير، لكنَّ المَعنى صحيح، وله شواهد مِن أقوال الصَّحابة والتَّابعين، يقول: "لا تَنْثُرُوهُ نَثْرَ الدَّقَلِ، وَلا تَهُذُّوهُ هَذَّ الشِّعْرِ، قِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ، وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ، وَلا يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ"[108]
لا تَنْثُرُوهُ نَثْرَ الدَّقَلِ، أي: القرآن، وَلا تَهُذُّوهُ هَذَّ الشِّعْرِ، قِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ، وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ، وَلا يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ.
لهذا كانت قراءة القرآن على أنواع، وأَذْكُر أنَّي قَرأتُ في بعض المَوسوعات العِلْمية أنَّ القراءة على أقسام: مِنها قِراءة الاستطلاع والتَّصفح السَّريع، يَبحث عن لفظة في سورة، فيتصفح للوقوف على هذه اللفظة؛ ليُراجع تفسيرها.
وهناك أيضًا قراءة الْهَذْرَمَةُ، الذي يخلط الحروف، وهذه مُستقبحة في قراءة كلام النَّاس، فكيف إن كانت في القرآن الكريم؟ لاشك أنَّ هذا أشْنَعَ وَأَقْبَحَ.
وأمَّا القراءة التي ذكرها الله، وأمر وَحَثَّ عليها النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام، فهي: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلً﴾ ، ذكروا أنَّ مِن مَعاني الترتيل: التنسيق، والتنضديد، والترتيب، وأيضًا إخراج الحروف مِن مخارجها، وعدم تداخل الحروف، وإبقاء المدود على طبيعتها، فقراءة القرآن بهذا النَّسق تجعل الإنسان يتدبر ويتأمل ويتفكر في مَا يَقرأ، ولهذا جاء الحَثُّ على التَّدَبر ﴿لّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ [ص: 29]، ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرً﴾ [النساء: 82] وفي سورة القتال، أي: سورة محمد: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَ﴾ [محمد: 24]، ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعً﴾ [الرعد: 31].
الشَّاهد: أنَّ قراءة القرآن على تدبر وترتيل وتأن أفضل مِن كثرة القراءة بلا تدبر.
ولهذا ذُكر عن بعض الصحابة أظنه ابن عمر، أو غيره، -رضي الله عنهم جميعًا: لأن أقرأ آية بتدبر، أحبُّ إليَّ من قراءة ختمة بلا تدبر[109].
ولهذا تجد في رمضان أنَّ بعض النَّاس يَحرص على أن يختم القرآن، فيأكل الحروف، ويعجل في القراءة حتى وأنت بجانبه، لا تَفهم مِنه إلا أصواتًا مُتتالية.
فنقول له ولمثله: لا تنظر ولا تَعُد كَم خَتَمْت، ولكن انظر كَم عَقلت، وكم تدبرت، وكم استفدت، وكم وكم إلى آخره.
نسمع المقطع الثاني.
﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلً﴾ .
﴿إِنَّ﴾ يعود لله تعالى، ضمير الجمع المفرد يدل على التَّعظيم، وقد وَرَدَ هذا اللفظ ﴿إِنَّ﴾ في غير مَوضع من القرآن الكريم، ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَ﴾ [الحجر: 9]، ﴿إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً﴾ [الواقعة: 35].
﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلً﴾ مَا المُراد بالقول الثقيل هنا ؟
المراد بالقول الثقيل هو: القرآن الكريم.
لماذا وُصف القُرآن بالقولِ الثَّقيل؟
للمفسرين أقوال كُثر في وصف القرآن بالثقيل، وسأذكر أقوالًا.
القول الأول:
قيل: ثقيل في قُوة حُجَجِه، وَرَدِّه للباطل. وقَوي في حِكَمِه وَأَحْكَامه على مَرِّ العُصور، وعلى اختلاف أَحوال النَّاس، فالحُجج القَوية بَاقية، تَرُدُّ على كلِ باطلٍ، في كُلِّ زمانٍ، وفي كُلِّ مَكان، وعلى كل من تبناه من إنسان.
إذن القرآن ثقيل في حُجَجِه، أي: قوي، وثقيل في حِكَمِه وأحكامه كذلك.
القول الثاني:
قيل: ثقيل أثناء نُزوله على الرسول -صلى الله عليه وسلم، حتى إنه قد جاء في الحديث عند أحمد وغيره: أنَّه كان إذا نَزَلَ عَليه القرآن وهو على الرَّاحلة، تَضع عُنقها على الأرض[110]، أو بِجِرَانِهَا من ثِقَلِ الوحي.
