الدرس التاسع
فضيلة الشيخ أ.د. فهد بن سليمان الفهيد
إحصائية السلسلة
{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ مِن حلقاتِ البناء
العلمي، وأرحب بفضيلة الشَّيخ الدكتور/ فهد بن سليمان الفهيد، فأهلًا وسهلًا بكم
فضيلة الشَّيخ}.
حيَّاكم الله، وحيا الله الإخوة جميعًا.
{نشرع في هذه الحلقة -بإذن الله- عند قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ:
(وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْكَرَامَاتِ قَدْ تَكُونُ بِحَسَبِ
حَاجَةِ الرَّجُلِ، فَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهَا الضَّعِيفُ الْإِيمَانِ أَوْ
الْمُحْتَاجُ أَتَاهُ مِنْهَا مَا يُقَوِّي إيمَانَهُ وَيَسُدُّ حَاجَتَهُ،
وَيَكُونُ مَنْ هُوَ أَكْمَلُ وِلَايَةً لِلَّهِ مِنْهُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ ذَلِكَ،
فَلَا يَأْتِيه مِثْلُ ذَلِكَ لِعُلُوِّ دَرَجَتِهِ وَغِنَاهُ عَنْهَا، لَا
لِنَقْصِ وِلَايَتِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فِي التَّابِعِينَ
أَكْثَرَ مِنْهَا فِي الصَّحَابَةِ، بِخِلَافِ مَنْ يَجْرِي عَلَى يَدَيْهِ
الْخَوَارِقُ لِهَدْيِ الْخَلْقِ وَلِحَاجَتِهِمْ فَهَؤُلَاءِ أَعْظَمُ دَرَجَةً)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا
محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ- في كتابه "الْفَرْقانُ بَيْنَ
أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ": (وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ
يُعْرَفَ أَنَّ الْكَرَامَاتِ قَدْ تَكُونُ بِحَسَبِ حَاجَةِ الرَّجُلِ، فَإِذَا
احْتَاجَ إلَيْهَا الضَّعِيفُ الْإِيمَانِ أَوْ الْمُحْتَاجُ أَتَاهُ مِنْهَا مَا
يُقَوِّي إيمَانَهُ وَيَسُدُّ حَاجَتَهُ، وَيَكُونُ مَنْ هُوَ أَكْمَلُ وِلَايَةً
لِلَّهِ مِنْهُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ ذَلِكَ، فَلَا يَأْتِيه مِثْلُ ذَلِكَ لِعُلُوِّ
دَرَجَتِهِ وَغِنَاهُ عَنْهَا، لَا لِنَقْصِ وِلَايَتِهِ).
يُبيِّن -رَحِمَهُ اللهُ- مسألة مهمة في الكرامات، وكرامات الأولياء مسألة يُؤمن
بها أهل السنة والجماعة، وقد نصُّوا عليها في كتب العقائد، أن أهل السُّنَّة يؤمنون
بكرامات الأولياء، وما يُجري الله -عزَّ وَجَلَّ- على أيديهم من خوارق العادات من
أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات، فهذه الكرمات التي تجري على
أيديهم انقسم الناس فيها أقسام:
Ø فمنهم من أنكرها كأهل البدع.
Ø ومنهم من جعلها حجَّة على الغلو فيهم، واعتقاد أنهم مُقدَّسين، وأنهم أهل
كمالات.
أما أهل السنة والجماعة لا يقولون بهذا ولا بهذا، فيقولون: الكرامات حق ونؤمن بها،
وهذه الكرامات دلَّ عليها الكتاب والسنَّة، ووقعت من الصحابة والتابعين، وتقع إلى
يومنا هذا.
ومعناها: أمر خارق للعادة يُجريه الله -عزَّ وَجَلَّ- على يد مؤمنٍ.
وهذا يُبيَّن فيه ما ذكره الشيخ هنا، وأنَّ هذه الكرامة قد تقع لضعيف الإيمان، وقد
تقع لقوي الإيمان، فلا يعني وقوع الكرامة من الرجل أنه قويُّ الإيمان.
وسببها: إما لحاجة شخصية أو لحاجة بالمسلمين، وإمَّا لحجَّةٍ في الدين.
فإما أن تكون لحاجة شخصية: مثل أن يسد الله -عزَّ وَجَلَّ- جوعه بشيءٍ لم يحلم به،
ومنه قوله تعالى: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ
عِنْدَهَا رِزْقً﴾ [آل عمران: 37]، ومثل ما جرى لأصحاب الكهف لَمَّا ناموا وحماهم
الله من قومهم الذين كانوا على الشرك، فآووا إلى الكهف وألقى الله عليهم النوم هذه
المُدد العظيمة من السنين، ثلاثمائة وازداود تسعًا، ومثل ما جرى لغيرهم من المؤمنين
في عهد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الصحابة، كما مَرَّ معنا في
الدرس الماضي والذي قبله جملة من الكرامات التي وقعت للصحابة والتابعين.
قال الشيخ: (قَدْ تَكُونُ بِحَسَبِ حَاجَةِ الرَّجُلِ، فَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهَا
الضَّعِيفُ الْإِيمَانِ أَوْ الْمُحْتَاجُ أَتَاهُ مِنْهَا مَا يُقَوِّي إيمَانَهُ
وَيَسُدُّ حَاجَتَهُ، وَيَكُونُ مَنْ هُوَ أَكْمَلُ وِلَايَةً لِلَّهِ مِنْهُ
مُسْتَغْنِيًا عَنْ ذَلِكَ).
إذن؛ الكرامة لا تدل على كمالٍ أو نقصٍ، فهي نعمة من الله -عزَّ وَجَلَّ- على
العبد.
