الدرس السابع

فضيلة الشيخ أ.د. فهد بن سعد المقرن

إحصائية السلسلة

3327 12
الدرس السابع

أصول الإيمان (2)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء العلمي، وأرحب بفضيلة الشَّيخ/ الدكتور فهد بن سعد المقرن. فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشَّيخ}.
حيَّاكم الله يا شيخ عبد الرحمن، وأحيِّي الإخوة المشاهدين والمشاهدات.
{نشرع في هذه الحلقة -بإذن الله- من كتاب "أصول الإيمان" من قول المؤلف -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (عَنْ أبي موسى قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مَثَل مَا بعَثني اللَّه بِهِ منَ الْهُدَى والْعلْمِ كَمَثَلَ غَيْثٍ أَصَاب أَرْضًا فكَانَتْ طَائِفَةٌ طَيبَةٌ، قبِلَتِ الْمَاءَ فأَنْبَتتِ الْكلأَ والْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمسكَتِ الماءَ، فَنَفَعَ اللَّه بِهَا النَّاس فَشَربُوا مِنْهَا وسَقَوْا وَزَرَعَوا. وأَصَابَ طَائِفَةٌ مِنْهَا أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأ فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينَ اللَّه، وَنَفَعَه بمَا بعَثَنِي اللَّه بِهِ، فَعَلِمَ وعَلَّمَ، وَمثلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذلِكَ رَأْسًا وِلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ»)}.
بسم الله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، مرَّ معنا في الحلقة السَّابقة أنَّ من هدي النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضرب الأمثال، والأمثال من أحسن وسائل التَّعلُّم، ومن أحسن وسائل فهم العلم، والقرآن الكريم حافلٌ بالأمثالِ التي ضربها الله -عزَّ وجلَّ- ومن المناسب أن نقول: إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- مثَّلَ الذين يحفظون العلم ولا يعملون به كمثل الحمار كما قال تعالى عن الطَّائفة الغضبيَّة -المغضوب عليهم- وهم اليهود، قال -عزَّ وجلَّ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الجمعة: 5].
وأمثال السُّنَّة مُتعدِّدَةٌ وكثيرةٌ جدًّا، وقد صُنِّفَت فيها مُصنَّفات، ويهمُّنا هنا المثل الذي ذكره النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مَوقف النَّاس من الوحي؛ لأنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شبَّهَ ما جاء به من الهُدَى -ويشمل هذا كلام الله- لأنَّه كلُّه وحي؛ فشبَّه الوحي بالماء الذي تحصل به الحياة، فكما أنَّ الماء الذي ينزل من السَّماء تحصل به حياة الأرض، وتتغيَّر به أحوال الأرض من الجَدَب إلى أن تزهو وتبتهج بكلِّ لونٍ؛ فكذلك الوحي إذا نزلَ على القلوب وانتفعت القلوب به فيحصل لها هذا الذي يحصل للأرض حينما يُصيبها الماء الذي من السَّماء.
وهذا المثل يصف به أحوال الناس في تقبُّلِ ما جاء به محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من العِلم والقرآن، وهذه القسمة ثلاثيَّة:
الطَّائفة الأولى: قال: «كَمَثَلَ غَيْثٍ أَصَاب أَرْضًا فكَانَتْ طَائِفَةٌ طَيبَةٌ، قبِلَتِ الْمَاءَ»، هذه الطَّائفة هي الطَّائفة الطِّيبة، فهي التي قَبِلَت هذا الوحي وانتفعت به عِلمًا وعَملًا، وهي مِن قبل هذا العلم الذي جاء به محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا الوحي وعلَّمَه، فهي أرضٌ أنبتت الكلأ الكثير الذي انتفع به الإنسانُ والحيوانُ، وابتهج به الإنسان والحيوان؛ فأحيا الله به هذا القلب الميت، وأحيا به قلوب الآخرين؛ لأنَّ الله قال عن الوحي: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَ﴾ [الأنعام: 122]، فالوحي هو حياة القلوب، وزينة القلوب وبهجتها، والوحي هو تعلُّم ما جاء عن الله وما جاء عن الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإذا أردنا الحياة لقلوبنا فعلينا أن نحييها بالقرآن وبسنَّة النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبفهم الصَّحابة والتَّابعين لمعاني القرآن، ومعاني سنَّة النَّبي الكريم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فهذه هي الطَّائفة الأولى التي مثَّل لها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالأرض الطَّيِّبة.
أمَّا الطَّائفة الثَّانية: فضرب لها مثلًا يُشاهده الناس في حياتهم، فإنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخاطب النَّاس بما يناسب بيئتهم وبما يُشاهدون، فضرب لهم مثلًا بالأجادب، وهي الأرض الصُّلبة التي يُصب عليها الماء فتحفظه، ومثَّل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك بمن حفظ العلم وتعلَّمَه، ولكنَّه لم يعمل به العمل الكامل، فهو حفظَه ولم يَتَفقَّه فيه التَّفقُّه الواجب، وهو داخل ثناء النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقوله: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَءًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» ، فهو قد حفظ العلم ونقله للناس ولكن لم يتفقَّه فيه التَّفقُّه المطلوب؛ لأنَّ الشَّأن هو العلم والتَّعلُّم، والعلم مع الفقه؛ فهو سالمٌ من الذَّمِّ من وجهٍ، وإن كان يقع عليه التَّقصير من وجهٍ، قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَ﴾ [البقرة: 286].
