الدرس العاشر

فضيلة الشيخ د. عبدالعزيز بن محمد السدحان

إحصائية السلسلة

4618 11
الدرس العاشر

آداب و أخلاق

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء العلمي، وأرحبُ بفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد العزيز بن محمد السدحان. فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشَّيخ}.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
حيا الله مَن حضرَ، ومَن يرى، ومَن يسمع، ومَن يبلغه الكلام.
{لا زال الحديث متواصلًا عن الآداب والأخلاق، وسيتحدَّث فضيلة الشيخ في هذه الحلقة -بإذن الله- عن بعض حقوق الطريق}.
الحمدُ لله الذي علَّم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على نبينا الذي أوتي جوامع الكلم، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعدُ؛ فيُقال بادئ ذي بدءٍ: إن الإسلام دين الحقوق كما سمَّاه بعض أهل العلم، ذلك لأنه أعطى كل ذي حقٍّ حقَّه ومستحقَّه، فمن ضمن الحقوق التي عني بها الإسلام حقوق الطريق، وهذا من كمال دين الإسلام، إذ أنه صالحٌ لكل زمانٍ ومكانٍ، مهما تباعدت أقطار الناس، واختلفت ألسنتهم وألوانهم؛ فهو مصلح لأمور دنياهم على جميع الأحوال.
ومن أحوال الناس في معاشهم وحياتهم ما يكون من الطُّرق التي يسلكونها، وقد جاء الإسلام بالعناية التامَّة الكاملة لشأن الطريق، وهذا يدل على أن دين الإسلام دين الحقوق، وقد جاء النص النبوي في قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «فأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَ»[112]، وكان الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- بيوتهم صغيرة، فكانوا يجلسون في ناحية من الطريق حتى يجتمع عدد أكثر وقد يضيق البيت عليهم، وقد يكون بعضهم فقيرًا ليس عنده ما يُقري به الضيف، فكانوا يجتمعون أحيانًا في ناحية من نواحي الطريق، يجلسون أو يتذاكرون أو يتسامرون؛ فلما رآهم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- نهاهم عن الجلوس في الطريق، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا بدٌّ من مجلسنا، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَ»، فقالوا: يا رسول الله، وما حق الطريق؟ فذكر -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- حقوقًا للطريق مشهورة في كتب السُّنَّة.
من هذه الحقوق:
أولًا: كفُّ الأذى، وهو عدم رمي ما يُؤذي الناس في طُرقهم، وعدم التَّصرف بتصرفات تؤذي الناظرين والسامعين، كالتَّنخُّم أمام الناس أو البصق في الطرق، وأقبح من ذلك قضاء الحاجة في الطريق.
ومثل ذلك تضييق مدخل الطريق أو مخرجه، ويتسنَّح بعض الناس فيما يتعلَّق بالطريق، وقد جاء الأمر النبوي بإعطاء الطريق حقه، وجاء التَّحذير النبوي في أذية الناس في طرقهم، وقد يخفى هذا عن بعض الناس، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ»[113]، فمن أذيتهم أن يرمي القمامة أمام بيوتهم في طرقهم، أن يعطل مدخل الطريق بالوقوف، أو يُعطل مخرج الطريق بالوقوف.
ومن لطيف ما قرأت في بعض كتب الرؤى والأحلام: أنَّ أحد تابعي التابعين رُؤيَ في المنام، وكانت ساقاه مبتورتين، فرُؤيَ في المنام في وضعٍ حسنٍ وله ساقان من ذهب، فسُئِلَ عن ذلك فقال: مما كافئني الله بهاتين الساقين؛ لأني لم أكن أصب الماء في طريق المسلمين فأوذيهم.
القصد: أن حفظ الطريق من الأذية عبادة وقربة ينبغي أن يتقرب بها العبدُ إلى ربِّه.
قد يُقال: إنَّ بعض الناس يُوقف سيارته في الطريق في مكانٍ قد يتسبَّب في إيقاف سيارتين أو ثلاث، وهذا بسبب الوقوف العشوائي، فقد يُسبب أذية الجيران، أو حرمان الآخرين من الوقوف في مكان واسع، فبسوء تصرُّفه ضيَّق ذلك المكان.
{أحسن الله إليكم شيخنا.