ولعلكم تذكرون حديث زيد بن ثابت، لما قال: أُنزل عليه، أي: غلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت فخذه على فخذي، حتى كادت فَخِذِي تَرُضَّ؛ من شدة الثِّقَل[111].
وكذلك أيضًا قول أُمُّنَا عَائشة -رضي الله عنها: إنه يُنزل عليه في اليوم شديد البروة، "وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا"[112] أي: من ثِقَلِ الوحي. إذن الثِّقل الحسي على بدنه -عليه الصَّلاة والسَّلام.
القول الثالث:
قيل: ثقيل، أي: كريم، تقول: فلان ثقيل علي، أي: كريم عندي.
القول الرابع:
قيل: الثقيل بمعنى عظيم الشَّأن، ولهذا قالوا في قَوله تعالى: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ﴾ [الرحمن: 31]، لعِظَم شأن الثَّقلين، الإنس والجن.
هذه معان أربعة وهناك معانٍ كثيرة أخرى، ولكننا نكتفي بما سبق، ولا يمنع كما نعلم جميعًا أنَّ الكلمة إذا كانت تحتمل أكثر مِن مَعنى، فالأصل أن يدخل فيها جميع المعاني، ولا يخرج منها أحد المعاني إِلَّا بقرينةٍ صريحةٍ صحيحةٍ.
ولهذا على سبيل المثال نجد أنَّ قوله تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7]، يشمل إلى ما لا نهاية له من الأعمال، فيشمل: مَن عَمِلَ بِرًّا، أو مَن أَعَانَ مِسكينًا، أو مَنْ أَنْقَذَ أحدًا، أو مَنْ فَكَّ كُربةً، أو مَنْ فَرَّج هَمًّا، أليس كذلك؟
﴿مَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً﴾ [النساء: 85]، مَا نَوع الشَّفاعة؟
أيُّ شَفَاعِةٍ، في إنقاذ رقبة، أو في نُصرة مَظلوم، أو في فَكِّ أسير، أو في تبرئة مُتَّهم، إلى آخره.
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ [البقرة: 201]، لو قال قائل: المراد بالحسنة هنا المال الحلال فقط لا غير، هل يُقبل كلامه؟ لا يُقبل؛ لأنَّه ضَيَّق واسعًا.
﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلً﴾ ، قيل: ناشئة الليل هي مُبتدأ الليل، وقيل: ساعة الليل إذا ابتدأت، كما يُقال نشأت السَّحابة، وكلمة ناشئة بلسان الحبشة.
﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئً﴾ ، قراءة القرآن الكريم مَحمودة في كل وقت، لكن هناك أوقات يتأثر فيها الإنسان أكثر من أوقات أخرى، وأنت تلاحظ هذا الشيء، فإذا صليت في مكان فيه إزعاج وضوضاء، يختلف عن أن تصلي في مكان هادئ، أليس كذلك؟
لَو صَلَّيت على سجادة سَادة خَالية مِن الألوان والزَّخَارف، هل الصَّلاة على سجادة مليئة بالزخارف والألوان تختلف عن الصَّلاة على السِّجادة السَّادة؟
لا شَكَّ، ولا ريب، ولهذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- لما أعطوه الأنبجانية قال: «ذكرتني بالدني»[113]، كان فيها أعلام فقط، يعني: مثل الألوان.
﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلً﴾ ساعات الليل، وبخاصة الساعات الأخيرة، ﴿هِيَ أَشَدُّ وَطْئً﴾ أي: أشد موافقة، ﴿لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾ [التوبة: 37] ليوافقوا عدة ما حرم الله.
﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئً﴾ على النَّفس، على الجوارح، على القلب، ﴿وَأَقْوَمُ قِيلً﴾ ، أكثر تَعَقُّلًا وتدبُّرًا لما يَقرأه الإنسان، ولما يَسمعه، ولهذا تلاحظ أنه في بعض التي تتحدث عن قيام الليل ككتاب محمد بن نصر المَروزي، والذي اختصره المقريزي: فيه آثار عن السلف، وكلمات لا يَقولها إلا مَن تَلَذَّذَ بقيام الليل، ولا يَستَشعرها إلا مَن أَحَسَّ القراءة بقلبه، لهذا قالوا: وطئًا يَتَواطأ السَّمْعَ والقلب، ﴿هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلً﴾ .
نسمع المقطع الثالث.