وتكون الكرامة لحجَّة في الدين، فمن أنواع الحجة في الدين:
- ما أعطاه الله للإمام أحمد بن تيمية، فإن الله -عزَّ وَجَلَّ- أعطاه من البيان
ومن العلم ومن القدرة على مناقشة الخصوم والرد على أهل البدع بشتَّى أنواعهم، وهذه
مؤلفاته تشهد بإمامته وجلالة علمه وقدره -رحمة الله عليه- فضايقه السلاطين، وضايقه
علماء السوء ووشوا به، وكذبوا عليه وافتروا عليه، وسجن عدَّة مرات؛ بل ماتَ وهو في
السجن -رَحِمَهُ اللهُ- ولم يقطعه ذلك عن مُزاولة العلم ونشره وتأليف الكتب التي
تشهد بإمامته، وهذه كتبه موجودة ولله الحمد، فمن ذلك الوقت الذي عاشَ فيه إلى يومنا
هذا والناس يستفيدون من علمه، ويستفيدون من مُؤلفاته، فلا شكَّ أنَّ هذه كرامة من
الله لهذا الرجل، وفضل من الله عليه، ونسأل الله الكريم الذي تفضل على هذا وأمثاله
بهذا ألَّا يحرمنا -سبحانه وتعالى- من فضله وكرمه وجوده.
وكذلك الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والجماعة، والإمام مالك، وغيرهم من أئمة
السنة وأئمة العلم؛ فقد حصل لهم من البلاء والأمور العظيمة، فصبروا على الدين.
ثلاثةٌ من الخلفاء والحكَّام يُعادون الإمام أحمد بن حنبل ويتقصَّدونه، ومنهم مَن
سجنه وجلَدَه؛ فصبرَ وجعل الله له العاقبة الحميدة، وثبت الله -عزَّ وَجَلَّ- به
قلوب المسلمين في ذلك الوقت، وصارَ إمام أهل السنَّة والجماعة بحق، حتَّى قيل: "ثبت
الله الإسلام بأبي بكر الصديق يوم الردَّة، وبأحمد بن حنبل يوم المحنة". فهذا من
كرامة الله لهؤلاء العلماء -رحمة الله عليهم.
هل لابدَّ للولي من كرامة؟
الجواب: لا.
الخرافيون يقولون: لا يكون وليًّا إلَّا إذا كان معه كرامة، ولذلك إذا أراد الواحد
منهم أن يزعم أنه ولي ويجعل له هالة يبحث عن كرامة، ويسعى قلبه للحصول عليها، ثم
يبدأ يتحدَّث بها، أو يقول لأتباعه: حدِّثوا الناس بها؛ حتَّى يكون دعاية، وحتى
يجعل لنفسه علوًّا على الآخرين بهذا الشيء الذي جرى له، وبعضهم يبقى مُتحسِّرًا
مُستحسرًا على نفسه، يظن أنَّه فاقدٌ للإيمان وفاقدٌ للولاية؛ لأنَّه لم يجرِ له
كرامة.
وهذا كله مخالفٌ لمنهج أهل السنَّة والجماعة، فليس من شرط الولاية وقوع الكرامة،
فالله -عزَّ وَجَلَّ- بيَّنَ لنا مَن هم أولياء الله، قال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ
أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ
آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس 62، 63]، لم يقل ربنا "الذين جرت لهم
الكرامات، أو خوارق العادات"!
إذن؛ الإيمان والتقوى هو الذي يجب على كل إنسان أن يسعى لتحقيقه حتى يدخل في هذا
الوصف الجليل العظيم.
ومن الأشياء التي يجب التنبيه عليها: أنَّ الولاية ليس من شرطها الكرامة، قد يكون
الرجل مزارعًا، ويقد يكون الرجل عاملًا عاديًّا لا يؤبه له، وقد يكون ليس له علامات
ولا مظاهر مثل العمامة، أو مناظر معيَّنة؛ فقد يكون رجلًا مدفوعٌ بالأبواب، إذا جاء
يدخل على أحد قال له: من أنت! ويكون عند الله -عزَّ وَجَلَّ- عظيم بتقواه وإيمانه
وبمحافظته على الواجبات وترك المحرمات، وقيامه بدين الله -عزَّ وَجَلَّ- في نفسه
وفي أهله.
فهذا يُبين لنا أنَّ الشأن ليس بالمظاهر الفارغة التي ليست بشرعيَّة، ولا بالهالات
والدِّعاية له بأنه ولي؛ فلنحذر من هذه المسالك التي يفعلها الخرافيون والمبتدعة.
وتقدَّمَ أن الكرامات تكون على أنواع، مثل العلوم والمكاشفات، أو تكون في القدرة
والتأثيرات.
فالعلوم والمكاشفات: مثل ما جرى لعمر من قوله: "يا سارية، الجبل الجبل".
وهذا الباب ليس مفتوحًا على مصرعيه، وكلٌّ يدعيه، ولكن هذا يقع اتفاقًا لبعض
الصالحين، وبعض أولياء الله، ولا يقصده الإنسان، ولا أن الأولياء الذين حصل لهم هذا
قالوا: إنَّهم يعلمون الغيب، أو أن هذا يستمر لهم! بل إنَّ هذا وقع مرَّةً فقط.
وأمَّا القدرة والتأثيرات: مثل وجود الطعام، أو تكثير الماء، ونحو ذلك من الأشياء
التي تعتبر خارقة للعادة، أو وجود المال.
وهذه الأمور ذكرت في موضعين في القرآن:
الموضع الأول: سورة الأنعام، فقال الله -عزَّ وَجَلَّ- للنبي -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا
أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا
يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا
تَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأنعام: 50].
الموضع الثاني: سورة هود، قال الله -عزَّ وَجَلَّ- عن نوح: ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ
عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ
وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ
خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ
الظَّالِمِينَ﴾ [هود: 31].
فأوَّل رسول إلى أهل الأرض أمره الله أن يقول هذه الثلاثة:
Ø لا أقول لكم عندي خزائن الله.