بعضهم يُوقف سيارته في مواقف مخصصة للمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة. فما توجيهكم؟}.
هذا أشد وأنكى!
فمما يُؤسَف له أن يرى الإنسان في بلاد الغرب أن مواقف المعاقين لا يأتيها أحد حتى مع الزِّحام الشديد، وقد رأيتُ هذا بعيني، بينما ترى بعض الناس -مع الأسف الشديد- تكون المواقف شبه خالية ويتعمَّد الوقوف في مكان المعاقين لقربه من مدخل الجامع أو مدخل المستشفى أو مدخل الكليَّة أو مدخل السوق، أو ما شاكله!
وأعجبتني مرة عبارة قرأتها، كتب أحد المعاقين: خُذْ إعاقتي، أُعطيكَ مكاني.
فينبغي للمسلم أن يتجنَّب الوقوف في هذه الأماكن مراعاة لحال هؤلاء وعدم المشقَّة عليهم، ومن باب أن المسلم منظَّم في حياته، ولا ينبغي له التَّصرُّف العشوائي، وهذا قد يتسبب في دعاء الناس عليه، فقد يأتي والد معوَّق معه ابن معوق فيدعو عليه؛ لأن هذا أخذ ما ليس له بحق، فهذا مكان مخصَّص من الجهة الرَّسميَّة أو من القائمين على المسجد أو القائمين على السوق؛ فالأولى أن نُفرِّغ المكان لهؤلاء، فكيف إذا كان لهم مكان مخصوص!
ثانيًا: غض البصر.
عورات المسلمين محترمة في جميع الأحوال، وتجد المرأة تسلك الطريق لتمشي، أو قد يكون أحد أبواب البيوت مفتوحًا؛ فبعض الناس يُطلق بصره على عورات المسلمين، هذه امرأة مارَّة أو هذا بيتٌ مفتوح، أو هذه النافذة مفتوحة؛ كل هذا لا يجوز إطلاق البصر فيه، وقد جاء الوعيد الشديد في هذا.
على سبيل المثال: إذا فُتِحَ باب بيت من قِبَل طفل، أو نسى ربُّ الدار هذا الباب مفتوحًا؛ فبعض الناس ينظر في وسط الدار! والإنسان يستقبح أن ينظر أحدٌ في بيته!
فمن غض البصر عدم رؤية ما في داخل بيوت المسلمين، وعدم التَّلصُّص في النظر من النوافذ، وأقبح منه إذا نظر من ثقب الباب، وقد جاء الوعيد الشديد في ذلك، وكذلك أيضًا غض النظر عن عورات نساء المسلمين.
ثالثًا: ردُّ السلام.
يمرُّ أحد الناس على الجالسين في الطريق؛ فمن الحقوق أن يُسلِّم الراكب على الماشي، والقائم على القاعد، والماشي على الجالس؛ فإذا مرَّ الإنسان ووجدَ أناسًا جلوسًا أمام بيتهم أو أمام متجرهم أن يُسلِّم، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَ بِالسَّلَامِ»[114]، وكما نعلم أنَّ السلام من أسباب محبَّة الله، ومآلات محبَّة الله دخول الجنة.
ومما يُؤسف له ما ظهر من بعض الناس، أن يمر بجانبك وأنت جالس أمام بيتك، أو جالس في السيارة؛ فلا يُسلِّم، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «أَبْخَلُ النَّاسِ الَّذِي يَبْخَلُ بِالسَّلَامِ»[115].
وأذكرُ أمرًا مؤسفًا: أنَّ بعض الأطفال ينشأ ولا يعرف السلام، يأتي ويطلب حاجته منك أو يسألك ولا يُسلِّم!
وأنا أعزو هذا الأمر إل بعض الأمهات والآباء، يأتي طفل ويدخل على والده يطلب مالًا أو حاجةً؛ فيتكلَّم ولا يُسلِّم، فيُجيبه أبوه على طلبه، وتُحقِّق له أمه سُؤله، ولا تُعلِّمه أنَّ الأولى أن يبدأ بالسلام.
