الدرس التاسع

فضيلة الشيخ د. عبدالعزيز بن محمد السدحان

إحصائية السلسلة

5058 12
الدرس التاسع

تفسير جزء تبارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حيى الله الإخوة المشاهدين والسَّامعين والحاضرين.
العَاشر مِنَ الشَّهر الثَّالث، للعام التاسع والثلاثين، بعد المائة الرابعة والألف، للهجرة النبوية على صاحبها تمام الصَّلاة والتسليم.
مَا يَزال الكلام عَن سُورة نوح -عليه الصلاة والسلام، وتقدَّم كلام على بعض الآيات، نأمل من المخرج أن يُعيد لنا المقطع الثالث.
قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارً﴾ .
هذه مِن رَحمة نوح بقومه، ومِن فِقه الأنبياء في دعوة قَومهم أنَّهم يَسلكون شتى السُّبل في سبيل إصلاحهم، فنوحٌ عَانَى مِن قَومه مُعاناة شَديدة، كما عَانَى أولوا العزم مِن الرسل، وَسَلَكَ مَعهم -كما ذكر الله تعالى- في دعوتهم طرقًا، فدعاهم ليلًا ونهارًا، يعني: لا يسمعه أحد، ولم يجاهر بذلك، بل كان كما في بعض التفاسير يأتيهم ويخاطبهم بينه وبينهم، ويتلطف معهم على طول المدة التي قضاها معهم، وهذه طريقة مِن طُرق دعوته -عليه الصلاة والسلام- لقومه، وأخبر أيضًا أنَّ دعوته لهم بهذه الطريقة وهذا التلطف لم تزدهم إلا فرارًا.
وصاحب الخير لا ييأس ولا يقنط، بل عليه الاستمرار، أمَّا إذا عَانَدَ المدعو، واستكبر وأصر، فلا يضر إلا نفسه، والعبرة ليست بالاستجابة، وإنما العبرة أن يستفرغ الداعي وُسعه في دعوة الناس للخير، فإن استجابوا فله ولهم، وإن أعرضوا فله وعليهم.
ولهذا لا تربط النتائج بنجاح النصح، وقد جاء في الحديث الصحيح الذي يعرفه الجميع: «يأتي النبي ومعه الرهط ومعه الرهيط»، إلى أن قال: «ومعه الرجلان، ومعه الرجل، ويأتي النبي وليس معه أحد»[79]، وأذكر كلمة قرأتها في تاريخ الألوسي "المسك الأظفر"، يقول: "ما ضرَّ النبي قلَّة أتباعه، وما قلَّ العالم قلَّة تلاميذه".
نسمع المقطع الرابع.
﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارً﴾ .
عاندوا بالقول والفعل.
عبد الكريم، أين عنادهم بالفعل؟
{﴿جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ﴾ }.
يعني: كلما دعاهم نُوح ليغفر لهم، أعرضوا قولًا وفعلًا، أي: بالكلام البذيء والسخرية، كما قال الله تعالى عن نوح -عليه السلام: ﴿إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ﴾ [هود: 38]، وعاندوا بالفعل: ﴿جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾ حتى لا يسمعوا دعوة الخير ﴿وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ﴾ ، وهنا يتبين صبر الأنبياء العظيم -عليهم الصلاة والسلام، وحلم الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام، ورأفة الأنبياء ورحمتهم بقومهم، فما فعله الناس بأنبيائهم من الإعراض والاستكبار، ما جعلهم يصدونهم عن دعوتهم، وما قنَّطهم، ولا ثبَّطهم، بل استمروا.
نسمع المقطع الخامس.
﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارً﴾ .
لاحظ، دعاهم ليلًا ونهارًا، أي: في السر بينه وبينهم، ثم ترقَّى إلى ما هو أشد، فدعاهم جهارًا، أي: في وضح النهار، وأظهر قوله ليسمعه القاصي والداني، وليسمعه البعيد والقريب، ثم لما أصرُّوا أيضًا ترقَّى إلى الجمع بين السر والجهر، كل هذا محاولات منه -عليه الصلاة والسلام.
وهنا لفتة لطيفة، يقولون: ﴿ثُمَّ﴾ تفيد المُباعدة في الأحوال، يعني: كأنه قضى معهم فترة يحاول بالسر، في الليل والنهار، ومع عنادهم ترقَّى إلى مرحلة أشد، وبدأ المجاهرة بدعوتهم، وأمضى معهم فترة.
أي أنَّ ﴿ثُمَّ﴾ تفيد التباعد، فلما أيضًا أصرُّوا في مرحلة الجهر، جمع بين المرحلتين السابقة واللاحقة، وحاول معهم، ومع ذلك عاندوا وكابروا وما آمن معه إلا قليل.
وفائدة أخرى في: ﴿ثُمَّ﴾
كلمة ﴿ثُمَّ﴾ تذكرني بفائدة في موضوع التفسير، في سورة القصص، في خبر صاحب مَدين مع موسى -عليه السلام، والد المرأتين.