Ø لا أعلم الغيب.
Ø لا أقول إني ملك.
وآخر رسول أرسله الله إلى أهل الأرض؛ أمره أن يقول: ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ
عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي
مَلَكٌ﴾.
لاحظ هذه الثلاثة:
Ø لا أقول لكم عندي خزائن الله: يدخل فيه الأموال، والذهب، والفضة، والأطعمة
وغيرها، يعني: لا أقول لكم سأعطيكم خزائن الأرض حتَّى تثبت رسالتي ونبوَّتي
وتصدقوني، فخزائن الأرض عند الله -عزَّ وَجَلَّ- وليست عندي، وهو رسول الله -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
Ø لا أعلم الغيب: أي لا أعلم المكاشفات والغيوب لا يعلمها الرسول، فمن باب أولى
أنَّ الأولياء لا يعلمونها، فلا يعلم الغيب إلا الله، فمن ادَّعى علم الغيب فقد
كفر.
Ø لا أقول إني ملك: يعني القدرة، فالملائكة عندهم قدرة وتأثيرات خفية عن ما
يشاهده بنو الإنسان.
وهذا يدل على أن هذه الأمور الثلاثة نفاها الرسل عن أنفسهم، فمن باب أولى أن
أتباعهم لا يدَّعونها، فإذا قُدِّرَ أنَّ واحدًا يقول: شيخ الطريقة الفلانية أو
الولي الفلاني عنده قدرات على كذا وكذا؛ فنقول: لا، أفضل منه وخيرٌ منه الرسول
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ
اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ﴾.
فهذا أصل كبير إذا انتبه له المؤمن عرف بطلان ما يدَّعيه هؤلاء الخرافيُّون، وأنَّه
بعيدٌ تمامًا عن دين الإسلام.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ مِثْلُ
حَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيَّادٍ الَّذِي ظَهَرَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ قَدْ ظَنَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ
الدَّجَّالُ، وَتَوَقَّفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
أَمْرِهِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ فِيمَا بَعْدُ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الدَّجَّالُ؛
لَكِنَّهُ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكُهَّانِ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «قَدْ خَبَّأْت لَك خَبْئً» قَالَ : الدُّخُّ الدُّخُّ.
وَقَدْ كَانَ خَبَّأَ لَهُ سُورَةَ الدُّخَانِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَك»، يَعْنِي إنَّمَا
أَنْتَ مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ.
وَالْكُهَّانُ كَانَ يَكُونُ لِأَحَدِهِمْ الْقَرِينُ مِنْ الشَّيَاطِينِ
يُخْبِرُهُ بِكَثِيرِ مِنْ الْمُغَيَّبَاتِ بِمَا يَسْتَرِقُهُ مِنْ السَّمْعِ،
وَكَانُوا يَخْلِطُونَ الصِّدْقَ بِالْكَذِبِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ : «إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ وَهُوَ
السَّحَابُ، فَتَذْكُرُ الْأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ فَتَسْتَرِقُ
الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ، فَتُوحِيه إلَى الْكُهَّانِ فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا
مِائَةَ كِذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ».
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا- قَالَ : بَيْنَمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ إذْ رُمِيَ بِنَجْمِ فَاسْتَنَارَ فَقَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ لِمِثْلِ هَذَا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ إذَا رَأَيْتُمُوهُ ؟». قَالُوا: كُنَّا نَقُولُ يَمُوتُ عَظِيمٌ
أَوْ يُولَدُ عَظِيمٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«فَإِنَّهُ لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ ؛ وَلَكِنَّ
رَبَّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى إذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ
ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ
يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ، ثُمَّ
يَسْأَلُ أَهْلُ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ حَمَلَةَ الْعَرْشِ مَاذَا قَالَ رَبُّنَا
؟ فَيُخْبِرُونَهُمْ، ثُمَّ يَسْتَخْبِرُ أَهْلُ كُلِّ سَمَاءٍ حَتَّى يَبْلُغَ
الْخَبَرُ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَتَخْطَفُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ
فَيَرْمُونَ فَيَقْذِفُونَهُ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ، فَمَا جَاءُوا بِهِ عَلَى
وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَلَكِنَّهُمْ يَزِيدُونَ».
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ مُعَمَّرٌ قُلْت لِلزُّهْرِيِّ : أَكَانَ يُرْمَى بِهَا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنَّهَا غَلُظَتْ حِينَ بُعِثَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)}.
الحديث الآن عن الأحوال الشيطانية، فلمَّا فرغ الشيخ من ذكر الكلام عن كرامات
الأولياء انتقل إلى الحديث عن الأحوال الشيطانيَّة، وهذا من المواضع المهمَّة في
هذا الكتاب، وهو معرفة الفرقان بينَ أولياء الرحمن وأولياء الشيطان فيما يجري على
أيديهم، فأولياء الرحمن يجري على أيديهم كرامات، أمَّا أولياء الشيطان فإنما يجري
على أيديهم من الأشياء العجيبة التي تخرق العادة تسمى أحوالًا شيطانيَّة، فهذا أمر
مهم، وهو كيف نفرق بين هذا وهذا.
نقول: الفرق أولًا من حال الرجل، فتعرف الرجل من حاله، فإذا كان مؤمنًا بالله
ورسوله مسلمًا مصدقًا بالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- محافظًا على طاعة
الله وطاعة رسوله، متقيًا للمحرمات؛ فهــذا ولي، وما يجري على يديه يعتبر كرامة.
أما إذا كان مضيِّعًا للصلاة مضيِّعًا للدين، أو غير مسلم كأن يكون يهوديًّا أو
نصرانيًّا أو مشركًا أو غيرهم من أنواع الكفار؛ فهــذا لا يكون كرامة؛ بل يكون
حالًا شيطانيًّا.