الطَّائفة الثَّالثة: مثَّل لها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالقيعان، وهي أرضٌ مُستوية لا تمسك الماء ولا تنبت الكلأ، فإنَّ الله تعالى جعل الناس أصنافًا كأصناف الأرض؛ لأنَّ الأرض ليست على مستوًى واحد، فبعض الأراضي ينصب عليها الماء فلا تمسكه، وإنما تجذبه لسافل الأرض ولا تحفظه، كأنَّها لم ينزل عليها الغيث، وَمَثَّلَ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك الذي لم يرفع رأسه للعلم، ولم يعمل ولم يتعلَّم؛ بل مرَّ عليه العلم والوحي دونَ أن ينتفع به، ولهذا كان السَّلف -رحمهم الله- يقولون: "اغدُ عالمًا أو مُتعلِّمًا، ولا تكن الثَّالث فتهلك" ، فعلى طالب العلم وعلى العامِّي أن ينظر في حاله في أي فئةٍ هو، وتبليغ العلم ونشر الخير ليس مقصودًا على طلاب العلم؛ بل هو على كلِّ أحدٍ بشرط أن يعلمَ أنَّ ما ينشره بينَ النَّاس حقٌّ وموافقٌ لهدي النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيُبلِّغ هذا الدين بالعلم أو بالظَّنِّ الغالب.
فهذه أحوال النَّاس في نشر الخير، ونشر ما جاء عن الله، وما جاء عن رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مثل هذه الأمور.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَعَنْ عَائشَة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- أنَّها قالت: "فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ")}.
هذا الأثر مخرَّج في الصَّحيحين من كلام عائشة في شأنِ مَن يتَّبع المتشابه، وهذا الأثر سبقَ الكلام عليه، وهو أنَّ من علامات أهل البدع والشَّكِّ والرَّيب والإيقاع في أهل الإيمان أن يتَّبعون المتشابه؛ لأنَّ الله -عزَّ وجلَّ- قال عنهم: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾ [آل عمران: 7]، وقد ذكرنا أنَّ هذه طريقتهم في كلِّ زمانٍ ومكانٍ على اختلافِ أنواعهم؛ لأنَّ هذا يشمل الذين يتَّبعون المتشابه من اليهود والنَّصارى وأهل الشِّرك وأهل النِّفاق -كما مرَّ معنا في الآثار السَّابقة.
وعلاقة هذا الحديث الذي أورده الشيخ -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- بالباب في طلب العلم علاقةٌ وثيقةٌ؛ لأنَّ طالبَ العلمِ عليه بالمحكم في طلب العلم، وقد بيَّنَّا أنَّ المُحكَّم هو القواعد الثَّوابت الواضحات البيِّنات التي يحصل بها فهم أصول الدِّين وأصول العلم في أبواب العلم، وفي أجناسه المختلفة، فثَمَّ أشياء محكمات على طالب العلم أن يتعلَّمها.
قال تعالى: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ، وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [آل عمران:79]، وجاء عن ابن عباس أنَّ الرَّبَّاني هو: "الذي يُعلِّم النَّاس بصغار العلم قبل كباره" ، يعني: بمحكمه قبل متشابهه، فطالب العلم إذا أراد أن يطلب العلم عليه بالمُحكَم، ولا يصير ديدنه السؤال عن الحكمَة، أو السُّؤال عن المُشكل في العلم وهو لم يعرف أصول العلم؛ لأنَّه إذا لم يعرف أصول العلم لا يستطيع إذا جاءت المسائل المشكلة أن يفهمها على وجهها الصَّحيح، وإذا وقعت النَّوازل فإذا لم يكن عنده فهمٌ ودرايةٌ لقواعد الإسلام وأصوله الكبرى حصل له الزلل في أصول الدين وفي فروعه، وهذا لا ينبغي أن يكون عليه طالب العلم.
وممَّا يُعين الإنسان في ضبطِ هذه الأمور: أن يتعلَّم العِلم عن أهله؛ لأنَّ ابن سيرين قال: "إنَّ هَذَا العِلْمُ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأخُذُون دِينَكُم" .
وجاء في الحديث: أنَّ من علامات السَّاعة: «أَنْ يُلْتَمَسَ الْعِلْمُ عِنْدَ الأَصَاغِرِ» ، وجاء في تفسير كلمة «الأَصَاغِرِ» كلام كثيرٌ جدًّا، أنَّهم أهل البدع، أو مَن ليسوا أهلًا أن يُؤخَذ عنهم العلم، فلابدَّ للإنسان أن يأخذ العلم عن العُلماء، وخاصَّةً فيما يُشكل؛ فيسأل أهل العلم ويرجع إليهم، وأن يلزم طريقة أهل العلم في التَّفقُّه وفي التَّعلُّم وفي التَّعليم، حتى يحصل له السلامة من الزَّلل.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ نَبِىٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِى أُمَّةٍ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ»)}.
