{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء
العلمي، وأرحبُ بفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد العزيز بن محمد السدحان. فأهلًا وسهلًا
بكم فضيلة الشيخ}.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
حيَّاكم الله، وحيَّا الله مَن يُشاهد ومَن يسمع ومَن يحضر معنا في هذا اللقاء.
{ما زال حديثنا متواصلًا عن الآداب والأخلاق، وفي هذه الحلقة -بإذن الله- يتحدث
فضيلة الشيخ عن التناقض في الأخلاق.
فضيلة الشيخ لو تعطينا توطئة عن التناقض في الأخلاق}.
أولًا: كلمة التناقض وردت في سورة النحل، في قوله -جَلَّ وَعَلَا:
﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثً﴾
[النحل: 92]، ذكر بعض المفسرين أنَّ الآية نزلت في امرأة من قريش، كانت تغزل طول
النهار، فإذا أمست نقضت غزلها، ثم تعود مرَّة أخرى في اليوم الثاني، وهلمَّ
جرَّا...، وتستمر في بناءٍ وهدمٍ، وبناءٍ وهدمٍ، وهلمَّ جرَّا...، فلا هي بعدُ
انقطعت ولا هي انبتَّت!
فالتناقض من التَّضاد، وهو أن يقول قولًا ويفعل خلافه، أو أن يقول ما لا يفعل، أو
أن يفعل ما لا يَقُول.
وقيل: إنَّ التَّناقض تارة يكون في الأقوال، وتارة يكون في الأفعال.
الأفعال كما تقدَّمَ من فعل المرأة هذه، والأقوال مثل ما كان بيَّن الجرير والفرزدق
بما يسمى بالنَّقائض، هذا يهجوه وهذا يرد عليه، وهذا يذكر أشياءً له وهذا يهدمها،
ومَرَدُّ هذا في كتب اللسان العربي.
{أحسن الله إليكم.
بعض الناس يهتم بأمور وغيرها أولى منها. فما توجيهكم؟}.
هذه من صور التناقض، وقد قيَّدتُّ هنا عندي بعض النقاط، منها:
أن ترى رجلًا يهتم بالذهاب إلى الدوام مبكِّرًا، وهذا محمودٌ في براءة الذِّمَّة،
وفي أداء الأمانة، ويُشكر على هذا الفعل؛ إلَّا أنَّ التناقض هو أن يتأخَّر عن
الذهاب إلى الجمعة والجماعة، فحرصه في ذهابه إلى وظيفته أمرٌ محمودٌ ومشكورٌ، وكما
تقدم هو براءةٌ لذمَّته، وحلٌّ لمرتبه وأداءٌ لمسؤولياته، لكن التناقض أنَّ هذا
الحرص يتلاشى في مسألة الفريضة كالجمعة والجماعة، يذهب مُتأخرًا، تفوته ركعة أو
أكثر، أو تفوته الصلاة كلها ولا يُبالي، وكان الأولى أن يكون التبكير سِمَةً دائمةً
له فيما يتعلق بأمور دينه ودنياه.
{أحسن الله لكم فضيلة الشيخ.
لو ذكرتم لنا بعضًا من صور التَّناقض}.
تجد بعض الناس إذا دُعيَ إلى وليمة، أو إذا دعا ناسًا إلى وليمة؛ يلبس الثياب
الحسنة، وتطيَّب بالطيب والرَّائحة العطرة، ويتحفَّظ في شخصيته من حيث اللِّباس،
كالحذاء والثَّوب والشِّماغ وما يتبعه، وكل بلدٍ بحسب لباسهم؛ وهذا اللباس
والتَّزيُّن محمود، والإسلام حثَّ على التَّزيُّن، قال رسول الله -صَلَّى اللهُ
عَلَيْه وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ
الْجَمَالَ»[27]، لكن هذا التَّزيُّن يتلاشى في ذهابه إلى المسجد، يذهب
بثياب رثَّة، يستحيل أن يذهب إلى وليمةٍ بهذا اللباس الذي يأتي به المسجد؛ بل لو
ذهب أولاده إلى وليمةٍ في مثل ذهابهم بملاس المسجد لعاتبهم وعنَّفهم وقال: البسوا
الثياب الحسنة، أما المسجد -فمع الأسف الشديد- ترى شريحة من المصلين لا يبالون بحسن
الثياب في الذهاب للمسجد.
وهنا أذكر بعض أهل الطِّيب إذا أتيتهم تشتري منهم يقول لك: تريد طيب عروس أو طيب
مساجد؟
ومع الأسف تجد أنَّ نوع طيب المساجد رخيص ورائحته ليست زكيَّة، وكان الأولى أن يكون
طيب المساجد من النوع الطيب.
