الدرس الأول

فضيلة الشيخ د. عبدالعزيز بن محمد السدحان

إحصائية السلسلة

4618 11
الدرس الأول

آداب و أخلاق

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء العلمي، ومع انطلاقة هذا الفصل المبارك أرحبُ بفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد العزيز بن محمد السدحان. فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشيخ}.
حيَّاكَم الله وبيَّاكم، وحيَّا الله المشاهدين والمستمعين والحاضرين
{سنتحدث في هذا الفصل -بإذن الله- عن الآداب والأخلاق، وسيتحدث فضيلة الشيخ في هذه الحلقة -بإذن الله- عن وقفات مع حديث «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ»[1]}.
الحمدُ لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد؛ فالأخلاق من الأمور التي تُقرها الفِطَر السليمة، والعقول المستقيمة، وجاءت الشرائع بالحث عليها، وكثرة التَّزوُّد منها، وجميع الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كانوا أعظم الناس أخلاقًا، وكان أصحابهم تبعًا لهم على قسطٍ وافر من حميد الأخلاق وطيبها، ومن قرأ في كتب الفضائل -بل في كتب التفسير- وجدَ أنَّ للأخلاق نصيبًا وافرًا.
وقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» يدل على أنَّ الجاهليين كان عندهم أخلاقًا حميدة، وتلوثت أمورًا بأخلاق غير حميدة، فجاء الإسلام ليُصحح الخطأ ويُتمم النقص في الأخلاق.
{حسن الله إليكم فضيلة الشيخ، لو تحدَّثتم عن منزلة الأخلاق في الإسلام}.
قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].
قال بعض أئمة الشافعية -عليهم رحمة الله: "وتعظيم العظماء للشيء يدل على توغُّله في العظمة".
دعني أضربُ مثالًا للتقريب: لو جاء رجلان أحدهما فقير والآخر أمير أو وزير، فقال الفقير: رأيتُ سيارةً فارهة. وقال الغني: رأيتُ سيارة فارهةً. فلاشكَّ إذا كانت السيارتان مختلفتين أن ما رآها الغني تفوق في فراهتها ما رآه الفقير.
فيقول هذا الإمام الشافعي في قوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ : "وتعظيم العظماء للشيء يدل على توغُّله في العظمة، فكيف إذا كان المُعظِّم أعظم عظيم، وهو الله تعالى!".
فمدح الله -عزَّ وجلَّ- نبيه -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- بأن أخلاقه عظيمة، ومن المعلوم أن الله تعالى إذا مدح نبيًّا فهذه الخُّلة في جميع الأنبياء، وأولى الناس باتِّباعها هم أتباع الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام.
أيضًا الأخلاق عبادة، وقد يخفى على بعض الناس هذا المفهوم، فهذا يُصلِّي ويتعبَّد لله -جل وعلا- وذاك يصوم يتعبَّد الله تعالى، وذاك يتصدَّق يتعبَّد الله، وصاحب الأخلاق الحسنة يتعبَّد الله تعالى، حتى قال بعض الشُّراح: لو أن رجلًا يقوم الليل ويصوم النهار، لكن أخلاقه سيئة، وآخر أخلاقه حسنة في أفعاله وأقواله وجميع شؤونه ولكنه لا يقوم الليل، فهو يُؤدي الفرائض في الصلاة والصيام، ولكن لا يصوم تطوعًا؛ فهذا أفضل ممَّن ساءت أخلاقه وقام ليله وساءت أخلاقه؛ لأنَّ صيام النهار تطوعًا وقيام الليل مرده ونفعه إلى صاحبه، أما الأخلاق الحسنة فيتعدَّى نفعها، ولهذا قال -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «إنَّ المُؤمِنَ ليُدرِكُ بحُسْنِ خُلُقِهِ درجةَ الصَّائمِ القائمِ»[2].
ومن فضل الأخلاق: قوله -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «إنَّ من أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقً»[3]، وقال -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَا مِنْ شَيءٍ أَثْقَلُ في ميزَانِ المُؤمِنِ يَومَ القِيامة مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ»[4]، وقال -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «وإِنَّما مَثَلُ عَمَلِ أَحَدِكُمْ كَمَثَلِ الوِعَاءِ، إذا طَابَ أَعْلاهُ طَابَ أَسْفَلُهُ، وإذا خَبُثَ أَعْلاهُ خَبُثَ أَسْفَلُهُ»[5]، «وإنَّ سُوءَ الخُلُقِ لَيُفسِدُ العملَ، كَما يُفسِدُ الخَلُّ العَسَلَ»[6]، فإذا كان عندك وعاء عسل ووضعت عليه الخل فقد انتهى، فلا يصيرُ خلًّا ولا عسلًا، وكذلك العمل إذا ساء خلق صاحبه أثَّر عليه.