هذا الحديث في صحيح مسلم عن ابن مسعود، وفيه مسائل لابدَّ أن نشير إليها؛ لأنَّه حديثٌ عظيمٌ:
المسألة الأولى: قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ نَبِىٍّ»، الحُكم هنا على الأعم الأغلَب من الأنبياء، وإلَّا فقد يوجَد في الأنبياء مَن ليس له تابعٌ كما في الحديث: «عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلاَنِ، وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِىُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ» ، وهذا قد يقع، فإذن الحكم هنا للغالب.
المسألة الثانية: قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَوَارِيُّونَ»، وهم الخُلَّص من أتباعهم، فكل نبيٍّ له خُلَّص من أتباعه، كما كان لعيسى بن مريم حواريُّون.
المسألة الثالثة: قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ»، الخُلُوف: جمع خلَف -بفتح اللام- وبسكونها خلْف، مثل قول الله -عزَّ وجلَّ: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ [مريم: 59].
ومعناه هنا: القرن من الناس، ومَن يأتي بعدُ من الأتباع من الأبناء والأحفاد؛ فكلُّ هؤلاء يعتبرون خلفٌ وخلوف.
والمراد بالحديث: أن الخلوف يكون فيهم التَّغيير والإحداث في الدِّين بصفتين:
• إحداث القول وترك العمل.
• وتجاوز الحدود الشَّرعية بفعل ما لم يُؤمرُوا.
فقال في الحديث: «يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ»، فدلَّ على أنَّ عندهم قولٌ وليس عندهم عمل.
قال: «وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ»، يعني: يتجاوزون الحدود الشَّرعيَّة بأن يفعلوا ما لم يُؤمَروا به، فكل هذا من التَّجاوز، ويدخل في ذلك الابتداع في دين الله -عزَّ وجلَّ- فكل هذا داخلٌ في هؤلاء الخلوف.
والواجب على أهل العلم وطلَّاب أن يردُّوا النَّاس إلى الحق وإلى الهدى بمجاهدة هؤلاء الخُلُوف الذين لابدَّ أن يُجاهَدوا؛ لأنَّهم يحصل عندهم التَّغيير، فالواجب المجاهدة لهم حسب الوسع والقدرة، قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَ﴾ [البقرة: 286]، وقال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَ﴾ [الطلاق: 7]، وقال: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16].
وهؤلاء الخُلُوف قد يكونوا أمراءً، كما حدث في خلفاء بني أميَّة الذين حصل منهم التَّغيير، فإن كانوا أمراء وجب النُّصح لهم في السِّرِّ وعدمِ الإعلان بالنَّصيحة، والصَّبرِ على جورهم، وإقامة السُّنَّة؛ لأنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُمِيتُونَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَ»، قالها للصحابة!
قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: «صَلُّوا الصَّلاة لِوَقْتِهَا وَاجْعَلُوا صَلاتكُمْ مَعَهُ نَافِلَة» ، وليس معنى ذلك إقرارهم؛ بل واجب النَّصيحة؛ لأنَّ الدِّين النَّصيحة، وفي حديث عياض: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلا يُبْدِهِ عَلانِيَةً، وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيَخْلُوا بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ» ، فيُناصحون سرًّا ويُكاتَبونه.
وقد يكون هؤلاء الخُلُوف علماء سوء؛ وحينئذٍ يجب الرَّد عليهم، وبيان ما هم عليه من الباطل، وهذا ديدن أهل الإسلام، فإنَّ دواوين الإسلام ومصنَّفات المسلمين كلها في الرَّدِّ على هؤلاء الذين يحصل منهم التَّغيير والتَّبديل.
فحاصل هذا: أنَّ طالب العلم عليه أن يشتغل بالتَّبيلغ والمجاهدة، والمطلوب من الأمَّة المجاهدة بمراتب الجهاد الشَّرعيَّة، باليد، ثم اللسان، ثم القلب، ولا يُعذَر أحدٌ في الإنكار القلبي كما هو معلومٌ من الشَّريعة.
فهذا هو وجه مناسبة الحديث لِمَا قبله من الأحاديث، ومناسبته للباب الذي عقده الإمام المجدِّد -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ عُمَرَ أَتَاهُ ، فَقَالَ : إِنَّا نَسْمَعُ أَحَادِيثَ مِنَ الْيَهُودِ تُعْجِبُنَا أَفَتَرَى أَنْ نَكْتُبَ بَعْضَهَا؟ فَقَالَ: «أَمُتَهَوِّكُونَ أَنْتُمْ كَمَا تَهَوَّكَتِ الْيَهُودُ والنَّصَارَى؟ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، وَلَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلا اتِّبَاعِي» رواهُ أحمد)}.