وعودٌ على بدء؛ فالتَّزيُّن للذهاب للولائم بثياب وتلاشي هذا في الذهاب للمسجد؛
فهذا من التناقض، ولهذا فإنَّ ابن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- نبَّه أحد غلمانه
إلى هذا التَّناقض الذي وقع فيه هذا الغلام، فقد رأى ابن عمر -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُما- غلامًا لا يصلِّي إلا في ثياب رثَّة، وكان من فقه ابن عمر أنه ما أنكرَ
عليه، وإنما سأله استفهامًا، ومن أبلغ الإقناع أن تجعل الشخص يسأل نفسه ويُجيب على
نفسه بخلاف ما يفعل حتى يتأدب؛ فقال له ابن عمر: لو دعاك أحد عِليَة القوم، كيف
تأتيه؟
فقال الغلام: ألبسُ حُلَّتي، وأرجل جمَّتي.
قال ابن عمر: فالله أحق أن تتزين له.
{بعض الناس يقول: المسجد نذهب له خمس مرات في اليوم؛ وبالتالي أتجمل ولكن ليس
كالتَّجمُّل الذي يكون لمناسبة مرة في الشهر}.
هذا سؤال طيب، الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- كان يلبس في العيد لباسًا
أميز من لباسه في سائر الصلوات، فلا مانع من هذا، ولكن يُقال: تجنَّب الثياب
الرثَّة، والملابس البالية المتَّسخة، ولا تأتي المسجد بثياب متَّسخة وفيها رائحة
نتنة في البدن أو الثياب! ولا يُقال له: تزيَّن لكل صلاة، ولا شكَّ أن هذا كمال،
ولكن المهم أن تذهب بثياب فيها تزيُّن للصلاة؛ لأنَّك تقف أمام رب العالمين، ولا
يلزم أن تلبس كما تلبس في العيد، والرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- كان
لباسه في الجمعة يختلف عن سائر الصلوات، ولباسه في العيد يختلف.
والشأن أن يُقال: لو أنَّ شخصًا ذهب للمسجد بثياب متواضعة نظيفة، وجعل الثياب
الغالية للأعياد أو للزَّواجات أو للمناسبات الكبيرة، فلا يُقال له لا، ولكن أن
يذهب إلى المسجد بثياب رثَّة كقميص النوم، وكأن الصلاة ثقل عليه يريد أن يتخلَّص
منها بأي شيء!
ويُقال: اذهب بلباس نظيف يليق بالصلاة، ولا تُلزَم بالتَّزيُّن لكل صلاة، مع أنَّ
هناك -ما شاء الله تبارك الله- ممَّن عُرف من بعض المسنين إذا رأيته ذاهب للمسجد
لأداء الفرائض؛ لا تدري هل بعد المسجد سيذهب إلى زواج أو مناسبة أو ما شاكله، من
حرصه على التزيُّن في كل صلاة.
وأذكر في كتاب مختصر قيام الليل للمقريزي، وأصل الكتاب لمحمد بن نصر المروزي
-رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فقد ذكر أثرًا أن بعضَ السلف كان قد اشترى حُلَّةً بألف
درهم، وكان يُصلي بها قيام الليل في بيته، وكان إذا سُئل قال: أتزيَّنُ لربي.
{بعضهم يقول: هذه اللبسة وإن كانت رثَّة إلَّا أن الناس اعتادوها في المساجد}.
يُقال: إنَّ اعتياد الناس على شيءٍ رغَّبَ الشَّارعُ في غيره يُنظَر فيه إلى مراد
الشَّارع، فالشَّارع عُني بالتَّزيُّن وحثَّ عليه، ورغب فيه، ورتَّبَ عليه أجورًا،
وهذا اللباس لا يليق، أحيانًا واحد بلباس متعرِّق وفيه رائحة، أو لباس ممزَّق، حتى
إن بعض المصلين ينتقد هذا اللباس، مع أن بيته قريب، أما لو قُدِّر أن بيته بعض أو
حصلَ له عارض فهذا معذور، ولكن العتَب على مَن يخرج من بيته بثياب رثَّة ولا يُكلفه
التغيير دقائق!
فإذا اعتاد الناس على ثياب عاديَّة فلا بأس، أما أن يأتي المصلي بثياب رثَّة أو
ممزَّقة أو فيها روائح؛ فإنَّ هذا تأباه الطباع والأعراف السليمة، فضلًا عن الشرع.