وهذا وردَ في السُّنَّة، مثل: عبد الله بن صيَّاد، فكان يُشَكُّ في أمره، وكان من
الكهَّان، والكهَّان يأتون بشيءٍ خارقٍ لعادة الناس، فعادة الناس أنهم لا يعرفون ما
يقع فيما خرج عن بلادهم بسبب عدم وجود المعلومات؛ لأنها تصل إليهم بعد يوم أو
يومين، فتأتي الشياطين تنقل للكهَّان هذا الشيء الذي حصل، فيتحدَّثون به، فيغتر
الناس بالكهَّان ويصدقونهم، ويكون هذا سبب لفتنة بعض الناس.
أو مسترق السمع من الشياطين التي تسترق السمع كما بيَّن النبي -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهذا يُبيِّن لك أنَّ هذه الأشياء التي تجري على أيدي الكهان تصنَّف في الشريعة
الإسلامية أنها أحوال شيطانية، وأن هؤلاء الكهان ومن يصدقهم ومن يذهب إليهم هم
أولياء الشيطان، وليسوا أولياء الرحمن.
ولهذا فإنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن يوحَى إليه في مسألة
الدجال ظنَّ أن ابن صيَّاد هو الدجال، وظنَّ بعض الصحابة أنه الدجال، حتَّى قال
عمر: "دعني أقتله"، فقال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنْ يَكُنْهُ
فَلَنْ تُسَلَّطَ عليه، وإنْ لَمْ يَكُنْهُ فلا خَيْرَ لكَ في قَتْلِهِ»[14]، أو
كما قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاء يختبره ليردَّ عليه ويفضحه؛ لأنَّه
كان يدَّعي دعاوى ويُظهر أمره وأن له شأن، فقال له النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «قَدْ خَبَّأْت لَك خَبْئً»، فالكهَّان يقولون: أنا أدري ماذا في ضميرك
الآن وأخبرك به، فأضمر شيئًا في ضميرك ولا تتكلَّم به ولا تخبرني به، لكني سأقول لك
ماذا في ضميرك الآن.
ومن تعريفات الكهَّان: أنهم يُخبرون عمَّا في الضَّمير.
فمثلًا: تُخبئ في نفسك وتقول: أريد أن أسافر؛ فيقول لك: أنت تريد أن تسافر! فيفتتن
بعض الناس، وإنَّما هذا من قرين الجن الذي مع الإنسان يُخبر القرين الذي مع هذا
الكاهن.
فقال له النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ خَبَّأْت لَك خَبْئً»،
وَقَدْ كَانَ خَبَّأَ لَهُ سُورَةَ الدُّخَانِ.
فقَالَ ابن صيَّاد: "الدُّخُّ الدُّخُّ"، فالجن الذي معه ما وصله الكلام كاملًا،
فما وصله إلَّا أول حرفين " الدُّخُّ ".
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْسَأْ فَلَنْ
تَعْدُوَ قَدْرَك»، يَعْنِي: إنَّمَا أَنْتَ مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ، وفي قوله:
«لَنْ تَعْدُوَ قَدْرَك»، يعني: أنت وأصحابك الكهَّان معروفون عند الناس قديمًا
وحديثًا بالكذب، فهم يكذبون مائة كذبة ويصدقون في واحدة، وصدقهم ليس ناشئًا عنهم؛
بل هم أهل كذب، فهذا يُهوِّن عليكَ أمرهم، فلما تعرف أن هذا من جنس السَّحرة أو من
جنس الكهَّان فلا تغتر به.
والكهَّان كانوا معروفين في الجاهليَّة قبل الإسلام، وكانوا معروفين في كَفَرة
الأمم كلها، ولازال الكهان موجودون الآن، ومن الناس مَن يظن أنَّ إخبار هؤلاء
بالمغيَّبات يدل على أنهم أولياء؛ بل هؤلاء أولياء شياطين، وليسوا أولياء الرحمن،
هؤلاء إخوان الكهان، وهؤلاء شر عظيم، والتصديق بهم كفر.
والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وضَّحَ في السُّنة كيف يأتيهم نادرًا
الخبر فيقع، وأنَّ هذا من استراق السمع، فإن الله -عزَّ وَجَلَّ- إذا قضى الأمر في
السماء فإن الملائكة يسأل بعضهم بعضًا، فتأتي الشياطين تسترق السمع، فيأتي الشيطان
يُخبر مَن تحته، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصف كيف يكون الشيطان
فوق شيطان والجنِّي فوق الجنِّي، كما رُويَ عنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أنه "بدَّدَ إصبعه، وفرَّق بينَ أصابعه" أي: حرَّف بين أصابعه وفرَّق بينهم.
بدَّدَ: يعني فرَّقَ.
وحرفها: جعلها كالحرف.
يقول إنَّ هذا الجني يُخبر هذا، ثم هذا يُخبر هذا، حتى تصل إلى أذن الكاهن يُقرقرها
في أذنه كقرقرة الدَّجاج، وهؤلاء الكهان لايزالون شرٌّ عظيم، وهم كفار كلهم يدَّعون
الغيب، ويستغيثون بالشياطين، فهؤلاء أحوالهم أحوال شيطانيَّة، ومع الأسف بعض غلاة
المتصوفة يجعل هؤلاء أولياء، ولهذا يكثر في بعض هذه الطائفة وطائفة الرافضة
السَّحرة والكهانة، لأنَّها من الوسائل التي يخدعونَ بها السُّذج ويدَّعون أنها
كرامات، حتى بعضهم يُعرف أنه لا يصلي ولا يتوضأ، ولا يغتسل من الجنابة، ورائحته
نتنة، وقذر أشد القذارة، ثم يقولون: هذا ولي؛ لأنَّه يُخبر ببعض المغيَّبات؛ بل هذا
عدوٌّ لله ولرسوله، وهذا شيطان إنسي من أولياء الشيطان.
فإذا قيل: إنه أخبر بشيء ووقع!
