الدرس الخامس

فضيلة الشيخ د. فهد بن سعد المقرن

إحصائية السلسلة

1398 12
الدرس الخامس

أصول الإيمان (2)

{بسم الله الرحمن الرحيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحبُ بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء العلمي، وأرحب بفضيلة الشَّيخ/ الدكتور فهد بن سعد المقرن. فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشَّيخ}.
حيَّاكم الله يا شيخ عبد الرحمن.
{نقرأ في هذه الحلقة -بإذن الله- من كتاب "أصول الإيمان" للشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله.
قال: (وعن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أن رسول اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيباً كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى للغُرَبَاءِ». رواه مسلم)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين.
جرى الحديث في توطئة الحلقة السابقة عن معنى الغُربَة العام، ويحسُنُ بنا أن نُبيِّنَ المسائل التَّابعة لهذا الحديث، ونُبيِّن بعض موضوعات هذا الحديث.
فأول سؤال قد يرد إلى الذِّهن: ما المراد بالغُربة في بداية أمر الإسلام؟ لأنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيب».
والغربة المرادة هنا هي: قلَّة مَن يُؤمن بهذا الدين في أول بدايته، وكان هذا في الصدر الأول من الإسلام، حينما بُعث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى كان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومَن معه في نفرٍ قليل من أصحابه غرباء في قومهم، وهذا هو بدء الإسلام، وهذا هو وصف أهل الإيمان وأهل الإسلام، كما أخبر الله بذلك -عزَّ وَجلَّ- في كُتبه السَّابقة في التَّوراة والإنجيل، وذكر الله -عزَّ وَجلَّ- ذلك في قوله تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمً﴾ [الفتح:29].
فوصفَ الله أهل الإيمان في الإنجيل بأنهم لا يزالون يكثرون بعدَ قلَّةٍ كما يكثر الزَّرع عند أوَّلِ ظهوره، فهذا الزَّرع يبدأ شيئًا قليلًا، ثم يستغلظ، ثم يكون كاملًا ويستوي على سُوقه، فأهل الإسلام في أوَّلِ أمرهم كانوا قلَّة، ثم لا يزالون يتكاثرون حتى حصل الظهور للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سنواتٍ مَعدودة.
ويشهد لهذا سؤالات هرقل عظيم الروم لأبي سفيان بعد صُلح الحديبية، حينما ذهبَ أبو سفيان إلى الشام، وكان هرقل نصرانيًّا وعنده أثارة من علم من الكتاب، فسأل أبا سفيان عن أهل الإسلام: أيزيدون أم ينقصون؟
فدلَّ على أنَّ الإنجيل قد بيَّن أنَّهم لا يزالون يزيدون، كما ذكر الله -عزَّ وَجلَّ- في خبرهم في سورة محمد.
قال أبو سفيان: بل يزيدون.
وهذا هو الشاهد، وهذا هو وجه وصف الإسلام بالغُربة في بدايته.
المسألة التالية: المراد بالغُربة في الحديث.
قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيب»، هذه الغُربة التي لحقت الإسلام في أوله، وستلحق الإسلام فيما بعد.
قيل: الغربة التي تلحق أهل الإسلام في آخر الزمان، كما أنها لحقت أهل الإسلام في أول الإسلام.
وقيل: الغربة هي الغربة التي سببها التَّنقُّص الذي يلحق أهل الإسلام، ويكون الذي جاء به محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الدِّين لا يزال الناس في نقصٍ حتى يكون غريبًا، لتنقُّص أمر الدين عندهم.
ويشهد لهذا ما جاء عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا: الحُكْمُ، وَآخِرُهُنَّ: الصَّلَاةُ»، رواه ابن حبان، وأهل السنن بسندٍ حسن.
ويشهد لهذا قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الْأَمَانَةُ، وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْهُ الصَّلَاةُ» .
فهذا وجه الغربة التي قد تلحق أهل الإسلام، مِن جهة أنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيب».
المسألة الثالثة: مَن هُم الغُرباء؟ لأنَّ النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أثنى عليهم فقال: «فَطُوبَى للغُرَبَاءِ».
جاء في روايات مُتعددة بيان ماهية هؤلاء الغرباء، فجاء: «النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ» ، يعني: في كل قبيلةٍ عدد.
وفي بعض الروايات: «الذين يُصْلِحونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ» ، وفي رواية: «اَلَّذِينَ يَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ اَلنَّاسُ» .
وفي رواية: «قَوْمٌ صَالِحُونَ قَلِيلٌ فِي نَاسِ سَوْءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ» .