من التَّناقض أيضًا: أنَّ بعض الناس إذا أقام وليمة؛ فمن كرمه وحسن أخلاقه يتقصَّد
الجيران إما مهاتفةً أو مشافهةً أو مكاتبةً، يعني يُرسل لهم رسائل صوتيَّة، أو
كتابيَّة، أو يذهب إلى بيوتهم يدعوهم إلى وليمته، وهذا دليل على الشِّيَم والأخلاق
والأدب، وقد يجد بعض الناس مقصرًا في الصلاة أو تاركًا للصلاة، هو أحسنَ في دعوته
ترغيبًا له ومن باب توثيق أواصر الجوار والمحبَّة بينهم، ولكن تجد أن هذا الحريص
يعرف أنَّ زيدًا من الجيران لا يصلي أو يتخلَّف، وقد يكون بعض نساء الحي اشتكت لبعض
رجال الحي أن يُناصحون أزواجهم أو أولادهم، ومع ذلك لم يُحرِّك ساكنًا مع هذا
الرجل، فربما كلمة منه له لحثِّه عن الصلاة، أو رسالة صوتية أو كتابيَّة أو مقابلَة
تُغيِّر تاريخ حياته، ولكن بعض الناس لا يُعرِّج على الكلام، لا تصريةً ولا
تلميحًا؛ فهذا من التَّناقض.
وزد على هذا: مع عنايته بأمر الجيران قد يكون بعض الجيران متهاجران، يعني هناك
اثنان من الجيران لا يكلم بعضهم بعضًا، فيدعوهم سويًا لوليمة، ويحضرون سويًا
ويخرجون سويًّا لا يكلم أحدهما الآخر!
فيُقال لهذا الشخص الدَّاعي: أثابكَ الله على دعوتهم، ولكن إصلاحكَ بينهما أفضل من
دعوتكَ لهما وأكثر نفعًا.
من التَّناقض أيضًا: بعض الأُسَر تأتي بخادمٍ أو خادمة، ولا يتأخَّرون عن دفع
مستحقاتهم، ولا يقصِّرون في الإهداء لهم في الأعياد وما شاكلها، أو إهداؤهم بعض
اللباس والطعام في المناسبات، ويهتمُّون بمراعاة مشاعر الخادم؛ بل لو أنَّ أحد
الصغَّار تكلَّم عن خادم لعاتبوه، وهذا لا شكَّ من مراعاة حقوق الآخرين، ولكن
التَّناقض أن يكون ذلك الخادم -أو الخادمة- في عقيدته بدع أو قوادح عقدية في
ديانته، أو غير مسلم.
فيُقال لهذه الأسرة: أحسنتم صنعًا، وأحسنتم خلقًا في التعامل مع هذا الخادم وهذه
الخادمة من حيث عدم التقصير في مستحقاته إلى آخره، ولكن هناك شيء أعظم وهو إصلاح
عقيدته، ومكاتب الجاليات -بحمد الله- تفتح صدورها قبل مكاتبها في إعطاء دورات
علميَّة أو أشرطة مسموعة أو كتب مقروءة مترجمة للغاتهم، وقبل أيام رأيت برنامجًا
يعرض أعلام الدول، وذكر أنَّك إذا كان عندك عامل يحتاج إلى التعريف بالإسلام وفضل
الإسلام؛ فقط اضغط على علم الدولة يأتيك كتاب مترجم بلغتهم، والسلف كانوا يرحلون
لدعوة الناس للإسلام، والآن -والحمد لله- أتتنا في بلادنا؛ بل في بيوتنا، وهذه
فُرصٌ ينبغي أن تُستثمر.
{بعضهم يقول: أنا أدعو هذا الخادم بالأخلاق}.
الأخلاق جزء وليست الكل، أحيانًا يستفيد الخادم من أخلاق رب البيت، ولا شك أن هذا
طيب، ولكن لا يكفي، هؤلاء فيهم في الغالب طيبة، إذا أحسن رب البيت التصرف مع هؤلاء
ففي الغالب لا يكون بينه وبين الإسلام إلا شعرة، فإذا دُعوا وعُلِّموا أسلموا، وفي
بيوت كثيرة -والحمد لله- أثمرَت أخلاقها وتعاملها ودعوتها إلى إسلام الكثير.
{هل مثل هذا يتعلق بذمة رب البيت أو ربَّة البيت؟}.
نعم، خاصَّة الآن إذا اعتذر رب البيت وقال ما عندي لغة، أو ما عندي علم شرعي، أو ما
عندي أسلوب في عرض الإسلام؛ فيُقال: أنت مكفي، فالتَّقنيَّة قرَّبت البعيد، ويسَّرت
العسير، وجمعت المتفرق بفضل الله تعالى، ومكاتب الجاليات منتشرة والحمد لله في
البلد، فما لك عذر الآن، فبفضل الله بعض مكاتب الجاليات -كما بلغني- يمرون على
البيوت بحافلة، ويأخذون الخدم والخادمات إلى المكاتب، وهناك قاعات فيها مترجمون؛
فالحجة قائمة ولا إشكال.