نقول: هذا من الأحوال الشيطانيَّة، وليست من الأحوال الرحمانيَّة.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَالْأَسْوَدُ العنسي الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ، كَانَ
لَهُ مِنْ الشَّيَاطِينِ مَنْ يُخْبِرُهُ بِبَعْضِ الْأُمُورِ الْمُغَيَّبَةِ،
فَلَمَّا قَاتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ كَانُوا يَخَافُونَ مِنْ الشَّيَاطِينِ أَنْ
يُخْبِرُوهُ بِمَا يَقُولُونَ فِيهِ، حَتَّى أَعَانَتْهُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ
لَمَّا تَبَيَّنَ لَهَا كُفْرُهُ فَقَتَلُوهُ.
وَكَذَلِكَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ كَانَ مَعَهُ مِنْ الشَّيَاطِينِ مَنْ
يُخْبِرُهُ بِالْمُغَيَّبَاتِ وَيُعِينُهُ عَلَى بَعْضِ الْأُمُورِ، وَأَمْثَالُ
هَؤُلَاءِ كَثِيرُونَ مِثْلُ: الْحَارِثِ الدِّمَشْقِيِّ الَّذِي خَرَجَ بِالشَّامِ
زَمَنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَادَّعَى النُّبُوَّةَ، وَكَانَتْ
الشَّيَاطِينُ يُخْرِجُونَ رِجْلَيْهِ مِنْ الْقَيْدِ، وَتَمْنَعُ السِّلَاحَ أَنْ
يَنْفُذَ فِيهِ، وَتُسَبِّحُ الرَّخَامَةُ إذَا مَسَحَهَا بِيَدِهِ، وَكَانَ يَرَى
النَّاسَ رِجَالًا وَرُكْبَانًا عَلَى خَيْلٍ فِي الْهَوَاءِ، وَيَقُولُ: هِيَ
الْمَلَائِكَةُ! وَإِنَّمَا كَانُوا جِنًّا.
وَلَمَّا أَمْسَكَهُ الْمُسْلِمُونَ لِيَقْتُلُوهُ طَعَنَهُ الطَّاعِنُ بِالرُّمْحِ
فَلَمْ يَنْفُذْ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ : إنَّك لَمْ تُسَمِّ
اللَّهَ. فَسَمَّى اللَّهَ فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ)}.
الأسود العنسي ادَّعى أنه نبي، وهو كذاب مثل مسيلمة الكذاب، والمختار بن أبي عبيد،
وسجاح.
فمن الفتنة بهذا الرجل أنَّ الشياطين كانت تساعده، وتخبره ببعض الأمور المغيَّبة
فيزداد افتتان الناس به، فلما قاتله المسلمون خافوا من الشياطين أن يخبرونه بما
يقولون فيه، وخافوا أن يتأخر النصر بسبب إعانة الشياطين، فالحمد لله أن هدى الله
امرأته، فلما عرفت أنه كافر خبيث أعانت المسلمين عليه فقتل، ولكنها صارت فتنة
عظيمة.
ولا تزال هذه الأمور تتكرر، وهي أن بعض الناس يدَّعي الولاية وهو كاذب، أو يدَّعي
النبوَّة ويتكلم بأشياء ويقع منه أشياء فيفتتن الناس!
فلا تغتر ولا تتزحزح عن دينك، اثبت على الإسلام، واثبت على السُّنَّة، ولا تغتر
بهؤلاء المجرمين، فهذه أحوال شيطانية تقع، والشياطين قد تفعل هذا معهم.
كذلك كانت الشياطين تخبر مسيلمة الكذاب ببعض الأمور المغيَّبة، وتعينه على بعض
الأمور، فكان هذا سبب فتنة عند الناس، يفتتنون به زيادة عن غيره -نسأل الله العافية
والسلامة.
لما ذكر الشيخ هذين المثالين عرَّجَ على ما وقع بعدهم، مثل الحارث الدمشقي، فهذا
رجل في زمن عبد الملك بن مروان -الخلفية الأموي- خرجَ على الناس وادَّعى النبوة،
وفتن به خلق كثير من الناس!
وانظروا إلى الأعاجيب والخوارق التي جرت عليه وخرجت منه أمام الناس ورأوها؛ حتى
تقارن -أيها المسلم- بما يقع الآن، فإذا سمعتَ مثلَ هذا الآن عن بعض الناس فلا يعدو
قدره، وهذا الحارث الدمشقي كانت الشياطين تُخرج رجله من القيد، فإذا أُمسِكَ أخرجَت
الشياطين رجله من القيد، وكانوا إذا ضربوه بالسلاح تحميه الشياطين، وكان إذا مسح
بيده على الرخام أو نقرها بيده يسمعون صوت تسبيح.
قد يقول قائل: ذكر أهل العلم أن بعضهم كانت تسبح الآنية في بيته، ونبينا -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت من معجزاته أن الحصى كان يسبح بيده، فكيف هذا؟
نقول: هذا قد يقع لهؤلاء الشياطين وأمثالهم فتنة للناس، فنحن عندنا قاعدة ما نتزحزح
عنها، سبَّحت الرُّخام أو ما سبَّحت؛ فهل هو مؤمن تقي أو هو مخالف للدين خارج عن
السنَّة وادَّعى النبوة؟ أو ترك الصلاة؟ فعندنا قواعد لا نتزحزح عنها.
قال الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ: (وَكَانَ يُرِى النَّاسَ رِجَالًا وَرُكْبَانًا عَلَى
خَيْلٍ فِي الْهَوَاءِ)، يقول لهم: انظروا هذا الذي في الهواء يمشون رجالًا يمشون
وراكبون على خيول؛ فيتعجَّب الناس! وَيَقُولُ لهم: هِيَ الْمَلَائِكَةُ، يعني:
يدَّعي أن الملائكة جاءت معه.