والأخلاق أحاديثها كثيرة، وصنف أهل العلم كتبًا مُستقلَّة، ولا يخلو كتابٍ من كُتب الفضائل إلَّا وللأخلاق نصيبٌ وافرٌ فيه.
{أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ.
كان عند أهل الجاهليَّة أخلاق أقرَّ الإسلام بعضها، ونفى بعضها، فلو تحدثونا ببعض ما أقره الإسلام}.
هناكَ أثرٌ من لطائف الآثار، ذكره السمعاني في كتاب "أدب الإملاء والاستملاء" في ترجمة ابن أبي طوالة، وهذا صحابي وأبوه كان في الجاهلية، فيقول: "يا ليتَ لنا أخلاق آبائنا في الجاهلية مع إسلامنا".
ونفهم من هذا: مدح ما كان عليه الجاهليون من حُسن الصفات والأخلاق.
فهذا الأثر الجميل يُبيِّن أنهم كانوا على قسطٍ وافرٍ من الأخلاق، ولا شكَّ أن كتب التاريخ والحضارات تشهد أنَّ لأهل الجاهلية أخلاق ومروآت جاء الإسلام بإقرارها، مثل نبذ الكذب وذمِّه، فأتى الشَّرع بذم الكذب فهو مُستقبح في الأعراف، ومُستقبح في النفوس الزَّكيَّة وفي الفِطَر السَّليمة؛ فجاء الإسلام بذمِّه وتقبيحه؛ لأنَّ الإسلام لا يأتي إلا بكل خير، وما يُوافق العقول المستقيمة والفِطَر السليمة.
ولَمَّا قابل أبو سفيان هرقل، فقدَّمه هرقل وأرجعَ أصحابه وراءه، وهذا من دهاء هرقل ومن فراسته -كما قال الشُّراح- فسأل أبا سفيان أسئلة وقومه خلفه، وكان يسأله ثم ينظر إلى مَن خلفه بعد جوابه، وهذه لغة العيون -كما يقولون- فإن تغيَّرت أعينهم علم أن هذا الجواب فيه كذب، فسأل هرقل أبا سفيان مسألة فأجابه، ثم قال: "فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَىَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ".
أيضًا من خصال أهل الجاهلية التي أقرها الإسلام وحثَّ عليها: الوفاء بالعهد.
قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «أَرْبَعُ خِلَالٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ»[7].
وذكر الذهبي في "السِّيَر" في تجريد أسماء الصحابة عن عوف بن نعمان الأشجعي أنهم كانوا في الجاهليَّة يقولون: لأن يموت الرجل عطشًا أحب إليه من أن يُخلف وعده.
فكونه يُقال إن فلانًا أخلف وعده؛ فهذه مذمَّة ونقص عند أهل المروآت وعند الرجال، وجاء الإسلام فحث على الوفاء بالعهد.
{أحسن الله إليكم.
بعض الناس اليوم يغتر بأخلاق الكفار المعاصرين. فما سبب هذا؟}.
الخُلق الحسن محمود من كل أحدٍ بغضِّ النَّظرِ عن ديانته، لكن عزو ذلك إلى عاداتهم أو إلى طبيعتهم فلا، ويُقال: إن الإسلام قد جاء بكل خلقٍ حسنٍ، والخلل فيما أخلَّ به من المسلمين، ولهذا لن تجد خُلقًا حسنًا محمودًا فيه مصالح وليس فيه مضارّ إلَّا وقد حثَّ الإسلام عليه.
أعطيكَ مثلًا: الآن فيه كلمة دارجة عند المواعيد، فإذا واعدَ أحدهم صاحبه يقول له الكلمة الإنجليزية "جرينتش"، يعني أنهم في مواعيدهم على دقَّة الساعة.
ويقول بعضهم: إن الكفار إذا تأخَّر أحدهم عن موعده ولو ثواني اعتذرَ.