بعض الأساتذة في المراحل الأوليَّة يدخل على الطلاب دون سلام، يبدأ يتكلم...، هل عملتم الواجب....، أخرجوا الكتب...؛ والذي ينبغي عليه أن يُسلِّم عليهم قبل هذا كله، حتى يُعوِّد الطلاب على السلام إلقاءً وردًّا، وورد في الحديث: «مَنْ بَدَأَ الْكَلَامَ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ»[116]، وهذا من باب تهذيب الأخلاق، والبدء بالسلام قبل الكلام.
رابعًا: إعانة مَن يحتاج الإعانة، يعني شخص يحتاج عونًا في الطريق، أو شخص يحتاج مَن يدله على الطريق، أحيانًا ترى بعض الناس تعطَّلت سيارته؛ فينبغي أن يستشعر الإنسان أن الإعانة في هذه الحال عبادة هيَّئها الله له، فيُسارع ويُبادر، وجاء في الحديث: «وَأَن تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ أَخِيكَ»[117]، فهذا عمل يسير، فكيف إذا رأيتَ رجلًا مُتعطِّلًا بسيارته، وخاصَّة إذا كان وقت الظَّهيرة في الصيف، فإذا وقف الإنسان ينبغي أن يستشعر أن هذه عبادة وقُربَة، وهذه المعالم قد تخفى عن بعض الناس.
ومما ذكر شيخ الإسلام وغيره: أن بعض الناس قد يفقد الأجر في عدم استشعار التَّقرُّب.
مثلًا: إذا أتى الرجل بما يحتاجه البيت؛ فينبغي أن يتقرَّب إلى الله بأنه يُؤدِّي ما أوجبه الله عليه حتى يُؤجَر، فإذا رأى الإنسانُ إنسانًا متعطِّلًا خاصَّة كبير السنِّ؛ فينبغي أن يُغادر المكان حتَّى يُعينه إن استطاع، أو على الأقل بالاتصال الهاتفي بشركات النقل وشركات الصيانة وما شاكله، من باب التخفيف عنه.
وأتذكرُ قصَّة: يُخبرني أحد أفراد أسرة الجوهر يقول لي: إن هناك أحد الأفاضل من أهل الشام -أظنه من سوريا- كنت ذاهبًا مرَّة للخرج، فلما رجعت كان وقت حرٍّ وتعطَّلت سيارتي ومعي أطفال، فمرَّ رجل زجَّاج -يشتغل في الزجاج- فوقف وأخذني بسيارته أنا وأولادي الصغار وذهب بنا إلى أقرب محطَّة، واشترى لأولادي مشروبات، والصغار مع الحر والتعب شربوها، ثم رجع بي إلى سيارتي؛ ثم بعدَ حين هذا الشخص السُّوري كانت امرأته حاملًا، فقالت له: أخرجني، فذهبوا إلى مكانٍ في الرياض، فتعطَّلت سيارته في الرَّمل، والمرأة حامل والليل مقبل، فقال لزوجته: ابقي في السيارة؛ فذهب يمشي وأظلم الليل عليه، وإذا بسيارة فيها شاب وأبوه المسن معه فأشار لهما وقال: سيارتي متعطلة في مكان كذا؛ فأخذوه في السيارة وأحضروا المرأة، وأرجعوه للبيت.
يقول: لاحظتُ في مرآة السيارة أن الرجل ينظر إلى وجهي، فاستغربت! وأصر المسن أن يوصلنا إلى البيت، فلما وصلنا قال لي: أدخل المرأة وتعال.
فقال الرجل المسن له: هل كنت تشتغل في الخرج؟
فقال: لا، إنما كنت أوصل زجاج وكذا.
فقال: تذكر صاحب السيارة التي تعطلت وكان معي أطفال؛ فأكرمك الله بما أكرمتني به.
فقال الرجل السوري: كيف علمت أني أنا الرجل؟
فقال اسأل الولد!
فقال الولد: كنت أمشي أنا ووالدي، فقلت له: ادخل في هذا المكان؛ فلما دخلت إذا أنت أمامي!
ورب العالمين إذا أراد شيئًا تمَّ، وكما يُقال: جعل الله لعبد فرجًا ومخرجًا من ضيقه من حيث لا يحتسب.
خامسًا: إرشاد الضَّال.