وجاء في بعض الروايات: «الْفَرَّارونَ بِدِينِهِم مِنَ اَلْفتَنْ» .
إذن؛ يجمع وصف الغُرَبَاء أنهم هم أهل الحق الذين أخبر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يزالون في الأمَّة، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنْصُورة، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُم وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَى قِيَامِ السَّاعَة» كما هو مصرحٌ به في الأحاديث، فهم أهل السنة والجماعة.
{أحسن الله إليكم...
تقع أزمان في الأمَّة، ونجد من يقول: إنَّ هذا هو زمن الغربة، فهل تكون غُربة جزئية أو غُربة عامَّة؟}.
الغُربة هي أن يكون الإنسان مُتمسِّك بالحق والأكثر على خلافه في الاعتقاد وفي العمل، وفي أمورٍ كثيرةٍ جدًّا، والغُربة تضعُف وتقوَى بحسب المكان والزَّمان، وقد تكون الغربة في مكانٍ، ولا تكون في مكانٍ آخر، فقد يتحقق هذا الوصف في مكانٍ وزمانٍ مُعيَّنٍ دونَ مكانٍ وزمانٍ آخر، فالمطوب هو معنى الغُربة، وهو أنَّ يكون الإنسان مقيمًا على الحق.
إذن؛ الغربة عامَّة وخاصة وجزئيَّة، وتختلف باختلاف الزمان والمكان.
قال سفيان الثوري عن هؤلاء الغرباء: "اسْتَوْصُوا بِأَهْلِ السُّنَّةِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ غُرَبَاءُ".
وهؤلاء الغرباء هم الفِرقَة النَّاجية، والطائفة المنصورة في كل زمان ومكان، وكما تقدم في الحديث من قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُم وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ»؛ لأنهم مُقيمون على الحق، مَنصورون به في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، وهؤلاء هُم أهلُ الجهاد بالحق والحُجَّة والبرهان، ويدعون الناس إليه.
وصفهم الإمام أحمد في رسالته الماتعة "الرد على الزنادقة والجهميَّة"، فقال في مُقدمته: "يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ" ، كلمة بليغة تبيِّن أوصاف هؤلاء الغُرباء الذين يُقيمون على الحق، ويُدافعون عنه، ويعتصمون بكتاب الله، وبسنَّةِ رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفق منهج السَّلف الصالح، فهو منهج مأثور على سلسلةٍ وعلى طريقةٍ علميَّةٍ معروفةٍ، أسانيدهم ثابتةٌ، وتلقيهم للعلم معروف، وهم أهل الحق، وهؤلاء هم الغرباء.
المسألة الرابعة: فضل هذه الغربة.
في الحديث الذي قرأنا: «فَطُوبَى للغُرَبَاءِ».
«فَطُوبَى»: مِن الطِّيب.
وفي بعض الروايات: «لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ» ، هذا الخطاب للصَّحابة، ولاشك أنَّه كلما تزداد غربة الدين على أهل الإيمان؛ يكون الثَّواب مُضاعَفًا، وهذا عظيم فضلِ من يستمسك بالدِّين عند تخلِّي الناس عنه في زمانٍ أو مكان.
هل الغربة تلازمها الوحشَة، أم أنَّ الغربة هي الطُّمأنينية؟
لأنَّ الغريب دائمًا يكون مستوحشًا، فيقول ابن القيم -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- في مدارج السَّالكين: "فَهَذِهِ الْغُرْبَةُ لَا وَحْشَةَ عَلَى صَاحِبِهَا، بَلْ وَآنَسُ مَا يَكُونُ إِذَا اسْتَوْحَشَ النَّاسُ، وَأَشَدُّ مَا تَكُونُ وَحْشَتُهُ إِذَا اسْتَأْنَسُوا، فَوَلِيُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، وَإِنْ عَادَاهُ أَكْثَرُ النَّاسِ وَجَفَوْهُ" .
وأبلغ من هذا الكلام؛ قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: 82]، فهم أهل التوحيد وأهل الحق، المقيمون على ما أقام عليه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه -رضوان الله عليهم.