﴿إِنَّ لَكَ فِي اَلنهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلً﴾ .
إنَّ العِبَادة ومنها قِراءة القُرآن في وَقَت الليل أشد مواطأةً للقلب على ما يسمع، وليس معنى هذا أنَّ هذا خاصٌ بالليل، لكن الليل أكثر، ولهذا كانت أول فائدة في كتاب "الفوائد" لابن القيم، أنَّه ذَكَرَ أمورًا، ثُمَّ ذَكَرَ آية سورة "ق": ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 37]"، أي: أمورًا لابد منها.
﴿إِنَّ لَكَ فِي اَلنهَارِ سَبْحًا طَوِيلً﴾ لما ذَكَرَ أَمْرَ الليل، وأنَّ التِّلاوة والقراءة أشد تواطئًا، أو أشد موافقة للسمع والحفظ على القلب، ذكر أخبار النَّار، ﴿إِنَّ لَكَ فِي اَلنهَارِ سَبْحًا طَوِيلً﴾ قضاء الأشغال، ﴿سَبْحً﴾ قالوا: تتحرك، تذهب، وتُقبل، وتُدبر.
﴿سَبْحًا طَوِيلً﴾ سُميت السِّباحة بالسِّباحة؛ لكثرة حركة السَّابِح.
وهنا فائدة عارضة: كانوا في الجاهلية يُسمون الرجل الذي يُحسن السِّباحة والكتابة بالرجل الكامِل، ذكر هذا السيوطي -في ما أذكر- في كتاب "الباحة في فضل السباحة"، وأيضًا يُقال: فرس سابح، أي: كثير الجري.
﴿إِنَّ لَكَ فِي اَلنهَارِ سَبْحًا طَوِيلً﴾ شيخ عبد الكريم، لماذا لم يقل: سبحٌ؟ ﴿إِنَّ لَكَ فِي اَلنهَارِ سَبْحً﴾ .
{فُرِّقَ بين إنَّ وهذه الكلمة}.
ما شاء الله، تبارك الله، بارك الله فيك.
﴿سَبْحًا طَوِيلً﴾ تقضي فيه حوائجك.
والآن هل تذكرون آية فيها دليل على أنَّ النَّهار لقضاء الحوائج؟ ﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشً﴾ [النبأ: 11] ولباسًا، غُطي ظلمته الناس، والنهار معاش، لطلب الرزق والتَّكسُّب، والآن التَّكسُّب في كل وقت، ليل أو نهار.
﴿إِنَّ لَكَ فِي اَلنهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا * وَاذْكُرِ﴾ أو فاذكر؟
{﴿وَاذْكُرِ﴾ }.
لا تنظر في المصحف يا شيخ صهيب، هذا ليس جوابًا، هذا نقل.
أنا لماذا قلت؟ لأنَّ بعض الحفاظ ما شاء الله تبارك الله، يقول: قرأت في أحد كتب التراجم، قال: صليت خلف فلان، فقرأ بالبقرة، فلم يُبدل حرفًا مكان حرفٍ، ويقول لي بعض الفضلاء، صلى في رمضان خلف أحد الأئمة أظن توفي -رحمه الله، يقول: فما أخطأ إلا في كلمة، وردَّها مِن نفسه، صوَّبها مِن نفسه.
﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلً﴾ اذكر اسم ربك، ادع الله تعالى بأسمائه الحُسنى، ونستفيد هُنا أنَّ الأسماء توقيفية، فما سمَّى الله تعالى به نفسه يُسمَّى به، وما سمَّى النَّبي -صلى الله عليه وسلم- ربه يُسمَّى به.
﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ ادع بأسماء الله الحسنى، ولهذا قالوا: التوسل أنواع، أفضله: التوسل بأسماء الله تعالى، يا رحيم ارحمنا، يا رزاق ارزقنا.
﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلً﴾ التبتُّل: الانقطاع، ولهذا يُقال: مَريم البَتُول، وفي نسل الرسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال الناظم:
وليس في بناته من أنجبى
 
 
إلا البتول طابت أما وأبا


من المراد بالبتول هنا؟
البتول فاطمة -رضي الله عنها.