شخص لا يعرف الطريق فوقف يسأل: أين بيت فلان؟ أين المكان الفلاني؟
فإذا كنت لا تعرف فقل: لا أعرف، ولكن تجد بعض الناس -مع الأسف- لا يعرف، ويعطيه وصف إجمالي، وقد يضره في إضاعة وقته، والآن -والحمد لله- يوجد من التقنية الحديثة ما يحل الإشكال.
سادسًا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إذا رأيت ما يغضب الله من المعاصي فتلطَّف في تقديم النصح لمن مرَّ في الطريق، تلطَّف في تقديم الكلمة الطيبة، يُمكن أن يمر رجل في هذا الطريق وقد تلبَّس بمعصية؛ فكلمة منك من حق الطريق أن تؤديها إلى من مرَّ في هذا الطريق ربما تؤجَر في تغيير مسار حياته، وهذا يُلحَظ مع حسن الأسلوب والتلطف في إيصال المعلومة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا له آثار على الآمر والناهي وعلى المأمور والمنهي.
{لو تعطونا لمحة عن ما يتعلق بآداب الطريق. أحسن الله إليكم}.
تقدَّم هذا إجمالًا، ولكن أذكر بعض النقاط تفصيلًا:
أولًا: عدم وقوف بعض الناس بسيارته في المواقف المخصصة، أحيانًا يكون سوقًا كأسواق الناس العادية، بعض الناس يتضايق ويتضجَّر أن يقف أحد تحت سوره، مع أن وقوف الجار لا يُضيِّق على صاحب الدار، قد يكون سور زيد طويلًا، وعنده سيارتان أو ثلاث مع أولاده، والسور يكفي ثمان سيارات، وجارك قد لا يكون عنده ظل كما عندك، فبعض الناس يتضجَّر، ويُحجَّرُ واسعًا، حتى أنه يُشغل جيرانه بالكتابة على سيارتهم بأوراق لاصقة "أرجو عدم الإحراج"، مع أن عنده السَّعة! فهذا لا شكَّ أن يتنافى مع المروءة ومع إكرام الجار، اللهم إذا كان المكان لا يتسع للجار ولسيارة ولده؛ فما لك حق أيها الجار أن تضايق على جارك.
ومع الأسف الشديد بعض الجيران قد يخرج مبكرًا قبل جاره، ثم يُوقف سيارته تحت شجرة جاره وهو يعرف أن الجار سيأتي بعده، فهذا لا ينبغي! وأحيانًا صاحب البيت إذا رأى أن جاره أصر قد يتكلم عليه ويعاتبه، وهو له حق في ذلك، وإن كان الأولى والأكمل عدم المعاتبة.
وأذكر مُثُلًا عُليا، فبعض الجيران -ما شاء الله تبارك الله- أولاده يقولون له: كلم الجار حتى لا يوقف سيارته؛ فيقول: السيارة سيارتي والبيت بيتي، ما لكم حق وأنا والدكم تلقِّنوني ما أقوله للجار، اتركوا الجار يفعل ما يُريد، فهذا الجار يُشكَر.
ويُقال للجار الآخر: إذا كان جارك كريمًا فتأدَّب معه.
ثانيًا: تقدَّم النهي عن رمي النفايات وبخاصَّة ما يُستقبَح، الآن توجد صناديق لجمع النفايات، فبعض الناس يتعمَّد أن يجعلها عند باب جاره ليبعدها عن بيته!
نقول: إذا كان هناك مكان مشاع في الحي ليس عند بيت أحد فلا بأس، لكن أن يتعمَّد بعض الناس أن يضعها عند باب جاره فلا، والأدب والمروءة تأبى هذا الشيء.
وبعضهم يضح أكياس النفايات قرب سور جاره ليبعدها عن سوره، فهذا الفعل قبيح ويُنافي الأخلاق الطيبة، ويُنافي مروءة الرجال.
ثالثًا: الوقوف في مواقف سيارات ذوي الاحتياجات الخاصَّة.
قد يكون بعض الجيران عندهم والد معاق أو ابن معاق، وسيارته من النوع الذي يحتاج إلى مكان واسع؛ فينبغي عدم التَّضييق، وخاصَّة أن بعض السيارات لها مثل المصعد أو الرافعة حتى تعين المعاق، فنبغي أن يُتجنَّب الوقوف في مثل هذا الموقف، فإذا أعطاك الله جوارح سليمة وأطراف سليمة فتذكر أن جارك له حق الجوار وله حق الإسلام ومريض له حق الرعاية.