فيُقال: انظر ماذا جاء من النصوص الشرعية في المواعيد، وانظر ماذا جاء من الذَّمِّ فيمن أخلف وعده، وهذا كثير، ولكن -مع الأسف- فإن حجَّة العاجز أن يتَّكئَ على ظهر غيره!
وبعضهم يقول: إنَّ عندهم نظام.
بدلَ أن تقول: "عندهم" قلْ: في الإسلام -أو عند المسلمين- نظام، ولكن أخلَّ كثيرٌ من المسلمين به.
ويقول بعضهم: إنَّهم يجعلون السَّيارات في مواقفها، أو يركن سيارة في موقف سيارات بانتظام، وأنت الآن تأتي عند بعض أبواب المساجد أو بعض أبواب المدارس أو بعض الأسواق؛ تجد أن هناك عشوائية في ترتيب السيارت!
فيُقال: إنَّ الخلل في أصحاب السيارات، وإلَّا فقد قال -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «فأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَ»[8]، ومن حق الطريق: التَّأدُّب بآداب الطريق، ومن آداب الطريق عدم التضييق على المسلمين بسيارتك.
وقال -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ»[9]، ومن أذيَّة المسلمين: إيقاف السيارات بطريقةٍ تُغلق على الناس بيوتهم أو على مداخل سياراتهم، أو على أبواب مساجدهم أو ما شاكله.
إذن؛ الإعجاب بأخلاق غير المسلمين من الفهم الخاطئ؛ لأنَّ كل ما في الوجود من الأخلاق الحسنة فقد حثَّت عليه الديانات كلها، وأعظمها دين الإسلام.
{هل يُمكن أن يُقال: يُنظر في مساوئهم في الأخلاق كما يُنظر إلى محاسنهم، فهؤلاء ينظرون فقط إلى ما ينفعهم، فهلا نظروا مثلا إلى خللهم في بر الوالدين!}.
صدقت! فلو نظرت إلى الشيء السَّلبي لوجدتَّ الكثير، فهم يفتقدون بر الوالدين وحق الجوار، وليس لديهم إيثار، فمصلحة الشخص مُقدَّمة على صاحبه، يدخل المطعم مع صديقه كلٌّ يحاسب عن نفسه! فهذا لاشك فيه ذهاب للخصال الحميدة.
وعلى كل حال؛ فإنَّ مَن أُعجِبَ بخصال غير المسلمين يُقال له: الخلل فيمن ترك الخصال من المسلمين، ويُمدَح من لزمها من غير المسلمين.
ويُقال: إنَّ كل خلق حسن حميد تجد ذكره في الإسلام إمَّا نصًّا أو تضمُّنًا أو التزامًا.
ومن أخلاق الجاهلية التي حثَّ عليها الإسلام وأمر بلزومها: حق الجوار.
عنتر بن شداد الشاعر الشُّجاع الفارس يقول:
وأغض طرفي إن بددت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مأْواها
يعني: ما دام أن جارتي خرجت فأنا أغضض الطرف حتى تدخل إلى مخدعها، أو إلى مأواها أو إلى مسكنها.
والإسلام عُنيَ بحق الجوار، قال -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِ جارَهُ»[10]، وقال -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ» قيلَ: ومَن يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: «الذي لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوايِقَهُ»[11]، وقال -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «ما زالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بالجارِ، حتَّى ظَنَنْتُ أنَّه سَيُوَرِّثُهُ»[12]. وقال تعالى: ﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ﴾ [النساء:36].
والجيران على أقسامٍ ثلاثة في الإسلام:
القسم الأول: جارٌ له حق واحدٌ، وهو الجار غير المسلم، وله حق الجوار.
القسم الثاني: جار له حقَّان، وهو الجار المسلم، فله حق الجوار وله حق الإسلام.
القسم الثالث: جار له ثلاثة حقوق، وهو الجار المسلم القريب، فله حق الجوار وحق الإسلام وحق القرابة.
ويُرى الآن -مع الأسف- بعض الناس لا يكلِّم جاره، مجافٍ لجاره، ولا يُجب دعوته، ولا يدعوه، والسبب خلاف في موقف سيَّارة، أو خلاف بين أولاد صغار، وهذا لا شك أن الإسلام يأباه.
من الأخلاق التي حثَّ عليها الإسلام وكانت معتبرة عند أهل الجاهلية: الكرم.