لقد اشتهر باسم هل تعرفونه؟
شعيب، وهذا القول ليس بصحيح، بل ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أنه عند علماء المسلمين واليهود والنصارى ليس بشعيب، وكان مِن ضمن الحجج: أنَّ الله تعالى لما قصَّ أخبار الأنبياء في سورة الأعراف، قال بعدما ذكر هود ونوح وصالح وشعيب: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى﴾ [الأعراف: 103]، الشاهد: ﴿ثُمَّ﴾ تفيد الانتقال مِن حَقبة زمنية إلى حقبة أخرى، فهذا من أدلة أن والد المرأتين ليس بشعيب، وإنما رجل من أصحاب مَدين نُسب لها، كما في القرآن الكريم.
إذن يجب على كل مَن أَرادَ أن يدعو الناس للخير أن يَسلك كل سبيل في ذلك إذا كان السبيل صوابًا، يعني طرق الدعوة لابد أن تكون على عِلم وبصيرة.
فعلى الداعي أن يسلك مع من يدعوه، أو مع من ينصحه كل وسيلة تكون على علم، وعلى بصيرة، وليس فيها محذور شرعي.
وتنوع الأساليب قد يفيد في تغيير مواقف الناس، فبعض الناس قد يكون التلطف معه لا يفيد، لكنَّ الشدة بحزم وعلم قد تُفيد معه، ولاحظ هذا في أولادك، أو في الصغار.
أحيانًا الصغار بالتلطف مع بعضهم يزيد، لكن إذا شددت عليه بحكمة وبصيرة؛ يتغير موقفه، والضرب لا يكون إلا بقدر، حسب الآداب الشرعية.
ومن هنا تتبين حكمة الداعي، ولهذا كان الحكيم من يضع الأمور في مواضعها، وأمَّا من يزعم أنَّ الحزم أو الشدة فيها عنف فليس بصحيح، ولهذا نجد في تبويبات شمائل الترمذي: باب في مزاحه صلى الله عليه وسلم"، "باب في غضبه صلى الله عليه وسلم"، وهكذا، فكان صلى الله عليع وسلم يغضب وقت الغضب، يحلم وقت الحلم، أمَّ إذا وضع الأمر في غير موضعه، فستصبح النتيجة سلبية.
نسمع المقطع السادس.
﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيمْدِدْكُم بأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارً﴾ .
نوح -عليه السلام- كسائر أنبياء الله، أدوا الرسالة، وبلغوا الأمانة، ونصحوا أممهم حق النصح، وجاهدوا في الله حق جهاده، ونوح عليه السلام نَوَّعَ في أساليب دعوتهم، فدعاهم سرًّا وجهرًا، ثم جمع بين ذلك لمَّا عاندوا، ثم رغبهم أو دَلَّهم على الاستغفار، وأنَّ الله تعالى غفار لمن استغفره، وتواب على من يتوب إليه توبة نصوحًا، ثم أخبرهم بما يترتب على استغفارهم وتوبتهم إلى عند الله من الخير في دنياهم، وذكر من هذه الأمور ثلاثة، منها:
- ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارً﴾ .
- ﴿وَيمْدِدْكُم بأَمْوَالٍ وَبَنِينَ﴾ .
- ﴿وَيجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارً﴾ .
ونستفيد من هذا أنَّ الإنسان إذا دَعا النَّاس إلى خير، رغَّبهم في ما يترتب على هذا الخير، أو على هذه الطاعة، من الخير في الدنيا والآخرة.
وهناك أثر مشهور يذكره أصحاب التفاسير: أنَّ رجلًا جاء إلى عُمر بن الخطاب رضي الله عنه فاشتكى القحط، فقال له عمر: استغفر الله، أو الزم الاستغفار، فجاء آخر يشكو الفاقة، أي: قلة ذات اليد، فقال: استغفر الله، وجاء ثالث يشكو الذرية، أي: ما عنده ولد، فقال له عمر: استغفر الله.
فَتَعَجب مَن حَوله، وقالوا: ثلاثة يشتكون بأمور مختلفة، وتأمرهم بشيءٍ واحدٍ، فذكر هذه الآية التي ذكرها نوح لقومه -عليه الصلاة والسلام.
ونستفيد مِن هذه الآيات عِظم شأن الاستغفار، وأنَّ مَنزلته عَظيمة، وأنَّه مفتاح لأبواب الخير كلها، شريطة أن يكون على علم وبصيرة، أمَّا مجرد استغفار باللسان، يقول: أستغفر الله، أطلب المغفرة من الله، فلا.
وإن كان مُذنبًا يتوب توبة نصوحًا، وإن كان طائعًا يزداد لله تعالى شكرًا وحمدًا، ويسأله الثبات على الأمر، ويتزود من الخير، ويحسن الظن بالله، فهو وعد المستغفرين بالأجر والثواب.