سؤال: هنا قال: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلً﴾ ، وجاء في السُّنَّة النَّهي عن التَّبتُّل، حتى قال بعض المفسرين: جاء في القرآن الأمر بالتَّبتُّل: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلً﴾ ، وجاء في السُّنَّة النهي عن التَّبتُّل، فما الجمع بين هَذا وذَاك؟
مِنَ المُتَّفَق عليه أنَّه لا يُوجد تَعارض البتة بين القُرآنِ الكريم والسُّنَّة النَّبوية، حتى قال ابن خزيمة: هاتوا لي حديثين مُتعارضين، يعني تحدٍّ بثقة، ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرً﴾ [النساء: 82] ما قال اختلافًا فقط، ﴿اخْتِلَافًا كَثِيرً﴾ .
فهنا التَّبتُّل ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلً﴾ ، وفي السُّنَّة نهى عن التَّبتُّل، فما الجواب؟ لو قال قائل: كيف نُهي عن التَّبتُّل، وهنا يأمر به؟
التَّبتُّل المنهي عنه في السُّنَّة، هو التشبه بما عِند بعض النَّصارى، ترك التزوج، والانقطاع عن النَّاس، والعُزلة، وتضييع المَصالح.
والتَّبتُّل المشروع: هو أن يجعل الإنسان مِن وَقته تَفرُّغًا للعبادة، ينقطع فيه للتَّعبد، ولا تتعطل فيه المصالح، مثل: الاعتكاف، متى يُسمى الاعتكاف تبتلًا يا شيخ سعد؟
إذا اعتزل الإنسان في مُعتكفه، أي: انقطع عن النَّاس وتفرَّغ للعبادة، لكن هذا تبتُّل مشروع، ولهذا دائمًا أيُّها الأكارم نعرف أنَّ مَا حَثَّ عليه الشَّرع مِن الزُّهد والكرم والتَّبتُّل والتعبُّد، إذا وافق أمور الشَّرع، فهو مشروع، وإذا خالف فهو محذور ممنوع، مثل: الزُّهد.
حتى التَّوبة قد تكون تارة مشروعة، وتارة غير مشروعة، أحد يعطيني مثالًا؟
التوبة المَشروعة هي التَّوبة النَّصوح، أريد مِثالًا على التَّوبة غير المَشروعة، أو التَّوبة البدعية إنْ صَحَّتْ العِبارة.
{قلع العين لعدم النظر، عند النظر إلى المحرم، فيقلع عينه توبة لله}.
ذكر ابن الجوزي وغيره، أنَّ بعض النَّاس إِذا نَظَرَ إلى المحرَّم، يفقأ عَينه، ويقول: الآن تُبت، يُقال: أنت الآن أثمت إثمًا أعظم مِن الأول؛ لأنَّ الله أَرْحَم بِعِباده أن يُعذِّبوا أنفسهم، بل إنَّ بَدَنَكَ ليس ملكًا لك، أنت مُؤتمن عليه، أدووا الأمانات، أنت مؤتمن عليه.
وما المال والأهلون إلا ودائع


 
ولا بد يومًا أن ترد الودائع


إذن التَّبتُّل المشروع، التعبُّد المشروع، وأما التَّبتُّل الممنوع: هو الانقطاع عمَّا أوجب الله، وعلى المصالح، والتفرُّغ لعبادة غير مشروعة. ونسمع المقطع الرابع.
﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا * وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلً﴾ .
عبد الكريم ذِكرُ مالك المشارق والمغارب، ما مرت علينا؟ جاءت ثلاثة آيات، بالإفراد والتثنية والجمع، هنا إفراد، أليس كذلك؟
وفي المعارج: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ [المعارج: 40]، هذا الجمع.
أين هو التثنية؟
{في سورة الرحمن}.
نعم في سورة الرحمن ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ [الرحمن: 17]، والمراد مَشَارِق الشَّمس ومغاربها، قيل: في الشتاء والصيف، وقيل: مشارق الكواكب، والمغارب لها.
﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلً﴾ التوكل لا يكون إلا على الله، ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: 23]، وجاء التوكل في آياتٍ كثيرةٍ، فالتوكل عمل قلبي من أعمال القلوب، وأعمال القلوب هي الأصل، ويأتي بعدها أعمال الجوارح، وهما متلازمان، وأعمال القلوب أصل الأعمال، بل قال بعض أهل العلم كابن القيم: لا يُفرَّق بين المسلم المؤمن الصَّادق والمنَافق إلا بأعمال القلوب، فهم يُصَلُّونَ ويقرءون معًا، أليس كذلك؟ لكن ما في القلوب لا يعلمه إلا الله -عز وجل، ولهذا أعمال القلوب، مثل: الخشية والرجاء والتوكل الخوف، وهناك رسالة عظيمة لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في أعمال القلوب، تسمى "التُّحفة العِراقية".
﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلً﴾ الصبر عبادة، ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ [النحل: 127]، والصَّبر كما ذكره الله تعالى في سورة العصر: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 3]، وجاء الصَّبر في مواضع كثيرة.
﴿وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلً﴾ اصبر على آذاهم، أنت الآن في مكة، وضعيف، ومن السِّياسة الشَّرعية عدم مُواجهة مَن هُو أقوى منك، ولهذا في سورة الزخرف: ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ﴾ [الزخرف: 89]، وفيه أيضًا غابت عن بالي بعض الآيات ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفً﴾ [الأنفال: 66]، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- في مكة كان يواجه، وما كان له عليهم سلطان، وكان الكفار أقوى منه، وتكاتفوا عليه حسًّا ومعنى، والرسول -صلى الله عليه وسلم- أحكم الناس، وأعظم الناس، وأسرع الناس تأديةً لما أمره به ربه ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلً﴾ .
أخذنا في درسٍ سابقٍ أنّ الله ذكر وصف الجميل لأشياء، منها: الهجر الجميل، والصفح الجميل، والصبر الجميل.
الصبر الجميل: صبر بلا شكوى، والهجر الجميل: هجر بلا أذى، والصفح الجميل: صفح بلا عتاب. ولشيخ الإسلام ابن تيمية في ما أذكر، إمَّا رسالة وإمَّا جوابًا عن هذه المسألة.
نسمع الآن المقطع الذي بعد هذا المقطع.
﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا * إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا * يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلً﴾ .
﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ﴾ إِذَا عَاداك شخص، ثُمَّ جاءك آخر يقول لك: "أنا أساعدك عليه"، أو "افعل كذا لتتغلب عليه"، أو "ذَرْهُ لي، وأنا أكفيك إِيَّاه".
أي الصيغ الثلاثة أبلغ في النصرة؟
أقوى صيغة وأبلغ في النصرة هي لمن قال: "ذَرْنِي"، كأنه يقول: دَعْكَ وشأنه، لا تُشغل بالك به، أَنَا أكفيك إِيَّاه.
﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ﴾ المُعاندين الذين كابروا وعاندوا واتهموك.
﴿أُولِي النَّعْمَةِ﴾ النَّعْمَة، والنِّعْمَة، والنُّعْمَة.
النَّعْمَة: التَّنعُّم، والنِّعْمَة: الإنعام، والنُّعْمَة بالضم: المَسرة.
هذه الفروق قد تَجتمع في كلمة واحدة، وقد تفترق، لكن كتب الفُروق بعضها يُعنى بمثل هذه الألفاظ، وقد يكون ليس هنا فرق إلا في النُّطق، والمعنى واحد، لكن مِن باب ذكر كلام العرب واستعمالاتهم، النَّعمة من باب التنعم، والنِّعمة: الإنعام، تتنعم بهذه النعمة، والنُّعمة: المسرة، تُسر، تبتهج بما أفاء الله تعالى عليك.
﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلً﴾ مهما طال عمرهم فهو قليل بالنسبة لما سيلقون في الآخرة من العذاب الطويل،
﴿إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالً﴾ الأنكال: الأغلال، وقيل: القيود، أو هذا التعريف أشهر، ﴿أَنكَالًا وَجَحِيمً﴾ .
﴿وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ﴾ جاء وصف الطعام في غير آية، طعام أصحاب النَّار، أحد يذكر آية، أو آيات فيها وصف لطعام أهل النَّار؟ اذكر أنت يا مالك.
{﴿وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ﴾ [الحاقة: 36]}.
غسلين، وكذلك الضريع، وهذه الأطعمة يقولون: صعبة، لا تخرج ولا تدخل، إذا أكلوها تبقى مُعلَّقة-عفانا الله وإياكم، فيتعذبون بعدم إخراجها مع قُبحها، وبعدم دخولها مع قُبحها.
﴿وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا * يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ﴾ الرجفة اهتزاز، ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ﴾ [النازعات: 6، 7].
الأرض جاء لها في القرآن الكريم عند قيام الساعة أوصاف: الزَّلزلة، والرَّجفة، والجبال جاء لها أيضًا أوصاف، قيل: ترتجف الجبال، فتكون كَثِيبًا مَّهِيلًا، كالرَّمل، إذا أخذت منه يتساقط، ثم بعد ذلك ﴿وَيسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفً﴾ [طه: 105].
لعل المخرج يعيد المقطع مرة أخرى؛ حتى نستفيد.
﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا * إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا * يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلً﴾ .