من ضمن التَّناقضات: أن ترى بعض الموظَّفين في وظيفته يعبث في الأموال العامَّة،
مثلًا عنده في المكتب بعض الأوراق خاصَّة بالعمل، يعبث فيها، يمزِّق فيها، يأخذ
منها شيء لبيته، أو يخرج من مكتبه ويغلق والمكيِّف شغَّال إلى دوام الغد!
إذا دخل دورات مياه المكتب يعبث ويسرف في المياه إلى آخره، أو عدم الترفُّق بأجهزة
المكتب من طابعات أو أجهز حاسب أو هواتف، لا يُبالي!
بينما في بيته لو رأى أحد أولاده يُبذر في الماء نهره وزجره، ولو رأى أحد أولاده ما
أغلق الكهرباء أمره بالرجوع؛ بينما ترى هذا الشخص يخرج من مكتبه ساعة أو ساعتين أو
ثلاث ساعات وكل شيء شغال، بل بعضهم يتكاسل عن إغلاق التَّكييف والكهرباء، وليس له
في هذا مصلحة، فلو قال إن الجو حار، أو أريد أن تبقى البرودة؛ لا بأس، ولكن ترى -مع
الأسف- بعض الناس يُوظِّف أملاك الدَّولة التي يُؤتمَنونَ عليها في مصالحه الخاصَّة
والعبث فيها وعدم مراعاتها، وفي الغالب أنَّ هذا يُجازى بما فعل، فقد يمحق الله
بركة ماله لعدم رعايته للأمانة، فهذا مؤتمنٌ، وقال الله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَ﴾
[النساء: 58]، ولكن مع الأسف تجد بعض الناس يتوسَّع في الأموال العامَّة بخلاف
أمواله الخاصَّة، فهو مالٌ عام، ولكن أنا وأنت محكومون بأنظمة، ولو فُتِحَ هذا
الباب لضاعت الأمور، وكثُرَ العبث، وظهر الفساد، فلو أنَّ ولدًا عبثَ في بيت أبيه،
ثم قال له أخوه: لا تعبث. فقال: مال والدي! فيعاتب الأب هذا الولد العابث.
{الإشكال أن بعض الناس ما ينظر إلى حرمة المال العام كما ينظر لحرمة ماله الخاص}.
هو يظن أنَّ المال العام مُشاع، ولكن هو مؤتمَن، أدِّ الأمانة إلى مَن ائتمنك، بل
لو كان هذا الشخص عاملًا في شركة، وهذا العامل بينه وبين مديره في العمل خصومة،
ولكن ليس من حقه أن يعبث في المال العام، بل قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ:
«وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ»، فإذا كان الذي خانك فيه
هذه الصفة الذَّميمة فلا تكن مثله، «أَدِّ الْأَمَانَةَ
إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ»[28].
أيضًا من التَّناقض: أنَّ بعض الناس إذا قلت له: اجعل لك حظًّا من التِّلاوة
يتثاقل، بينما يجلس على النت ساعات طويلة لا يمل ولا يكل!
الآن أنت تجلس ساعتين أو ثلاث ساعات أو أربع ساعات؛ وأذكر في بعض مواسم الحج كان
شابًّا يقول لي: أمه تشتكي من أخيه أنَّه إذا أتى من الدَّوام دخل غرفته وجلس فيها
على الإنترنت إلى آخر الليل، لا يقطع الإنترنت إلا عند النوم، حتى الغداء والعشاء
يأخذه من تحت الباب، يجلس ساعات طويلة، ماذا يرى وماذا يسمع؟ هذا بينه وبين رب
العالمين!
فهذه الساعات الطويلة تجلسها مستمتعًا بالإنترنت، حتى الأذكار تجد أن بعضهم يتثاقل
أذكار الصباح والمساء، مع أنها لا تأخذ إلا دقائق، وهي أذكار فيها تحصينٌ.
ومن لطيف كلام الشيخ ابن عثيمين -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أنه قال: "الأذكار
الشرعيَّة تُحصِّن صاحبها أقوى من سور الصين العظيم".
الشاهد: أنَّ هذا من التَّناقض!
تقول له: اقرأ، يقول: أنا لا أسمع القرآن إلَّا في الصلاة أو في المذياع، ولا أقرأ
إلَّا في رمضان، أو يقول: لا أجدُ وقتًا! فهذا لاشكَّ أنه من التناقض، ومن
التَّكاسُل، ومن التَّخاذُل.