ابن رجب -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- وهو من أهل العلم والفضل، وله عناية بشرح الأحاديث؛ وله رسالة ماتعة أنصح المشاهدين والمشاهدات أن يقرؤوها، وهي رسالة: "كشف الكربَة في وصف حال أهل الغربة"، شرح فيها هذا الحديث، وهو ممَّن يُفصِّل ويُطيل في الكلام، وحاجة الناس لفهم هذا، حتى لا يستوحش الإنسان في طريقه إلى الله -عزَّ وَجلَّ- من قِلَّةِ السَّالكينَ؛ لأن الاستيحاش لا ينبغي أن يكون لأهل الحق، فهو آنسُ ما يكون؛ لأنَّه يعرف أنَّ ما هو عليه إنَّما هو منهج النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والصَّحابة، وأنَّ الناس لا يزالون في تنقص كما جاء في صحيح البخاري من حديث أنسٍ حينما شكوا إلى انس ظلم الحجَّاج، فقال أنس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "اصْبِروا فإِنه لا يأْتي زمانٌ إلاَّ والَّذي بعْده شَرٌ مِنهُ حتَّى تلقَوا ربَّكُمْ" سمعتُه منْ نبيِّكُمْ" .
وجاء في الحديث: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» ، فالخيريَّة كلَّما بعُدَت عن عهد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلما حصل التَّنقُّص، ولا يزال الناس في نقصٍ، وهذا في العموم الأغلب، ولكن قد يكون في زمانٍ أو مكان تغيَّر هذه النِّسبيَّة.
والمقصود: هو حثُّ أهل الإيمان والإسلام على الاعتصام بكتاب الله، وسنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعدم المبالاة بمَن ينتقد مثل هذه الأمور أو يُعرِضَ عنها.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وعن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِن أَحَدكُمْ حَتَّى يَكُون هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْت بِهِ». رواه البغوي في "شرح السنةِ" وصححه النووي)}.
هذا الحديث ضعفه بعض أهل العلم، وصححه النووي -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى.
قال الشيخ ابن باز-رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- في تعليقه على هذا الحديث: "في إسناده ضعف، ولكن معناه صحيح".
قول النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِن»، يُفيد أنَّ الإيمان المنفي هو كمال الإيمان، كما تقدم في غير هذا من الأحاديث.
وأشار النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث إلى الهوى، فما هيَّة هذا الهوى؟
الهوى: هو الميل إلى خلاف الحق، وقد جاء ذَمُّه في النُّصوص، قال الله -عزَّ وَجلَّ- في وصيته لداود: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [ص:26]. وقال الله -عزَّ وَجلَّ: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾ [النازعات:40].
فالهوى يهوي بالإنسان إلى الميل عن الحقِّ.
فلابد أن يكون هوى الإنسان تبعًا لمَا جاء به محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
متى يكون اتِّباع الهوى مذمومًا؟
الإنسان لا يخلو من هذا الهوى، والمطلوب أن يكون الهوى وفق ما جاء به محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ويكون الهوى مَذمومًا حينما يكون المكلف مُتَّبعًا له مُنقادًا له، وهذا هو الضَّابط.
فالمطلوب من الإنسان أن يكون مُراده ملازمًا لما جاء به النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولعل كلام ابن تيمية يُفسر هذا، فيقول -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: "فَإِنَّ أَصْلَ الْهَوَى مَحَبَّةُ النَّفْسِ وَيَتْبَعُ ذَلِكَ بُغْضُهَا وَنَفْسُ الْهَوَى -وَهُوَ الْحَبُّ وَالْبُغْضُ الَّذِي فِي النَّفْسِ- لَا يُلَامُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ لَا يُمْلَكُ وَإِنَّمَا يُلَامُ عَلَى اتِّبَاعِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا دَاوُدُ إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه﴾ [ص:26]" .
فالمطلوب هو أن يكون هوى الإنسان تبعًا لما جاء به النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وموافقة ما جاء عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سواء كان مرادٌ لذات النفس وهواها، أو خلاف ذلك.
الشيخ المعلمي -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- له لطيفة في هذا الموضوع، فيقول: "فلم يُكلَّف العالِم والإنسان بأن لا يكون له هوى، فإنَّ هذا خارج الوسع، وإنما الواجب على العالم وطالب العلم والإنسان أن يُفتِّشَ في نفسه عن هواها، ثم يتحرَّز منه".
لماذا؟ لأنَّ الهوى يميل بك إلى اتِّبَاع خلاف الحق، والهوى المذموم هو الميل عن الحق، وهذا الأعم الأغلب.
ومغالبة الهوى من الجهاد الذي يُثاب عليه المؤمن، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69].
فإذن؛ المطلوب من العبد أن يُغالب هواه ويُفتّش عنه؛ لأنَّ الهوى قد يأمرك بقطيعة الأرحام، وقد يأمرك بالحَيْف والظَّلم على مَن أساء إليك، وإذا أطعته فقد أطعتَ هواك، والله -عزَّ وَجلَّ- نهى وحرَّم الظُّلم.