نعم، الطعام كما تقدَّم ذا غُصَّةٍ، والغصَّة قد تقتل الإنسان، ولهذا ذكر الفقهاء إذا كان يأكل، ثم غصَّ في طعامه، وليس عنده أمامه إلا شراب محرَّم، سيموت، يعرف من نفسه، فهنا رُخِّصَ له، دليل على شدَّة الغصَّة، وعلى أثرها على الشخص، هذا والغصَّة خطيرة، وكانت في طعام لذيذ، فكيف إذا كانت الغصَّة في طعامٍ قبيحٍ، في طعام لا تستسيغه النفوس، ولا تستمرؤه البطون، ومع ذلك بقي هذا الطعام في حلوقهم، لم يدخل، ولم يخرج.
نسمع المقطع الذي بعده.
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلً﴾ .
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ﴾ ذكر المثال مِن الأمم السَّابقة؛ حتى نعتبر، وأنَّ الإنسان بعد رحمة الله لا يَنفعه إلا عمله الصالح، ومن قبلنا فيهم التجار، وفيهم الفقراء، وفيهم الوجهاء، وفيهم الضعفاء، وَهَلمَّ جرا، أجناس مختلفة في كل عصر، فجاءهم رسول، وجاءنا رسول، بَلَّغوا رسالات ربهم، ونصحوا أممهم حق النُّصح، ومحضوهم حق النُّصح، وكانت العاقبة لمن أطاع الظُفر، ولمن عصى الخسران، ولا يظلم ربك أحدًا.
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلً﴾ .
رأس الأُمَّة، رأس القوم، أي: فرعون، ومع ذلك عاند، ولم ينفعه جاهه، ولا حسبه، ولا منصبه.
فإذا قرأ الإنسان مثل هذا، عَرَفَ أنَّ الله تعالى عَدل، يعطي من يشاء بفضله، ويمنع من يشاء بعدله.
هنا فائدة: يقول بعض الناس: اللهم عاملنا بعدلك، لو عاملنا الله بعدله نهلك، ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ﴾ [فاطر: 45]، لكن: اللهُمَّ عاملنا بفضلك.
﴿فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلً﴾ أخذًا شديدًا، ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ [القمر: 42]، التعبير بالأخذ في مقام العقوبة، دليل على شدة العقوبة.
نسمع المقطع الذي بعده.
﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا * إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلً﴾ .
﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبً﴾ أي يوم هذا؟
طبعًا معروف، هو يوم القيامة. يحصل للنَّاس أحوال في يوم القيامة، يصعب أن تكون في الدنيا، مَهما بلغ الحال بهم، يعني: أشياء فطرية في النفس، أشياء جِبِلِّيَّة في النفس، في الدنيا عند المسلمين وغير المسلمين، لكن في الآخرة تتغير تلك الأشياء الفطرية الجِبِلِّيَّة، مثل ماذا؟
مطلع سورة الحج: ﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾ [الحج: 2]، الآن في الدنيا، المرضعة التي مَعها الطفل، أي: الأم، ما يمكن أن تغفل، إلا في شيء شديد، لكن في القيامة ﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾ ، ثم: ﴿وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَ﴾ [الحج: 2].
وقد جاء في الحديث أنَّ الثُّعبان وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ يُعمي البَّصر، ويُسقط الحمل من شكله المرعب[114]، ففي يوم القيامة مواقف شديدة ﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج: 2]، وهنا: ﴿يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبً﴾ ، في آية لقمان: ﴿لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ ولَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئً﴾ [لقمان: 33].
فالشَّاهد كما في الآية: ﴿يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبً﴾ ، يشيب، غلمان ما جاءهم الشيب، لكن من شدة الهول.
بعده: ﴿السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ﴾ هل أحد يذكر آية في وصف السَّماء عند قيام السَّاعة؟
﴿إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ﴾ [الانشقاق: 1]، ﴿إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ﴾ [الانفطار: 1]، وهنا ذكر ﴿السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ﴾ تنشق هذه السَّماء العظيمة الارتفاع الشاهقة السميكة.
وكذلك ﴿وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾ [الرحمن: 37]، فهذه الأمور العظيمة، وتلك السنن الكونية تتغير عند قيام الساعة.
﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ﴾ أي: ما جاء في القرآن الكريم، وما سبق من آيات، ﴿فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلً﴾ ، أي: أنَّ الإنسان الآن لديه الطريق، ﴿فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: 29]، ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورً﴾ [الإنسان: 3]، ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: 10]، النجدان: طريق الخير والشر، ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: 5- 10]، ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾ [الشورى: 20].