وأقول لنفسي ولمن أدمن تصفُّح الإنترنت: إذا فرغت من الإنترنت فاسأل نفسكَ ثلاثة
أسئلة:
- هل سلم بصرك من الحرام؟
- هل سلم سمعك من الحرام؟
- هل الفائدة المتحصلة من جلوسك يُعادل الوقت المبذول في جلوسك على النت؟
فيك الخصام وأنت الخصم والحكم!
أيضًا من التَّناقض: الدُّعاء للأولاد في الصلاة.
ترى هذا الوالد يقول في صلاته: رب اغفر لي ولوالدي، وأصلح لي ذريتي.
ولا شكَّ أن الدعاء للأولاد مطلوب، فقد جاء في الحديث:
«ثَلاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ،
وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ»[29]، وفي لفظ
«وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ»[30]، يعني إمَّا نعمة أو نقمة.
ولكن الإشكال أنَّ هذا الوالد الذي يدعو لأولاده أو الأم، إذا أخطأ الولد لعنه
وشتمه!
أنت قبل قليل ما جف ريقك من الدعاء لهم في صلاتك، ثم الآن إذا أخطأ تلعنه! فهذا يهم
الدعاء السابق، فالأولى التَّحفُّظ وعدم اللعن، ولا مانع للعتاب والكلام الغليظ.
وكذلك الدُّعاء عليهم قد يُستجاب، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ:
«لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا
عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ
فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ»[31]، وقد حصل كما قُرئ وسُمع أن هناك مَن دعا على
ولده فأجاب الله دعاءه.
وأذكر في درس الشيخ ابن جبرين -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- كنت أقرأ الأسئلة للشيخ
بعد الفراغ من قراءة الكتاب، فجاء سؤال قرأته بنفسي، والسائلة كانت امرأة تقول: كان
عندي طفل يبلغ خمس سنوات، وكان كثير المطالب، وكنتُ مرَّة في المطبخ فأكثر السؤال
عليَّ، فقلت: قطع الله لسانك؛ فما تكلَّمَ بعدها!
فالحذر من التَّناقض، أن يدعو لهم في صلاته، ويلعنهم ويدعو عليهم بعدَ صلاته.
{بعض الأمهات والآباء يقولون: ما يشفي غليلي إلا الدَّعاء على الابن}.
يُقال لهم: هذا يشفي الغليل وفيه معصية للرحيم، وطاعة للرجيم، وشفاء الغليل ينبغي
أن يكون موظَّفًا بآداب الشرع، ولو كل إنسان حكَّم هذا المبدأ لأصبحت الشريعة
عبثًا، كل إنسان سيفعل ما يشفي غليله!
ويُقال: وطِّن نفسكَ على ما يحبه الله ويرضاه، وفي الشرع أساليب العتاب.
فائدة ذكرها بعض علماء المالكيَّة، يقولون: تأديب الولاد الصغار يكون بإخبارهم
بالذنب قبل الضرب، وأن يكون الضرب والعقاب في مواضع لا تضر بدنه، وأن لا يُكثر
التثريب واللوم عليهم بعدما يُعاقبه.
والعلاج الناجح الذي يُصلح الولد هو ما أمر به الشرع وحثَّ عليه.
من التَّناقضات أيضًا: جرأت بعض الناس على الفتيا الشرعية.
فإذا سُئل عن مسألة في الحج أو في الزكاة أو في الصيام؛ بعض الناس ما قال "لا" قط
إلا في تشهده! وبخاصَّة في الفتاوى، يُفتي ولا يقول: "لا أعرف، ولا أدري"، وهو يعرف
من نفسه أنه عامي وجاهل، ولكن يتجرَّأ في الفتاوى الشرعية!
هذا الرجل مع أنه وقع في محذور شرعي؛ ولكن التَّناقض إذا ما أصابه مرض لا يُمكن أن
يُفتي نفسه في العلاج، أو يقبل منكَ أو منِّي أو من زيد أو من عمرو أن هذا العلاج
ينفع لمرضك، بل يذهب إلى الطبيب ويسأل.
أمور شرعية تتعلق بعقائد النَّاس وعبادات النَّاس وآداب الناس تفتي فيها وأنتَ
جاهل!
إذا أراد أن يبني بيتًا، تقول له: ضع حديد كذا، وضع من الخرسانة كذا...، لا يمكن أن
يقبل منك إطلاقًا، ولو كنت أعزَّ الناس عنده؛ لعلمه أنَّك لا تعرف البناء، ولذا
يذهب إلى مهندس معماري ليسأله.