ولهذا جاء في فضل الاستغفار آيات وأحاديث كثيرة، ومما يحضرني في هذا: قوله -صلى الله عليه وسلم: «طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرً»[80]، وفي لفظ: « طُوبَى لِمَنْ وُجِدَ فِي صَحِيفَتِهِ استغفارٌ كثيرٌ»[81].
وأيضًا يقول -صلى الله عليه وسلم: «إنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ»[82]، وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
وهناك كتب مصنفة في الاستغفار، وآيات الاستغفار كثيرة، ويحضرني هناك حديث: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجً»[83] إلى آخره، والحديث حد علمي فيه ضعف، ويغني عنه ما جاء في فضل الاستغفار من الأحاديث الكثيرة المشهورة.
بما أننا في وقت شتاء، ونزول أمطار، فهنا أحب أن أذكر لكم فوائد، وإن كانت خارجة، لكن يشفع لي أنها عِلم وفائدة.
 
الفائدة الأولى:
مِنَ الحِكم أو الفوائد العقدية في نزول الأمطار نظر الإنسان إلى آيات الله، ليس بمنظار البصر المجرد فقط، وإنما بمنظار البصيرة، كما قال ابن القيم: يشترك المسلم وغير المسلم، والحيوان والطير في نظرة البصر، أمَّا نظرة البصيرة فهي خاصة بأهل الإيمان الذين يتأملون في ما يرون من آيات الله تعالى.
كذلك مِن الآثار العقدية في نزول المطر: فقر المخلوق، وغنى الخالق، وضعف المخلوق وقوة الخالق.
وأيضًا مِن الآثار العقدية في نزول المطر: إحسان الظن بالله تعالى، وعدم اليأس.
أين نجد هذه الفائدة؟
هناك آية أظن في سورة الشورى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُو﴾ [الشورى: 28]، يعني: صاحب الهمِّ والغَمِّ يقال له أحسن الظن بالله، فهذا الغيث تغيير للحال، فستبهج النفوس بعد أن كانت ضائقة. هذا من باب إحسان الظن بالله تعالى.
الفائدة الثانية:
مِن سُنن المطر القولية، اكتبوها عندكم، أدعية نبوية ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم جاءت عند نزول الغيث، منها:
«اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعً»[84].
«اللَّهُمَّ صَيِّبًا هَنِيئًا »[85].
«مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ»[86].
وإذا خشي الضرر يقول «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلا عَلَيْنَ»[87].
الفائدة الثالثة:
من السنن الفعلية عند نزول الغيث: منها أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- كان يَكشف عَن بَعض بَدَنِه، هذا في صحيح مسلم، وجاء في كتاب: "أخلاق النبي لأبي الشيخ الأصبهاني"، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كَشَفَ عَن رَأسه، وقال: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى»[88].
الفائدة الرابعة:
سنَّة يجهلها كثير مِنَ النَّاس عِند نُزول الغَيث، وهي: الدعاء، وقد ورد في حديث حسَّنه بعض أهل العلم: «اثنتان لا يردُّ فيهما الدعاء: عند النداء، وعند نزول الغيث»[89].
الفائدة الخامسة والأخيرة في هذا المقام:
أحاديث مشهورة في الشتاء، ولا تصح مرفوعة، يتناقلها بعض النَّاس على أنَّها أحاديث مرفوعة، منها حديث: "اتقوا البرد فإنه سريع دخوله، بطيء خروجه"، وقد ذَكَرَ ابن رجب أنَّه مِن قَول الفاروق عمر -رضي الله عنه، وأنَّه كان يكتب بذلك إلى عُماله إذا جاء الشتاء، أي: أنَّه كان يأمر المسلمين بالاستدفاء؛ حتى لا يضرهم البرد، وهذا من رحمته برعيته -رضي الله تعالى عنه.
الحديث الآخر: "اتقوا البرد، فإنَّه قتل أخاكم أبا الدرداء".
وهذا لا يصح، فهو باطل سندًا ومتنًا، ليس له زمام ولا خطام في الإسناد، وأمَّا المتن فأبو الدرداء عويمر الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- ماتَ بعد النبي -صلى الله عليه وسلم.
نعود إلى الدرس
مِن فقه الداعية أو مِن فقه مَن يَدعو النَّاس إلى الخير: أن يُرغِّب الناس في ثواب العمل الصالح، لأنَّ النفوس إذا ذُكر لها الثواب والخير في الدنيا والآخرة، تزداد نشاطًا بطبيعتها، فيذكر الداعية من يدعوهم بالأوامر والتكاليف الشرعية، أمرًا أو نهيًا، مع ترغيبهم، أو بيان مآل الطائعين، وما ينالونه من الخير في الدنيا، والبرزخ والآخرة، ليكون ذلك أكثر شحذًا لهممهم، وأكثر تقوية لعزائمهم.
نسمع المقطع السابع.
﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارً﴾ .
يَسألهم مُستفهامًا -عليه السلام: ما لكم يا قوم لا ترجون لله وَقَارًا، عظمةً وهيبةً وتعظيمًا. مالكم، لماذا؟ يعني لا تطلبون، أو تخافون عظمة الله وقوة الله، مع ضعفكم وقوته، ومع ذلك لا ترجون لله وقارًا.
ثم بيَّن أصلهم، أو بيَّن ما يزيدهم توقيرًا لله تعالى إن هم استجابوا: ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارً﴾ ، يعني: من نطفة، علقة، مضغة، إلى أن سوَّاه إنسانًا.
فذكر مآل الإنسان، وَذِكْرُ أصل الإنسان يَزيد الإنسان ضَعفًا، ويزيد المتكبر ذُلًّا، ولهذا ذكرت لكم -في المجلس السابق، أو الذي قبله- أني قرأت في بعض كتب الأدب، أو كتب الوعظ: أنَّ أحد المتجبرين دخل سوقًا فقام له الناس، إلا واحدًا ما قام، فقال: لِمَ لَمْ تقم؟ ألم تعرفني؟ قال: لا أعرف اسمك، هو ما يعرفه، ولا يضرك أني لا أعرف اسمك، لكن أعرف أنَّ أَوَّلك نُطفة مذرة، وآخرك جِيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرة. فتفكير الإنسان بأصله -لمن كان له قلب- يزيد الإنسان تواضعًا وتذللًا، فأنت أيها الإنسان كنت نطفة، وفي الأخير ستكون جثة هامدة.
هذه الأساليب إِذا استخدمها المُتَكلم بحكمة وتلطف وأحسن اختيارها، ففي الغالب تؤثر في المستمعين.
نسمع المقطع الثامن.
﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجً﴾ .
تذكير الناس بالآيات الكونية العظيمة، وربطهم بالتوحيد يؤثر فيهم بلا شك، وهذا منهج نبوي، ولهذا أعطيكم مثالًا أو مثالين:
كسوف الشمس، وخسوف القمر، أليس آية كونية عظمى؟
ينظر الناس لهما بمنظار الفضول، وحب الغريزة، وهذا لا مانع فيه، فالإنسان يَشتاق لأن يَرَى هذا الكوكب العظيم كيف أثَّر التَّغير عليه -بإذن الله تعالى، لكن غياب نظر البصيرة يحرم النَّاس مِن خير كثير، ولهذا لما حدث الكسوف في عهده صلى الله عليه وسلم حَثَّ الناس على نظر البصيرة، فماذا قال: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ» بيَّن أنهما مخلوقتان، رد على من عبدهم، «لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ»، إبطال ما كان عليه اعتقاد الجاهليين، «وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ»[90]، فهما آية تخويف ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفً﴾ [الإسراء: 59]، ثم أرشدهم: «فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى الْمَسَاجِدِ»[91].
هذه نظرة إلى آية كونية، ربطها بالتوحيد، يعني ربط الآيات الكونية بالأمور الأخروية، وتعظيم جناب التوحيد.
مثال آخر: حديث «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟»، قالوا: لا، قال: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ»[92]، وهذا المنظر يتكرر في كل نصف شهر عندما يكتمل القمر بدرًا، منظر بهي، وهذا يذكر المسلم بأعظم فضائل الجنة وأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر، أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى أن يجعل السامعين والمشاهدين والحاضرين ممن تقر أعينهم وأعين والديهم وذراريهم برؤية ربهم في جنات النعيم.
فالشاهد مِن هذا الكلام: أنَّه كما قال نوح -عليه السلام- هنا في ما أخبر الله تعالى عنه: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجً﴾ فالله هو المستحق للعبادة، لا تلك الأصنام التي تعبدونها، هو الذي يُخاف منه ويُرجى، ويؤمَّل ويُحسن الظن به، وذكر كل هذه الآيات الكونية العظيمة، تزيد الناصح قوة حجة، وأيضًا تؤثر في المنصوح.
نسمع المقطع التاسع.
﴿وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيخْرِجُكُمْ إِخْرَاجً﴾ .
﴿وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتً﴾ خَلَقَ آَدمُ مِن تُراب، من الأرض، فذكَّرهم بأصلهم، بمبتدئهم، ثم ذكرهم بمنتهاهم ومآلهم، فهو أنبتكم من الأرض، كما قال هنا: ﴿وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيخْرِجُكُمْ إِخْرَاجً﴾ في الآية كم مرحلة؟
{ثلاثة}.
أحسنت. الأولى؟
{﴿أَنبَتَكُم﴾ }.
الثانية؟
{﴿يُعِيدُكُمْ فِيهَ﴾ }.
الثالثة؟
{﴿وَيخْرِجُكُمْ إِخْرَاجً﴾ }.
ذكَّرهم بأصلهم، وأنَّ الله تعالى أَوجدهم مِن عَدم، ثم ذكَّرهم بمآلهم بعد حياتهم، أنكم راجعون إلى الأرض التي خُلقتم منها، أي: القبر، ثم ذكَّرهم بالثالثة، الإخراج، وهذه الطريقة كما يُقال: فيها ردٌّ على المنكرين للبعث.
وذكرت لكم في مجلس سابق في ما أذكر أنَّ المُنكرين للبعث احتجوا بدليل عقلي، وقالوا: ﴿وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدً﴾ [الإسراء: 49]، رأوا العظام نخرة، قالوا: كيف لهذه العظام النخرة، والتي تَلفت مَع تَقادم الزمن تبعث مرة أخرى؟
فأتى بدليل عقلي: ذكر بعض المفسرين أنَّ مِن نهج القرآن الرد على الحجج العقلية بحجج عقلية، فقال في الآية: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى﴾ [فصلت: 39]، ترى الأرض مُغبرَّة، ثم إذا جاء المطر أنبتت، وأخرجت ما فيها من الخيرات، من الزرع، مختلفًا أكله، فالذي أَحيى الأرض بعد مَوتها، قادرٌ على أن يُحيي الإنسان بعد موته، ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَن عَلَيْهِ﴾ [الروم: 27].
إذن نستفيد أن توظيف التأمُّل في الآيات الكونية، وربط ذلك بتوحيد الله تعالى، وتعظيم شأن التوحيد في نفوس المدعوين، يؤثر تأثيرًا عظيمًا.
وللأسف هناك قصور في كثير من الدعوات الإصلاحية، وعند مَن يدعو النَّاس في جناب التوحيد، حيث إنَّ أغلب دعواتهم وعظية من الرقائق، وهذا خير، لكن تعظيم جناب التوحيد يجعل الإنسان يتقبل ويزداد لله محبة مع حسن ظن، كما يزاد منه خوفًا، وله توقيرًا وتعظيمًا، إلى آخره.
نسمع من الإخوان المقطع العاشر.
﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجً﴾ .
وهذا من رحمة الله تعالى، جعل لكم الأرض مهادًا، وهنا ﴿بِسَاطً﴾ ، لو كانت الأرض كلها جبال، لو كانت الأرض كلُّها، أو كلَّها أو كلِّها؟ أنا لست أعرف في النحو كثيرًا، فوائد هذه منها.
{كلُّها}.
لو كانت الأرض كلُّها. لماذا؟
{لأن كلمة كل بدل من الأرض، فيأخذ حكم}.
أو توكيد؟
{توكيد، صحيح}.
إذن، نقول سيبويه أراد أن يعطيك ابنته، لكن أرجعها، الآن أعطيها.
لو كانت الأرض كلُّها جبالًا، هل يعيش النَّاس عليها؟ لا يعيشون، تتعطل معايشهم، لكن من رحمة الله -جل وعلا- أنه جعلها منبسطة، وجعل فيها جبالا، لكن أكثر الأرض منبسطة؛ ليحيى الناس عليها، بدوابهم وبيوتهم إلى آخره.
﴿لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجً﴾ السلوك في الطريق المستوية المنبسطة أسهل من الجبال التي تجبر الإنسان على لزوم طريق معين.
هذا أيضًا -كما تقدَّم- ذكر لآيات الله العظيمة، وذكر لرحمة الله وآثار رحمة الله تعالى، فكون الأرض بِساطًا، أو الأرض ممهدة، هذا من آثار رحمة الله تعالى، وكونه سهَّل على النَّاس ليسلكوا فيها السبل والفجاج.
أيضًا أثر من آثار رحمة الله، ولهذا جاء في سورة الغاشية: ﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ [الغاشية: 20]، حتى يروا رحمة الله، وقدرة الله -عز وجل- في تيسير وتسهيل وتسخير هذه الأرض، ليعيش النَّاس عليها، يضاف إلى ما سبق أن يضمَّن دائمًا في توعية الناس تعظيم التوحيد، وذكر الآيات، وربطها بتوحيد الله تعالى، وتحبيب الله تعالى إلى خلقه، وبيان فضل الله تعالى وسعة رحمته، وأثر حسن الظن به وتوقيره سبحانه، كل هذه تخلق في قلب الإنسان أمورًا عظيمة من الثبات والاستقرار النفسي والبدني، مع الاطمئنان وقرة العين، وانشراح الصدر.
نسمع المقطع الذي بعده.
﴿قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا * وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارً﴾ .
مع كل ما بذل نوح -عليه السلام، يعني اجتمع طول زمنه، وتنوع في أساليب الدعوة، والترغيب والترهيب، وتعظيم شأن الله، والدلالة على الآيات الكونية وأثرها، وعظم خالقها، ومع هذا كله عصوا.
ولو أنهم عصوا واستحيوا، لكان ذلك شرًا، لكنَّ الشر يتفاوت، لاحظ ماذا قال: ﴿عَصَوْنِي وَاتَّبَعُو﴾ لاحظ .. تركوا اتباع نبيهم -عليه الصلاة والسلام، واتباع ضُلَّال أقوامهم، فالذين اتبعوهم هم ضُلَّال، أضلوا أنفسهم، وأضلوا غيرهم، ولم يقف عنادهم عند هذا الحد، بل ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارً﴾ من باب التعظيم، أنَّ مكرهم كبير وشديد وعظيم.
لاحظ أنَّ نوحًا بذل معهم غاية النَّصح، وغاية الترغيب، وغاية الترهيب، وكل الأنبياء هكذا، ومع ذلك قابلوا ذلك كله بغاية العِناد، وغاية الاستكبار، ومع هذا كله فالأنبياء لا يقنطون، ولا يتركون دعوة قومهم، وما فعله نوح عليه السلام أنَّه أخبر ربه، وربه أعلم بحاله.
نسمع المقطع الذي بعده.
﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ولَا تَذَرُنَّ وَدًّا ولَا سُوَاعًا ولَا يَغُوثَ وَيعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا ولَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالً﴾ .
هذا من غيِّهم، ومن شدة غيِّهم أنهم أوصوا قومهم أن يلزموا تلك الأصنام، وأنها هي الآلهة، وحذَّروا قومهم، ونهوهم ﴿لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ﴾ .
عندما يقرأ الإنسان هذه الآيات يقول:
مَا أصبر الأنبياء!
ما أجلد الأنبياء!
ما أعظم احتساب الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام!
فينبغي للإنسان أن يُوطِّن نفسه، وأن يسأل الله تعالى العون والسداد، ولا يفتر ولا يقنط، بل يفعل الأسباب الشرعية بعلم وبصيرة، وتبرأ ذمته، ومن أطاعه فهو مأجور، ومن عصا أمر الله فهو مأزور.
﴿لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ولَا تَذَرُنَّ وَدًّا ولَا سُوَاعًا ولَا يَغُوثَ وَيعُوقَ وَنَسْرً﴾ هنا أُحبُّ أن أذكر لكم بعض المسائل: هؤلاء رجال صالحون -رحمهم الله- وكانوا أهل توحيد، رجال صالحون من قوم نوح، وقيل: كانوا قبل نوح -عليه السلام، وكان قومهم يعظِّمون شأنهم في حياتهم فلمَّا ماتوا وتقادم الزمن على أقوامهم، قالوا: نخشى أن ننساهم، فسوَّل الشَّيطان لهم أن يصوِّروا صورهم، مِن باب أن يتذكروهم.
لاحظ كيف كان التساهل بالأمور العقدية والتهاون فيها.
فصوَّروا صورهم على أصنام، فذهب من صوَّرهم ومن بعدهم، وتقادم الزمن، ونُسخ العلم، وذهب مَن كان يعرفهم، فجاء أقوام من بعدهم، ماذا فعلوا؟
عبدوهم من دون الله تعالى، ولهذا بعض الناس يخطئ فيشتم هؤلاء، وفي الحقيقة هذه أسماء رجال صالحين -عليهم رحمة الله، والذنب ذنب مَن صوَّرهم وغَرَّ النَّاس بهذه التماثيل.
هناك أثر أنَّ هؤلاء هم خمسة أبناء لآدم، وهم خلاف من ذكرهم الله في سورة المائدة في قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ﴾ [المائدة: 27]، وقد سمى بعض المفسرين ابني آدم بـ "هابيل وقابيل".
أمَّا هؤلاء الخمسة فقالوا: هم خمسة أبناء لآدم، وذكر بعض المؤرخين أن أقوامهم من بعد موتهم عبدوهم.
قال أبو عروة الحنبلي: في هذا رد على المؤرخين الذين يزعمون أن بني آدم عبدوا الأصنام، يعني صلب آدم ما بين عهد آدم ونوح -عليه السلام، وهذا الكلام باطل، قال ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما: "بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الشريعة، فلمَّا اختلفوا بعث الله الأنبياء".
فكانوا على التوحيد عشرة قرون، حتى دخل فيهم عبادة الأصنام، فضلوا وأضلوا.
التهاون دائمًا بأبواب المحدثات والبدع يفتح للناس أبوابًا كثيرة من الشر، ولهذا قال البربهاري -رحمه الله تعالى: "واحذر صغار المحدثات من الأمور، فإنَّ صغار البدع تعود حتى تصير كبارًا "، والنفوس إذا لُبِّسَ عليها تصدق.
أستبيحكم عذرًا في خبر قرأته في كتاب لأحد الصحفيين، في كتاب اسمه "في صالون العقاد"، أنيس منصور، يقول: إن جزر هاواي في جنوب أمريكا، التابعة لأمريكا، اكتشفها رحالة إنجليزي اسمه "كوك"، كان أهل تلك الجزر في غربة عن الناس، وكان من أساطيرهم أنه يأتيهم الإله في جزيرة عائمة، أساطير تواردوها، فلما جاءت هذه السفينة الضخمة، قالوا: هذا الذي كنا نقرأ، وهذا الذي حدَّثنا عنه آباءنا، فنزل المستشرق كوك هذا وكان يدخن ويخرج الدخان من أنفه وفمه، فقالوا: هذا الإله، يحترق ولا يموت، فسجدوا، ومع تقادم الأيام قسى عليهم، غضبوا فقتلوه، رموه بسهم، فلما خَرَّ تبين أنهم مخدوعون به.
أنا قصدي أنَّ الأساطير إذا عُظِّمت تأخذ في نفوس النَّاس، وقد تترسَّخ وتتجذر، فيصعب اقتلاعها، وإذا كان ذلك كذلك، فينبغي الحذر، وسد الذريعة لكل باب من أبواب القوادح العقدية، وتعظيم شأن التوحيد، والاعتقاد السليم؛ حتى يصفو للناس التوحيد نقيًّا من الشوائب.
ذكر أن هؤلاء أضلوا كثيرًا، ثم قال: ﴿ولَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالً﴾ ، دعاءٌ عليهم، لمَّا عَرف مِن مَآلهم وحالهم أنهم سيزدادون غَيًّا، وأنه -عليه السلام- أوحي إليه ﴿أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ﴾ [هود: 36]، ومن آمن؟ ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود: 40] وما ضرَّه قلَّة العدد.
نسمع المقطع الثالث عشر.
﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارً﴾ .
﴿ولَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدً﴾ [الكهف: 49]، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46]، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [يونس: 44]، وفي الخبر القدسي: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي»[93].
فهنا: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُو﴾ عدلًا يُعطي الله مَن يَشاء فضلًا، ويعاقب من يشاء عدلًا.
وهنا فائدة أيها الأكارم، قرأت في بعض كتب التراجم: أنَّ أحدهم زار عالمًا، فقال هذا الزائر للعالم: نسأل الله أن يُعاملنا بعدله، قال: لا، إن عاملنا بعدله هَلكنا، ولكن قل: نسأل الله أن يعاملنا بفضله، ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ﴾ [فاطر: 45].
هنا يقول: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُو﴾ بسببِ خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا ﴿فَأُدْخِلُوا نَارً﴾ جمع بين أمرين: بين الإغراق والنار، يقول الضحاك: إنهم لما جاء الطوفان كانوا يغرقون من جهة، ويدخلون نارًا من جهة أخرى، وهذا القول والله أعلم ليس بصواب، بل القول الصواب هو قول مقاتل: إنهم في الدنيا عوقبوا بالغرق، وبعد موتهم بالنار.
﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارً﴾ ، ﴿لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ﴾ [غافر: 52]، ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ ولَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر: 18]، لا يغني والد عن ولده، ولا مولود عن والده، تَذهل المرضعة عن ما أرضعته، وتذهل الأم عن صغيرها، لم؟ ﴿لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا ولَا هُمْ يُنصَرُونَ﴾ [الدخان: 41].
نسمع المقطع الذي بعده.
﴿وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ ولَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارً﴾ .
﴿وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارً﴾ عَلِمَ بوحي الله أنَّه لن يؤمن أحدٌ منهم.
﴿دَيَّارً﴾ إمَّا من الدار، في دورهم، أو مما يدور في الأرض، فالمهم لا يبقى منهم أحد.
﴿إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ ولَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارً﴾ ، لو قال لكم قائل: ما الجمع بين هذه الآية، وبين حديث عمر: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ[94]»؟
هنا قال: ﴿ولَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارً﴾ ، والحديث: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ».
{أحسن الله إليكم يا شيخ. الآية فيه أنَّ نوحًا -عليه السلام- عَاشَ مَعهم، وكانوا يتواصون جيلًا بعد جيلٍ، فمن خلال معاملاتهم ومكثه مَعهم لهذه المدة، عَرَفَ أنَّ هؤلاء كلما يتقدَّم عليهم السن يتواصون بالكفر}.
على كل حالٍ، قال بعض أهل التفسير: إنَّ نوحًا -عليه السلام- علم بوحي الله له، لما قال الله له: ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ﴾ [هود: 36] عَلِمَ. وهناك تفسير آخر: قال: علم أنَّ هؤلاء الأبناء آباؤهم معاندون، وأنهم مصرون على عنادهم، وسينشئون أولادهم على ما هم عليه، فيحذو الأبناء حذو الآباء.
نسمع الآية الأخيرة، المقطع الأخير.
﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ولَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارً﴾ .
﴿رَبِّ اغْفِرْ﴾ من هذا الذي يدعو؟
نوح -عليه السلام، وهناك عقيدة ضالة يستغني أصحابها عن الدعاء، ويقولون: لا يدعو إلا من كان في إيمانه نقص، وهذا -نعوذ بالله- ضلال مبين، وطعن في مقام الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام، وهم أكثر النَّاس دعاءً مع كرامة منزلتهم، ورفيع مرتبتهم وشريف مقامهم.
﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ وهنا ملحظ من نوح -عليه السلام- بِرُّ الأنبياء هو الأعظم لأبائهم.
إذا سُئلتم: من أعظم الناس بِرًّا بوالديهم؟
الجواب: الأنبياء أعظم الناس بِرًّا بوالديهم، سواءً كانوا على دينهم أو كفارًا، ولهذا قال نوح -عليه السلام- هنا: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ ، وإبراهيم الخليل -عليه السلام- كان بارًّا بوالده: ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ ولَا يُبْصِرُ ولَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّ﴾ [مريم: 42 - 45]، أربع نداءات تدل على رقَّة البنوة في مخاطبة الأبوة. ويحيى -عليه السلام: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ﴾ [مريم: 14]، وعيسى -عليه السلام: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي﴾ [مريم: 32]، لماذا قال يحيى -عليه السلام: ﴿بِوَالِدَيْهِ﴾ وعيسى -عليه السلام- قال: ﴿بِوَالِدَتِي﴾ ؟
{لأن عيسى -عليه السلام- ليس له أب}.
والرسول -صلى الله عليه وسلم- كان بارًّا بعمه، بأبي طالب، « أَيْ عَمُّ قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، كَلِمَةٌ أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ»[95].
أقف عند هذا الحد، الله تعالى أسأل أن يجعلنا وإياكم بارين بوالدينا، وأنا أوصي الأبناء ببر والديهم، في حياتهم بطاعتهم بعد طاعة الله، وبتقبيل رءوسهم، وبعدم إحداد النظر لهم، وبتحمل مطالب الوالدين، وعدم التضجر، ولا تقول أمرني أبي، ولم يأمر أخي، بل افرح أن تأمرك أمك، أو أن يأمرك أبوك، فالبرُّ دينٌ مردود، جعلنا الله وإياكم بارِّين بوالدينا أحيانًا وأمواتًا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-----------------------
[79] أخرج البخاري ومسلم عن ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، قَالَ: فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ مَعَهُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيَّ مَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلانِ، وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقُلْتُ: هَذِهِ أُمَّتِي؟ فَقِيلَ: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، قَالَ: فَنَظَرْتُ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، ثُمَّ قِيلَ: انْظُرْ إِلَى هَذَا الْجَانِبِ الآخَرِ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَلا عَذَابٍ"، ثُمَّ نَهَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ، فَخَاضَ الْقَوْمُ فِي ذَلِكَ، فَقَالُوا: مَنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَلا عَذَابٍ؟، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَعَلَّهُمُ الَّذِينَ صَحِبُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلامِ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا قَطُّ، وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ فَخَرَجَ إِلَيْهِمِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أهذا الَّذِي كُنْتُمْ تَخُوضُونَ فِيهِ؟"، فَأَخْبَرُوهُ بِمَقَالَتِهِمْ، فَقَالَ: "هُمُ الَّذِينَ لا يَكْتَوُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِيُّ، فَقَالَ: أَنَا مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟، فَقَالَ: "أَنْتَ مِنْهُمْ"، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: أَنَا مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ"
[80] أخرجه ابْنُ مَاجَهْ والنَّسَائِيُّ فِي: "عَمَلِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ.
[81] صحيح الترغيب عن عبدالله بن بسر المازني.
[82] مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَصَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمْ عَنْ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
[83] رواه أبو داود (1518) وابن ماجه (3819)، وأحمد في "المسند (1/248)، والطبراني في المعجم الأوسط (6/240)، والبيهقي في السنن الكبرى (3/351)عن عبدالله بن عباس قال: قال رسل الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" وضعفه البغوي في شرح السنة (3/100)، والذهبي في المهذب (3/1278) وفي تعقبه على الحاكم في المستدرك، والألباني في السلسلة الضعيفة (رقم/705).
[84] رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ (985) وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا.
[85] أحمد وأبو داود (5099) وصححه ابن حجر والألباني عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئًا [أي: سحابًا لم يكتمل اجتماعه] في أُفق السماء ترك العمل وإن كان في صلاة، ثم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من شره»، فإن مُطر قال: «اللهم صيِّباً هنيئً».
[86] أخرجه مسلم عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي إِثْرِ السَّمَاءِ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ.
[87] البخاري ومسلم عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُغِيثَنَا! فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَغِثْنَا" ثَلاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ أَنَسٌ: وَلا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلا قَزْعَةٍ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلا دَارٍ، فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ يَعْنِي السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ، قَالَ: فَلا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِبْتًا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُمْسِكَهَا عَنَّا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ، وَالظِّرَابِ، وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ". قَالَ: فَأَقْلَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ. قَالَ شَرِيكٌ: فَسَأَلْنَا أَنَسًا أَهُوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ؟ فَقَالَ: لا أَدْرِي.
[88] أخرج مسلم عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: "لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى".
[89] أخرج الحاكم في المستدرك (2534) والطبراني في المعجم الكبير (5756) وصححه الألباني في صحيح الجامع (3078 ) من حديث سهل بن سعد مرفوعًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء، وتحت المطر".
[90] البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه
[91] أخرجه أحمد
[92] البخاري ( 6088 ) ومسلم  ( 267 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
[93] أخرجه مسلم(4680).
[94] أخرجه مسلم (2658)
[95] رواه البخاري (4494)، ومسلم (24).

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك

سلاسل أخرى للشيخ