ويُقال في هذا المقام: إنَّ أكرم الناس هم الأنبياء -عَلَيْهِم الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-، فأول مَنْ ضَيَّفَ الضيف هو إبراهيم -عليه السلام- قال تعالى: ﴿فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: 69].
وممَّن عُرف بالكرم في الجاهلية: حاتم الطائي، وإلى هذه الساعة إذا ذكر الكرم ذكر حاتم، حتى ضربت العرب المثل بحاتم، فقيل "أكرم من حاتم"، "أكرم من بئر هداج"، وهي بئر عظيمة في تيماء حتى الآن.
فحاتم الطائي كان يوقد النار في الليالي الشَّاتية على جبل، ويقول لرقيقه:

أوْقِدْ، فإنّ اللّيْلَ لَيْلٌ قــــــَرَ ... والرّيحَ، يا مُوقِدُ، رِيحٌ صِرُّ
عَسَى يَرَى نارَكَ مَنْ يَمُرُّ ... إنْ جَلَبَتْ ضَيْفاً، فأنْتَ حُــرُّ

"ليل قر" أي: بارد.
"ريح صر"، أي: عاتية.
انظر إلى الكرم!
يأمر رقيقه أن يوقد النار في ليلة شاتية، ويجعل لهب النار يُرَى من مكان بعيد، فإن جاء رجل محتاج فهو حر. أي كرم هذا!
وهذا الآن ظاهر، فيُمدَح الإنسان بكرمه حتى لو كان مقصرًا في بعض الأمور، إلا أن خلَّة الكرم تبقى محمودة.
ولما جاء وفدٌ إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- قال لهم: «مَنْ سَيِّدُكُمْ يَا بَنِي سَلِمَةَ؟» قالوا: جُدُّ ابْنُ قَيْسٍ، عَلَى أَنَّا نُبَخِّلُهُ. فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَى مِنَ الْبُخْلِ!»[13]، وفي بعض الألفاظ أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- أمر بتأمير غيره.
فالكرم محمود، ومن قرأ في سيرة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- علم أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- كان أكرم الناس مع فقره وزهده.
{أحسن الله إليكم.
يُقال من أنواع الكرم: كرم النفس. فما هو؟}.
كرم النفس هو الإيثار والتَّنازل عن حظِّ النفس، وهذه مناقب عظيمة؛ بل قد يكون هذا أكرم من صاحب المال، فدفع المال قد يكون سهلًا، لكن كظم الغيظ والعفو عن المسيء؛ بل والتَّحبُّب إلى من أخطأ عليه -إذا كان فيه مصلحة- لا شكَّ أنَّه من كرم النفس.
والآن -والحمد لله- لا يخلو المجتمع من هذه الفضيلة، فالأصل فيه الخيرية، وأحيانًا تحضر مجالس أو تسمع عن أناس تستبعد أن فيهم هذه الخصال، ولكن الخصال الحميدة موجودة، قد تجد من نفسك أنك لن تتغاضى أو تصفح، ولكن من كرم النفس العفو والتنازل للمصلحة، وعدم التثريب.
أعطيك مثالًا حصل أمامي: أحدهم قدح في شخص، فنبه هذا الشخص أنه قدح وطعن في رجل وأنت لا تعرفه ولم تجتمع به، ولكن مجرد أن سمعتَ قال فلان...، وقال فلان...!
فندم هذا الرجل لما نصحه أحد الفضلاء، وقال: ماذا أفعل. فقيل له: تحلل منه.
ويرى أهل العلم أن التحلل على قسمين:
الأول: يكفي الدعاء لمن اغتبته والاستغفار له، وفيه حديث وإن كان فيه ضعف لكن ذكره أهل العلم «كفَّارةِ الغيبةِ أن تستغفِرَ لِمَن اغتبتَهُ»[14].
الثاني: أن تذهب إليه وتقول له: أنا فعلتُ كذا وكذا، وحلِّلني. وهذا يراه الشافعية وشيخ الإسلام ابن تيمية.
وفيه قول وسط: إذا علمت أن صاحبك سيأنس ويعفو عنك ويدعو لك فاذهب، وإلا فلا.