قال الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ: (وَإِنَّمَا كَانُوا جِنًّ)، شياطين ساعدوه حتَّى
يُخيِّلُ للناس، ففتن به الناس.
فهذا قد يقع للناس، ولكن لا نستدل به على أن هذا ولي أو هذا رجل صالح.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَلَمَّا أَمْسَكَهُ الْمُسْلِمُونَ لِيَقْتُلُوهُ طَعَنَهُ
الطَّاعِنُ بِالرُّمْحِ فَلَمْ يَنْفُذْ فِيهِ)، يعني: كلما أراد أن يطعنوه لا ينفذ
فيه الطعن.
ومن فقه عَبْدُ الْمَلِكِ أن قال له: (إنَّك لَمْ تُسَمِّ اللَّهَ. فَسَمَّى
اللَّهَ فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ)، والحمد لله.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَهَكَذَا أَهْلُ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ
تَنْصَرِفُ عَنْهُمْ شَيَاطِينُهُمْ إذَا ذُكِرَ عِنْدَهُمْ مَا يَطْرُدُهَا مِثْلُ
آيَةِ الْكُرْسِيِّ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-
لَمَّا وَكَّلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحِفْظِ زَكَاةِ
الْفِطْرِ فَسَرَقَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ، وَهُوَ
يُمْسِكُهُ فَيَتُوبَ فَيُطْلِقَهُ، فَيَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا فَعَلَ أَسِيرُك الْبَارِحَةَ؟». فَيَقُولُ زَعَمَ
أَنَّهُ لَا يَعُودُ. فَيَقُولُ: «كَذَبَك وَإِنَّهُ سَيَعُود». فَلَمَّا كَانَ فِي
الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ. قَالَ : دَعْنِي حَتَّى أُعَلِّمَك مَا يَنْفَعُك : إذَا
أَوَيْت إلَى فِرَاشِك فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ ﴿ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا
هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ إلَى آخِرِهَا فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ عَلَيْك مِنْ
اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُك شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ فَلَمَّا أَخْبَرَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «صَدَقَك وَهُوَ كَذُوبٌ».
وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ شَيْطَانٌ.
وَلِهَذَا إذَا قَرَأَهَا الْإِنْسَانُ عِنْدَ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ
بِصِدْقِ أَبْطَلَتْهَا، مِثْلُ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ بِحَالِ شَيْطَانِيٍّ أَوْ
يَحْضُرُ سَمَاعَ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ؛ فَتَنْزِلُ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ،
وَتَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِ كَلَامًا لَا يُعْلَمُ، وَرُبَّمَا لَا يُفْقَهُ،
وَرُبَّمَا كَاشَفَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ بِمَا فِي قَلْبِهِ، وَرُبَّمَا تَكَلَّمَ
بِأَلْسِنَةِ مُخْتَلِفَةٍ كَمَا يَتَكَلَّمُ الْجِنِّيُّ عَلَى لِسَانِ
الْمَصْرُوعِ، وَالْإِنْسَانُ الَّذِي حَصَلَ لَهُ الْحَالُ لَا يَدْرِي بِذَلِكَ
بِمَنْزِلَةِ الْمَصْرُوعِ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ
وَلَبِسَهُ وَتَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِهِ، فَإِذَا أَفَاقَ لَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءِ
مِمَّا قَالَ وَلِهَذَا قَدْ يُضْرَبُ الْمَصْرُوعُ، وَذَلِكَ الضَّرْبُ لَا
يُؤَثِّرُ فِي الْإِنْسِيِّ، وَيُخْبِرُ إذَا أَفَاقَ أَنَّهُ لَمْ يَشْعُرْ
بِشَيْءٍ، لِأَنَّ الضَّرْبَ كَانَ عَلَى الْجِنِّيِّ الَّذِي لَبِسَهُ)}.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَهَكَذَا أَهْلُ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ تَنْصَرِفُ
عَنْهُمْ شَيَاطِينُهُمْ إذَا ذُكِرَ عِنْدَهُمْ مَا يَطْرُدُهَا مِثْلُ آيَةِ
الْكُرْسِيِّ)، وكذلك الأذان وقراءة القرآن ونحوها.
هذا تعليق على موقف عبد الملك لمَّا قال: (إنَّك لَمْ تُسَمِّ اللَّهَ. فَسَمَّى
اللَّهَ فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ)، فصار ذكر الله سببًا في إبطال الأحوال
الشيطانيَّة.
وممَّا يُبيِّنُ لك أن هذه الأحوال الشيطانيَّة تبطل عند ذكر الله -عزَّ وَجَلَّ-
استدلال الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ- بالحديث الذي في الصحيح عن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ
تَعَالَى عَنْهُ- في قصَّة الذي جاء ليسرق من مال الصدقة، وكان النبي -صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد كلَّف أبا هريرة بحراسة هذه الصدقات، فكان يأتي في الليل في
صورة شيخ كبير، وكان يُعاهد أبا هريرة ألا يُعاود إذا أطلقه، فكان يُطلقه، وكان
النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسأل أبا هريرة: «مَا فَعَلَ أَسِيرُك
الْبَارِحَةَ؟»، سبحان الله! هذا من الوحي، فلما كان في الليلة الثالثة قال الرجل
لأبي هريرة: "دَعْنِي حَتَّى أُعَلِّمَك مَا يَنْفَعُك: إذَا أَوَيْت إلَى فِرَاشِك
فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ: ﴿ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ
الْقَيُّومُ ﴾ إلَى آخِرِهَا فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ عَلَيْك مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ
وَلَا يَقْرَبُك شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ".
فهذا الشيطان قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنه: «صَدَقَك وَهُوَ
كَذُوبٌ». وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ شَيْطَانٌ.