هذا التَّناقض في كونه يتجرأ على أمور دينه لنفسه ولغيره، ويُمسك عن أمور صحَّته
ودنياه.
{بعضهم يقول: إن هذا من باب المدارسة للفتيا}.
هناك فرقٌ أن يكون واحد في جلسة فيقول: أنا عندي سؤال كذا وكذا، دخل رجل المسجد
وفيه جماعة، والإمام في التشهد الأخير، فهل ينتظر أو يدخل. ماذا تقولون مع التعليل؟
هذا ليس مقام فتيا، وإنما مقام شحذ الأذهان، فإذا أجاب وقال الصواب كذا وكذا، ولكن
يحذرهم أن هذا فقط مقام مدارسة، وأنَّ الإنسان إذا كان من عامَّة الناس وسُئلَ على
شيءٍ فلا يُجيب إلَّا أن يكون متوثِّقًا، فإمَّا أن يتكلَّم بعلمٍ أو أن يصمت
بحلمٍ.
{بعضهم يفتي ويعتقد في هذه الفتيا ويعمل بها، ويقول: إن الدين لله، ويجب على الجميع
أن يتعلموه، أما الطب والهندسة وغيرها هي متعلقة بالدنيا}.
هذا ليس فقط جهل، إنما هو جهل مركَّب.
والفرق بين الجهل البسيط والجهل المركَّب:
أن الجهل البسيط: يجهل ويعرف أنه جاهل.
والجهل المركب: يجهل ويدَّعي أنه عالم.
أذكر مثالًا: يُقال إنَّ أحدهم كان أول مرة يأتي الحرم، فلمَّا رأى الخطيب قال
لصاحبه: من هذا؟ فقال له: هذا الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- فقال له:
كيف هذا! الرسول ميِّت من خمسين سنة!
فالأول جاهل، والثاني أجهل منه، وهذا ذكره بعض أهل العلم للتمثيل على الجهل البسيط
والجهل المركَّب.
فقضية أن يقول: إنَّ الدين للجميع؛ نعم، ولكن لا يتكلم أحد إلا بعلم، حتى العالم
الجهبذ الذي يعتبر رأس الهرم العلمي لا يحل له أن يفتي بلا علمٍ، والرسول -صَلَّى
اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- وهو أعلم الناس بالله وأفضل الرسل قال:
«لَا أَدْرِي أَتُبَّعٌ كَانَ لَعِينًا أَمْ لَا، وَلَا أَدْرِي الْحُدُودُ
كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا أَمْ لَا، وَلَا أَدْرِي ذُو الْقَرْنَيْنِ كَانَ نَبِيًّا
أَمْ لَ»[32]، وفي البخاري باب: ما يذكر من ذَمِّ الرأي وتكلف القياس، فلما
سأل اليهود النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- عن الروح، سكت -صَلَّى اللهُ
عَلَيْه وَسَلَّمَ- وأمسك، حتى نزلت الآية ﴿وَيَسْأَلُونَكَ
عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ
إِلَّا قَلِيلً﴾ [الإسراء: 85].
من صور التناقض: إذا ذهب بعضهم إلى الطبيب، وأمره الطبيب أو نهاه سلَّمَ لكلام
الطبيب ولم يُناقشه، بل يحرص ويكتب، لا تأكل كذا ولا تشرب كذا...، فإذا جاء يسأل
وقيل له الحكم الشرعي الواضح، فيُجادل! فهو لا يسأل من باب الاستفسار والاستيضاح،
ولكن من باب التَّنطُّع وأن يُوجِد لنفسه أمرًا يوافق ما تهوى نفسه.
والتسليم لأمر الشرع مطلوب ديانةً، قال تعالى: ﴿ثُمَّ لَا
يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمً﴾
[النساء: 65].
ومن التناقض: بعض الآباء والأمهات يستشعرون مسؤولية الأولاد في حالين:
- عند المرض.
- وعند الامتحانات الدراسية.
فإذا شُفيَ الولد من مرضه، أو نجح في دراسته كان حال بعض الأمهات والآباء مع
المسؤولية كما قال القائل:
فلا يهتم بصلاته ولا بأصحابه ولا بأخلاقه؛ فهذا لا شكَّ من
التناقض، وكان الأولى أن تكون العناية للأولاد فيما يُصلح أمور دينهم ودنياهم.
ومن التناقضات: بعض الناس يحفظ عشرات القصائد، وإذا جلس في المجلس كأنه الأصمعي في
سرد المنظومات والأشعار، ويعطك القصيدة على أي بحر وقافية، ومَن قالها، وفي أي
مكانٍ قيلَت، وسبب قولها، وهل هي هجاء أو رثاء، أو مدح، ومَن عرضها؛ تجده قاموس في
الشعر.
لا شكَّ أنَّ هذه موهبة، ولكن إذا قرأ قصار السور أخطأ فيها، وإذا سألته عن أذكار
الصباح ما يعرف، أو عن أذكار المساء ما يعرف، أو عن أذكار النوم ما يعرف، أذكار
دخول المنزل ما يعرف! اجعل حيِّزًا يسيرًا لحفظ الأمور الشرعية.
فمن التناقض أن يكون كما قال الخطيب البغدادي في كتاب "شرف أصحاب الحديث" وساق
أثرًا عن الأعمش، قال فيه: "إياكم وشيوخ القمر. قيل مَن شيوخ القمر؟ قال: أناسٌ
دهريون يجتمعون في الليالي المقمرة يتناشدون الأشعار والأسمار، ولا يفقه أحدهم من
دينه شيئًا"، يعني: كل وقته أشعار وأسمار، وبعضهم إذا قرأ قصار السور تتعجَّب! فقبل
قليل كنتَ تملك المجلس في سرد الأشعار.
وأذكر أنَّ أحدهم يسر القصيد بحفظ عجيب دون تلعثم أو تردد أو توقُّف، حتى أنَّ صاحب
الدَّعوة قال: تفضلوا غداءكم، وهو لازال مستمر؛ ولكن أذكار الصباح وأذكار المساء
وقصار السور -مع الأسف- يُخطئ فيها.
ومن التناقض: أن بعضهم يتضجَّر إذا تأخر في الإقامة دقائق.
وهنا نقول لأئمة المساجد: ينبغي أن نحافظ على الإقامة التي وقَّتتها الوزارة،
الرُّباعيات عشرون دقيقة، والفجر خمس وعشرون، والمغرب عشر، إلَّا إذا كان فيه اتفاق
بين الجماعة كلهم فهذا شيء آخر.
وأقول لأئمة المساجد على الطرق السريعة وفي المطارات وفي المستشفيات: لا يؤخرون،
يقول الشافعي ومالك: "ينبغي للإمام السوق أن يعجل".
وأحيانًا يتأخر الإمام إما لعرضٍ أو لتجدي وضوء، أو لتأخر السيارات والزِّحام؛ تجد
بعض الناس يتضجَّر ويتكلَّم مع المؤذن، بينما لو كان يجلس مع أصحابه يقضي الساعات،
ويتضجر ويضيق إذا قيل سنفترق.
فيُقال له: وطِّن نفسك، فإذا تأخر الإمام تأخرًا ملحوظًا تكلَّم، ولكن إذا تأخر
دقيقة أو دقيقتان، وكان في مكان ليس للناس حاجة كسوق أو مطار أو مستشفى؛ فوطِّن
نفسك كما توطِّن نفسك وتستلذ بالجلوس لساعات مع أصحابك، فأنت في مكان تصلي الملائكة
عليك، واستغل وقتك في الدعاء والقراءة.
{بعضهم يحتج ويقول: إن هذا من عادة الإمام أن يتأخر}.
إذا كان من عادته حُقَّ له أن ينتقده، فلا ينبغي للإمام أن يتأخر دائمًا، وبعضهم لا
يكون مشغولًا، ولكن لشيء في النفس، فلو تأخرت في المسجد ثلاث دقائق أو أربع تقرأ
وتدعو وتستغفر؛ فهذا خير لك.
وبعض الناس -ما شاء الله تبارك الله- لو لم يردوا السلام لقلتَ إنه لا يتكلم ولا
يسمع، فيأتي المسجد ويقرأ، تتأخر ثلاث دقائق أو أربع وهو في مكانه، حتى لو كان
وراءه شغل فإن هذه الدقائق لا تضر.
ويُقال: إذا كان الإمام معتادًا؛ فينبغي له أن يتقيَّد بالوقت الأصلي، والناس ليسوا
على مشاعر واحدة، بل يختلفون، فهناك الحساس وهناك من يتضايق وهناك الحليم.
من التناقضات: الإنصات التام إذا كان في مجلس شاعر، تجد أن الجميع منصتون، بينما لو
تكلَّم أحدٌ كلمةَ توجيهٍ بعضهم يتشاغل إمَّا بجوالٍ أو بأمر آخر، وهذا لا ينبغي!
وتجد بعضهم يكون منصتًا بجوارحه، ويسمع القصيدة ويُحاول ألا يفوته أي حرف أو كلمة
فيها، فيُقال: إن هذا من باب التزوُّد الثَّقافي الأدبي، وهذا لا مانع فيه، لكن إذا
تكلَّم واعظٌ لدقائق فالأولى الإنصات والاستماع، وعدم الانشغال بالجوال، فهذا ممَّا
يقلل من هيبة الرجل.
{يقول بعضهم: نحن اجتمعنا في هذا المجلس للترفيه، فلما يأتي واعظ فكأنه يقلل من هذا
الترفيه}.
لو كان الواعظ دائمًا في المجلس هذا، أو يطيل فنعم، ولكن أحيانًا تكون دقائق، زاره
رجلٌ عرضًا، وقد يقول فائدة علمية أو عقدية أو تعبديَّة أو سلوكيَّة؛ فمن المروءة
وحق الضيف الإكرام، ومن إكرامه سماع كلامه.
ومن اللطائف أني كنتُ مرة مع الشيخ بكر أبو زيد -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- وكان
يقول لي: "من حكم عدم قيام ليلة العيد حتى لا ينام الإنسان فيُشارك الناس في
أفراحهم".
ومن التناقضات: هناك ناس إذا دخلت بيوتهم كأنها متاحف، من كثرة التُّحف المتنوعة
النفيسة الثمن، تحف تبقى سنين على الأدراج، هذه يدفعون فيها أموالًا طائلة، ولكن في
الصدقة يُمسك!
يُقال له: اشترِ تحفًا، فهذا من باب تزيين البيوت، ولكن أنفق يدك، وإلَّا فوالله
لصدقة واحدة أفضل من كل التُّحف هذه تنفق فيها آلاف الريالات، فيُمسك يده عن
الصدقة. فهذا من التناقض!
ومن التناقضات: التَّمسُّك بالعادات والتَّقاليد وعدم التَّنازل عنها.
وهنا يُقال: إذا كانت العادات والتَّقاليد لا تُخالف نصًّا شرعيًّا فالأصل مراعاة
أعراف الناس وما يهواه الناس، كأن يكون عندنا عادة في الأكل كذا، أو عادة في
الزوجات كذا؛ فما دام أنها لا تخالف نصًّا شرعيًّا، ولا تخالف مروءةً ولا فطرةً
سويَّة؛ فلا حـرج.
والتناقض أنَّ هذا الشخص الذي يتمسَّك بالعادات ويحث الصغار عليها، ويُنكر على مَن
خالفها؛ تجده يتبذَّل أو يتهاون في أمور واجبة شرعًا، ويتجرأ على المجاهرة بمصادمة
النصوص، ليس في بيته فحسب بل أمام الناس.
ولهذا ذكر ابن مفلح في الآداب الشرعية عن ابن عقيل الحنبلي أنه قال -رَحِمَهُ اللهُ
تَعَالَى: "لو تمسَّكَ الناس بالشرعيات تمسكهم بالعادات لاستقامة لهم كثير من
أمورهم".
{أحسن الله إليكم.
هل من التناقض أن يأمر بعض الناس بالمعروف وينهى عن المنكر، وهو قد ما يُطبِّق هذا
الذي يقول؟ وهل هذا فيه إشكال بيِّنٌ وواضح}.
يقولون في كتب الحسبة: الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر على أقسام:
الأول: قسم يأمر ويمتثل الأمر بنفسه، وينهى ويترك ما نهى الناس عنه: فهذا هو
الكمال.
الثاني: يأمر ولكن لا يمتثل، فهو أصابَ في الأمرِ، ولكن أثم في عدم الامتثال، وينهى
الناس ولكن يقع في النهي، فهو أصاب في النهي، وأخطأ في الوقوع.
الثالث: قسم لا يأمر ولا ينهى أبدًا، ولكن في نفسه منضبط.
شرهم مَن يأمر بالمنكر ويفعله، وينهى عن المعروف ولا يفعله.
والذي يأمر بالمعروف ولا يفعله فهذا تناقض، ولكنه خير من الذي لا يأمر.
فإن قال قائل: أين أنتم من قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: 2]؟
هذه صفة ذم، ولكن أقبح منه مَن يأمر بالمنكر ويفعله، وينهى عن المعروف ويتركه.
{شكر الله لكم فضيلة الشيخ على ما تقدِّمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين
حسناتكم.
وفي الختام هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج، ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن
أحمد العمر. إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته}.
--------------------
[27] صحيح مسلم (131).
[28] رواه الترمذي (1264) وصححه الألباني في صحيح
الترمذي.
[29] رواه ابن ماجه (3862) وحسنه الألباني في "سلسلة
الأحاديث الصحيحة" (596).
[30] مسند أحمد (7197).
[31] رواه مسلم (3014).
[32] أخرجه أبو داود (4674) أوله في أثناء حديث،
والبزار (8541)، والحاكم
(2174)
باختلاف يسير.