هذا حديث جابر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في قصَّة عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّه وجدَ صُحُفًا لليهود؛ والحاصل أنَّ الحديث بهذا الإسناد حسنٌ.
وتحت هذا الحديث مسائل مهمَّة:
المسألة الأولى: قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمُتَهَوِّكُونَ»، التَّهوُّك هو: التَّحيُّر، يعني: أمتحيِّرٌ في شريعة محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يا عمر حتى تأتي بهذه الصُّحف وتقرأها؟!
فيلزم من التَّسليم للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألا ينظر في هذه الكتب التي حصل فيها التَّغيير والتَّبديل؛ لأنَّ مطالعتها تورثكَ التَّحيُّر، ولا شكَّ أنَّ هذا من أمراض القلوب، وهذا أوردَه الشيخ -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- ليُبيِّن أن طالبَ العلم عليه أن يقرأ العلم النَّافع، وأن يُعرض عن العلوم التي لا تنفع، مثل العلوم التي لا فائدة منها، والعلوم التي تورث الشَّك، مثل: علم الكلام والتَّعمُّق فيه، فلا شكَّ أنَّ هذا لا يُناصر طالب العلم.
المسألة الثانية: لماذا غضب النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
جاءت بعض الرِّوايات تفسِّر السَّبب لهذا الغضب، فجاء قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ» ؛ لأنَّ كتبهم دخلها التَّحريف والتَّغيير، ولبسِ الحقِّ بالباطل، فمطالعتها سببٌ للحيرة، وسببٌ لتكذيبِ ما هو حق أو تصديق ما هو باطل، مع هذا الخوض واللَّبس في هذا الأمر اللهُ تعالى أوجدَ لكَ المَعين الصَّافي الزُّلال السَّالم من الباطل، وهو كتاب الله الذي أشار إليه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله: «لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً» ، فلو خُيِّرَ الإنسان بينَ جدول ماءٍ صافٍ عذبٍ وبينَ جدولِ ماءٍ مُكدَّرٍ؛ فأيُّهما يشرب؟ لا شكَّ أنَّه سيشرب من الماء الزُّلال الذي لم يحصل فيه الكدر؛ لأنَّ فطرته تدل على ذلك.
كذلك من المسائل التي تُبحَث في هذا الحديث: أنَّ في الحديث إشارة إلى أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- أخذَ العهدَ على الأنبياء باتِّباع محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «وَلَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلا اتِّبَاعِي»؛ لأنَّ ما من نبيٍّ بعثه الله -عزَّ وجلَّ- إلَّا وقد أخذَ الله عليه الميثاق أنَّه إنْ بُعث محمدٌ في زمانكَ أن تُؤمن به، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾، الإيمان والنُّصرَة. قال: ﴿قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَ﴾، الإصر: هو أشدُّ العهد. قال: ﴿قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: 81]، وكفى بالله شهيدًا!
فلا يسع المكلَّف إلا أن يعلم أنَّ ماء جاء به محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاملٌ على كلِّ الحقِّ والهُدَى والخير الذي جاء في الكتب السَّابقة، إذ أنَّه لو بُعث النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في زمن ذلك النبي ما وسعَه إلا أن يتَّبع محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن علامات القيامة في آخر الزَّمان نُزول عيسى بن مريم، وأنَّه سيحكم بشريعة محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (عَنْ أَبِى ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِىِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلاَ تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ، غَيْرَ نِسْيَانٍ، فَلاَ تَبْحَثُوا عَنْهَ».حديث حسن رواه الدارقطني وغيره.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أن رسول اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ»)
}.
هذان الحديثنا بمعنًى واحدٍ، فأمَّا حديث أبي ثعلبَة الخشني فمِن جوامع كلمِ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومعنى "جوامع الكلم": أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأتي بالكلام المختصر الذي يشمل معانٍ عظيمة.
وقد جمع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث أصول الفرائض والحدود والمُحرَّمات والمسكوت عنه، ويسدلُّ الأصوليُّون بحديث أبي ثعلبَة الخشني -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في مبحث يُسمَّى "البراءة الأصليَّة" وهي خلوُّ الذِّمَّةِ عن الاشتغالِ بالحُكمِ الشَّرعيِّ، وهو ما يُعبَّر به في بعضِ الأحايين بأنَّ الأصل هو الإباحة، وهذا في شأنِ المعاملات وشأنِ إشغال الذِّمَم، فالبراءة الأصليَّة هو سلامَة الذِّمَّة من الحُكم التَّكليفي.
وأمَّا في العبادات: فقد قرَّرَ أهل العلم -كما دلَّت على ذلك الأحاديث- أنَّ الأصل فيها التَّوقيف، أي: يُتوقَّف في إثبات العبادَة على مَا جاء به النَّص، فليس الأصل فيها الإباحة أن يبتدع الإنسان ويُحدِث، فهذا حكمٌ وذاكَ حكمٌ آخر.