فالإنسان يُفتِّش عن هذا الهوى ويتحرَّز منه، ويجعل ما تهواه نفسه تبعًا لما جاء به محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فليس الميزان أن تهوى نفسك هذا الشيء؛ وإنما الميزن هو مُوافقة ما جاء به عن محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالنصوص قاضية على هواك، والنصوص والتكاليف في أعمِّها الأغلب جاءت بمخالفة الهوى.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وعنه أيضا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ، وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي».رواه الترمذي)}.
جاء ذكر بني إسرائيل في مواضع، فهم ذريَّة نبي الله يعقوب -عليه الصلاة والسلام.
وجاء الخبر عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بوقوع تقليد الأمم السابقة في أكثر من حديث، وهو من باب الإخبار به على وجه التحذير، لا من باب التَّشريع أو الحث.
وجاء في رواية أخرى للحديث: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ» -وفي رواية سُنن- «مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ»، وفي بعض الروايات: «حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ»، وفي بعض الروايات: «حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّة».
فالمقصود: المشابهة من كل وجه.
قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شبرًا بشبر، وذراعًا وبذراع»، يعني: المشابهة من كلِّ وجهٍ.
قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، وفي بعض الروايات «لَدَخَلْتُمُوهُ». قالوا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فمَنْ؟!».
ووجه قوله: «في جُحْرَ ضَبٍّ»؛ لأنَّ مَن أدخلَ يده في جحر الضَّبِّ فلا يأمن من الهوام التي تُلازم هذا الجحر.
فإذن جاء الخبر على وجه التَّحذير، وحينما قال: «لا تَقومُ السّاعَةُ حَتّى تَأْخُذَ أُمَّتي بِأَخْذِ القُرونِ قَبْلَها، شِبْراً بِشِبْرٍ وَذِراعاً بِذِراعٍ»، وهي مِن سنَّة الله -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- التي تقع على الأمة.
وعلى أفراد الأمَّةِ وآحادها أن تجتنب هذا المسلك؛ لأنَّ مخالفة اليهود والنصارى من مقاصد الشريعة، ومما جاء به محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كثير من أمور الشريعة، ومع ذلك فإن المشابهة تقع في هذه الأمة، والواقع والتاريخ يشهدان بذلك.
ولهذا فإنَّ المخالفة في شريعة الإسلام تكون في الأمور الظاهرة، فقد جاء عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا على سبيل المثال: «إِنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ» ، وجاء في مسألة اللحية وقص الشَّارب، إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة في التشريع.
فمخالفة اليهود والنصارى وترك مُشابهتهم سببٌ لصلاحِ القلوب واستقامتها، ومخالفتهم في جميع الشؤون مَقصودةٌ للشَّارع، وهذه المخالفة عامَّة في عاداتهم وأخلاقهم وسلوكهم وآدابهم، وإنك لتستغرب ممَّن يدعو إلى مشابهة أهل الكتاب والأمم السابقة في أمور كثيرة، وقد جاءت النصوص بمخالفتهم، وبالنهي عن مُتابعتهم، والنَّهي عن أن يُتَّخَذون بطانةً من دونِ المؤمنين، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ [آل عمران: 118]، إلى غير ذلك من الآيات مطلوبٌ شرعيٌّ، ولهذا قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ» إذن ستكون هذه المشابهة حتى فيما وقعت فيه الأمم السَّابقة وهم بنو إسرائيل في أمور تَنْفر منها الفِطَر السَّليمَة؛ لأنَّ مَن أتى أُمَّه علانيَّة لا شكَّ أنَّ الفِطَر السَّليمة تنفر من هذا؛ ومع ذلك سيقع في هذه الأمَّة مِثلما وقع في بني إسرائيل، ولا شكَّ أنَّ هذا واجبٌ على أهل الإيمان أن يحذروا من مُشابهة هؤلاء، ومن متابعتهم.
ولمَّا سأل الصَّحابة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اليهود والنَّصارى؟) قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ؟».
إذن تأثُّر المسلمين باليهود والنَّصارى هو ممَّا جاء النَّهي عنه، وهو ما جاء الإخبار به عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فواجب الأمَّة أن تحذر مسلك اليهود ومسلك النصارى، ويكفيك في بيان تحذير الله -عزَّ وَجلَّ- أن المسلم في كل ركعةٍ من ركعات صلاته يتعوَّذ بالله من طريق اليهود ومن طريق النصارى، وذلك في قوله تعالى: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: 7]، فالمغضوب عليهم هم اليهود، والضَّالُّون هم النَّصارى، فلا يُمكن أن يكون هناك اتِّفاق بينَ دين اليهود والنَّصارى وبين دين الإسلام الذينَ ختم الله -عزَّ وَجلَّ- بدينهم الأديان، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران:85]، وقال: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: 19].