إذن؛ الشيطان قد يتمثَّل في صورة إنسي، وهذا صريح في السنَّة، والشيطان هو أعدى
أعداء الله وأكفرهم قد يتكلم بالكلام الحق فيصدق وهو كذوب وكافر، وهذا علَّق عليه
الشيخ هنا فقال: (وَلِهَذَا إذَا قَرَأَهَا الْإِنْسَانُ عِنْدَ الْأَحْوَالِ
الشَّيْطَانِيَّةِ بِصِدْقِ أَبْطَلَتْهَ)، وهذا شيء -ولله الحمد- عرفه أهل
الإيمان.
وبعض غلاة الصوفيَّة والطُّرقيَّة والخرافيين إذا جاؤوا لمجالس الطَّرب الدِّيني
-بزعمهم- والتي فيها الرَّقص والقفز والطيران في الهواء؛ فإذا جاءهم مؤمن يقولون:
هذا كدَّرَ علينا! وإذا أذَّن أو قرأ آية الكرسي بصوتٍ عالٍ تفرَّقوا وضاقوا
وتبرَّموا، كما قال الله -عزَّ وَجَلَّ: ﴿ وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا
يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ﴾ [الزمر: 45]
قال الشيخ: (مِثْلُ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ بِحَالِ شَيْطَانِيٍّ)، فهذا من أعمال
الخرافيين قديمًا وأدركها ابن تيمية ورآها، وهي أنَّهم يؤجِّجونَ النار أو يضعون
الجمرَ ويقولون: نمشي على الجمر أو ندخل في وسط النار ونخرج، وغالبًا يخدعون
العامَّة فيدهنون أنفسهم بأنواعٍ من الدُّهن تقي من الألم، وبعضهم تعينه الشياطين
وتساعده في دخول النار.
وننبه أنَّ هناك مَن يدَّعي أنَّ هذه الأعمال نوع من القدرات الخارقة للإنسان؛ بل
بعضهم يتدرَّب عليها في دورات تطوير الذات وما يسمى بالقوى الخارقة، ويقولون:
أَطلِق العملاق الذي في جسمك؛ فكل هؤلاء سندهم وشيوخهم هؤلاء الشياطين القدماء، فلا
تغتر بهم أيها المسلم، فالمشي على الجمر أو الدخول في النار من أعمال الشياطين ومن
أعمال أولياء الشياطين.
قال: (أَوْ يَحْضُرُ سَمَاعَ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ)؛ يعني: الصَّفير
والتَّصفيق والغناء، وهذا ليس بمشروع للرجال، ولهذا فإنَّنا ننهى إخواننا المسلمين
عن حضور مجالس الغناء والمعازف، فهذه مجالس تحضرها الشياطين، ولا تحضرها الملائكة،
وهؤلاء أولياء الشياطين، وليسوا أولياء الرحمن، ومَن يحضر مجالس الغناء والرقص
والمعازف المحرمة شرعًا فقد دخل في أماكن الشياطين، ولهذا هم لا يرضون ولا يسمحون
بقراءة القرآن؛ بل يتضايقون ويتبرَّمونَ.
قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فَتَنْزِلُ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ، وَتَتَكَلَّمُ عَلَى
لِسَانِهِ كَلَامًا لَا يُعْلَمُ)، وهذا في المصروع الذي تلبَّسه الشيطان، أحيانًا
يتكلَّم بلغات أخرى، وهذا موجود حتَّى الآن، فقد سمعنا عنه ورأيناه ورآه الناس، إذا
رُقيَ المصروع بالقرآن إذا بالجن الذي صرعه يتكلم بلهجة غريبة جدًّا، وبعضهم يتكلم
بلهجة هندية لا يعرفها هذا الرجل الإنسي، وبعضهم يتكلم بلهجةٍ إنجليزية أو بلهجاتٍ
أخرى ولغاتٍ أخرى.
فذكر الشيخ أن هذا الصرع من تخبُّط الشيطان، كما قال -عزَّ وَجَلَّ: ﴿الَّذِي
يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: 275]، فهذا الصَّرع حق، ولا
ننكره كما أنكره بعض المنحرفين.
قال الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ: (فَإِذَا أَفَاقَ لَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءِ مِمَّا قَالَ،
وهذا من تلبُّس الشياطين).
قال: (وَلِهَذَا قَدْ يُضْرَبُ الْمَصْرُوعُ)، حتى أنه قد يقتل الإنسي أو يُمرضه لو
كان هو المضروب.
قال: (وَذَلِكَ الضَّرْبُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْإِنْسِيِّ، وَيُخْبِرُ إذَا أَفَاقَ
أَنَّهُ لَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءٍ).
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَأْتِيه الشَّيْطَانُ بِأَطْعِمَةِ
وَفَوَاكِهَ وَحَلْوَى وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ،
وَمِنْهُمْ مَنْ يَطِيرُ بِهِمْ الْجِنِّيُّ إلَى مَكَّةَ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ
أَوْ غَيْرِهِمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْمِلُهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ثُمَّ يُعِيدُهُ
مِنْ لَيْلَتِهِ فَلَا يَحُجُّ حَجًّا شَرْعِيًّا ؛ بَلْ يَذْهَبُ بِثِيَابِهِ
وَلَا يُحْرِمُ إذَا حَاذَى الْمِيقَاتَ، وَلَا يُلَبِّي، وَلَا يَقِفُ بمزدلفة،
وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَلَا يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَا
يَرْمِي الْجِمَارَ؛ بَلْ يَقِفُ بِعَرَفَةَ بِثِيَابِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ مِنْ
لَيْلَتِهِ وَهَذَا لَيْسَ بِحَجِّ.
وَلِهَذَا رَأَى بَعْضُ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةَ تَكْتُبُ الْحُجَّاجَ. فَقَالَ
أَلَا تَكْتُبُونِي ؟ فَقَالُوا لَسْت مِنْ الْحُجَّاجِ. يَعْنِي حَجًّا
شَرْعِيًّ)}.
الشيخ يقول: إن بعض هؤلاء من يدَّعي الكرامة وهو من أولياء الشياطين قد تأتيه
الشياطين بأطعمة تسرقها من الناس، وهو لا يملكها ولا تحل له، ومنهم مَن يطير به
الجن إلى مكة أو إلى بيت المقدس.
ثم ذكر بعضهم يكون في الشام أو في بغداد أو في مصر، ثم يراه الحُجَّاج في عشية عرفة
بثيابه لم يُحرم ولم يلبي ولم يقم بالواجبات الشرعية في الحج ولا بأركان الحج؛
فيزعم بعض الناس أنه كرامة، وهذا حال شيطاني وليس بكرامة، قد يقع هذا، ولكنه لا
قيمةَ له عند ميزان الشرع، بل إن هذا يدل على أنه فاسدٌ وضالٌّ ومنحرفٌ شرعًا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (وَبَيْنَ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَمَا يُشْبِهُهَا مِنْ
الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ فُرُوقٌ مُتَعَدِّدَةٌ ؛ مِنْهَا: أَنَّ كَرَامَاتِ
الْأَوْلِيَاءِ سَبَبُهَا الْإِيمَانُ وَالتَّقْوَى، وَالْأَحْوَالُ
الشَّيْطَانِيَّةُ سَبَبُهَا مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : ﴿ قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا
بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا
لَا تَعْلَمُونَ ﴾، فَالْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَالشِّرْكُ
وَالظُّلْمُ وَالْفَوَاحِشُ قَدْ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ، فَلَا
تَكُونُ سَبَبًا لِكَرَامَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُسْتَعَانُ بِالْكَرَامَاتِ
عَلَيْهَ)}.
هذا أعظم فرق بين الكرامات وبين الأحوال الشيطانيَّة، وهو السبب؛ فسبب الكرامات هو
الإيمان والتَّقوى، وأمَّا الأحوال الشيطانية فلا يكون معها الإيمان ولا التقوى، بل
تكون مع المعاصي، ولهذا قال الله -عزَّ وَجَلَّ- في الآية: ﴿ قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ
رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ
بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا
وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾، فإذا وجدنا هذه الخمسة وهي:
الفواحش، يعني واحد يشرب الخمر، أو يزني -والعياذ بالله- أو يفعل فاحشة اللواط أو
غير ذلك، أو أن يكتسب الإثم ويأكل الحرام، ويقع فيما حرم الله، أو يقع في الشرك
الأكبر ويدعو غير الله، أو يقول على الله بغير علم؛ فهذا من أولياء الشيطان، وما
يجري على يديه فإنَّه من الأحوال الشيطانية، ولهذا قال الشيخ: (الْقَوْلُ عَلَى
اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَالشِّرْكُ وَالظُّلْمُ وَالْفَوَاحِشُ قَدْ حَرَّمَهَا
اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ، فَلَا تَكُونُ سَبَبًا لِكَرَامَةِ اللَّهِ تَعَالَى
وَلَا يُسْتَعَانُ بِالْكَرَامَاتِ عَلَيْهَ)، يعني ما يُعطي الله رجلًا مشركًا أو
يفعل الحرام لأجل أن يستعين به على الحرام، فلا يُمكن هذا.
{قال -رَحِمَهُ اللهُ: (فَإِذَا كَانَتْ لَا تَحْصُلُ بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ
وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ؛ بَلْ تَحْصُلُ بِمَا يُحِبُّهُ الشَّيْطَانُ
وَبِالْأُمُورِ الَّتِي فِيهَا شِرْكٌ، كَالِاسْتِغَاثَةِ بِالْمَخْلُوقَاتِ، أَوْ
كَانَتْ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى ظُلْمِ الْخَلْقِ، وَفِعْلِ الْفَوَاحِشِ؛
فَهِيَ مِنْ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ لَا مِنْ الْكَرَامَاتِ
الرَّحْمَانِيَّةِ)}.
هذه قاعدة كبيرة جدًّا، فإذا علمنا أن هؤلاء يتركون الصلاة في وقتها، ويتأخرون عن
الفريضة، ولا يحضرون الجماعة، وأنهم يكرهون قراءة القرآن ويملُّونَ منها، ويريدون
سماع ما يسمونه بالطرب الديني أو الرقص الديني أو غيره، أو يستغيثون بغير الله كمن
يقول "يا ولي الله فلان المدد وأغثني، يا سيدي فلان، يا حسين، يا عيدروس"، أو كان
فيهم ظلم للعباد، مثل السرقة أو أخذ أموال الناس بغير حق أو فعل الفواحش؛ علمنــا
أنها أحوال شيطانيَّة وليس كرامات رحمانيَّة.
وبهذا نعرف هذا الفرقان المهم، نسأل الله -عزَّ وَجَلَّ- أن يعيذنا من شر هؤلاء
الشياطين وأوليائهم.
والحقيقة أن هذا الموضوع موضوعٌ مهم جدًّا، وكثيرًا ما حصل فيه التغرير والانحراف
والغلط عند كثيرٍ من الناس فاغتروا بهؤلاء!
فيجب أن يكون عندنا الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وهذا كما تقدَّم
وكما رأينا في هذا الموضع.
نسأل الله -جل وعلا- أن يفقهنا في الدين، وأن يثبتنا عليه، وأن يعصمنا من الفتن ما
ظهر منها وما بطن، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
{شكرَ الله لكم فضيلة الشيخ على ما تقدمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين
حسناتكم.
وفي الختام هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج ومنِّي أنا محدثكم عبد الرحمن بن
أحمد العمر، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسَّلام عليكم
ورحمة الله وبركاته}.
سلاسل أخرى للشيخ
-
12804 18
-
16751 9
-
34829 6
-
3050 13
-
3132 12
-
4154 11
-
5557 12