كذلك في حديث أبي ثعلبة وحديث أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- إشارة إلى مسائل:
ففي حديث ثعلبة قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلاَ تَبْحَثُوا عَنْهَ»، وفي حديث أبي هريرة قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ».
موضع الشَّاهد أنَّ كثرَة المسائل التي يحصل بها التَّشويش والتَّعلُّق بذلك، كأن يكون ديدن الإنسان هذه الاستشكالات؛ فهذا قد لا يُفيد طالب العلم في طلبه للعلم، ولذا فعليه التَّعلُّم قبل إثارة الإشكالات والاستفهامات التي تمنعه من تعلُّم العلم النَّافع.
وابن القيم لَمَّا صاحبَ الشيخ -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- استقامَت له أحوالٌ كثيرة، وكان قبل ذلك عنده شيءٌ من عدم ضبطِ مسائل الدِّين، فانتفع بشيخ الإسلام ابن تيمية -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- انتفاعًا عظيمًا، وأذكر قصَّة لابن القيم -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- لَمَّا أكثر من إيراد الاستشكالات على ابن تيمية، فقال له: "لا تَجعل قَلْبَك للإيرَادات والشُّبُهَات مثل الإسفنجة فَيَتَشَرّبها، فلا يَنْضَح إلاَّ بها، ولكن اجْعَله كالزُّجَاجة الْمُصْمَتَة تَمُرّ الشُّبُهات بِظاهرها ولا تَسْتَقِرّ فيها، فَيَرَاها بِصَفائه".
فهكذا ينبغي أن يكون طالب العلم في طلبه للعلم، وهذا مناسبة أنَّ المؤلِّف -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- والإمام المُجدِّد أورَده، فطالب العلم لا يحتاج إلى إثارة الإشكالات والاستفهامات أو أغلوطات المسائل، كما سيورده المؤلف -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
{أحسن الله إليكم شيخنا..
هل المراد بكثرة المسائل، هو كثرة الأسئلة عمومًا؟}.
المراد هو السؤال الذي يُنافي التَّسليم، أو السُّؤال الذي مبعثه الشَّك والرَّيب، أمَّا الاستفهام يُثنَى عليه، ولهذا كان ابن عباس وغيره من الصَّحابة يستفهمون من النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكر عن ابن عباس أنَّه لَمَّا سُئِلَ بِما أدركتَ العِلم، قال: "بلِسانٍ سَؤول، وقَلْبٍ عَقُول، وفُؤادٍ غيرِ مَلُول، وكَفٍّ بَذُول، وبَدَنٍ في السَّراء والضَّراء صَبُور" ، فلابدَّ من السؤال، ولكن السؤال المذموم هو السؤال الذي مبعثه الشَّك والرَّيب والتَّعنُّت الذي يُنافي التَّسليم، أو السُّؤال الذي يُراد به حِرمان النَّاس من علم المعلم بكثرة الاستشكالات لأغراضٍ متعدِّدَة، فقد يكون غرضه إحراج المعلم، وقد يكون غرضه التَّشويش على الطُّلاب؛ فكل هذا من الأسئلة المذمومة التي تُنافي طلب العلم.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (عَنْ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نَضَّرَ اللَّهُ امرًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا وَأَدَّاهَا فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلاثٌ لا يَغُلُّ عَلَيْهِنَّ: قَلْبٌ مُسْلِمٌ، إِخْلاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَالنَّصِيحَةُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مَنْ وَرَائِهِمْ». رواه الشَّافِعي والبيْهَقِي في "المدخل" ورواه أحمد وابن ماجه والدارِمي عن زيد بن ثابتٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)}.
حديث ابن مسعود هذا إسناده صحيح، وتحته مسائل:
المسألة الأولى: قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَضَّرَ اللَّهُ»، هذا دعاء بالنَّضارة، وهي الحسنُ والبهاءُ في الوجه، وفيه فضل حديث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتبليغ هذه الأحاديث للأمَّة، وليس من شرطِ الرَّواي أن يفقَهَ الحديثَ وأن يعرفَ معناه، فعلى طالب العلم أن يحفَظ أحاديث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى تصيبَه هذه النَّضارَة، ويُبلِّغه إلى مَن هو أفقه منه.
المسألة الثانية: في الحديث فضل التَّفقُّه، والسُّؤال عن معاني أحاديث النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما يُشكل منها من غريبِ ألفاظها ومعانيها والفقه في ذلك فهمًا يورثه الله -عزَّ وجلَّ- مَن يشاء ويوفقه لمن يشاء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
المسألة الثَّالثة: قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ»؛ لأنَّ النَّاس يتفاوتون في التَّفقُّه، والله -عزَّ وجلَّ- يُفرِّق بينَ النَّاس، ويهبُ لمن يشاء هذا الفقه في الدِّين، فالواجب هو السُّؤال والبحث والتَّفقُّه.
ثم أردفَ هذا بقوله: «ثَلاثٌ لا يَغُلُّ»، الغل: هو الحق والشَّحناء، والمعنى هو النَّهي عن أن ينطوي قلب الإنسان عليها.