الشاهد: أن هذا الرجل ذهب إلى مَن قدح فيه، فلما رجع سُئِلَ ماذا فعلت؟
قال: ليتني أكثرت من القدح فيه. فقيل له: لماذا؟
قال: أنا ذممته بخصلتين أو ثلاثة، وليتني ذممته بعشر أو عشرين. فيقل له: لماذا؟
قال: قلت له: إني قلت فيك كذا. فقال: غفر الله لك ورحم والديك. فقلت له: قلت فيك كذا. فقال: بارك الله لك ورحم والديك؛ فأسرَني بكرم النفس.
قال تعالى: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: 35]، فكرم النفس ليس بأمرٍ هيِّنٍ.
أيضًا من خصال أهل الجاهليَّة: تفضيل جهة اليمين.
الآن بعض الناس يأكل بالشمال، ويشرب بالشمال، ويعطي بالشمال، ويأخذ بالشمال، وفي الحديث قال -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ»[15].
وأذكر أني قرأت عن أحد الجاهلين وكان في مجلس الخمر، وجاءت الساقية تسقيهم، فناولته بيدها الشمال، فقال لها:

صَبَنْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْـرٍو ... وَكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِيْنَـا

والثاني يقول:

إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ... تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ

الشاهد أن جهة اليمين كانت مفضلة، وكان -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- يُحبُّ التَّيمُّنَ في شأنه كله، والآن ممَّا يؤسَف له أنَّك ترى بعض الناس يأكل بالشمال، ويشرب بالشمال، وهنا يُنبَّه فقد يكون ناسيًا؛ لأنه قد يظن بعض مَن جلس معه أن هذا هو الأصل.
ومن الخصال: توقير الكبير.
وتوقير الكبير حث عليه الإسلام، وكانوا في الجاهلية يوقرون الكبير ويوقرونه، حتى أن الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- لما أتى أبو بكر بأبيه، وكان له مقام كبير عندهم، فقال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ»[16]، فأبو بكر يعرف منزلة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- ومنزلة والده -رضي الله تعالى عنه وعن أبيه.
والآن ترى بعض الناس -وهذا ليس الأصل إن شاء الله- إذا دخل في مجلس وفيه كبير السن لا يوقره؛ فلابد أن يكون له حظ في التوقير أكثر من غيره، فتناديه: يا والدي...، يا عم...، ويقول الكبير للصغير: يا بني، كقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- لأنس: «يَا بُنَيَّ».
ومما يُنبَّه عليه في مسألة توقير الكبير: أن من الخلق الغير لائقة أن يُقاطَع الكبير في كلامه في المجلس، فإذا تكلم الكبير تجد بعض الناس ينشغل بالجوال، والأولى الإنصات في المجلس لأي إنسان يتكلم في المجلس، ولو كان كبير فهو أحق بالتوقير، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَ»[17]، وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ»[18]، وقال -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- لما أراد أن يتكلم اثنان أحدهما كبير والآخر صغير: «كَبِّرْ كَبِّرْ»[19].
فتوقير الكبير مطلب، وأعظم التوقير يكون في حق الوالد والوالدة، فهم كبار القدر، وكبار السن.
{أحسن إليكم شيخنا.
البداءة بالتسليم في المجالس هل تكون للكبار أو باليمين؟}.
هذه مسألة لأهل العلم فيها أكثر من رأي، فمنهم من يقول: إذا دخل المجلس، وكان المجلس مليء فيكتفي بالسلام الشَّفهي ثم يجلس، ورُويَ أنَّه كان إذا دخل الصَّحابي سلَّم وجلس حتَّى ينتهي به المجلس، وهذا فيه إراحة للجالسين؛ لأن في بعض الأحايين يدخل بعض الناس ويبدأ باليمين، فالكبير يقوم...، ثم يقطع الكلام، فيُقال له: سلِّم واجلس، ولكن جرى العرف الآن على السلام، فإذا دخل الإنسان فإن البدء بالكبير لعله يكون أولى، وبخاصَّة أن بعض الكبار قد يقع في نفسه شيء، وبخاصَّة أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- شفع لهم «ابْدَءُوا بِالْكَبِيرِ، أَوْ بِالْأَكَابِرِ»[20]، وقوله: «كَبِّرْ كَبِّرْ»، وكان -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- إذا سقى قال: «ابْدَءُوا بِالْكَبِيرِ، أَوْ بِالْأَكَابِرِ»، فللكبير حظٌّ من التقديم والتوقير والتسليم.
{أحسن الله إليكم.
بعض الشباب يحتج بعدم الإنصات للكبار لكون يستأثر بالمجلس. فما توجيهم؟}.