يعني بيَّن الله الحجة والمحجة وأقام السَّبيل، وبيَّن الطريق، وليس لأحدٍ حُجة.
﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلً﴾ .
{أحسن الله إليكم. ما فوائد التذكرة والموعظة؟}.
أحسنتَ. جزاك الله خيرًا، ذكرتني.
﴿فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ [الأعلى: 9]، ﴿سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى * وَيتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى﴾ [الأعلى: 10، 11]، إذن الذكرى قد تنفع أُناسًا، وقد لا تنفع آخرين، طيب لو قال قائل: ما آثار نفع الذكرى لصاحبها؟
أختصر لكم الطريق، فيه آية في سورة النساء: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمً﴾ [النساء: 66- 68]، واحدة تكفي فضل وفخر، فكيف بها مجتمعة.
﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلً﴾ ، طريق الرضا، وطريق طاعة الله تعالى.
نسمع المقطع الأخير.
﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاة وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ .
ذَكَرَ بعضُ أهل التَّفسير أنَّ هَذه الآية فيها التَّخفيف مِن الله تعالى، على مَا كَان في أول السُّورة، حتى قال بعضهم: إنَّ بين أول السُّورة وآخرها وقت، قدَّره بعضهم بسنة، وقدَّره بعضهم بأقل أو أكثر.
وهُنا ذَكَرَ اللهُ تعالى أنَّهم لن يَستطيعوا القِيام بما كُلِّفوا به، فَخَفَّفَ عَنهم، وَرَحِمَهُم، وَعَذَرَ مَن كَان له عُذر، مثل: المريض، أو مِثْلَ مَن يَذهب ليضرب في الأرض ويبتغي تجارة، أو مثل: مَن يُجاهد في سبيل الله، حتى قال بعضهم: في هذه الكلمة ﴿يُجَاهِدُونَ﴾ علامة مِن علامات النبوة، كيف ذلك؟
قال: لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنَّ الجهاد سَيُسقِط عنهم القيام؛ لاشتغالهم بالجهاد، فهذه علامة من علامات النبوة، وهذا من فضل الله أنَّ المعذور عن الطاعة إذا تركها مع رغبته فيها، أي: منعه مانع، فإن الأجر يجري عليه.
أحد منكم يذكر دليلًا في أن الأجر يجري على صاحب الطاعة إذا منعه مانع من غير رغبة، أو لعذر شرعي؟ هل تذكر يا صهيب؟
{قوله -سبحانه وتعالى: ﴿وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾ [النساء: 100]}.
هذا دليل عام، لكن نريد أخص.
{أحسن الله إليك. حديث أنس: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا، مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلا كَانُوا مَعَكُمْ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ مُقِيمُونَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، قَدْ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ»[115]}.
ومثله حديث أبي موسى الأشعري: قال -صلى الله عليه وسلم: «إذا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحً»[116].
هنا سؤال: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاة وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ السورة مكية، والزكاة متى فُرضت؟ في المدينة، قالوا هنا: ما بالزكاة الصدقة، وقيل: إنها فُرضت إجمالًا، وجاء تفصيل الأنصبة في مكة، وأيضًا قالوا هنا أيضًا من ضمن الآية: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ﴾ لو كان يسيرًا، عند الله أعظم أجرًا.
ثُمَّ حَثُّ على الاستغفار، والاستغفار تَقَدَّم الكلام عنه.
خِتامًا، هذا آخر مجلس، والله تعالى أسأل أن ينفعنا جميعًا بما سمعنا، وأن يُعلمنا ما ينفعنا، وأنا أشكركم جزيلًا على حضوركم، وعلى الإعانة في البرنامج، وقبل ذلك ومعه وبعده.