وجاء في بعض الرِّوايات: «لَا يَغلُّ»، من الوغول وهو الدُّخول في الشَّرِّ.
وفي رواية: «لَا يُغِلُّ»، من الإغلال وهي الخيانة في كل شيء.
فكل هذه من الروايات المختلفة، والحاصل: أنَّ قلب المؤمن لا ينطوي على غشٍّ في مثل هذه الثَّلاث؛ لأنَّ هذه الثَّلاث مهمَّة جدًّا لأنَّه من أسباب صلاح القلوب، فلا ينبغي لمؤمن أن يكون فيه غشٌّ في مثل هذه الأمور، وهي أنفع ما يكون لطالب العلم الشَّرعي.
أولًا: الإخلاص لله -عزَّ وجلَّ.
ثانيًا: النَّصيحة للمسلمين، فطالب العلم يحتاج أن يكون مخلصًا في طلبه للعلم، فلا ينبغي للمؤمن أن ينطوي على غشٍّ في مثل هذه الأمور، فينبغي أن يُريد وجه الله -عزَّ وجلَّ- في تعلُّمه وفي علمه، والنَّصيحَة للأمَّة؛ لأنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث تميم قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» ، فينصح للمسلمين، وفي حديث جرير بن عبد الله البجلي قال: "بايعتُ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على النُّصح لكل مسلم"، فواجب المسلمين أن يتناصحوا، وأن ينصح بعضهم لبعض، وأن يحب الخير بعضهم لبعضٍ، وبه يكون التَّوادُّ والتَّراحم لهذه الأمَّة.
ثالثًا: لزوم الجماعة، فإنَّ تخلُّف طالب العلم عن هذه الخصال يوقعه في المحظور، ويُخرجه من رحمةِ الجماعَة؛ لأنَّ الجماعة رحمَة، والفُرقَة عذاب.
قال في الحديث: «فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مَنْ وَرَائِهِمْ»، فإنَّ لزوم هذه الخصال الثلاث تورثه البركة.
والمعنى: إنَّ تحقق الإخلاص في القلب، والنُّصح للمسلمين، ولزوم الجماعة؛ كلُّ هذه أسبابٌ في إجابة الدُّعاء ودفع الشُّرور، وهذا يحصل في عباداتٍ كدعاء القنوت في رمضان، ودعاء الخطيب يوم الجمعة، ودعاء المسلمين بعضهم لبعضٍ، كقولنا: "اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات"، الذي ينبغي أن يكون ورد المسلم؛ لأنَّه بهذا الدُّعاء يحمل الرَّحمة للأمَّة، ودعاء بعضهم لبعضٍ بأن الله -عزَّ وجلَّ- يُصلح أحوال المسلمين، وأن يصرف عنهم الشُّرور فيه سببٌ للإجابة، وفيه ترغيب لأهل الإيمان بالدُّعاء العام؛ لأنَّ الدعاء منه دعاء عامٌّ ومنه دعاء خاص؛ فينبغي للأمَّة أن يكون لها حق من دعائك، فالأمَّة على عمومها، وأعيان الأمَّة وعلمائها وأمرائها؛ لابدَّ أن يكون للإنسان من ورده الدُّعاء لهم بأن الله يوفقهم ويسددهم وأن يصلحهم، وأن ينصر بهم الدين، فهذا معنى: «فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مَنْ وَرَائِهِمْ»، يعني: سبب لإجابة الدُّعاء، وسبب للحوط والحفظ، فربما دعوة تخرج من أحدهم يفتح الله -عزَّ وجلَّ- لها باب الإجابة، فيحصل بذلك الخير العظيم، ولهذا نقل عن بعض السَّلف أنَّه قال: "لو كان لي دعوة مجابة لصرفتها للسُّلطان" ؛ لأنَّ بصلاحه صلاح الأمَّة.
ومن علامات أهل السُّنَّة أنَّهم يدعونَ لحكَّامهم وسلاطينهم بالتَّوفيق والسَّداد، فهذا ممَّا جاء التَّرغيب فيه، وجاء به الشَّريعة، وعليه عمل السَّلف.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وعن عبد اللَّه بن عمرو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قال: قال رسول اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعِلْمُ ثَلَاثٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ، أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ، أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ» رواه الدارِمي وأبو داود)}.
هذا الحديث إسناده فيه ضعفٌ، ولكن معناه صحيحٌ، وما زال أهل العلم يستشهدون به في كتبهم.
المسألة الأولى التي ينبغي لها ان تُبحَث تحت هذا الحديث: قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آيَةٌ مُحْكَمَةٌ»، والمقصود بها: المحكَم من القرآن، وهي قواعد الإسلام الكُبرَى.