{أحسن الله إليكم يا شيخنا...
ما الضابط الذي يقع به مُشابهة اليهود والنَّصارى -أو الكفار عمومًا؟}.
ابن تيمية -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى- في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم" بحث موضوع التَّشبُّه بحثًا عظيمًا جليًّا، وذكر في أفراد المسائل ضوابط كثيرة جدًّا، وأهل العلم نصُّوا على أنَّ التَّشبُّه يقع فيما هو من طريقة أهل الكتاب ويكون خاصًّا بهم، سواء كان في مَلبسهم أو هيئتهم، أو في أديانهم؛ فكل ما هو خاص بهم فلا يجوز للمسلم أن يتشبهم بهم فيه.
والنُّصوص تُحذر من المشابهة حتى في مسألة الزيِّ الظَّاهر، أو صبغ اللحى، أو الشَّعر، ففي أشياء كثيرة جاء نصوص في التحذير منه، وجاء عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» ، وهذا يخص أهل الكتاب -اليهود والنَّصارى.
ومن أعظم ما يقع به التَّشبُّه: كما يقع الآن في أفعال بعض المسلمين -هداهم الله إلى الحق- من الاحتفال بأعيادهم؛ فلاشكَّ أنَّ هذا من صور التَّشبه.
والآن تشاهد المجتمعات الإسلاميَّة في خضمِّ هذه الانفتاحات التقنيَّة؛ حتى صارَ أهل اسلام يحتفلون بأعياد اليهود والنَّصارى؛ فلا شكَّ أنَّ هذا من صور التشبه، ومن الوقوع فيما حذر منه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (ولمسلم عن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مرفوعا: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً كانَ لهُ مِنَ الأجْر مِثلُ أُجورِ منْ تَبِعهُ لاَ ينْقُصُ ذلكَ مِنْ أُجُورِهِم شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أوزارهم شَيْئً»)}.
هذا الحديث رواه الإمام مسلم، وتحته مسائل:
المسألة الأولى: مناسبة الحديث للباب.
المناسبة واضحة للقارئ وللمشاهدين وللمشاهدات إذا تمعَّنوا، في بيان فضل الدعوة إلى السُّنَّة، وأنَّ أجر من هُدي يعودُ لمن تسبَّبَ في هذه الهداية، ﴿ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الحديد:21].
ودلَّ على هذا قول الله -عزَّ وَجلَّ- في سورة يس: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: 12]، فلا يضيع من عمل الإنسان شيءٌ، وقد يعمل الإنسان أعمالًا فيكون لها أثر، ثم يموت ولا يعرف الأثر، ولكن الأثر لا ينقطع، وذلك فضل الله.
فالمطلوب من أهل الإيمان أن يكونوا دعاة إلى الحق وإلى الخير، وألا يحقروا من المعروف شيئًا، وألا يحقروا كلمة خيرٍ في الدَّعوةِ إلى هذا الدين القويم الذي جاء به محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو الذي يدعو إلى كل فضيلةٍ وإلى كل خيرٍ.
المسألة الثانية: أفاد الحديث أنَّ الدَّاعي إلى الهُدى يكون له أجر مَن تبعه ممَّن هداهم الله -عزَّ وَجلَّ- بسببه، وهذا ترغيب لأهل الإيمان، وهو أن يكون الإنسان داعيًا إلى الخير، ولا يحقر شيئًا من الخير في دعوة الناس إليه، ولا يحقر تبليغ شيءٍ من الحق الذي بلغه إذا علم أنَّه حق، فإنَّ بعض الناس يستخدم وسائل التواصل في نشر ما لم يتحقق في كونه خير، فلابد أن يتحقق بعلم أن هذا خير، وأنه حق وموافق لما جاء عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيسعَى في نشره وبيانه بينَ الناس، وقد قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعلي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وترغيبًا لأهل الإيمان في الدعوة إلى الحق: «واللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم» ، وحمر النَّعم هي أَنْفَسُ الأموالِ عِندَ العَرَبِ.
المسألة الثالثة: قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئً» .
إذن؛ ثَمَّ مغنم وثَمَّ مغرم، فهناك ترغيب، وهنا ترهيبٌ شديدٌ أن يدعو المرء إلى ضلالةٍ، أو أن يسُنَّ سنن الجاهلية في الإسلام ويدعو إليها، وقد لا يشعر الإنسان باقواله ولا بأفعاله؛ فيكون عليه الوزر، وربما يتكلَّم بكلمةٍ تُوبقه -نسأل الله السلامة والعافية- قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ» ، فينبغي للإنسان أن يكون على حذر، فكما أنَّه يحرص على أن يكون داعيًا للخير؛ يحرص كذلك ويكون على حذرٍ من أن يكون داعيًا إلى الشَّرِّ وهو لا يشعر، يفتح على الناس باب شرٍّ، ولهذا جاء في الحديث: «وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئً» .
وفي قصة قابيل وهابيل عبرة، قال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة:27] الآيات، فقتله فكان عليه كفل كل مَن قُتِلَ؛ لأنَّه أوَّ من سنَّ القتل في بني آدم، فانظر إلى عظيم الوزر! نسأل الله السلامة والعافية.
إذن؛ يُشير الحديث إلى أنَّ الإنسان وأنَّ الداعي إذا أراد أن يدعو؛ لابدَّ أن ينظر ويتأمَّل فيما يدعو إليه، هل هو حقٌّ وهديٌّ أم ضلالة، هل هو حق وهدى وموافق لما جاء عن الله وجاء عن رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم أنه ضلالة؛ لأنَّ الداعي قد يدعو إلى ضلالة وهو لا يشعر -كما قدمنا.
وفي هذا حاجة الناس المجتمع والأفراد إلى تعلم العلم النافع، القائم على البيان، وعلى سنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي يكون به التَّمييز بينَ الهُدى والضلالة، لأنَّ الله أخبرَ أنَّ أهل الباطل يرونَ ما عندهم من البطل أنَّه حقٌّ، ويرونَ أنفسَم على الحق؛ لأنَّ التَّزيين وقع من الله عقوبةً لهم، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف:5]، وقال تعالى: ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنً﴾ [فاطر: 8]، فقد يُزَيَّن للإنسان الباطل فيراه حسنًا.
ولهذا فإنَّ الخوارج يرون أعظم المنكر هو أعظم المعروف، فانقلب الميزان والمفهوم لديهم -نسأل الله السلامة والعافية.
وهذا التَّزيين إمَّا أن يكون في اتِّباع الشُّبهات واتِّباع الهوى، أو في اتِّباع المعاصي والشَّهوات، ولهذا جاء في وصف النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهذه الحالة من كون الإنسان يألَف الباطل، وتتغير عنده المقايس، ويصير القبيح في عينه مليح، ويصير الشَّينُ زينٌ في عينه؛ فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا...» ، إلى أن قال عن القلب الشديد السواد: «كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ»، الميزان عنده مقلوب!
فيجب على الإنسان أن يكونَ قوَّامًا على نفسه في النَّظر والتَّمحيص، والبيان والمراجعة، حتى يرى هل هو سائر على الصراط المستقيم أم على خلاف ذلك؟
المسألة الرابعة: وجوب الحذر من فتح الباطل على الناس، أو افتتاح سنن الجاهلية وأبواب الشر؛ لأنَّ هذا لا يكون وزره فقط وزرٌ مقصورٌ عليه؛ بل إثمه متعدٍّ، فكما أنَّ الأجر لا ينقطع فكذلك الإثم لا ينقطع.
ويشهد لهذا قوله تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النحل: 25].
بلغَ عبد الله بن مسعود الخبر عن أُناسٍ يجلسون حلقًا في المسجد، ويعدُّون التَّسبيح والتَّهليل والتَّحميد بحصًى عندهم، فجاءهم عبد الله بن مسعود ونهاهم، وأمرهم بلزوم السُّنة، وقال في تحذيره لهم: "أوَ مفتتحوا باب ضلالة؟!"، وذلك مصداق قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ».
فحريٌّ بطالب العلم وبالنَّاس جميعًا فيما يتكلمون في أمرِ الدين ألا يتكلموا في مسألة إلا ولهم فيها إمام، وأن يتركوا تفريعات المسائل في الدين للعلماء، حتى يكونوا على منهج أهل السُّنة والجماعة في تلقي العلم وفي تعليمه، فإنَّ السُّنن إذا كانت على ضلالٍ فإنَّ الإنسان يكون عليه وزرها ووزر مَن عمل بها إلى يوم القيامة، وهذا بحرٌ لا ساحلَ له، ولا عصمة إلا لمن عصمه الله -عزَّ وَجلَّ- ولهذا نقول دائمًا: ربنا اهدنا الصراط المستقيم، وثبتنا على السُّنة حتى نلقاك.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وله عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أُبْدِعَ بِي فَاحْمِلْنِي، فَقَالَ: «مَا عِنْدِي»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ»)}.
هذا الحديث مثلما سبقه من الأحاديث في الدلالة على أنَّ الإنسان إذا دلَّ عل خيرٍ فإنَّ له مثل أجر مَن فعلَ ذلك الخير، وإذا رغَّبَ في خير فإنَّ له أجر مَن فعل ذلك، وهذه بشارةٌ لأهل الإيمان في أن يكون الإنسان داعيًا للخيرِ، وداعيًا إلى كل فضيلة، وفي كل أمرٍ يأمر به النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الداعين إلى إقامة الصلاة، المؤذنون، الأئمَّة، المرغِّبون في الخير، المذكرون للنِّاسِ بذكر الله -عزَّ وَجلَّ- والساعين في الإصلاح بينَ النَّاس؛ كل هذا ثوابه لا ينقطع عن الإنسان، والإنسان قد لا يُباشر العمل ولكن يُكتَب له.
وفيما نُقل عن السلف من المعنى ومن الأقوال: "نِيَّةُ المؤمِنِ أَبْلَغُ مِن عَمَلِهِ" .
فالإنسان قد يعمل أعمالًا وهو لا يشعر وتُكتَب له بسبب هذه النِّيَّة الصَّالحة، فالمطلوب هو التَّرغيب في الخير، والتَّنفير عن الشَّرِّ، والدَّعوة إلى الله -عزَّ وَجلَّ- وما زال أهل الإيمان والمجتمَع المسلم بحاجةٍ إلى هؤلاء الدَّاعين إلى الخير والمرغِّبين في الخير بالحكمة، وبالتي هي أحسن، وبالأسلوب اللطيف وبالرفق، لأن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلَّا زانَه ، ولا نُزِعَ من شيءٍ إلَّا شانَه» ، فوظيفة المؤمن هي الدلالة على الخير، فيدل الناس على الخير، ويرغبهم فيه.
ومن وظيفة المؤمن ومن عمله الذي ينبغي ألا ينفك عنه: الدعوة إلى سبيل الله -عزَّ وَجلَّ- وإلى الخير.
{قال -رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وعن عمرو بن عوفٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مرفوعا: «مَن أحيا سنَّةً من سنَّتي، -قد أُميتَت بَعدي- فعملَ بِها النَّاسُ، كانَ لَهُ مثلُ أجرِ من عَمِلَ بِها، لا يَنقصُ مِن أجورِهِم شيئًا، وَمَنْ ابتَدَعَ بِدْعَةً لَا يَرضَاهَا اللَّهُ وَرَسُولُه، فَعَمِلَ بِها، كانَ عليهِ أوزارُ مَن عملَ بِها، لا ينقُصُ مِن أوزارِ من عملَ بِها من الناس شيئً». رواه الترمِذِي وحسنه وابن ماجه، وهذا لفظه)}.
هذا الحديث في معنى الأحاديث السَّابقة، وفيه معنًى زائد في مسألة إحياء سنة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنَّه قال: «مَن أحيا سنَّةً من سنَّتي قد أُميتَت بَعدي»، ولهذا كان السلف -رحمهم الله- يقولون: "إحياء السنة إماتة للبدعة، وإحياء البدع موتٌ للسنن".
والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سنَّته القوليَّة والفعليَّة أشياء كثيرة جدًّا ثابتة عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا تعد ولا تحصى، فقد ورد عنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في طعامه وفي شرابه، وفي تعامله مع أهل بيته، وفي تعامله مع النَّاس، وفي عبادات النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَمَّ أذكار وأوراد؛ فهذا الدِّين الذي جاء عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحصل له في بعض الأزمان أو في بعض الأماكن أن يكون عليه شيء من الاندراس والخفاء، وقد يموت، ومعنى الموت هنا: أنه لا يجد من يُحيي السُّنَّة.
فالمطلوب من أهل الإسلام: إحياء هذه السُّنن، ولهذا قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَن أحيا سنَّةً من سنَّتي قد أُميتَت بَعدي»، وسنن كثيرة جدًّا من سنن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حصلَ لها الاندراس، وفي الحديث ترغيب لأهل الإيمان أن يُحيوا سنة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكن لا يكون إحياء السنة إلا بعد العلم بها، فإذا علم أنَّها سنَّة عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورأى في مكانٍ أو زمان قد جُهِلَت هذه السُّنَّ فليُعلمها النَّاس، وليَدْعُ الناس إليها، ولْيُطبِّقها ويُظهرها حتى يألف الناس هذه السنَّة؛ فيكون له مثل أجر من عمل بها من الناس.
وهذا فضل عظيم جدًّا، أن يحيي الإنسان سنَّة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويُسمع الناس ويُخبر النَّاس بها، لأن كل مَن عمل بهذه السُّنَة بعد الإماتة كان له الأجر.
إذن باب الخير وأجر المؤمن عليه لا ينقطع إلى يومِ القيامة، فكم من أهل العلم وأهل الفضل أعمالهم لم تنقطع بسبب إحياء سنة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين الناس!
فالواجب على أهل الإسلام وأهل الإيمان أن يُراعوا هذه المقاصد الشَّرعيَّة، وأن يحرصوا على تعلُّم سنَّة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنَّ مَن أحبَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تعلَّمَ سنَّته القوليَّة وافعليَّة، وأذكار النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي كان يذكرها، قيامه لليل، أوراده التي كان يذكرها كاستفتاحات الصَّلاة، فكم من استفتاحات النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للصَّلاة جهلها النَّاس، فإذا أحياها المؤمن وعلَّمها للنَّاس كان له أجرهم، وكأذكار الرُّكوع والسُّجود، وسنن كثيرة عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُلِّفَت فيها المؤلفات، ودُوِّنَت فيها الدَّواوين، فالواجب أن يسعى الإنسان في إحياء سنَّةَ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم جاء في الحديث: «وَمَنْ ابتَدَعَ بِدْعَةً لَا يَرضَاهَا اللَّهُ وَرَسُولُه».
البدعة: إحداث في الدين.
وملازمٌ للبدعة أنَّها ضلالة؛ لأنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» ، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ ابتَدَعَ بِدْعَةً لَا يَرضَاهَا اللَّهُ وَرَسُولُه»؛ فهذا وصفٌ ملازمٌ لها ولا ينفك عنها. وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» .
قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ عَلَيْهِ مِثْلَ إِثْمِ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنَ النَّاسِ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِ النَّاسِ شَيْئً» ، فهذا التحذير لأهل الإيمان، ألا يبتدعوا بدعةً في دين الله -عزَّ وَجلَّ- وألا يقولوا على الله بغير علم، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولً﴾ [الإسراء:36].
إذن؛ ثَمَّ مغنمٌ وثَمَّ مغرَمٌ، فانتبه يا عبد الله، وانتبهي يا أمة الله؛ أن يدعو الرجل إلى بدعةٍ وهو لا يشعر!
والواجب هو التَّحقق من وصف العمل هل هو موافق للسنَّة، وجاء عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإسناد صحيح أو لا؛ والآن بحمد الله العلم مُيسَّر.
والحذر من نشر الأحاديث الموضوعة عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما ينتشر الآن بين الناس في وسائل التواصل "أستحلفك بالله نشر هذه الرسالة..."، فكل هذه من البدع التي لا يجوز لأهل الإيمان أن يفعلوها، ولا أن يستخدموا هذا الأسلوب، فالإنسان يكون وقَّافًا على كتاب الله، وعلى سنَّة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{هل لو جاءت الرسالة "أستحلفك بالله نشر هذه الرسالة..."، وعلم الإنسان أنها حديث ضعيف، فهل يجوز نشرها}.
لا يجوز له أن ينشر حديثًا وهو لا يعرف صحَّته، فأحيانًا الحديث الضَّعيف قد يقوى، ولكن قد يكون الحديث موضوعًا، مثل: حديث "مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي"، فهذا حديث موضوع، فتجد مَن ينشره ويقول: "الحاج الذي لم يذهب إلى قبر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه كذا وكذا...، ويستدل بهذا الحديث، فهذا داعٍ إلى بدعة، فمن عمل بها فعليه وزره إلى يوم القيامة.
فالواجب على أهل الإيمان أن يقفوا على وفق ما جاءت به النُّصوص حتى يحصل لهم السَّلامة، فإنَّ السَّلامة لا يعدلها شيء، فكما أنَّ ثَمَّ مغنم فثَمَّ مغرم، فالإنسان يتبيَّن في أموره كلها، وبخاصَّة في أمر الدَّين، لأنَّه لا تكفي النِّيَّة الطَّيبة؛ لأنَّ شَرطَا قبول العمل: الإخلاص والمتابعة، أي متابعة ما جاء عن النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والله أعلم، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{وفي الختامِ نشكركم فضيلة الشَّيخ على ما تقدِّمونَه، أسألُ الله أن يجعلَ ذلك في موازين حسناتِكم.
هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريقِ البرنامج، ومنِّي أنا محدثِّكم عبد الرحمن بن أحمد العمر، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائِعَه، والسَّلام عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته}.

 

المزيد إظهار أقل
تبليــــغ

اكتب المشكلة التي تواجهك