أشكر الله تعالى الذي يَسَّر مَا كان عَسيرًا، وأشكر الشَّيخ سعيد، والشيخ صهيب، والشيخ عبد الكريم، والشيخ سعد، والشيخ مالك، ثم أشكر القائمين على هذه الأكاديمية، بداية من معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ، والشيخ راشد الزهراني، والشيخ سعيد الكثيري، والأستاذ مصطفى جعفر محمد بتيك، وياسر محمد الحسن فرج، ومسعود جمال محمد شريف، وأيضًا سليمان بن عبد الرحمن السكيت، ومحمود محمد عبد الحليم، وشادي أسامة زينة، وكذلك مصطفى مختار مصطفى مختار، هكذا اسمه، مكرر مرتين، ونقول يا مصطفى مختار، الذي بعدك هو حسن مصطفى مختار، وقد رزق هذا اليوم بتوأم، بابن وابنة، جعلهما الله قرة عين والديهم، وقد أسمى ابنته سارة، جعل الله مواليدكم ومواليد المسلمين قرة عين لوالديهم، أتقياء لربهم، شكرًا لكم، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عفوًا، فيه نقطة نسيتها، أنا أخطأت في تفسير ﴿الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ﴾ [الملك: 19] قلت: إذا كُن يطرن يصعب مسكهن، والصَّواب أنَّه مَا يُمسكهن عَن السقوط إلا الله عَزَّ وَجَلَّ.
والخطأ الثاني أني ذكرت آية في الأسبوع الماضي وقلت في سورة التغابن وهي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارً﴾ [التحريم:6]، وهي في سورة التحريم.
هذا أحببت التنبيه عليه، وأشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
--------------------------
[105] قال الشوكاني رحمه الله: "رواه العقيلي عن أبي بن كعب مرفوعاً ، قال ابن المبارك : أظن الزنادقة وضعته". وهذا الحديث بطوله ذكره ابن عدي في الكامل (7/2588)، والسيوطي في اللآلي المصنوعة (1/227) والذهبي في ترتيب الموضوعات (60) وغيرهم.
[106] البخاري (441)، ومسلم (2409) عنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: (جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي البَيْتِ، فَقَالَ: "أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟" قَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي، فَخَرَجَ، فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِنْسَانٍ: "انْظُرْ أَيْنَ هُوَ؟" فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِي المَسْجِدِ رَاقِدٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُهُ عَنْهُ، وَيَقُولُ: "قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ")
[107] مسلم (3349) عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَوْ أَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلْتُ مَعَهُ وَأَبْلَيْتُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنْتَ كُنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ، وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، فَقَالَ: قُمْ يَا حُذَيْفَةُ فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ، فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ، قَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ"، فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ، فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ، فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِي كَبِدِ الْقَوْسِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ، فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِي فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ، فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا، فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، قَالَ: قُمْ يَا نَوْمَانُ"
[108] رواه ابن أبي شيبة وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه.
[109] قال ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة: لا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر فإنه جامع لجميع منازل السائرين.. فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها.. فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن، وهذه كانت عادة السلف يردد أحدهم الآية إلى الصباح، فقراءة القرآن بالتفكر هي أصل صلاح القلب ولهذا قال ابن مسعود: لا تهذوا القرآن هذ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، لا يكن هم أحدكم آخر السورة. وروى أبو أيوب عن أبي حمزة قال: قلت لابن عباس إني سريع القراءة إني أقرأ القرآن في ثلاث قال: لأن أقرأ سورة من القرآن في ليلة فأتدبرها وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كما تقرأ. اهـ.
[110] أخرج أحمد ( 41 / 362 ) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "إِنْ كَانَ لَيُوحَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَتَضْرِبُ بِجِرَانِهَا" زاد البيهقي في "دلائل النبوة" (7 / 53) قولها: "مِن ثقل ما يوحي إلى رسول الله".
[111] أخرج البخاري (2677) عن زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قال : " ... فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنَّ تَرُضَّ فَخِذِي".
[112] البخاري (2) عن عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا"وفي رواية مسلم (2333): "ثُمَّ تَفِيضُ جَبْهَتُهُ عَرَقًا". ( يفصم ): ينقطع. ( يتفصد ): يسيل.
قال الحافظ ابن حجر: وفي قولها في اليوم الشديد البرد دلالة على كثرة معاناة التعب والكرب عند نزول الوحي لما فيه من مخالفة العادة وهو كثرة العرق في شدة البرد ، فإنه يشعر بوجود أمر طارئ زائد على الطباع البشرية" [فتح الباري: (1/21)].
[113] روى البخاري (373) ومسلم (556) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ فَنَظَرَ إِلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي" وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عَلَمِهَا وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي"
والخميصة: ثوب مخطط من حرير أو صوف.
والأعلام: نقوش وزخارف
والأنبجانية: كساء غليظ لا نقوش فيه ولا تطريز .
[114] أخرجه البخاري (3297) ومسلم (2233) وفيه أنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ وَيَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ".
[115] البخاري (4098)
[116] البخاري (2996) عن أبي مُوسَى.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك

سلاسل أخرى للشيخ