المسألة الثَّانية: قوله: «أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ»، وهي السُّنَن التي درَجَت عليها الأمَّة من زمن الصَّحابة والتَّابعين ومَن تبعهم، وهم السلف الصالح الذي يُشير إليهم الترمذي -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- بقوله في كتابه "جامع الترمذي: "وعليه العمل"، ويقال: "وليس عليه العمل عند أهل العلم"، واستثنى في كتابه الجامع حديثين ليس عليهما العمل: حديث ابن عباس في (الجمع بينَ الظهر والعصر من غير خوفٍ ولا سفر)، وحديث (قتل الشَّارب في الرَّابعة).
فهذه المسائل هي التي يُشير إليها كذلك الإمام ابن المنذر في كتابه "الإجماع"، فينظر إلى ما عليه العمل من القرون المضَّلَة.
إذن؛ الآية المحكَمة هي: القرآن.
والسُّنَّة القائمة: هي ما يُنقَل عليه العمل، وعليه الاتفاق.
المسألة الثالثة: قوله: «أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ»، وهي علم الفرائض؛ لأنَّ الشيخ -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- بيَّنَ لطالب العلم أبواب العلم النَّافع، وقد وردَ بسندٍ ضعيف عند ابن ماجه أنَّ «أوَّل علمٍ يُرفَع هو عِلم الفرائض»، ولكن الحديث فيه مقال.
وفائدة الحديث لطالب العلم: الحرص على حفظ القرآن، وتعلُّم السُّنَّة، وتعلم السُّنن القائمة التي كان عليها العمل، ومواضع الاتفاق في مسائل الدِّين؛ لأنَّ طالب العلم إذا لم يتعلم هذه المسائل يحصل عنده الشُّذوذ في العلم، فيتبنى غرائب المسائل، ويقع في الشُّذوذات من المسائل، ولكن إذا تعلَّمَ السُّنَّة القائمة يحصل له السَّلامَة من أن يشذَّ عن طريقة السَّلفِ في التَّفقُّهِ والعلمِ. وكذلك الفرائض التي أشار إليها في هذا الحديث.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وعن ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قال: قال رسول اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي القُرآنِ بِرأيِهِ، فَلْيَتَبوأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». رواه التِّرمذي. وفي رواية: «مَنْ قَالَ فِي القُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» رواه التِّرمذي)}.
هذا الحديثان أسانيدها فيها ضعف ولا تسلم من المقال، ولكن لعلها تَقوَى بمجموع طرقها.
ومناسبة ذكر الإمام المجدد -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- هذين الحديثين من باب الوصيَّة لطالب العلم في التَّحذير من القول على الله بغير علم، والقول على الله بغير علم من الكبائر، بل هو قرين الشِّرك في قوله -عزَّ وجلَّ: ﴿قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون﴾ [الأعراف: 33]، وقال: ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤول﴾ [الإسراء: 36].
ومن أعظم الجرم أن يقولَ الإنسانُ في كلام الله -عزَّ وجلَّ- ما ليسَ به علم، ولهذا لمَّا سُئل أبو بكرٍ الصِّديق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عن قوله تعالى ﴿وفاكهة وأب﴾ [عبس: 31]، فهو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- جهل معنى هذا الغريب من القرآن، فقال: "أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ!"، مع أنَّ غيره من الصَّحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- علم معنى الأبِّ وهو: المأكول للأنعام، فالفاكهة مأكولُ الإنسانِ، والأبِّ مأكول الأنعام من العلف وما شاكل ذلك، كما نُقل عن ابن عباس وجماعة.
موضع الشَّاهد: أنَّ أبا بكرٍ الصِّديق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لم يتجاسر أن يفسِّر لفظةً لا يعرفُ معناها في كتاب الله -عزَّ وجلَّ- وهذا يدلُّكَ على أنَّ طالب العلم بحاجة إلى أن يكون وقَّافًا، فما يُشكل عليه من المسائل فالواجب عليه أن يقول: لا أعلم، ولا أدري.
وقال السَّلفُ -رحمهم الله: "نصفُ العِلمِ: لا أَدْرِي"، وسئُل الإمام مالك -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- في مسائل معدودة ومذكورة في المصنَّفات؛ فأجاب في نصفها بــ "لا أدري، ولا أعلم". فلا يَعِبْ طالب العلم أن يقول: "لا أدري ولا أعلم" فيما لا يعرفه.
ومن المُلَح أن يُذكر أنَّ من العلماء االمعاصرين الشيخ ابن باز -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى وأجزل له المثوبة- في برنامجه الماتع والنَّافع "نورٌ على الدَّربِ" الذي تجاوز الألف حلقة؛ سُجِّلَت له مسائل معدودة ومذكورة؛ فكان السَّائل إذا سأل قال الشيخ -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: "لا أعلم، ولا أدري" وربَّما انتشرَت في مقاطع عبرَ شبكات التَّواصل، وهذا يدلُّك على أنَّ من العلم أن تقول لِمَا لا تعلَم "لا أدري" ولا يضيرك في ذلك، فلكَ سلفٌ في هذا، وأمَّا ما علمتَ فعليكَ أن تُبيِّنَه.