رابعًا: الإسعاف.
والحمد لله الوعي منتشر، ولكن تجد بعض الناس -للأسف- إذا جاءت سيارة الإسعاف يُفسحون الطريق لها، فهذا يدل على الوعي وتفهَّم الحال، ومراعاة المريض، ولكن بعض الناس -مع الأسف الشديد- يكون أمام الإسعاف، حتى يضطر الذي أمامه إلى التوسعة، وهذا -لا شك- أنه لا يليق، بل قد يسبب في تعطيل سيارة الإسعاف.
ونحن نرى وبحمد الله الآن أكثر الناس يُحاول الانحراف عن السيارة حتى يوسع الطريق، ولكن -كما قلت لكم- بعضهم قد يكون شاذًّا فيأبى، وبعضهم يتعمَّد الإسراع خلف الإسعاف، فيستغل الفرصة، وقد كُتب في بعض المجلات أن بعضهم تسبب في حادث للإسعاف، فهو يسير خلف الإسعاف بسرعة، والإسعاف قد يضطر للوقوف فجأة، فمن وراءه قد يسبب كارثة، فيزيد المرض مرضًا.
خامسًا: ما يقع عند الأسواق أو بعض المجمَّعات التعليمية وما شاكله؛ فيكون شخص واقف وينتظر واحدًا يخرج، فأثناء خروجه يجد شخصًا من جهة أخرى ويقف مكانه! وهذا واقف ينتظر فقط من يخرج له؛ فهذا لا ينبغي؛ لأنه تصرف مشين يُعاب به الشخص، فهذا ينتظر بسيارته حتى يخرج شخص، لكنه رجع لأن جهة الرجوع تحتاج إلى مسافة أكبر حتى من يخرج يأخذ راحته؛ فأثناء خروجه يأتي شخص يرى هذا المنتظر، ومن باب اقتناص الفرصة يأخذ مكانه؛ فهذا لا ينبغي.
وأذكر من اللطائف أنه كان أحدهم أمامي، وقف قبل المنتظر، فقال المنتظر: يا أخي أنا أحق منك، أنا رجعت حتى يخرج؛ فبكل طيبة خاطر وبكل أدب اعتذر الرجل وخرج؛ فما كان من المنتظر إلا أنه أقسم بالله أن لا يخرج؛ لأن أخلاق الذي دخل هذا أبت الخطأ، والحمد لله الأصل في الناس الخيرية.
سادسًا: بعض الناس إذا كان هناك مدخل على طريق، وقد يكون المدخل يكفي لسيارة واحدة، ويعرف هذا الذي يمشي أن مَن بجانبه متقدم عليه؛ فيصر على الدخول قبله كعناد، وهنا قد يقع الحادث.
والقاعدة عندنا: قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شيءٍ إلَّا شانَهُ»[118].
فهذه بعض الأسباب التي فيها أذى للطريق.
{أحسن الله إليكم.
لو ذكرتم لنا بعض أسباب حوادث المرور}.
أولًا: أسباب حوادث المرور كثيرة، ولعلَّ السبب الرئيس الآن؛ بل لو قيل إن 99 % من الحوادث بسبب استعمال وسائل التواصل لَمَا كان ذلك بعيدًا!
تخيل شخصًا يقرأ رسائل في الجوال؛ ففي خلال ثواني فقط تكون كارثة، أو يكتب رسالة، أو يفتح ملفًا ليرى فيه ما يُشاهَد؛ فهذا لا شك أنه تفريط، بل كم ترمَّل من النساء وكم تيتَّم من الأطفال وكم فقدت بيوت بعض أبنائها بسبب تصرف أهوج ممَّن يقرأ رسالة، أو يكتب رسالة، أو يرى واتساب، ثم تقع الكارثة، ولات حين مندم!
فالحذر كل الحذر، وهذا الذي يفعل مثل هذا يُخشَى عليه أن يكون داخلًا في الحديث «مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ»، إذا كان أذيتهم بالنفايات أو برفع الصوت عليهم في طرقهم، وبإزعاجهم في بيوتهم، أو بالنظر المحرم؛ فكيف بمن تسبب في إزهاق روح.
السبب الثاني من أسباب الحوادث: المزاح في السيارة، وبخاصَّة مع الصغار، فقد يكون الصغير في الخلف فيُداعب الوالد بكثرة، إما بإمساك يده أو كذا، وقد يكون في طريق سريع، وفيه سيارات عن يمينه وعن يساره؛ فهذا قد يؤذي المسلمين في طريقهم، وكم وقعت من حوادث بسبب ذلك، وتعرف أن السيارة بمجرد جزء من الثانية قد تسبب حادثًا.
السبب الثالث: العناد بين السائقين، وأنا أذكر هذه الجزئية ويا ليت المرور يضع على هذا غرامة، فبعض الناس يأتي مع طريق سينحرف لليمين، والطريق زحام، ثم يأتي شخص يقف في انحراف اليمين ينتظر الإشارة حتى يستمر في الأمام، فيحبس خلفه سيارات كثيرة بسبب حرصه على أن يكون بجانب الإشارة حتى لا يتأخر! فهذه أذيَّة، وأحيانًا مَن خلفه ينبهونه بالمنبهات وبالإزعاج، فيضطر أن ينزل ويتكلم عليهم، ثم لا تسأل عمَّا يحصل من السب والشَّتم.
صورة أخرى من العناد تقدَّم ذكرها، وهي أن بعض الناس قد يريد التجاوز أمام شخص يمشي، وهذا الذي في الأمام مُصر على عدم التوسعة، مع أن الحق لمن في الخلف، فيعاند المتقدم بعدم إفساح الطريق، وقد يتهور المتأخَّر؛ فيُقال للمتقدِّم البطيء: يجب عليك أن تتنحَّى، فحق الطريق أن مَن كان يمشي ببطء أو يوسع الطريق لمن كان مسرعًا، وهذا طبعًا بحدود قانونيَّة، وهذا مع الأسف الشديد يكون سببًا لحدوث الحوادث.
السبب الرابع: الاستعجال، رسالة من أحد الوالدين قد تسبب كارثة لولدهم، يتصل أحد الوالدين بهاتف ولده، أين أنت يا فلان؟ يقول: أنا في مكان كذا...، فيقول الأب: خمس دقائق وتكون عندنا هنا! الولد يخاف من نظرة والدته ويعرف شدتها، أو يخاف من يخشى والده ويعرف شدَّته؛ فيضطر الولد إلى الإسراع، دع عنك لو قطع الإشارة أو تجاوز؛ لكن ما سيترتب عليه من مضرة الناس من الحوادث أعظم؛ فينبغي على الوالد أو الوالدة أو مَن هاتف أحدًا في سيارته فإيَّاك أن تحثه على السرعة، لأن هذا سيضطره إلى الإسراع، ثم قد يقع ما لا تُحمَد عقباه.
{بعضهم أيضًا ما يحدد وقت أو زمن، لكن يُكرر الاتصال بمن يقود السيارة ويقول له: أين أنت؟}.
أحسنت، هذه إشارة طيبة؛ فتكرار الاتصال بحد ذاته فيه إشغال للولد، وسيضطر للرَّد، وكثرة الرَّد ستشغله عن الطريقة، وهذا أمر خطير، وقد يعرف الولد أن هذا التَّكرار نذير تهديدٍ، أو إشارة إلى العجلة وعدم التَّأخر، فيضطر إلى الإسراع حتَّى يُريح والده أو والدته، وهنا يقع الخطر والكارثة، وهذا شيء مشاهَد، وبعض الناس عنده طبع كثرة الاتصال وتكرار الكلام، فينبغي أن يتَّئد الوالد والوالدة وعدم إزعاج أو إحراج ولدهما.
السبب الخامس من أسباب الحوادث: أن بعض الناس فيه سرعة لغير حاجة، وقد يتعدَّى السرعة القانونيَّة، وقد يكون ذاهبًا لأصحابه، وأصحابه جالسون، فلا يضر إن تأخرت عنهم عشر دقائق أو ربع ساعة أو نصف ساعة! فهذه السرعة تضر بها نفسك وتضر غيرك، فتريَّث ولا يكن من طبعك العجلة، وهذا لا ينبغي لأن فيه مضار.
أيضًا بعض الناس إذا كانت الإشارة صفراء يُسرع حتى يتجاوز، وإن كان الأمر الآن أكثر انضباطًا، ولكن بعضهم من باب العجلة، ولو سألته لما وجدت عنده أي شغل، ولكن الانتظار عنده في ضجر وتضجُّر، وأيضًا قد يكون أحد في الجهة الأخر على عجلة يُريد التَّجاوز؛ فمنذ أن يرى الإشارة يتعجَّل، فتقع المصيبة العظمى إذا تقابلت سيارتان من جهتين مختلفتين.
فيُقال: إذا كانت الإشارة صفراء فاتَّئد، وخاصَّة إذا كنتَ بعيدًا، فكونك تقف ترتاح نفسيًّا وبدنيًّا فأنت لن تضر نفسك ولن تضر غيرك، ولو تأخرتَ ثلاث دقائق أو أربع دقائق فلا حرج.
السبب السادس: أن يقود سيارة وهو سهران، ويزيد الأمر خطورة إذا اتَّصل به أحد الوالدين أو أحد أصحابه، تعالَ...، تأخرتَ علينا...، ننتظرك الآن...؛ فتكون المصيبة.
السبب السابع: الاشتغال بالأكل والشرب، فبعض الأكل يحتاج إلى فك أو خلط، فقد يكون معلبًا؛ وهذا يسوق وسط الزحام، فمثل هذا يا أخي ينبغي لك أن تقف على جانب الطريق، وكل حتَّى تشبع وامشي على مهلٍ، فلماذا يصر الواحد من هؤلاء على فتح هذا وخلط هذا وتحريك هذا؟! ولماذا هذه العجلة، فلو أذن المؤذن وأنت جائع جوعًا شديدًا فقفْ وكُلْ ما يسد الرَّمق، فنبغي التَّنبُّه لهذا.
السبب الثامن: قد يكون شخص أراد التَّجاوز فأبى الآخر، فيتعاندان، وكل واحد يُريد التَّضييق على الآخر، فهذا سفه وسُخف، وقد يكون في أعمار متقدِّمة من السن، فيُعاب على الشاب الصغير، فكيف بك يا رجل تتصرف مثل هذا التصرف! فهذا لا شك يدل على قلَّة العقل، وقد يتسبب -كما تقدم- فيما لا يُحمَد عقباه.
{أحسن الله إليكم شيخنا.
لو تعطون نصيحة عامَّة للسائقين حتَّى يتجنَّبوا مثل هذه الحوادث}.
أنا أقترح اقتراحًا من باب رد الفضل لأهله، فقد اقترح أحد الإخوة أن تُوضَع لوحات بها حديث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شيءٍ إلَّا زانَهُ»، وخاصَّة أن اللوح إلكترونيَّة الآن سهلة، فتُكتَب العبارة في غرفة العمليات، وكذلك الإكثار من النصوص النبوية الشرعيَّة، فإذا قرأ الشخص عبارة "لا تسرع.. أولادك في انتظارك"، هذه طيبة ولا شك، ولكن أطيب منها قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: « مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ»، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَ»، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ في الأمْرِ كُلِّهِ»[119]، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «التَّأَنِّي مِنْ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ»[120]؛ فيُكثَر من هذه اللوحات، لأن الشخص إذا قرأ قول الله تعالى وقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- فهناك وازع شرعي ووازع فطري يتأثَّر أكثر.
{شكر الله لكم فضيلة الشيخ على ما تقدِّمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم.
وفي الختام هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج، ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر. إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
 ------------------
[112] صحيح البخاري (2465).
[113] حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (2294).
[114] صححه الألباني في تخريج مشكاة المصابيح (4568)
[115] صحيح الأدب المفرد للألباني (795)
[116] أخرجه ابن السني في ((عمل اليوم والليلة)) (214) واللفظ له، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (8/199)، والديلمي في ((الفردوس)) (3537)، حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (2/459).
[117] مسند أحمد (14463)، سنن الترمذي (1970).
[118] صحيح مسلم (2594).
[119] أخرجه البخاري (6927) واللفظ له، ومسلم (2165).
[120] رواه البيهقي (20767)، وحسنه الألباني في الجامع الصغير (5322).

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك

سلاسل أخرى للشيخ