يُقال: إن استئثاره بالمجلس يشفع له لكبر سنه، ويشفع له أن من حقه التقديم، ويشفع له أن من حقه التوقير، اللهم إلا إذا كان يخوض في كلام فيه محظور شرعي، ولكن هذا الكبير إن استأثرَ وكان كلامه نافعًا فلا يتكلم، ولكن القبيح أن يستأثر الصغير بالكلام، وفيهم من قد اشتعلت رؤوسهم شيبًا، ويريدون أن يكون لهم حظ من الكلام، ولكن هذا استأثر!
فيُقال: دع الكبير يتكلم، فبعض كبار السن ولو كان عامِّيًا يسرد من الحكايات والقصص ما فيه عبر، وهذا نراه، مع أن كبار السِّن ما درسوا بلاغة ولا درسوا لغة، ولا درسوا بديع المعاني؛ إلا أنَّهم إذا سردَ أحدهم قصَّة تستمتع.
وأحيانًا كنت أسمع من والدي -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أو من العم أو من الجد قصصًا، إذا أردتَّ أن تعيدها تعرف في نفسك نقص الأسلوب، وتعرف كيف كان الوالد لما يتكلم كان يأسر الحاضرين.
وحدثني شخص قائلًا: جاءنا فلانٌ وكان سيجلس معنا ثلث ساعة لأنه كان مرتبطًا بموعد، وكان في المجلس رجل مسنَّ، فاسترسل هذا المسن في القصص لمدة ثلاث ساعات تقريبًا، ولم يتحرك أحد من مكانه، لأنها كانت قصص ممتعة ومفيدة.
وأوجه رسالة للشباب: إذا جلستم مع آبائكم أو مع كبار السن وذكروا حكايات؛ فقيِّدوها، هذه الحكايات قد تؤثر في نفس المعاصرين أكثر من غيرها، وقد منَّ الله عليَّ بتقييد بعض حكايات المسنِّين أجدُ لها تأثيرًا في الحاضرين أكثر من غيرها.
فإذا تكلَّم المسن وخلي كلامه من المحاذير الشرعية فينبغي للبقية الإنصات وعدم قطيعته، إلا إذا دخل في المحذور شرعي، أو في كلام لا ينفع، فهنا لكل حادثٍ حديث.
كل مسلم مأمور بأن يتحلَّى بالأخلاق، لكن الأئمة وأهل الوظائف الشرعية، والمشايخ، وطلاب العلم والخطباء؛ فهؤلاء أولى الناس، لأنهم في موضع القدوة والأسوة عند الناس، وهؤلاء خطؤهم مضاعف، يعني شخص ليس له وظيفة شرعيَّة لاشك أن خطأ قد يون أقل من خطأ من يتسنَّم منصبًا شرعيًّا؛ وإلَّا فكل مسلم، التاجر والوزير والصغير والكبير؛ كلهم مأمورون بالأخلاق الحسنة، فلو أن رجلًا عاميًّا أخطأ فإنه يُذم على خطئه ولا يُقر، ولكن إذا أخطأ إمام مسجد فإن النقد يزيد عليه، فلو اختصم الإمام مع أحد تجد أن ذمَّ الناس للإمام أكثر، لأنه في موضع القدوة، لأنه يصلي بالناس، ولو اختصم طالب وأستاذ في المدرسة وتلاسنا؛ فيُقال لهذا الطالب أنت مُخطئ، ولكن أن أيها الأستاذ لا تجاري الطالب الصغير في سفهه، فالحق عليك أكبر، فأولى الناس بالأخلاق الحسنة هم أهل المناصب الشرعية، وإلا فإنَّ التاجر مأمور بالأخلاق الحسنة، والإسلام قد انتشر في جزر الهند وفي غيرها بأخلاق التُّجَّار، وكل إنسان، الرياضي، والصحفي، والموظف أيًّا كانت وظيفته، والطبيب؛ كلهم مأمورون بالأخلاق الحسنة.
{يبعض الناس يقول: أجد صعوبة في التَّحلِّي بالأخلاق. فما السبيل؟}.
هناك فيلسوف هندي يقول: "إن الأخلاق جبلة"، بمعنى: أن الشخص يولَد كالحمل الوديع أو كالسبع المفترس، ولا تتغير أخلاقه. وهذا كلام باطل بالشرع والعقل والمشاهدة.
قال -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «إنَّما العِلْمُ بالتَّعلُّمِ وإنَّما الحِلْمُ بالتَّحلُّمِ مَن يتحَرَّ الخيرَ يُعْطَهُ ومَن يتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ»[21]، فهذا يهد نظرية أن الأخلاق جبلة، فالإسلام حث على ترويض النفس، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «مَن يَتصبَّرْ يُصبِّرْه اللهُ، ومَن يَستَغْنِ يُغْنِه اللهُ، ومَن يَستَعفِفْ يُعِفَّه اللهُ»[22].
فأولًا: يدعو الإنسان ربه أن يهبه أخلاقًا حسنة، وكان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- يقول: «وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأخْلَاقِ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ»[23].
وثانيًا: أن يُجاهد نفسه في ترك السلبيات من الخصال والأخلاق، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69]، وقال -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ أَنْ يُجَاهِدَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ»[24]، أما حديث «رَجَعْنَا مِنْ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ» لا يصح، وذكر ابن حجر أنه من قول إبراهيم بن أبي عبلة.
ثالثًا: أن يُصاحب أهل الأخلاق الحسنة، وترى في بعض الأصحاب إذا ماشيته أو زاركَ أو زرتَه أمورًا في صورته وأخلاقه تغبطه عليها، ترى له سمتًا في الجلوس، سمتًا في الحديث، حسن اختيار الألفاظ، حسن التعامل مع الآخرين، فهذا مرآةٌ لك، انظر إلى الأخطاء التي في نفسك وعالجها، أما أن تصاحب -أو تُزامل- أناسًا يُردونَكَ؛ فلا شكَّ أن هذا غبنٌ وخسارٌ.
رابعًا: يقرأ الإنسان عن فضل الأخلاق الحسنة، وأثرها على صاحبها، وفي المقابل أثر الأخلاق السيئة على صاحبها، وكلما أخلص الإنسان في الدعاء وجاهد نفسه وتخلَّقَ وروَّض نفسه، وعلم الله منه صدق النيَّة وطيب الطَّويَّة؛ سيرى من الله ما يُطمئن قلبه ويشرح صدره ويُقر عينه، وسيرزقه الله تعالى بحسن الأخلاق.
{أحسن الله إليكم.
كيف يتعامل صاحب الأخلاق الجيدة مع صاحب الأخلاق السيئة إذا أخطأ عليه؟}.
الأخلاق الحسنة تجعل صاحب الأخلاق السيئة إما أن يكفَّ عن أخلاقه السيئة، أو يرجع إلى الأخلاق الحسنة؛ فلا تُجاري السفيه على سفهه، فربنا أدبنا بقوله: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامً﴾ [الفرقان: 72]، وقال: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامً﴾ [الفرقان: 63].
فصاحب الأخلاق السيئة قد يكون عصبيَّ المزاجِ أو منفعلًا، وقد يؤذيك في الحقيقة، لكن من رزقه الله أخلاقًا حسنة ومنَّ عليه بخصالٍ حميدة فينبغي أن يُقابل تلك الإساءة بإحسان، وبعض الناس تجد عنده هدوء وبرود، فإذا رأى العصبي تبسَّم أمامه، فهذا يزيد غضبه!
فإذا وجدتَّ غاضبًا، فدعه يغضب، فإذا انتهى فتلطَّف معه أو الزم الصمت، وقد رأيتُ في بعض المجالس يشتد أحدهم غيظًا على صاحبٍ له، فإذا بذلك الصاحب يمتص غضب الطرف الآخر بهدوء وسمت وسكينة، حتى أني حضرت مجلسًا واحتدَّ الخصام بينَ اثنين، وأعرف أن أحد الطرفين من عقلاء الناس، والثاني حساس بطبيعته، فقام الأخ -أثابه الله- وقبَّل رأسه وقال سامحني يا أخي، فقام الثاني أيضًا وقبَّله وعانقه. فما أتى هذا إلا بعد توفيق الله ثم الأخلاق الحسنة.
ومن الأخلاق عند الجاهليين: عدم الترويع.
فهم يرونها مذمَّة وقدحًا في المروءة، وخاصة ترويع الناس، ولهذا لَمَّا قيل لأبي جهل أن يقتحم بيت النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- في الليل. فقال: يعيرني العرب أني روعت بنات محمد!
والآن -مع الأسف- بعض الناس لا يُبالي بترويع المرأة، أو الصغير، أو الكبير، أو الجار، وما يُسمَّى الآن بالكاميرا الخفيَّة؛ بعضها قد يكون فيه مندوحة، ولكن بعضها قد يزيغ عقل الإنسان، وقد تحصل عداوة ومشاكل، وهذا لا يليق.
وينبغي أن يُعلَم أن من الترويع أن يأخذ متاع أخيه، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- يقول: «لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّ»[25]، وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «لا تُرَوِّعُوا الْمُسْلِمَ، فَإِنَّ رَوْعَةَ الْمُسْلِمِ ظُلْمٌ عَظِيمٌ»[26]، وعند أبي داود نهى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- عن ترويع المسلم.
فهذه من خصال الجاهلية التي كانوا يربؤون بأنفسهم عنها، ومع الأسف ترى الآن كثير من الناس يتلذَّذ بترويع الآخرين.
ومن الخصال: حفظ الأمانة.
فكانوا في الجاهلية أن يفقد الرجل نفسه ولا يضيع أمانته، وربنا يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَ﴾ [النساء: 58]، وبعض الناس في الأمانة لا يُبالي فيها، ولا شك أن هذا مذمَّة وخصلة قدحٍ.
{أحسن الله إليكم.
هل من نصيحةٍ في ختام هذه الحلقة؟}.
النصيحة لنفسي أو لًا، ولكل من يسمع أو يرى أو يحضر: أن يدعو العبدُ ربَّه أن يرزقه الأخلاق الحسنة، وأن يستفيد من أخلاق أهل المروآت، وأن يحرص على مجالستهم وعلى التعرف عليهم، وأن يقرأ في أخبار الأنبياء وأخبار الصحابة ليرى عظيم حسن أخلاقهم، وحتى في أخبار تاريخ الجاهليَّة يقرأ أخبار العرب وغير العرب من أخلاق كانت فيهم حميدة، وخصال وشيم ومروآت؛ فهذه تشحذ الهمم زيادة على ما قبلها.
{نشكركم فضيلة الشيخ ما تقدمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم.
وفي الختام هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج، ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن أحمد العمر. إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.
----------------
[1] السنن الكبرى للبيهقي (20174)، حسنه ابن باز في مجموع الفتاوى (215/2).
[2] سنن أبي داود (4798)، معجم الطبراني الأوسط (6/236 )، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
[3] سنن الترمذي (2018)، صحيح ابن حبان (482)، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (791).
[4] أخرجه أبو داود (4799) واللفظ له، والترمذي (2002) مطولاً، وأحمد (27517)، صححه الألباني.
[5] السلسلة الصحيحة للألباني (1734).
[6] أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (6026)، وأبو الشيخ في ((التوبيخ والتنبيه)) (97) باختلاف يسير، حسنه الألباني في صحيح الجامع (176).
[7] صحيح البخاري (3007).
[8] أخرجه البخاري (2465)، ومسلم (2121).
[9] خرجه ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (3/213)، وأبو نعيم في ((تاريخ أصبهان)) (2/93)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (36/137)، حسنه الألباني في صحيح الجامع (5923).
[10] أخرجه البخاري (6018) واللفظ له، ومسلم (47).
[11] صحيح البخاري (6016).
[12] صحيح البخاري (6015).
[13] الأدب المفرد (296)، وصححه الألباني.
[14] ضعفه السيوطي في الدر المنثور (13/581).
[15] مسلم ( 2020 )
[16] مسند أحمد (26416).
[17] مسند أحمد (27823)، صححه الألباني.
[18] أخرجه ابن حبان (559)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (8991)، وابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (2/77)، صححه الألباني في صحيح الجامع (2884).
[19] صحيح البخاري (3173)، صحيح مسلم (1669).
[20] المعجم الأوسط للطبراني (3798)، البيهقي في شعب الإيمان (7/3517).
[21] المعجم الأوسط للطبراني (3/118)، حسنه الألباني في صحيح الجامع (2328).
[22] أخرجه أحمد (11091) واللفظ له، وابن حبان (3399)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (9046).
[23] صحيح مسلم (771).
[24] أخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (2/249)، صححه الألباني في صحيح الجامع (1099).
[25] سنن أبي داود (5003)، حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
[26] ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (5247).

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك

سلاسل أخرى للشيخ