فالإنسان يحذر من وساوس الشَّيطان ومن هذه المزالق في أن يتكلَّم وهو لا يعلم -نسأل الله السلامة والعافية.
وما أحوج طلَّاب العلم لمثل هذا، ولا يَعِبْ طالب العلم أنَّه يجهل بعض المسائل، قال تعالى: ﴿والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئ﴾ [النحل: 78].
وقول الإنسان فيما لا يعلمه "لا أعلم" دليل على حرصه وإتقانه في أنَّه لا يتكلَّم إلا بعلم.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم: «مَنْ أُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ، وَمَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ». رواه أبو داود)}.
هذا الحديث في معنى الحديث الذي قبلَهُ، في أنَّه لا يجوز للإنسان أن يتكلَّم بغير علم، والإثم على مَن أفتاه.
وقوله: «وَمَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ»؛ لأنَّ هذا يُخالف نصيحة المسلم للمسلم.
وفي الحديث تحذيرٌ من الفتوى بغير علم، التي يتجاسر عليها فئامٌ من النَّاس، وبعض المسائل من النَّوزال يُحتَاجُ فيها إلى المجامع العلميَّة، ويُحتاج فيها إلى التأمُّل والتَّريُّث، فتجد بعض الناس يُطلق الكلام ويتكلَّم! وهذا -نسأل الله السلامة والعافية- من الإنحراف عن منهج السَّلف في مسائل الإتاء ومسائل العلم؛ لأنَّ طالب العلم لابدَّ أن يكونَ سلفيًّا أثريًّا في تعلُّمه وفي تعليمه وفي فتواه، ولا يعتبر بصنيع الناس أو بواقع الناس، وبخاصة املسائل الكبار، والمسائل التي تحتاج إلى نظرٍ وتأمُّلٍ، فينبغي للإنسانِ ألا يتكلَّم فيها إلا بعلمٍ، فالصَّحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- كانوا يتدافعون الفتوى، وفي الزَّمن السَّابق كان النَّاس يرونَ الفتوى تكليف، ولكن في الأزمنة المتأخِّرَة ربَّما ظنَّ بعضُ النَّاسِ أنَّ الفتوى تشريف! وهذا من الخلل في الفهمِ، وثَمَّ بونٌ شاسعُ بينَ منهج السَّلف -رَحَمَهُم اللهُ تَعَالَى- في الفقه وبينَ منهح بعض المتأخرين، لا نقول: الكل؛ ولكن بعض المتأخرين لهم هذا المنهج -نسأل الله السلامة والعافية.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وعن مُعَاوية -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الغُلُوطَاتِ» . رواه أبو داود - أيضً)}.
هذا الحديث في سنده ضعفٌ، ولكن يحسُن بنا البيان لهذه اللفظة الغريبة، فالأُغْلُوطَات: قيل هي المسائل التي يُراد بها غَلَط المسؤول من معلِّمٍ أو مُفتِي لإظهار فضل السَّائل، أو إغلاط السَّائل لبيان أنَّه دونَ المستوى المطلوب؛ وهذا يُخالف ما جاءت به الشَّريعة من النَّهي عن هذه المسائل، وأنَّ هذا من التَّكلُّف ومن التَّنطُّع المذموم في الشَّريعة.
وقيل إنَّ الأُغْلُوطَات هي: المسائل التي لم تقع؛ وهي من التَّكلُّف المذموم، ولهذا فإنَّ بعضَ المفتيين يسأل المستفتي: هل وقعت أو لم تقع؟ فإذا كانت مسألة متكلَّفة قال: لا تسأل إلا عمَّا وقعَ؛ فإنَّ طلبَ العافية ألا تسأل إلا على ما وقع.
وقيل إنَّ الأُغْلُوطَات هي: المسائل المُشكِلَة التي لا ينبغي لا للعالم ولا للمتعلِّمِ أن يُثيرها؛ لأنَّ إثارتها بلبلةٌ على طالب العلم، وإشكالٌ على المعلم، فطلَّاب العلم يحتاجون أن يُربُّوا بصغار العلم قبل كباره، وإنَّ عليمهم هذه الأغلوطات من المسائل قد يسبب لهم الانقطاع عن التَّعلُّم لأنَّها مسائل مشكلة، فيكون إثارة هذه المسائل فيها قطعٌ لهم في سبيل العلم.
وعلى كلِّ حالٍ؛ هذه وصايا نافعة للمعلِّم وللمتعلِّم، ولهذا أوردها الإمام المجدِّد -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- في هذا الباب النَّافع، وأسأل الله -سبحانه وتعالى -للجمع التَّوفيق والفقه في الدِّين، وصلَّى الله وسلم على نبيِّنا محمدٍ.
{وفي الختامِ نشكركم فضيلة الشَّيخ على ما تقدِّمونَه، أسألُ الله أن يجعلَ ذلك في موازين حسناتِكم.
هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريقِ البرنامج، ومنِّي أنا محدثِّكم عبد الرحمن بن أحمد العمر، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائِعَه، والسَّلام عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته}.

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك